دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق3%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98416 / تحميل: 4672
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٦٠-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

وقال الفضل(١) :

ما ذكر أنّ عثمان كان يستهزئ بالشريعة ، فهذا كذبٌ باطلٌ لا دليل عليه.

وأمّا ما ذكر أنّه أمر برجم المرأة ، ولم يسمع ما ذكره أميرُ المؤمنين ، فهذا لا يدلّ على أنّه استهزأ بالشريعة ، وربّما كان له فيه اجتهاد اقتضى رجمها.

فهو عملَ بعلمه واجتهاده ، واختلاف المجتهدين لم يكن من باب الاستهزاء على الشريعة.

وأمّا ما ذكر من أمر متعة الحجّ ، فهذا محلُّ الاختلاف ، وكلٌّ عمل باجتهاده ، ولا اعتراض للمجتهد على المجتهد.

وأما أنّه صلّى بمنى أربعاً ، فقد اعترضوا عليه حين اجتمع عليه أهل الأمصار ، فأجاب : إنّ رسول الله وأبو بكر وعمر كانوا إذا حجوا لم يكن لهم بمكة بيوتٌ ومنازلُ ، ولم يكونوا عازمين على السكون.

وإنّي كان لي منازلُ وبيوت في مكّة ، فنويتُ الإقامة في تلك الأيّام فأتممتُ الصلاة ؛ لأنّ مكّة كان منزلي ووطني(٢) .

وأمّا عدمُ تصحيح لفظ القرآن ؛ لأنّه كان يجب عليه متابعةُ صورة

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٣ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر حوادث سنة ٢٩ هـ في : تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٩٤ ، البداية والنهاية ٧ / ١٢٤.

٥٦١

الخطّ ، وهكذا كان مكتوباً في المصاحف ، ولم يكن التغيير له جائزاً ، فتركه ؛ لأنّه لغة بعض العرب.

وأمّا عملُ مقداد وحثوه الحصى على وجه مادح عثمان ؛ فلأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «احثوا على وجه المدّاحين التراب »(١) ، فعمل مِقداد بالحديث.

وربّما كان المادح طاعناً في المدح مفرطاً ، فحثا على وجهه الحصى ؛ لأنّ عمله كان منافياً للسنة.

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٢٥٥ ح ٤٨٠٤ ، سنن الترمذي ٤ / ٥١٨ ح ٢٣٩٣ و ٢٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٢٣٢ ح ٣٧٤٢ ، الأدب المفرد ـ للبخاري ـ : ١٠٥ ح ٣٤٢ و ٣٤٣ ، مسند أحمد ٦ / ٥ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٢٣٩ ح ٥٦٥ و ٥٦٦ وص ٢٤٣ ـ ٢٤٦ ح ٥٧٤ ـ ٥٨٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ٥١٠ ح ٥٧٣٩ و ٥٧٤٠ ، حلية الأولياء ٦ / ٩٩ و ١٢٧.

٥٦٢

وأقول :

لا أعرف من أين يحتمل تعويل عثمان على الاجتهاد في قصّة الرجم؟!

أمن دلالة الآيتين اللتين استدلّ بهما أميرُ المؤمنين على جواز كون الحمل ستّة أشهر ، فيلزم درء الحدِّ عن المرأة؟!

أم من ظاهر حال عثمان من العجز عن الجواب ، حتّى أقسم الراوي وقال : «فوالله ما عند عثمان إلاّ أن بعث إليها ، فرُجمت»؟!

وهلاّ ذكر الخصم وجهاً لاجتهاد عثمان في قبال آي الكتاب؟!

مع أنّ الحمل لو كان من زنى ، فلا بُد أن يكون الزنى قبل إحصان المرأة وتزويجها ، فيكون عليها الحدُّ بالجلد لا الرجم ، فَلِمَ أمر بها فرُجمت؟!

وقد وقع نظيرُ ذلك لعليّ (عليه السلام) مع عمر ، كما نقله في «كنز العمّال»(١) ، عن جماعة بأسانيدهم ، عن الأسود الدؤلي ، ولكن لم يذكر فيه ما صنع عمرُ بعد نهي أمير المؤمنين (عليه السلام) له(٢) .

ومثله الكلام في متعة الحجّ ؛ فإنّه لو كان لعثمان وجهٌ ، لردّ به على أمير المؤمنين ، إذ رماه بمخالفة رسول الله بقوله : «ما كنت لأدع سنة رسول الله بقول أحد».

بل لم يكن عند عثمان إلاّ أن قال : «دعنا منك!» ، كما رواه

__________________

(١) في كتاب الحدود ص ٩٦ ج ٣ [٥ / ٤٥٧ ح ١٣٥٩٨]. منه (قدس سره).

(٢) تقدّم في الصفحة ٢١٨ ، من هذا الجزء ؛ فراجع!

٥٦٣

مسلم(١) وأحمد(٢) .

وهل يمكن الاجتهاد بمنعها ، وقد شرّعها النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأبد ، كما مرّت أخبارها عند الكلام في متعة الحجّ(٣) ؟!

لكنّ اجتهادهم من غير دليل ليس بعزيز ، بارك الله لهم في هذا الاجتهاد الذي استباحوا به نسخ الكتاب والسنة ومسخ الشريعة!

وأمّا إتمام عثمان بمنى ، فالأمر فيه كأخواته ؛ لأنّ القصر في السفر ضروريٌّ لا يمكن الاجتهاد بخلافه ، ولذا قال ابن عمر : كما في «الكنز»(٤) ، عن الديلمي ، عنه : «صلاة المسافر ركعتان ، من ترك السنة فقد كفر».

وجعل ابنُ عمر ـ أيضاً ـ القصرَ بمنى ، من لوازم معرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

فقد روى أحمد في «مسنده»(٥) ، عن داود بن أبي عاصم ، قال : «سألتُ ابنَ عمر عن الصلاة بمنى؟

قال : هل سمعتَ بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

قلت : نعم ، وآمنتُ به.

قال : فإنّه كان يُصلّي بمنى ركعتين».

ومن ثمّ أنكر الصحابة على عثمان إتمامه بمنى ، وشقّ عليهم

__________________

(١) في باب جواز التمتّع من كتاب النكاح [٤ / ٤٦]. منه (قدس سره).

(٢) ص ١٣٦ ج ١. منه (قدس سره).

(٣) راجع الصفحات ٣١٨ ـ ٣٢٨ ، من هذا الجزء.

(٤) في كتاب الصلاة ١١٦ ج ٤ [٧ / ٥٤٦ ح ٢٠١٨٥]. منه (قدس سره).

وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ٢٠ ح ٣٥٣٤.

(٥) ص ٥٩ ج ٢. منه (قدس سره).

٥٦٤

روى أحمد(١) ـ من حديث ـ ، أنّه قيل لأبي ذرّ : «إنّ عثمان صلّى أربعاً! فاشتدّ ذلك على أبي ذرّ وقال قولا شديداً».

وروى البخاري(٢) ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : «صلّى بنا عثمان بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود ، فاسترجع ، ثمّ قال : صلّيتُ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى ركعتين ، وصلّيتُ مع أبي بكر بمنى ركعتين ، وصلّيتُ مع عمر بمنى ركعتين ، فليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان».

ومثله في «صحيح مسلم»(٣) .

وروى الطبري في «تأريخه»(٤) ، عن ابن عبّاس ، قال : «أوّلُ ما تكلّم الناسُ في عثمان ظاهراً ، أنّه صلّى بالناس بمنى في ولايته ركعتين ، حتّى إذا كانت السنة السادسة أتمّها ، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

حتّى جاءه عليٌّ (عليه السلام) في مَن جاءه ، فقال : والله ما حدث أمرٌ ، ولا قدم عهدٌ ، ولقد عهدت نبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم) يُصلّي ركعتين ، ثمّ أبا بكر ، وعمر ، وأنت صدراً من ولايتك!

فما درى ما يرجع إليه ، فقال : هذا رأيٌ رأيتُه!».

ومثله في «كامل» ابن الأثير(٥) .

__________________

(١) ص ١٦٥ ج ٥. منه (قدس سره).

(٢) في باب الصلاة بمنى من أبواب القصر [٢ / ١٠٣ ح ١١٩]. منه (قدس سره).

(٣) في باب قصر الصلاة بمنى [٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧]. منه (قدس سره).

(٤) ص ٥٦ ج ٥ [٢ / ٦٠٦ حوادث سنة ٢٩ هـ]. منه (قدس سره).

(٥) ص ٥٠ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٣٩ [٢ / ٤٩٤ حوادث سنة ٢٩ هـ]. منه (قدس سره).

٥٦٥

ولا نعرف ما هذا الرأيُ ، إلاّ عدم المبالاة بالدين ، والاجتهاد بالخروج عن الشريعة!

والعجبُ من عائشة أنّها زادت في الطنبور نغمةً ، فصلّت في السفر مطلقاً أربع ركعات!

روى البخاريُّ(١) ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : «الصلاة أوّل ما فُرضت ركعتين ، فأُقرّت صلاةُ السفر ، وأُتِمّت صلاةُ الحضر.

قال الزهري : فقلت لعروة : ما بال عائشة تُتِمُّ؟!

قال : تأوّلتْ ما تأوّل عثمان».

ومثله في «صحيح مسلم»(٢) .

وليت شعري ، ما هذا التأوّل؟!

ولعلّ مراد عروة أنّ الإشكال كما يَرِدُ عليها ، يَرِدُ على عثمان قبلها ، فهي ليست أوّل مخالف للسنة الواضحة حتّى تُختصَّ بالانتقاد.

وأمّا ما رواه الفضلُ من اعتذار عثمان ، فمع اضطرابه أنّه لو كان عذراً تاما ، فلِمَ قصّر في صلاته السنين السابقة؟!

مع أنّه لو تمّ عذره ، فإنّما يكون عذراً في الإتمام بمكّة لا بمنى.

وأهل مكّة أنفسهم إذا خرجوا إلى منى قصّروا ، فكيف بغير المقيم بها؟!

قال مالك في «موطّئه» تحت عنوان : «صلاة منى» ، من كتاب الحجّ :

__________________

(١) بعد الباب السابق ببابين [٢ / ١٠٥ ح ١٢٥]. منه (قدس سره).

(٢) في أوّل كتاب صلاة المسافرين وقصرها [٢ / ١٤٣]. منه (قدس سره).

٥٦٦

«أهلُ مكّة يصلّون بمنى إذا حجّوا ركعتين ركعتين ، حتّى ينصرفوا إلى مكة»(١) .

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فالعذر إنّما يأتي في عثمان نفسه ، فما باله حمل الناس جميعاً على الإتمام حتّى صلّى بهم أربعاً؟!

وخيف من خلافه ، وصارت الأربعُ سنةً لبني أُميّة

روى مسلم(٢) ، أنّ ابن عمر كان إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً ، وإذا صلاّها وحده صلّى ركعتين.

بل يظهرُ من بعض الأخبار أنّ عثمان ، كما جعل الإتمامَ بمنى سنةً ، جعلَه سنةً بمكة على الناس عامّة ، سواء نووا الإقامة بمكّة عشرة أيام أم لا!

فقد روى أحمد في «مسنده»(٣) ، عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير ، قال : «لمّا قدم علينا معاوية حاجّاً ، قدمنا معه مكّة ، فصلّى بنا الظهر ركعتين ـ إلى أن قال : ـ نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان ، فقالا له : ما عاب أحدٌ ابنَ عمّك بأقبح ما عبتَه به.

فقال لهما : وما ذاك؟!

فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكة؟!

فقال لهما : ويحكما! وهل كان غير ما صنعت؟! قد صلّيتهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومع أبي بكر ، وعمر.

__________________

(١) الموطأ : ٣٧٠ ح ٢١٣.

(٢) في باب قصر الصلاة بمنى ، من الكتاب المذكور [٢ / ١٤٦]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٩٤ ج ٤. منه (قدس سره).

٥٦٧

قالا : فإنّ ابن عمّك قد كان أتمّها ، وإنّ خلافك إيّاه له عيبٌ.

قال : فخرج معاوية إلى العصر فصلاّها بنا أربعاً».

فانظر وتدبّر في هذه الملاعب ، والتهتّك في خلاف الشريعة ، تعرف ما هم عليه من الضلال ، وأنّه ليس للمؤمن أن يعدّهم من المسلمين ، فضلا عن عدّهم في صفوف الأئمة الّذين يجب اتّباعهم!

هذا ، وقد روى الطبريُّ ـ أيضاً ـ أنّ عثمان اعتذر عن إتمامه بمنى بعذر ردّه عبد الرحمن بن عوف

قال بعدما أنكر عليه عبد الرحمن : «يا أبا محمّد! إنّي أُخبرتُ أنّ بعض مَن حجّ مِن أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي : إنّ الصلاة للمقيم ركعتان ، هذا إمامكم يصلّي ركعتين.

وقد اتّخذتُ بمكّة أهلا ، فرأيت أن أُصلّي أربعاً ؛ لخوف ما أخاف على الناس ، وأُخرى قد اتّخذت بها زوجة ، ولي بالطائف مالٌ ، فربّما اطّلعتُه(١) فأقمتُ فيه بعد الصَّدر(٢) .

فقال عبد الرحمن : ما مِن هذا شيء لك فيه عذر

أمّا قولك : (اتّخذتُ أهلا) ، فزوجتك بالمدينة ، تخرجُ بها إذا

__________________

(١) طلَعَ على الأمر طلُوعاً : عَلِمهُ ؛ كاطلَعهُ ؛ واطلَعَ على القوم : هجم عليهم ؛ واطلَعَ على الشيء : أشرف عليه ، واطلَعَ على باطن أمره ؛ واطلَعهُ ـ يتعدّى بنفسه ولا يتعدّى ـ : ظهر له وعلمه ؛ واطلَعَ هذه الأرض : بلغها.

والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنىً واحد ، كما ورد في المتن هنا.

انظر : تاج العروس ١١ / ٣٢١ ـ ٣٢٥ مادّة «طلع».

(٢) الصَّدرُ : الرجوع ؛ الاسم من صَدَرَ عن الماء صَدْراً ومَصْدَراً ومَزْدَراً ؛ إذا رجع ؛ ومنه طواف الصَّدرِ ، وهو طواف الإفاضة ، ولعلّه المقصود في المتن ، أو أنّ المراد هو الرجوع من الحجّ.

انظر : تاج العروس ٧ / ٨٠ مادّة «صدر».

٥٦٨

شئت ، وتقدم بها إذا شئت ، إنّما تسكن بسكناك.

وأمّا قولك : (لي مالٌ بالطائف) ، فإنّ بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال ، وأنت لستَ من أهل الطائف.

وأما قولك : (يرجع [مَن حجَّ] مِن أهل اليمن وغيرهم فيقولون : هذا إمامكم عثمان يصلّي ركعتين وهو مقيمٌ) ، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينزل عليه الوحيُ ، والناسُ يومئذ الإسلامُ فيهم قليل.

ثمّ أبو بكر مثل ذلك ، ثمّ عمر ، فضرب الإسلامُ بِجِرانه(١) ، فصلّى بهم عمر حتّى مات ركعتين.

فقال عثمان : هذا رأيٌ رأيتُه.

فخرج عبد الرحمن ، فلقي ابنَ مسعود ، فقال : أبا محمّد! غيرُ ما يُعلم.

قال : لا.

قال : فما أصنع؟!

قال : اعملْ بما تعلم.

فقال ابن مسعود : الخلاف شرٌّ»(٢) .

ومثله في «كامل» ابن الأثير(٣) .

وليت شِعري ، ما معنى الرأي بعد انقطاع الحجة؟! وما الداعي

__________________

(١) الجِرانُ : باطن العنق ، وقيل : مقدَّم العنق من مذبح البعير إلى منحره.

ويراد به هنا على المجاز : أنّ الأمر استقام للإسلام واستقرّ.

انظر : لسان العرب ٢ / ٢٦٢ مادّة «جرن».

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٦ حوادث سنة ٢٩ هـ.

(٣) ص ٥٠ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٣٩ [٢ / ٤٩٤]. منه (قدس سره).

٥٦٩

للشرِّ بعد اتّضاح المحجة؟!

ويَرِدُ على عثمان ـ أيضاً ـ : أنّ الكلام في صلاته بمنى أربعاً ، وهي لا تتفرّع على اتّخاذه بمكة أهلا وإقامته بها ، كما عرفت(١) .

وكيف يمكن أن يستدلّ أهلُ اليمن وغيرُهم بصلاة عثمان بمنى ركعتين ، على كون حكم المقيم الصلاة ركعتين ، وهو غير مقيم بها؟!

وكيف تكون صلاته أربعاً رافعةً لوهمهم ، وليست منى محلَّ إقامته؟!

ولو جاز له التمامُ ، فكيف يصحُّ جمع الناس على الأربع لمجرّد ذلك الوهم ، وهم بين مقيم وغير مقيم ، فأبطلَ عملَ الأكثر؟!

ولعمري ، إنّ لسان العذر عن عثمان وبني أبيه لكليلٌ!

فما ضرّ أهل السنة لو اتّبعوا سبيل الإنصاف ، وأقرّوا بالحق لينفعهم( يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ) (٢) ، ويوم يبرأ المتبوع من التابع(٣) ؟!

وأمّا ما أجاب به الخصمُ عن مسألة اللحن ، فلا ربط له بإشكال المصنّف (رحمه الله) ؛ لأنّ مراد المصنّف : أنّ عثمان نسب اللحن إلى القرآن ، وهو جرأةٌ على الله تعالى ، وإثباتُ نقص له ولكتابه ، وفي ذلك خروجٌ عن الإسلام ، وليس مراده أنّه لِمَ لَمْ يغيّر القرآن؟ فإنّ هذا ليس من وظيفة عثمان.

__________________

(١) راجع الصفحتين ٥٦٣ ـ ٥٦٤ ، من هذا الجزء.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٨٨.

(٣) إشارة إلى قوله تبارك وتعالى :( إذ تبرّأ الّذين اتُّبِعُوا مِن الّذين اتَّبَعُوا ورأَوُا العذابَ وتقطّعتْ بهمُ الأسبابُ ) سورة البقرة ٢ : ١٦٦.

٥٧٠

ومن هنا يُعلم أنّ قول الخصم : «لأنّه لغةُ بعض العرب» ، يكون ردّاً لعثمان ، لا جواباً عنه.

وأمّا جوابه عن عمل المِقداد بما رواه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو مذكورٌ في تتمّة الحديث الذي نقله المصنّف (رحمه الله) عن مسلم

فإنّه رواه في «كتاب الزهد»(١) ، وذكر فيه أنّ المِقداد لمّا حثا الحصباء على وجه مادح عثمان ، قال له عثمان : ما شأنك؟!

قال : «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب».

لكنّ المصنّف (رحمه الله) لم يعتنِ بذِكر هذه التتمّة ؛ لعدم صلوحها لدفع الطعن عن عثمان

فإنّها إنْ أُبقيت على ظاهرها ، كانت كذباً ؛ لأنّ المدح للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأصحابه بينهم كان شائعاً في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بالشعر وغيره ، وكان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يرضى به ويسمعه.

وإنْ صُرفت عن ظاهرها ـ بتقييد المدّاحين بمدّاحي الفسّاق ، أو المدّاحين كذباً ؛ لتجاوزهم في المدح قدر الممدوح ـ كانت مؤكّدة للطعن في عثمان.

أمّا على التقييد الأوّل ؛ فظاهر.

أمّا على الثاني ؛ فلأنّ الواجب على عثمان أن يفعل فِعل المِقداد ، بل هو أَوْلى منه ، فحيثُ لم يفعل ، كان مخالفاً لأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!

على أنّه ما عسى أن يقول المادح لعثمان أكثر من أن يجعله إماماً

__________________

(١) في باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط [٨ / ٢٢٨]. منه (قدس سره).

٥٧١

هادياً مهديا أو نحوه؟!

فإذا أنكر المِقداد بهذا الانكار ، ثبت الطعن في عثمان ؛ لأنّ المِقداد مُسلَّمُ الفضل وعُلُوِّ المنزلة في الدين ، حتّى جاء في صحاح أخبارهم ، أنّه أحدُ الأربعة الّذين يحبّهم الله تعالى ، وأمر نبيّه بمحبّتهم(١) ، وأنّه أحدُ الوزراء النجباء(٢) .

.. إلى غير ذلك مما ورد في فضله(٣) .

__________________

(١) راجع تخريج ذلك في الصفحة ٥٥٩ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

(٢) إشارة إلى ما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّه لم يكن نبيٌّ إلاّ أُعطيَ سبعة نجباء ووزراء ورفقاء ، وإنّي أُعطيت أربعة عشر وعدّه منهم.

انظر : مسند أحمد ١ / ١٤٨ ، المعجم الكبير ٦ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ح ٦٠٤٧ ـ ٦٠٤٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٢٨ بترجمة ابن مسعود ، الاستيعاب ٤ / ١٤٨١ رقم ٢٥٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٥٦ ، كنز العمّال ١١ / ٧٥٨ ـ ٧٥٩ ح ٣٣٦٩٠ و ٣٣٦٩١.

(٣) راجع ما مرّ في الصفحة ٥٥٩ هـ ٢ و ٣ ، من هذا الجزء.

٥٧٢

[ جرأة عثمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)](١)

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(٢) :

ومنها : جرأته على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

روى الحميدي في تفسير قوله تعالى :( ولا أنْ تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ) (٣)

قال السُدّي(٤) : لمّا توفّي أبو سَلَمة(٥) وخُنيس بن حُذافة(٦) ،

__________________

(١) أثبتناه من «نهج الحقّ».

(٢) نهج الحقّ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٤) تقدّمت ترجمة السُدّيّ المفصّلة ووثاقته عند الجمهور في : ج ٦ / ٢٦٥ هـ ٤ من هذا الكتاب ، وسيأتي وصف حاله من الشيخ المظفّر (قدس سره) في الصفحة ٥٩٤ من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٥) هو : عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر ـ وقيل : عمرو ـ بن مخزوم القرشي ، وأُمّه برّة بنت عبد المطّلب ، فهو ابن عمّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وزوج أُمّ سَلمة قبل زواج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منها ، وكان من السابقين الأوّلين في الإسلام ، أسلم بعد عشرة أنفس ، كان أخا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرضاعة ، وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه.

كان أوّل من هاجر إلى المدينة والحبشة ، شهد بدراً ، وجرح بأُحد جرحاً اندمل ، ثمّ انتقض عليه ، فمات منه سنة ٣ أو ٤ هـ.

انظر : الاستيعاب ٣ / ٩٣٩ رقم ١٥٨٩ ، أُسد الغابة ٥ / ١٥٢ رقم ٥٩٧١ ، الإصابة ٤ / ١٥٢ رقم ٥٧٨٦.

(٦) هو : خُنيس بن حُذافة بن قيس بن عديّ بن سعد بن سهم القرشي السهمي ، كان

٥٧٣

وتزوّج النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأتيهما أُمَّ سلمة وحفصة ، قال طلحة وعثمان : أينكح محمّد نساءنا إذا متنا ، ولا ننكح نساءه إذا مات؟!

واللهِ لو قد مات ، لقد أَجْلَبنا(١) على نسائه بالسهام!

وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد أُمّ سلمة.

فأنزل الله تعالى :( وما كان لكم أن تؤذوا رسولَ الله ولا أن تنكِحوا أزواجَه مِن بعدِه أبداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً ) (٢)

وأنزل :( إنْ تُبدوا شيئاً أو تُخفوه ) (٣)

وأنزل :( إنّ الّذين يؤذون اللهَ ورسولَه لعنهمُ اللهُ في الدنيا والآخرة وأَعدّ لهم عذاباً مهيناً ) (٤) (٥) .

__________________

زوج حفصة قبل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان من المهاجرين الأوّلين ، شهد بدراً بعد هجرته إلى الحبشة ، وشهد أُحداً ، ونالته جراحة مات منها بالمدينة ، على رأس خمسة وعشرين شهراً من هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٣٠٠ رقم ٦٨ ، الاستيعاب ٢ / ٤٥٢ رقم ٦٧٩ ، أُسد الغابة ١ / ٦٢٤ رقم ١٤٨٥.

(١) في تفسير القرطبي والطرائف : «أَجلنا».

وأَجلَبُوا عليه : إذا تَجمعُوا وتَأَلّبُوا بالصياح والصخب وغيرهما ؛ انظر : لسان العرب ٢ / ٣١٤ و ٣١٧ مادّة «جلب».

وأَجَالُوا عليه : إذا طافوا على الشيء في الحرب جيئةً وذهاباً ؛ انظر : لسان العرب ٢ / ٤٢٤ مادّة «جول».

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٤.

(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٥) لم نجده في «الجمع بين الصحيحين» المطبوع ، وانظر : تفسير السُدّي الكبير : ٣٨٦ ، تفسير مقاتل ٣ / ٥٣ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٦٢ ، تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٧ ح ٢٨٦٢٣ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٣ ـ

٥٧٤

وقال الفضل(١) :

إن صحّ ما رواه ، فإنّهم كانوا لا يعلمون أنّ أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يُنكَحن مِن بعده.

ومن عادة العرب أن يتكلّموا في النساء ، وفي التزوّج بعد الرجال مثل هذا ، وليس فيه قصدُ إيذاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل ذكروا هذا الكلام على سبيل عادة العرب ، فأعلمهم الله تعالى بعدم جواز هذا.

وأمّا نزول قوله تعالى :( الّذين يؤذون الله ورسوله ) ، فهو في شأن المنافقين بلا كلام ، وهو يفتري أنّها نزلت فيهما.

__________________

١٧٧٦٦ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٦٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٦٩ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٦٦ ، زاد المسير ٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٤٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ ـ ٦٤٤ ، مجمع البيان ٨ / ١٥٢ ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٣.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٦ الطبعة الحجرية.

٥٧٥

وأقول :

قوله : «كانوا لا يعملون ...» إلى آخره

رجمٌ بالغيب ، والظاهر علمهم ؛ لأنّ الاستفهام في قولهما : «أينكحُ محمّد نساءنا ، ولا ننكح نساءه؟!» للإنكار بالضرورة ، وهو يقتضي معروفية المنع من نكاح أزواجه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إمّا من سنته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو من قوله تعالى :( وأزواجه أُمّهاتُهم ) (١) .

فحينئذ يكون قولهما ردّاً لحكم الله ، وجرأةً على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فأراد الله جلّ وعلا تسجيل هذا الحكم بنصّ الكتاب العزيز ، ردعاً لهم ، وبياناً لكون نكاحهنّ من بعده عند الله عظيماً.

ولو سُلّم أنّ الحكم لم يكن معلوماً قبل نزول هذه الآيات ، فلا شكّ بدلالتها على أنّ تعريضَهم بنكاح أزواجه إيذاءٌ له ، وأنّ مَن آذاه ملعونٌ

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.

وقد أجمع المسلمون أنّ المراد بهذه الآية الكريمة هو حرمة نكاح أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته إذا طلّق ، ومن بعد وفاته ، على التأبيد ، تشبيهاً لهنّ بالأُمّهات الحقيقيات ، وهنّ في ما وراء ذلك بمنزلة الأجنبيات.

انظر ـ مثلا ـ في بيان نزول الآية الكريمة :

تفسير مقاتل ٣ / ٣٦ ، تفسير الطبري ١٠ / ٢٥٩ ح ٢٨٣٣٩ و ٢٨٣٤١ ، تفسير ابن أبي حاتم ٩ / ٣١١٥ ح ١٧٥٨٦ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٩ ، الوسيط ٣ / ٤٥٩ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٣٧ ، الكشّاف ٣ / ٢٥١ ، تفسير ابن عطيّة : ١٥٠١ ، زاد المسير ٦ / ١٩٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٩٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٨٢ ، تفسير ابن جزَيّ ٣ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٧ / ٢٠٩ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٥١ ، تفسير الإيجي ٣ / ٣٣٨ ، مجمع البيان ٨ / ١٠٩.

٥٧٦

في الدنيا والآخرة.

قال الرازي : «المراد : أنّ إيذاء الرسول حرامٌ ، والتعرّض لنسائه في حياته إيذاءٌ له ، فلا يجوز»(١) .

على أنّ قولهما المذكور دالٌّ على استيائهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّهما يريدان الانتقام منه ، ولذا عبّرا عنه باسمه ، لا بوصفه بالرسالة ، أو نحوها من صفات الكرامة ، وهذا كاف في الإساءة إليه وإيذائه.

وما ذَكره من عادة العرب ، ممنوعةٌ ، ولو سُلّمت لم تدفع فظاعة قولهما وظهوره في ما ذكرنا.

واعلم أنّه لا ريب بنزول الآية في طلحة ، منفرداً أو منضمّاً إلى عثمان.

ويدلّ على نزولها بطلحة ما سبق في قصة الشورى ، من قول عمر لطلحة : «مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو عليك عاتبٌ ؛ للكلمة التي قلتها»(٢) .

وما نقله السيوطي في «لباب النقول» و «الدرّ المنثور» ، عن ابن سعد ، عن أبي بكر [بن] محمّد بن عمرو بن مخزوم ، أنّها نزلت في طلحة(٣) .

وفيهما ـ أيضاً ـ ، عن ابن أبي حاتم ، عن السُدّي ، أنّها نزلت فيه(٤) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦.

(٢) راجع الصفحة ٣٤٥ ، من هذا الجزء.

(٣) لباب النقول : ١٧٩ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٤ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٦٢.

(٤) لباب النقول : ١٧٩ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ ، وانظر : تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٥.

٥٧٧

وزاد في «الدرّ المنثور» مثله ، عن عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة(١) .

ونقل السيوطي ـ أيضاً ـ ، عن جماعة ، أنّها نزلت في رجل قال : «لو توفّي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوّجتُ فلانة»(٢) .

وسمّى بعضهم عائشة(٣) ، وذكر بعضهم : أنّها ابنة عمّ الرجل(٤) .

والظاهر : أنّ الرجل هو طلحة ؛ لأنّه هو الذي ذكرها في الروايات السابقة ، وقال : «لو توفّي تزوّجتُ عائشة» ، وهو ابن عمّها أيضاً.

ويحتمل أن يراد بالرجل في الرواية التي لم تسمِّ الرجل ولا المرأة : عثمان ؛ فإنّه أحد الرجلين اللذين نزلت فيهما الآية ، برواية السُدّي القويّة عندنا(٥) ؛ لموافقتها لأخبارنا(٦) ، وإنْ تركَ أكثرُ أخبارِ القوم ذِكرَ عثمان ستراً عليه ، ويكفينا نزولها في طلحة ، فإنّه من أركانهم.

وأمّا ما ذكره الفضل ، من أنّه لا كلام في نزول الآية الأخيرة بالمنافقين

__________________

(١) الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ ، وانظر : تفسير عبد الرزّاق ٢ / ١٢٢.

(٢) الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ و ٦٤٤ ، وانظر : تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٤ ، تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٧ ح ٢٨٦٢٣.

(٣) انظر : تفسير مقاتل ٣ / ٥٣ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٣ و ١٧٧٦٦ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٦٠ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٦٦ ، زاد المسير ٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٤٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ و ٦٤٤.

(٤) انظر : تفسير مقاتل ٣ / ٥٣ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٥ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٦٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٤٧ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣.

(٥) انظر : الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٣.

(٦) انظر : بحار الأنوار ٣١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

٥٧٨

فمع أنّه مردود بما نقله الحميدي عن السُدّي ، لا يجديه نفعاً ؛ لأنّ لفظ الآية عامٌّ ، فيؤخذ بعمومه وإنْ كان سبب النزول هو المنافقين ، ويدخل فيه طلحة برواية الكثير ، وعثمان برواية السُدي.

فيكون قوله تعالى :( وما كان لكم أن تؤذوا رسولَ الله ) (١) الآية ، مثبتاً لصغرى هي : أنّ طلحة ، أو هو مع عثمان ، ممّن آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويكون قوله تعالى :( إنّ الّذين يؤذون اللهَ ورسولهَ ) (٢) الآية ، كبرى لتلك الصغرى ، فينتج منهما ما لا يخفى عليك!

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

٥٧٩

[إنّ عثمان مطعون في القرآن](١)

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(٢) :

ومنها : ما رواه السُدي من الجمهور ، في تفسير قوله تعالى :( ويقولون آمنّا بالله وبالرسول وأطعنا ) (٣) الآيات.

قال السُدي : «نزلت هذه في عثمان بن عفّان ؛ قال : لما فتح رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني النضير ، فغنم أموالهم ، قال عثمان لعليّ : ائت رسولَ الله فسَلْهُ أرضَ كذا وكذا ، فإنْ أعطاكها فأنا شريكك فيها ، وآتيه أنا فأسأله إيّاها ، فإنْ أعطانيها فأنت شريكي فيها.

فسأله عثمان أوّلا ، فأعطاه إياها.

فقال له عليٌّ : أشركني؟ فأبى عثمان.

فقال : بيني وبينك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

فأبى أن يخاصمه إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقيل له : لِمَ لا تنطلق معه إلى النبيّ؟!

فقال : هو ابنُ عمّه ، فأخاف أن يقضي له!

فنزل قوله تعالى :( وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ) (٤) إلى قوله تعالى :

__________________

(١) أثبتناه من «نهج الحقّ».

(٢) نهج الحقّ : ٣٠٥.

(٣) سورة النور ٢٤ : ٤٧.

(٤) سورة النور ٢٤ : ٤٨.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601