دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 92819
تحميل: 3819


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92819 / تحميل: 3819
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

ومنها : نفيه نصر بن حجّاج إلى البصرة ؛ إذ تغنّت به امرأة في دارها ، وكان في غاية الحسن والجمال ، كما هو مستفيض ، وذكره في «شرح النهج»(١) .

وليت شعري ، كيف استحقّ نصر النفي بمجرّد أن تغنّت به امرأة ، وما استحقّ المغيرة شيئاً من الإهانة ، وقد شهد عليه ثلاثة بالزنا ، وشهد الرابع بأنّه جلس منها مجلس الفاحشة رافعاً رجليها ، وخصيتاه متردّدتان بين فخذيها ، وسمع له حفزاً شديداً ونَفَساً عالياً(٢) ؟!!

وأما ما ذكره الفضل بالنسبة إلى نسب «عثمان» ، وأنّه يتّصل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عبد مناف

فمحلّ ريب عندنا ؛ لِما روي أنّ أُميّة كان عبداً روميا تبنّاه عبد شمس ، وكان ذلك من عادة العرب ، بحيث لا يُنسب عندهم اللحيق إلاّ إلى المستلحِق ، ويتوارثان ، وتترتّب عليه جميع آثار البنوّة(٣) .

كما نُسب ذكوان إلى أُميّة إذ تبنّاه ، وكان عبداً له ، كما ذكره في «الاستيعاب» بترجمة الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط بن ذكوان ، لكن جعله

__________________

(١) ص ٩٩ مجلّد ٣ [١٢ / ٢٧]. منه (قدس سره).

وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢١٦ ، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٧٦٢ ـ ٧٦٣ ، المستقصى في أمثال العرب ١ / ١١٩ ، عيون الأخبار ٤ / ٢٤ ، حلية الأولياء ٤ / ٣٢٢ ، الاستيعاب ١ / ٣٢٦ ذيل الرقم ٤٨٢ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٧٥ وج ٦٢ / ٢٠ ـ ٢٧ رقم ٧٨٥٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ٣٦٧ ، أُسد الغابة ١ / ٤٥٦ رقم ١٠٨٣ ترجمة أبيه ، الإصابة ٦ / ٤٨٥ رقم ٨٨٤٥.

(٢) راجع الصفحة ٢٥٤ وما بعدها ، من هذا الجزء.

(٣) انظر : الاستغاثة ـ لأبي القاسم الكوفي ـ ١ / ٧٦ ، الروض الأُنف ٣ / ٩٤.

٤٠١

قولا(١) .

ويشهد لذلك قول أبي طالب (عليه السلام) في بني أُميّة [من الطويل] :

قديماً أبوهم كان عبداً لجدّنا

بنو أَمَة شهلاءَ جاشَ بها البحرُ

من أبيات ذكرها ابن أبي الحديد(٢) ، لكن استفاد منها صحّة ما يروى أنّ عبد المطّلب (عليه السلام) استعبد أُميّة لرهان بينهما(٣) ، وهو خطأ ، وإلاّ لقال : عبداً لأبينا.

ويؤيّد المدّعى معروفيّتهم ببني أُميّة لا بني عبد شمس ، والحال أنّ عبد شمس أظهر في الشرف من أُميّة ، وإنّما عرف عتبة وشيبة ببني عبد شمس(٤) .

__________________

(١) الاستيعاب ٤ / ١٥٥٢ رقم ٢٧٢١ ، وانظر : المنمّق ـ لابن حبيب ـ : ١٠٠ ، معجم ما استعجم ٣ / ٨٣٧ «صَفُّورِيَة» ، ربيع الأبرار ١ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، الروض الأُنف ٣ / ٩٣ ـ ٩٤ ، الإصابة ٥ / ٥٢٩ رقم ٧٢٩٤ ترجمة القُلاخ العنبري ، السيرة الحلبية ٢ / ٤٤٢.

(٢) ص ٤٦٧ مجلّد ٣ [١٥ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤]. منه (قدس سره).

والبيت من قصيدة قالها شيخ الأباطح أبو طالب (عليه السلام) لمّا تظاهرت قريش على بني هاشم وحاصرتهم في الشِّعب ، وفيها يذمّ بني عبد شمس ونوفل ، مطلعها كما في الديوان :

ألا ليتَ حظّي من حِياطةِ نصركم

بأن ليس لي نفعٌ لديكم ولا ضرُّ

ورواية البيت :

وليدٌ أبوه كان عبداً لجدّنا

إلى عِلْجَة زرقاءَ جالَ بها السِّحْرُ

انظر : ديوان أبي طالب : ١٠٦ ـ ١٠٧ رقم ١٤ وص ١٨٦ ـ ١٨٧ رقم ٢٠ ، وورد في الموضع الثاني : «وليداً» بدل «وليدٌ» وكذا في المصدر الآتي ، السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ١٥٣.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٣١.

(٤) انظر : نسب قريش : ١٥٢ ، النسب ـ لابن سلام ـ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، أنساب الأشراف ٥ / ٧.

٤٠٢

ويُحتملُ أن يكون أميرُ المؤمنين (عليه السلام) أشار إلى استلحاق أُميّةَ وبنيه بعبد شمس بقوله في كتابه إلى معاوية : «وليس الصريحُ كاللصيق(١) »(٢) جواباً عمّا كتبه معاويةُ إليه : «إنّا وأنتم من بني عبد مناف»(٣) .

ويحتملُ ـ أيضاً ـ أنّه (عليه السلام) أشار إلى المعروف من كون معاويةَ ابنَ زنا ولحيقاً بأبي سفيان(٤) .

ويحتملُ أنّه (عليه السلام) أشار إلى الأمرين.

وأما ما زعمه من تزويجه ابنتَي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

فمحلّ إشكال أيضاً ؛ لِما قيل : إنّهما ربيبتاه ؛ فنُسبتا إليه للتربية ؛ بل قيل : إنّهما ابنتا أُخت خديجة(٥) .

ولو سُلّم أنّهما ابنتاه حقيقةً ـ كما هو الأقربُ(٦) ـ ، فالظاهر أنّ

__________________

(١) اللصيق : الدعيّ ، أو الرجل المقيم في الحيّ وليس منهم بنسب ؛ انظر مادّة «لصق» في : لسان العرب ١٢ / ٢٧٩ ، تاج العروس ١٣ / ٤٢٨.

(٢) نهج البلاغة : ٣٧٥ كتاب ١٧.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٥١.

(٤) انظر : مثالب العرب ـ لابن الكلبي ـ : ٧٢ ، الأغاني ٩ / ٦٢ ، ربيع الأبرار ٣ / ٥٥١ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، تذكرة الخواصّ : ١٨٤.

(٥) انظر : الاستغاثة ١ / ٦٤ ـ ٧٠ ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب ـ ١ / ٢٠٦ و ٢٠٩.

(٦)نقول : مهما اختلف المحقّقون والباحثون في مسألة بنات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ربائبه ، بين ناف ومثبِت ، وأيا كان الحال فيها ، فإنّ المتيقّن والمجمَع عليه من فرق المسلمين كافة ، هو أنّ سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء البتول (عليها السلام) هي ابنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يأتِ في غيرها شيءٌ ممّا أثبته لها اللهُ تعالى في القرآن الكريم ، والنبيُّ الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديثه ، في عِظم شأنها ورفيع منزلتها وسموّ مقامها صلوات الله وسلامه عليها.

ومن المناسب جدّاً مراجعة مقال : «بنات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أم ربائبه؟! رأي

٤٠٣

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما زوّجه للتأليف ، كما يشهد له ما ذكره ابنُ الأثير في «نهايته» بمادّة «أبَر» ، بالباء الموحّدة من تحت

قال : «في حديث أسماء بنت عميس : قيل لعليّ : ألا تتزوّجُ ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال : ما لي صفراء ولا بيضاء ، ولستُ بمأبور في ديني فيُوَرّي(١) بها رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنّي ، إنّي لأوّل مَن أسلم».

ثمّ قال : «يعني : لستُ غيرَ صحيحِ الدينِ ، ولا المتّهَمَ في الإسلام فيتألّفني عليه بتزويجها إيّايَ».

قال : «ويروى بالثاء المثلّثة ، وسيُذكر»(٢) .

ثمّ ذكره في هذه المادّة ، وقال : «أي : لستُ ممّن يؤثَر عنّي شرٌّ وتهمةٌ في ديني»(٣) .

فإنّه دالٌّ على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد يزوّج الرجلَ للتأليف ، والمتعيّن له عثمانُ ؛ لأنّ من عداه من أصهار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إمّا مؤمنٌ حقّاً وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أو كافرٌ معاند!

وأما ما تعرّض له من أخبارهم في فضل عثمان(٤) ، فقد عرفتَ في

__________________

ونقد» ، للسيّد جعفر مرتضى العاملي ـ حفظه الله ـ ، المنشور في مجلّة «تراثنا» ، العدد المزدوج ٣٠ ـ ٣١ ، ص ٣٠٠ ـ ٣٤٦ ، السنة ٨ ، المحرّم ـ جمادى الآخرة ١٤١٣ هـ ، والمطبوع مستقلاًّ فيما بعد.

(١) وَرَّيْتُ الخبرَ أُوَرِّيه تَوْرِيَةً ، إذا سترته وأظهرت غيره ؛ انظر مادّة «وري» في : الصحاح ٦ / ٢٥٢٣ ، لسان العرب ١٥ / ٢٨٣.

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ١٤ مادّة «أبر» ، وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٨٦ ح ٩٧٨٢ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤١٠ ح ١٠٢٢ وج ٢٤ / ١٣٣ ح ٣٦٢ ، الأحاديث الطوال ـ للطبراني ـ : ١٣٨ ح ٥٥.

(٣) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢٣ مادّة «أثر».

(٤) راجع الصفحة ٣٦٦ وما بعدها ، من هذا الجزء.

٤٠٤

ما ذكره في فضل الشيخين(١) ، أنّ ذِكرَ أخبارهم في مثل المقام لغوٌ ، لا يفيد أصحابه علماً ، ولا يكون علينا حجة(٢) .

على أنّها لا تعارض أخبارَ الطعن المتّفق عليها بين الفريقين(٣) .

مضافاً إلى ظهور ضعف أسانيدها عندهم ؛ ولذا لم يروها البخاريُّ ومسلم ، وإنّما رواها الترمذيُّ ، وقال في الأوّل منها(٤) : «هذا حديثٌ غريبٌ ، وليس إسناده بالقويّ ، وهو منقطعٌ»(٥) ؛ انتهى.

فإنّه رواه عن أبي هشام الرفاعيِّ ـ وهو : محمّد بن يزيد ـ ، عن يحيى بن يَمان ، عن شيخ من بني زهرة ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذُباب

وهو كما ترى ؛ فإنّ الشيخ مجهول(٦) ، ومَن عداه ضعافٌ(٧) ، كما عرفتَ بعض ترجمة الرفاعيِّ ويحيى في المقدّمة(٨) ، وعليه فَقِس بقيّة الأحاديث.

على أنّ الحديثين اللذين زعموا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فيهما : «ما

__________________

(١) راجع أقوال ابن روزبهان في هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحتين ٦٤ و ١٦٥ ، من هذا الجزء.

(٣) انظر : ج ١ / ٢٥ ، من هذا الكتاب.

(٤) تقدّم في الصفحة ٣٦٧ ، من هذا الجزء.

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٥٨٣ ذ ح ٣٦٩٨.

(٦) أي الذي من بني زهرة.

(٧) قال الذهبي في ترجمة الحارث بن عبدالرحمن :

روى عنه الدراوردي مناكير.

وقال ابن حزم : ضعيف.

انظر : ميزان الاعتدال ٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣ رقم ١٦٣١.

(٨) راجع : ج ١ / ٢٤٧ رقم ٣٠٢ وص ٢٧٦ رقم ٣٤٩ ، من هذا الكتاب.

٤٠٥

ضرّ عثمان ما عمل بعد»(١) كاذبان جزماً ؛ لأنّه إذا آمنه العقوبة ، فقد سهّل له المعصية.

ولا يمكن أن يقع مثله من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ من ليس بمعصوم أو شبهه ، فكيف يقولُه في حق مَن يجعلُ مال الله سبحانه طعمة للوزغ(٢) وبنيه ، وينتهكُ حرمات الصحابة الأبرار ، كأبي ذرّ وعمار وأشباههما(٣) ؟!

على أنّه كيف يتصدّق بهذه الصدقة الكثيرة وقد أشفق أن يقدّم في النجوى الصدقة القليلة الواجبة(٤) ؟!

ولِمَ سلّم وقوعُ تلكَ الصدقة منه؟! فمَن يُشفقُ مِن تقديم الصدقة القليلة الواجبة ، حقيقٌ بأن يكون وقوع الصدقة الكثيرة المندوبة منه للسمعة والرياء وطلب الثناء!

هذا حالُ ما انتخبه من أخبارهم ، فكيف حالُ غيرها؟!

__________________

(١) تقدّما في الصفحة ٣٦٨ ، من هذا الجزء.

(٢) الوَزَغُ : دُويبة ، وهي التي يقال لها : سامُّ أَبرص ، سُمِّيت بها لخفّتها وسرعة حركتها.

والوَزَغُ والوَزْغُ : الرَّجفةُ والرِّعْشَةُ والرِّعْدةُ.

والوَزَغُ : الرجلُ الرَّذْلُ النّذْلُ الذي لا مروءة له ولا جلَد.

انظر : مادّة «وزغ» في : غريب الحديث ـ للهروي ـ ٤ / ٤٧٠ ، الفائق في غريب الحديث ٤ / ٥٧ ـ ٥٨ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٥ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، لسان العرب ١٥ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، تاج العروس ١٢ / ٧٠ ـ ٧١.

والمراد به هنا : مروان بن الحكم ؛ كما سيأتي بيانه.

(٣) سيأتي تفصيل ذلك.

(٤) إشارة إلى الآية الكريمة (أأشفقتم أن تقدّموا بين يدَي نجواكم صدقات) سورة المجادلة ٥٨ : ١٣ ، ولم يعمل بها سوى أمير المؤمنين (عليه السلام) ؛ راجع تفصيل ذلك في : ج ٥ / ٢٩ ـ ٣٨ ، من هذا الكتاب.

٤٠٦

ولو رأيتَ ما رواه البخاريُّ ومسلمُ في فضل عثمان لبان لك على صفحاتها أثرُ التصنّع والكذب(١) ؛ ولذا عدل الخصمُ عنها إلى هذه الأخبار ، مع رواية الترمذي للجميع(٢) ؛ فخصّها لزعمه أنّها أقربُ إلى القبول.

وأما قوله : «التي رواها عن شيوخه الضالّين»

فصحيحٌ ؛ لأنّ المصنّف (رحمه الله) لم يروِ هذه المطاعن إلاّ عن الشيوخ الضالّين ؛ لإثبات ضلالهم المبين.

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٨١ ـ ٨٣ ح ١٩١ ـ ١٩٥ باب مناقب عثمان ، صحيح مسلم ٧ / ١١٦ ـ ١١٩ باب من فضائل عثمان.

(٢) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٨٢ ـ ٥٩٠ ح ٣٦٩٦ ـ ٣٧١١ باب في مناقب عثمان.

٤٠٧
٤٠٨

المطلب الثالث

ما رواه الجمهور في حقّ عثمان

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

المطلب الثالث

في المطاعن التي رواها الجمهور عن عثمان

منها : إنّه ولّى أمرَ المسلمين مَن لا يصلحُ لذلك ، ولا يؤتمنُ عليه ، وظهر منه الفسقُ والفسادُ ، ومَن لا علمَ له ألبتّة ؛ مراعاةً لحرمة القرابة ، وعُدولا عن مراعاة حُرمة الدين(٢) ؛ وقد كان عمر حذّره من ذلك(٣)

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٤٧ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٣٣ و ١٣٤ و ١٣٦ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ٢٥١ ـ ٢٥٣ ، الرياض النضرة ٣ ـ ٤ / ٦٣ ، تاريخ الخلفاء : ١٨٤ و ١٨٥.

(٣) ورد تحذير عمر لعثمان مباشرة ، أو تنبيهه لغيره ممّا سيُقدِم عليه عثمان ، في كثير من مصادر الجمهور ، فانظر مثلا :

الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢٥٩ ـ ٢٦٢ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٨٠ ـ ٤٨١ ح ٩٧٧٦ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٧ ح ٥ وص ٥٨٠ ح ١٥ و ١٦ ، تاريخ المدينة المنوّرة ـ لابن شبّة ـ ٣ / ٨٨١ و ٨٨٣ ، الإمامة والسياسة ١ / ٤٣ و ٤٥ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٢٠ و ١٢١ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٦٠ حوادث سنة ٢٣ هـ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٢ / ٢٣٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ

٤٠٩

فاستعمل الوليدَ بن عُقبة(١) حتّى ظهر منه شربُ الخمر(٢)

وفيه نزل قوله تعالى :( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ) (٣) ، المؤمن : عليٌّ ، والفاسق : الوليدُ بن عُقبةَ ، على ما قاله المفسّرون(٤)

__________________

٨ / ١٥١ ، الاستيعاب ٣ / ١١١٩ ، تاريخ دمشق ٤٤ / ٤٣٧ ـ ٤٣٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٨٦ وج ٣ / ١١ و ١٩ وج ٦ / ٣٢٦ وج ١٢ / ٥٢ و ٢٥٩ ، الرياض النضرة ١ ـ ٢ / ٤١٧ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٥٤٣ ، فتح الباري ٧ / ٨٥ ب ٨ ح ٣٧٠٠ ، كنز العمّال ٥ / ٧٣٧ ـ ٧٣٨ ح ١٤٢٦٢ وص ٧٤٠ ـ ٧٤١ ح ١٤٢٦٦ وص ٧٤٤ ـ ٧٤٥ ح ١٤٢٧٨.

(١) وهو أخو عثمان بن عفان لأُمه أَروى بنت كرَيْز بن ربيعة.

وقد تقدّمت ترجمته في ج ٥ / ١٨٣ هـ ٣ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٣٣١ رقم ٣٩٤٥ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٥ / ٢٧٢٧ رقم ٢٩٦١ ، الاستيعاب ٤ / ١٥٥٢ رقم ٢٧٢١ ، تاريخ دمشق ٦٣ / ٢١٨ رقم ٨٠٣٣ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤١٣ رقم ٦٧.

(٢) انظر : صحيح مسلم ٥ / ١٢٦ ، سنن أبي داود ٤ / ١٦٢ ح ٤٤٨٠ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٨٥٨ ح ٢٥٧١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٣ / ٢٤٨ ح ٥٢٦٩ ، مسند أحمد ١ / ١٤٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٦ / ٥٠٣ ب ٥٤ ح ١ ، مسند أبي عوانة ٤ / ١٥١ ح ٦٣٣٤ ـ ٦٣٣٦ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٤٢ ـ ١٤٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٩ ، العقد الفريد ٣ / ٣٠٩ ، الأغاني ٥ / ١٣٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٣١٨ ، الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤ ـ ١٥٥٦ ، تاريخ دمشق ٦٣ / ٢٤١ ـ ٢٤٦.

(٣) سورة السجدة ٣٢ : ١٨.

(٤) انظر : تفسير السُدّي الكبير : ٣٨٢ ، تفسير مقاتل ٣ / ٢٩ ، تفسير الطبري ١٠ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ح ٢٨٢٦٢ ، تفسير ابن أبي حاتم ٩ / ٣١٠٩ ح ١٧٨٥٠ و ١٧٨٥١ ، تفسير الثعلبي ٧ / ٣٣٣ ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ١٩٥ ، تفسير الوسيط ٣ / ٤٥٤ ، تفسير الماوردي ٤ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٣٣ ، تفسير ابن عطيّة : ١٤٩٦ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ / ٥٣٥ ، زاد المسير ٦ / ١٨٢ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٧٠ ، تفسير ابن جُزَيّ ٢ / ١٣١ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٤٥ ، تفسير الإيجي ٣ / ٣٣١ ، الدرّ المنثور ٦ / ٥٥٣ ، لباب النقول : ١٧٠.

٤١٠

وفيه نزل :( إنْ جاءكم فاسقٌ بنبإ فتبيّنوا ) (١)

وكان يصلّي حالَ إمارته وهو سكران ، حتّى تكلّم فيها والتفتَ إلى مَن خلفه وقال : أزيدكم في الصلاة؟ فقالوا : لا ، قد قضينا صلاتنا(٢) .

واستعمل سعيدَ بن العاص(٣) على الكوفة ، وظهرت منه أشياء

__________________

وانظر كذلك : الأغاني ٥ / ١٥٣ ، الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤ ، تاريخ دمشق ٦٣ / ٢٢٤ و ٢٣٥ ، أحاديث الشاموخي : ٤٥ ـ ٤٦ ح ٢٦.

(١) سورة الحجرات ٤٩ : ٦.

انظر : مسند أحمد ٤ / ٢٧٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ح ٣٣٩٥ وج ١٨ / ٦ ـ ٧ ح ٤ وج ٢٣ / ٤٠١ ح ٩٦٠ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٠٩ ح ٣٧٩٧ ، تفسير مجاهد : ٦١٠ ـ ٦١١ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٢٢ ، التاريخ الصغير ـ للبخاري ـ ١ / ٩١ ، تفسير الصنعاني ٢ / ٢٣١ ، تفسير الطبري ١١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ح ٣١٦٨٥ ـ ٣١٦٩٢ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣٣٠٣ ح ١٨٦٠٨ ، الجرح والتعديل ـ لابن أبي حاتم ـ ٢ / ٤ ـ ٥ ، الأغاني ٥ / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٥٩٤ ، تفسير الثعلبي ٩ / ٧٧ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٢ / ٧٨٣ ـ ٧٨٤ ح ٢٠٨١ وج ٤ / ٢١٧٥ ح ٥٤٥٣ ، تفسير الماوردي ٥ / ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٩ / ٥٤ ـ ٥٥ ، الاستيعاب ٤ / ١٥٥٣ ـ ١٥٥٤ وقال : «لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن ـ في ما علمتُ ـ أنّ قوله عزّ وجلّ : (إنْ جاءكم فاسق بنبأ) نزلت في الوليد بن عُقبة ...» ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، تفسير الوسيط ٤ / ١٥٢ ، أُصول السرخسي ١ / ٣٧١ ، تفسير ابن عطيّة : ١٤٩٦ و ١٧٤٢ ، تاريخ دمشق ٦٣ / ٢٢٨ ـ ٢٣٢ ، زاد المسير ٧ / ٢٢٢ ، تفسير الفخر الرازي ٢٨ / ١٢٠ ، تفسير القرطبي ١٦ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢١٠ ، تفسير الإيجي ٤ / ١٦٩ ، الدرّ المنثور ٧ / ٥٥٥ ـ ٥٥٨ ، لباب النقول : ١٩٦.

(٢) راجع : الصفحة السابقة ، هـ ٢.

(٣) هو : سعيد بن العاص بن أبي أُحيحة سعيد بن العاص بن أُميّة بن عبد شمس الأُموي.

٤١١

منكَرة ، وقال : إنّما السواد(١) بستانٌ لقريش ، تأخذُ منه ما شاءت ، وتتركُ منه ما شاءت! حتّى قالوا له : أتجعلُ ما أفاء الله علينا بستاناً لكَ ولقومك(٢) ؟!

وأفضى الأمر إلى أن منعوه من دخولها ، وتكلّموا فيه وفي عثمان كلاماً ظاهراً ، حتّى كادوا يخلعون عثمانَ ، فاضطرّ حينئذ إلى إجابتهم

__________________

وُلد عام الهجرة ، وقيل في العام الأوّل ، وهو والد عمرو بن سعيد الأشدق ، وكان له يوم توفّي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تسع سنين ، قُتل أبوه العاص يوم بدر كافراً ، قتله الإمامُ أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام).

ولاّه عثمان الكوفة سنة ٣٠ هـ ، فلمّا قدم الكوفة قدمها شابّاً مترفاً ليس له سابقة ، فعزله وولّى الوليدَ بن عُقبة ، فشكاه أهل الكوفة ، فعزله وردّ سعيداً ، فردّه أهلُ الكوفة وكتبوا إلى عثمان : لا حاجة لنا في سعيدك ولا وليدك!

كان عظيم الكبْر ، وفيه تجبّر وغِلظٌ وشدةُ سلطان ، وكان يوم الدار مع عثمان يقاتل دونه ، ووليَ إمرة المدينة لمعاوية غير مرّة ، فإذا عزله ولاّها مروان بن الحكم ، فكان يعاقِبُ بينه وبين مروان في أعمال المدينة ، توفّي سنة ٥٩ هـ ، وقيل غير ذلك.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٢١ رقم ٦١٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٨ حوادث سنة ٣٠ هـ ، الاستيعاب ٢ / ٦٢١ رقم ٩٨٧ ، تاريخ دمشق ٢١ / ١٠٧ رقم ٢٤٩٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣ حوادث سنة ٣٠ هـ ، أُسد الغابة ٢ / ٢٣٩ رقم ٢٠٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٤٤ رقم ٨٧ ، الإصابة ٣ / ١٠٧ رقم ٣٢٧٠ ، البداية والنهاية ٧ / ١٢٥ حوادث سنة ٣٠ هـ.

(١) السَّواد : جماعةُ النخل والشجر لخضرته واسوِداده ، وقيل : إنّما ذلك لأنّ الخُضرة تقارب السواد ، وسوادُ كلّ شيء : كُورَةُ ما حول القرى والرَّساتيق ؛ والسواد : ما حوالي الكوفة من القرى والرساتيق ، وسواد الكوفة والبصرة : قُراهما.

انظر : لسان العرب ٦ / ٤٢٠ مادّة «سود».

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٥٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٧ حوادث سنة ٣٣ هـ ، مروج الذهب ٢ / ٣٣٧ ، تاريخ دمشق ٢١ / ١١٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣١ حوادث سنة ٣٣ هـ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ١٢٩ وج ٣ / ٢١ ، مختصر تاريخ دمشق ٩ / ٣٠٦.

٤١٢

وعزله قهراً لا باختيار عثمان(١) .

وولّى عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح(٢) مصراً ، وتكلّم فيه أهل مصر ، فصرفه عنهم بمحمّد بن أبي بكر.

ثمّ كاتبه بأن يستمرّ على الولاية ، فأبطن خلافَ ما أظهر ، فأمره بقتل محمّد بن أبي بكر وغيره ممّن يَرِدُ عليه ، فلمّا ظفر محمّد بذلك الكتاب كان سببَ حصره وقتله(٣) .

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٤٣ ـ ٦٤٤ حوادث سنة ٣٤ هـ ، مروج الذهب ٢ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠ ـ ٤١ حوادث سنة ٣٤ هـ.

(٢) هو : عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح بن الحارث القرشي العامري.

أسلم قبل الفتح ، وهاجر ، وكان كاتباً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ ارتدّ مشركاً ، وصار إلى قريش بمكّة ، فأهدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه ، فلمّا كان يوم فتح مكّة أمر بقتله ولو وُجد تحت أستار الكعبة ، ففرّ إلى عثمان ، وكان أخاه من الرضاعة ، فغيّبه عثمان ، ثمّ أتى به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما اطمأنّ أهلُ مكة طالباً له الأمان ، فصمت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طويلا ، ثمّ آمنه ، فلمّا انصرف عثمان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن حوله : ما صَمَتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ؛ فقال رجلٌ : فهلاّ أومأتَ إليّ يا رسول الله؟! فقال : إنّ النبيّ لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين.

قيل إنّه توفّي سنة ٥٩ هـ.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٣٤٤ رقم ٤٠٠٩ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٣ / ١٦٧٠ رقم ١٦٥٦ ، الاستيعاب ٣ / ٩١٨ رقم ١٥٥٣ ، تاريخ دمشق ٢٩ / ١٩ رقم ٣٣١٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٣ رقم ٨.

(٣) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٣ ـ ١٨٥ ، العقد الفريد ٣ / ٢٩٤ ـ ٢٩٦ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ٥١٢ وما بعدها ، البداية والنهاية ٧ / ١٣٧ ـ ١٤١.

٤١٣

وقال الفضل(١) :

معظم ما يطعنون على عثمان هو تولية بني أُميّة على الممالك ؛ وذلك لأنّه رأى أُمراء بني أُميّة أُولي رشد ونجابة وعلم بالسياسات.

وكان إذ ذاكَ اتّسعَ عرصةُ الإسلام وبَعُد الممالك ، واختلف سيرُ الناس ؛ لاختلاط الأعجام بالعرب ، واختلاف العرب واستيلائهم ، فلا بُد من الأُمراء الّذين يكونون ذوي بأس وقوّة واستيلاء.

وكانوا بنو أُميّة على هذه النعوتِ ، فكان عثمانُ يختارهم للإمارة ، وكلّما ظهر منهم شيءٌ يعزلهم ، كما روي في الصحاح ، أنّه لمّا علم عثمان أنّ الوليد بن عقبة شرب الخمرَ عزله عن إمارة الكوفة ؛ كما ذكر.

ولا طعنَ في الإمام إذا نصبَ من رآه عدلا أهلا للإمارة ، ثمّ يظهر منه خلاف هذا فيعزله ، فإنّه حال النصب علمه أهلا للإمارة ، ولو كان حال النصب يعلم أنّه ليس بأهل للإمارة ثمّ ينصبه لكان طعناً ، ولم يثبت هذا فلا طعنَ.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٦٣ الطبعة الحجرية.

٤١٤

وأقول :

ليس هذا إلاّ اليسيرَ ممّا يطعن به على عثمان ، فإنّ له ما هو أكثرُ وأعظمُ ؛ كتغييره أحكام الله تعالى وسنة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) واستهزائه بالشريعة(١) ، وإحراقه المصحف المجيد(٢) .

وأمّا قوله : «لمّا رأى بني أُميّة أُولي رشد ونجابة ...» إلى آخره

فمن عدم المبالاة بالكذب ، وقلّة الحياء منه ؛ فإن الشجرة الملعونة في القرآن(٣) لا يمكن أن تثمر الرشد والنجابة والهدى ، وإنّما تثمرُ المكرَ والفسقَ والخنا.

ولا أدري ، أيُّ رشد لهم وعلم بالسياسة وقد أتوا من صنوف التهتّك والجور ما رأته كلُّ عين ، حتّى أهاجوا الرأي العامَّ ، وقُتل بسببهم عثمان؟!

وأيّةُ نجابة لهم وما فيهم إلاّ خمّارٌ ، أو زان ، أو ابنُ زنا؟!

ويكفيك أنّ إمامهم وأنجبهم معاوية ، وهو لحيقٌ بأبي سفيانَ(٤) مستلحِقٌ لزياد(٥) !

__________________

(١) سيأتي بيان ذلك مفصلا في الصفحة ٥٥٦ وما بعدها ، من هذا الجزء.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٦ / ٣١٥ ـ ٣١٦ ح ٩ ، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٣ / ٩٩١ ـ ٩٩٢ ، تفسير الطبري ١ / ٥٠ ح ٦٤ وفيه : «وخرَّقَ يخرقه» بالخاء المعجمة ، مسند الشاميّين ـ للطبراني ـ ٤ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ح ٢٩٩١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ١٨ ـ ٢١ ح ٤٤٨٩ و ٤٤٩٠ ، الفهرست ـ للنديم ـ : ٣٩ ـ ٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٤١ ـ ٤٢ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ٢٤١.

(٣) راجع : ج ١ / ١٦٨ هـ ٤ ، من هذا الكتاب.

(٤) راجع الصفحة ٤٠٣ هـ ٤ ، من هذا الجزء.

(٥) سيأتي تفصيل ذلك كلّه في محلّه من الجزء الثامن ، من هذا الكتاب.

٤١٥

لكن الدنيا أقبلت عليهم ، وجرت المقاديرُ باستيلائهم ، فحسب بعضُ الناس أنّ ذلك من سياستهم ، وكان بعضهم ـ كمعاوية ـ صاحبَ مكر وخديعة وحيلة ، فتخيّل أولياؤهم أنّ لهم رشداً.

ولو سُلّم أنّهم كانوا كذلك ، فلا ريبَ أنّ عثمان لم يقدِّمهم لرشدهم ونجابتهم ؛ لوجود مَن هو أرشد وأنجب وأعلم بالسياسة منهم في صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولو كان الداعي له هو ذلك ، لجعلهم في البلاد البعيدة الواقعة في الثغور ، المحتاجة لذوي القوّة والرشد والسياسة ، لا في البلاد الآمنة المطمئنّة حتّى ألحقوا بها الفتن ، وألحقوا بها العناءَ ، وشوّهوا وجه الإسلام.

ولا أدري من أين عرف عثمانُ رُشدَ عبد الله بن عامر(١) وعِلمَه بالسياسة ، حتّى جمع له بين كور البصرة وفارس وهو ابنُ أربع أو خمس وعشرينَ سنةً ، لم يتولّ شيئاً من الولايات قبلها(٢) ؟!

__________________

(١) هو : عبد الله بن عامر بن كرَيز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس العبشمي ، ابن خال عثمان بن عفّان ، وُلد عام الحديبية ، توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمره خمس أو ستّ سنين ، وليَ البصرة لعثمان سنة ٢٩ هـ حتّى قُتل عثمان ، فشهد حرب الجمل ضدّ أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) ، ثمّ وفدَ على معاوية فزوّجه بابنته هند ، وولاّه البصرةَ ثلاث سنين ، توفّي قبل معاوية في سنة ٥٩ هـ.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٣٢ رقم ٦١٨ ، معجم الصحابة ـ لابن قانع ـ ٩ / ٣٣٠٩ رقم ٥٨٦ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٣ / ١٧٣٢ رقم ١٧٠٩ ، الاستيعاب ٣ / ٩٣١ رقم ١٥٨٧ ، أُسد الغابة ٣ / ١٨٤ رقم ٣٠٣١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٨ رقم ٦ ، تاريخ الإسلام ٢ / ١١٦.

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٤ حوادث سنة ٢٩ هـ ، الاستيعاب ٣ / ٩٣٣ ، أُسد الغابة ٣ / ١٨٤ رقم ٣٠٣١.

٤١٦

نعم ، أراد أن يطعمه مال القطرين ويرفع قدره ، فولاّه إيّاهما

روى الطبريُّ في «تاريخه»(١) : «أنّ غيلان بن خرَشة(٢) قال لعثمان : أمَا منكم خسيس فترفعوه؟! أمَا منكم فقيرٌ فتجبروه؟! يا معشر قريش! حتّى متى يأكل هذا الشيخُ الأشعري هذه البلاد؟! فانتبه لها الشيخ ، فولاّها عبد الله بن عامر».

ومثله الكلام في سعيد بن العاص ؛ فإنّه ولاّه الكوفة ولم يبلغ الثلاثين ، وما تولّى قبلها عملا(٣) .

وكذا الوليد بن عقبة ؛ فإنّه لم يتولّ بلاداً ، وما عرف سياسة ، وإنّما ولاّه عثمان الكوفة طعمة

فقد ذكر في «شرح النهج»(٤) ، عن الأغاني ، أنّ سبب إمارة الوليد على الكوفة أنّه لم يكن يجلس مع عثمان على سريره إلاّ العبّاس وأبو سفيان والحكم والوليد ، ولم يكن سريره يسع معه إلاّ واحداً ، فأقبل الوليد يوماً فجلس ، فجاء الحكم ، فأومأ عثمان إلى الوليد ، فرحل(٥) له عن مجلسه ، فلمّا قام الحكم قال الوليدُ : لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما

__________________

(١) ص ٥٥ ج ٥ [٢ / ٦٠٥]. منه (قدس سره).

(٢) هو : غيلان بن خرشة بن عمرو بن ضرار الضبّي البصري ، كان أعرابياً جافياً ، به لُوثة ، وفد على معاوية.

انظر : الأغاني ١٣ / ٣٣٦ ، تاريخ دمشق ٤٨ / ١٣١ رقم ٥٥٦٤.

(٣) راجع ما تقدّم في ترجمته ، في الصفحة ٤١١ هـ ٣.

(٤) ص ١٩٢ مجلّد ٤ [١٧ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨]. منه (قدس سره).

وانظر : الأغاني ٥ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٥) كذا في الأصل والمصدر ، بالراء المهملة ، ولعلّه تصحيف ما في «الأغاني» : «زَحلَ» بالزاي المعجمة ؛ وزَحلَ الرجلُ عن مقامه : زَلَّ عن مكانه وتَنحّى وتَبَاعدَ ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٢٧ ـ ٢٨ مادّة «زحل».

٤١٧

حين آثرت عمكَ على ابن أُمكَ.

فقال عثمان : إنّ الحكَم شيخُ قريش ، فما البيتان؟!

فقال [من الطويل] :

رأيتُ لِعمِّ المرءِ زُلفى قرابة

دُوَيْنَ أخيه حادثاً لم يكن قِدْما

فأمّلتُ عَمْراً أن يَشِبَّ وخالداً

لكي يَدعُواني يومَ نائبة عَمّا

يعني : عَمْراً وخالداً ابنَي عثمان.

قال : فرَقّ له عثمان وقال : قد ولّيتكَ الكوفة ، فاخرج إليها!

وقال ابن قتيبة في كتاب «الإمامة والسياسة» تحت عنوان «ما أنكر الناسُ على عثمان» : «أنّه اجتمع ناسٌ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمانُ من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما كان من هبة خمس إفريقيّة لمروان ـ إلى أن قال : ـ وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني أُميّة أحداث وغلمة ، لا صحبة لهم من الرسول ، ولا تجربة لهم بالأُمور»(١) .

وقال في «العقد الفريد»(٢) : «لمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجِلّة(٣) من أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قيل لعبد الرحمن : هذا عملك! قال : ما ظننتُ هذا! ثمّ مضى ودخل عليه وعاتبه ، وقال : حابيتَ أهلَ بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين لله علَيَّ أن لا أُكلِّمك أبداً.

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ٥٠.

(٢) ص ٧٧ ج ٣ [٣ / ٢٨٩]. منه (قدس سره).

(٣) قومٌ جِلّة : عظماءُ سادةٌ خِيارٌ ذوو أخطار ؛ انظر مادّة «جلل» في : لسان العرب ٢ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، تاج العروس ١٤ / ١١٢ ـ ١١٣.

٤١٨

فلم يكلّمه حتّى مات.

ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه ، فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه» ؛ انتهى ملخّصاً.

وأمّا قوله : «وكلّما يظهر منهم شيءٌ يعزلهم»

فكذبٌ ظاهرٌ ؛ وإلاّ فلماذا اجتمع عليه الناسُ من الأطراف النائية حتّى حصروه وقتلوه؟!

وهو لم يعزل من هؤلاء المعلنين بالفسق إلاّ سعيد بن العاص والوليد ابن عقبة ، ولم يعزلهما باختياره.

أمّا سعيد ، فلِما رواه الطبري في «تأريخه»(١) ، أنّه اجتمع ناسٌ من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان وما صنع ، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلّمه ويخبره بإحداثه ، فأرسلوا إليه عامر بن عبد الله التميمي(٢) ، فأتاه ، فقال : إنّ ناساً من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أُموراً عظاماً ، فاتّق الله وتب إليه وانزع عنها!

إلى أن قال : فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وإلى عبد الله ابن سعد بن أبي سرح وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص وعبد الله بن عامر ، فجمعهم ليشاورهم في أمره ، وما طلب إليه ، وما بلغه عنهم.

فلمّا اجتمعوا عنده قال لهم : إنّ لكل امرئ وزراء ونصحاء ، وإنّكم

__________________

(١) ص ٩٤ ج ٥ [٢ / ٦٤٢ ـ ٦٤٣ حوادث سنة ٣٤ هـ]. منه (قدس سره).

(٢) هو : عامر بن عبد الله بن عبد قيس ، أبو عبد الله التميمي العنبري البصري ؛ رووا في زهده ونسكه شيئاً كثيراً ، نفاه عثمان إلى الشام على ظهر قتب لمّا سُعي به إليه ، ومات بها أيام معاوية.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٧٢ رقم ٢٩٨٩ ، حلية الأولياء ٢ / ٨٧ رقم ١٦٣ ، تاريخ دمشق ٢٦ / ٣ رقم ٣٠٥٢.

٤١٩

وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي ، وقد صنع الناسُ ما رأيتم ، وطلبوا إليّ أن أعزل عمّالي ، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون.

إلى أن قال : فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق على مَن قِبلهم ، وأمرهم بتجهيز الناس في البعوث ، وعزم على تحريم أُعطياتهم ؛ ليطيعوه ويحتاجوا إليه.

وردّ سعيد بن العاص أميراً على الكوفة ، فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح ، فتلقّوه فردّوه ، فقالوا : لا والله لا يلي علينا حُكماً ما حملنا سيوفنا.

ومثله في «كامل» ابن الأثير(١) .

وقال في «الاستيعاب» ـ بترجمة سعيد ـ : «ردّه أهلُ الكوفة ، وكتبوا إلى عثمان : لا حاجة لنا في سعيدك ولا وليدك»(٢) .

وأمّا الوليد ، فنحن نذكر لك بعضَ ترجمته في «شرح النهج» من تتمّة كلامه السابق ، نقلا عن «الأغاني» ؛ لتعرفَ أنّه ما عزله باختياره ، وملخّصه :

إنّ الوليد اختُصّ بساحر يلعب بين يديه ، وكاد أن يفتن الناس ، فجاء جندب(٣) فقتل الساحر ، قياماً بواجب الشريعة ، فحبسه الوليدُ ، فمضى

__________________

(١) ص ٧٣ ج ٣ [٣ / ٤١ ـ ٤٢ حوادث سنة ٣٤ هـ]. منه (قدس سره).

(٢) الاستيعاب ٢ / ٦٢٢.

(٣) هو : جنْدب ـ بضمّ أو فتح الدال المهملة ـ بن كعب الأزدي الغامدي ، وهو أحد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، توفّي لعشر سنوات مضين من حكم معاوية.

انظر : معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٣ / ١٠٦٩ رقم ١٥٠ ، أُسد الغابة ١ / ٣٦١ رقم ٨٠٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٧٥ رقم ٣١ ، الإصابة ١ / ٥١١ رقم ١٢٢٩.

٤٢٠