موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-01-0
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 229484 / تحميل: 6856
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠١-٠
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

( سورة يس الآيات 48 - 65)

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( 48 ) مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ( 49 ) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ( 50 ) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ( 51 ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا   هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ( 52 ) إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ( 53 ) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 54 ) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( 55 ) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ( 56 ) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( 57 ) سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ( 58 ) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ( 59 ) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ  إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( 60 ) وَأَنِ اعْبُدُونِي  هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ( 61 ) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا  أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ( 62 ) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ( 63 ) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ( 64 ) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 65 )

١٠١

( بيان)

لمّا فرغ من تفصيل آيات التوحيد المشار إليه إجمالاً في أوّل الكلام شرع في تفصيل خبر المعاد و ذكر كيفيّة قيام الساعة و إحضارهم للحساب و الجزاء و ما يجزى به أصحاب الجنّة و ما يجازى به المجرمون كلّ ذلك تبييناً لما تقدّم من إجمال خبر المعاد.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) كلام منهم وارد مورد الاستهزاء مبنيّ على الإنكار، و لعلّه لذلك جي‏ء باسم الإشارة الموضوعة للقريبة و لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين كثيراً ما كانوا يسمعونهم حديث يوم القيامة و ينذرونهم به، و الوعد يستعمل في الخير و الشرّ إذا ذكر وحده و إذا قابل الوعيد تعيّن الوعد للخير و الوعيد للشرّ.

قوله تعالى: ( ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ ) النظر بمعنى الانتظار، و المراد بالصيحة نفخة الصور الاُولى بإعانة السياق، و توصيف الصيحة بالوحدة للإشارة إلى هوان أمرهم على الله جلّت عظمته فلا حاجة إلى مؤنة زائدة، و( يَخِصِّمُونَ ) أصله يختصمون من الاختصام بمعنى المجادلة و المخاصمة.

و الآية جواب لقولهم:( مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ ) مسوقة سوق الاستهزاء بهم و الاستهانة بأمرهم كما كان قولهم كذلك، و المعنى ما ينتظر هؤلاء القائلون: متى هذا الوعد في سؤالهم عن وقت الوعد المنبئ عن الانتظار إلّا صيحة واحدة - يسيرة علينا بلا مؤنة و لا تكلّف - تأخذهم فلا يسعهم أن يفرّوا و ينجوا منها و الحال أنّهم غافلون عنها يختصمون فيما بينهم.

قوله تعالى: ( فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى‏ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ) أي يتفرّع على هذه الصيحة بما أنّها تفاجئهم و لا تمهلهم أن يموتوا من فورهم فلا يستطيعوا توصية - على أنّ الموت يعمّهم جميعاً دفعة فلا يترك منهم أحداً يوصى إليه - و لا أن يرجعوا إلى أهلهم إذا كانوا في الخارج من بيوتهم مثلاً.

١٠٢

قوله تعالى: ( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) هذه هي نفخة الصور الثانية الّتي بها الإحياء و البعث، و الأجداث جمع جدث و هو القبر و النسل الإسراع في المشي و في التعبير عنه بقوله:( إِلى‏ رَبِّهِمْ ) تقريع لهم لأنّهم كانوا ينكرون ربوبيّته و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) البعث الإقامة، و المرقد محلّ الرقاد و المراد به القبر، و تعبيرهم عنه تعالى بالرحمن نوع استرحام و قد كانوا يقولون في الدنيا:( وَ مَا الرَّحْمنُ ) الفرقان: 60، و قوله:( وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) عطف على قوله:( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ ) و الجملة الفعليّة قد تعطف على الاسميّة.

و قولهم: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا مبنيّ على إنكارهم البعث و هم في الدنيا و رسوخ أثر الإنكار و الغفلة عن يوم الجزاء في نفوسهم و هم لا يزالون مستغرقين في الأهواء فإذا قاموا من قبورهم مسرعين إلى المحشر فاجأهم الورود في عالم لا يستقبلهم فيه إلّا توقع الشرّ فأخذهم الفزع الأكبر و الدهشة الّتي لا تقوم لها الجبال و لذا يتبادرون أوّلاً إلى دعوة الويل و الهلاك كما كان ذلك دأبهم في الدنيا عند الوقوع في المخاطر ثمّ سألوا عمّن بعثهم من مرقدهم لأنّ الّذي أحاط بهم من الدهشة أذهلهم من كلّ شي‏ء.

ثمّ ذكروا ما كانت الرسلعليهم‌السلام يذكّرونهم به من الوعد الحقّ بالبعث و الجزاء فشهدوا بحقّيّة الوعد و استعصموا بالرحمة فقالوا:( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ ) على ما هو دأبهم في الدنيا حيث يكيدون عدوّهم إذا ظهر عليهم بالتملّق و إظهار الذلّة و الاعتراف بالظلم و التقصير ثمّ صدّقوا الرسل بقولهم:( وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) .

و بما تقدّم ظهر أوّلاً وجه دعوتهم بالويل إذا بعثوا.

و ثانياً وجه سؤالهم عمّن بعثهم من مرقدهم الظاهر في أنّهم جاهلون به أوّلاً ثمّ إقرارهم بأنّه الّذي وعده الرحمن و تصديقهم المرسلين فيما بلّغوا عنه تعالى.

و يظهر أيضاً أنّ قوله:( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) إلخ و قوله:( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ ) إلخ. من قولهم.

١٠٣

و قيل: قوله:( وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) عطف على مدخول( ما ) و( ما ) موصولة أو مصدريّة و( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ ) إلخ جواب من الله أو من الملائكة أو من المؤمنين لقولهم:( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) ؟.

و غير خفي أنّه خلاف الظاهر و خاصّة على تقدير كون( ما ) مصدريّة و لو كان قوله:( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ ) إلخ. جواباً من الله أو الملائكة لقولهم:( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) لاُجيب بالفاعل دون الفعل لأنّهم سألوا عن فاعل البعث! و ما قيل: إنّ العدول إليه لتذكير كفرهم و تقريعهم عليه مع تضمّنه الإشارة إلى الفاعل هذا. لا يغني طائلاً.

و ظهر أيضاً أنّ قوله:( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ ) مبتدأ و خبر، و قيل( هذا ) صفة لمرقدنا بتأويل اسم الإشارة إلى المشتقّ و( ما ) مبتدأ خبره محذوف تقديره ما وعد الرحمن حقّ و هو بعيد عن الفهم.

قوله تعالى: ( إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ ) اسم كان محذوف و التقدير إن كانت الفعلة أو النفخة إلّا نفخة واحدة تفاجئهم أنّهم مجموع محضرون لدينا من غير تأخير و مهلة.

و التعبير بقوله:( لَدَيْنا ) لأنّ اليوم يوم الحضور لفصل القضاء عندالله سبحانه.

قوله تعالى: ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أي في هذا اليوم يقضي بينهم قضاء عدلاً و يحكم حكماً حقّاً فلا تظلم نفس شيئاً.

و قوله:( وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) عطف تفسير لقوله:( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) و هو في الحقيقة بيان برهانيّ لانتفاء الظلم يومئذ لدلالته على أنّ جزاء أعمال العاملين يومئذ نفس أعمالهم، و لا يتصوّر مع ذلك ظلم لأنّ الظلم وضع الشي‏ء في غير موضعه و تحميل العامل عمله وضع الشي‏ء في موضعه ضرورة.

و خطاب الآية من باب تمثيل يوم القيامة و إحضاره و إحضار من فيه بحسب العناية الكلاميّة، و ليس - كما توهّم - حكاية عمّا سيقال لهم أو يخاطبون به من جانب الله سبحانه أو الملائكة أو المؤمنين يوم القيامة فلا موجب له من جهة السياق.

١٠٤

و المخاطب بقوله:( وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السعداء و الأشقياء جميعاً.

و ما قيل عليه أنّ الحصر يأبى التعميم فإنّه تعالى يوفّي المؤمنين اُجورهم و يزيدهم من فضله أضعافاً مضاعفة مدفوع بأنّ الحصر في الآية نازل إلى جزاء العمل و أجره و ما يدلّ من الآيات على المزيد كقوله:( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ) ق: 35 أمر وراء الجزاء و الأجر خارج عن طور العمل.

و ربّما اُجيب عنه بأنّ معنى الآية أنّ الصالح لا ينقص ثوابه و الطالح لا يزاد عقابه فإنّ الحكمة تنافيه أمّا زيادة الثواب و نقض العقاب فلا مانع منه أو أنّ المراد بقوله:( لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أنّكم لا تجزون إلّا من جنس عملكم إن خيراً فخير و إن شرّاً فشرّ.

و فيه أنّ مدلول الآية لو كان ما ذكر اندفع الإشكال لكنّ الشأن في دلالتها على ذلك.

قوله تعالى: ( إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ ) الشغل الشأن الّذي يشغل الإنسان و يصرفه عمّا عداه، و الفاكه من الفكاهة و هي التحدّث بما يسرّ أو التمتّع و التلذّذ و لا فعل له من الثلاثيّ المجرّد على ما قيل.

و قيل:( فاكِهُونَ ) معناه ذوو فاكهة نحو لابن و تامر و يبعّده أنّ الفاكهة مذكورة في السياق و لا موجب لتكرارها.

و المعنى أنّ أصحاب الجنّة في هذا اليوم في شأن يشغلهم عن كلّ شي‏ء دونه و هو التنعّم في الجنّة متمتّعون فيها.

قوله تعالى: ( هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ ) الظلال جمع ظلّ و قيل جمع ظلّة بالضمّ و هي السترة من الشمس من سقف أو شجر أو غير ذلك، و الأريكة كلّ ما يتّكي عليه من وسادة أو غيرها.

و المعنى: هم أي أصحاب الجنّة و أزواجهم من حلائلهم المؤمنات في الدنيا أو من الحور العين في ظلال أو أستار من الشمس و غيرها متّكؤن على الأرائك اتّكاء الأعزّة.

١٠٥

قوله تعالى: ( لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ ) الفاكهة ما يتفكّه به من الثمرات كالتفّاح و الاُترجّ و نحوهما، و قوله:( يَدَّعُونَ ) من الادّعاء بمعنى التمنّي أي لهم في الجنّة فاكهة و لهم فيها ما يتمنّونه و يطلبونه.

قوله تعالى: ( سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) سلام مبتدأ محذوف الخبر و التنكير للتفخيم و التقدير سلام عليهم أو لهم سلام، و( قَوْلًا ) مفعول مطلق لفعل محذوف و التقدير أقوله قولاً من ربّ رحيم.

و الظاهر أنّ السلام منه تعالى و هو غير سلام الملائكة المذكور في قوله:( وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد: 24.

قوله تعالى: ( وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) أي و نقول اليوم للمجرمين امتازوا من أصحاب الجنّة و هو تمييزهم منهم يوم القيامة و إنجاز لما في قوله في موضع آخر:( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص: 28، و قوله:( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ) الجاثية: 21.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) العهد الوصيّة، و المراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس و يأمر به إذ لا طاعة إلّا لله أو من أمر بطاعته، و قد علّل النهي عن طاعته بكونه عدوّاً مبيناً لأنّ العدوّ لا يريد بعدوّه خيراً.

و قيل: المراد بعبادته عبادة الآلهة من دون الله و إنّما نسبت إلى الشيطان لكونها بتسويله و تزيينه، و هو تكلّف من غير موجب.

و إنّما وجه الخطاب إلى المجرمين بعنوان أنّهم بنو آدم لأنّ عداوة الشيطان إنّما نشبت أوّل ما نشبت بآدم حيث أمر أن يسجد له فأبى و استكبر فرجم ثمّ عاد ذرّيّته بعداوته و أوعدهم كما حكاه الله تعالى إذ قال:( أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) الإسراء: 62.

و أمّا عهده تعالى و وصيّته إلى بني آدم أن لا يطيعوه فهو الّذي وصّاهم به بلسان

١٠٦

رسله و أنبيائه و حذّرهم عن اتّباعه كقوله تعالى:( يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ) الأعراف: 27 و قوله:( وَ لا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) الزخرف: 62.

و قيل: المراد بالعهد عهده تعالى إليهم في عالم الذرّ حيث قال:( أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ ) . و قد عرفت ممّا قدّمناه في تفسير آية الذرّ أنّ العهد الّذي هناك هو بوجه عين العهد الّذي وجّه إليهم في الدنيا.

قوله تعالى: ( وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ ) عطف تفسير لما سبقه، و قد تقدّم كلام في معنى الصراط المستقيم في تفسير قوله:( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) من سورة الفاتحة.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) الجبلّ الجماعة و قيل: الجماعة الكثيرة و الكلام مبنيّ على التوبيخ و العتاب.

قوله تعالى: ( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) أي كان يستمرّ عليكم الإيعاد بها مرّة بعد مرّة بلسان الأنبياء و الرسلعليهم‌السلام و أوّل ما أوعد الله سبحانه بها حين قال لإبليس:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) الحجر: 43 و في لفظ الآية إشارة إلى إحضار جهنّم يومئذ.

قوله تعالى: ( اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) الصلا. اللزوم و الاتّباع، و قيل: مقاساة الحرارة و يظهر بقوله:( بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) أنّ الخطاب للكفّار و هم المراد بالمجرمين.

قوله تعالى: ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) أي يشهد كلّ منها بما كانوا يكسبونه بواسطته فالأيدي بالمعاصي الّتي كسبوها بها و الأرجل بالمعاصي الخاصّة بها على ما يعطيه السياق.

و من هنا يظهر أنّ كلّ عضو ينطق بما يخصّه من العمل و أنّ ذكر الأيدي و الأرجل من باب الاُنموذج و لذا ذكر في موضع آخر السمع و البصر و الفؤاد كما في سورة الإسراء الآية 36. و في موضع آخر الجلود كما في سورة حم السجدة الآية 20، و

١٠٧

سيأتي بعض ما يتعلّق به من الكلام في تفسير سورة حم السجدة إن شاء الله.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ) الآية قال: ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة و هم في أسواقهم يتخاصمون فيموتون كلّهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله و لا يوصي بوصيّة، و ذلك قوله عزّوجلّ:( فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى‏ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ) .

و في المجمع في الحديث تقوم الساعة و الرجلان قد نشراً ثوبهما يتبايعان فما يطويانه حتّى تقوم الساعة، و الرجل يرفع اُكلته إلى فيه حتّى تقوم الساعة، و الرجل يليط(1) حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم.

أقول: و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و كذا عن قتادة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلاً.

و في تفسير القمّيّ: و قوله عزّوجلّ:( وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) قال: من القبور: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) فإنّ القوم كانوا في القبور فلمّا قاموا حسبوا أنّهم كانوا نياماً و قالوا:( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) . قالت الملائكة:( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) .

و في الكافي، بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان أبو ذرّ رحمه الله يقول في خطبته: و ما بين الموت و البعث إلّا كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ ) قال: يفاكهون النساء و يلاعبونهنّ.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله عزّوجلّ:( فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ ) الأرائك السرر عليها الحجال.

____________________

(1) لاطه أي ملأه.

١٠٨

و فيه في قوله عزّوجلّ:( سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) قال: السلام منه هو الأمان. و قوله:( وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياماً على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق فينادون: يا ربّ حاسبنا و لو إلى النار قال: فيبعث الله رياحاً فتضرب بينهم و ينادي مناد:( وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) فيميّز بينهم فصار المجرمون في النّار، و من كان في قلبه الإيمان صار إلى الجنّة.

أقول: و قد ورد في بعض الروايات أنّ الله سبحانه يتجلّى لهم فيشتغلون به عن كلّ من سواه ما دام التجلّي و المراد به ارتفاع كلّ حجاب بينهم و بين ربّهم دون الرؤية البصريّة الّتي لا تتحقّق إلّا بمقارنة الجهات و الأبعاد فإنّها مستحيلة في حقّه تعالى.

و في اعتقادات الصدوق، قالعليه‌السلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبدالله، و إن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.

و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن سالم عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث قال: و ليست تشهد الجوارح على مؤمن إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عزّوجلّ:( فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) الإسراء: 71.

و في تفسير العيّاشيّ، عن مسعد بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن جدّه قال: قال أميرالمؤمنينعليهم‌السلام في خطبة يصف هول يوم القيامة: ختم الله على الأفواه فلا تكلّم و تكلّمت الأيدي و شهدت الأرجل و نطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثاً.

أقول: و في هذا المعنى روايات اُخر يأتي بعضها في ذيل تفسير قوله تعالى:( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ ) الآية حم السجدة: 20، و تقدّم بعضها في الكلام على قوله:( إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ) الإسراء: 36.

١٠٩

( سورة يس الآيات 66 - 83)

وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ ( 66 ) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ( 67 ) وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ  أَفَلَا يَعْقِلُونَ ( 68 ) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ  إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ( 69 ) لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ( 70 ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ( 71 ) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ( 72 ) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ  أَفَلَا يَشْكُرُونَ ( 73 ) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ( 74 ) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ( 75 ) فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ  إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ( 76 ) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( 77 ) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ  قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ( 78 ) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ  وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ( 79 ) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ( 80 ) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم  بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ( 81 ) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا

١١٠

أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( 82 ) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 83 )

( بيان)

بيان تلخيصيّ للمعاني السابقة في سياق آخر ففيه تهديد لهم بالعذاب، و الإشارة إلى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول و أنّ كتابه ذكر و قرآن و ليس بشاعر و لا كتابه بشعر، و الإشارة إلى خلق الأنعام آية للتوحيد، و الاحتجاج على المعاد.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى‏ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ) قال في مجمع البيان: الطمس محو الشي‏ء حتّى يذهب أثره فالطمس على العين كالطمس على الكتاب و مثله الطمس على المال و هو إذهابه حتّى لا يقع عليه إدراك، و أعمى مطموس و طميس و هو أن يذهب الشقّ الّذي بين الجفنين، انتهى.

فقوله:( وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى‏ أَعْيُنِهِمْ ) أي لو أردنا لأذهبنا أعينهم فصارت ممسوحة لا أثر منها فذهبت به أبصارهم و بطل أبصارهم.

و قوله:( فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ ) أي أرادوا السبق إلى الطريق الواضح الّذي لا يخطئ قاصده و لا يظلّ سالكه فلم يبصروه و لن يبصروه فالاستبعاد المفهوم من قوله:( فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ) كناية عن الامتناع.

و قول بعضهم: إنّ المراد باستباق الصراط مبادرتهم إلى سلوك طريق الحقّ و عدم اهتدائهم إليها، لا يخلو من بعد.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى‏ مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَ لا يَرْجِعُونَ ) قال في المجمع: و المسخ قلب الصورة إلى خلقة مشوّهة كما مسخ قوم قردة و خنازير و قال: و المكانة و المكان واحد. انتهى. و المراد بمسخهم على مكانتهم تشوية خلقهم و هم قعود في مكانهم الّذي هم فيه من غير أن يغيّرهم عن حالهم بعلاج و تكلّف بل بمجرّد المشيّة فهو كناية عن كونه هيّناً سهلاً عليه تعالى من غير أيّ صعوبة.

١١١

و قوله:( فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَ لا يَرْجِعُونَ ) أي مضيّاً في العذاب و لا يرجعون إلى حالهم قبل العذاب و المسخ فالمضيّ و الرجوع كنايتان عن الرجوع إلى حال السلامة و البقاء على حال العذاب و المسخ.

و قيل: المراد مضيّهم نحو مقاصدهم و رجوعهم إلى منازلهم و أهليهم و لا يخلو من بعد.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ ) التعمير التطويل في العمر، و التنكيس تقليب الشي‏ء بحيث يعود أعلاه أسفله و يتبدّل قوّته ضعفا و زيادته نقصاً و الإنسان في عهد الهرم منكّس الخلق يتبدّل قوّته ضعفاً و علمه جهلاً و ذكره نسياناً.

و الآية في مقام الاستشهاد بتنكيس الخلق على إمكان مضمون الآيتين السابقتين و المراد أنّ الّذي ينكّس خلق الإنسان إذا عمّره قادر على أن يطمس على أعينهم و على أن يمسخهم على مكانتهم.

و في قوله:( أَ فَلا يَعْقِلُونَ ) توبيخهم على عدم التعقّل و حثّهم على التدبّر في هذه الاُمور و الاعتبار بها.

قوله تعالى:( وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ ) عطف و رجوع إلى ما تقدّم في صدر السورة من تصديق رسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و كون كتابه تنزيلاً من عنده تعالى.

فقوله:( وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ ) نفى أن يكون علّمه الشعر و لازمه أن يكون بحيث لا يحسن قول الشعر لا أن يحسنه و يمتنع من قوله للنهي من الله متوجّه إليه، و لا أنّ النازل من القرآن ليس بشعر و إن أمكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقوله.

و به يظهر أنّ قوله:( وَ ما يَنْبَغِي لَهُ ) في مقام الامتنان عليه بأنّه نزّهه عن أن يقول شعراً فالجملة في مقام دفع الدخل و المحصّل أنّ عدم تعليمنا إيّاه الشعر ليس يوجب نقصاً فيه و لا أنّه تعجيز له بل لرفع درجته و تنزيه ساحته عمّا يتعاوره العارف بصناعة الشعر فيقع في معرض تزيين المعاني بالتخيّلات الشعريّة الكاذبة

١١٢

الّتي كلّما أمعن فيها كان الكلام أوقع في النفس، و تنظيم الكلام بأوزان موسيقيّة ليكون أوقع في السمع، فلا ينبغي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول الشعر و هو رسول من الله و آية رسالته و متن دعوته القرآن المعجز في بيانه الّذي هو ذكر و قرآن مبين.

و قوله:( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ ) تفسير و توضيح لقوله:( وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ ) بما أنّ لازم معناه أنّ القرآن ليس بشعر فالحصر المستفاد من قوله:( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ ) إلخ من قصر القلب و المعنى ليس هو بشعر ما هو إلّا ذكر و قرآن مبين.

و معنى كونه ذكراً و قرآناً أنّه ذكر مقروّ من الله ظاهر ذلك.

قوله تعالى: ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) تعليل متعلّق بقوله:( وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ ) و المعنى و لم نعلّمه الشعر لينذر بالقرآن المنزّه من أن يكون شعراً من كان حيّاً إلخ أو متعلّق بقوله:( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ ) إلخ و المعنى ليس ما يتلوه على الناس إلّا ذكراً و قرآناً مبيناً نزّلناه إليه لينذر من كان حيّاً إلخ و مآل الوجهين واحد.

و الآية - كما ترى - تعدّ غاية إرسال الرسول و إنزال القرآن إنذار من كان حيّاً - و هو كناية عن كونه يعقل الحقّ و يسمعه - و حقّيّة القول و وجوبه على الكافرين فمحاذاة الآية لما في صدر السورة من الآيات في هذا المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ ) ذكر آية من آيات التوحيد تدلّ على ربوبيّته تعالى و تدبيره للعالم الإنساني و هي نظيرة ما تقدّم في ضمن آيات التوحيد السابقة من إحياء الأرض الميتة بإخراج الحبّ و الثمرات و تفجير العيون.

و المراد بكون الأنعام ممّا عملته أيديه تعالى عدم إشراكهم في خلقها و اختصاصه به تعالى فعمل الأيدي كناية عن الاختصاص.

و قوله:( فَهُمْ لَها مالِكُونَ ) تفريع على قوله:( خَلَقْنا لَهُمْ ) فإنّ المعنى خلقنا لأجلهم فهي مخلوقة لأجل الإنسان و لازمه اختصاصها به و ينتهي الاختصاص إلى

١١٣

الملك فإنّ الملك الاعتباريّ الّذي في المجتمع من شعب الاختصاص.

و بذلك يظهر ما في قول بعضهم: إنّ في تفرّع قوله:( فَهُمْ لَها مالِكُونَ ) على قوله:( خَلَقْنا لَهُمْ ) خفاء، و الظاهر تفرّعها على مقدّر و التقدير خلقناها لهم فهم لها مالكون، و أنت خبير بعدم خفاء تفرّعها على( خَلَقْنا لَهُمْ ) و عدم الحاجة إلى تقدير.

و قيل: الملك بمعنى القدرة و القهر، و فيه أنّه مفهوم من قوله بعد:( وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ ) و التأسيس خير من التأكيد.

قوله تعالى: ( وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ ) تذليل الأنعام جعلها منقادة لهم غير عاصية و هو تسخيرها لهم، و الركوب بفتح الراء الحمولة كالإبل و البقر، و قوله:( وَ مِنْها يَأْكُلُونَ ) أي من لحمها يأكلون.

قوله تعالى: ( وَ لَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَ مَشارِبُ أَ فَلا يَشْكُرُونَ ) المراد بالمنافع ما ينتفعون به من شعرها و وبرها و جلودها و غير ذلك، و المشارب جمع مشرب - مصدر ميميّ بمعنى المفعول - و المراد بها الألبان، و الكلام في معنى الشكر كالكلام فيما تقدّم في قوله:( وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَ فَلا يَشْكُرُونَ ) .

و معنى الآيات الثلاث: أ و لم يعلموا أنّا خلقنا لأجلهم و لتدبير أمر حياتهم الدنيا أنعاماً من الإبل و البقر و الغنم فتفرّع على ذلك أنّهم مالكون لها ملكاً يصحّح لهم أنواع تصرّفاتهم فيها من غير معارض، و ذلّلناها لهم بجعلها مسخّرة لهم منقادة غير عاصية فمنها ركوبهم الّذي يركبونه، و منها أي من لحومها يأكلون، و لهم فيها منافع ينتفعون بأشعارها و أوبارها و جلودها و مشروبات من ألبانها يشربونها أ فلا يشكرون الله على هذا التدبير الكامل الّذي يكشف عن ربوبيّته لهم؟ أ و لا يعبدونه شكراً لأنعمه؟.

قوله تعالى: ( وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ) ضمائر الجمع للمشركين، و المراد بالآلهة الأصنام أو الشياطين و فراعنة البشر دون الملائكة المقرّبين و الأولياء من الإنسان لعدم ملاءمة ذيل الكلام:( وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) لذلك.

١١٤

و إنّما اتّخذوهم آلهة رجاء أن يُنصروا من ناحيتهم لأنّ عامّتهم تتّخذ إلهاً زعماً منهم أنّ تدبير أمره مفوّض إلى من اتّخذه إلها من خير أو شرّ فيعبده العابد منهم ليرضيه بعبادته فلا يسخط فيقطع النعمة أو يرسل النقمة.

قوله تعالى: ( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) أي لا يستطيع هؤلاء الآلهة الّذين اتّخذوهم آلهة نصر هؤلاء المشركين لأنهم لا يملكون شيئاً من خير أو شرّ.

و قوله:( وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) الظاهر أنّ أوّل الضميرين للمشركين و ثانيهما للآلهة من دون الله و المراد أنّ المشركين جند للآلهة و ذلك أنّ من لوازم معنى الجنديّة التبعيّة و الملازمة و المشركون هم المعدودون أتباعاً لآلهتهم مطيعين لهم دون العكس.

و المراد بالإحضار في قوله:( مُحْضَرُونَ ) الإحضار للجزاء يوم القيامة قال تعالى:( وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) الصافّات: 158 و قال:( وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) الصافّات: 57. و محصّل المعنى لا يستطيع الآلهة المتّخذون نصر المشركين و هم أي المشركون لهم أي لآلهتهم أتباع مطيعون محضرون معهم يوم القيامة.

و أمّا قول القائل: إنّ المعنى أنّ المشركين جند لآلهتهم معدّون للذبّ عنهم في الدنيا، أو أنّ المعنى و هم أي الآلهة لهم أي للمشركين جند محضرون لعذاب المشركين يوم القيامة لأنّهم وقود النار الّتي يعذّب بها المشركون، أو محضرون لعذابهم إظهاراً لعجزهم عن النصر أو لإقناط المشركين عن شفاعتهم فهي معان رديئة.

قوله تعالى: ( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ ) الفاء لتفريع النهي عن الحزن على حقيقة اتّخاذهم الآلهة من دون الله رجاء للنصر أي إذا كان هذا حقيقة حالهم أنّ الّذين استنصروهم لا يستطيعون نصرهم أبداً و أنّهم سيحضرون معهم للعذاب فلا يحزنك قولهم ما قالوا به من الشرك فإنّا لسنا بغافلين عنهم حتّى يعجزونا أو يفسدوا علينا بعض الأمر بل نعلم ما يسرّون من أقوالهم و ما يعلنون، و في تركيب

١١٥

الآية بعض أقوال رديئة أضربنا عنه.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) رجوع إلى ما تقدّم من حديث البعث و الاحتجاج عليه إثر إنكارهم، و لا يبعد أن يكون بياناً تفصيليّاً لقولهم المشار إليه في قوله تعالى:( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ) إلخ و المراد بالرؤية العلم القطعيّ أي أ و لم يعلم الإنسان علماً قاطعاً أنّا خلقناه من نطفة، و تنكير نطفة للتحقير و الخصيم المصرّ على خصومته و جداله.

و الاستفهام للتعجب و المعنى من العجيب أنّ الإنسان يعلم أنّا خلقناه من نطفة مهينة فيفاجؤه أنّه خصيم مجادل مبين.

قوله تعالى: ( وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ ) الرميم البالي من العظام، و( نَسِيَ خَلْقَهُ ) حال من فاعل ضرب، و قوله:( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ ) بيان للمثل الّذي ضربه الإنسان، و لذلك جي‏ء به مفصولاً من غير عطف لأنّ الكلام في معنى أن يقال: فما ذا ضرب مثلا؟ فقيل قال من يحيي العظام و هي رميم.

و المعنى و ضرب الإنسان لنا مثلاً و قد نسي خلقه من نطفة لأوّل مرّة، و لو كان ذاكره لم يضرب المثل الّذي ضربه و هو قوله:( من يحيي العظام و هي بالية؟) لأنّه كان يردّ على نفسه و يجيب عن المثل الّذي ضربه بخلقه الأوّل كما لقّنه الله تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جواباً عنه.

قوله تعالى: ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) تلقين الجواب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الإنشاء هو الإيجاد الابتدائيّ و تقييده بقوله:( أَوَّلَ مَرَّةٍ ) للتأكيد، و قوله:( وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) إشارة إلى أنّه تعالى لا ينسى و لا يجهل شيئاً من خلقه فإذا كان هو خالق هذه العظام لأوّل مرّة و هو لا يجهل شيئاً ممّا كانت عليه قبل الموت و بعده فإحياؤه ثانياً بمكان من الإمكان لثبوت القدرة و انتفاء الجهل و النسيان.

قوله تعالى: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ )

١١٦

بيان لقوله:( الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) و الإيقاد إشعال النار.

و الآية مسوقة لرفع استبعاد جعل الشي‏ء الموات شيئاً ذا حياة و الحياة و الموت متنافيان و الجواب أنّه لا استبعاد فيه فإنّه هو الّذي جعل لكم من الشجر الأخضر الّذي يقطر ماء ناراً فإذا أنتم منه توقدون و تشعلون النار، و المراد به على المشهور بين المفسّرين شجر(1) المرخ و العفار كانوا يأخذون منهما على خضرتهما فيجعل العفار زنداً أسفل و يجعل المرخ زنداً أعلى فيسحق الأعلى على الأسفل فتنقدح النار بإذن الله فحصول الحيّ من الميّت ليس بأعجب من انقداح النار من الشجرة الخضراء و هما متضادّان.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى‏ وَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) الاستفهام للإنكار و الآية بيان للحجّة السابقة المذكورة في قوله‏:( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) إلخ. ببيان أقرب إلى الذهن و ذلك بتبديل إنشائهم أوّل مرّة من خلق السماوات و الأرض الّذي هو أكبر من خلق الإنسان كما قال تعالى:( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) المؤمن: 57.

فالآية في معنى قولنا: و كيف يمكن أن يقال: إنّ الله الّذي خلق عوالم السماوات و الأرض بما فيها من سعة الخلقة البديعة و عجيب النظام العامّ المتضمّن لما لا يحصى من الأنظمة الجزئيّة المدهشة للعقول المحيّرة للألباب و العالم الإنسانيّ جزء يسير منها، لا يقدر أن يخلق مثل هؤلاء الناس؟ بلى و إنّه خلّاق عليم.

و المراد بمثلهم قيل: هم و أمثالهم و فيه أنّه مغاير لمعنى مثل على ما يعرف من اللغة و العرف.

و قيل: المراد بمثلهم هم أنفسهم بنحو الكناية على حدّ قولهم: مثلك غنيّ عن كذا أي أنت غنيّ عنه، و فيه أنّه لو كان كناية لصحّ التصريح به لكن لا وجه لقولنا:

____________________

(1) المرخ بالفتح فالسكون و الخاء المعجمة، و العفار بعين مفتوحة ثمّ الفاء ثمّ الراء المهملة شجرتان تشتعلان بسحق أحدهما على الآخر.

١١٧

أ و ليس الّذي خلق السماوات و الأرض بقادر على أن يخلقهم فإنّ الكلام في بعثهم لا في خلقهم و المشركون معترفون بأنّ خالقهم هو الله سبحانه.

و قيل: ضمير( مِثْلَهُمْ ) للسماوات و الأرض فإنّهما تشملان ما فيهما من العقلاء فاُعيد إليهما ضمير العقلاء تغليباً فالمراد أنّ الله الخالق للعالم قادر على خلق مثله.

و فيه أنّ المقام مقام إثبات بعث الإنسان لا بعث السماوات و الأرض. على أنّ الكلام في الإعادة و خلق مثل الشي‏ء ليس إعادة لعينه بل بالضرورة.

فالحقّ أن يقال: إنّ المراد بخلق مثلهم إعادتهم للجزاء بعد الموت كما يستفاد من كلام الطبرسيّ رحمه الله في مجمع البيان.

بيانه أنّ الإنسان مركّب من نفس و بدن، و البدن في هذه النشأة في معرض التحلّل و التبدّل دائماً فهو لا يزال يتغيّر أجزاؤه و المركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه فهو في كلّ آن غيره في الآن السابق بشخصه و شخصيّة الإنسان محفوظة بنفسه - روحه - المجرّدة المنزّهة عن المادّة و التغيّرات الطارئة من قبلها المأمونة من الموت و الفساد.

و المتحصّل من كلامه تعالى أنّ النفس لا تموت بموت البدن و أنّها محفوظة حتّى ترجع إلى الله سبحانه كما تقدّم استفادته من قوله تعالى:( وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) الم السجدة: 11.

فالبدن اللاحق من الإنسان إذا اعتبر بالقياس إلى البدن السابق منه كان مثله لا عينه لكنّ الإنسان ذا البدن اللاحق إذا قيس إلى الإنسان ذي البدن السابق كان عينه لا مثله لأنّ الشخصيّة بالنفس و هي واحدة بعينها.

و لمّا كان استبعاد المشركين في قولهم:( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ ) راجعاً إلى خلق البدن الجديد دون النفس أجاب سبحانه بإثبات إمكان خلق مثلهم و أمّا عودهم بأعيانهم فهو إنّما يتمّ بتعلّق النفوس و الأرواح المحفوظة عندالله بالأبدان المخلوقة جديداً، فيكون الأشخاص الموجودين في الدنيا من الناس بأعيانهم كما قال

١١٨

تعالى:( أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) الأحقاف 33 فعلّق الإحياء على الموتى بأعيانهم فقال:( عَلى‏ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ) ‏ و لم يقل: على أن يحيي أمثال الموتى.

قوله تعالى: ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) الآية من غرر الآيات القرآنيّة تصف كلمة الإيجاد و تبيّن أنّه تعالى لا يحتاج في إيجاد شي‏ء ممّا أراده إلى ما وراء ذاته المتعالية من سبب يوجد له ما أراده أو يعينه في إيجاده أو يدفع عنه مانعاً يمنعه.

و قد اختلف تعبيره تعالى عن هذه الحقيقة في كلامه فقال:( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) النحل: 40، و قال:( وَ إِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) البقرة: 117.

فقوله:( إِنَّما أَمْرُهُ ) الظاهر أنّ المراد بالأمر الشأن، و قوله في آية النحل المنقولة آنفاً:( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ ) إن كان يؤيّد كون الأمر بمعنى القول و هو الأمر اللفظيّ بلفظة كن إلّا أنّ التدبّر في الآيات يعطي أنّ الغرض فيها وصف الشأن الإلهيّ عند إرادة خلق شي‏ء من الأشياء لا بيان أنّ قوله تعالى عند خلق شي‏ء من الأشياء هذا القول دون غيره، فالوجه حمل القول على الأمر بمعنى الشأن بمعنى أنّه جي‏ء به لكونه مصداقاً للشأن لا حمل الأمر على القول بمعنى ما يقابل النهي.

و قوله:( إِذا أَرادَ شَيْئاً ) أي إذا أراد إيجاد شي‏ء كما يعطيه سياق الآية و قد ورد في عدّة من الآيات القضاء مكان الإرادة كقوله:( إِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) و لا ضير فالقضاء هو الحكم و القضاء و الحكم و الإرادة من الله شي‏ء واحد و هو كون(2) الشي‏ء الموجود بحيث ليس له من الله سبحانه إلّا أن يوجد فمعنى إذا أردناه إذا أوقفناه موقف تعلّق الإرادة.

و قوله:( أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ ) خبر إنّما أمره أي يخاطبه بكلمة كن و من المعلوم

____________________

(1) البقرة: 17، آل عمران: 47، مريم: 35، المؤمن: 68.

(2) فإنّ هذه الإرادة صفة فعليّة خارجة عن الذات منتزعة عن مقام الفعل.

١١٩

أن ليس هناك لفظ يتلفّظ به و إلّا احتاج في وجوده إلى لفظ آخر و هلمّ جرّاً فيتسلسل و لا أنّ هناك مخاطباً ذا سمع يسمع الخطاب فيوجد به لإدّائه إلى الخلف فالكلام تمثيل لإفاضته تعالى وجود الشي‏ء من غير حاجة إلى شي‏ء آخر وراء ذاته المتعالية و من غير تخلّف و لا مهل.

و به يظهر فساد ما ذكره بعضهم حيث قال: الظاهر أنّ هناك قولاً لفظيّاً هو لفظ كن و إليه ذهب معظم السلف و شؤن الله تعالى وراء ما تصل إليه الأفهام فدع عنك الكلام و الخصام. انتهى.

و ذلك أنّ ما ذكره من كون شؤنه تعالى وراء طور الأفهام لو أبطل الحجّة العقليّة القطعيّة بطلت بذلك المعارف الدينيّة من أصلها فصحّة الكتاب مثلاً بما يفيده من المعارف الحقيقيّة إنّما تثبت بالحجّة العقليّة فلو بطلت الحجّة العقليّة بكتاب أو سنّة أو شي‏ء آخر ممّا يثبت هو بها لكان ذلك الدليل المبطل مبطلاً لنفسه أوّلاً فلا تزلّ قدم بعد ثبوتها.

و من المعلوم أن ليس هناك إلّا الله عزّ اسمه و الشي‏ء الّذي يوجد لا ثالث بينهما و إسناد العلّيّة و السببيّة إلى إرادته دونه تعالى - و الإرادة صفة فعليّة منتزعة من مقام الفعل كما تقدّم - يستلزم انقطاع حاجة الأشياء إليه تعالى من رأس لاستيجابه استغناء الأشياء بصفة منتزعة منها عنه تعالى و تقدّس.

و من المعلوم أن ليس هناك أمر ينفصل عنه تعالى يسمّى إيجاداً و وجوداً ثمّ يتّصل بالشي‏ء فيصير به موجوداً و هو ظاهر فليس بعده تعالى إلّا وجود الشي‏ء فحسب.

و من هنا يظهر أنّ كلمة الإيجاد و هي كلمة كن هي وجود الشي‏ء الّذي أوجده لكن بما أنّه منتسب إليه قائم به و أمّا من حيث انتسابه إلى نفسه فهو موجود لا إيجاد و مخلوق لا خلق.

و يظهر أيضاً أنّ الّذي يفيض منه تعالى لا يقبل مهلة و لا نظرة و لا يتحمّل تبدّلاً و لا تغيّراً، و لا يتلبّس بتدريج و ما يتراءى في الخلق من هذه الاُمور إنّما يتأتّى في الأشياء في ناحية نفسها لا من الجهة الّتي تلي ربّها سبحانه و هذا باب ينفتح

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

لأنّ الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوّة والتمام ، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان ، وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة ، وأحدهما خالق للآخر وموجد له

فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً ، نعم حقيقة الوجود واحدة ، فهو ممّا لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه ، بل هو مذهب أكثر الفلاسفة ، بل ممّا اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ، ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى إنّهعليه‌السلام يقول :« أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الربّ وأنا المربوب » ، وغير ذلك من التعابير الدالّة على أنّ هناك موجودين متعدّدين ، أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامّي

وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأوّل ، وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة ، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلّا موجود واحد ، ولكن له تطوّرات متكثّرة ، واعتبارات مختلفة ، لأنّه في الخالق خالق ، وفي المخلوق مخلوق ، كما إنّه في السماء سماء ، وفي الأرض أرض ، وهكذا

وهذا هو الذي يقال له توحيد خاصّ الخاصّ ، وهذا القول نسبه صدر المتألّهين إلى بعض الجهلة من المتصوّفين وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى الله وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار ، فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ، ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟!

وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح ، وزندقة ظاهرة ، لأنّه إنكار للواجب ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلّا بالاعتبار ، وكذا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو جهل ـ مثلاً ـ متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس ، وإنّما يختلفان بحسب الاعتبار

وأمّا إذا أراد القائل بوحدة الوجود أنّ الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة ، وإنّما الموجود متعدّد ، ولكنّه فرق بيّن بين موجودية الموجود ، وموجودية

٥٢١

غيره من الماهيات الممكنة ، لأنّ إطلاق الموجود على الوجود من جهة أنّه نفس مبدأ الاشتقاق

وأمّا إطلاقه على الماهيات الممكنة ، فإنّما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي ، الذي هو الوجود لا من أجل أنّها نفس مبدأ الاشتقاق ، ولا من جهة قيام الوجود بها ، حيث إنّ للمشتقّ اطلاقات : فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدأ به ، كما في زيد عالم أو ضارب ، لأنّه بمعنى من قام به العلم أو الضرب

وأُخرى : يحمل عليه لأنّه نفس مبدأ الاشتقاق ، كما عرفته في الوجود والموجود

وثالثة : من جهة إضافته إلى المبدأ نحو إضافة ، وهذا كما في اللابن والتامر ، لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببائعهما ، إلّا أنّ البائع لمّا كان مسنداً ومضافاً إليهما نحو إضافة ـ وهو كونه بائعاً ـ لهما صحّ إطلاق اللابن والتامر على بائع التمر واللبن ، وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنّه بمعنى أنّها منتسبة ومضافة إلى الله سبحانه ، بإضافة يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية ، فالموجود بالوجود الانتسابي متعدّد ، والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد

وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألّهين ، فكأنّ القائل به بلغ أعلى مراتب التألّه ، حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ، ويسمّى هذا توحيداً خاصّياً

ولقد اختار ذلك الأكابر ممّن عاصرناهم ، وأصرّ عليه غاية الإصرار ، مستشهداً بجملة وافرة من الآيات والأخبار ، حيث إنّه تعالى قد أطلق عليه الموجود في بعض الأدعية

وهذا المدّعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه ، لابتنائه على أصالة الماهية ـ على ما تحقّق في محلّه ـ وهي فاسدة ، لأنّ الأصيل هو الوجود ، إلّا أنّه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق

٥٢٢

بقي هناك احتمال آخر وهو : ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود ، وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما ، فيلتزم بوحدة الوجود والموجود ، وإنّه الواجب سبحانه ، إلّا أنّ الكثرات ظهورات نوره ، وشئونات ذاته ، وكُلّ منها نعت من نعوته ، ولمعة من لمعات صفاته ، ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص

وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألّهين ، ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين ، قائلاً : بأنّ الآن حصص الحقّ ، واضمحلت الكثرة الوهمية ، وارتفعت أغاليط الأوهام ، إلّا أنّه لم يظهر لنا ـ إلى الآن ـ حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام

وكيف كان ، فالقائل بوحدة الوجود ـ بهذا المعنى الأخير ـ أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته مادام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد »(١)

« طالب نور ـ ـ »

حول الاسم الأعظم ولفظ الجلالة :

س : اسم الله الأعظم اسم يستودعه عند خاصّة أوليائه ؛ وهو نور يقذفه الله في قلوب عباده المؤمنين الصادقين المخلصين العارفين به ، وذلك لا يكون إلّا لمن بلغ ذروة من الكمال ، والترويض النفسي ، فقد قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
______________________

(١) التنقيح في شرح العروة الوثقى ٢ / ٨١

٥٢٣

عَلِيمٌ ) (١) كيف يصل المؤمن إلى معرفة الاسم الأعظم ؟ وهل هو موجود في البسملة كما قيل ؟

وهل أن اسم الله الأعظم موجود في ( ألم ) الموجودة في سورة آل عمران ؟ ولماذا ؟

وما هو معنى كلمة الله ، فيقال إنّها ليست عربية الأصل ؛ مستشهدين بآية قرآنية إن وجدت ؟

ج : إنّ الاسم الأعظم أودع الله تعالى معرفته عند خاصّة أوليائه ، العارفين به ، المخلصين له ، وهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو اسم من ثلاث وسبعين حرف ، أودع الله تعالى عندهمعليهم‌السلام اثنين وسبعين حرفاً ، واختصّ بواحدٍ لنفسه

فما قصدت بالمؤمنين في النصّ الذي ذكرته هم أئمّة آل البيتعليهم‌السلام بقرينة ـ الصادقين المخلصين العارفين ـ فأيّ أحد منّا عرف الله كما عرفه أهل البيتعليهم‌السلام ؟!

إذ المعرفة والصدق والإخلاص قيود احترازية عن دخول أيّ أحد في حدّ من عرف الاسم الأعظم ، فلا يشمل إذاً غيرهم ولا يتعدّى ذلك إلى سواهم

ثانياً : البسملة لها شرفها ومنزلتها عند الله تعالى ، وهل هي الاسم الأعظم أم لا ؟

إنّ الاسم الأعظم كما قلنا هو سرّ الله تعالى الذي لا يطّلع عليه أحد إلّا أوليائه المعصومينعليهم‌السلام ، فلا أحد يستطيع المجازفة في الخوض بذلك

نعم منزلة بسم الله الرحمن الرحيم كمنزلة الاسم الأعظم في سره وفي عظمته ، فعن الإمام الرضاعليه‌السلام قال :« إنّ بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها » (٢)

______________________

(١) النور : ٣٥

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٢١

٥٢٤

فهذه المنزلة للبسملة وكونها كالاسم الأعظم يكشف لنا عظمتها عند الله تعالى ، واستخدامها كالاسم الأعظم يشترط فيه الإيمان والتصديق بأنّها كالاسم الأعظم ، ولذا فهذه الرواية ستقرّب لنا هذا المعنى ، وكون استخدام أيّ شيء مشروط بالإيمان به والتصديق والتسليم

وجاء في « مناقب آل أبي طالب » : « وأبين إحدى يدي هشام بن عدي الهمداني في حرب صفّين ، فأخذ عليعليه‌السلام يده ، وقرأ شيئاً وألصقها ، فقال : يا أمير المؤمنين ما قرأت ؟ قال :« فاتحة الكتاب » ، كأنّه استقلّها ، فانفصلت يده نصفين ، فتركه عليٌّ ومضى »(١)

وهذا يعني أنّ استخدام أيّ شيء مهما بلغ مشروط بالتسليم والتصديق به ، فكذلك هي البسملة وأمثالها من الأسماء ، والآيات والأدعية

ثالثاً : إذا قلنا إنّ« ألم » وأمثالها من الاسم الأعظم ، فهذا لا يعني إمكانيتنا استخدام هذه الحروف كالاسم الأعظم ، فالاسم الأعظم كما قلنا أسراره مودعة عند أهل البيتعليهم‌السلام ، وللاسم الأعظم تأليف وترتيب يختصّ به من يحمله من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام ، فمعرفة كونه من الاسم الأعظم لا ينفع وحده دون معرفة تأليفه وترتيبه

فقد ورد مثلاً : « ح م س ق » هو حروف من اسم الله الأعظم المقطوع ، يؤلّفه الرسول أو الإمامعليهما‌السلام ، فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله تعالى به أجاب

فتأليف الاسم الأعظم من الحروف المقطّعة هو سرّ مودع لدى خاصّة أوليائه وأصفيائه ، وهم أئمّتناعليهم‌السلام

رابعاً : إنّ لفظ « الله » هو اسم علم للذات المقدّسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى

______________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٦١

٥٢٥

قيل : هو غير مشتقّ من شيء بل هو علم ، وقيل عن سيبويه : هو مشتقّ وأصله « إله » دخلت عليه الألف واللام فبقي « الإله » ، ثمّ نقلت حركة الهمزة إلى اللام وسقطت فبقي « الله » ، فأسكنت اللام الأُولى وأُدغمت وفخّم تعظيماً ، لكنّه يترقّق مع كسرة ما قبله ، كما في قوله تعالى :( يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) فهنا لفظ الله خفّف لسبقه بمجرور

فأصله عربي كما علمت ، مشتقّ من « إله » أي معبود ، فقد ورد« كان إلهاً إذ لا مألوه » أي كان معبوداً قبل أن يعبد ، سبحان الله وتعالى عن كُلّ وصفٍ ومثل

« حسين علي ـ الجزائر ـ ٢٦ سنة ـ ليسانس فلسفة »

الأدلّة النقلية لحدوث العالم :

س : أُريد معرفة رأي أهل البيت في قضية حدوث العالم أو قدمه ؟ مع العلم أنّ الشيخ الرئيس ابن سينا يقول بقدمه

ج : إنّ حدوث العالم أمر متسالم عليه عند كُلّ أرباب الأديان والمذاهب السماوية ، ومنها الإسلام ومذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ويؤيّده العقل السليم ، والقواعد الأساسية من علم الكلام ، وما خالف هذا الرأي مردود ، أو مؤوّل إن كان صاحبه يعتنق الإسلام

ومن الأدلّة النقلية في المقام ورود الآيات الكريمة في خلق العالم والسماوات والأرضيين وغيرها ، فهي بصراحتها تدلّ على حدوثها ؛ وأيضاً الأحاديث والروايات الكثيرة في هذا الباب لا تعطي مجالاً للتفكير في قدم الخلق ، فمنها :

١ ـ قال الإمام عليعليه‌السلام :« الدالّ على قدمه بحدوث خلقه مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته » (١)

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٤٤ ، الاحتجاج ١ / ٣٠٥

٥٢٦

٢ ـ قال الإمام عليعليه‌السلام :« لم يزل ربّنا قبل الدنيا هو مدبّر الدنيا وعالم بالآخرة » (١)

٣ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« الحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان ، لم يوجد لوصفه كان ، كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق فكان إذ لا كان » (٢)

٤ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« لأنّ الذي يزول ويحوّل يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي جواز التغيّر عليه خروجه من القدم كما بان في تغييره دخوله في الحدث » (٣)

٥ ـ قال الإمام الرضاعليه‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ، ولا شيء معه في ديموميّته ، فقد بان لنا بإقرار العامّة مع معجزة الصفة لا شيء قبل الله ، ولا شيء مع الله في بقائه

وبطل قول من زعم أنّه كان قبله ، أو كان معه شيء ، وذلك أنّه لو كان معه شيء فبقائه لم يجز أن يكون خالقاً له ، لأنّه لم يزل معه ، فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه ؟ ولو كان قبله شيء كان الأوّل ذلك الشيء لا هذا »(٤)

وغيرها من الروايات الصريحة بهذا المعنى

« محمّد باقر ـ البحرين ـ »

شبهة وجود الله في جهة معيّنة :

س : كيف تردّ على الشبهة التي تقول بوجود الله في جهة معيّنة ؟

ج : إنّ الله تعالى لو كان في جهة معيّنة ، يصدق أن يقال إنّه ليس في الجهة
______________________

(١) التوحيد : ٣١٦

(٢) المصدر السابق : ٦٠

(٣) المصدر السابق : ٢٩٧ ، الكافي ١ / ٧٧

(٤) المصدر السابق : ١٨٧

٥٢٧

الأُخرى ، وبذلك يكون محدوداً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :« ومَن جهله فقد أشار إليه ، ومَن أشار إليه فقد حدّه ، ومَن حدّه فقد عدّه ، ومَن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « علام » فقد أخلى منه ، كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كُلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كُلّ شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة » (١)

وقالعليه‌السلام أيضاً :« لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد عنها غير مباين » (٢)

وقالعليه‌السلام :« لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجوده » (٣)

« السيّد محمّد السيّد حسن شرف ـ البحرين ـ »

صفة الخالق صفة فعلية :

س : نحن نقول على أنّ الله تعالى خالق ، وصفة خالق صفة أزلية لله عظم شأنه ، إذاً لابدّ من وجود مخلوقات أزلية تلازم هذه الصفة عند الله تعالى

ج : إنّ صفة الخالقية والرازقية وماشابههما ليست من صفات الذات حتّى تكون أزلية وقديمة مع الذات ، بل هي صفات فعلية تنسب إلى الباري بعد قيامه عزّ وجلّ بها ، والله قادر على الخلق ، وما لم يخلق فلا يقال له خالق ، بل يقال له قادر على الخلق ، والقدرة هي من الصفات الذاتية الأزلية

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ٧٢

(٢) المصدر السابق ١٠ / ٦٤

(٣) المصدر السابق ١٣ / ٤٤

٥٢٨

« أبو الزين ـ الأردن ـ »

عينية الصفات لذات الله :

س : في موضوع عينية الصفات يعلّق صديقي الأشعري بقوله : ظواهر الشريعة تصف الله تعالى بصفات عديدة ، كالقدرة والإرادة والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر ، فهل يمنع العقل اتصاف ذات ما بصفات ما ؟ وهل اتصاف ذات بصفات يعد تكثراً في تلك الذات ؟

فالجوهر ذات ليست منقسمة ، ومع ذلك هي متّصفة بصفات عديدة ، ولم يدّعي أحد أنّ الجوهر يتكثّر عند وصفه بتلك الصفات ، بل وكثير من البسائط ، فهل اتصاف الله تعالى بالصفات الإلهية يستلزم التكثّر في الذات ؟

يقول هو : إنّ الإمامية خلطوا بين معنى الذات ومعنى الصفات ، ولم نسمع عن عاقل بقول بأنّ مفهوم الذات هو مفهوم الصفة ، فماذا تعنون بالعينية ؟ ويردف أنّ رأي المعتزلة أقرب إلى القبول من مذهبكم ؟

ج : رأي عينية الصفات لذات الله تعالى هو الرأي الحقّ الذي لا مناص عنه ، وبيانه : إنّ البسيط لو احتاج إلى غير ذاته فقد افتقر

وهنا نتساءل : هل إنّ الله تعالى يحتاج في علمه ـ مثلاً ـ إلى خارج ذاته ؟ وإنّ الصفات المذكورة هي قديمة في جنب قدم ذاته ؟

فحذراً من هذين الإشكالين يتحتّم علينا أن نلتزم بعينية الصفات لذاته حتّى لا يحتاج ذاته تعالى لشيءٍ آخر خارج عنها ، وهذا المعنى هو المصرّح به على لسان الإمام عليعليه‌السلام :« وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كُلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كُلّ موصوف أنّه غير الصفة » (١)

وأمّا التمثيل بالجوهر ، فهو في غير محلّه ، فإنّ الجوهر تعريف تحليلي لا يوجد له مصداق في الخارج ، بدون اتصافه بصفة أو مواصفة ، فمصداقية التعينية تحتاج وتتوقّف على اتصافه بالصفات ، إذ أين الجوهر بلا صفة حتّى نتكلّم عنه ؟!

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ٧٢

٥٢٩

ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الإمامية قد حقّقوا ودقّقوا بما لا مزيد عليه بأنّ ذات الله تعالى تختلف مفهوماً عن صفاته ، ولكنّها تتحدّ معها مصداقاً وخارجاً ، أي إنّ صفة العلم مثلاً من جهة مفهوم العلم تختلف عن ذات الباري عزّ وجلّ ، فليس الله تعالى هو بمعنى العلم ، ولكن مصداقهما ـ الذات والعلم ـ متحدّ في ذاته ، فليس الاتحاد والعينية في حوزة المفهوم حتّى يناقش ، بل الاندماج وعدم التمايز والتغاير هو في جهة المصداق ، أي إنّ الواقع في الخارج هو وجود واحد ، ولكن يتّصف أحياناً باسم الجلالة ، وتارةً بـ « العالم »

وأمّا ما تقوله الأشاعرة فهو مردود عقلاً ونقلاً ، وحتّى إنّ ظواهر الشريعة التي تمسّكوا بها لا تدلّ على أزيد من اتصاف الذات بتلك الصفات ، وأمّا أنّ هذه الصفات تكون زائدةً على الذات فلا دلالة فيها ، بل الدليل العقلي والنقلي كما ذكر يؤكّد اتحاد الصفات مع الذات

وأمّا رأي المعتزلة في المقام ، فهو وإن كان في بعض جزئياته أقرب إلى الواقع من رأي الأشاعرة ، ولكنّه أيضاً خلط وخطأ وقعوا فيه لتفادي الوقوع في محذور أشد ، وهو زيادة الصفات على الذات ، فهم عرفوا ـ خلافاً للأشاعرة ـ أنّ زيادة الصفات توجب إشكالاً عسيراً لا مخلص عنه ، فحذراً منه نفوا واقعية الصفات في مجال ذاته تعالى ، وأعطوا للذات النيابة عن الصفات

ولكن يلاحظ عليهم : إنّ عدم زيادة الصفات على الذات لا يدلّ بالملازمة على نفي واقعية الصفات ، بل الحلّ أن نلتزم بوحدة الصفات مع الذات مصداقاً واختلافهما مفهوماً ، كما عليه الإمامية

« هند ـ المغرب ـ ١٩ سنة ـ طالبة ثانوية »

كيف نتقرّب إلى الله تعالى :

س : أحسّ نفسي بعيدة عن ديني ، يمكن لكثرة مشاكلي ، أو لأنّي لست قوّية ، أرجو منك أن تساعدني ، كيف نقدر أن نتقرّب إلى الله ؟ كيف نقدر على أن نكون على الصواب ؟ وشكراً

٥٣٠

ج : إنّ الابتعاد عن الله تعالى منشؤه عدم معرفة الله تعالى حقّ المعرفة ، فإذا عرفنا خالقنا حقّ المعرفة سنتقرّب إليه وسيتقرب إلينا ، فإذا خطونا خطوة واحدة لمعرفة الله والتقرّب إليه ، سيأخذ الله تعالى بأيدينا ويساعدنا على هذا ، وسيكون الله أقرب إلينا من حبل الوريد

وأمّا أنّنا كيف يمكن لنا أن نعرف الله تعالى ونتقرّب إليه ؟ فهذا أمر سهل ، فما علينا إلّا أن نترك التعصّب الأعمى ، ونصفّي قلوبنا ، ونتبع من أمرنا الله تعالى باتباعهم ، نتبع نبيّه الحبيب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله بكُلّ ما جاء به ، ومن أوامرهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نتّبع أهل بيته ، فإذا عرفنا النبيّ وأهل البيتعليهم‌السلام ، وتعرّفنا على سلوكهم وسيرتهم ، وما رسموه لنا في حياتنا الدنيوية من تعاليم عبادية وأخلاقية ، وعملنا بكُلّ ما قالوه ، بهذا سنتقرّب إلى الله تعالى ، ولا نحسّ بأنّنا على بعد مع الله تعالى

روى جميع المسلمين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وفي عدّة مواطن ، ومنها : قبيل وفاته في وصيّته لأُمّته :« إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١)

______________________

(١) مسند أحمد ٥ / ١٨٢ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، مسند ابن الجعد : ٣٩٧ ، المنتخب من مسند الصنعاني : ١٠٨ ، ما روى في الحوض والكوثر : ٨٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٢٩٧ و ٣٠٣ و ٣٧٦ ، المعجم الصغير ١ / ١٣١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٧٣ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ ، نظم درر السمطين : ٢٣١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٢ ، العهود المحمدية : ٦٣٥ ، كنز العمّال ٥ / ٢٩٠ و ١٣ / ١٠٤ و ١٤ / ٤٣٥ ، دفع شبه التشبيه : ١٠٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٢ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٣ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، الكامل ٦ / ٦٧ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢٠ و ٥٤ / ٩٢ ، سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٦٥ ، أنساب الأشراف : ١١١ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ و ٧ / ٣٨٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٧ و ١٠٠ و ١١٣ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٥٠ و ٣٦٠ و ٢ / ٩٠ و ١١٢ و ٢٦٩ و ٢٧٣ و ٤٠٣ و ٤٣٧ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨

٥٣١

فلكُلّ فعل طريق ، وطريق القرب من الله تعالى ، أن نحبّ من أحبّه الله ، وأن نبغض من أبغضه الله ، وأن نأتم بأوامر أولياء الله ، وأن نبتعد عن الطواغيت الذين لعنهم الله تعالى

« وسيمة المدحوب ـ البحرين ـ »

لم يطلع العقول على تحديد صفته :

س : قال الإمام عليعليه‌السلام : « لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته »(١) ، إلى ماذا يشير الإمامعليه‌السلام بهذا الحديث ؟

وفي الختام ، نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل الله لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق

ج : إنّ الصفات لمّا كانت عين الذات ، فمن المستحيل معرفتها بشكلها وصورتها التفصيلية والحقيقية ، إذ معنى ذلك هو معرفة الله بكنهه وحقيقته ، وهذا محال كما ثبت في محلّه ، فالعقل قاصر عن إدراك كنه الله وصفاته ، التي هي عين ذاته ، لأنّه محدود ، ومن المستحيل إحاطة المحدود باللامحدود

والعقل يمكن أن يدرك وجود الله تعالى ، وصفاته الملازمة له من كونه عالماً حيّاً متكلّماً ، ويمكن أن يعرف ويدرك العقل هذه الصفات بشكل يتناسب مع عظمة الله تعالى ، وعدم مادّيته وعدم حدوثه ، وما إلى ذلك من الملازمات ، فهذه هي المعرفة الواجبة التي يجب على كُلّ مكلّف معرفتها ، أمّا المعرفة بالشكل الأوّل ، فهي المعرفة المحرّمة بل المستحيلة في حدّ ذاتها

وهذا من أوضح الأدلّة على بطلان قول المشبّهة والمعطّلة وصحّة المذهب الحقّ في التوحيد

______________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢١٦

٥٣٢

« رباب ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة »

لماذا يعذّب الله تعالى المسلمين ؟

س : كيف يعذّب الله المسلمين بالنار وهو الرحمن الرحيم ؟ وكيف تكون النار رحمة للناس وتطهيراً ؟

ج : إنّ الإنسان ميّال إلى اللهو واللعب والراحة ، فلو خُلّي وطبعه زاغ عن جادّة الحقّ والصواب التي رسمها الله تعالى له ، وخصّه بها ودعاه إليها ، بانتخابه واختياره ، فمن أجل أن يسوقه إليها ، بلّغه على لسان أنبيائه بوعده ووعيده ، تحفيزاً له لنيل الثواب ، وتجنّب العقاب ، وبالتالي بلوغ السعادة المرجوّة

ومن هنا يُعلم أنّ عقوبة الله تعالى للإنسان غير مقصودة بالذات ، لأنّ رحمته تعالى سبقت غضبه وانتقامه ، بل هي وسيلة لتحقّق ما يُصلِح الإنسان ، وينفعه في الدنيا والآخرة ، عبر الالتزام بأوامر الله تعالى ، والانتهاء عن نواهيه ، قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (١)

« ـ الجزائر ـ ٣٣ سنة »

معرفة الله تعالى لكُلّ إنسان بمقدار عقله :

س : التعبّد المحض لله عن طريق ماذا يكون ؟ إذا علمنا أنّ معرفته مستحيلة لأنّه مجهول ، ما عرفناك حقّ معرفتك ، وكيف للعاجز أن يعرف الكامل ؟

ج : إنّ كُلّ إنسان مؤمن بالله تعالى ، معرفته به على قدر وسعه ، وعلى مقدار فهمه وعقله ، والتعبير عن الله تعالى بأنّه مجهول غير صحيح ، فإنّ كُلّ أحد يعلم بوجوده ، ويعتقد بقدرته وخالقيته ورازقيته ، وإلى آخره

نعم ذات الله تعالى لا يتوصّل إليها أحد ، ولا يمكن الاطلاع عليها ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه العبارة يقول :« ما عرفناك حقّ معرفتك » (٢) ، فلم ينكر أصل
______________________

(١) الأنفال : ٢٤

(٢) التوحيد : ١١٤

٥٣٣

المعرفة ، إذاً حقّ المعرفة أمر ، وأصل المعرفة أمر آخر ، فكُلّ يعرف ربّه وخالقه ورازقه على قدر عقله وفهمه وإلى آخره

« ـ ـ »

تعليق على الجواب السابق :

حقيقة الموضوع مهمّ جدّاً لأنّه عقائدي ، وله وجهان : الظاهر والباطن ، فظاهره يثير الفضول ، وباطنه يمحّص الإيمان

أردت التدخّل لوجود شبهة في هذا الموضوع ، رؤية الله وهو طريق لا مفرّ منه ، وأضرب على ذلك مثال ، قال الرسول الأعظم : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا »(١)

وللجواب المقنع على هذا السؤال هو السير ، أي من العلم إلى الإيمان ، من الظاهر إلى الباطن ، وليس البقاء في الظاهر ، والسؤال على الباطن فمهما أجاب المجيب ، ووصف الباطن فمحال أن يصدق من هو في الظاهر ، ولو اقتنع بالأدلّة العقلية الجدلية المتناهية ، وخاض بحر التفلسف ، إنّك لا تهدي من أحببت

إنّ الإمامعليه‌السلام أجاب بحسب ما يقتضيه ظاهر القوم : « خاطبوا الناس على قدر عقولهم » ، وفي كلامه سرّ لا يكشف ، وإن أظهره ، ففي إظهاره كتمانه على الباحث الطالب للحقّ حمل المفاتيح ، والسير حتّى الوصول إلى الله ، وهو سبب الوجود مرتبة الإنسانية

والسلام والصلاة على محمّد وآله

« السيّد حسين الجزائري ـ إيران »

معنى الله نور السماوات والأرض :

س : ما معنى هذه الآية الشريفة : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ؟

______________________

(١) بحار الأنوار ٥٠ / ١٣٤

٥٣٤

ج : ذكر العلّامة الطباطبائيقدس‌سره في تفسير هذه الآية ما نصّه :

« وقوله :( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (١) النور معروف ، وهو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا ، فالأشياء ظاهرة به ، وهو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته ، فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر

هذا أوّل ما وضع عليه لفظ النور ، ثمّ عمّم لكُلّ ما ينكشف به شيء من المحسوسات على نحو الاستعارة ، أو الحقيقة الثانية ، فعدّ كُلّ من الحواس نوراً ، أو ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس

ثمّ عمّم لغير المحسوس ، فعدّ العقل نوراً يظهر به المعقولات ، كُلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره

وإذ كان وجود الشيء هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء ، كان مصداقاً تامّاً للنور ، ثمّ لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود ، إنّما هي موجودة بإيجاد الله تعالى ، كان هو المصداق الأتم للنور

فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء ، وهو وجودها ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته ، يوجد ويستنير به الأشياء

فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله :( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، حيث أُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى الله منوّر السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه ، أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها ، تعالى الله عن ذلك وتقدّس

ومن ذلك يستفاد ، أنّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كُلّ شيء لنفسه ، أو لغيره ، إنّما هو عن إظهاره تعالى ، فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي
______________________

(١) النور : ٣٥

٥٣٥

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (١) إذ لا معنى للتسبيح والعلم به ، وبالصلاة مع الجَهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (٢)

وسيوافيك البحث عنه إن شاء الله

فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله :( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العام ، الذي يستنير به كُلّ شيء ، وهو مساو لوجود كُلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة »(٣)

كما ذكرقدس‌سره في بحثه الروائي ما نصّه :

في التوحيد ، بإسناده عن العباس بن هلال قال : ( سألت الرضاعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقال :« هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض »

وفي رواية البرقي :« هدى من في السماوات وهدى من في الأرض » )(٤)

أقول : إذ كان المراد بالهداية الهداية الخاصّة ، وهي الهداية إلى السعادة الدينية ، كان من التفسير بمرتبة من المعنى ، وإن كان المراد بها الهداية العامّة ، وهي إيصال كُلّ شيء إلى كماله ، انطبق على ما تقدّم

« ـ ـ »

معنى رضا وغضب الله تعالى :

س : كيف يمكن أن نفسّر غضب ورضا الله تعالى ، كقولنا : إنّ الله يغضب لغضب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرضى لرضاه ؟

______________________

(١) النور : ٤١

(٢) الإسراء : ٤٤

(٣) الميزان في تفسير القرآن ١٥ / ١٢٢

(٤) التوحيد : ١٥٥

٥٣٦

ج : من الواضح أنّ الرضا والغضب من الصفات النفسانية للإنسان ، والله تعالى ليس بجسم فلا صفات نفسانية له ، ولذا يكون وصف الله تعالى بالغضب وصفاً مجازياً ، ومرادهم من هذا : إنّ الغضب من الله تعالى هو العذاب ، ومن الرضا الرحمة والثواب

والحاصل : إطلاق مثل هذه العناوين على الله تعالى إطلاق مجازي ، والمراد من هذا الإطلاق هو أنّ الله تعالى يثيب كُلّ محسن إذا عمل له تعالى ، ويعذّب كُلّ من عصاه ، وخالف أوامره ونواهيه

« شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة »

معنى الشرك عند الشيعة :

س : ما هي أنواع الشرك في العقيدة الشيعية ؟

ج : إنّ معنى الشرك هو : أن لا نعدل بالله شيئاً في العبادة ، أي أن لا نشرك مع الله تعالى في عبادتنا أحداً

وعلى هذه القاعدة ، تتفرّع أنواع أُخرى من الشرك ، فكُلّ مورد وردت فيه القربة إلى الله تعالى ، إلّا أنّ الإنسان جعل في ذلك شريكاً في عبادته ، فقد بطلت القربة وتحقّق الشرك ، فالشرك بمعناه الاشتراك في الأمر ، فاشتراك أحد مع الله تعالى في أيّ موردٍ من الموارد ، يطلب فيه الخلوص إلى الله تعالى ، ثمّ يجعل الإنسان شريكاً في ذلك ، فقد تحقق الشرك

روي في « الكافي » :« أكبر الكبائر الشرك بالله » (١)

وقد عرّف الأئمّةعليهم‌السلام أنّ الشرك ظلم ، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام في حديث طويل ، إلى أن قال :« فأمّا الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك » (٢)

هذا هو الشرك عند الشيعة ، وليس شيء آخر يتعدّى هذه القاعدة ، التي
______________________

(١) الكافي ٢ / ٢٧٨

(٢) المصدر السابق ٢ / ٣٣١

٥٣٧

أثبتناها لكِ ، ثبتكِ الله على القول الثابت ، وهداكِ ووفقكِ

« كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة »

معنى النور :

س : إذا كان النور يعني الإيجاد ، فما معنى الآية الكريمة : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) (١) و ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (٢) ؟

ج : النور مصطلح يستعمل في موارد مختلفة ، لبيان مفاهيم غامضة ، فيعطي صورة واضحة عن مراد المستعمل ، والحكمة في الموضوع ، أنّ معنى النور في اللغة ، هو المصدر الذي يضيء ، وفي نفس الوقت هو مضيء ، ومنه قد استعير في كُلّ مورد يحتوي على صفة من جهة ، وهو يعطي تلك الصفة من جهة أُخرى

وعلى هذا الأساس ، تفسّر آية( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، فإنّ النور هنا الموجد الذي له الوجود ، إذ إنّ صفة الخالقية في الله تعالى ، تقتضي إعطاء الوجود للمخلوق ، مضافاً إلى كونه ـ الوجود ـ عنده تبارك وتعالى ، وهذا يمثل في عالم المادّة بالنور الذي يضيء ما حوله مع اضائته في نفسه

وأمّا النور في الآيتين الأخريتين ، فهو بمعنى الهداية والصراط المستقيم ، وهنا أيضاً ، بما أنّ الله تعالى يعطي الهداية ، وهو مهتدٍ في نفس الوقت ، استعمل النور في تصوير معنى الهداية

« عبد المنعم عبد الباقي الصادق ـ السعودية »

الفرق بين الاسم والصفة :

س : مع دعائي لكم بالتوفيق والسداد ، سؤالي هو : لله تعالى أسماء
______________________

(١) النور : ٣٥

(٢) البقرة : ٢٥٧

٥٣٨

وصفات ، فكيف نفرّق بين الاسم والصفة ؟ وما هي الأسماء ؟ وما هي الصفات ؟

ج : إنّ الفرق بين الصفة والاسم هو : أنّ الاسم يعني الذات مأخوذ بوصف من أوصاف تلك الذات ، فلفظ العالم اسم من أسماء الله تعالى ، يعني ذات مأخوذة بوصف العلم

أمّا الصفة : فهي النظر إلى ذات الصفة من حيث هي صفة ، مع قطع النظر على اتصاف الذات بها

ربما يتبيّن الفرق جيّداً بمقال نأخذه على الإنسان ، حيث يسمّى الإنسان من حيث هو هو حيواناً ناطقاً ، ولكن إذا نظرنا إليه من حيث صفة الطبابة ، أو النجارة ، فلا يسمّى إنساناً ، بل طبيباً ونجّاراً

كما أنّ الفرق بين الصفة والاسم عبارة عن : أنّ الأوّل لا يحمل على الموضوع ، فلا يقال : زيد عِلم ، بخلاف الثاني ، فيحمل عليه ، ويقال : زيد عالم

وعلى ذلك جرى الاصطلاح في أسمائه وصفاته سبحانه ، فالعلم والقدرة والحياة صفات ، والعالم والقادر والحيّ أسماؤه تعالى

« محمّد ـ العراق ـ »

معنى عالم الغيب :( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )

س : ما هو عالم الغيب والشهادة الذي ذكر في القرآن الكريم ؟

ج : إنّ المراد بعالم الغيب والشهادة هو الله تعالى ، كما في قوله :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (١) ، وإنّما ورفع( عَالِمُ الْغَيْبِ ) لأنّه نعت لـ( الَّذِي ) ، أو كونه فاعل لمن قرأ( يُنفَخُ ) بالفتح

______________________

(١) الأنعام : ٧٣

٥٣٩

والمراد منه : يعلم السرّ والعلانية ، وورد عن ابن عباس : « عالم الغيب والشهادة ، أي ما يشاهده الخلق وما لا يشاهدونه ، وما يعلمونه وما لا يعلمونه ، ولا يخفى عليه شيء من ذلك »(١)

« عبد العزيز محمّد ـ السعودية ـ »

إرادة الخير للإنسان لا تعارض وجود الشرّ فيه :

س : كيف نوفّق بين قولنا : بأنّ الله تعالى يريد للإنسان خيراً ، مع خلقه تعالى للشيطان ، والنفس الأمّارة بالسوء ، والشهوات ، والتي تشكّل أسباباً مساعدة للانحراف والفجور والفسوق ؟

ج : إنّ مقتضى كون الإنسان مختاراً في سيره التكاملي يفرض عليه انتخاب أحد الطريقين ، ولابدّ عندها من مواجهة الشيطان ، والشهوات ، والهوى ، حتّى إذا ما تمكّن فيها وانتصر عليها استطاع أن يرتقي سُلّم كماله بنفسه ، ويحصل على لقب أشرف الموجودات بفضل صبره ، وتحمّله في طريق كان مليئاً بالاختبار ، والامتحان والمعاناة

فالغرائز والشهوات المودعة عند الإنسان ـ كالشهوة الجنسية مثلاً ـ تلعب دوراً هامّاً في بقاء واستمرار الوجود الإنساني ، وهي بالإضافة إلى ذلك ، تشترك مع هوى النفس والشيطان ، باعتبارها عناصر فاعلة ومؤثّرة في معادلة تكامل الإنسان ، وقربه من الله تعالى

ومن هنا : فإنّ الله تعالى لا يخلق إلّا الخير ، ولا يريد لعباده إلّا خيراً ، ولكن إيجاده للخير في كثير من الأحيان يلازمه ويرافقه وجود الشرّ

نظير غريزة حبّ الأولاد ، فإنّ وجودها في حياة الإنسان ممّا لا يمكن الاستغناء عنها ، ولولاها لانعدمت الرعاية التي نلاحظها عند الأبوين ، فيما
______________________

(١) التبيان في تفسير القرآن ٤ / ١٧٤

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576