دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 92840
تحميل: 3832


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92840 / تحميل: 3832
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

إيثار عثمان لأهل بيته بالأموال العظيمة

قال المصنّف ـ طاب رمسه ـ(١) :

ومنها : إنّه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي اعتُدت للمسلمين

دفع إلى أربعة من قريش وزوّجهم ببناته أربعمئة ألف دينار(٢) .

وأعطى مروان مئة ألف دينار(٣) .

أجاب قاضي القضاة ، بأنّه ربّما كان من ماله(٤) .

اعترضه المرتضى (رحمه الله) ، بأنّ المنقول خلاف ذلك ، فقد روى الواقديُّ أنّ عثمان قال : «إنّ أبا بكر وعمر كانا يتأوّلان من هذا المال [ظَلَْفَ(٥) ] ذوي أرحامهما ، وإنّي تأوّلتُ منه صلة رحمي»(٦) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٣٣.

(٣) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٩٩ وج ٣ / ٣٣ ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٧٢ وفيه : «مئة ألف وخمسين أوقية» وهو تصحيف «مئة ألف وخمس إفريقية» ؛ فلاحظ!

(٤) انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ٥١ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٣٣.

(٥) الظّلَفُ : الشدّة والغلظ والبؤس والخشونة في المعيشة ، والظّلفُ : المنع والكفُّ عن الشىء.

انظر : لسان العرب ٨ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ مادّة «ظلف».

(٦) انظر : الشافي ٤ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٤٧ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٣٧ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٣٤ ـ ٣٥.

٤٤١

وروى الواقديُّ ، أنّه بعث إليه أبو موسى الأشعري بمال عظيم من البصرة ، فقسّمه عثمان بين وُلده وأهله بالصِّحاف(١) .

وروى الواقديُّ ـ أيضاً ـ ، قال : قدمت إبل من إبل الصدقة ، فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص(٢) .

وولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ، ثلاثمئة ألف ، فوهبها له(٣) .

وأنكر الناس على عثمان إعطائه سعيد بن العاص مئة ألف(٤) .

__________________

(١) انظر : الشافي ٤ / ٢٧٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٣٥.

والصِّحافُ ـ ومفردها : الصحفة ـ : وهي شبه قصعة مسلَنطِحة عريضة ، وهي تُشبع الخمسةَ ونحوهم.

انظر مادّة «صحف» في : لسان العرب ٧ / ٢٩١ ، تاج العروس ١٢ / ٣١٥.

(٢ ـ ٤) انظر : الشافي ٤ / ٢٧٣ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٣٧ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٣٥.

٤٤٢

وقال الفضل(١) :

لا خلاف بين المسلمين أنّ عثمان كان صاحب أموال كثيرة ، حتّى جهّز ثلثَ جيش العسرة في زمن رسول الله(٢) ، وكان ذلك زمن الضيق والشدّةِ ، ولم يتّسع الأموال بعد.

فلمّا اتّسع الأموالُ ، فلا شكّ أنّ المرء العالم بتحصيل الأموال ـ سيّما إذا استُخلِف ـ تزيد أمواله بالتجارات والمعاملات.

فربّما كان من ماله ما أعطى أقرباءه ، كما أجاب قاضي القضاة.

ومَن كان يفرّق بين أمواله وأموال الفيء؟! لأنّ كلَّ هذا كان تحت يده.

أكان المرتضى وابن المطهّر من حسّاب أمواله ومن خزّانها ، حتّى يعلموا أنّه أعطى من ماله أو من مال الفيء؟!

والأصل أن يُحمل أعمال الخلفاء الراشدين على الصواب ، فالأصل أنّه أعطى من ماله ، فلا طعن.

وإن فرضنا أنّه أعطى من مال الصدقات ، فربّما كان لمصالح لا يعلمُه إلاّ هو ، كما أعطى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشراف العرب من غنائم حنين

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٦٦ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : الاستيعاب ٣ / ١٠٤٠ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ١٩٧ ، البداية والنهاية ٥ / ٤ حوادث سنة ٩ هـ ، تاريخ الخميس ٢ / ١٢٣.

٤٤٣

نفلا(١) كثيراً(٢) .

__________________

(١) النّفلُ ـ والجمع : أنفال ـ : الغنيمة والهبة ؛ انظر : لسان العرب ١٤ / ٢٤٤ مادّة «نفل».

(٢) تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٨٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٧٥ حوادث سنة ٨ هـ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٤٣ حوادث سنة ٨ هـ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٨٥ ـ ٢٨٨ حوادث سنة ٨ هـ.

٤٤٤

وأقول :

ذكر الفضل هنا أُموراً أشبه بالخيالات والخرافات

الأوّل : زعم أنّه جهّز ثلثَ جيش العسرة ، وهو قد روى سابقاً أنّه تبرّع بستّمئة بعير(١) ، فكيف تكون الستّمئة ثلث جهاز الجيش البالغ خمسة وعشرين ألفاً ، كما ذكره المؤرّخون(٢) ؟! اللّهم إلاّ أن يكون الاختلاف بلحاظ اختلاف أخبارهم!

وليت شعري ، مَن تسمح نفسه بذلك المقدار الكثير ـ كيفما بلغ ـ ، كيف أشفق مِن تقديم صدقة النجوى الواجبة القليلة(٣) ؟!

وكيف يجتمع لمن يكون بهذا الكرم ، تلك الأموال العظيمة التي يعطي منها أقاربه تلكَ العطايا الجسيمة؟!

الثاني : زعم أنّ العالِم بتحصيل الأموال ـ لا سيّما إذا استُخلِف ـ تزيد أمواله بالتجارة ، وهو خلاف الضرورة ؛ لأنّ الخليفة يشتغل بأُمور الناس والإسلام عن التجارة.

وقد رووا ـ كما مرّ ـ أنّ أبا بكر لمّا استُخلِف اشتغل عن التجارة

__________________

(١) راجع الصفحتين ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، من هذا الجزء.

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٢٥ وفيه أنّ العسكر كانوا ثلاثين ألفاً والخيل عشرة آلاف ، المنتظم ـ لابن الجوزي ـ ٢ / ٤٢٥ وفيه كما في «الطبقات» وزاد أنّ الإبل كانت اثني عشر ألفاً ، زاد المعاد ٣ / ٤٥٢ ، تاريخ دمشق ٤ / ٣١ ، تاريخ الخميس ٢ / ١٢٣.

(٣) راجع مبحث آية المناجاة في : ج ٥ / ٢٩ ـ ٣٨ ، من هذا الكتاب.

٤٤٥

واستنفق من بيت المال(١) ؛ فكيف يقوم عثمان بأُمور الخلافة مع اتّساع المملكة أضعافاً كثيرةً ، ويتّجر بأمواله التي بعضها تلك العطايا؟!

ولكن قد يوجّه بما سيأتي عن «السيرة الحلبية» ، من أنّ عثمان منع أن يشتري أحدٌ قبل وكيله ، وأن تسير سفينة في غير تجارته(٢) !

فإنّه على هذا لا تحتاج تجارته وزيادة أمواله إلى صرف وقت كثير ؛ لاستعانته بالوكلاء والاحتكار!

ويشكل : بأنّه مع هذا الجور والنهمة في جمع المال ، يمتنع أن يعطي عثمان من أمواله تلك العطايا ويده مبسوطة على مال المسلمين ، فيبطل قول الفضل : «فربّما كان من ماله ما أعطى أقرباءه».

على أنّه لو كان من أهل العطاء لهم من ماله ، لأعطاهم قبل أن يستخلف بعض هذه العطايا ؛ ولم يحكِه التاريخ أصلا!

الثالث : قوله : «ومَن كان يفرّق بين أمواله وأموال الفيء ...» إلى آخره

فإنّ الفرق واضح لكلِّ أحد ؛ لأنّ لبيت المال خزّاناً مخصوصين.

نعم ، لا فرقَ بينهما في أيّام معاوية إلى قرون من الهجرة ؛ لأنّهم اتّخذوا مال الله من أملاكهم ، وصرفوه في شهواتهم ومصالح دنياهم.

وأظرفُ من هذا قوله : «أكان المرتضى وابن المطهّر من حسّاب أمواله ...» إلى آخره

فإنّهما استدلاّ على ذلك بأخبارهم المصرّحة بهبته لهم مال البصرة

__________________

(١) راجع الصفحتين ١٥٦ ـ ١٥٧ ، من هذا الجزء.

(٢) السيرة الحلبية ٢ / ٢٧٣.

٤٤٦

وإبل الصدقة وصدقات قضاعة ، ونحوها ، كخمس إفريقية وغيره ، ممّا سيمرّ عليك ، ولم يتكلّما بالتخمين ، كالقاضي(١) وهذا القائل.

على أنّ المرتضى وابن المطهّر لم يختصّا بهذا الطعن ، بل طعن به قبلهم عامّةُ الصحابة ؛ لِما شاهدوه من إعطاء عثمان أقاربه من بيت المال.

أيظنّ الفضلُ أنّ الصحابةَ كلَّهم فسقةٌ يطعنون بما لا يشهدون ولا يعلمون؟!

ومنه يعلم ما في قوله : «والأصل أن يُحمل أعمال الخلفاء الراشدين ...» إلى آخره ؛ إذ لا مورد للأصل مع الدليل واليقين ، مع أنّ الأصل هو ذلك في أعمال الخلفاء الراشدين ، وكلامنا في أنّ عثمان منهم.

الرابع : قوله : «وإن فرضنا أنّه أعطى من مال الصدقات ، فربّما كان لمصالح لا يعلمه إلاّ هو ، كما أعطى رسول الله ...» إلى آخره

فإنّ وجه الحكمة لا يمكن أن يخفى ـ حتّى الآن ـ بحيث لا يدركه أحدٌ ممّن شاهد الحال أو تأخّرَ ، ولا اعتذر به عثمان وأولياؤه لمّا كثر الطعن عليه.

والفرق بينه وبين إعطاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأشراف العرب ظاهر ؛ فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قصد تأليف المنافقين ، وعُلم من حاله ، وصرّح به(٢) .

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٤١ ، من هذا الجزء.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ح ٥٢ ـ ٥٤ وص ٢٠٤ ح ٥٧ وص ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ح ١٤٦ وج ٥ / ٣١٧ ـ ٣٢٠ ح ٣٣٠ ـ ٣٣٧ وج ٩ / ٢٧٨ ح ١٦١ ، صحيح مسلم ٣ / ١٠٥ ـ ١٠٩ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٤٣ ح ٤٧٦٤ ، سنن الترمذي ٣ / ٥٣ ـ ٥٤ ح ٦٦٦ ، سنن النسائي ٥ / ٨٧ وج ٧ / ١١٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٦ / ٣٥٦ ح ١١٢٢١ و ١١٢٢٢ ، مسند أحمد ٣ / ٦٨ و ٧٣ و ٧٦ و ١٦٦ و ٢٧٥ وج

٤٤٧

ولعلّ الخصم يرى أنّ بني أُميّة ـ ومنهم بطانة عثمان وعمّاله في أعظم بلاد الإسلام ـ كانوا منافقين ، وملّكهم مالَ الله ورقابَ عباده تأليفاً لهم ، حتّى تحمّل الأذى والضرّ والقتل في سبيل تأليفهم ؛ فانظر واعتبر!

هذا ، ولنُضِفْ إلى ما ذكره المرتضى (رحمه الله) من الأخبار ما اطّلعنا عليه من روايات القوم

قال الشهرستاني في أوائل «الملل والنحل» ، في الخلاف التاسع : «أخذوا عليه أحداثاً ، منها : ردُّه الحكمَ إلى المدينة بعد أن طرده النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان يسمّى طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر فما أجاباه ، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً

ومنها : نفيه أبا ذرّ إلى الربذة

وتزويجه مروانَ بن الحكم بنته ، وتسليمه خمس غنائم إفريقية ، وقد بلغ مئتي ألف دينار

ومنها : إيواؤه ابنَ أبي سرح بعد أن أهدر النبيُّ دمه ، وتوليته إيّاه مصر بأعمالها

وتوليته عبد الله بن عامر البصرة حتّى أحدث فيها ما أحدث

.. إلى غير ذلك مما نقموا عليه»(١) .

وقال في «العقد الفريد»(٢) : «وممّا نقم الناسُ على عثمان أنّه آوى

__________________

٤ / ٤٢ و ١٩٩ ، مسند أبي يعلى ٥ / ٣٥٦ ح ٣٠٠٢ وج ٦ / ١١ ـ ١٢ ح ٣٢٢٩ و ٣٢٣٠ وص ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ح ٣٥٩٤ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٥٩ ـ ٦٠ ح ١٩٩٠٨.

(١) الملل والنحل ١ / ١٤ ـ ١٥.

(٢) ص ٧٧ ج ٣ طبع مصر سنة ١٣٣١ هجرية ، المجزّأ إلى أربعة أجزاء [٣ / ٢٩١]. منه (قدس سره).

٤٤٨

طريدَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكمَ بن أبي العاص ولم يؤوِه أبو بكر ولا عمر ، وأعطاه مئة ألف

وسيّر أبا ذرّ إلى الربذة

وسيّر عامرَ بن عبد قيس من البصرة إلى الشام

وطلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلةً ، فأعطاه أربعمئة ألف

وتصدّق رسولُ الله بمهزور(١) ـ موضع سوق بالمدينة ـ على المسلمين ، فأقطعها الحارثَ بن الحكم أخا مروان

وأقطع مروان فدك ، وهي صدقة لرسول الله

وافتتح إفريقية ، وأخذ خمسها فوهبه لمروان».

وقال ابن الأثير في «الكامل»(٢) ، عند ذِكر ولاية ابن أبي سرح : «كان قد أمره عثمان بغزو إفريقية سنة ٢٥ ، وقال له عثمان : إنْ فتح الله عليك فلك من الفيء خمسُ الخمس نفلا ـ إلى أن قال : ـ ثمّ إنّ عبد الله بن سعد عاد من إفريقية إلى مصر وحمل خمس إفريقية إلى المدينة ، فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمئة ألف دينار ، فوضعها عنه عثمان ، وكان هذا ممّا أُخذَ عليه.

وهذا أحسنُ ما قيل في خمس إفريقية ، فإنّ بعض الناس يقول : أعطى عثمانُ خمسَ إفريقية عبد الله بن سعد ، وبعضهم يقول : أعطاه

__________________

(١) مهْزور : واد يهبط من متأخّر حرّة المدينة المنوّرة ، يسيل بماء المطر ، وتنصبّ منه مياه عذبة.

انظر : معجم البلدان ٥ / ٢٧١ رقم ١١٧٦٤.

(٢) ص ٤٣ ج ٣ في حوادث سنة ٢٦ [٢ / ٤٨٢ و ٤٨٤ حوادث سنة ٢٧ هـ]. منه (قدس سره).

٤٤٩

مروانَ بن الحكم ، وظهر أنّه أعطى عبد الله خمسَ الغزوة الأُولى ، وأعطى مروانَ خمسَ الغزوة الثانية التي فُتحت فيها جميع إفريقية».

وذكر الطبريُّ في «تأريخه»(١) قصّة إعطاء عثمان خمسَ الخمس لعبد الله ، ثمّ ذكر أنّ الذي صالحهم عليه عبد الله ثلاثمئة قنطار ذهب ، فأمر بها عثمان لآل الحكم.

وروى ـ أيضاً(٢) ـ أنّه «قدمت إبلٌ من إبل الصدقة على عثمان ، فوهبها لبعض بني الحكم ، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف ، فأرسل إلى المِسْوَر وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، فأخذاها ، فقسّمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار».

وقال في «السيرة الحلبية» ، عند بيان فتنة قتل عثمان(٣) : «وسببُ هذه الفتنة أنّهم نقموا عليه أُموراً

منها : عزلهُ لأكابر الصحابة ممّن ولاّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنهم من أوصى عمر بأن يبقى على ولايته ، وهو أبو موسى ، فعزله عثمان وولّى ابن خاله عبد الله بن عامر محلّه.

وعزلَ عمرو بن العاص عن مصر ، وولاّها ابن أبي سرح.

وعزلَ المغيرة عن الكوفة ، وعزل ابن مسعود عنها ـ أيضاً ـ وأشخصه إلى المدينة.

وعزلَ سعد بن أبي وقّاص عن الكوفة ، وولاّها أخاه لأُمّه الوليد بن

__________________

(١) ص ٤٩ ج ٥ [٢ / ٥٩٧ ـ ٥٩٩ حوادث سنة ٢٧ هـ]. منه (قدس سره).

(٢) ص ١١٣ ج ٥ [٢ / ٦٦١ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٨٢ ج ٢ الطبعة الثانية ، المطبوع بمصر سنة ١٣٢٩ [٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٣]. منه (قدس سره).

٤٥٠

عقبة ، الذي سمّاه الله تعالى فاسقاً(١) ، وصار الناس يقولون : بئس ما صنع ، عزل الليّن الهيّن الورع ، وولّى أخاه الخائن الفاسق المدمن للخمر.

ولعلّ مستندهم في ذلك ما رواه الحاكم في صحيحه : مَن ولّى رجلا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة مَن هو أرضى لله منه ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين(٢) .

ومنها : إنّه أدخل عمّه الحكَمَ [المدينة] ، وكان يقال له : طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعينه ، وقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) طرده إلى الطائف ، ومكث به مدّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومدّة أبي بكر ، بعد أن سأله عثمانُ في إدخاله المدينة [فأبى] ، فقال له عثمان : عمّي! قال : عمّك إلى النار ، هيهات هيهات أن أُغيّر شيئاً فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلمّا تُوفّي أبو بكر وولي عمر ، كلّمه عثمان [في ذلك] ، قال له : ويحك يا عثمان! تتكلّم في لعين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وطريده ، وعدوِّ الله وعدوِّ رسوله؟!

فلمّا ولي عثمان ردّه إلى المدينة ، فاشتدّ ذلك على المهاجرين والأنصار ، فأنكر ذلك عليه أعيانُ الصحابة ، فكان من أكبر الأسباب على القيام عليه

إلى أن قال : ومن جملة ما انتُقمَ(٣) به على عثمان ، أنّه أعطى ابنَ عمه مروانَ مئةَ ألف وخُمس إفريقية.

وأعطى الحارثَ عُشرَ ما يباع في سوق المدينة.

__________________

(١) راجع الصفحتين ٤١٠ و ٤١١ ، من هذا الجزء.

(٢) انظر : المستدرك على الصحيحين ٤ / ١٠٤ ح ٧٠٢٣.

(٣) كذا في الأصل والمصدر ، والصحيح لغةً : نُقمَ.

٤٥١

وأنّه جاء إليه أبو موسى بحلية ذهب وفضّة ، فقسّمها بين نسائه وبناته.

وأنّه أنفق أكثر بيت المال في عمارة ضياعه ودوره.

وأنّه حَمى لنفسه دون إبل الصدقة.

وأنّه حبس عطاء عبد الله بن مسعود وهجره.

وحبس عطاء أُبَيّ بن كعب.

ونفى أبا ذرّ إلى الربذة.

وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لمّا شكاه معاوية.

وضرب عمّار بن ياسر.

وكعب بن عبيدة ، ضربه عشرين سوطاً ، ونفاه إلى بعض الجبال.

وقال لابن عوف : إنّك منافقٌ.

وأنّه أقطعَ أكثر أراضي بيت المال.

وأمر أن لا يشتري أحدٌ قبل وكيله.

وأن لا تسير سفينةٌ في البحر إلاّ في تجارته.

وأنّه أحرق الصحف التي فيها القرآن.

وأنّه أتمّ الصلاة بمنى ولم يُقصّرها لمّا حجّ بالناس.

وأنّه ترك قتل عبيد الله وقد قتل الهُرمزان».

وذكر هذا كلّه في «الصواعق» ، في آخر كلامه بخلافة عثمان(١) .

وقريبٌ منه في «شرح النهج»(٢) .

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٧٤ ـ ١٧٨ ب ٧ ف ٣.

(٢) ص ٦٦ و ٢٣٣ مجلّد ١ [١ / ١٩٨ ـ ١٩٩ وج ٣ / ١١ ـ ٦٩]. منه (قدس سره).

٤٥٢

.. إلى غير ذلك ممّا رواه علماؤهم(١) .

ومعه ، كيف يصحّ للفضل أن يقول : «ربّما كان من ماله ما أعطى أقرباءه»؟!

وقد أطلنا بنقل هذه الكلمات لفائدتها في ما يذكره المصنّف (رحمه الله) من مطاعن عثمان.

__________________

(١) سيأتي بيان بعضها من الصفحة التالية إلى آخر هذا الجزء.

٤٥٣

ما حماه عن المسلمين من الماء والكلأ

قال المصنّف ـ طاب مثواه ـ(١) :

ومنها : إنّه حمى الحمى عن المسلمين(٢) ، مع أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلهم سواءً في الماء والكلأ(٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩٤.

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٤٩ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٩٩ وج ٣ / ٣٩ ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٧٢.

(٣) انظر : سنن أبي داود ٣ / ٢٧٦ ح ٣٤٧٧ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٨٢٦ ح ٢٤٧٢ ، مسند أحمد ٥ / ٣٦٤ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٣٧٥ ح ٧٣٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٥ / ٣٩١ ب ٥٥١ ح ٥ ، المعجم الكبير ١١ / ٦٦ ح ١١١٠٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ١٥٠.

٤٥٤

وقال الفضل(١) :

الحمى الذي منعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، هو أن يحميَ الإمام لنفسه.

وأمّا الحمى لأجل أنعام الصدقة وخيل المجاهدين ، فلا شكّ في جوازه ، والإجماع على جوازه.

وأوّل من حمى لأجل إبل الصدقة هو عمرُ بن الخطّاب(٢) ، ثمّ تابعه عثمان ؛ فلا طعنَ.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٦٨ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٤ / ١٦٥ ح ٢٥٥ ، الموطّأ : ٨٧٣ ح ١ كتاب دعوة المظلوم ، مصنّف ابن أبي شيبة ٥ / ٣٩١ ب ٥٥١ ح ٤ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ح ٧٤١ و ٧٤٢.

٤٥٥

وأقول :

سبق من كلام علمائهم ما يُصرّح بأنّه حمى لنفسه(١) .

وذكر ابن أبي الحديد(٢) ، أنّ عثمان كان يحمي الشّرَف(٣) لإبله ، وكانت ألف بعير ، ولإبل الحكَم بن أبي العاص

ويحمي الربذة لإبل الصدقة

ويحمي النقيع(٤) لخيل المسلمين وخيله وخيل بني أُميّة.

ولو سُلّم أنّه إنّما حمى لإبل الصدقة ، فهو حرامٌ لغير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لِما رواه البخاري(٥) ، عن الصعب بن جَثّامة ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :لا حمى إلاّ لله ورسوله .

ثمّ قال : «بلغنا أنّ النبيّ حمى النقيع ، وأنّ عمر حمى الشرف والربذة».

__________________

(١) راجع ما تقدّم آنفاً في الصفحتين ٤٥٢ و ٤٥٤ ، من هذا الجزء.

(٢) ص ٢٣٥ مجلّد ١ [٣ / ٣٩]. منه (قدس سره).

وانظر : الشافي ٤ / ٢٧٨.

(٣) الشَرَفُ : كبد نجد ، وكانت منازل بني آكل المرار من كندة الملوك ، وفي الشرف : الرَّبَذَة.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٨٠ رقم ٧٠٦٧ وص ٢٤٠ رقم ٦٣٧٨ مادّة «سَرِف».

(٤) النَّقيعُ : موضع بينه وبين المدينة عشرون فرسخاً ، وهو من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة يسلكه العرب إلى مكة منه ، وقيل هو نقيع الخَضِمات.

انظر : معجم البلدان ٥ / ٣٤٨ رقم ١٢١٢١.

(٥) في باب «لا حمى إلاّ لله ورسوله» من كتاب المساقاة [٣ / ٢٢٧ ح ١٨]. منه (قدس سره).

٤٥٦

وأيضاً ، فقد جعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين سواءً في الماء والكلأ(١) ، فلا يجوز لأحد أن يحمي الكلأ عن المسلمين ولو لإبل الصدقة.

فقول الفضل : «الحمى الذي منعه رسول الله ، هو أن يحمي الإمام لنفسه» ، تقييدٌ من غير دليل ، وما ادّعاه من الإجماع كاذبٌ لا مستندَ له إلاّ الهوى ونصرة المذهب.

نعم ، يجوز الحمى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصةً ؛ للخبر الأوّل(٢) وغيره(٣) .

وممّا ذكرنا يُعلم أنّ الطعن واردٌ أيضاً على عمر ، فلا فائدة في ذِكر الفضل له إلاّ زياده الطعن على أئمته!

__________________

(١) راجع تخريجه المتقدّم انفاً في الصفحة ٤٥٤ هـ ٣.

(٢) المتقدّم في الصفحة السابقة عن «صحيح البخاري».

(٣) انظر : مسند أحمد ٤ / ٣٨ و ٧١ و ٧٣ ، سنن أبي داود ٣ / ١٧٧ ح ٣٠٨٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ١ / ١٧٤ ذ ح ١٣٦ وج ٧ / ٩٤ ح ٤٦٦٥ و ٤٦٦٦ وص ١٣٩ ح ٤٧٦٧ ، مسند الحميدي ٢ / ٣٤٤ ح ٧٨٢ ، المعجم الكبير ٨ / ٨١ ـ ٨٢ ح ٧٤١٩ ـ ٧٤٢٨ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٨ ح ١٩٧٥٠.

٤٥٧

صرفه للصدقة في غير وجهها

قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ(١) :

ومنها : إنّه أعطى من بيت مال الصدقة المقاتلةَ وغيرهم(٢) ، وهذا ممّا لا يجوز في الدين.

أجاب القاضي : يجوز أن يكون قد اجتهد(٣) .

واعترضه المرتضى (رحمه الله) بأنّ المال الذي جعل الله له جهةً مخصوصةً لا يجوز أن يُعدَل به عن جهته بالاجتهاد.

ولو جاز ، لبيّنه الله تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لأنّه أعلمُ بمصالح العباد(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩٥.

(٢) انظر : المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ٣٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٤٠.

(٣) انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ٥٢ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٤٠.

(٤) انظر : الشافي ٤ / ٢٧٨.

٤٥٨

وقال الفضل(١) :

إنْ صحَّ الرواية ، فلا شكّ أنّه عمل فيها بالاجتهاد ، كما أجاب قاضي القضاة.

واعتراض المرتضى مندفعٌ ؛ بأنّ التغيير لا يجوز بالاجتهاد في غير محلِّ الضرورة ، كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غنائم حنين.

وأيضاً ، ربّما كان عثمان سمع جوازه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيكون عاملا بعلمه البيّن عنده ، ويكون حجّته في العمل.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٦٨ الطبعة الحجرية.

٤٥٩

وأقول :

تشكيكه في صحّة الرواية ليس في محلّه ؛ فإنّ القاضي أعلم منه بالأخبار ولم يناقش في صحّتها ، بل ظاهره تسليمُ الصحّة ، كما لا يخفى على من راجع كلامه المحكيّ في «شرح النهج»(١) .

ودعوى الخصم جواز التغيير بالاجتهاد في محلِّ الضرورة ، صحيحة إنْ أراد التغيير في العمل ؛ للضرورة التي يباح معها فعل المحرّمات ، كأكل الميتة.

لكنّ زمن عثمان زمان السعة ، كما أقرّ به الخصم(٢) ، ولذا أعطى أقرباءه ما أعطى.

وقوله : «كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غنائم حنين»

قياسٌ مع الفارق ؛ فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما فضّل بعض المقاتلة على بعض بالغنائم ، ولم يعطهم من الصدقة ، وهذا لا ربط له بجعل المال المختصّ بجهة لغيرها.

وأمّا قوله : «ربّما كان عثمان سمع جوازه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»

فعذرٌ غيرُ مسموع ؛ إذ لا يصحُّ الاعتذار عن مخالفة الدليل إلاّ بإقامة دليل آخر ، وإلاّ لَما جازت مؤاخذة صحابيّ أو غيره بشيء يفعله ،

__________________

(١) ص ٢٣٥ مجلّد ١ [٣ / ٤٠]. منه (قدس سره).

وانظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ٥٢ ، الشافي ٤ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٢) راجع الصفحة ٤٤٣ ، من هذا الجزء.

٤٦٠