دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 92832
تحميل: 3819


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92832 / تحميل: 3819
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

المجيد(١) ، وصرّحت به أخبار الحوض(٢) .

وإلاّ فلو خضع أُولئك القوم لسلطان الله وأمره بطاعة رسوله ونهيه عن مخالفته ، لَما تخلّفوا عن جيش أُسامة واحتملوا لعنة سيّد الأنبياء.

وقيل : إنّ النبيّ أراد تبعيدهم عن المدينة ؛ لتخلوَ لأمير المؤمنين وتصفوَ له الأُمور(٣) .

وأقول : هذا مما اعتقده أُولئك الصحابة ؛ فلذا أصرّوا على الخلاف واحتملوا اللعنة ، ونسبوه إلى الهجر(٤) .

ولكنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم أنّ غاية أمرهم غصب خلافة وصيّه ـ وإنْ خرجوا عن المدينة ـ ، فأراد بيان حقائقهم لأُمّته وكشف حالهم للمسلمين على ممرّ الدهور.

ولكن أين مَن يقرّ له بالرسالة حقاً ، ويعرف أنّ أمره وحكمه من أمر الله وحكمه؟!

وأمّا ما استدلّ به الجزري(٥) ، فقد عرفت بطلانه ؛ لأنّ الأمر بصلاة أبي بكر إنّما هو من ابنته صبح الاثنين ، وأنّ صلاته أوّل فتنة ونار

__________________

(١) هو قوله تعالى :( وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) لقد مرّت الإشارة إلى أخبار الحوض وارتداد جلُّ الصحابة وتخريجاتها مفصلا في : ج ٢ / ٢٦ ـ ٢٧ وج ٣ / ٢٠١ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر كذلك : صحيح مسلم ٨ / ١٥٧ ، مسند أحمد ٦ / ٢٩٧.

(٣) انظر : شرح الأخبار ١ / ٣٢٠.

(٤) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ ، من هذا الكتاب ؛ وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها ، من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٥) تقدّم قوله آنفاً في الصفحة ١٦.

٢١

سُعّرت على الحق(١) .

فاللازم أن يُعكس الأمر ويقال : إنّ كون أبي بكر من الجيش الذي لعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن تخلّف عنه ، دليلٌ على أنّ صلاته لم تكن عن أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكانت بدون علمه!

__________________

(١) انظر : البداية والنهاية ٥ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٤ / ٤٦٥.

وراجع : ج ٦ / ٥٥٩ ـ ٥٧٢ ، من هذا الكتاب.

وراجع كذلك : «رسالة في صلاة أبي بكر» ، ضمن كتاب «الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة» للسيّد عليّ الحسيني الميلاني.

٢٢

قول أبي بكر : إنّ لي شيطاناً

قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ(١) :

ومنها : إنّه قال : «إنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوّموني»(٢) .

وكيف يجوز نصب من يُرشد العالم ، وهو يطلب الرشاد منهم؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٦٤.

(٢) المعجم الأوسط ٨ / ٣١٦ ح ٨٥٩٧ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٥٩ ، المعيار والموازنة : ٦١ ، الأخبار الموفّقيات : ٤٦٤ ح ٣٧٩ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٤٥ ، تاريخ دمشق ٣٠ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ، صفة الصفوة ١ / ١١٠ ، المنتظم ٣ / ١٧ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٠ وج ١٧ / ١٥٦ ـ ١٥٩ ، الرياض النضرة ١ / ٢٥٣ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٣ ، تاريخ الخلفاء : ٨٤ ، كنز العمّال ٥ / ٥٩٠ ح ١٤٠٥٠.

٢٣

وقال الفضل(١) :

هذا ليس من روايات أهل السنة ، بل من روايات الروافض ، وإن سلّمنا صحّته فإنّ لكلّ إنسان شيطاناً ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

فسئل عنه : وأنت أيضاً يا رسول الله؟!

فقال : وأنا أيضاً ، إلاّ أنّه أعانني الله عليه فأسلم(٢) .

وهذا من باب إنصاف الصديق.

وأما طلب الرشاد ؛ فهو من طلب المشورة ، وقد أُمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا في قوله تعالى :( وشاورهم في الأمر ) (٣) .

ولم يكن هذا استرشاداً ، بل استعانة في الرأي ، وتأليفاً لقلوب التابعين ؛ وكلام الصدّيق ـ إنْ صحّ الرواية ـ من هذا الباب.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٤٨٩ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : مسند أحمد ٣ / ٣٠٩ ، إحياء علوم الدين ٣ / ١٤٣ ، تاريخ دمشق ٣٠ / ٣٠٥.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

٢٤

وأقول :

روى هذا الكلام جماعة

منهم : ابن قتيبة في كتاب «الإمامة والسياسة»(١) .

ومنهم : الطبري في «تاريخه»(٢)

وابن سعد ، على ما حكاه عنه ابن حجر في «الصواعق»(٣)

وابن راهويه(٤) ، وأبو ذرّ الهَروي(٥) في «الجامع» ، على ما حكاه

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ٣٤.

(٢) ص ٢١١ ج ٣ [٢ / ٢٤٥ حوادث سنة ١١ هـ]. منه (قدس سره).

(٣) في الفصل الأوّل من الباب الأوّل [ص ٢٢]. منه (قدس سره).

وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٥٩.

(٤) هو : أبو يعقوب إسحاق بن أبي الحسن إبراهيم بن مَخْلَد ، الحنظلي المرْوَزي ، الحنبلي ، المعروف بابن راهْويْه ، وُلد سنة ١٦١ هـ ، وقيل غير ذلك ، استوطن نيسابور حتّى توفّي بها سنة ٢٣٨ هـ ، كان حافظاً جامعاً بين الحديث والفقه ، رحل إلى العراق والشام وغيرهما ، سمع من جماعة كبيرة ، وحدّث عنه جماعة ، منهم أصحاب الصحاح ؛ له تصانيف منها : تفسير القرآن ، كتاب «السنن» في الفقه ، كتاب «المسند» في الحديث.

انطر : تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٥ رقم ٣٣٨١ ، طبقات الحنابلة ١ / ١٠٢ رقم ١٢٢ ، وفيات الأعيان ١ / ١٩٩ رقم ٨٥ ، سير أعلام النبلاء ١١ / ٣٥٨ رقم ٧٩ ، طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ٨٣ رقم ١٩ ، هديّة العارفين ٥ / ١٩٧.

(٥) هو : أبو ذرّ عبد [الله] بن أحمد بن محمّد ، الحافظ ، الأنصاري الخراساني الهَرَوي المالكي ، المعروف بابن السَمّاك ، شيخ الحرم في مكة ، صاحب التصانيف ، وُلد سنة ٣٥٥ أو ٣٥٦ هـ ، وتوفّي بمكّة سنة ٤٣٥ هـ ، وقيل غير ذلك ، من تصانيفه العديدة : تفسير القرآن ، المستدرك على صحيحَي البخاري ومسلم ، مناسك الحجّ ، دلائل النبوّة ، الجامع.

٢٥

عنهما في «كنز العمال»(١) ، ولفظهما هكذا :

«إنّ أبا بكر خطب فقال : أمَا والله ما أنا بخيركم ـ إلى أن قال : ـ أفتظنّون أنّي أعمل فيكم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! إذن لا أقوم بها! إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يُعصم بالوحي ، وكان معه ملَك ، وإنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني أن لا أُؤثّر في أشعاركم وأبشاركم».

ومنهم : الطبراني في «الأوسط» ، كما نقله عنه في «الكنز» أيضاً(٢) ، إلاّ أنّه قال في حديثه : «إنّ لي شيطاناً يحضرني».

ومنهم : الزبير بن بكّار(٣) ، كما حكاه عنه ابن أبي الحديد(٤) .

ويظهر من قاضي القضاة أنّ صدور هذا القول من أبي بكر مفروغٌ

__________________

انظر : تاريخ بغداد ١١ / ١٤١ رقم ٥٨٣٨ ، ترتيب المدارك ٢ / ٦٩٦ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٠٣ رقم ٩٩٧ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٥٥٤ رقم ٣٧٠ ، هديّة العارفين ٥ / ٤٣٧.

(١) في كتاب الخلافة ص ١٢٦ ج ٣ [٥ / ٥٨٩ ـ ٥٩٠ ح ١٤٠٥٠]. منه (قدس سره).

(٢) ص ١٣٥ من الجزء ٣ [٥ / ٦٣١ ح ١٤١١٢]. منه (قدس سره).

وانظر : المعجم الأوسط ٨ / ٣١٦ ح ٨٥٩٧.

(٣) هو : أبو عبد الله الزبير بن بكّار بن عبد الله القرشي الأسدي المديني ، من أحفاد الزبير بن العوّام ، وُلد بالمدينة سنة ١٧٢ هـ ، وتوفّي بمكة سنة ٢٥٦ هـ ، كان راوية حافظاً ، عالماً بالأنساب وأخبار العرب ، ولي قضاء مكة ، وورد بغداد وحدّث بها ، أخذ عن ابن عيينة وغيره ، وروى عنه ابن ماجة وابن أبي الدنيا وغيرهما ، اختير ليكون مؤدّباً لابن الخليفة العبّاسي ، من تصانيفه العديدة : أخبار العرب وأيامها ، الأخبار الموفّقيات ، جمهرة نسب قريش.

انظر : تاريخ بغداد ٨ / ٤٦٧ رقم ٤٥٨٥ ، معجم الأُدباء ٣ / ٣٤٨ رقم ٤٢٨ ، وفيات الأعيان ٢ / ٣١١ رقم ٢٤٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣١١ رقم ١٢٠.

(٤) في شرح النهج ص ٨ ج ٢ [٦ / ٢٠]. منه (قدس سره).

وانظر : الأخبار الموفّقيات : ٤٦٤ رقم ٣٧٩.

٢٦

عنه ، لكنّه أجاب عنه ـ كما في «شرح النهج»(١) ـ بأنّ هذا القول لو كان نقصاً فيه ، لكان قول الله في آدم وحوّاء :( فوسوس لهما الشيطان ) (٢) وقوله :( فأزلّهما الشيطان ) (٣) وقوله :( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشيطان في أُمنيّته ) (٤) يوجب النقص في الأنبياء ، وإذا لم يُوجب ذلك فكذا ما وصف به أبو بكر نفسه.

وإنّما أراد أنّه عند الغضب يُشفق من المعصية ، ويحذَر منها ، ويخاف أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال فيوسوس إليه ، وذلك منه على طريق الزجر لنفسه عن المعاصي.

وأورد عليه السيّد المرتضى طاب ثراه بما حاصله :

إنّ قول أبي بكر لا يشبه ما تلاه من الآيات ؛ لأنّ أبا بكر أخبر عن نفسه بطاعة الشيطان ، وأنّ عادته بها جارية ، وليس هذا بمنزلة من يلقي الشيطان في أُمنيّته ؛ أي : فكرته على سبيل الخاطر ، ولا يطيعه(٥) .

__________________

(١) ص ١٦٦ من المجلّد الرابع [١٧ / ١٥٥ ـ ١٥٧]. منه (قدس سره).

وانظر : المغني ٢٠ ق ١ / ٣٣٨ ، الشافي ٤ / ١٢٠ ـ ١٢٣.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ٢٠.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٣٦.

(٤) سورة الحجّ ٢٢ : ٥٢.

(٥) ولإيضاح هذه المسألة نقول :

إنّ أيّة أُمنيّة تتكوّن من طرفين ؛ الطرف الأوّل داخليّ ، يرتبط بوعي وأحاسيس ومشاعر صاحب الأُمنيّة ، والطرف الثاني خارجيّ ، يرتبط بمدى تحقّق هذه الأُمنيّة في الخارج من خلال تفاعلها مع الواقع الخارجي.

ومن الطبيعي والمسلّم به أنّ المبعوث رحمةً للعالمين (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتمنّى ـ كغيره من الأنبياء ـ أن يهتدي بهداه أكبر عدد ممكن من الناس ، فسعى وجاهد في سبيل إقبال الناس عليه وإيمانهم به ؛ وهذه هي الأُمنيّة في داخل نفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ،

٢٧

وقوله :( فأزلّهما الشيطان ) معناه : أنّهما فعلا مكروهاً ؛ لأنّ الأنبياء لا يفعلون محرّماً ؛ للعصمة.

على أنّ القاضي يقول : إنّ هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحقّ عليها عقاباً ولا ذما ، وهي تجري ـ من بعض الوجوه ـ مجرى المباح ؛ لأنّها لا تؤثّر في أحوال فاعلها وحطّ رتبته.

فأين هي ممّا أخبر به أبو بكر عن نفسه ، من أنّ الشيطان يعتريه حتّى يؤثّر في الأشعار والأبشار على وجه الاعتياد ، وأنّه يأتي ما يستحقّ به التقويم؟!

__________________

وهي الطرف الأوّل منها.

ومن المسلّم به ـ كذلك ـ أن لا يكون للشيطان سلطان على أُمنيّة أيّ نبيّ من الأنبياء في داخل نفسه الشريفة

قال الله تبارك اسمه :( قال ربِّ بمآ أغويتني لأَُزيّننّ لهم في الأرض ولأَُغوينّهم أجمعين * إلاّ عبادَك منهم المخلَصين * قال هذا صراط علَيَّ مستقيم * إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ مَنِ اتّبعك مِنَ الغاوين ) سورة الحجر ١٥ : ٣٩ ـ ٤٢

وقال سبحانه وتعالى :( إنّه ليس له سلطان على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون * إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه والّذين هم به مشركون ) سورة النحل ١٦ : ٩٩ و ١٠٠.

وإنّما سيسعى الشيطان ليلقي في الأُمنيّة عند تحرّكها في الواقع الخارجي ، أي في مَن له سلطان عليه من الخلق ، بوسوسته للناس وتهييج الظالمين وإغراء المفسدين ؛ ليمنعهم من الهداية المتمنّاة من قبل الرسول أو النبيّ ليفسد الأمر عليهم ؛ وهذا هو الطرف الثاني للأُمنيّة

وعندئذ ، إذا أراد الله تعالى للأُمم أن تهتدي بهدى أنبيائها ، فينسخ الله ويزيل ما يلقي الشيطان ، ثمّ يُحكِم عزّ وجلّ آياته بإنجاح سعي الرسول أو النبيّ وإظهار الحق ، ويكون كيد الشيطان ضعيفاً.

ولمزيد التفصيل راجع : الميزان في تفسير القرآن ١٤ / ٣٩٠ ـ ٣٩٧.

٢٨

ودعوى أنّ ذلك على وجه الإشفاق والخشية من المعصية ، لا تلائم قوله : «إنّ لي شيطاناً يعتريني ...» إلى آخره ؛ فإنّه قول مَن عرفَ عادته ، وأبانَ عن صفةِ طائش لا يملك نفسه.

انتهى.

وممّا ذكرنا يُعلم بطلان ما أجاب به الخصم من أنّ لكلّ إنسان شيطاناً ، فإنّ الإشكال ليس من حيث إنّ له شيطاناً فقط ، بل من حيث طاعته له على سبيل العادة ، كما يقتضيه كلامه.

وأما ما في أخبارهم من أنّ للنبيّ شيطاناً ؛ فكذب ، بل له ملَكٌ يسدّده ، كما دلّ عليه حديث ابن راهويه والهروي(١) ؛ ولإثباته محلّ آخر.

وبالجملة : قول أبي بكر طعنٌ به وبإمامته من وجوه :

الأوّل : ما دلّ عليه من أنّ له شيطاناً قريناً له ، وهو فرع العشوة عن ذِكر الله تعالى ؛ لقوله تعالى :( ومَن يَعشُ عن ذِكر الرحمن نُقيّض له شيطاناً فهو له قرين ) (٢) .

وبالضرورة أنّ من هو كذلك ، ولا سيّما إذا لم يُؤمَن على الأشعار والأبشار ـ كما صرّحت به الأخبار التي ذكرناها ـ لا يصلح للإمامة والولاية على رقاب الناس وأموالهم.

وما زعمه الخصم من أنّه من باب الإنصاف ؛ خطأٌ ؛ لأنّه صدّق قوله بفِعله ، فإنّه في أوّل إمارته فعل ذلك بعمر وهو أخصّ الناس به وأعظمهم

__________________

(١) تقدّم آنفاً في الصفحتين ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) سورة الزخرف ٤٣ : ٣٦.

٢٩

يداً ومنزلةً عنده ، فقد رووا أنّه أخذ بلحية عمر وقال له : «ثكلتك أُمك»(١) لمّا طلب منه استبدال أُسامة بغيره.

الثاني : إنّه دالٌّ على أنّه حادٌّ طائش ، وذو الحدّة والطيش لا يصلح للإمامة ، وقد أقرّ ابن أبي الحديد بحدّته بعد قول المرتضى : «إنّها صفة طائش لا يملك نفسه» ، قال : «لعمري ، إنّ أبا بكر كان حديداً ، وقد ذكره عمر بذلك ، وذكره غيره من الصحابة»(٢) .

وأقول :

روى في «الاستيعاب» بترجمة عليّ (عليه السلام) ، عن طاووس ، عن ابن عبّاس : سُئل عن أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فوصف أبا بكر بالحدّة ، قال : مع حدة كانت فيه(٣) .

الثالث : إنّه طلب التقويم من رعيّته في هذه الخطبة ، وهو مناف لإمامته ؛ لحاجته إلى إمام آخر يقهره أو يرشده ، وحمله على طلب المشورة تأويل من غير دليل.

على أنّه أيضاً مناف للإمامة ؛ فإنّ الإمام أجلّ من أن يحتاج إلى مشورة أحد والاستعانة به ، وإلاّ لكان شريكاً له في الإمامة.

وأما أمر الله سبحانه نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمشاورة ، فليس لنقصان فيه ،

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٢٤٦ حوادث سنة ١١ هـ ، تاريخ دمشق ٢ / ٥٠ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٠٠ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٢٨ ، شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٨٣ ، السيرة الحلبية ٣ / ٢٣٠.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٦١.

(٣) الاستيعاب ٣ / ١١٠٩.

٣٠

بل للتأليف ـ كما سبق وجاءت به أخبارهم(١) ـ ، ودلّ عليه ظاهر الآية(٢) ، وأقرّ به الرازي(٣) ، والخصمُ نفسُه(٤) ، وغيرُهما(٥) .

وليس أبو بكر كذلك ؛ لظهور حاجته إلى غيره ، وعليها اتّفقت الكلمة والآثار والأخبار.

__________________

(١) انظر : ج ٦ / ٤١٨ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

(٢) هو قوله تعالى :( وشاورهم في الأمر ) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ٩ / ٦٨ ـ ٦٩.

(٤) مرّ إقراره في الصفحة ٢٤ ، من هذا الجزء.

(٥) انظر : تفسير الطبري ٣ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦ ، تفسير الماوردي ١ / ٤٣٣ ، تفسير البغوي ١ / ٢٨٧ ، الكشّاف ١ / ٤٧٤ ، زاد المسير ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ ، تفسير القرطبي ٤ / ١٦١ ، تفسير البيضاوي ١ / ١٨٧ ، مجمع البيان ٢ / ٤٢٥.

٣١

بيعة أبي بكر فلتة

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : قول عمر : «كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه»(٢) .

ويلزم منه خطأ أحد الرجلين ؛ لارتكاب أحدهما ما يوجب القتل.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٦٤.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ح ٢٥ ، مسند أحمد ١ / ٥٥ و ٥٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٤ / ٢٧٢ ح ٧١٥١ وص ٢٧٣ ح ٧١٥٤ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٤١ و ٤٤٥ ح ٩٧٥٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٦١٥ ضمن ح ٥ ، السيرة النبويّة ـ لابن هشام ـ ٦ / ٧٨ و ٧٩ ، السيرة النبويّة ـ لابن حبّان ـ : ٤٢٠ و ٤٢٢ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٢ / ١٥٣ و ١٥٦ ، المعيار والموازنة : ٣٨ ، أنساب الأشراف ٢ / ٢٦٤ و ٢٧٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٥ ، تاريخ دمشق ٣٠ / ٢٨١ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ، الفائق في غريب الحديث ٣ / ١٣٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٩٠ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٩ وج ٩ / ٣١ وج ١٢ / ١٤٧ وج ١٣ / ٢٢٤ وج ١٧ / ١٦٤ وج ٢٠ / ٢١ ، الرياض النضرة ١ / ٢٣٣ ، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ : ٢ و ٤ ، البداية والنهاية ٥ / ١٨٦ ، السيرة النبويّة ـ لابن كثير ـ ٤ / ٤٨٧ ، مجمع الزوائد ٦ / ٥ ، تاريخ الخلفاء : ٧٩.

٣٢

وقال الفضل(١) :

لم يصحّ عندنا رواية هذا الخبر(٢) ؛ وإنْ صحَّ كان تحذيراً من أن ينفرد الناس ـ بلا حضور العامة ـ بالبيعة ، ولهذا سمّاه بالفلتة ، وكان ذلك لضرورة داعية إليه ، وذلك أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) توفّي من غير استخلاف(٣) ، وإنّما لم يستخلف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليُعلم أنّ نصب الإمام ليس من أُصول الشرائع ، بل هي من الواجبات على الأُمة(٤) .

فالواجب عليهم أنّ ينصبوا بعده ، ولهذا وَكَلَ أمرَها إليهم ، فلمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد الأنصار في سقيفة بني ساعدة أن ينصبوا بينهم أميراً منهم ، وكان هذا سبب الاختلاف الذي كان وقوعه سبباً لذهاب الإسلام ؛ لضعف القلوب وزيغها عن الإسلام بسبب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وارتداد العرب ، فسارع أبو بكر وعمر إلى السقيفة لرفع الاختلاف ، ووقع(٥) البيعة.

ولو كانا يؤخّران البيعة إلى حضور جميع الناس واتّفاق كلّ الآراء ، لكان يُخاف منه وقوع الفتنة والاختلاف ، فتسارعوا إلى عقد البيعة ، واكتفوا بإجماع أهل الحلّ والعقد ، وهم كانوا ذلك اليوم الأنصار ؛ لأنّهم كانوا

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٤٨٩ الطبعة الحجرية.

(٢) بل هو صحيح ؛ فرجاله رجال الصحيح ، ومتّفقٌ على صحّته ، كما نصَّ على ذلك الحافظ الذهبي في كتابه : الخلفاء الراشدون : ٤.

(٣) راجع الصفحة ٨ من هذا الجزء.

(٤) لا يخفى عدم تمامية هذا القول ؛ لأنّه يستلزم الدور أو التسلسل.

(٥) كذا في الأصل.

٣٣

العسكر ، وأهل الحلّ والعقد في الخلافة هم العساكر وأُمراؤها.

فهذه الضرورة دعت إلى استعجال البيعة ؛ فلما تمّ هذا الأمر أراد عمر أن يبيّن للناس أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة دعت إليها الضرورة ، فلا تعادوا(١) إلى مثلها ، ولا تجعلوه دليلا ، فلا يتصوّر في هذا الكلام طعن ، لا في أبي بكر ولا في عمر.

وأمّا قوله : «يلزم خطأ أحد الرجلين ؛ لارتكاب أحدهما ما يوجب القتل»

فهذا كلام باطل ؛ لأنّ الارتكاب حال الضرورة لا ينافي تركه في غير حالها.

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهو تصحيف ، ولعلّها : «تعودوا» ؛ فلاحظ!

٣٤

وأقول :

نقل ابن حجر هذا الكلام عن عمر في «الصواعق»(١) ، وأرسله إرسال المسلّمات.

وكذلك الشهرستاني في أوائل «الملل والنحل»(٢) .

ورواه البخاري في «باب رجم الحبلى»(٣) ، ولكن لفظه هكذا :

«بلغني أنّ قائلا منكم يقول : واللهِ لو مات عمر بايعت فلاناً! فلا يَغرَّنّ امرَأً أن يقول : إنّما كانت بيعةُ أبي بكر فلتةً وتمّت ؛ ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكنّ الله وقى شرّها ، وليس منكم مَن تُقطَّع الأعناق إليه مثل أبي بكر ؛ مَن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يُبايَعُ هو ولا الذي بايعه تَغرّةَ(٤) أن يُقتلا».

ثمّ قال في آخر خطبته مثل قوله الأخير ، إلاّ أنّه قال : «فلا يُتابَعُ» بالتاء المثنّاة.

__________________

(١) في الشبهة السادسة من الفصل الخامس من الباب الأوّل [ص ٥٦]. منه (قدس سره).

(٢) في الخلاف الخامس الواقع في مرض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده [١ / ١٣]. منه (قدس سره).

(٣) من كتاب المحاربين [٨ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ضمن ح ٢٥]. منه (قدس سره).

(٤) التّغرّة : مصدر غرَرْته ، إذا ألقيته في الغرَر ، وهو من التّغرير ؛ وتَغرّة أنْ يُقتلا : أي خوف أنْ يُقتلا.

ومعنى كلامه : إنّ البيعة حقّها أن تقع صادرة عن المشورة والاتّفاق ، فإذا استبدّ رجلان دون الجماعة ، فبايع أحدهما الآخر ، فذلك تظاهر منهما بشق العصا واطّراح الجماعة ، فلا يُؤمَن أن يُقتلا.

انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ١٩١ مادّة «تغر» وج ٣ / ٣٥٦ مادّة «غرر» ، لسان العرب ١٠ / ٤٢ مادّة «غرر».

٣٥

وروى أحمد في «مسنده» هذه الخطبة(١) ، وقال في آخرها : «مَن بايع أميراً عن غير مشورة من المسلمين ، فلا بيعة له ولا بيعة للّذي بايعه ؛ تغرّة أن يُقتلا».

ونقله بعينه في «كنز العمال»(٢) ، عن أحمد ، والبخاري ، وأبي عبيد في «الغرائب» ، والبيهقي.

ثمّ نقل عن ابن أبي شيبة ، أنّه خطب فقال في آخر خطبته : «كانت لعمري فلتة ، كما أعطى الله خيرها مَن وُقيَ شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فهو الذي لا بيعة له ولا لمن بايعه»(٣) .

وذكر أيضاً خطبته ابنُ أبي الحديد(٤) ، نقلا عن الطبري ، ثمّ قال : «هذا حديث متّفق عليه من أهل السّير».

إلى أن قال : «فأمّا حديث الفلتة ، فقد كان سبقَ من عمر أن قال : إنّ بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

وهذا الحديث(٥) الذي ذكرناه فيه حديث الفلتة ، ولكنّه منسوق على ما قاله أوّلا.

__________________

(١) ص ٥٥ من الجزء الأوّل [وص ٥٦]. منه (قدس سره).

(٢) ص ١٣٩ من الجزء الثالث [٥ / ٦٤٤ ـ ٦٤٧ ح ١٤١٣٤]. منه (قدس سره).

وانظر : مسند أحمد ١ / ٥٥ ـ ٥٦ ، صحيح البخاري ٨ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ضمن ح ٢٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٤٢.

(٣) كنز العمّال ٥ / ٦٤٩ ـ ٦٥١ ح ١٤١٣٧ ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٠ ـ ٥٧٢ ب ٤٣ ح ٢.

(٤) ص ١٧٢ من المجلّد الأوّل [٢ / ٢٣ ـ ٢٦]. منه (قدس سره).

وانظر : تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ حوادث سنة ١١ هـ.

(٥) في المصدر : «الخبر».

٣٦

أَلا تراه يقول : (فلا يغرّنّ امرَأً أن يقول : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتةً ؛ فلقد كانت كذلك)!

فهذا يُشعر بأنّه قد كان قالَ مِن قَبلُ : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة» ؛ انتهى.

والمراد بالفلتة : إمّا الفتنة ؛ كما يظهر من الخصم(١) ، ونطقت بها رواية ابن الأثير في «كامله»(٢) لمّا روى حديث السقيفة ، فإنّه رواها بلفظ «الفتنة»(٣) .

وهذا لا شكّ فيه ؛ فإنّ بيعة أبي بكر فتنةٌ وأيُّ فتنة؟! كانت أساس الفتن ورأسها.

وإمّا أن يُراد بها : الزلّة(٤) والخطيئة ، كما هو ظاهر اللفظ ، وهي لعمري زلّة وخطيئة لا تُقال!

وإمّا أن يراد بها : الفجأة والبغتة ، كما زعمه بعض القوم إصلاحاً لهذه الفلتة(٥) .

وهو ـ لو سُلّم ـ لا ينفع بعدما حكم عمر بقتل من عاد لمثلها ، وأنّه

__________________

(١) راجع ما مرّ آنفاً في الصفحة ٣٣ ، من هذا الجزء.

هذا ، وقد قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٤٦٧ مادّة «فلت» : «ومثلُ هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيّجة للشرّ والفتنة ، فعصم الله من ذلك ووقى.

والفلتة : كلُّ شيء فُعل من غير رَوِيّة ، وإنّما بُودِر بها خوف انتشار الأمر».

(٢) ص ١٥٧ من الجزء الثاني [٢ / ١٩٠ حوادث سنة ١١ هـ]. منه (قدس سره).

(٣) نقول : لم يرد لفظ «الفتنة» في النسخة التي بين أيدينا ، فربّما حُرّفت أو صُحّفت ووُضع بدلها كلمة «فلتة» ؛ فلاحظ!

(٤) انظر : لسان العرب ١٠ / ٣١٢ مادّة «فلت».

(٥) انظر : لسان العرب ١٠ / ٣١١ مادّة «فلت».

٣٧

لا بيعة له ، وأنّ الشأن فيها أن يترتّب عليها الشرّ!

وأما اعتذار عمر بقوله : «وليس فيكم من تقطّع الأعناق إليه مثل أبي بكر»

فإن أراد به أنّ أبا بكر كان مسلّم الفضيلة ، بحيث يؤمن على بيعته الشرّ ، فهو مناف لقوله : «وقى الله شرّها» ؛ فإنّه صريح في أنّها غير مأمونة الشرّ.

وإن أراد به مجرّد أنّه مسلّم الفضيلة ، فهو ـ لو سُلّم ـ لا فائدة فيه بعدما كانت مخطورة الشرّ ، الذي هو المناط في فساد البيعة واستحقاق القتل عليها.

فقد اتّضح أنّ عمر قد طعن بخلافة أبي بكر بما لا يمكن معه الإصلاح!

ودعوى أنّ المعلوم من حاله إعظام أبي بكر ، والقول بإمامته ـ فلا يتصوّر منه القدح فيها ، ولا سيّما أنّ خلافته فرع من خلافته ، فلا بُد من تأويل كلامه ـ باطلة

فإنّه لو سُلّم إعظامه له واقعاً ، فطعنه في بيعته ليس بأعظم من طعنه بصلح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الحديبية(١) ، ولا من نسبة الهجر إليه(٢) ، أو نحو ذلك مما كان يفعله مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)(٣) .

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٤٠ ـ ٤١ ضمن ح ١٨ ، صحيح مسلم ٥ / ١٧٥ ـ ١٧٦ كتاب الجهاد / صلح الحديبية ، مسند أحمد ٤ / ٣٣٠.

وراجع : ج ٤ / ١٢٦ هـ ٣ وج ٥ / ٢١٣ ـ ٢١٤ هـ ٥ رقم ٥ ، من هذا الكتاب.

(٢) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ ، من هذا الكتاب ؛ وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٣) انظر : ج ٤ / ١٢٦ ـ ١٢٧ وج ٥ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، من هذا الكتاب.

٣٨

فإذا صدرت منه هذه الأُمور في حقّ سيّد المرسلين في حياته مواجهةً ، فكيف يُستبعد منه نحوه في حقّ أبي بكر بعد موته حتّى يلزم تأويل كلامه بما لا يتحمله اللفظ؟!

ومجرّد تفرّع خلافته عن خلافته لا يمنع من طعنه بها بعدما صار سلطاناً يُخشى ويُرجى ويمتنع عزله عادة ، ولا سيّما أنّ ما قاله معلوم للسامعين ، ووجوههم شركاؤه في هذه الفلتة.

فلا يستبعد منه أن يطعن بخلافة أبي بكر ؛ حذراً من أن تقع البيعة بعده لمن يكره بيعته ، وهو عليٌّ (عليه السلام) ، كما طعن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجر ؛ لهذه العلّة!

نقل ابن أبي الحديد ـ بعد ذكر الخطبة المذكورة ـ ، عن الجاحظ ، أنّه قال : «إنّ الرجلَ الذي قال : لو قد مات عمر لبايعت فلاناً ، عمّارُ بن ياسر ؛ قال : لو قد مات عمر بايعتُ عليا (عليه السلام).

فهذا القول هو الذي هاج عمر أن خطب بما خطب به»(١) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٥.

نقول : وفي أنساب الأشراف ٢ / ٢٦١ بإسناد قويّ ـ ونقله عنه ابن حجر في هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٤٩٣ ، والقسطلاني في إرشاد الساري ١٤ / ٢٧٩ ـ أنّ القائل هو الزبير

وسواء كان القائل عمّاراً أو الزبير ، فإنّ ذلك يفيد أنّ أصحاب أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) كانوا يستعدّون لبيعته بمجرّد موت عمر ، آسفين على تضييعهم ذلك في خلافة أبي بكر ، مصمّمين على عدم تكرّر ذلك التقصير منهم.

ومن ذلك يظهر معنى كلمة «فلتة» ، وهذا هو الذي حمل عمر على طرح فكرة الشورى ليصرفها عن عليّ (عليه السلام) ، وهاجه أن خطب بما خطب به كما قال ابن أبي الحديد.

وراجع ما سيأتي في قصة الشورى ، الصفحة ٣٣٩ هـ ١ ، من هذا الجزء.

٣٩

وأما ما زعمه الخصم من الضرورة على النحو الذي قرّره

ففيه : منع كون الإمامة ليست من أُصول الشرائع(١) ، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينصب إماما.

ولو سُلّم ، فلِمَ كانت بيعة سعد موجبة للاختلاف والفتنة لو قصد الشيخان وجه الله ونصر الإسلام؟!

وقد كان يمكنهما متابعة الأنصار فلا يقع اختلاف ولا فتنة ، ولا سيّما أنّ الأنصار ـ بقول الخصم ـ هم العساكر ، وأهل الحلّ والعقد!

وليست القُرشيّة شرطاً عند عمر ؛ ولذا تمنّى أن يكون معاذ(٢) أو سالم مولى حذيفة حيا فيولّيه الأمر بعده(٣) .

وكذا ليست شرطاً عند الأنصار ؛ ولذا أرادوا الأمر لسعد ، وهم عدولٌ عند السنة.

ولو سُلّم لزوم مخالفة الأنصار ، بدعوى أنّ الخلافة لقريش ـ من حيث إنّها قريش ـ ، فلا معنى لتعيّن بيعة أبي بكر دون عليّ ، ولا سيّما أنّ بيعة عليّ (عليه السلام) دافعةٌ للشبهة عنهما ، وأقرب إلى منع الاختلاف ، ولو لقربه من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وزيادة اختصاصه به.

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٤٤٣ ، معرفة الصحابة ٥ / ٢٤٣٥ رقم ٥٩٥٦.

(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ٢٠ ، تأويل مختلف الحديث : ١١٥ و ١١٦ و ٢٧٧ ، تمهيد الأوائل : ٤٦٨ ، الاستيعاب ٢ / ٥٦٨ ، المحصول في علم أُصول الفقه ٢ / ١٥٧ ، أُسد الغابة ٢ / ١٥٦ رقم ١٨٩٢ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٦٥ ، سير أعلام النبلاء ١ / ١٧٠ ذيل الرقم ١٤ ، طرح التثريب ١ / ٤٩ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٢٠٥.

٤٠