دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 92815
تحميل: 3819


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92815 / تحميل: 3819
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

وليتها أن تقيم على الحقّ المبين والصراط المستقيم».

وبهذا يُعلم أنّ القوم هم الّذين طلبوا من عمر أن يبيّن فيهم رأيه ، فلا يُستبعد منه أن يقول فيهم السوء.

كما لا يُستبعد منه الابتداء به في وجوههم ؛ لغلظته المعروفة وغرور الإمرة ، وكونهم في محلّ الرجاء للزعامة العامّة التي يسهل عليهم في سبيلها كلّ صعب.

وروى في «الاستيعاب» ، بترجمة عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، عن ابن عبّاس ، قال : «بينا أنا أمشي مع عمر يوماً إذ تنفّس نفَساً ظننت أنّه قد قُضِبَت(١) أضلاعه ، فقلت : سبحان الله! واللهِ ما أخرج منك هذا إلاّ أمر عظيم!

فقال : ويحك يا ابن عبّاس! ما أدري ما أصنع بأُمة محمّد؟!

قلت : ولِمَ وأنت قادر أن تضع ذلك مكان الثقة؟!

قال : إنّي أراك تقول : إنّ صاحبك أَوْلى الناس بها؟! يعني عليا.

قلت : أجل ، واللهِ إنّي لأقول ذلك في سابقته وعلمه وقرابته وصهره.

قال : إنّه كما ذكرت ، ولكنّه كثير الدعابة.

قلت : فعثمان؟!

قال : فواللهِ لو فعلتُ لحمل بني أبي مُعيط على رقاب الناس يعملون فيهم بمعصية الله ، والله لو فعلتُ لفعل ، ولو فعل لفعلوه ، فوثب الناس عليه فقتلوه!

فقلت : طلحة بن عبيد الله؟!

__________________

(١) القضبُ : القطعُ والانتزاع ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٢٠١ مادّة «قضب».

٣٤١

قال : الأُكيسع(١) ؟! هو أزهى من ذلك ، ما كان الله ليراني أُولّيه أمر أُمة محمّد وهو على ما هو عليه من الزَّهْو!

قلت : الزبير بن العوّام؟!

قال : إذاً يُلاطم الناس في الصاع والمُد(٢) !

قلت : سعد بن أبي وقّاص؟!

قال : ليس بصاحب ذلك ، ذاك صاحب مِقنَب يقاتِل به!

قلت : عبد الرحمن بن عوف؟!

قال : نِعم الرجل ذكرتَ ، ولكنّه ضعيف عن ذلك ، واللهِ يا ابن عبّاس ما يصلح لهذا الأمر إلاّ القويّ في غير عنف ، الليّن في غير ضعف ، الجواد

__________________

(١) لم ترد هذه الكلمة في ما راجعناه من المصادر التي روت الحادثة ، إلاّ في رواية ابن عبد البرّ في «الاستيعاب».

والأُكيسع ـ لغةً ـ : تصغير الأكسع ؛ وهو ـ في الأصل ـ صفة للطائر ـ كالعُقاب ونحوه ـ الذي اجتمع ريشٌ أبيض تحت ذنَبه ، والأُنثى كسعاء ، والكُسعة ـ بالضمّ ـ : النكتة البيضاء في جبهة كلّ شيء ، وكسعت الخيلُ بأذنابها واكتسعت ؛ إذا أدخلتها بين أرجلها ، والاكتساع أن يخطر الفحلُ فيضرب فخذيه بذنَبه.

وكِلا المعنيين صالحٌ ـ على الاستعارة هنا ـ للزَهْو والخُيلاء ، وإن كان الثاني أقرب.

انظر : جمهرة اللغة ٢ / ٨٤٠ مادّة «سعك» ، ومادّة «كسع» في : أساس البلاغة : ٥٤٤ ، لسان العرب ١٢ / ٩٣ ، القاموس المحيط ٣ / ٨١.

(٢) الصَاعُ : الذي يُكال به ، والجمع : أَصْوُعٌ ، يأخذ خمسة أرطال أو أربعة أمداد.

انظر مادّة «صوع» في : الصحاح ٣ / ١٢٤٧ ، لسان العرب ٧ / ٤٤٢.

والمُد ـ بالضمّ ـ : ضرب من المكاييل ، وهو ربع صاع ، وهو قدْرُ مُد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقيل : هو رِطْل وثلث عند أهل الحجاز ، ورِطلان عند أهل العراق ، وقيل : إنّ أصل المُد مقدَّرٌ بأن يَمُد الرجلُ يديه فيملأ كفَّيه طعاماً.

انظر مادّة «مدد» في : الصحاح ٢ / ٥٣٧ ، لسان العرب ١٣ / ٥٣.

٣٤٢

في غير سَرَف ، والمُمسِك في غير بخل»(١) .

ثمّ قال في «الاستيعاب» : «وفي حديث آخر ، عن ابن عبّاس ، أنّ عمر ذكر له أمر الخلافة واهتمامه بها ، فقال له ابن عبّاس : أين أنت عن عليّ؟!

قال : فيه دُعابة.

قال : فأين أنت والزبير؟!

قال : كثير الغضب ، يسير الرضا.

فقال : طلحة؟!

قال : فيه نخوة ؛ يعني كبْراً.

قال : سعد؟!

قال : صاحب مِقنَبِ خيْل.

قال : فعثمان؟!

قال : كَلِف بأقاربه.

قال : عبد الرحمن؟!

قال : ذاك الرجل ليّن ـ أو قال : ضعيف ـ.

ثمّ قال : وفي رواية أُخرى قال في عبد الرحمن : ذلك الرجل لو ولّيته جعل خاتمه في إصبع امرأته»(٢) .

ونقل في «كنز العمّال»(٣) نحو حديث «الاستيعاب» الأوّل عن أبي

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ١١١٩.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٢٠.

(٣) في كتاب الخلافة ص ١٥٨ ج ٣ [٥ / ٧٣٧ ح ١٤٢٦٢]. منه (قدس سره).

وانظر : غريب الحديث ـ للهروي ـ ٣ / ٣٣١.

٣٤٣

عبيد في «الغريب» ، والخطيب في «رواة مالك» ، ووصف فيه عليا بالدُّعابة ، والزبير بأنّه وَعْقةٌ لَقِسٌ(١) ، يلاطم على الصاع بالبقيع.

ونقل ـ أيضاً ـ عن ابن راهويه ، عن أبي مجلز ، قال : قال عمر : مَن تستخلفون بعدي؟

فقال رجل من القوم : الزبير.

قال : إذاً تستخلفونه شحيحاً غَلِقاً ؛ يعني : سيّئ الخلق

إلى أن قال : فقال رجل : نستخلف عليا.

فقال : إنّكم ـ لعمري ـ لا تستخلفونه ، والذي نفسي بيده لو استخلفتموه لأقامكم على الحقّ وإن كرهتم.

فقال الوليد بن عقبة : قد علمنا الخليفة من بعدك.

فقعد ، فقال : مَن؟!

قال : عثمان.

قال : وكيف بحبّ عثمان المال ، وبرّه لأهل بيته؟!»(٢) .

ونقل في «الكنز» أيضاً(٣) ، عن ابن عساكر ، عن أبي بحرية ، أنّه

__________________

(١) رجلٌ وَعْقةٌ : أي نكد لئيم الخُلق ، والذي يَضْجَر ويَتَبَرَّم مع كثرة صخب وسوء خُلق ، ورجلٌ وَعِقٌ : حريص جاهل عَسِر ؛ والوَعْقة : الشراسة وشدّة الخُلق.

انظر : لسان العرب ١٥ / ٣٤٦ مادّة «وعق».

ورجلٌ لَقسُ : الشَّرِهُ النَّفْس ، الشحيحُ ، الحريص على كلّ شيء ، السيّئ الخُلق ، وخبيثُ النّفس الفَحّاش.

انظر : لسان العرب ١٢ / ٣١١ مادّة «لقس».

(٢) كنز العمّال ٥ / ٧٣٥ ح ١٤٢٥٨.

(٣) ص ١٥٩ ج ٣ [٥ / ٧٤١ ح ١٤٢٦٧]. منه (قدس سره).

وانظر : تاريخ دمشق ٤٥ / ٤٥٣ رقم ٥٣٢٣ ترجمة عمرو بن الحارث العامري.

٣٤٤

خرج عمر على مجلس فيه هؤلاء الستّة ، فقال : «كُلّكم يحدّث نفسه بالإمارة بعدي ـ إلى أن قال : ـ أفلا أُحدِّثكم عنكم؟!

قال الزبير : فحدّثنا ، ولو سكتنا لحدّثتنا.

ثمّ ذكر فيه أنّه قال للزبير : إنّك كافرُ الغضب ، مؤمنُ الرضا ، يوماً تكون شيطاناً ، ويوماً تكون إنساناً ، أفرأيتَ يوم تكون شيطاناً ، مَن يكون الخليفة يومئذ؟!

وقال لطلحة : مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّه عليك لعاتب».

وفي «الكنز» أيضاً(١) ، عن ابن سعد ، عن سماك ، أنّه ذكر عهد عمر بالشورى ، ثمّ قال : «وقال للأنصار : أَدخِلوهم بيتاً ثلاثة أيّام ، فإن استقاموا وإلاّ فادخلوا عليهم واضربوا أعناقهم».

ونقل ابن أبي الحديد في المجلّد الثالث(٢) ، نفس الحديث الذي ذكره المصنّف.

ونقل نحوه في المجلّد الأوّل(٣) .

فهذه الأحاديث ونحوها موجبة للطعن في عمر بأُمور :

الأوّل : إنّه خرج بالشورى عن النصّ والاختيار ؛ لأنّه لم ينصّ على واحد بعينه ، ولم يُرجع الأُمة إلى اختيارها ، ولا تثبت الإمامة عندهم إلاّ بأحد الطريقين(٤) ، فوَضعُ طريق ثالث بدعةٌ.

__________________

(١) في كتاب الفضائل ص ٣٥٩ ج ٦ [١٢ / ٦٨٠ ح ٣٦٠٤٥]. منه (قدس سره).

وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٦٠.

(٢) ص ١٧ [١٢ / ٢٥٦]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٦٢ [١ / ١٨٥ ـ ١٨٦]. منه (قدس سره).

(٤) راجع : ج ٤ / ٢٧٣ ، من هذا الكتاب.

٣٤٥

وقول الخصم : «هذا من اجتهاداته ، والأمر إليه»

تحكّمٌ ظاهر ؛ فإنّ الاجتهاد بلا دليل إبداعٌ ، بل على مذهبهم في انعقاد البيعة ولو بواحد ، لو بايع أحدٌ أحداً ولو من غير هؤلاء الستّة كانت بيعته لازمةً ، ولا سيّما أنّه بعد موته لا إمامة له ، فما وجه تعيينه للستّة وتحكّمه في رقاب المسلمين؟!

وقد يُستدلّ على صحة عمله ومضيّه ؛ بأنّ المسلمين قد التزموا ببيعة أحد الستّة بعينهم بلا نكير ، ودخل أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشورى بلا قهر ، فكان إجماعاً.

وفيه : إنّ الإجماع لا يثبت إلاّ مع تحقّق الرضا والاختيار ، وهو محلّ نظر ؛ لخروج أكثر المسلمين عن المدينة وهم لا يستطيعون المخالفة بعد انعقاد البيعة ؛ لعدم الجامع لهم ، فلم يُعلم رضاهم ، بل لا يستطيع من في المدينة المخالفة ؛ لأنّ السيف على رؤوس أعاظمهم ، وهم لا يقدرون على الدفع والمعارضة ، فكيف بسائر الناس؟!

الثاني : إنّه أمر بضرب أعناقهم على النهج الذي ذكره ، وبالضرورة أنّهم لا يستحقّون القتل بذلك.

ودعوى أنّ المراد : التهديدُ ، باطلة ؛ لأنّ الأمر بعد موته يخرج عن يده وعلمه ، فما يؤمنه مِن قتلهم وقد حكم به حكماً باتّاً؟!

وأما ما أجاب به القاضي ، فتخمينٌ لا يرتبط ظاهراً بكلام عمر ، كالجواب بالحمل على التهديد ، مع أنّ شقّ العصا إنّما هو بالخروج على إمام الزمان ، ولا إمام قبل بيعة أحدهم ، على أنّهم إذا شقّوا العصا فمن أوّل يوم يجب قتالهم.

٣٤٦

وقول الخصم : «شقّ العصا يظهر بعد الثلاثة»

تخصيص من غير مخصّص ، ومجرّد كون الثلاثة من الإمام لا يقتضي التخصيص ، ولا سيّما أنّه لا إمامة له بعد موته ، كما أنّ احتمال الرجوع لا يختصّ بالثلاثة.

وبالجملة : شقّ العصا المدّعى إمّا أن يوجب القتل بمجرّد وقوعه ، أو بشرط عدم رجاء الرجوع.

وعلى الوجهين لا يختلف الحال بين الثلاثة وما بعدها ، فلا معنى لإيجاب قتل شاقِّ العصا بعدها مطلقاً ، وعدم إيجابه فيها مطلقاً.

وليت شعري ، هل مِن شقّ العصا مجرّد كون الثلاثة من غير حزب عبد الرحمن ، أو عدم الرضوخ(١) إلى رأي عبد الله الذي لا يُحسن طلاق زوجته(٢) ؟!

الثالث : إنّه حصر الأمر في الستّة ، وعابهم قبل جرحه وبعده ـ كما سمعته في الأخبار(٣) ـ بما زعم أنّه مناف للإمامة ، وأكثرها مناف لها إجماعاً ؛ كالضعف ، والبخل ، والغلظة ، وكفران الغضب ، وحمل الأقارب على رقاب الناس ؛ فقول الخصم : «لم يذكر المعائب القادحة

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهو من سبق قلمه الشريف (قدس سره) ، فقد شاع في الأزمنة المتأخّرة استعمال الفعل «رَضَخَ» وما يُشتقّ منه في غير محلّه ؛ والذي يناسب المقام هو «الخضوع» ، وهو مراد المصنّف (قدس سره).

والرَّضخُ : كَسْرُ اليابس والصلب ، كالنوى والحصى والعظم والرأس ، يقال : رَضَخْتُ رأسَ الحيّةِ بالحجارة ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٢٩ مادّة «رضخ».

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٦١ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٣ ، كنز العمّال ١٢ / ٦٨١ ح ٣٦٠٤٧.

(٣) راجع الصفحتين ٣٢٩ و ٣٤٠ وما بعدهما ، من هذا الجزء.

٣٤٧

للإمامة» باطلٌ.

كيف ، وعمر بنفسه قد صرّح بمنافاتها لها ، وأقرّ علماؤهم بمنافاة أكثرها لها(١) ؟!

وقوله : «بل هذا من مناصحة الناس»

غلطٌ ؛ فإنّ المناصح لا يؤهّل مَن لا يستحقّ الإمامة ويحصر الأمر بهم.

ودعوى أنّه أشار إلى خلافة عليّ (عليه السلام) ، غير نافعة ؛ لأنّه لم يذكر إلاّ ما علِمه القومُ مثله.

على أنّه أزال أثر هذه الإشارة بجعلهم أقران عليّ ، وإطماعِه لهم بالزعامة العامة.

وظنّي أنّ عمر إنّما وصف عليا بأنّه يسلك بهم الطريق المستقيم تحذيراً لهم ، وتنبيهاً على لزوم معارضته ؛ لأنّه يحول بينهم وبين مقاصدهم وشهواتهم ، وهم عبيد الدنيا.

ولذا قال عمر في بعض الأخبار السابقة : «لو استخلفتموه لأقامكم على الحقّ ، وإن كرهتم»(٢) .

وليت شعري ، كيف صحّ لعمر أن يؤهّل الزبير للإمامة وولاية أمر الأُمة ، وهو قد منعه الغزو خوفاً من إفساده؟!

روى الحاكم في «المستدرك»(٣) ـ وصحّحه هو والذهبيّ ـ ، عن قيس

__________________

(١) انظر : غياث الأُمم : ٩٤ ، تمهيد الأوائل : ٤٧٨ ، أُصول الإيمان : ٢٢٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٤٩.

(٢) تقدّم آنفاً في الصفحة ٣٤٤ ، من هذا الجزء.

(٣) في كتاب معرفة الصحابة ، ص ١٢٠ ج ٣ [٣ / ١٢٩ ح ٤٦١٢]. منه (قدس سره).

٣٤٨

ابن أبي حازم ، قال : «جاء الزبير إلى عمر يستأذنه في الغزو ، فقال عمر : إجلس في بيتك! فقد غزوتَ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فردّد ذلك عليه ، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها : أُقعد في بيتك! فوالله [إنّي] لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمّد».

الرابع : إنّه زعم أنّه لا يتحمّلها حيا وميّتاً ، اعتذاراً من عدم إسناده الأمر إلى عليّ (عليه السلام) ، بعدما أقرّ أنّه يسلك بهم الطريق المستقيم ، كما في بعض الأخبار السابقة(١) .

وقال في «الاستيعاب» ، بترجمة عمر : «ومن أحسن شيء يروى في مقتل عمر وأصحّه»(٢) ، وذكر حديثاً قال فيه عمر : «إنْ ولّوها الأجلح سلك بهم الطريق المستقيم ؛ يعني عليا

فقال له ابن عمر : ما يمنعك أن تُقدّم عليا؟!

قال : أكره أن أحملها حيا وميّتاً»(٣) .

ونحوه في «كنز العمّال»(٤) ، عن ابن سعد ، والحارث ، وأبي نعيم ، وغيرهم ، ثمّ قال : «وصُحّح».

فإنّ عمر إذا علم أنّ عليا كذلك ، كان الواجب عليه تعيينه ، ولا يُغرّر ويخاطر بالأُمّة بتأهيل غيره معه ممّن عابهم ، حتّى آل الأمر إلى أحدِ مَن

__________________

(١) راجع الصفحات ٣٣١ و ٣٤١ و ٣٤٤ ، من هذا الجزء.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٥٣.

(٣) الاستيعاب ٣ / ١١٥٤.

(٤) ص ٣٥٩ ج ٦ [١٢ / ٦٧٩ ح ٣٦٠٤٤]. منه (قدس سره).

وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، حلية الأولياء ٤ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، شرح أُصول اعتقاد أهل السنة ـ للاّلكائي ـ ٨ / ١٤٦٧ ـ ١٤٦٨ ح ٢٦٥٣.

٣٤٩

عابهم فوقعت الأُمة في البلاء والفتنة العظمى بقتله.

على أنّ هذا العذر كذب صريح ؛ ضرورة أنّه بتعيين الستّة ثمّ بعضهم بالنحو الذي قرّره قد تحمّلها ألبَتّةَ ، بل تحمّلها أقبح تحمّل ؛ لأمره بقتل مَن خالف ترتيبه ممّن زعم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وهو عنهم راض ، ولا سيّما أنّه قد يُقتل أخو النبيّ ونفسُه ومَن يسلك بالأُمّة الطريق المستقيم.

الخامس : إنّ مجموع ترتيبه كاشفٌ عن إرادة قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)(١) ، أو تصغير شأنه في حياته مع حرمانه ؛ ضرورة أنّ عليا وعثمان لا يتّفقان ، وأنّه لا ينضمّ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاثةٌ منهم ؛ إذ لا يُرجى له إلاّ موافقة الزبير ، كما كشفت عنه الواقعة.

ولمّا كان عمر يحتمل بعيداً تبعيّة طلحة للزبير في موافقة عليّ (عليه السلام) ، جعل القول للّذين فيهم عبد الرحمن ؛ علما منه بأنّ عبد الرحمن لا يختلف مع ختَنه عثمان ، وابن عمه سعد ؛ كما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض الأخبار السابقة(٢) .

__________________

(١) فقد روى البلاذري ، أنّ عثمان لمّا أعطى عهدَ الله وميثاقَه أن لا يخالف سيرة رسول الله وسيرة الشيخين ، بايعه عبد الرحمن بن عوف وصافقه ، وبايعه أصحاب الشورى ، وكان أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) قائماً فقعد ، فقال له عبد الرحمن : بايع وإلاّ ضربتُ عنقك! ولم يكن مع أحد يومئذ سيفٌ غيره ، فخرج الإمام عليٌّ (عليه السلام) مغضباً ، فلحقه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلاّ جاهدناك! فأقبل معهم يمشي حتّى بايع عثمان.

راجع : أنساب الأشراف ٦ / ١٢٨ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٦٥ ، الإمامة والسياسة ١ / ٤٥ وفيه أنّ ابن عوف قال له : «فلا تجعل يا عليُّ سبيلا إلى نفسك ، فإنّه السيف لا غير!».

(٢) انظر الصفحة ٣٣٨ ، من هذا الجزء.

٣٥٠

كما أنّه جعل الحكم في بعض الأخبار إلى ابنه عبد الله(١) ؛ لعلمه بانحرافه عن أمير المؤمنين عند الحقائق ؛ ولذا لم يبايعه لمّا كانت البيعة له بعد عثمان ، وبايع بعده معاويةَ ويزيد(٢) .

فهل يرى عمر أنّ ابنه وعبد الرحمن أحقّ بالنظر لمصلحة الأُمّة من أمير المؤمنين ، الذي قال فيه سبحانه :( إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا ) (٣) الآية ، فَحَصَرَ الولايةَ على المؤمنين به جلّ وعلا وبرسوله وأخيه؟!

ومع ذلك فقد صغّر مقامه العظيم بهذا ، وبجعله قريناً لهؤلاء الخمسة ، مع إخراجه عن الإمامة بهذا الترتيب.

وبالجملة : يدور أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بين أن لا يدخل في الشورى ، فينال عمر مقصوده من عزل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الخلافة حتّى في الاستقبال ـ كما ستعرف ـ ، ويكون اللوم ظاهراً على أمير المؤمنين ، وبين أن يدخل فيها فيُقرَن بتلك النظائر ، ويؤول الأمر إلى غيره ، فيحيا متأسّفاً ، أو يُقتل مظلوماً ؛ ولذا قال في خطبته الشِّقشِقية : «فيا للهَ وللشورى »(٤) .

لكنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) آثر الدخول معهم ؛ لجهات كثيرة

منها : إنّه لو تجنّب الدخول في الشورى لخاف ، أو علم اتّفاق

__________________

(١) انظر الصفحتين ٣٣٧ و ٣٤٠ ، من هذا الجزء.

(٢) فتح الباري ١٣ / ٢٤١ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ١٣٨ ، الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ٢٤٥.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

(٤) نهج البلاغة : ٤٩ خطبة رقم ٣.

٣٥١

الخمسة على أن يتداولوا الخلافة بينهم فلا تصل إليه ، والواجب عليه التوصّل إليها ولو بعد حين ؛ طلباً لحفظ الشريعة بالممكن.

ومنها : إنّه أراد تذكيرهم بما يعيّنه للخلافة في مورد يحسن فيه التذكير ويُصغى فيه إليه ، ويمكن عودُ الحقّ فيه إلى نصابه ، فلا يبقى لأحدهم عذر في المخالفة حتّى تيسّر له أن يصرّح بنصّ الغدير.

فإنّ سيّدنا الشريف المرتضى (رحمه الله) في «الشافي «استدلّ على صحّة خبر الغدير بما تظاهرت به الرواية من احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) به في الشورى على الحاضرين ، في جملة ما عدّده من فضائله ومناقبه ، وما خصّه الله به ، حين قال : «أَنشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده فقال :مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ؛ غيري؟!

فقال القوم : اللّهمّ لا»(١) !

وقد خلا ما رأيته من رواياتهم في احتجاجه (عليه السلام) يوم الشورى عن ذِكر خبر الغدير(٢) ، وهو ـ لو صحّ ـ فلعلّه لكون ذِكره مبطلا بصريحه لخلافة مَن تقدّم ، وهو لا يسعه.

ومنها : إنّه (عليه السلام) أراد تضليل إمرة الشيخين ، وتهجين أعمالهما ؛ ليعتبر من له قلب.

وقد فعل ذلك لمّا عرض عليه عبد الرحمن البيعة بشرط أن يسير

__________________

(١) الشافي ٢ / ٢٦٥.

(٢) بحثَ السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ خبرَ احتجاج ومناشدة الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) يوم الشورى ، بحثاً موسّعاً ، سنداً ودلالة ، فراجع : شرح منهاج الكرامة ٢ / ٣١٨ ـ ٣٢٧.

٣٥٢

بسيرتهما فأبى ، ولا سيّما بعد أن شهد له عمر بأنّه يسلك الطريق المستقيم ؛ إذ لو كانت سيرتهما صحيحة ومن الطريق المستقيم لوافقت عمله وقَبِل الشرط.

وقد سمعت في بعض الأخبار السالفة إباءَهُ عن قبول البيعة بالشرط(١) .

وروى أحمد في «مسنده»(٢) ، عن أبي وائل ، قال : «قلت لعبد الرحمن بن عوف : كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا؟!

قال : ما ذنبي؟! قد بدأتُ بعليّ فقلت : أُبايعك على كتاب الله وسنة رسوله ، وسيرة أبي بكر وعمر ؛ فقال : في ما استطعت.

قال : ثمّ عرضتُها على عثمان فقبِلها».

فإنّ الحديث وإن لم ينطق بالحقيقة ـ كما هي ـ حفظاً لشأن الشيخين ، لكنّه دالٌّ على أنّه لا يستطيع العمل بسيرة الشيخين ؛ ضرورة استطاعته العمل بالكتاب والسنة ؛ لأنّه قرينُ الكتاب(٣) وبابُ

__________________

(١) تقدّم ذلك في الصفحتين ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، من هذا الجزء.

وراجع إباء أمير المؤمنين (عليه السلام) ورفضه العمل بسيرة الشيخين في : تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٣ / ٩٣٠ ، الإمامة والسياسة ١ / ٤٥ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٣ ، العقد الفريد ٣ / ٢٨٨ ، البدء والتاريخ ٢ / ٢١٢ ، تجارب الأُمم ١ / ٢٦٧ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ١٩٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٤ ، المختصر في أخبار البشر ١ / ١٦٦ ، البداية والنهاية ٧ / ١١٨ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٥٤٥ ، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ١٨٢ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٥٥.

(٢) ص ٧٥ ج ١ ، وهي آخر صحيفة من مسند عثمان. منه (قدس سره).

(٣) راجع مبحث حديث الثِّقلَين في : ج ٦ / ٢٣٥ ـ ٢٥٠ ، من هذا الكتاب.

٣٥٣

السنة(١) .

وليس عدم استطاعته للعمل بسيرتهما لعجزه عن العمل بالحقّ ؛ لأنّ الحقّ يدور معه حيث دار(٢) ، بل لعدم كونها على الحقّ والصراط المستقيم ، ولذا جعلها عبد الرحمن مغايرةً للكتاب والسنة.

ومن الواضح أنّ ما خرج عنهما ليس من الدين ، ولا على الصراط المستقيم.

وأظهر من هذا الحديث في المدعى ما في «شرح النهج»(٣) ، أنّ عبد الرحمن قال لعليّ : «أُبايعك على كتاب الله ، وسنة رسوله ، وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر.

فقال : بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي.

فعدل عنه إلى عثمان ، فعرض ذلك عليه ، فقال : نعم.

فعاد إلى عليّ ، فأعاد قوله ؛ فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً ، فلمّا رأى عليا غيرُ راجع عمّا قاله ، وأنّ عثمان يُنْعِمُ له بالإجابة ، صَفَق على يد عثمان ، وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين!

فيقال : إنّ عليا قال له : واللهِ ما فعلتَها إلاّ لأنّك رجوتَ منه ما رجا صاحبُكما من صاحبه ، دقَّ اللهُ بينكما عِطرَ منشِم(٤) .

__________________

(١) راجع مبحث حديث «أنا مدينة العلم» في : ج ٦ / ١٧١ ـ ١٨١ ، من هذا الكتاب.

(٢) راجع مبحث حديث «الحقّ مع عليّ» في : ج ٦ / ٢٢٧ ـ ٢٣٤ ، من هذا الكتاب.

(٣) ص ٦٣ مجلّد ١ [١ / ١٨٨]. منه (قدس سره).

(٤) دقَّ اللهُ بينكما عِطرَ منشِم : دعاء عليهما بالتباغض والعداوة ، وأصله : مثلٌ مشهورٌ يُضرب في الشرِّ فيقال : أشأمُ مِن عِطر منشِم ؛ وهي منشِم بنت الوجيه ، العطّارة بمكّة ، من حِميَر ، وقيل في نسبها غير ذلك ، قال الكلبي : هي جرهميّة ،

٣٥٤

قيل : ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن ، فلم يكلّم أحدُهما صاحبَه حتّى مات عبد الرحمن» ؛ انتهى.

فقد ظهر ممّا سمعتَ أنّ أمير المؤمنين وعبد الرحمن عالمان بمخالفة سيرة الشيخين للكتاب والسنة ودين الله تعالى ، حتّى إنّ عبد الرحمن توسّل إلى دفع الأمر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عثمان بتلك الحيلة المصطنعة.

ومِن تلك الجهات ونحوِها ممّا أوجب عليه الدخول في الشورى ، يُعلم أنّ دخوله فيها لا يدلّ على إقراره بأنّه غير منصوص عليه ـ كما قيل(١) ـ ، بل احتمال تلك الجهات كاف في رفع الدلالة.

واعلم أنّ الشورى هي التي أطمعت طلحة والزبير بالخلافة وغرّتهما بأنفسهما حتّى حاربا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة ، وهي التي أيقظت بغي معاوية وغيره.

روى في «العقد الفريد»(٢) ، «أنّ زياداً أوفد ابن حصين على

__________________

فكانوا إذا خرجوا للقتال غمسوا أيديهم في طِيبها أو طيّبتهم هي به وتحالفوا بأن يستميتوا في الحرب ، فلا يتطيّب بطيبها أحد إلاّ قُتِل أو جُرح ، فضربت العربُ المثل في التشاؤم بطِيبها ، وقيل في قصّتها غير ذلك.

وقد ذكرها زهير بن أبي سلمى في معلّقته المشهورة بقوله :

تداركتما عبساً وذُبيان بعدما

تفانوا ودقّوا بينهم عِطرَ منشِمِ

انظر مادّة «نشم» في : الصحاح ٥ / ٢٠٤١ ، تاج العروس ١٧ / ٦٨٨ ، جمهرة الأمثال ـ للعسكري ـ ١ / ٤٤٤ رقم ٨٧٢.

(١) قال القاضي عبد الجبّار : «وكذلك جعلنا دخول أمير المؤمنين في الشورى أحد ما نعتمد عليه في ألاّ نصّ يدلّ على أنّه المختصّ بالإمامة ، وبيّنّا أنّ الأحوال التي جرت في الشورى كلّها تدلّ على ذلك».

انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ٢١ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٥٦ الطعن التاسع.

(٢) ص ٧٣ ج ٣ [٣ / ٢٨٩]. منه (قدس سره).

٣٥٥

معاوية ، فقال له معاوية : أخبرني ما الذي شتَّت أمرَ المسلمين وملأَهم ، وخالف بينهم؟

قال : نعم ، قتلُ الناسِ عثمانَ.

قال : ما صنعتَ شيئاً.

قال : فسيرُ عليّ إليك.

قال : ما صنعتَ شيئاً.

(قال : فمسير طلحة والزبير وعائشة ، وقتالُ عليّ إياهم.

قال : ما صنعتَ شيئاً)(١) .

قال : ما عندي غير هذا.

قال : أنا أُخبرك ؛ لم يشتّت بين المسليمن ، ولا فرّق أهواءهم ، إلاّ الشورى التي جعلها عمر إلى ستّة ، فلم يكن رجلٌ منهم إلاّ رجاها لنفسه ورجاها له قومه ، ولو أنّ عمر استخلف عليهم ما كان في ذلك اختلاف» ؛ انتهى ملخّصاً.

هذا ، وقد ذكر المصنّف (رحمه الله) أنّ عمر أجاب في رواية : «لا أجمع لبني هاشم بين النبوّة والخلافة» ، ولم أجدها في ما يحضرني الآن من كتبهم ، لكن رأيت ما يدلّ على صحّتها

فقد روى ابن عبد ربّه في «العقد الفريد»(٢) ، عن ابن عبّاس ، قال : ماشيت عمر بن الخطّاب يوماً ، فقال لي : يا ابن عبّاس! ما يمنع قومكم منكم ، وأنتم أهل البيت خاصة؟!

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في طبعة المصدر التي بين أيدينا.

(٢) ص ٧٧ ج ٣ [٣ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩]. منه (قدس سره).

٣٥٦

قلت : لا أدري.

قال : لكنّني أدري ؛ إنّكم فَضَلْتموهم بالنبوّة ، فقالوا : إنْ فَضَلُوا بالخلافة مع النبوّة لم يُبقوا لنا شيئاً».

وروى الطبري في «تاريخه»(١) ، عن ابن عبّاس ، قال : «خرجت مع عمر في بعض أسفاره ـ إلى أن قال : ـ قال : يا ابن عبّاس! ما منع عليا من الخروج معنا؟!

قلت : لا أدري.

قال : يا ابن عبّاس! أبوك عمّ رسول الله ، وأنت ابن عمّه ، فما منع قومكم منكم؟!

قلت : لا أدري.

قال : لكنّي أدري ؛ يكرهون ولايتكم لهم.

قلت : لِمَ ونحن لهم كالخير؟!

قال : اللّهمّ غفراً! يكرهون أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة فتكونوا بَجَحاً بَجَحاً».

وروى ـ أيضاً(٢) ـ عن ابن عبّاس نحو ذلك بقصّة لطيفة ، تقدّم نقلها في المبحث الرابع من مباحث الإمامة ، فراجع(٣) .

__________________

(١) ص ٣٠ ج ٥ [٢ / ٥٧٧]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٣١ ج ٥ [٢ / ٥٧٧ ـ ٥٧٨]. منه (قدس سره).

(٣) راجع : ج ٤ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، من هذا الكتاب.

وانظر : الكامل في التاريخ ٢ / ٤٥٨ حوادث سنة ٢٣ هـ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٥٢ ـ ٥٥.

٣٥٧

مخترعات عمر

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

ومنها : إنّه أبدع في الدين ما لا يجوز ؛ مثل : التراويح(٢) ؛ ووضع الخراج على السواد(٣) ؛ وترتيب الجزية(٤) .

وكلّ هذا مخالف للقرآن والسنة

لأنّه تعالى جعل الغنيمة للغانمين ، والخمس لأهل الخمس(٥) .

والسنة تنطق بأنّ الجزية على كلّ حالم دينار(٦) ، وأنّ الجماعة إنّما

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٨٨ ـ ٢٩٠.

(٢) صحيح البخاري ٣ / ٩٧ ح ١١٦ ، الموطأ : ١٠٤ ح ٢ و ٣ ، مصنّف عبد الرزّاق ٤ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ٧٧٢٣ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢١٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٨ حوادث سنة ١٤ هـ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٦٩ ـ ٥٧٠ حوادث سنة ٢٣ هـ ، مروج الذهب ٢ / ٣١٩ حوادث سنة ١٤ هـ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ٤٦٤ ، الأوائل ـ للعسكري ـ : ١٠٥ ، الشافي ٤ / ٢١٧ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨١ الطعن العاشر ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٥٤ ، تاريخ أبي الفداء ١ / ١٦٥ ، البداية والنهاية ٧ / ١٠٨ ، تاريخ الخلفاء : ١٥٤.

(٣) انظر : الخراج ـ للقاضي أبي يوسف ـ : ٢٥ ، الخراج ـ لابن آدم ـ : ٢٥ رقم ٢٤ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨١ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٤١.

(٤) انظر : الخراج ـ للقاضي أبي يوسف ـ : ٢٥ و ١٢٢ وما بعدها ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨١.

(٥) وذلك بقوله تعالى :( واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خُمُسَه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكينِ وابنِ السبيل ) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

(٦) انظر : سنن أبي داود ٣ / ١٦٤ ح ٣٠٣٨ و ٣٠٣٩ ، سنن الترمذي ٣ / ٢٠ ح ٦٢٣ ،

٣٥٨

تجوز في الفريضة(١) .

أجاب قاضي القضاة ، بأنّ قيام رمضان جاز أن يفعله النبيّ ويتركه(٢) .

واعترضه المرتضى ، بأنّه لا شبهة في أنّ التراويح بدعةٌ ؛ لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «أيّها الناس! إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعةً بدعةٌ ، [وصلاة الضحى بدعة ،] ألا فلا تجمعوا في شهر رمضان في النافلة ، ولا تُصلّوا صلاة الضحى ؛ فإنّ قليلا من سنة خيرٌ من كثير من بدعة ، ألا وإنّ كلّ بدعة ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالة سبيلُها إلى النار (٣) .

وخرج عمر في شهر رمضان ليلا ، فرأى المصابيح في المسجد ،

__________________

سنن النسائي ٥ / ٢٦ ، مسند أحمد ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٣ و ٢٤٧ ، المعجم الكبير ٢٠ / ١٢٩ ح ٢٦٢ ، كتاب الأُمّ ٤ / ٢٥٣ و ٢٥٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٨١ ح ٥ وص ٥٨٢ ح ٨ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٥٥٥ ح ١٤٤٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٩ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤٣٥ رقم ٤٥٤١ ، مصابيح السنة ٣ / ١٠٩ ح ٣٠٧٨ ، المهذّب ٢ / ٢٥٠ ، المجموع ١٩ / ٤٠٢ ، فتح الباري ٦ / ٣١٩ وقال : «أخرجه أصحاب السنن ، وصحّحه الترمذي والحاكم».

(١) انظر : صحيح البخاري ١ / ٢٩٣ ح ١١٩ وج ٩ / ١٧٠ ـ ١٧١ ح ١٦١ ، صحيح مسلم ٢ / ١٨٨ ، سنن النسائي ٣ / ١٩٨ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٢٠٩ ـ ٢١١ ح ١٢٠٠ ـ ١٢٠٤ ، المعجم الكبير ٥ / ١٤٣ ـ ١٤٥ ح ٤٨٩٢ ـ ٤٨٩٦ ، مسند أبي عوانة ٢ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ح ٣٠٥٦ ـ ٣٠٥٨.

(٢) انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ٢٧ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨١.

(٣) الشافي ٤ / ٢١٩ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٢ ، وانظر : دعائم الإسلام ١ / ٢١٣ ، من لا يحضره الفقيه ٢ / ٨٧ ـ ٨٨ ح ٣٩٤ ، تهذيب الأحكام ٣ / ٦٩ ـ ٧٠ ح ٢٢٦ ، الاستبصار ١ / ٤٦١ ح ١٧٩٢ و ١٧٩٥ وص ٤٦٤ ـ ٤٦٥ ح ١٨٠١ وص ٤٦٧ ح ١٨٠٧.

٣٥٩

فقال : ما هذا؟

فقيل له : إنّ الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوّع.

فقال : بدعةٌ ، ونِعمَت البدعة.

فاعترف ـ كما ترى ـ بأنّها بدعة(١) ، وقد شهد الرسول بأنّ كلّ بدعة ضلالة(٢) .

وسأل أهلُ الكوفة من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن ينصب لهم إماماً يُصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، فزجرهم ، وعرَّفهم أنّ ذلك خلاف السنة ، فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن (عليه السلام) فدخل المسجد ومعه الدرّة(٣) ، فلما رأَوْهُ تبادروا الأبواب ، وصاحوا : وا عمراه(٤) !

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٣ / ٩٧ ـ ٩٨ ذ ح ١١٦ ، الموطأ : ١٠٤ ح ٣ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥ ح ١١٠٠ ، مصنّف عبد الرزّاق ٤ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ٧٧٢٣ ، المدوّنة الكبرى ١ / ١٩٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٤٩٣ ، فضائل الأوقات : ٢٦٦ ح ١٢١ ، تاريخ المدينة المنوّرة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٧١٥ ، الإحكام في أُصول الأحكام ١ / ٤٧ ، تاريخ بغداد ٨ / ٥١ رقم ٤١١١ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ١٠٦ ـ ١٠٧ مادّة «بدع».

(٢) الشافي ٤ / ٢١٩ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٣.

وانظر : مسند أحمد ٤ / ١٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٥ ـ ١٦ ح ٤٢ ، سنن الدارمي ١ / ٣٥ ح ٩٦ ، المعجم الكبير ٩ / ١٥٤ ح ٨٧٧٠ وج ١٨ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ح ٦١٧ ، المعجم الأوسط ١ / ٦٢ ـ ٦٣ ح ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ١٧٤ ـ ١٧٥ ح ٣٢٩ ، السنة ـ لابن أبي عاصم ـ : ١٦ ـ ١٩ ح ٢٥ ـ ٣٣ وص ٢٩ ح ٥٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١١٤ ، تفسير القرطبي ٢ / ٦٠ ، تفسير ابن كثير ١ / ١٥٣.

(٣) الدرَّةُ : التي يُضرب بها ، عربية معروفة ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٣٢٧ مادّة «درر».

(٤) شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٣ ، الشافي ٤ / ٢١٩ ، تهذيب الأحكام ٣ / ٧٠ ح ٢٢٧.

٣٦٠