دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 92851
تحميل: 3832


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92851 / تحميل: 3832
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

والرواية منافية ؛ لأنّ المرويّ أنّه حرّمه ومنعه حتّى قالت المرأة : «كيف تمنعنا ما أحلّ الله لنا في محكم كتابه؟!»(١) .

وأما التواضع ؛ فإنّه لو كان الأمر كما قال عمر لاقتضى إظهار القبيح وتصويب الخطأ ، ولو كان العذر صحيحاً ، لكان هو المصيب والمرأة مخطئة!

__________________

(١) راجع الهامش رقم ٣ من الصفحة السابقة.

٢٢١

وقال الفضل(١) :

شأن أئمّة الإسلام وخلفاء النبوّة أن يحفظوا صورة سنة رسول الله في الأُمة ، فأمرهم بترك المغالاة ، والإجماع على أنّ الإمام له أن يأمر بالسنة أن يحفظوها ، ولا يختصّ أمره بالواجبات ، بل له الأمر بإشاعة المندوبات.

وهذا ممّا لا نزاع فيه ، كما أجاب قاضي القضاة بأنّه طلب الاستحباب في ترك المغالاة والتواضع في قوله.

وأمّا تخطئة قاضي القضاة في جوابه ، فخطأٌ بيّنٌ ؛ لأنّه لم يرتكب المحرّم ، بل هدّد به ، وللإمام أن يُهدد ويُوعد بالقتل والتعزير والاستصلاح ، فأوعد الناس وهددهم بأخذ المال إن لم يتركوا المغالاة ، فلا يكون ارتكاب محرّم.

ولم يرووا أنّه أخذ شيئاً من المهور الغالية ووضعها في بيت المال ، ولو فعله لارتكب محرّماً على زعمه.

ثمّ قال : «والرواية منافية ؛ لأنّ المرويّ أنّه حرّمه».

فهذا غير مسلّم ، ولمّا كان ظاهر أمره ينافي ما ذكرته المرأة من جواز المغالاة بنصّ الكتاب رجع وتواضع بقوله : «كلّ الناس أفقه من عمر».

وقد كان عمر رجّاعاً إلى أحكام الله ، وقافاً عند كتاب الله.

وكان متواضعاً غاية التواضع والخشوع عند ذِكر الله ، حتّى إنّه قيل :

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٣٩ الطبعة الحجرية.

٢٢٢

قال له رجل : اتّقِ الله ، فوضع خده على الأرض(١) .

وهذا من كمال تواضعه.

وأمّا قوله : «لو كان الأمر كما قال عمر ، لاقتضى إظهار القبيح وتصويب الخطأ» ، فهذا كلامٌ بيّنُ البطلان ؛ فإنّ عمر تواضع بقوله : «كلّ الناس أفقه من عمر».

وهذا التواضع لا يقتضي إظهار القبيح ، ولا تصويب الخطأ ، لا أنّه تواضع بترك الحقّ والصحيح ، وأخذ الباطل وتقريره ، حتّى يلزم ما يقول.

__________________

(١) الذي وضع خدّه على الأرض في هذا الخبر هو مالك بن مغول وليس عمر!

انظر : شعب الإيمان ٦ / ٣٠١ ح ٨٢٤٧ ، ونقله السيوطي في الدرّ المنثور ١ / ٥٧٥ عن البيهقي وابن المنذر.

٢٢٣

وأقول :

لا ريب بحسن الحثّ من كلّ مسلم على سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والترغيب بها ، ولكنّ الكلام في تحريم ما أحلّ الله ورسوله كما فعل عمر في المقام.

ودعوى أنّه لم يُحرّم المغالاة وإنْ هدّد عليها ، باطلة ؛ لأنّ صريح ما وقع منه التحريم ، بشهادة ما نقله في «كنز العمّال»(١) ، عن سعيد بن منصور ، والبيهقي ، عن الشعبي ، قال : «خطب عمر بن الخطّاب ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : ألا لا تُغالوا في صداق النساء ، وإنّه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله ، أو سيق إليه ، إلاّ جعلت فضل ذلك في بيت المال.

ثمّ نزل ، فعرضت له امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين! لَكتابُ اللهِ أحقُّ أن يتّبع أم قولُك؟!

قال : كتاب الله ؛ فما ذاك؟!

قالت : نهيتَ الناس آنفاً أن يتغالوا في صداق النساء ، والله تعالى يقول في كتابه :( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ) (٢) .

فقال عمر : كلّ أحد أفقه من عمر ـ مرّتين أو ثلاثة ـ.

__________________

(١) في كتاب النكاح ، ص ٢٩٨ من الجزء الثامن [١٦ / ٥٣٦ ح ٤٥٧٩٦]. منه (قدس سره).

وانظر : سنن سعيد بن منصور ١ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٥٩٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٢٣٣.

(٢) سورة النساء ٤ : ٢٠.

٢٢٤

ثمّ رجع إلى المنبر فقال للناس : إنّي كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ، فليفعل رجلٌ في ماله ما بدا له».

ثمّ نقل في «الكنز» نحوه ، عن سعيد بن منصور ، وأبي يعلى ، والمحاملي ، عن مسروق(١) .

ثمّ نقل عن عبد الرزّاق ، وابن المنذر ، عن عبد الرحمن السُلمي ، قال : «قال عمر : لا تُغالوا في مهور النساء!

فقالت امرأة : ليس ذلك لك يا عمر! إنّ الله يقول :( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً ) من ذهب.

قال : وكذلك هي قراءة ابن مسعود.

فقال عمر : إنّ امرأة خاصمت عمر فخصمته»(٢) .

ثمّ نقل في «الكنز» أيضاً ، عن الزبير بن بكّار في «الموفّقيّات» ، وابن عبد البرّ في «العلم» ، عن عبد الله بن مصعب ، قال : «قال عمر : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقيّة! فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال.

فقالت امرأة : ما ذاك لك!

قال : ولِمَ؟!

قالت : لأنّ الله تعالى يقول :( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً ) الآية.

__________________

(١) كنز العمال ١٦ / ٥٣٧ ح ٤٥٧٩٨ ، وانظر : المقصد العلي في زوائد أبي يعلى ـ للهيثمي ـ ٢ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ح ٧٥٧ ، مناقب عمر ـ لابن الجوزي ـ : ١٥٠.

(٢) كنز العمّال ١٦ / ٥٣٨ ح ٤٥٧٩٩ ، وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٦ / ١٨٠ ح ١٠٤٢٠ ، تفسير ابن المنذر ٢ / ٦١٥ ح ١٥١١.

٢٢٥

فقال عمر : امرأةٌ أصابت ورجلٌ أخطأ»(١) .

ونحو ذلك في «شرح النهج»(٢) .

وروى في «الدرّ المنثور» هذه الأحاديث وغيرها في تفسير الآية ، وقال في حديث مسروق : «سنده جيّد»(٣) .

وهي صريحة في تحريم عمر للمغالاة وإقراره بالخطأ.

وقد ادّعى الحاكم في «المستدرك»(٤) تواتر الأسانيد الصحيحة بخطبة عمر ؛ قال : «وفي هذا الباب لي مجموعٌ في جزء كبير».

فقد ظهر أنّه لا وجه لحمل عمر على طلب الاستحباب والتواضع بعد صراحة الأخبار في التحريم ، والإقرار بالخطأ.

مع أنّ حمله على الاستحباب لا يلائم التهديد بارتكاب الحرام ؛ وهو جعل المهر في بيت المال ؛ فإنّه لا يصحّ تهديد شخص على ترك نافلة الليل والصدقة المستحبّة بأنّه لو ترك النافلة لَقتَلَه وأخَذَ ماله.

بل لا يصحّ التهديد على ترك الواجب وفِعل الحرام ، إلاّ بما يسوّغه الشرع من الحدود والتعزيرات ونحوها.

فلا يجوز أن يُهدد تاركُ الصلاة أو شاربُ الخمر بأن يُزنى بأُمه ، أو يُقتل أخوه ، أو يؤخذ مالُه ؛ ضرورة أنّ التهديد إنّما يصحّ بما يمكن للفاعل أن يفعله ويسوغ له شرعاً إذا كان مقيّداً بالشرع.

__________________

(١) كنز العمّال ١٦ / ٥٣٨ ح ٤٥٨٠٠ ، وانظر : الأخبار الموفّقيّات : ٥٠٧ ح ٤٣٠ ، جامع بيان العلم ـ لابن عبد البرّ ـ ١ / ١٥٩ ، مناقب عمر ـ لابن الجوزي ـ : ١٤٩ ـ ١٥٠.

(٢) ص ٩٦ المجلّد الثالث [١٢ / ١٧]. منه (قدس سره).

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧.

(٤) ص ١٧٧ من الجزء الثاني [٢ / ١٩٣ ذ ح ٢٧٢٨]. منه (قدس سره).

٢٢٦

وهذا هو مراد المصنّف في تخطئة القاضي.

ولا تتوقف تخطئتُه على ارتكاب عمر للحرام وأخذ شيء من المهور ووضعه في بيت المال ، كما تخيّل الخصم أنّه مراد المصنّف (رحمه الله).

وأيضاً : لو كان عمر مريداً للاستحباب أوّلا والتواضع أخيراً ، لكان بتواضعه بإظهار خطأ نفسه مُظهراً للقبيح ؛ وهو إرادة التحريم والتهديد على مخالفته ، ومصوِّباً لخطأ المرأة في حملها له على التحريم ؛ وهذا ليس من أفعال العقلاء!

وأمّا قوله : «كان عمر رجّاعاً إلى أحكام الله ، وقّافاً عند كتاب الله»

فمحلُّ نظر ؛ بشهادة مخالفته للكتاب في أمر الخمس(١) ، والزكاة(٢) ، والمتعتين(٣) ، وغيرها(٤) ، وعدم رجوعه إلى حكمه.

__________________

(١) انظر : مسند أحمد ١ / ٣٢٠ ، مسند الشافعي ـ المطبوع مع كتاب «الأُمّ» ـ ٩ / ٤٩٥ كتاب قسم الفيء ، الأموال : ٢٢ ح ٤٠ وص ٤١٨ ـ ٤١٩ ح ٨٥٢ ـ ٨٥٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢١٠.

وراجع الصفحة ٨٣ وما بعدها ، والصفحة ١٢٧ وما بعدها ؛ من هذا الجزء.

هذا ، وقد رووا ـ كما في بعض المصادر المذكورة آنفاً ـ أنّ نجدة الحروري ـ حين خرج من فتنة ابن الزبير ـ أرسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سهم ذي القربى : لمن تراه؟ فقال : هو لنا ، لقربى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم ، وقد كان عمر عرض علينا شيئاً رأيناه دون حقّنا ، فرددناه عليه ، وأبَينا أن نقبله.

(٢) انظر : الموطّأ : ٢٦٣ ح ٣٩ ، الأوائل ـ للعسكري ـ : ١٢٢ ، مسند أحمد ١ / ١٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٥٥٧ ح ١٤٥٦ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٤ / ١١٨ ـ ١١٩ ، مجمع الزوائد ٣ / ٦٩ ، تاريخ الخلفاء : ١٦٠.

(٣) سيأتي تفصيل ذلك في الصفحتين ٢٨٢ و ٣١٦ وما بعدهما ، من هذا الجزء.

(٤) مما مرّ وسيأتي من الشواهد على ذلك.

وعلاوة على ما ذكره الشيخ المظفّر (قدس سره) ، نضيف مثالين آخرين على مخالفته

٢٢٧

نعم ، كان يرجع في كثير من المسائل عمّا يراه إلى رأي آخر ؛ لتسرّعه وتحيّره ؛ كما في أحكام الإرث(١) ، والحدود(٢)

وربّما يرجع نادراً إلى حكم الله ـ كما في المقام ـ ؛ لاتّضاح خطئه وافتضاح رأيه ، وعدم المقتضي لإصراره على الخطأ

ومع ذلك هو مُصرٌّ حيث يسعه

فقد حكى في «كنز العمّال» ـ قبل الأحاديث التي ذكرناها سابقاً ـ ،

__________________

للكتاب العزيز

فقد خالف قوله تعالى :( الطلاق مرّتان ) سورة البقرة ٢ : ٢٢٩.

انظر : صحيح مسلم ٤ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، مسند أحمد ١ / ٣١٤ ، مصنّف عبد الرزّاق ٦ / ٣٩١ ـ ٣٩٢ ح ١١٣٣٦ ـ ١١٣٣٨ ، سنن أبي داود ٢ / ٢٦٨ ح ٢١٩٩ و ٢٢٠٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٣ / ٣٥١ ح ٥٥٩٩ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٢١٤ ح ٢٧٩٢ و ٢٧٩٣ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ / ٥١٦ ـ ٥١٧ و ٥٢٩ ، الدرّ المنثور ١ / ٦٦٨.

وكذا خالف قوله تعالى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيّباً ) سورة النساء ٤ : ٤٣ وسورة المائدة ٥ : ٦.

انظر : صحيح مسلم ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٨٨ ح ٥٦٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ١٣٣ ـ ١٣٥ ح ٣٠٢ ـ ٣٠٥ ، صحيح ابن خزيمة ١ / ١٣٥ ـ ١٣٧ ح ٢٦٨ ـ ٢٧١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٢ ح ١٣٠١ ـ ١٣٠٤ و ١٣٠٦ ، مسند أحمد ٤ / ٢٦٥ ، مسند الشاشي ٢ / ٤٢٣ ـ ٤٣١ ح ١٠٢٥ ـ ١٠٣٠ و ١٠٣٢ ـ ١٠٣٥ و ١٠٣٨ و ١٠٣٩.

(١) سيأتي البحث بتمامه في الصفحة ٢٧٠ وما بعدها ، من هذا الجزء.

(٢) انظر في ما يخصّ مخالفته لحدود الله : صحيح مسلم ٥ / ١٢٥ ـ ١٢٦ كتاب الحدود / باب حدّ الخمر ، سنن أبي داود ٤ / ١٦٢ ح ٤٤٨٠ ، مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٣٧٩ ح ١٣٥٤٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٣١٧ ـ ٣١٨ ، كنز العمّال ٥ / ٥٥٣ ح ١٣٩٢٨.

وسيأتي تفصيل تعطيله لحدود الله في الصفحة ٢٥٠ وما بعدها ، من هذا الجزء.

٢٢٨

عن ابن أبي شيبة ، عن نافع ، قال : «تزوّج ابن عمر [صفيّة] على أربعمئة درهم ، فأرسلتْ إليه أنّ هذا لا يكفينا ؛ فزادها مئتين سرّاً من عمر»(١) .

وأما قوله : «كان متواضعاً غاية التواضع»

فمحلُّ نظر أيضاً ، بدليل كثرة إهانته للناس ، وتحقيره لهم ، وضربه لهم بالدرّة بلا سبب شرعي(٢) .

__________________

(١) كنز العمّال ١٦ / ٥٣٦ ح ٤٥٧٩٤ ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٣ / ٣١٨ ح ١٧.

(٢) تقدّم ذِكر شواهد على ذلك في الصفحة ١٧٥ هـ ٣ ، من هذا الجزء ؛ فراجع!

٢٢٩

قصة تسوّر عمر على جماعة

قال المصنّف ـ رفع الله مقامه ـ(١) :

ومنها : إنّه تسوّر على قوم ، ووجدهم على منكَر ، فقالوا : أخطأتَ من جهات :

تجسّست ، وقد قال الله تعالى :( ولا تَجسّسوا ) (٢)

ودخلت الدار من غير الباب ، والله تعالى يقول :( وليس البرُّ بأن تأتوا البُيوتَ من ظهورها ولكنّ البرَّ مَنِ اتّقى وَأْتُوا البُيوتَ من أبوابها ) (٣)

ودخلت بغير إذن ، وقد قال الله تعالى :( لا تدخلوا بُيوتاً غير بُيوتكم حتّى تستأنسوا ) (٤)

ولم تسلّم ، وقد قال الله تعالى :( وتُسلّموا على أهلها ) (٥) .

فلحقه الخجل(٦) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٢) سورة الحجرات ٤٩ : ١٢.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٨٩.

(٤) سورة النور ٢٤ : ٢٧.

(٥) سورة النور ٢٤ : ٢٧.

(٦) انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ١٤ ، إحياء علوم الدين ٢ / ٢٩٦ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ وج ١٢ / ٢٠٩ ، الدرّ المنثور ٧ / ٥٦٨ ، كنز العمّال ٣ / ٨٠٨ ح ٨٨٢٧ ، العقد الفريد ٥ / ٢٩٨.

٢٣٠

أجاب قاضي القضاة بأنّ له أن يجتهد في إزالة المنكر ، ولحقه الخجل ؛ لأنّه لم يصادف الأمر على ما قيل له(١) .

وهذا خطأ ؛ لأنّه لا يجوز للرجل أن يجتهد في محرّم ومخالفة الكتاب والسنة ، خصوصاً مع عدم علمه ، ولا ظنّه ؛ ولذا ظهر كذب الافتراء على أُولئك(٢) .

__________________

(١) انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ١٤.

نقول : سيأتي ردّ الشيخ المظفّر (قدس سره) على عبارة القاضي عبد الجبّار هذه ، في الصفحة ٢٣٨ ، من هذا الجزء.

(٢) وانظر : الشافي ٤ / ١٨٣ ـ ١٨٥.

٢٣١

وقال الفضل(١) :

جواب قاضي القضاة صحيح ، وتخطئته خطأ ظاهر ؛ لأنّ هذا ليس من الاجتهاد في الحرام ؛ فإنّ الاجتهاد في الحرام فيما لم يكن للحكم الحرام معارِض ، وها هنا ليس كذلك ؛ لأنّ إزالة المنكر على المحتسب والإمام واجب بقدر الوسع والإمكان ، فهذا يجوّز التجسّس ؛ لأنّه من جملته ، ومع الإزالة.

فكان التجسّس لإزالة المنكر خارجاً عن حكم مطلق التجسّس ، فيجوز فيه الاجتهاد.

ألا يرى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بكسر القدور التي طبخت فيها لحوم الحمير الأهليّة(٢) ـ مع أنّ الكسر إتلاف مال الغير ـ وهو حرام ؛ للنصّ والإجماع ، ومع ذلك أمر به ؛ لأنّ إزالة المنكر كانت تدعو إلى ذلك.

فإزالة المنكر إذا دعت إلى أمر لا يتيسر الإزالة إلاّ به ، يجوز للمحتسب(٣) الإقدام عليه.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٤٠ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٧ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ح ٦٠ ، صحيح مسلم ٦ / ٦٣ ـ ٦٥ ، وفيها كلّها أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بإكفاء القدور وإهراق ما فيها لا غير ، إلاّ خبراً واحداً رواه مسلم في صحيحه ٦ / ٦٥ ورد فيه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بكسر القدور بعد إهراق ما فيها ؛ وفي تتمة الخبر أنّ رجلا قال : يا رسول الله! أوْ نهريقُها ونغسلُها؟ قال : أوْ ذاك.

وسيأتي ردّ الشيخ المظفّر (قدس سره) عليه في الصفحة ٢٣٧ ، من هذا الجزء.

(٣) المحتَسب : هو مَن يتولّى الإشراف على شؤون العامة ، مِن مراقبة الأسعار ،

٢٣٢

أَما سمعت أنّ المحتسب له أن يكسر الدِّنان(١) التي فيها الخمر إذا لم يتيسر الإهراق بدون الكسر.

ويجوز أنّ عمر اجتهد ؛ فدخل الدار وتجسّس على ما ذكرنا ، ثمّ لما ذكّروه القرآنَ تغيّر اجتهاده فتركهم وخرج.

وأمثال هذه الأُمور لا يبعد عن أئمة العدل.

__________________

ورعاية الآداب ، والإنكار على قبيح الأعمال.

انظر مادّة «حسب» في : لسان العرب ٣ / ١٦٦ ، القاموس المحيط ١ / ٥٧ ، تاج العروس ١ / ٤٢٣.

(١) الدنان : جمع الدنِّ ؛ وهو ما عظُم من الرَّواقيد ، وهو كهيئة الحُبِّ إلاّ أنّه أطول ، مستوي الصنعة ، في أسفله كهيئة قوْنسِ البيضة ، وقيل : الدنُّ أصغر من الحُبِّ ، له عُسْعُسٌ فلا يقعد إلاّ أن يُحفر له.

انظر مادّة «دنن» في : لسان العرب ٤ / ٤١٨ ، تاج العروس ١٨ / ٢٠٣.

٢٣٣

وأقول :

لا يخفى أنّ النهي عن المنكر لا يتحقّق إلاّ مع إحراز وجود المنكر ، أو إحراز العزم عليه ؛ وبخلافه التجسّس ، فإنّه لا يتحقّق إلاّ مع الشكّ في ما يُتجسّس عنه.

فحينئذ إذا قام دليلٌ على وجوب النهي عن المنكر ، ودليلٌ على حرمة التجسّس ، لم يقع بينهما تزاحم أصلا ، لتباين موضوعيهما ، فلا وجه لدعوى خروج التجسّس لإزالة المنكر عن حكم مطلق التجسّس.

ولو سُلّمت المزاحمة ، فالمقتضي لحرمة التجسّس أهمّ وأقوى من مقتضى وجوب النهي عن المنكر ، فيلزم القول بحرمة التجسّس تقديماً لها على وجوب النهي عن المنكر المحتمل.

ويدلّ عليه ما حكاه في «كنز العمّال»(١) ، عن عبد الرزّاق ، والحاكم ، والبيهقي ، والطبراني ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وغيرهم ، عن ابن

__________________

(١) في كتاب الحدود ، ص ٨٣ من الجزء الثالث [٥ / ٤٠١ ـ ٤٠٢ ح ١٣٤٢٦]. منه (قدس سره).

وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٣٧٠ ـ ٣٧٢ ح ١٣٥١٩ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٤٢٤ ح ٨١٥٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٣٣١ ، المعجم الكبير ٩ / ١٠٩ ـ ١١٠ ح ٨٥٧٢ ، تفسير ابن أبي حاتم ٨ / ٢٥٥٥ ـ ٢٥٥٦ ح ١٤٢٧٩ ، مسند الحميدي ١ / ٤٨ ـ ٥٠ ح ٨٩ ، مسند أحمد ١ / ٤١٩ و ٤٣٨ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٨٧ ـ ٨٨ ح ٥١٥٥.

٢٣٤

مسعود ، من حديث طويل رواه عنه ابن(١) أبي ماجد الحنفي ، قال : «أوّلُ رجل قُطع من المسلمين رجلٌ من الأنصار ، أُتي به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكأنّما أُسِفَّ(٢) في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رمادٌ.

فقالوا : يا رسول الله! كأنّ هذا شقّ عليك؟!

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على صاحبكم ، إنّ الله عفوٌّ ، يحبُّ العفو ، وإنّه لا ينبغي لوال أن يؤتى بحدّ إلاّ أقامه ؛ ثمّ قرأ :( وَليَعفوا وَليَصفحوا ) (٣) ».

ونقل أيضاً نحوه عن الديلمي ، عن ابن عمر(٤) .

و(٥) عن عبد الرزّاق ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب.

ونقل أيضاً(٦) ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قام بعد أن رجم الأسلمي ، فقال : «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها ، فمن ألَمّ بشيء منها

__________________

(١) كذا في الأصل ؛ وورود كلمة «ابن» هنا من سهو قلمه الشريف (قدس سره) ؛ والراوي أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة ؛ انظر : تاريخ الثقات ـ للعجلي ـ : ٥٠٩ رقم ٢٠٢٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٨ / ٧٣ رقم ٦٨٧ (الكنى) ، ميزان الاعتدال ٧ / ٤١٨ رقم ١٠٥٦٢ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٤٣ رقم ٨٦١٧.

(٢) أُسِفّ وجهه : أي تغيّر وجهُه واكمَد كأنّما ذُرَّ عليه شيء غيّره ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٢٨٣ مادّة «سفف».

(٣) سورة النور ٢٤ : ٢٢.

(٤) كنز العمّال ٥ / ٤٠١ ح ١٣٤٢٥.

(٥) ص ٨٩ ج ٣ [٥ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ح ١٣٥١٠]. منه (قدس سره).

وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٣١٣ ح ١٣٣١٨.

(٦) ص ٩١ و ٩٢ و ١٢٢ ج ٣ [٥ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ح ١٣٥٤٢ و ١٣٥٤٣ وص ٤٤٤ ح ١٣٥٥٧]. منه (قدس سره).

وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٣١٩ ـ ٣٢١ ح ١٣٣٣٦ و ١٣٣٣٧ وص ٣٢٣ ح ١٣٣٤٢.

٢٣٥

فليستَتِرْ».

إلى غير ذلك من الأحاديث الناهية عن الفضيحة وطلب الستر(١) .

بل نقل في «الكنز»(٢) ، عن عبد الرزّاق ، وهناد ، وابن عساكر ، عن أبي الشعثاء ، قال : «استعمل عمر بن الخطّاب ، شُرَحْبيل بن السِّمْط(٣) على مَسْلَحة(٤) دون المدائن ، فقام شرحبيل فخطبهم ، فقال : أيّها الناس! إنّكم في أرض ، الشرابُ فيها فاش ، والنساءُ فيها كثيرٌ ، فمَن أصاب

__________________

(١) انظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٣٢٠ ـ ٣٢٤ ح ١٣٣٣٧ ـ ١٣٣٤٥ وص ٣٢٦ ح ١٣٣٥٠ ، صحيح مسلم ٥ / ١١٦ ـ ١٢٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٤ / ٣٠٥ ـ ٣٠٧ ح ٧٢٧٤ ـ ٧٢٨٠ ، المنتقى من السنن ـ لابن الجارود ـ : ٢٠٤ ح ٨٠٣ وص ٢٠٦ ح ٨١٣ و ٨١٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٢١٩ ، كنز العمّال ٥ / ٤٤٤ ح ١٣٥٥٧ وص ٤٤٥ ح ١٣٥٥٩.

(٢) ص ١٢٢ ج ٣ [٥ / ٥٦٩ ح ١٣٩٩٤]. منه (قدس سره).

وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ح ٩٣٧١ ، تاريخ دمشق ٢٢ / ٤٦١ ـ ٤٦٢.

(٣) هو : شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جَبَلة الكِندي ، يكنّى أبا يزيد ، أدرك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وشهد القادسية ، وكان أميراً على حمص لمعاوية نحواً من عشرين سنة ، شهد صِفّين مع معاوية ، وكان له أثر عظيم في مخالفة أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) وقتاله ؛ وهو معدود في طبقة بسر بن أرطأة وأبي الأعور السلمي.

توفّي سنة ٤٠ ، وقيل : سنة ٤٢ ، وقال أبو داود : بل مات في صِفّين.

انظر : معرفة الصحابة ٣ / ١٤٧٠ رقم ١٤٠٦ ، الاستيعاب ٢ / ٦٩٩ رقم ١١٦٨ ، تاريخ دمشق ٢٢ / ٤٥٥ رقم ٢٧٢٨ ، أُسد الغابة ٢ / ٣٦١ رقم ٢٤١٠ ، الإصابة ٣ / ٣٢٩ رقم ٣٨٧٤.

(٤) المَسلَحة : هم القوم الّذين يحفظون الثغور من العدوّ ، واحدهم : مَسْلَحِيّ ، سمّوا مَسلَحةً لأنّهم يكونون ذوي سلاح ، أو لأنّهم يسكنون المَسْلَحة ، وهي كالثغر والمرْقَب يكون فيه أقوام يَرْقُبون العدوَّ لئلاّ يَطرُقَهم على غفلة ، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهّبوا له.

انظر : لسان العرب ٦ / ٣٢٢ مادّة «سلح».

٢٣٦

منكم حداً فليأتنا ، فلنقم عليه الحد ؛ فإنّه طَهورُه.

فبلغ ذلك عمر فكتب إليه : لا أُحلّ لك أن تأمر الناس أن يهتكوا سترَ الله الذي سترهم».

فليت شعري ، إذا لم يُحلّ عمر ذلك ، فما باله يتجسّس هو ويهتك ستر الله؟!

وكيف صار التجسّس عند الخصم راجحاً لإزالة المنكر ، وقد أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالستر ، وقال لمن جاؤوا بالسارق : «أنتم أعوان الشيطان»؟!

وممّا ذكرنا يُعلم عدم صحّة قياس ما نحن فيه على كسر الدِّنان إذا توقّف إهراق الخمر عليه ؛ فإنّ التكليف بإتلاف الخمر معلومٌ على قوله ، فتجب مقدّمته وهي كسر الدِّنان ، بخلاف التكليف بالنهي عن المنكَر المحتمل ؛ فإنّه غير معلوم ، بل محكوم بالعدم ، فكيف يجب التجسّس مقدّمةً لإزالته؟!

على أنّ إتلاف الخمر أهمّ في نظر الشارع من حفظ الدِّنان ، بخلاف النهي عن المنكَر في المقام ، فإنّ الستر على الناس أهمُّ منه ، فقياس أحدهما على الآخر قياس مع الفارق.

وأمّا ما رواه من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكسر القدور التي طبخت فيها لحوم الحُمر الأهليّة ، فكذب ؛ إذ لو سُلّم حرمة أكل لحمها ، فترك الأكل لا يتوقّف على كسر القدور ، فكيف يأمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويُتلف المال بلا مقتض؟!

ولو سُلّم صحّة الرواية ، وتوجيهها بأنّ الأمر بالكسر لبيان الاهتمام بحرمة أكل الحمير ، فقياسُ ما نحن فيه على كسر القدور خطأ ؛ ضرورة أنّ الاهتمام في المقام إنّما هو بالستر على الناس ، لا بالنهي عن المنكر ،

٢٣٧

حتّى يُستباح لأجله التجسّس(١) .

هذا ، ومن المضحك قوله : «إنّ عمر اجتهد فدخل الدار وتجسّس ، ثمّ لما ذكّروه القرآن تغيّر اجتهاده».

فإنّ هذا في الحقيقة تسليم لجهل عمر ـ أوّلا ـ بالأُمور الواضحة المخالفة للكتاب والسنة ، وهو المطلوب.

ولا أدري كيف يكون مجتهداً مَن يجهل صريح القرآن ولا يعرفه إلاّ بتذكير بعض جهّال الرعيّة وعصاة البريّة؟!

ثمّ إنّ قول قاضي القضاة : «ولحقه الخجل ؛ لأنّه لم يصادف الأمر على ما قيل له» ، خلاف المرويّ من الواقعة ، فإنّهم رووا أنّه تسوّر فصادف ما صادف ابتداءً من دون أن يسبق له من أحد قول بذلك.

فقد ذكر الغزّالي في «إحياء العلوم»(٢) ، أنّ عمر سمع وهو يعسُّ بالمدينة صوت رجل يتغنّى في بيته ، فوجد عنده امرأة وعنده خمر ، فقال : يا عدوَّ الله! أظننت أنّ الله يسترك وأنت على معصيته؟!

فقال : إن كنتُ ـ أنا ـ عصيتُ الله في واحدة ، فقد عصيتَه أنت في ثلاث ؛ قال الله تعالى :( ولا تَجسّسوا ) (٣) وقد تجسّست.

__________________

(١) هذا ، ونضيف على ما أفاد به الشيخ المظفّر (قدس سره) ، أنّه خبر واحد لا يعارض تلك الكثرة الواردة في الصحيحين وغيرهما ؛ ولو تنزّلنا وقلنا بصحته وبجواز العمل بخبر الواحد طبقاً لمبانيهم ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معصومٌ وأَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم ، وخفاء الحكمة ـ في أفعاله (قدس سره) ـ على العباد ليست مبرّراً لإنكارها ، فليس في أمره بكسر القدور إتلاف لمال الغير ، وليس ذلك لأحد إلاّ لمن ثبتت خلافته عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فتأمل!

(٢) ص ١٧٣ من الجزء الثاني ، المطبوع بهامشه كتاب «عوارف المعارف» [٢ / ٢٩٦ كتاب آداب الأُلفة]. منه (قدس سره).

(٣) سورة الحجرات ٤٩ : ١٢.

٢٣٨

وقال :( وليس البرّ بأن تأتوا البُيوت من ظهورها ) (١) ، وقد تسوّرت.

وقال :( لا تدخلوا بُيوتاً غير بُيوتكم ) (٢) الآية ، وقد دخلت بيتي بغير إذن ولا سلام.

فقال عمر : هل عندك من خير إن عفوت عنك؟

قال : نعم ؛ فتركه وخرج».

ومثله في «شرح النهج»(٣) .

ثمّ إنّ لعمر خطأً آخر ، وهو أنّه لم يُهرق الخمر وترك الرجل على حال لا تؤمَن منه المعصية ، بل على حال المعصية إن كانت المرأة أجنبيّة!

وأيضاً : إن كان موجب الحدّ والتعزير والنهي صادراً ، لم يجز له العفو ، وإلاّ فلا محلّ له!

هذا ، ويظهر من أخبارهم أنّ لعمر قصّة أُخرى تجسّس بها ، رواها ابن الأثير في «الكامل»(٤) ، قال : «إنّ عمر وعبد الرحمن بن عوف أتيا السوق ، فقعدا على نشز(٥) من الأرض يتحدّثان ، فرُفع لهما مصباح ، فقال عمر : ألم أنهَ عن المصابيح بعد النوم؟!

فانطلقا فإذا قوم على شراب لهم ، قال : انطلق فقد عرفتُه ؛ فلمّا

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٨٩.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٢٧.

(٣) ص ٩٦ من المجلّد الثالث [١ / ١٨٢]. منه (قدس سره).

(٤) ص ٢٨ من الجزء الثالث [٢ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣ حوادث سنة ٢٣ هـ]. منه (قدس سره).

(٥) النّشزُ والنّشَزُ : المكان أو المتْن المرتفع من الأرض ، وما ارتفع عن الوادي إلى الأرض ؛ انظر مادّة «نشز» في : لسان العرب ١٤ / ١٤٣ ، تاج العروس ٨ / ١٥٩.

٢٣٩

أصبح أرسل إليه ، قال : يا فلان! كنتَ وأصحابك البارحة على شراب.

قال : وما علمُك؟

قال : شيءٌ شهدتُه.

قال : أَوَلمْ ينهك الله عن التجسّس؟! فتجاوز عنه».

ومثله في «تاريخ الطبري»(١) .

وليت شعري ، كيف لم ينهه وأصحابَه بعد التجسّس والاطّلاع؟! وما وجه تجاوزه عن الحد بعد العلم؟!

__________________

(١) ص ٢٠ من الجزء الخامس [٢ / ٥٦٧ حوادث سنة ٢٣ هـ]. منه (قدس سره).

٢٤٠