موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 229646 / تحميل: 6862
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مريداً للعلوّ في الأرض والفساد ، وهذا حال فرعون !! والله تعالى يقول :( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ، فمن أراد العلوّ في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة

وليس هذا كقتال الصدّيق للمرتدّين ومانعي الزكاة ، فإنّ الصدّيق إنّما قاتلهم على طاعة الله ورسوله لا على طاعته ، فإنّ الزكاة فرض عليهم ، فقاتلهم على الإقرار بها وعلى أدائها ، بخلاف من قاتل ليطاع هو »(١)

٣ ـ طعنه فيه وفي فضائله :

قال ابن تيمية : « إنّ الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي ، والأحاديث التي ذكرها هذا ، وذكر أنّها في الصحيح عند الجمهور ، وأنّهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم هو من أبين الكذب على علماء الجمهور ، فإنّ هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدلّ على إمامة علي ، ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر ، بل وليست من خصائصه ، بل هي فضائل شاركه فيها غيره ، بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر ، فإنّ كثيراً منها خصائص لهما ، لاسيّما فضائل أبي بكر ، فإنّ عامّتها خصائص لم يشركه فيها غيره

وأمّا ما ذكره من المطاعن فلا يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلّا وجّه على علي ما هو مثله أو أعظم منه .

فإنّ عليرضي‌الله‌عنه لم ينزّهه المخالفون ، بل القادحون في علي طوائف متعدّدة ، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان ، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه ، فإنّ الخوارج متّفقون على كفره ، وهم عند المسلمين كلّهم خير من الغلاة .

______________________

(١) المصدر السابق ٤ / ٤٩٩

١٠١

ومن المعلوم أنّ المنزّهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل ، وإنّ القادحين في علي حتّى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة ، وهم أعلم من الرافضة وأدين .

والذين قدحوا في عليرضي‌الله‌عنه وجعلوه كافراً أو ظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردّة عن الإسلام ، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة .

بخلاف من يكفّر علياً ويلعنه من الخوارج ، وممّن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم ، فإنّ هؤلاء كانوا مقرّين بالإسلام وشرائعه ، يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويصومون رمضان ، ويحجّون البيت العتيق ، ويحرّمون ما حرّم الله ورسوله ، وليس فيهم كفر ظاهر ، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم ، معظّمة عندهم .

فمعلوم أنّ الذين قاتلوه ولعنوه وذمّوه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولّونه ويلعنون عثمان ، ولو تخلّى أهل السنّة عن موالاة عليرضي‌الله‌عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته لم يكن في المتولّين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأُموية والمروانية ؛ فإنّ هؤلاء طوائف كثيرة »(١)

والكلام واضح لا يحتاج إلى تعليق

٥ ـ طعنه في فاطمةعليها‌السلام واتهامها بالنفاق !!

قال ابن تيمية : « إنّ فاطمةرضي‌الله‌عنها إنّما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها ، فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب ، وهذا حال أبي بكر وعمر ، فإنّهما احترزا عن أن يؤذيا أباها أو يريباه بشيء ، فإنّه عهد عهداً وأمر بأمر ، فخافا أن غيّرا عهده وأمره أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذّى بذلك ، وكلّ عاقل يعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حكم بحكم وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك الحكم ، كان مراعاة حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله
______________________

(١) المصدر السابق ٥ / ٦ ـ ١٠

١٠٢

أولى !! فإنّ طاعته واجبة ومعصيته محرّمة »(١)

فصوّر فاطمةعليها‌السلام بأنّها تريد أن يحكم أبو بكر بغير حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرفض أبو بكر ذلك فتأذّت !!

وهذا معناه النفاق في فاطمة ـ أعاذنا الله من هذا ـ لأنّ الذين يريدون أن يحكم إليهم بخلاف حكم الله ورسوله هم المنافقون

هذا وهناك الكثير من المطاعن التي وجّهها ابن تيمية إلى أهل البيتعليهم‌السلام وإلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، سواء من ناحية التنقيص فيه ، أو تكذيب فضائله الثابتة له ، ومن شاء راجع « منهاج السنّة » ليرى النصب فيه طافح ، والتحامل على عليعليه‌السلام وأهل بيته ظاهر !! هذا ما يتعلّق بابن تيمية الحرّاني

وأمّا ما يتعلّق بمحمّد بن عبد الوهّاب فمنهجه هو منهج ابن تيمية لا غير ، سواء من ناحية العقيدة ـ كصفات الله والأنبياء وغيرها ـ أو من ناحية تحامله على المسلمين وتكفيرهم ، أو من ناحية تحامله على أهل البيتعليهم‌السلام

وارجع إلى كتابه « كشف الشبهات » لترى فيه التكفير الصريح للأُمّة الإسلامية جمعاء ، لأنّها تزور القبور ، وتتوسّل بالأنبياء والصالحين !!

وكذلك كتابه « الدرر السنية في الأجوبة النجدية » ، تجده مليئاً بالتكفير ورمي المسلمين بالغلوّ والشرك ، فمن نماذج تكفيره للمسلمين قوله :

١ ـ قال : « وهذا ـ أي الشرك ـ هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها »!!(٢)

٢ ـ قال : ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا :( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) (٣)

ومقصوده بذلك المسلمين الذي يزورون القبور ويتوسّلون بالأنبياء والصالحين !

______________________

(١) المصدر السابق ٤ / ٢٥٣

(٢) كشف الشبهات : ١٧

(٣) المصدر السابق : ١٩

١٠٣

٣ ـ وقال في نفس الصفحة : « فإذا عرفت أنّ هذا الذي يسمّيه المشركون في زماننا الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن ، وقاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس عليه ؛ فاعلم أنّ شرك الأوّلين أخفّ من شرك أهل زماننا بأمرين » !!

٤ ـ قال : « أنّ الذين قاتلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحّ عقولاً وأخفّ شركاً من هؤلاء » !!(١)

فهذا تكفير صريح لعامّة المسلمين ، أعاذنا الله من ذلك

٥ ـ قال : « وأنا أذكر لك أشياء ممّا ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتجّ به المشركون في زماننا علينا » !!(٢)

وغير ذلك كثير جدّاً يمكن مراجعته في الكتابين اللذين أشرنا إليهما

فمحمّد بن عبد الوهاب لم يتورّع في دماء المسلمين ، وحكم على الأُمّة الإسلامية بالشرك والكفر ، وأنّ شركها أعظم من شرك كفّار قريش أو اليهود والنصارى ، وقام بمحاربتهم وسفك دمائهم ، وقتل ذراريهم واستباحة أعراضهم ، إلى غير ذلك من الأفاعيل الشنيعة التي تبيّن مدى فساد عقيدة هذا الشخص وضحالة تفكيره ، وخطورته في نفس الوقت

« خالد ـ السعودية ـ سنّي »

تكفيره الشيعة :

س : أنتم الشيعة تتّهمون شيخ الإسلام ابن تيمية ، بأنّه يكفّر الشيعة ، فأين دليلكم على ذلك ؟

ج : ابن تيمية !! وما أدراك ما ابن تيمية ؟! أصل الفتنة ، وأصل كلّ خلاف ، شديد النصب للإمام عليعليه‌السلام

______________________

(١) المصدر السابق : ٢١

(٢) المصدر السابق : ١٣

١٠٤

ابن تيمية يقول بالتجسيم والتشبيه ، ابن تيمية يقول بقدم غير الله تعالى ، وبحوادث لا أوّل لها

ابن تيمية ينفي فضائل الإمام عليعليه‌السلام ، حتّى اعترض عليه الألباني في « سلسلة الأحاديث الصحيحة » ، وقال عنه : « إنّ هذه الاشتباهات وقع فيها ابن تيمية لتسرّعه في الردّ على الرافضة »

ابن تيمية يكذّب أكاذيب واضحة ، ولا يتّقي الله ولا يتورّع ، ابن تيمية ردّ عليه كبار علماء المذاهب الإسلامية ، قبل علماء الشيعة ، حتّى إنّ بعضهم نعته بالكفر والزندقة

ونقول في الجواب على قولك : راجع كتابه « منهاج السنّة النبوية »(١) لتجد ذلك بنفسك

وفي الختام : نذكّرك بكلام الحافظ أبو الفضل عبد الله الغماري : « وابن تيمية ، يحتجّ كثير من الناس بكلامه ، ويسمّيه بعضهم شيخ الإسلام ، وهو ناصبي ، عدوّ لعلي كرّم الله وجهه ، اتهم فاطمة بأنّ فيها شعبة من النفاق ، وكان مع ذلك مشبهاً ، إلى بدع أُخرى كانت فيه ، ومن ثمّ عاقبه الله تعالى فكانت المبتدعة بعد عصره تلامذة كتبه ، ونتائج أفكاره ، وثمار غرسه »(٢)

« حيدر القزّاز ـ كندا ـ ٢٩ سنة ـ مهندس »

رأيه في قاتل علي :

س : أرجو بيان ما رأي ابن تيمية بالمجرم عبد الرحمن ابن ملجم ( لعنه الله ) ؟ وما هو رأيه عندما قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ مع ذكر المصادر إن أمكن

ج : إنّ ابن تيمية ـ كعادته ـ يحاول الطعن بالإمام عليعليه‌السلام ، وذلك بصورة غير مباشرة ، كتكذيب فضائله ، والتشكيك في المسلّمات ، بل وبصورة مباشرة
______________________

(١) منهاج السنّة النبوية ٤ / ٣٦٣ و ٧ / ٩ و ٢٧

(٢) الصبح السافر : ٥٤

١٠٥

أحياناً ، فتراه ذلك الناصبي المراوغ ، الذي يتلاعب بالألفاظ والأساليب

فتراه يقول في ابن ملجم : « والذي قتل علياً ، كان يصلّي ويصوم ، ويقرأ القرآن ، وقتله معتقداً أنّ الله ورسوله يحبّ قتل علي ، وفعل ذلك محبّة لله ورسوله ـ في زعمه ـ وإن كان في ذلك ضالاً مبتدعاً »(١)

ويقول عنه أيضاً : « كان من أعبد الناس »(٢)

هذا قول ابن تيمية في ابن ملجم ، وقد وصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل عليعليه‌السلام بأنّه : « أشقى الناس »(٣)

« السيّد أحمد السيّد نزار ـ البحرين »

ردّ علماء أهل السنّة على قوله بالتجسيم :

س : تحية طيّبة وبعد :

هناك من الأصدقاء من يقول : إنّ ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب لا يقولان بالتجسيم ، وما يقال ذلك عنهما نابع من التعصّب ، وردّ التهمة بتهمة مثلها

أين هي الكتب والمصادر التي يدّعون فيها أنّهما يقولان بالتجسيم بصراحة ؟ دون أن يكون لها وجه آخر ، أرجو ذكر أقوالهما مع ذكر المصادر لكي تتمّ الحجّة

ج : المعروف عن بعض الحنابلة أنّهم من القائلين بالتجسيم ، بمعنى أنّ لله تعالى يداً ، ووجهاً وعيناً وساقاً ، وأنّه متربّع على العرش ، شأنه شأن الملوك والسلاطين ، واستدلّوا على ذلك ، بآيات من القرآن الكريم ، كقوله تعالى :( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) ، و( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ، و( يَوْمَ يُكْشَفُ
______________________

(١) منهاج السنّة النبوية ٧ / ١٥٣

(٢) المصدر السابق ٥ / ٤٧

(٣) مجمع الزوائد ٧ / ١٤ و ٢٩٩ ، فيض القدير ١ / ٦٧٢ و ٣ / ١٢٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ٢٠٠ و ٣٩٦ ، جواهر المطالب ٢ / ١٠٦ ، وغيرها من مصادر أهل السنّة ، فضلاً عن المصادر الشيعية

١٠٦

عَن سَاقٍ ) ، و( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) وغيرها من الآيات

وقالوا : إنّ اليد والوجه والساق والاستواء جاءت في القرآن على وجه الحقيقة في معانيها ، وليست مصروفة إلى معانيها المجازية

وقالوا : نعم يد الله ليست كيدنا ، ووجهه ليس كوجهنا ، وساقه ليس كساقنا بدليل قوله تعالى :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )

ولا يخفى عليك أنّ ابن تيمية ، ومحمّد بن عبد الوهّاب يدّعيان أنّهما من الحنابلة

وأقوال ابن تيمية في التجسيم كثيرة جدّاً ، وللوقوف على ذلك راجع مثلاً كتابه « الفتوى الحموية الكبرى في مجموعة الفتاوى ، كتاب الأسماء والصفات »

وإنّ عقيدته في التجسيم كانت واحدة من أهمّ محاور الصراع الذي خاضه مع علماء عصره ، فهي السبب الوحيد لما دار بينه وبين المالكية من فتن في دمشق ، وهي السبب الوحيد لاستدعائه إلى مصر ، ثمّ سجنه هناك ، كما كانت سبباً في عدّة مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشة أقواله

ولم تنفرد المالكية في الردّ عليه ، بل كان هذا هو شأن الحنفية ، والشافعية أيضاً ، وأمّا الحنبلية فقد نصّوا على شذوذه عنهم

قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة ابن تيمية في الصفات : « إنّها تجسيم صريح » ، ثمّ نقل مثل ذلك عن ابن حجر المكّي في كتابه « شرح الشمائل »

وللشافعية دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة ، فقد صنّفوا في بيان أخطاء ابن تيمية فيها تصانيفاً كثيرةً ، وربّما يُعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل ـ المتوفّى سنة ٧٣٣ هـ ـ ويكتسب هذا التصنيف أهمّيته لسببين :

أوّلهما : إنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيمية ، وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيمية موجّهاً إليه

١٠٧

والثاني : إنّه ختمه بتحدٍّ صريح قال فيه : « ونحن ننتظر ما يَرِدُ من تمويههِ وفساده ، لنبيّن مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد في الله حقّ جهاده »

ثمّ لم يذكر لابن تيمية جواباً عليه ، رغم أنّه قد وضع ردّاً على الحموية الكبرى التي ألقاها ابن تيمية على المنبر في سنة ٦٩٨ هـ

وأمّا دفاع ابن تيمية عن التجسيم ، فهو دفاع المجسّمة الصرحاء ، فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه الله تعالى عن الأعضاء والأجزاء : « إنّهم جعلوا عُمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي الجسم ، ومن سلك هذا المسلك ، لم يُنزِّه الله عن شيء من النقائص البتّة »(١)

ثمّ طريق إثبات شيء على المتّهم لا يتمّ بإقراره فقط ومن كتبه ، فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً ، خوفاً من المسلمين ، ولكن هناك طريقة أُخرى ، وهي شهادة شهود عليه ، فإن هذا من أقوى أدلّة الإثبات ، خاصّة إذا كانوا كثيرين

وقد شهد على ابن تيمية الكثير ، منهم : ابن بطوطة في كتابه ، إذ يقول تحت عنوان : حكاية الفقيه ذي اللُّوثة ـ اللُّوثة بالضمّ : مَسُّ جنون ـ ! :

« وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلّا أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يُعظّمونه أشدّ التعظيم ، ويعظهم على المنبر ، وتكلّم مرّة بأمرٍ أنكره الفقهاء

قال : وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة ، وهو يعِظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جُملة كلامه أنّ قال : إنّ الله ينزِلُ إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجةً من المنبر !

فعارضه فقيه مالكي ، يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه ، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً ، حتّى سقطت عمامته ، وظهر على رأسه شاشية حرير ، فأنكروا عليه لباسها ، واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم ، قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك »(٢)

______________________

(١) مجموع الفتاوى ١٣ / ١٦٤

(٢) رحلة ابن بطوطة : ١١٢

١٠٨

ومقولة ابن تيمية هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في كتابه(١)

تلك صورة عن عقيدته في الله تعالى ، فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول ، وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى ، فالذي ينتقل من مكان إلى مكان ، وينزل ويصعد ، فلابدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ، ثمّ انتقل إلى مكان آخر ، فخلا منه المكان الأوّل ، واحتواه المكان الثاني ، والذي يحويه المكان لا يكون إلّا محدوداً ! فتعالى الله عمّا يصفون !!

« سامر ـ فلسطين ـ »

تعقيب على الجواب السابق :

مجرد تعليق بسيط : ابن تيمية والوهّابية ، هم ملعونون وهم كفرة ، كما قال ابن عابدين : خوارج العصر ، وشيخنا عبد الله الهرري له باع طويل في الردّ على الكافرين ، ومن كتبه : « المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد ابن تيمية » ، وهو من (٥٠٠) صفحة ، وله أيضاً الردّ على الوهّابية أكثر من كتاب ، أعانه الله للوقوف في وجههم

وليس الشيعة وحدهم يكفّرون ابن تيمية ، بل أهل السنّة ، فهم مجسّمة ، ويبغضون أهل البيت ، وثبت عندنا أنّ ابن تيمية ردّ أكثر من (٢٠) حديثاً في سيّدنا عليعليه‌السلام ، أقرأ كتاب المحدّث الهرري « الدليل الشرعي في عصيان من قاتلهم علي من صحابي وتابعي » ، وردّ على ابن تيمية ( لعنه الله )

« علوي ـ ـ »

رأيه في الجامع الكبير للترمذي :

س : هل هناك فرق بين المسند والصحيح عند القوم ؟ إذ الوهّابية يرفضون أن يكون الجامع الكبير للترمذي من الصحاح ، وإذا كان هناك ما يدفع كلامهم ، فأرجو البيان وذكر المصدر

______________________

(١) الدرر الكامنة ١ / ١٥٤

١٠٩

الجواب : الفرق بين المسند والصحيح هو : أنّ المسند هو الأحاديث التي يرويها المحدّث بأسانيد عن كلّ واحدٍ من الصحابة ، فيذكر أحاديثه تحت عنوان اسمه ، كما هو الحال في مسند أحمد مثلاً

أمّا الصحيح فهو مجموعة الأحاديث ، التي يرى المحدّث صحّتها بحسب شروطه ، مبوّبةً بحسب الموضوعات

والوهابيّة الذين يرفضون « الجامع الكبير » للترمذي إنّما يقلِّدون ابن تيمية في كتابه « منهاج السنّة النبوية » ، لكنّكم إذا راجعتموه وجدتم ابن تيمية يحتجُّ بـ « الجامع الكبير » للترمذي ، في كلّ موردٍ يكون في صالحه ، وأمّا رفضه له فهو لروايته مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام

فقال في حديث« أنا مدينة العلم وعلي بابها » : « أضعف وأوهى ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات ، وإن رواه الترمذي »(١)

وقال في موضع : « والترمذي في جامعة روى أحاديث كثيرة في فضائل علي ، كثير منها ضعيف ، ولم يرو مثل هذا لظهور كذبه »(٢)

وفي آخر : « والترمذي قد ذكر أحاديث متعدّدة في فضائله ، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع »(٣)

فهو لا يرفض « الجامع الكبير » للترمذي بل يستدلّ برواياته وينقلها في كتبه ، وإنّما يرفض الروايات التي نقلها في فضائل الإمام عليعليه‌السلام

« عماد ـ ـ »

كلماته الدالّة على التجسيم :

س : هل بإمكانكم إخباري في أيّ كتاب قالت الوهّابية بإنّ الله له أرجل وأيدي ، ووجه وأعين .

______________________

(١) منهاج السنّة النبوية ٧ / ٥١٥

(٢) المصدر السابق ٧ / ١٧٨

(٣) المصدر السابق ٥ / ٥١١

١١٠

الجواب : بإمكانك التقصّي عن عقيدة الوهّابية في التجسيم من خلال فتاوى علمائهم ، أو بالسؤال من علمائهم ، عن تفسير آية :( ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ) (١) ، أو قوله تعالى :( هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (٢) ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأنظر ماذا تجاب من قبلهم ؟ عندها تستطيع الحكم أنت بنفسك على ما يعتقدونه ، من صفات الربّ جلّ جلاله

ولعلّنا سنزوّدك ما يمكن ذكره في هذا المقام المختصر ، ببعض أقوال شيخهم ابن تيمية ، فقد قال عن حديث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« إنّ الله يضحك إلى رجلين ، يقتل أحدهما الآخر ، كلاهما يدخل الجنّة » : متّفق عليه(٣)

ومثله قال عن حديث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولا تزال جهنّم يلقى فيها ، وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قط قط » (٤)

وما ذكره محمّد بن عبد الوهّاب في كتابه « التوحيد »(٥) ، عن ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد ، إنّا نجد أنّ الله يجعل السماوات على إصبع من أصابعه ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ، ثمّ قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (٦)

وقد قال ابن باز في فتاويه : « التأويل في الصفات منكر ولا يجوز ، بل يجب
______________________

(١) الأعراف : ٥٤

(٢) الإسراء : ١

(٣) العقيدة الواسطية : ٢٠

(٤) نفس المصدر السابق

(٥) كتاب التوحيد : ١٥٧

(٦) الزمر : ٦٧

١١١

إمرار الصفات كما جاءت على ظاهرها اللائق بالله جلّ وعلا ، بغير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل(١)

وقال أيضاً : « الصحيح الذي عليه المحقّقون ، أنّه ليس في القرآن مجاز على الحدّ الذي يعرفه أصحاب فنّ البلاغة ، وكلّ ما فيه فهو حقيقة في محلّه(٢)

هذا بعض ما أمكننا إرشادك إليه من أقوالهما ، وجملةً من فتاويهما ، وعليك أن تتحقّق عن الباقي بنفسك ، وإن شئت فارجع إلى :

١ ـ العقيدة الواسطية لابن تيمية

٢ ـ شرح العقيدة الواسطية لابن عثمين

٣ ـ كتاب التوحيد لمحمّد بن عبد الوهّاب

٤ ـ شرح نونية ابن قيّم الجوزية لمحمّد خليل هراس

٥ ـ كتاب العرش لابن تيمية

٦ ـ كتاب السنّة لعبد الله بن أحمد بن حنبل

وكتب أُخرى لهم في هذا المجال ، وفيها التجسيم بأجلى صورة


______________________

(١) فتاوى ابن باز ١ / ٢٩٧

(٢) المصدر السابق ١ / ٣٦٠

١١٢

ابن عباس :

« زين ـ السعودية ـ »

أقوال علماء الشيعة فيه :

س : ما رأي علماء الشيعة في عبد الله بن عباسرضي‌الله‌عنه ؟

ج : نذكر بعض أقوال علماء الشيعة في ابن عباس :

١ ـ قال العلّامة الحلّي : « من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان محبّاً لعليعليه‌السلام وتلميذه ، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن يخفى

وقد ذكر الكشّي(١) أحاديث تتضمّن قدحاً فيه ، وهو أجلّ من ذلك ، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها رضي الله تعالى عنه »(٢)

٢ ـ قال الشيخ حسن صاحب المعالم : « عبد الله بن عباس ، حاله في المحبّة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والموالاة والنصرة له ، والذبّ عنه ، والخصام في رضاه ، والمؤازرة ممّا لا شبهة فيه ، وقد كان يعتمد ذلك مع من يجب اعتماده معه ، على ما نطق به لسان السيرة »(٣)

٣ ـ قال العلّامة التستري ـ بعد أن ذكر جملة من مواقفه مع أعداء أهل البيت ـ : « وبالجملة : بعدما وقفت على محاجّاته مع عمر وعثمان ، ومعاوية وعائشة ، وابن الزبير وباقي أعداء أهل البيت ، وتحقيقه للمذهب ودفعه عن
______________________

(١) اختيار معرفة الرجال ١ / ٢٧٩

(٢) خلاصة الأقوال : ١٩٠

(٣) التحرير الطاووسي : ٣١٢

١١٣

الشبه ، لو قيل : إنّ هذا الرجل أفضل رجال الإسلام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، وحمزة وجعفر ( رضوان الله عليهما ) كان في محلّه »(١)

« يوسف ـ الإمارات ـ ٣٠ سنة ـ طالب جامعة »

ما قيل فيه مردود :

س : ما رأيكم في ابن عباس ؟

ج : هناك رأيان في ابن عباس ، رأي عدّه من الثقات للروايات المادحة له ، وقدح بالروايات الذامّة له ، ورأي ثان عدّه من الضعفاء للروايات الذامّة له ، ولأجل معرفة سبب تضعيفه ، نورد بعض ما أُشكل عليه :

أوّلاً : أنّه نقل بيت المال من البصرة إلى الحجاز حينما كان والياً على البصرة ، وهذا دليل خيانته وعدم عدالته ، وخروجه على طاعة إمام زمانه

وفيه : إنّ ما اشتهر عن نقله لبيت مال البصرة لم يثبت برواية صحيحة يطمئن إليها ، نعم كلّ من اعتمد على الخبر كان مدركه الشهرة وليس أكثر ، بل إنّ بعض علمائنا طعن في صحّة هذه الشهرة ، ونسب ما اشتهر في ذمّ ابن عباس إلى ما أشاعه معاوية من الطعن في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد ذهب إلى ذلك السيّد الخوئيقدس‌سره في معجمه(٢)

قال ابن أبي الحديد : « وقد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب ، فقال الأكثرون : إنّه عبد الله بن عباس ، ورووا في ذلك روايات ، واستدلّوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب ، كقولهعليه‌السلام :« أشركتك في أمانتي » وقال الآخرون ـ وهم الأقلّون ـ : هذا لم يكن ، ولا فارق عبد الله بن عباس عليّاًعليه‌السلام ولا باينه ولا خالفه ، ولم يزل أميراً على البصرة إلى أن قتل عليعليه‌السلام

______________________

(١) قاموس الرجال ٦ / ٤٩٠

(٢) معجم رجال الحديث ١١ / ٢٥٤

١١٤

قالوا : ويدلّ على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لمّا قتل عليعليه‌السلام ، وقد ذكرناه من قبل ، قالوا : وكيف يكون ذلك ؟ ولم يخدعه معاوية ويجرّه إلى جهته ، فقد علمتم كيف اختدع كثيراً من عمّال أمير المؤمنينعليه‌السلام فما باله وقد علم النبوّة التي حدثت بينهما ، لم يستمل ابن عباس ، ولا اجتذبه إلى نفسه ، وكلّ من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقّة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة عليعليه‌السلام وما كان يلقاه من قوارع الكلام وشديد الخصام ، وما كان يثني به على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويذكر خصائصه وفضائله ، ويصدع به من مناقبه ومآثره ، فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك ، بل كانت الحال تكون بالضدّ لما اشتهر من أمرهما .

وقد أُشكل عليّ أمر هذا الكتاب ، فإن أنا كذّبت النقل وقلت : هذا كلام موضوع على أمير المؤمنينعليه‌السلام خالفت الرواة ، فإنّهم قد أطبقوا على رواية هذا الكتاب عنه ، وقد ذكر في أكثر كتب السير

وإن صرفته إلى عبد الله بن عباس صدّني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام في حياته وبعد وفاته ، وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه »(١)

وقال العلّامة التستري : « قاعدة عقلية : إذا تعارض العقل والنقل يقدّم العقل ، فإذا كان معلوماً ملازمته لطاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام في حياته وبعد وفاته ، ولا استماله معاوية ـ مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك ـ نقطع بأنّ النقل باطل ، وكيف يحتمل صحّة ذلك النقل مع أنّه طعن في معاوية بخيانة عمّاله ؟ فلو كان هو أيضاً خان لردّ عليه معاوية طعنه »(٢)

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٦ / ١٦٩

(٢) قاموس الرجال ٦ / ٤٢٦

١١٥

على أنّا لو سلّمنا صحّة الحادثة ، فإنّ ذلك يمكن أن يكون من باب طروء الشبهة ، على كون استحقاقه بعض بيت المال اعتماداً على اجتهاده ، لقوله لابن الزبير ـ على فرض صحّة الرواية ـ : « وأمّا حملي المال ، فإنّه كان مالاً جبيناه ، وأعطينا كلّ ذي حقٍّ حقّه ، وبقيت بقية هي دون حقّنا في كتاب الله ، فأخذنا بحقّنا »(١)

فقوله : « هي دون حقّنا في كتاب الله » مشعر بأنّ ابن عباس قد اعتمد في اجتهاده على آية في كتاب الله ، استظهر منها صحّة حمل ما بقي من بيت المال ، ولعلّه قد تاب بعد تنبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام له

ثانياً : إنّه ثبت صحّة قوله بإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلّا أنّه لم يثبت بعد ذلك قوله بإمامة الحسن ، وإمامة الحسين ، وإمامة علي بن الحسينعليهم‌السلام وقد أدركهم ، وهذا طعن في إيمانه ، وصحّة اعتقاده

وفيه : إنّ التسالم على قوله بإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وأتباعه بلغ إجماع الفريقين ، فلا مجال للتشكيك فيه ، أمّا قوله بإمامة الحسنعليه‌السلام ، فإنّ الأربلي في « كشف الغمّة » نقل عن أبي مخنف ، بإسناده عن ابن إسحاق السبيعي وغيره قالوا :

« خطب الحسن بن عليعليهما‌السلام صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ جلس ، فقام عبد الله بن عباس ما بين يديه فقال : معاشر الناس ، هذا ابن نبيّكم ، ووصيّ إمامكم فبايعوه

ثمّ قال الراوي : فرتب العمّال ، وأمّر الأمراء ، وأنفذ عبد الله بن عباس إلى البصرة ، ونظر في الأُمور »(٢)

وهذا دليل على قوله بإمامة الحسنعليه‌السلام ، وعلى هذا يترتّب قوله بإمامة الحسينعليه‌السلام ، وإمامة علي بن الحسينعليهما‌السلام لعدم وجود الدليل النافي على قوله ______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٣٠

(٢) كشف الغمّة ٢ / ١٦١

١١٦

بإمامتهما ، أي لم يصدر منهماعليهما‌السلام ذمّاً في حقّه ، إضافة إلى حسن سيرته ، واستقامته في عهديهما ، ولم يظهر منه ما يخالفهما ، ولو كانت هناك أدنى مخالفة للإمامينعليهما‌السلام لأظهره الرواة ، خصوصاً وقد كان معرضاً للطعن والذمّ من قبل أعداء أهل البيتعليهم‌السلام

« ـ السعودية ـ »

تقييم رواياته :

س : ما هي قيمة أحاديث ابن عباس عند علمائنا ؟ هل هي مقبولة عندهم أو مردودة ؟

ج : لا إشكال في جلالة قدر ابن عباس عند الجميع ، كما يظهر ذلك من كلام العلماء والرجاليين

نعم ، قد يكون هناك بعض الموارد الموجبة للتوقّف ، ولكن أُجيب عنها بما لا مزيد عليه(١)

ومجمل الكلام حول هذا الشخص هو : أنّه كان موالياً وعارفاً للحقّ ، ولكن لأُمور لم تتّضح لحدّ الآن كان لا يقتحم الصراعات الموجودة آنذاك ، فكان شاهداً للحقّ ـ إن صحّ التعبير ـ ومدافعاً عنه في حدّ وسعه ، فيجب أن ننظر إلى حياته من هذه الزاوية حتّى نعرف التفسير الصحيح لمجموعة تصرّفاته ، ومواقفه في كافّة الجوانب

ثمّ وإن كان ابن عباس ثقة ومعتمداً ، ولكن بالنسبة لأحاديثه ينبغي ملاحظة عدّة أُمور :

١ ـ لا يخفى أنّ مجموعة كبيرة من الأحاديث المنسوبة إليه في كتب الفريقين سندها منقطع ، أي أنّها إمّا مرسلة أو مقطوعة ، فلا حجّية لمفادها ، إلّا ما كانت منها تؤيّد بأخبار معتبرة أُخرى

______________________

(١) أُنظر : قاموس الرجال ٦ / ٤١٨

١١٧

٢ ـ توجد هناك طائفة من الأخبار تنقل عن لسان ابن عباس بدون إسنادها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو إلى أحد من الأئمّةعليهم‌السلام ، أي أنّها آراؤه في تلك الموارد

وهذا القسم أيضاً لا يعتبر حجّة من الناحية الشرعية ، إلّا إذا كان موافقاً لما صدر عن المعصومعليه‌السلام

٣ ـ إنّ شخصية ابن عباس كانت معرّضةً للهجوم والتشويه من قبل أعداء الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، خصوصاً بني أُمية ، فدسّت الأيادي الأثيمة روايات وأحاديث في سبيل النيل من سمعته ، وهذه الفئة من الروايات جلّها ـ بل كلّها ـ جاءت عن طريق العامّة ، وعليه فينبغي التأمّل والتريّث في أحاديثه التي نقلت بإسنادهم ، وإن كانت معنعنة وغير مرسلة ومتّصلة ، خصوصاً في المواضع الخلافية بين الشيعة والسنّة

١١٨

أبو بكر :

« سلمان المحمّدي ـ البحرين ـ »

الفضل بالتقوى لا والد زوجة النبيّ :

س : كيف حصل أبو بكر على تلك المنزلة ، ليكون والد زوجة الرسول ؟

ج : قال تعالى :( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (١)

فإذا كان من الممكن أن تكون زوجتا نوح ولوط من الكفّار ، ونوح ولوط من الأنبياء ، فلا يمكن أن نحكم بفضل على امرأة لمجرد كونها زوجة نبيّ ، والفضل يكون بالتقوى والقرب من الله والإخلاص له ، وكذلك قوله تعالى :( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) (٢)

هذا كلّه في أزواج الأنبياء ، فكيف بآباء أزواج الأنبياء ؟!

« سعيد خليل ـ لبنان ـ »

بعض مثالبه :

س : نشكر لكم جهودكم في طريق الإصلاح ، وإظهار الدين الحقّ

السؤال : نريد أن نعرف نبذة عن أبي بكر ، ودوره كيف كان ؟ شاكرين
______________________

(١) التحريم : ١٠

(٢) الأعراف : ٨٣

١١٩

لكم جهودكم ، وأجركم عند الله إن شاء الله

ج : سألت عن أبي بكر ، فنجيبك باختصار :

١ ـ إنّ أبا بكر قد أغضب فاطمةعليها‌السلام فهجرته حتّى توفّيت ، رواه البخاري في صحيحه(١) ، ومسلم في صحيحه(٢) ، وأحمد في مسنده(٣) ، وروى ابن قتيبة قول فاطمةعليها‌السلام لأبي بكر :« والله لأدعون الله عليك في كلّ صلاة أُصلّيها » (٤)

٢ ـ إنّ أبا بكر لا يعرف معنى قوله تعالى :( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) (٥)

٣ ـ إنّ أبا بكر لسانه قد أورده الموارد(٦)

٤ ـ إنّ أبا بكر وعمر انهزما يوم خيبر وأُحد(٧)

٥ ـ إنّ أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى نزل النهي(٨)

______________________

(١) صحيح البخاري ٨ / ٣

(٢) صحيح مسلم ٥ / ١٥٤

(٣) مسند أحمد ١ / ٦

(٤) الإمامة والسياسة ١ / ٣١

(٥) عبس : ٣١ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٦ ، فتح الباري ١٣ / ٢٢٩

(٦) الطبقات الكبرى ٥ / ١١ ، الموطّأ ٢ / ٩٨٨ ، مجمع الزوائد ١٠ / ٣٠٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ / ٢٣٧ و ٨ / ٥٧٢ ، كتاب الصمت وآداب اللسان : ٥٠ و ٥٥ مسند أبي يعلى الموصلي ١ / ١٧ شرح نهج البلاغة ٧ / ٩٠ و ١٠ / ١٣٧ ، كنز العمّال ٣ / ٨٣٤ ، فيض القدير ٥ / ٤٦٧ ، تفسير الثعالبي ٢ / ١٧٦ ، العلل ٢ / ١٣٢ و ٣ / ٢٦٩ ، التاريخ الكبير ٨ / ٩٠ ، الثقات ٢ / ١٧٢ ، علل الدارقطني ١ / ١٠٩ و ١٥٩ تاريخ مدينة دمشق ٨ / ٣٤٥ ، وغيرها من مصادر أهل السنّة

(٧) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٤ ، شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٦٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٧ ، خصائص أمير المؤمنين : ٥٣

(٨) مسند أحمد ٤ / ٦ ، صحيح البخاري ٦ / ٤٦ و ٨ / ١٤٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٦٣ ، جامع البيان ٢٦ / ١٥٥ ، أسباب نزول الآيات : ٢٥٧ ، زاد المسير ٧ / ١٧٧ ، الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٣٠٣ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٢٢٠ ، الدرّ المنثور ٦ / ٨٤ ، تفسير الثعالبي ٥ / ٢٦٧ ، الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٦ / ٨٠٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٩ / ١٩١ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٠٧ ، تاريخ المدينة المنوّرة ٢ / ٥٢٣ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٧٨ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٤٣٧

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

وقد عرض الرّئيس على بنيه

فقال القوم: هذا لا يكون

ستحيا أو تموت، فطاولوه(١)

وقتل المرء والده جنون

فلم أقتل بحمد الله حصنا

وكلّ فتى ستدركه المنون

ولم أنكل عليه، وكلّ أمر

إذا هوّنته يوما يهون

فإن يك بدء هذا الأمر غثّا

فآخره بني بدر سمين

وحكى عمرو بن بحر الجاحظ أن اسم عيينة بن حصن حذيفة، وإنما أصابته اللّقوة(٢) فجحظت عينه؛ وزال فكّه، فسمي لذلك عيينة؛ وإذا عظمت عين الإنسان لقّبوه أبا عيينة، وأبا عيناء.

وروى قيس بن أبي حازم أن عيينة بن حصن دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: (هذا أحمق مطاع).

وروي أيضا أنه كان يدلع(٣) لسانه للحسين بن عليّعليهما‌السلام وهو صبي، فيرى [الصبي](٤) لسانه، فيهشّ له، فقال له عيينة: ألا أراك(٥) تصنع هذا بهذا، فو الله إنه ليكون لي الابن رجلا قد خرج وجهه، ما قبّلته قطّ، فقال رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ((٦) إنه من لم يرحم لا يرحم(٦) ).

***

[عود إلى المختار من شعر مروان بن أبي حفصة:]

ونعود إلى ما كنا وعدنا به من الكلام على شعر مروان؛ فمما يختار من شعره قوله من قصيدة أوّلها:

صحا بعد جهل فاستراحت عواذله

وأقصرن عنه حين أقصر باطله

ومن مدّ في أيامه فتأخّرت

منيّته، فالشّيب لا شكّ شامله

____________________

(١) حاشية الأصل (من نسخة):

* سيحيا أو يموت فطاولوه*

(٢) اللقوة: داء في الوجه يعوج منه الشدق.

(٣) يقال دلع لسانه وأدلعه إذا أخرجه.

(٤) تكملة من ش.

(٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (لا أراك).

(٦ - ٦) حاشية الأصل (من نسخة): (من لم يرحم لا يرحم).

٥٦١

يقول في المديح فيها:

هو المرء؛ أما دينه فهو مانع

صئون(١) ، وأما ماله فهو باذله

أمرّ وأحلى ما بلى النّاس طعمه

عقاب أمير المؤمنين ونائله

أبي لما يأبى ذوو الحزم والتّقى

فعول إذا ما جدّ بالأمر فاعله

تروك الهوى، لا السّخط منه ولا الرّضا

لدى موطن إلاّ على الحقّ حامله(٢)

يرى أنّ مرّ الحقّ أحلى مغبّة

وأنجى ولو كانت زعافا مناهله

فإنّ طليق الله من هو مطلق

وإنّ قتيل الله من هو قاتله

وإنّك بعد الله للحكم الّذي

تصاب به من كلّ حقّ مفاصله

أما قوله:

ومن مدّ في أيامه فتأخّرت

منيّته، فالشّيب لا شكّ شامله

فمأخوذ من قول طريح بن إسماعيل الثقفي:

والشّيب غاية من تأخّر حينه

لا يستطيع دفاعه من يجزع

والأصل في هذا قول أميّة بن أبي الصّلت:

من لم يمت عبطة يمت هرما

وللموت كأس، والمرء ذائقها(٣)

ويشبه ذلك قول الآخر:

قل لعرسي ليس شيبي بعجب

من يعش ياأمّ عمار يشب

ومثله قول أبي العتاهية:

من يعش يهرم، ومن يكبر يمت

والمنايا لا تبالي من أتت(٤)

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (مصون).

(٢) حاشية الأصل: (أي لا يحمد السخط ولا الرضا إلا على الحق).

(٣) عبطة؛ أي شابا صحيحا؛ كذا ذكره صاحب اللسان (في عبط)، واستشهد بالبيت. وفي نسخة ش: (فالمرء ذائقها).

(٤) ديوانه: ٣٩.

٥٦٢

يشبهه قول البحتري:

ولا بدّ من ترك إحدى اثنتين

فإمّا الشّباب وإما العمر(١)

ويقاربه أيضا قوله:

والشّيب مهرب من جارى منيّته

ولا نجاء له من ذلك الهرب(٢)

وقريب منه قول ابن المعتز:

وقالت كبرت وانتضيت من الصّبا

فقلت لها: ما عشت إلاّ لأكبرا(٣)

ولبعضهم:

ولا بدّ من موت؛ فإما شبيبة

وإمّا مشيب، والشبيبة أصلح

معنى قوله: (والشبيبة أصلح) أنّ الإنسان إذا مات شابا كان أكثر للحزن عليه والأسف على مفارقته، فإذا أسنّ برم به أهله، وهان عليهم فقده.

فأما قوله:

هو المرء، أما دينه فهو مانع

صئون، وأما ماله فهو باذله

فمعناه متكرر في الشعر كثير جدا.

وأحسن شعر جمع بين وصف الممدوح؛ بمنع ما يجب منعه، وبذل ما يجب بذله قول مسلم بن الوليد:

يذكّر نيك الجود والبخل والنّهى

وقول الخنا والحلم والعلم والجهل(٤)

فألقاك عن مذمومها متنزّها

وألقاك في محمودها ولك الفضل

وأحمد من أخلاقك البخل إنه

بعرضك - لا بالمال حاشا لك - البخل

____________________

(١) ديوانه: ١: ٢١٩

(٢) ديوانه ١: ٣٠

(٣) ديوانه: ١: ٣١، وانتضيت من الصبا، أي خلع عنك صباك.

٥٦٣

وقد أحسن البحتري في قوله:

بلونا ضرائب من قد نرى

فما إن وجدنا لفتح ضريبا(١)

تنقّل في سلفي(٢) سؤدد

سماحا مرجّى وبأسا مهيبا

فكالسّيف إن جئته صارخا

وكالبحر إن جئته مستثيبا

فأما قوله:

تروك الهوى، لا السخط منه ولا الرّضا

لدى موطن إلاّ على الحقّ حامله

فمعنى متداول(٣) مطروق في الشعر، وقد كرّره هو في قوله:

إذا هنّ ألقين الرّحال ببابه

حططن به ثقلا، وأدركن مغنما(٤)

إلى طاهر الأخلاق، ما نال في رضا

ولا غضب مالا حراما ولا دما(٥)

وأحسن من هذا قول أبي تمّام في محمد بن عبد الملك:

ثبت الخطاب إذا اصطكّت بمظلمة

في رحله ألسن الأقوام والرّكب(٦)

لا المنطق اللّغو يزكو في مقاومه

يوما، ولا حجّة الملهوف تستلب

كأنّما هو في نادي قبيلته

لا القلب يهفو ولا الأحشاء تضطرب

وتحت ذاك قضاء حزّ شفرته

كما يعضّ بظهر الغارب القتب(٧)

لا سورة تتّقى منه ولا بله

ولا يخاف(٨) رضا منه ولا غضب

____________________

(١) ديوانه ١: ٥١، من قصيدة يمدح فيها الفتح بن خاقان وزير المتوكل وبعاتبه، ومطلعها:

لوت بالسلام بنانا خضيبا

ولحظا يشوق الفؤاد الطروبا

ومن نسخة بحاشية الأصل: (فما إن رأينا لفتح ضريبا).

(٢) حاشية الأصل (من نسخة): (خلقي سؤدد)؛ وهي رواية الديوان.

(٣) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (فمبذول).

(٤) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (وأدين مغنما)،

(٥) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (طاهر الأثواب).

(٦) ديوانه: ٤٨ - ٤٩. وفي م: (ثبت الجنان).

(٧) الغارب: الكاهل. القتب: ما يوضع على ظهر الرحل.

(٨) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (ولا يخيف).

٥٦٤

ومثله قول البحتري في ابن الزّيات أيضا:

وجّه الحقّ بين أخذ وإعطا

وقصد في الجمع والتّبديد(١)

واستوى النّاس فالقريب قريب

عنده، والبعيد غير بعيد

لا يميل الهوى به حين يمضي ال

أمر بين المقلي والمودود

وسواء لديه أبناء إبرا

هيم في حكمه وأبناء هود(٢)

مستريح الأحشاء من كلّ ضغن

بارد الصّدر من غليل الحقود

فأما قوله:

* وإنّ قتيل الله من هو قاتله*

فيشبه أن يكون مأخوذا من قول يزيد بن مفرّغ في عبيد الله بن زياد:

إنّ الّذي عاش ختّارا بذمّته

ومات عبدا قتيل الله بالزّاب(٣)

أما قوله:

وإنك بعد الله للحكم الّذي

تصاب به من كل حقّ مفاصله

[أبيات أبي تمام في وصف القلم:]

فيشبه قول أبي تمام يصف القلم، من قصيدة يمدح بها ابن الزيات، وأجمع العلماء أنّ هذه الأبيات أحسن وأفخم من جميع ما قيل في القلم:

لك القلم الأعلى الّذي بشباته

تصاب من الأمر الكلى والمفاصل(٤)

له الخلوات اللاّئي لولا نجيّها

لما احتفلت للملك تلك المحافل

____________________

(١) ديوانه ١: ٢٠٥.

(٢) أبناء إبراهيم: العدنانيون، وأبناء هود: القحطانيون.

(٣) الزاب: موضع قريب من أذربيجان؛ وقتيل الزاب هو عبيد الله بن زياد ابن أبيه؛ قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد؛ ويقال: إن إبراهيم بن الأشتر حمل على كتيبته فانهزموا، ولقي عبيد الله فضربه فقتله؛ والبيت في الأغاني ١٧: ٦٨، وبعده:

العبد للعبد، لا أصل ولا طرف

ألوت به ذات أظفار وأنياب

(٤) ديوانه: ٢٥٧. الشباة هنا: حد القلم، والكلى: جمع كلية أو كلوة.

٥٦٥

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل(١)

له ريقة طلّ، ولكنّ وقعها

بآثاره في الشّرق والغرب وابل(٢)

فصيح إذا استنطقته وهو راكب،

وأعجم إن خاطبته وهو راجل

إذا ما امتطى الخمس اللّطاف وأفرغت

عليه شعاب الفكر وهي حوافل(٣)

أطاعته أطراف القنا، وتقوّضت

لنجواه تقويض الخيام الجحافل

إذا استغزر الذّهن الذّكي وأقبلت

أعاليه في القرطاس وهي أسافل

وقد رفدته الخنصران وسدّدت(٤)

ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل

رأيت جليلا شأنه وهو مرهف

ضنى، وسمينا خطبه وهو ناحل

____________________

(١) الأري: العسل. اشتارته: استخرجته. عواسل: جمع عاسلة؛ والعاسل: مستخرج العسل.

(٢) الطل في الأصل: المطر القليل. والوابل: المطر الكثير.

(٣) في حاشيتي الأصل، ف: (جعل القلم ممتطيا الأنامل؛ لأنهن يحملنه وإن علونه؛ ولو جعل القلم مطية للأنامل لأنها تعلوه لجاز وحسن. وقوله: (أفرغت عليه شعاب الفكر) دلالة قوية على أن للفكر مطية؛ وبعد فهو منقول من قول أحمد بن يوسف وعمرو بن مسعدة: (الأقلام مطايا الفطن).

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (شددت).

٥٦٦

[٤١]

مجلس آخر [المجلس الحادي والأربعون:]

تأويل آية:( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ )

إن سأل سائل عن قوله تعالى:( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ. وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ ) ؛ [التكوير: ٢٦ - ٢٩].

فقال: ما تأويل هذه الآية؟ أوليس ظاهرها يقتضي أنّا لا نشاء شيئا إلا والله تعالى شاء له، ولم يخصّ إيمانا من كفر، ولا طاعة من معصية؟

الجواب، قلنا: الوجه المذكور في هذه الآية، أنّ الكلام متعلّق بما تقدّمه من ذكر الاستقامة؛ لأنه تعالى قال:( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) ؟ ثم قال:( وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ ) ؛ أي لا تشاءون الاستقامة إلاّ والله تعالى مريد لها؛ ونحن لا ننكر أن يريد الله تعالى الطاعات؛ وإنما أنكرنا إرادته المعاصي؛ وليس لهم أن يقولوا:

تقدّم ذكر الاستقامة لا يوجب قصر الكلام عليها؛ ولا يمنع من عمومه؛ كما أن السبب لا يوجب قصر ما يخرج من الكلام عليه حتى لا يتعدّاه؛ وذلك أن الّذي ذكروه إنما يجب فيم يستقل بنفسه من الكلام دون ما لا يستقل.

وقوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله لا ذكر للمراد فيه؛ فهو غير مستقل بنفسه؛ وإذا علّق بما تقدم من ذكر الاستقامة استقلّ؛ على أنه لو كان للآية ظاهر يقتضي ما ظنوه - وليس لها ذلك - لوجب الانصراف عنه بالأدلة الثابتة؛ على أن الله تعالى لا يريد المعاصي ولا القبائح؛ على أن مخالفينا في هذه المسألة لا يمكنهم حمل الآية على العموم؛ لأن العباد قد يشاءون عندهم ما لا يشاؤه الله تعالى؛ بأن يريدوا الشيء ويعزموا عليه، فلا يقع لمنع أو غيره؛ وكذلك قد يريد النبيعليه‌السلام من الكفار الإيمان، وتعبّدنا بأن نريد من المقدم على القبيح تركه؛ وإن كان تعالى عندهم لا يريد ذلك إذا كان المعلوم أنه لا يقع؛ فلا بد لهم

٥٦٧

من تخصيص الآية؛ فإذا جاز لهم ذلك بالشّبهة جاز لنا مثله بالحجة؛ وتجري هذه الآية مجرى قوله تعالى:( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) ؛ [المزمل: ١٩]،( وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله ) ، [الإنسان: ٣٠]، وقوله تعالى:( وَما يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله ) ، [المدثر: ٥٦]، في تعلّق الكلام بما قبله.

فإن قالوا: فالآية تدل على مذهبنا وبطلان مذهبكم(١) من وجه آخر؛ وهو أنه عز وجل قال:( وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله ) ؛ وذلك يقتضي أنه يشاء الاستقامة في حال مشيئتنا لها؛ لأن (أن) الخفيفة إذا دخلت على الفعل المضارع اقتضت الاستقبال؛ وهذا يوجب أنه يشاء أفعال العباد في كل حال، ويبطل ما تذهبون إليه من أنه إنما يريد الطاعات في حال الأمر.

قلنا: ليس في ظاهر الآية ألاّ نشاء إلاّ ما شاءه الله تعالى في حال مشيئتنا كما ظننتم؛ وإنما يقتضي حصول مشيئته لما نشاؤه من الاستقامة من غير ذكر لتقدم ولا تأخر؛ ويجري ذلك مجرى قول القائل: ما يدخل زيد هذه الدار إلا أن يدخلها عمرو؛ ونحن نعلم أنه غير واجب بهذا الكلام أن يكون دخولهما في حال واحدة؛ بل لا يمتنع أن يتقدّم دخول عمرو، ويتلوه دخول زيد، و (أن) الخفيفة وإن كانت للاستقبال على ما ذكروه، فلم يبطل على تأويلنا معنى الاستقبال فيها؛ لأن تقدير الكلام: وما تشاءون الطاعات إلا بعد أن يشاء الله تعالى، ومشيئته تعالى قد كانت لها حال الاستقبال(٢) .

وقد ذهب أبو عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلى أنه لا يمتنع أن يريد تعالى الطاعات حالا بعد حال؛ وإن كان قد أرادها في حال الأمر؛ كما يصحّ أن يأمر بها أمرا بعد أمر؛ قال: لأنه قد يصحّ أن يتعلّق بإرادته ذلك منا بعد الأمر وفي حال الفعل مصلحة؛ ويعلم تعالى أنّا نكون متى علمنا ذلك كنا إلى فعل الطاعات أقرب، وعلى هذا المذهب لا يعترض بما ذكروه.

____________________

(١) حاشية ف (من نسخة): (مذاهبكم).

(٢) حاشية ف (من نسخة): (حال استقبال).

٥٦٨

والجواب الأول واضح إذا لم نذهب إلى مذهب أبي عليّ في هذا الباب؛ على أنّ اقتضاء الآية للاستقبال من أوضح دليل على فساد قولهم؛ لأن الكلام إذا اقتضى حدوث المشيئة واستقبالها بطل قول من قال منهم: إنه مريد لنفسه، أو مريد بإرادة قديمة، وصحّ ما تقوله من إنّ إرادته متجدّدة محدثة.

ويمكن في تأويل الآية وجه آخر مع حملنا إياها على العموم؛ من غير أن نخصها بما تقدّم ذكره من الاستقامة؛ ويكون المعنى: وما تشاءون شيئا من فعالكم إلا أن يشاء الله تمكينكم من مشيئته، وإقداركم عليها والتخلية بينكم وبينها؛ وتكون الفائدة في ذلك الإخبار عن الافتقار إلى الله تعالى؛ وأنه لا قدرة للعبد على ما لم يقدّره الله تعالى عزّ وجل، وليس يجب عليه أن يستبعد هذا الوجه؛ لأن ما تتعلّق به المشيئة في الآية محذوف غير مذكور؛ وليس لهم أن يعلقوا قوله تعالى:( إِلاّ أَنْ يَشاءَ الله ) بالأفعال دون تعلقه بالقدرة؛ لأن كل واحد من الأمرين غير مذكور، وكل هذا واضح بحمد الله.

***

[عود إلى المختار من شعر مروان بن أبي حفصة:]

ونعود إلى ما كنا وعدنا به من الكلام على شعر مروان؛ فمما يختار قوله من قصيدة أوّلها:

طرقتك زائرة، فحي خيالها

بيضاء تخلط بالحياء دلالها

يقول فيها:

مالت(١) بقلبك فاستقاد ومثلها

قاد القلوب إلى الصّبا فأمالها

وكأنّما طرقت بنفحة روضة

سحّت بها ديم الرّبيع ظلالها

باتت تسائل في المنام معرّسا(٢)

بالبيد أشعث لا يملّ سؤالها

في فتية هجعوا غرارا بعد ما

سئموا مراعشة السّرى ومطالها

____________________

(١) من نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (ملكت).

(٢) التعريس: النزول في آخر الليل

٥٦٩

فكأنّ حشو ثيابهم هنديّة

نحلت وأغفلت العيون صقالها

المراعشة(١) : تحريك الرأس في السّير من النوم.

أما ذكره في أول القصيدة طروق الطيف؛ فإنه لم يأت فيه بمعنى غريب؛ ولا لفظ مستعذب؛ وقد قال الناس في الطّيف والخيال فأكثروا، وقد سبق في ذلك قيس بن الخطيم إلى معنى؛ كلّ الناس فيه عيال عليه، وهو قوله:

أنّى سربت وكنت غير سروب!

وتقرّب الأحلام غير قريب(٢)

ما تمنعي يقظى فقد تؤتينه

في النّوم غير مصرّد محسوب

كان المنى بلقائها فلقيتها

فلهوت من لهو امرئ مكذوب

وقد أحسن جرير في قوله:

أننسى إذ تودّعنا سليمى

بفرع بشامة، سقى البشام(٣)

بنفسي من تجنّيه(٤) عزيز

عليّ، ومن زيارته لمام

ومن أمسى وأصبح لا أراه

ويطرقني إذا هجع النّيام

وهذه الأبيات وإن خلت من معنى في ذكر الطيف غريب، فلم تخل من لفظ مستعذب.

ولأبي عبادة البحتري في وصف الخيال الفضل على كل متقدّم ومتأخّر؛ فإنه تغلغل في

____________________

(١) حاشية الأصل: (في نسخة الشجري: قال السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه : المراعشة في الأصل:

تحريك الرأس في السير من النوم) وفيها أيضا: (الرعش: المشي الضعيف، من الإعياء وغيره).

(٢) ديوانه: ٥، وحماسة ابن الشجري ١٨٩، واللآلئ: ٥٢٤. وانظر ص ٣٩٣ من هذا الجزء.

(٣) ديوانه: ٥١٢، مع اختلاف في ترتيب الأبيات. والبشامة: واحدة البشام؛ وهو شجر ذو أفنان وورق صغير؛ إذا قصفت غصونه سال منها سائل أبيض كاللبن؛ يتخذ منه سواك؛ يريد أنها أشارت بسواكها تودعه؛ ولم تتكلم مخافة الرقباء.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (تجنبه) وهي رواية الديوان. ولمام: قليل.

٥٧٠

أوصافه، واهتدى من معانيه إلى ما لا يوجد لغيره، وكان مشغولا بتكرار القول فيه لهجا بإبدائه وإعادته؛ وإن كان لأبي تمام في ذلك مواضع لا يجهل فضلها، ومحاسن لا يبلغ شأوها؛ فمما لأبي تمام قوله:

زار الخيال لها، لا بل أزاركه

فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم(١)

ظبي تقنّصته لما نصبت له

من آخر اللّيل أشراكا من الحلم

ثمّ اغتدى، وبنا من ذكره سقم

باق، وإن كان مشغولا(٢) من السّقم

وقوله:

عادك الزّور ليلة الرّمل من رم

لة بين الحمى وبين المطالي(٣)

ثم ما زارك الخيال ولك

نّك بالفكر زرت طيف الخيال

وقوله:

اللّيالي أحفى بقلبي إذا ما

جرحته النّوى من الأيام

يالها لذّة تنزّهت الأر

واح فيها سرّا من الأجسام

مجلس لم يكن لنا فيه عيب

غير أنّا في دعوة الأحلام

فأما البحتري فقوله في هذا المعنى أكثر من أن يذكر جميعه هاهنا؛ غير أنا نشير إلى نادره، فمن ذلك قوله:

فلا وصل إلاّ أن يطيف خيالها

بنا تحت جؤشوش من اللّيل أسفع(٤)

ألمت بنا بعد الهدوّ فسامحت

بوصل متى تطلبه في الجدّ تمنع

وما برحت حتّى مضى الليل وانقضى

وأعجلها داعي الصّباح الملمّع

فولّت كأنّ البين يخلج شخصها

أوان تولّت من حشاي وأضلعي(٥)

____________________

(١) ديوانه: ٢٦٨.

(٢) د؛ ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (معسولا؛ أي وإن كان ذلك السقم حلوا كالعسل).

(٣) المطالي: موضع.

(٤) ديوانه: ٢: ٧٨. وفي حاشية الأصل: (الجؤشوش: الصدر؛ وكذلك الجوش والجوشن.

أسفع: أسود).

(٥) حاشية الأصل: (الخلج: الجذب؛ يقول: كأن البين يخلجها من حشاي وأضلعي).

٥٧١

وربّ لقاء لم يؤمّل وفرقة

لأسماء لم تحذر ولم تتوقّع

أراني لا أنفك في كلّ ليلة

تعاود فيها المالكيّة مضجعي

أسرّ بقرب من ملمّ مسلّم

وأشجى ببين من حبيب مودّع

فكائن لنا بعد النّوى من تفرّق

ترجّيه أحلام الكرى، وتجمّع

وكقوله:

وإنّي وإن ضنّت عليّ بودّها

لأرتاح منها للخيال المؤرّق(١)

يعزّ على الواشين لو يعلمونها

ليال لنا نزدار فيها ونلتقي

فكم غلّة للشّوق أطفأت حرّها

بطيف متى يطرق دجى الليل يطرق

أضمّ عليه جفن عيني تعلّقا

به عند إجلاء النّعاس المرنّق

وقوله:

بلى وخيال من أثيلة كلّما

تأوّهت من وجد تعرّض يطمع(٢)

إذا زورة منه تقضّت مع الكرى

تنبّهت من وجد له أتفزّع

ترى مقلتي ما لا ترى في لقائه

وتسمع أذني رجع ما ليس تسمع

ويكفيك من حقّ تخيّل باطل

تردّ به نفس اللهيف فترجع

وقوله:

إذا ما الكرى أهدى إلي خياله

شفى قربه التبريح أو نقع الصّدى(٣)

إذا انتزعته من يدي انتباهة

عددت حبيبا راح منّي أو غدا

ولم أر مثلينا ولا مثل شأننا

نعذّب أيقاظا وننعم هجّدا

وقوله:

فما نلتقي إلاّ على حلم هاجد

يحلّ لنا جدواك وهي حرام(٤)

____________________

(١) ديوانه: ٢: ١٢٢.

(٢) ديوانه ٢: ٨٧؛ وفيه: (وخيال من قتيلة).

(٣) ديوانه ١: ١٧٤.

(٤) ديوانه ٢: ٢٤٩.

٥٧٢

إذا ما تباذلنا النّفائس خلتنا

من الجدّ أيقاظا ونحن نيام(١)

وقوله:

وليلة هوّمنا على العيس أرسلت

بطيف خيال يشبه الحقّ باطله(٢)

فلولا بياض الصّبح طال تشبّثي

بعطفي غزال بتّ وهنا أغازله

وقوله:

أمنك تأوّب الطّيف الطّروب

حبيب جاء يهدى من حبيب(٣)

تخطّى رقبة الواشين كرها(٤)

وبعد مسافة الخرق المجوب

يكاذبني وأصدقه ودادا

ومن كلف مصادقة الكذوب

وقوله:

ما تقضّى لبانة عند لبنى

والمعنّى بالغانيات معنى(٥)

هجرتنا يقظى وكادت على مذ

هبها(٦) في الصّدود تهجر وسنى

بعد لأي وقد تعرّض منها

طائف عرّجت على الرّكب وهنا

قال المرتضىرضي‌الله‌عنه : ووجدت أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدي مع ميله إلى البحتري وانحطاطه في شعبه، واجتهاده في تأويل ما أخذ عليه من خطأ وزلل يزعم أن البحتري أخطأ في قوله:

هجرتنا يقظى وكادت على مذ

هبها في الصّدود تهجر وسنى

قال: خ خ لأن(٧) خيالها يتمثل له في كل أحوالها؛ يقظى كانت أو وسنى. قال: خ خ ولكنّ الجيد في هذا المعنى قوله:

____________________

(١) حاشية الأصل: (في نسخة س: قرأت في ديوانه على شيخي: (خلتنا)، بضم التاء.

(٢) ديوانه ٢: ١٦٢.

(٣) ديوانه ١: ٨٤.

(٤) حاشية الأصل (من نسخة): (وهنا)؛ وهي رواية الديوان.

(٥) ديوانه ٢: ٢٩٠.

(٦) في الديوان: (عادتها):

(٧) الموازنة بين أبي تمام والبحتري: ١٨٨.

٥٧٣

أردّ دونك يقظانا ويأذن لي

عليك سكر الكرى إن جئت وسنانا

قال: خ خ والّذي أوقع البحتري في هذا الغلط قول قيس بن الخطيم:

ما تمنعي يقظى فقد تؤتينه

في النّوم غير مصرّد محسوب

وكان الأجود أن يقول: ما تمنعي في اليقظة فقد تؤتينه في النوم، أي ما تمنعينه في يقظتي فقد تؤتينه في حال نومي؛ حتى يكون النوم واليقظة منسوبين إليه؛ لأن خيال المحبوب يتمثّل في حال نومه ويقظته جميعا، قال: إلاّ أنه يتّسع من التأويل في هذا لقيس ما لا يتّسع للبحتري لأن قيسا قال: (فقد تؤتينه في النوم) ولم يقل نائمة؛ وقد يجوز أن يحمل على أنه أراد:

ما تمنعي يقظى وأنا يقظان؛ فقد تؤتينه في النوم، أي في نومي؛ ولا يسوغ مثل هذا في بيت البحتري لأنه قال: (وسنى) ولم يقل في الوسن.

قال سيّدنا أدام الله علوّه: وقد يمكن من التأويل للبحتري ما أمكن مثله لقيس؛ لكنّ الآمدي قد ذهب عن ذلك؛ لأن البحتري لما قال: (وسنى) دلّ على حال الوسن؛ والحال المعهودة للوسن حال يشترك الناس فيها في النوم بالعادة، كما أنّ الحال المعهودة لليقظة حال مشتركة بالعادة؛ فقوله: (وسنى) ينبئ عن كونه هو أيضا نائما؛ وإنما أراد المقابلة في زنة اللفظ بين يقظى ووسنى.

وقوله: (يقظى) متى لم يحمل أيضا على هذا المعنى لم يصحّ؛ لأنه لا بدّ أن يريد بذلك:

هجرتنا في أحوال اليقظة؛ ويكون معنى (يقظى) يتعدّى إليه؛ ألا ترى أن الآمدي حمل قول قيس: (يقظى) على معنى: (وأنا يقظان) وإن لم يبيّن الوجه!؛ فكيف ذهب عليه مثل ذلك في قول البحتري!

وقوله: (وسنى) و (يقظى) مثل قول قيس: (يقظى)، ولو مكّن قيسا وزن الشعر من أن يقول؛ (وسنى) في مقابلة: (يقظى) لقاله وما عدل عنه إلى النوم؛ لأنه لم يكن عليه في (وسنى) إلا ما عليه في (يقظى)، وما يتأوّل له في أحد الأمرين يتأوّل له في الآخر.

٥٧٤

قال سيدنا أدام الله تمكينه: ولي في الخيال وطروقه معنى ما علمت أنه سبق إليه، من جملة قصيدة:

وزور تخطّى جنوب الملا

فناديت أهلا بذا الزّائر

أتاني هدوّا وعين الرّقي

ب مطروفة بالكرى الغامر

فأعجب به يسعف الهاجعين

وتحرمه مقلة السّاهر

وعهدي بتمويه عين المحبّ

ينمّ على قلبه الطّائر

فلمّا التقينا برغم الرّقا

د موّه قلبي على ناظري

ومعنى البيت الآخر أن الأحلام إنما هي اعتقادات تحصل في القلب لا حقيقة لأكثرها؛ لأن الإنسان يعتقد أنه راء لما لا يراه على الحقيقة، ومدرك لما ليس بمدركه على الحقيقة؛ فالقلب يخيّل في النوم للعين ما لا حقيقة له؛ كما أنّ العين تخيّل في كثير من الأحوال للقلب ما لا حقيقة له.

فأما قول مروان:

* فكأنّما طرقت بنفحة روضة* البيت

فيشبه أن يكون مأخوذا من قول نهشل بن حرّي(١) :

طرقت أسيماء الرّحال ودونها

ثنيان من ليل التّمام الأسود(٢)

ومفاوز وصل الفلاة جنوبها

بجنوب أخرى، غير أن لم تعقد

____________________

(١) حاشية الأصل: (منسوب إلى الحرة؛ موضع فيه حجارة سود).

(٢) في حاشيتي الأصل، ف: (الثني: واحد أثناء الشيء أي تضاعيفه، وثني الوادي والجبل:

منعطفه). ومن نسخة بحاشيتي الأصل، ف: (بينان)؛ وهو مثنى بين؛ والبين: القطعة من الأرض على مد البصر. ومن نسخة أيضا:

* نقيان من رمل الثّمام الأسود*

وفي حاشيتي الأصل، ف: (يقال: ولد المولود لتمام، وقمر تمام [بفتح التاء وكسرها]، وليل التمام، بالكسر لا غير؛ وهي أطول ليلة في السنة).

٥٧٥

رمل إذا أيدي الرّكاب قطعنه

قرعت مناسمها بقفّ قردد(١)

وكأنّ ريح لطيمة هنديّة

وذكي جادي بنصع مجسد(٢)

وندى خزامى الجوّ، جوّ سويقة

طرق الخيال به بعيد المرقد(٣)

أو من قول الآخر:

طرقتك زينب والمزار بعيد

بمنى ونحن معرّسون هجود(٤)

فكأنّما طرقت بريّا روضة

أنف يسحسح مزنها ويجود(٥)

وهذا المعنى كثير في الشعر المتقدم والمتأخر جدّا.

فأما قوله:

* باتت تسائل في المنام معرّسا*

البيت، والبيتان اللذان بعده؛ فقد قال الناس في وصف قلة النوم، ومواصلة السّرى، والإدلاج، وشعث السارين فأكثروا، فمن أحسن ما قيل في ذلك قول لبيد:

ومجود من صبابات الكرى

عاطف النّمرق صدق المبتذل(٦)

____________________

(١) الركاب: الإبل؛ والمناسم: جمع منسم كمجلس: خف البعير. والقف: ما ارتفع من الأرض وغلظ. والقردد: الغليظ المرتفع.

(٢) اللطيمة: العير التي تحمل الطيب والمسك. والجادي:

الزعفران. والنصع: الثوب الأبيض. والمجسد: المصبوغ بالزعفران.

(٣) الخزامي: نبت طيب الريح. وجوّ سويقة: موضع بالصمان.

(٤) يقال: عرس القوم بالمكان وأعرسوا؛ إذا نزلوا في آخر الليل للاستراحة.

(٥) روضة أنف: لم ترع. ويسحسح: يسيل. والجود: المطر الغزير.

(٦) ديوانه ٢: ١٣. المجود: الّذي يجهد من النعاس؛ كذا ذكره صاحب اللسان، واستشهد بالبيت.

وفي حاشية الأصل: (المجود الّذي سقي الجود؛ وهو المطر؛ والمعنى هنا على التشبيه؛ كأن النوم جاده؛ أي مطره. والصبابات: جمع صبابة؛ وهي البقية. والنمرقة، مثلثة: الطنفسة فوق الرحل. وصدق المبتذل: جلد قوي لا يتغير عند ابتذله نفسه ولا يسقط؛ والمبتذل: مصدر بمعنى الابتذال؛ وهو ضد الصيانة).

٥٧٦