دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 92798
تحميل: 3819


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92798 / تحميل: 3819
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

وقريب منه في «كنز العمال»(١) .

وقال ابن الأثير في «كامله»(٢) : «قال ابن المسيّب : حجّ عمر ، فلمّا كان بضَجَنان(٣) قال : كنت أرعى إبل الخطّاب في هذا الوادي في مِدْرَعة صوف ، وكان فظّاً ، يُتعبني إذا عملتُ ، ويضربني إذا قصّرتُ».

ونحوه في «تاريخ الطبري»(٤) .

وفي «الاستيعاب» بترجمة عمر(٥) .

ونقل ابن أبي الحديد(٦) ، عن أبي عبيد في «غريب الحديث» ، أنّ عمر قال : «لقد رأيتُني وأُختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً(٧) لنا ، قد ألبستنا أُمّنا نُقبَتَها(٨) ، وزوّدتنا يَمنتَيْها هَبيداً(٩) ، فنخرج بناضحنا ،

__________________

(١) في كتاب الخلافة ، في مقاسمة مال العمّال ، ص ١٨٤ من الجزء الثالث [٥ / ٨٥٣ ح ١٤٥٥٠]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٣٠ من الجزء الثالث [٢ / ٤٥٦ حوادث سنة ٢٣ هـ]. منه (قدس سره).

(٣) ضَجْنان أو ضَجَنان : جبل أو جُبيل بناحية مكّة على بريدة منها على طريق المدينة ، وقيل : بينه وبين مكة ٢٥ ميلا ، وقيل : جبل بناحية تهامة.

انظر : معجم ما استعجم ٣ / ٨٥٦ ، معجم البلدان ٣ / ٥١٤ رقم ٧٧٣٩.

(٤) ص ٢٩ من الجزء الخامس [٢ / ٥٧٥ ـ ٥٧٦]. منه (قدس سره).

(٥) الاستيعاب ٣ / ١١٥٧.

(٦) ص ٩٧ من المجلّد الثالث [١٢ / ٢٠]. منه (قدس سره).

وانظر : غريب الحديث ـ للهروي ـ ٣ / ٢٥٦ ، الأموال : ٦٧٥ ح ١٧٧٦.

(٧) الناضح : البعير أو الثور أو الحمار الذي يُستقى عليه الماء ، والأُنثى بالهاء ، ناضحة ؛ انظر : لسان العرب ١٤ / ١٧٤ مادّة «نضح».

(٨) النُقبة : القطعة من الثوب يُؤتَزَرُ بها ، وهي قدْرَ السراويل تُجعل لها حُجْزةٌ مَخِيطَةٌ ، وتُشدّ كما تُشد حُجزة السراويل ؛ انظر : لسان العرب ١٤ / ٢٥٠ مادّة «نقب».

(٩) الهَبِيد : الحنظَل ، وقيل حبّه ، واحدته هَبِيدة ، وهو أنْ يُنقع حبّ الحنظل

١٦١

فإذا طلعت [الشمس] ألقيتُ النقبة إلى أُختي وخرجت أسعى عرياناً ، فنرجع إلى أُمّنا وقد جعلت لنا لَفيتة(١) من ذلك الهَبيد ، فيا خِصْباه(٢) !».

فمَن هذا حاله وحال أبيه ، ويحمل حزمة الحطب على رأسه ، كيف كان صنديداً كبيراً؟!

وكيف كان في الجاهليّة مهيباً معظّماً مقبولَ القول ، وله ولأبي جهل رئاسةُ شبّانِ قريش والاستيلاءُ والقوّةُ؟!

وأمّا قوله : «وأُمه مخزوميّة أُخت وليد بن المغيرة»

فخلاف قول أصحابه ؛ فإنّها على هذا بنت المغيرة ، وأصحابه اختلفوا في أنّها بنت هشام بن المغيرة ، أو هاشم بن المغيرة كما في «الاستيعاب» ، وصوّب أنّها بنت هاشم(٣) .

__________________

أيّاماً ثمّ يُغسل ويُطرح قشره الأعلى ، فيطبخ ويُجعل فيه دقيق وربّما جُعل منه عصيدة.

انظر : لسان العرب ١٥ / ١٤ مادّة «هبد».

(١) اللفيتَة : أن يُصفّى ماءُ الحنظل الأبيض ، ثمّ تُنصَب به البُرمة ، ثمّ يُطبخ حتّى ينضجَ ويخثُر ، ثمّ يُذرّ عليه دقيق ؛ واللفيتة : العصيدة المغلّظة ، وقيل : هي مرَقةٌ تشبه الحيس ، وقيل : هي ضرب من الطبيخ.

انظر : لسان العرب ١٢ / ٣٠٢ مادّة «لفت».

(٢) كان في الأصل : «فأحصيناه» ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الاستيعاب ٣ / ١١٤٤ رقم ١٨٧٨.

وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٠١ رقم ٥٦ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ١ / ٣٨ رقم ٢ ت ١٣٠ ، أُسد الغابة ٣ / ٦٤٢ رقم ٣٨٢٤ ، الإصابة ٤ / ٥٨٨ رقم ٥٧٤٠.

نقول : في بعض المصادر المذكورة آنفاً أنّ أُمّه هي : حنتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي ، وفي بعضها : حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ؛ فعلى الأوّل تكون أُخت أبي جهل الوليد ، وعلى الثاني تكون ابنة عمه ؛ فلاحظ!

١٦٢

وحكى السيّد السعيد ، عن ابن شهرآشوب وغيره ، أنّ هاشماً وجد حنتمة مرميّة في الطريق ، فأخذها وربّاها ، ثمّ زوّجها الخطّاب(١) .

وهو الأقرب ؛ فإنّ الخطّاب أقلُّ نفساً وبيتاً من أن يتزوّج بنت هاشم الصُّلبية(٢) ، ولا سيّما أنّ أُمّ الخطّاب ـ أو جدته لأبيه ـ «نفيل» ، أَمةٌ زنجيّة(٣) ؛ والعرب تأنف من الزنوج(٤) ، وإنّما نُسبت إلى هاشم بالتبنّي والتربية ، كما هو عادة العرب.

وأما ما زعمه من اختفاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت الأرقم

فكذب ظاهر ؛ لأنّ عمّه أبا طالب (عليه السلام) أقوى على حفظه ، ويواسيه بنفسه وأولاده ؛ ومن يقدر على قتله وعمه في الحياة؟!

روى الحاكم في «المستدرك»(٥) ، وصحّحه على شرط الشيخين ، عن عائشة ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال : «ما زالت قريش كاعةً (٦) حتّى

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ٥٢٠ الطبعة الحجرية ؛ وانظر : الصراط المستقيم ٣ / ٢٨ ، بحار الأنوار ٣١ / ٢٠٤.

(٢) كذا في الأصل ، نسبةً إلى الصلْب ؛ وهو من الظهر وكلّ شيء من الظهر فيه فقار ، وأراد بها النسبية ، ولم يَرِدْ بها الاستعمال ، والفصيح الوارد مجازاً أن يقال : صلِيبة ؛ أي خالصة النسب.

انظر : تاج العروس ٢ / ١٤٨ ـ ١٥٢ مادّة «صلب».

(٣) المنمّق ـ لابن حبيب ـ : ٤٠٠ ، المحبّر : ٣٠٦ ، مثالب العرب ـ للكلبي ـ : ١٠٣.

(٤) انظر مؤدّاه في : رسائل الجاحظ ١ / ١٣٩ و ١٥٣ ، الشعر والشعراء ١ / ٢٥٠ ، المستطرف ٢ / ٨٦ ـ ٨٧.

(٥) ص ٦٢٢ ج ٢ [٢ / ٦٧٩ ح ٤٢٤٣]. منه (قدس سره).

(٦) الكاعةُ : جمع الكاعِّ ، وهو الجبان الناكص على عقبيه ، والضعيف العاجز الذي لا يمضي في عزم ولا حزم ، وبه فُسّر لفظ الحديث في كتب اللغة ، والفعل فيه : كعَّ يَكعُّ ـ بكسر الثاني وضمّه ـ كعاً وكعُوعاً وكَعاعة وكيعُوعةً ، فهو كعٌّ

١٦٣

توفّي أبو طالب ».

وأما ما زعموه من دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يُعزّ الإسلام بعمر أو أبي جهل

فمن الغرائب ؛ فإنّ الإسلام إذا لم يعزّ بأبي طالب وبنيه وحمزة وذويه ، فكيف يعزّ بعمر وهو حطّاب ذليل؟!

وأيُّ نسبة في الشرف والعزّ بينه وبين أبي جهل حتّى يُعادل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهما؟!

وأعجب من هذا جعلُه من أقران حمزةَ أسدِ الله ورسوله ، حتّى يتقدّم معه المسلمون ويُصلّوا في الحرم ويطوفوا بحمايته!

وأين منه هذه الشجاعة يوم الخندق ، وخيبر ، وأُحد ، وحنين؟!

وكيف تجتمع هذه الدعاوى مع ما رواه البخاري(١) ، عن ابن عمر ، قال : بينما هو في الدار خائفاً إذ جاءه العاص فقال له : ما بالك؟!

قال : زعم قومك أنّهم سيقتلونني إن أسلمت.

قال : لا سبيل إليك ، بعد أن قال : أمِنْتُ.

فخرج العاص فلقي الناس ، فقال : أين تريدون؟!

فقالوا : نريد ابنَ الخطّاب الذي صبا.

فقال : لا سبيل إليه ؛ فكرَّ الناس»؟!

وروى أيضاً عن ابن عمر ، قال : «لمّا أسلم عمر اجتمع الناس عند داره ، وقالوا : صبا عمر ـ وأنا غلام فوق ظهر بيتي ـ ، فجاء رجل عليه

__________________

وكاعٌّ.

انظر مادّة «كعع» في : لسان العرب ١٢ / ١١٠ ، تاج العروس ١١ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(١) في أواخر صحيحه ، في باب إسلام عمر [٥ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ح ٣٤٧]. منه (قدس سره).

١٦٤

قَباء(١) من ديباج ، قال : قد صبا فما ذاك؟! فأنا له جار.

قال : فرأيت الناس تصدّعوا عنه ، فقلت : من هذا الرجل؟

قالوا : العاص بن وائل»(٢) .

وأمّا قوله : «كان وزيراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لا يصدر عن أمر إلاّ برأيه ومشاورته» ؛ فقد سبق مثله في حقّ أبي بكر ، وعرفت الكلام فيه(٣) .

وأما قوله : «كان ينطق السكينة على لسانه ، كما روي في الصحاح ...» إلى آخره

ففيه : إنّ هذا ـ وسائر ما يذكره من أخبارهم ـ إن أراد به البيان لأصحابه ، فهم في غنىً عنه ؛ لعلمهم بها.

وإنْ أراد به الاستدلال علينا ، فهو خطأ ؛ لأنّا نعتقد كذبها ؛ إذ هي ـ مع ما عرفت من حال رواتها ـ قد قامت الضرورة والأدلّة الواضحة على كذبها ؛ إذ كيف تصحّ دعوى نطق السكينة ووضع الحقّ على لسان عمر وقلبه ، وقد شكّ يوم الحديبية(٤) ، وأنكر على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنكر(٥) ، ونسب إليه الهجر(٦) ، فسببَ كلّ ضلال وقع ويقع إلى يوم القيامة؟!

وكيف تُحتمل الصحّة في ما رووه : «لو كان بعدي نبيّ لكان عمر»؟!

__________________

(١) القباء : ضربٌ من الثياب ، سُمّي بذلك لاجتماع أطرافه ، والجمع : أَقْبِيَة ؛ انظر : تاج العروس ٢٠ / ٦٣ مادّة «قبو».

(٢) صحيح البخاري ٥ / ١٣٨ ح ٣٤٨.

(٣) راجع الصفحات ٦٤ ـ ٦٦ ، من هذا الجزء.

(٤) إشارة إلى قول عمر يوم الحديبية : «ما شككت مذ أسلمتُ إلاّ يوم صالحَ محمّد أهلَ مكة» ؛ وسيأتي تفصيل ذلك في محلّه من الجزء الثامن.

(٥) راجع : ج ٤ / ٢١٣ هـ ٥ ، من هذا الكتاب.

(٦) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ من هذا الكتاب ؛ وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها من هذا الجزء ؛ فراجع!

١٦٥

فإنّ الإيمانَ مطلقاً ـ أو بعد البلوغ ـ شرطُ النبوّة ، وعمر قضى أكثر عمره في الكفر!!

وكيف تُقبل دعوى فرار الشيطان منه ، ولم يفرّ ـ بزعمهم ـ من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى ألقى على لسانه كلمة الكفر ، ولا عن آدم وغيره من الأنبياء(١) ؟!

وهو ـ أيضاً ـ قد استزلّه الشيطان وأشباهه يوم أُحد ، ففرّوا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال تعالى :( إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهُم الشيطان ) (٢) (٣) .

وقد قال أبو بكر : «إنّ لي شيطاناً يعتريني»(٤) ، وهو عندهم خيرٌ من عمر ، ورَوَوْا : «إنّ لكلّ إنسان شيطاناً»(٥) .

وليت شعري ، ما الذي يخافه الشيطان من عمر حتّى يفرّ منه ، ولا يسلك فجه ولا سلطانَ له عليه؟!

ومن المضحك أن يجعل هذا الخبر من الإلزاميات العجيبة لنا ، مع ما عرفت من حاله ، وأنّه من أخبارهم.

وأظرف منه استشهاده به ؛ لكون المنافقين وأهل الفساد يخافون من عمر ، فإنّه لم يظهر من النسوة شيء من النفاق والفساد ، وإلاّ فكيف سكت

__________________

(١) راجع مبحث عصمة الأنبياء (عليهم السلام) في : ج ٤ / ١٧ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٥٥.

(٣) انظر : شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٩٣ وج ١٥ / ٢٠ و ٢٢.

وقد تقدّم فرار عمر والصحابة في الحرب في : ج ٤ / ٥٧ هـ ١ وج ٦ / ٤١٤ ـ ٤١٦ و ٤١٨ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

(٤) تقدّم تخريجه في الصفحة ٢٣ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

(٥) تقدّم تخريجه في الصفحة ٢٤ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

١٦٦

عنهنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، اللّهمّ إلاّ على روايتهم أنّ النبيّ يحبّ الباطل دون عمر؟!

وأظرف من الجميع جعل ذلك دليلا على هيبة عمر ، والحال أنّ النسوة قُلنَ له بوجهه : «إنّك أفظُّ وأغلظ» ، ولو قال : إنّه دليل على فظاظته ؛ لكان أَوْلى(١) .

وأما ما رواه من تأويل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لقميصه المجرور بالدِّين

فغريب ؛ لأنّ جرّ القميص يدلّ على التبختر والبطر ، فكيف يؤوّل بالدين؟!

وما زعمه من حضوره في جميع الغزوات

فغير بعيد ، ولكن لا فائدة به مع عدم القتال ، والهزيمةِ عند مصادمة الرجال!

وأمّا ما ذكره من أنّ القرآن ينزل على تصديقه ، فقد سبقه إليه ابن حجر في «صواعقه» ، وعدّ من موافقة القرآن له تكلّمه بجملة من الآيات قبل نزولها(٢) ، وحينئذ فلا معجزة في القرآن ، أو هو سارق من عمر!!

وعدّ أيضاً من موافقاته له ما نقله عن «مسند أحمد» ، ورأيته أنا فيه(٣) : «إنّ عمر جامع زوجته بعد الانتباه ليلة الصيام ـ وقد كان حراماً في أوّل الإسلام ـ فنزل :( أُحلّ لكم ليلة الصيام الرَّفثُ إلى نسائكم ) (٤) الآية.

__________________

(١) وانظر : ج ٤ / ٢٣٨ ، من هذا الكتاب.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٥١ ـ ١٥٤.

(٣) ص ٢٤٧ من الجزء الخامس. منه (قدس سره).

وانظر : الصواعق المحرقة : ١٥٣.

(٤) سورة البقرة ٢ : ١٨٧.

١٦٧

وروى ـ أيضاً ـ أحمد ما يدلّ على ذلك(١) .

وأنت تعلم أنّ عدّ هذا بالموافقات غريب ؛ فإنّه بالمخالفات أشبه ؛ لأنّه من فعل الحرام والمخالفة لله ورسوله!

غاية الأمر أنّه سبب نسخ الحكم ، وهو ليس من الموافقة في شيء ، إلاّ أن يكون عمر أراد بفعله الحرام نسخ حكم الله ، فنُسخ تبعاً له ؛ فتأمّل!

إلى غير ذلك من الموافقات التي لا ربط لجملة منها بالموافقة ، وينبغي عدّ كثير منها في الهزليّات ؛ فراجع(٢) !

ثمّ إنّ ما ذكره في كيفيّة الموافقة في قصّة أسرى بدر ، دالٌّ على أنّ الله سبحانه أنزل في النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر :( تريدون عرضَ الدنيا ) (٣) ، وقوله تعالى :( لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) (٤) ؛ فيكون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) طالباً لعرض الدنيا ومستحقاً لأنْ يمسّه عذاب عظيم ، ومجوّزاً لأخذ الفداء من عند نفسه لا من الله تعالى ، وهذا هو الكفر والتكذيب لقوله تعالى :( وما ينطق عن الهوى * إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحى ) (٥) .

كما إنّه يوجب التناقض بين أقوال الله سبحانه ، فإنّه يقول :( وما آتاكُم الرسولُ فخُذُوه ) (٦) ، ثمّ يؤنّبهم على أخذ الفداء ، وهو عن إذن

__________________

(١) ص ٤٦٠ من الجزء الثالث. منه (قدس سره).

(٢) انظر علاوة عمّا في «الصواعق المحرقة» : مجمع الزوائد ٩ / ٦٧ ـ ٦٨ ، كنز العمال ١١ / ٥٨٠ ح ٣٢٧٥٧.

(٣) سورة الأنفال ٨ : ٦٧.

(٤) سورة الأنفال ٨ : ٦٨.

(٥) سورة النجم ٥٣ : ٣ و ٤.

(٦) سورة الحشر ٥٩ : ٧.

١٦٨

النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وإيتائه.

ويشهد لكون تجويز أخذ الفداء من الله تعالى ما رواه في «الدرّ المنثور» ، عن عبد الرزّاق ، وابن أبي شيبة ، أنّهما أخرجا عن أبي عبيدة ، قال : «نزل جبرئيل على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر فقال : إنّ ربّك يُخيّرك إنْ شئت أن تقتل هؤلاء الأسرى ، وإنْ شئت أن تفادي بهم ويُقتل من أصحابك مثلهم.

فاستشار أصحابه ، فقالوا : نُفاديهم فنقوى بهم ويُكرم الله بالشهادة من يشاء»(١) .

ومِن هذا يُعلم أنّ المراد بما أخذه في قوله تعالى :( ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يُثخنَ في الأرض ) إلى قوله :( لمسّكم فيما أخذتُم عذاب عظيم ) (٢) ليس هو أخذ الفداء على الأسرى ؛ فإنّه برخصة الله وإذن نبيّه.

على أنّ الأسر وأخذ الفداء على الأسرى لم يكونا قبل الإثخان في الأرض ؛ إذ أيُّ إثخان أعظمُ من قتل أعيان المشركين وغلبتهم ، الذي سمّاه تعالى ذات الشوكة وقطعاً لدابر الكافرين بقوله سبحانه :( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يُحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين ) (٣) ؟!

فلا بُد أن يُراد بما أخذوه ما جنوْه من مخالفةِ رغبةِ

__________________

(١) الدرّ المنثور ٤ / ١٠٦ ؛ وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٢٠٩ ح ٩٤٠٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٤٧٥ ح ٣٤.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٧ و ٦٨.

(٣) سورة الأنفال ٨ : ٧.

١٦٩

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حرب النفير وطلبهم غنيمة العير وأسر مَن فيها.

رُوي في «الكشّاف» وغيره ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) استشار أصحابه فقال : العيرُ أحبُّ إليكم أم النفير؟

فقالوا : العِيرُ أحبُّ إلينا من لقاء العدوّ.

فتغيّر وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ ردّد عليهم فقال : العير قد مضت إلى ساحل البحر ، وهذا أبو جهل قد أقبل.

فقالوا : يا رسول الله! عليك بالعير ودعِ العدوّ(١) .

ونقل السيوطي في «الدرّ المنثور» ، في تفسير قوله تعالى من سورة الأنفال ـ أيضاً ـ :( كما أخرجك ربُّك من بيتك بالحقّ ) (٢) الآية ، عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن أبي أيّوب الأنصاري ـ من حديث قال فيه ـ : إنّ النبيّ قال : ما ترون في القوم ، فإنّهم قد أُخبروا بمخرجكم؟

فقلنا : يا رسول الله! لا والله! ما لنا طاقة بقتال القوم ، إنّما خرجنا للعير.

ثمّ قال : ما ترون في قتال القوم؟

فقلنا مثل ذلك.

فقال المِقداد(٣) : لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى :

__________________

(١) الكشّاف ٢ / ١٤٣ في تفسير الآية ٥ من سورة الأنفال ؛ وانظر : تفسير الثعلبي ٤ / ٣٣٠ ، تفسير الفخر الرازي ١٥ / ١٣٠ ، تفسير النسفي ٢ / ٩٤ ـ ٩٥ ، تفسير ابن جزَيّ ٢ / ٦١.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٥.

(٣) سيأتي بيان حاله مفصلا في الصفحة ٥٥٩ هـ ٢ ، من هذا الجزء ؛ فراجع!

١٧٠

( اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون ) (١) (٢) الحديث.

وروى مسلم(٣) : «أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ، فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه ، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه».

ومثله في «مسند أحمد»(٤) من طريقين.

وروى السيوطي في «الدرّ المنثور» ، أنّهما قالا(٥) : «إنّها قريش وخُيلاؤها(٦) ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلّت منذ عزّت ، فتأهّب لهم يا رسول الله!»(٧) .

ونقل السيوطي ـ أيضاً ـ ، عن ابن أبي شيبة وابن مردويه ، أنّه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بدر ، حتّى إذا كان بالرَّوْحاء خطب الناس ، فقال : كيف تَرَوْن؟

فقال أبو بكر : يا رسول الله! بلغنا أنّهم كذا وكذا.

ثمّ خطب الناس فقال : كيف تَرَوْن؟

فقال عمر مثل قول أبي بكر(٨) الحديث.

وبهذين الحديثين ونحوهما يُعلم أنّ إعراض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٢٤.

(٢) الدرّ المنثور ٤ / ١٤ ؛ وانظر : تفسير ابن أبي حاتم ٥ / ١٦٥٩ ح ٨٨٠٥.

(٣) في باب غزوة بدر من كتاب الجهاد [٥ / ١٧٠]. منه (قدس سره).

(٤) ص ٢١٩ [و ٢٢٠] ج ٣. منه (قدس سره).

(٥) كذا في الأصل ، وهو من سهو قلمه الشريف ؛ لأنّ المنقول ـ كما في المصدر ـ هو قول عمر لم يشركه فيه أحد غيره ؛ فلاحظ!

(٦) في المصدر : «وعزّها».

(٧) الدرّ المنثور ٤ / ٢٠.

(٨) الدرّ المنثور ٤ / ١٥ ؛ وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٤٦٩ ح ٨.

١٧١

الشيخين ـ المذكور في حديث مسلم ـ ، إنّما هو لتخذيلهما عن حرب النفير ؛ لا لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد جواب الأنصار.

كما يشهد له سرورُه بكلام المقداد ـ وهو ليس من الأنصار ـ حتّى أشرق وجه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله.

وقال ابن مسعود : «لأنْ أكون صاحبَه أحبُّ إليَّ ممّا عُدِل به» ، كما رواه البخاري(١) .

فقد ظهر أنّ قوله تعالى :( ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى ) (٢) الآية ، إنّما هو تقريع لعمر وكلّ مَن أراد العِيرَ ، وأسرَ مَن فيها ، ومجانبة النفير.

فالآية قريبة من الآية التي سبقت عليها بأوّل السورة وهي قوله تعالى :( وإذْ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم ) (٣) الآية.

ولو سُلّم أنّ قوله تعالى :( ما كان لنبيّ ) الآية ، توبيخ على الأسر في حرب النفير ، بناءً على أنّه قبل الإثخان في الأرض ، فلا ريب أنّه لا بأس على النبيّ فيه ؛ لأنّه ليس بإذنه ، بل فعله المسلمون من تلقاء أنفسهم طلباً لعرض الدنيا ، وإنّما أجاز لهم الله ورسوله أخذ الفداء تأليفاً لهم ـ حيث رغبوا فيه ـ ، ورعايةً للمصلحة الوقتيّة.

__________________

(١) في أوّل الجزء الثالث ، في باب قول الله تعالى( إذ تستغيثون ربّكم ) الآية [٥ / ١٨٠ ح ٤]. منه (قدس سره).

وانظر : دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٣ / ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٧.

(٣) سورة الأنفال ٨ : ٧.

١٧٢

وحينئذ ؛ فالمراد بما أخذوه في قوله تعالى :( لمسّكم فيما أخذتُم عذاب عظيم ) (١) ، هو اتّخاذهم للأسرى بدون إذن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ طلباً لعرض الدنيا.

وبالجملة : لا بأس على رسول الله في أصل الأسر ؛ لأنّه من دون إذنه ، ولا في أخذ الفداء ؛ لأنّه برخصة الله تعالى.

فما زعمه الفضل من نزول الآية توبيخاً للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ظلمٌ له ، وكذبٌ على الله عزّ وجلّ.

ولعلّ سببه ما قاله لهم عمر مِن موافقة الله له ، ومخالفته للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر الأسرى.

ويكذِّبُه ـ بعد امتناع أن يستبيحَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أمراً ويقولَ من غير وحي ـ ما رواه الطبري في «تاريخه»(٢) ، عن محمّد بن إسحاق ، قال : «لما نزلت هذه الآية( ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى ) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو نزل عذاب من السماء لم ينجُ إلاّ سعد بن معاذ ؛ لقوله : يا نبيّ الله! كان الإثخانُ في القتل أحبَّ إليَّ من استبقاء الرجال».

وهو قد قال ذلك ـ كما في رواية الطبري(٣) ـ لمّا رأى المسلمين يأسرون المشركين ، وهو على باب العريش.

وإنّما جعلناه مكذّباً لدعوى عمر ؛ لأنّه لو كان ممّن يريد قتلهم ـ كما زعمه ـ لاستُثني مع سعد في رواية ابن إسحاق.

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٦٨.

(٢) ص ٢٩٦ ج ٢ [٢ / ٤٧ حوادث سنة ٢ هـ]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٢٨١ ج ٢ [٢ / ٣٤ حوادث سنة ٢ هـ]. منه (قدس سره).

وانظر : السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٣ / ١٧٦.

١٧٣

هذا ، ومن العجيب إشارة عمر على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ بحسب ما رواه القوم ـ أن يمكّن من العبّاسِ حمزةَ ومن عقيل عليا(١) ، والحال أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن قتل العبّاس خاصة وبني هاشم عامة ـ كما في تاريخَي الطبري وابن الأثير وغيرهما(٢) ـ ؛ لأنّهم أُخرجوا كرهاً ، وكان بعضهم من المسلمين ؛ فإنّ هذا من أعظم الصلافة وأشد المخالفة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكبر الإيذاء له ، مع أنّه أمر بما نهى الله عنه من قتل المسلمين!

وأمّا ما ذكره من موافقة عمر لأبي بكر في الجهاد ، وأنّه فتح الفتوح بعده ، فمسلّم ، لكن تلك الفتوح ناشئةٌ ممّا عوّدهم عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجهاد والفتوح والغنائم ، ومتفرّعة عن بشارته يوم الخندق بفتح بلاد كسرى وقيصر(٣) ، وكلُّ أحد لو ولي بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وعلم تلك البشارة ـ لقام بما قاموا به.

ولو سُلّم أنّهم فتحوا تلك الفتوح بتدبيرهم وحزمهم ، فإنّما يكون مدحاً إذا كان لله تعالى ، لا للإمرة والسلطان ، وهو محلّ نظر!

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم ٥ / ١٥٧ ، مسند أحمد ١ / ٣١ و ٣٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ١٤١ ـ ١٤٢ ح ٤٧٧٣ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٢٥٤ ـ ٢٥٦ ح ٦٦٩٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٤٧٤ ح ٣٢ ، مسند عبد بن حميد : ٤١ ح ٣١ ، تفسير ابن أبي حاتم ٥ / ١٧٣٠ ـ ١٧٣١ ح ٩١٥٠ ، تفسير الطبري ٦ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ح ١٦٣٠٨ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٣ / ١٣٧ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٣٧١.

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٣٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٥ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٣ / ١٧٧ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ١٧٣ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٣ / ١٤٠.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٩٢ حوادث سنة ٥ هـ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٧١ ، البداية والنهاية ٤ / ٨١ ـ ٨٢.

١٧٤

وقد فتح الأُمويّون والعبّاسيّون وغيرُهم الفتوح ، ومصّروا الأمصار ، طلباً للمُلك والعزّ.

أخرج أحمد في «مسنده»(١) ، عن أبي بكرة ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال : «إنّ الله تبارك وتعالى سيؤيّد هذا الدين بأقوام لا خَلاق لهم ».

وروى البخاري(٢) : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «إنّ الله يؤيّد الدين بالرجل الفاجر ».

ودعوى أنّه أقام قواعد السنة ممنوعة ؛ لِما رأيناه من تبديله إيّاها ، وتشريعه خلاف ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على حسب ما تهواه نفسه ، وتقتضيه سياسته ـ كما ستعرف ـ وإنّما أقام قواعد مُلكه ، وحاط الدين ما درّت محالبه.

وقوله : «وسيرته في الخلافة غنيّة عن الذِكر»

لعلّه يريد به ما كان يصنعه مع الناس من الإهانة والتحقير ، والجفاء والضرب ، بلا موجب(٣) .

__________________

(١) ص ٤٥ من الجزء الخامس. منه (قدس سره).

(٢) في باب إنّ الله يؤيّد الدينَ بالرجل الفاجر من كتاب الجهاد ، وفي باب غزوة خيبر من كتاب المغازي [٤ / ١٦٦ ح ٢٥٩ وج ٥ / ٢٧٧ ح ٢٢٥]. منه (قدس سره).

(٣) فمن ذلك ما رووه أنّ عمر بن الخطّاب كان قاعداً ، ومعه الدرّة ، والناس حوله ، إذ أقبل الجارود ، فقال رجل : هذا سيّد ربيعة ؛ فسمعه عمر ومَن حوله ، وسمعها الجارود ، فلمّا دنا منه خفقه بالدرّة ، فقال : ما لي ولك يا أمير المؤمنين؟! فقال : ما لي ولك؟! أمَا لقد سمعتَها! قال : سمعتُها فَمهْ؟! قال : خشيتُ أن يخالط قلبك منها شيء ، فأحببتُ أن أُطأطئ منك.

انظر : مناقب عمر ـ لابن الجوزي ـ : ٢٠٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي

١٧٥

ومثل تسيير نصر بن حجاج(١) بلا استحقاق.

وعمله مع عمّاله بلا ميزان شرعيّ(٢) ، فإنّهم إن كانوا من الأُمناء ،

__________________

الحديد ـ ١٢ / ٧٣ ، كنز العمّال ٣ / ٨٠٩ ح ٨٨٣٠.

ومن ذلك أنّ عمر كان يأتي مجزرة الزبير بن العوّام بالبقيع ، ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها ، فيأتي معه الدرّة ، فإذا رأى رجلا اشترى لحماً يومين متتابعين ، ضربه بالدرّة ، وقال : ألا طويتَ بطنك يومين؟!

انظر : مناقب عمر : ٨٤ ، كنز العمّال ٥ / ٥٢٢ ح ١٣٧٩٧.

ومن ذلك أنّ ابناً له دخل عليه وقد ترجّل ولبس ثياباً حساناً ، فضربه بالدرّة حتّى أبكاه ، فقالت له حفصة : لِمَ ضربته؟! قال : رأيتُه قد أعجبته نفسه ، فأحببت أن أُصغّرها إليه.

انظر : تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ١٦٦.

ومن ذلك أنّه عضَّ يدَ ابنه عبيد الله حتّى صاح ؛ لأنّه تكنّى بأبي عيسى.

وكان عمر إذا غضب على بعض أهله لم يشتفِ حتّى يعضّ يده.

انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٤٤.

ومن ذلك أنّ عمر بن الخطّاب خبِّر برجل يصوم الدهر ، فجعل يضربه بمخفقته ، ويقول : كُلْ يا دهر! كُلْ يا دهر!

انظر : مناقب عمر : ١٩٨.

(١) هو : نصر بن الحجّاج بن عِلاط السُّلَمي البَهْزي ، شاعر من أهل المدينة ، كانت لأبيه صحبة ، وكان جميلا ، سيّره عمر إلى البصرة ؛ لأنّ عمر سمع امرأة حينما كان يعسّ ليلا في شوارع المدينة وهي تتغنّى بنصر وتقول :

هل من سبيل إلى خمر فأشربها؟

أم هل سبيل إلى نصر بن حجّاجِ؟

فأصبح عمر وسأل عنه فوُصف له ، فدعا به فإذا هو أجمل الناس ، فقال له عمر : والله لا تساكنّي بلاداً أنا بها! فسيّره من المدينة إلى البصرة.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢١٦ ، عيون الأخبار ـ لابن قتيبة ـ ٤ / ٢٤ ، تاريخ دمشق ٦٢ / ١٨ رقم ٧٨٥٤ ، مجمع الأمثال ـ للميداني ـ ٢ / ٢٥٣ رقم ٢١٨٧.

(٢) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٣٣ ، العقد الفريد ١ / ٥٤ و ٥٥ ، مناقب عمر : ٦٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٧٥ ، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ١٦٥.

١٧٦

فكيف غرّمهم؟! وإلاّ فكيف ردّهم إلى أعمالهم؟!

ولو كانت سيرته في الخلافة على النهج الشرعيّ ومرضيّة لله سبحانه ، لقبل أميرُ المؤمنين بيعةَ ابنِ عوف بشرط أن يسير بسيرة الشيخين(١) .

وأما لبسه الخشن ؛ فلو كان للآخرة ، لتناسقت جميعُ أفعاله ، واتّبع وصيّة النبيّ في بضعته وآله.

وكم زاهد في الدنيا للدنيا ، ومتواضع في الناس للرفعة!

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٢٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٣ ، العقد الفريد ٣ / ٢٨٨ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٨٨ ، البداية والنهاية ٧ / ١١٨ ، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ : ١٧٨ ، تاريخ الخلفاء : ١٨٢.

١٧٧
١٧٨

المطلب الثاني

قصة الدواة والكتف

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

المطلب الثاني

في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطّاب

نقل الجمهور عن عمر مطاعن كثيرة

منها : قوله عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا طلب في حال مرضه دواةً وكتفاً(٢) ليكتب فيه كتاباً لا يختلفون بعده ، وأراد أن ينصّ حال موته على ابن عمّه عليّ (عليه السلام) ، فمنعهم عمر وقال : إنّ نبيّكم ليهجر!

فوقعت الغوغاء(٣) وضجر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال أهله : لا ينبغي عند النبيّ هذه الغوغاء.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٧٣.

(٢) الكتِفُ : عظم عريض خلف المنكِب ، يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدوابّ ، كان الناس يكتبون فيه لقلّة القراطيس عندهم.

انظر : لسان العرب ١٢ / ٢٧ مادّة «كتف».

(٣) الغوْغاء : السَّفِلة من الناس والمتسرّعين إلى الشرّ ؛ والصوت والجَلَبة لكثرة لغط الناس وصياحهم ؛ وهو المراد هنا.

انظر مادّة «غوغ» في : النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٣٩٦ ، لسان العرب ١٠ / ١٤٦.

١٧٩

فاختلفوا ، فقال بعضهم : أحضروا ما طلب ، ومنع آخرون.

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : ابعدوا!

هذا الكلام في صحيح مسلم(١) .

وهل يجوز مواجهة العامّي بهذا السفه ، فكيف بسيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم ٥ / ٧٥ و ٧٦.

وراجع : ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ من هذا الكتاب ، والصفحة ٢١ هـ ٤ من هذا الجزء.

١٨٠