موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-02-7
الصفحات: 518

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-02-7
الصفحات: 518
المشاهدات: 226043
تحميل: 5360


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 518 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226043 / تحميل: 5360
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-02-7
العربية

تعالى ، ونصّ من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم ، وكلّ إمام على الإمام الذي بعده.

ونحن إذا كنا نتبع ما يقوله أهل السنّة في عقائدهم ـ ومثالاً له ما تقوله في أنّ العصمة للأنبياء فقط في تبليغ الوحي ـ لكنّا من أهل السنّة ، ولسنا من اتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، والدليل من الكتاب والسنّة بخصوص عقيدة العصمة بيننا وبينكم ، وإن أردت فراجع كتبنا.

وأمّا ما ذكرت من الحديثين ـ بعد الغضّ عن البحث في السند ـ فإنّ فيهما قضية كلّية لا مانع من تخصيصها بدليل آخر عقليّ أو نقليّ ، وإلاّ كيف ناقضت نفسك ، وأخرجت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهما ، فما تقول نقوله بخصوص أئمّتنا.

( يونس مطر سلمان ـ البحرين ـ ١٨ سنة ـ طالب ثانوية )

زواجه من بنت أبي جهل أسطورة :

س : قرأت في الكثير من المواقع السنّية عن زواج الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام من ابنة أبي جهل جويرية ، ولكن رسول الله غضب من ذلك ، وأخبره بأنّ ابنة رسول الله لا تجتمع مع ابنة عدوّ الله.

فهل هذه الرواية صحيحة؟ أي أنّ الإمام عليعليه‌السلام قد خطب ابنة أبي جهل عدوّ الله ورسوله ، وأنّه تركها بعدما غضب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أليس رسول الله قال : « فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني ».

ومن يغضب رسول الله فقد أغضب الله تعالى ، والإمام علي إمام معصوم ، فهل هذه الرواية صحيحة؟ وإن كان الإمام عليعليه‌السلام قد خطبها فعلاً ثمّ تركها ، هل يعدّ ذلك من موارد إغضاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

أرجو إفادتي بالجواب سريعاً ، ولكم جزيل الشكر والتقدير.

ج : أشاعوا أنّ الإمام عليعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل ـ عدوّ الله ورسوله ـ ، وبلغ ذلك السيّدة فاطمةعليها‌السلام فغاضها ذلك ، حتّى خرجت مغاضبة من بيتها ومعها حسن وحسين وأُمّ كلثوم ، فدخلت حجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا جاء النبيّ ورآها

١٠١

قالت له : «يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فخرج وصعد المنبر وخطب ، فقال : « إنّ فاطمة بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها ».

ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه ، وقال : «حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله أبداً ، وإنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ، وينكح أبنتهم »(١) .

هذا هو ما افتراه قالة السوء ، و هذه الفرية لا تثبت سنداً ولا متناً ، ولو أردنا كشف حال جميع ما ورد في ذلك من أحاديث في مختلف المصادر لاحتجنا إلى تأليف خاصّ به ولسنا بصدده ، ويكفي أن أشير إلى مصدر واحد يعدّ من أقدم المصادر الحديثية ، وذلك هو كتاب المصنّف للصنعانيّ ـ المتوفّى ٢١١هـ ـ فقد أورد الحديث أربع مرّات ، لم يخل واحد منها عن إعضال وإرسال ، مع وجود المجروحين في رجال الأسانيد.

والمهمّ معرفة حال الرواة الذين تنتهي إليهم أسانيد الحديث ، ثمّ بيان المؤاخذات على ما جاء في المتن.

أمّا رجال الإسناد من الصحابة فتنتهي إلى ثلاثة ، كلّهم من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهم : أبو هريرة الدوسيّ ، وعبد الله بن الزبير ، والمسور بن مخرمة ، كما يروي عن ابن عباس.

أقول : أمر عظيم كهذا يغضب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يصعد المنبر ، ويخطب الناس تتوفّر الدواعي على نقله ، ثمّ لا ينقله إلاّ هؤلاء الثلاثة من الصحابة ، لقرينة على وضع الحديث.

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٧ / ١٤١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٤٤ ، سنن أبي داود ١ / ٤٦٠ ، المصنّف للصنعانيّ ٧ / ٣٠٢ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٤٠٧.

١٠٢

ويكفي كشف حال هؤلاء الثلاثة عن البحث في بقية من هم دونهم من التابعين ، وفيهم من لا تلتقي بذمّه الشفتان ، ولا يؤبه به في الميزان ، لما فيه من حسيكة ، أمثال الزهريّ ، وابن أبي مليكة لما سنذكره عنهما ، وعروة بن الزبير ، وعامر الشعبيّ ، وحالهم كمن سبق ، ويأتي ذكر محمّد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، وسويد بن غفلة.

أمّا حال الصحابة الثلاثة فهم :

أوّلاً : أبو هريرة الدوسيّ : ذكر الإسكافي ـ كما في شرح نهج البلاغة ـ : « إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليعليه‌السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير

وأمّا أبو هريرة فروى عنه الحديث ، الذي معناه : إنّ علياًعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسخطه ، فخطب على المنبر ، وقال : «لا والله ، لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدوّ الله أبي جهل ، إنّ فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما يؤذيها ، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل ، فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد » ، أو كلاماً هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.

قلت : هذا الحديث أيضاً مخرج في صحيحي مسلم والبخاريّ عن المسور بن مخرمة الزهريّ ، وقد ذكره المرتضى في كتابه المسمّى « تنزيه الأنبياء والأئمّة » ، وذكر أنّه رواية حسين الكرابيسيّ ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيتعليهم‌السلام »(١) .

أقول : ولنعد إلى أبي هريرة ، ولنقرأ عنه ما يثبت انحرافه عن الإمام عليعليه‌السلام ، مضافاً إلى كذبه الشائع الذائع على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى لقد ذكر ابن

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٣.

١٠٣

أبي الحديد وغيره ، ضرب عمر له بالدرّة ، وقال : « قد أكثرت من الرواية ، وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(١) .

أو قول عمر له : « لتتركن الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو لألحقنّك بأرض دوس »(٢) .

وأكذبه غير واحد من الصحابة ، فقال فيه الإمامعليه‌السلام : «ألا إنّ أكذب الناس ـ أو قال أكذب الأحياء ـ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو هريرة الدوسي » ، كما عن الإسكافي في شرح النهج(٣) .

فحديث أبي هريرة ـ إن صحّ عنه ـ كبقية أحاديثه التي رواها ، ولم يكن حاضراً فيها زمان صدورها ، وقد مرّت الإشارة إلى نماذج من ذلك ، كحديث تبليغ براءة ، وحديث الثقلين , وحديث الغدير ، وغيرها ممّا زعم سماعها ، وهو لم يكن وقتها حاضراً ، بل كان بالبحرين.

ثمّ إنّ الرجل لو لم يكن إلاّ اعتزاله للإمامعليه‌السلام أيّام خلافته ، وضلوعه في ركاب معاوية لإشباع نهمته لكفى ذلك في ردّ روايته ، فقد روى الأعمش : لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جثاً على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال : يا أهل العراق أتزعمون أنّي أكذب على الله ورسوله ، وأحرق نفسي بالنار؟ والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « إنّ لكلّ نبيّ حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور » ـ وهذا من بيّنات كذبه ، فعير وثور اسم جبلين ، أحدهما بالمدينة وهو عير ، وثانيهما بمكّة وهو ثور ، فكيف يحدّد ما

__________________

١ ـ العقد الفريد ١ / ٤٤ ، أضواء على السنّة المحمّدية : ٢٠١ و ٢١٨ ، شيخ المضيرة أبو هريرة : ٨٠ ، الإصابة ١ / ٧٥ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧ و ١٦ / ١٦٥.

٢ ـ كنز العمّال ١٠ / ٢٩١ ، أضواء على السنّة المحمّدية : ٥٤ و ٢٠١ ، شيخ المضيرة أبو هريرة : ١٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٠ / ١٧٢ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٠٠ ، الإصابة ١ / ٦٩ ، تاريخ المدينة ٣ / ٨٠٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١١٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

١٠٤

بينهما ويجعله حرماً للمدينة؟! وإنّما الصحيح : ما بين عير إلى وعير ، وهما لابتا المدينة جبلان من جانبيها ـ «فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أنّ علياً أحدث فيها » ، فلمّا بلغ معاوية قوله ، أجازه وأكرمه ، وولاّه إمارة المدينة(١) .

قال الثقفيّ في كتابه الغارات : « لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد ، فكان يحدّث ويقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال أبو القاسم ، وقال خليلي! فجاءه شاب من الأنصار يتخطّى الناس حتّى دنا منه فقال : يا أبا هريرة حديث أسألك عنه ، فإن كنت سمعته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فحدّثنيه ، أنشدك بالله سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »؟ قال أبو هريرة : نعم ، والذي لا إله إلاّ هو لسمعته من النبيّ.

أقول : لقد كذب حتّى في حلفه هذا ، لأنّ الحديث هو حديث الغدير ، وكان في حجّة الوداع ، ولم يكن أبو هريرة حاضراً ، إذ كان بالبحرين منذ شهر ذي القعدة سنة ٨ من الهجرة ، وحتّى سنة عشرين حين استقدمه عمر في خلافته للشهادة على قدامة بن مظعون لشربه الخمر ، فكلّ ما يرويه من أحاديث نبوية وأحداث حجازية ، ممّا زعم فيه عنصر المشاهدة والسماع في تلك المدّة فهو كاذب ، وإن أقسم ألف يمين.

فقال له الفتى : لقد والله واليت عدوّه ، وعاديت وليّه ، فتناول بعض الناس الشاب بالحصى ، وخرج أبو هريرة فلم يعد إلى المسجد حتّى خرج من الكوفة »(٢) .

أقول : روى ذلك أيضاً ابن أبي شيبة في مصنّفه(٣) ، وأبو يعلى في مسنده(٤) ،

__________________

١ ـ المصدر السابق ٤ / ٦٧.

٢ ـ الغارات ٢ / ٦٥٩.

٣ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٩.

٤ ـ مسند أبي يعلى ١١ / ٣٠٧.

١٠٥

وابن عساكر في تاريخه(١) ، إلاّ أنّه لم يذكر الزمان والمكان ، ممّا أسدل غشاء الإيهام على حديثه ، وكذلك رواه ابن كثير في البداية والنهاية(٢) ، وصنع كما صنع ابن عساكر من إهمال ذكر المكان والزمان ، نقلاً عن الحافظ أبي يعلى الموصلي ، وعن ابن جرير في الكتاب الذي جمع فيه طرق حديث الغدير وألفاظه.

وأظنّ إنّما فعلا ذلك رعاية لصحبة أبي هريرة ، ولا غضاضة فابن عساكر شاميّ شافعيّ ، وكذلك ابن كثير ، ولو كانا كوفيين حنفيين لاستثنياه من جماعة الصحابة المعدلين ، كما صنع أبو حنيفة ، فقد استثناه واستثنى أَنساً وآخرين من عدالة الصحابة(٣) .

فهذا أبو هريرة كيف يصدّق في حديثه عن خطبة الإمام لابنة أبي جهل؟ وهو يوالي عدوّه ، ويعادي وليّه على حدّ قول الشاب الأنصاري.

ثانياً : عبد الله بن الزبير : وعداوته للإمام أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، بل بلغ في نصبه الغاية ، حتّى أنّه ترك الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّام قيامه بمكّة ، فعيب عليه ذلك ، وأنكر فعله المسلمون ، فقال : إنّ له أهيل سوء ، إذا ذكرته اشرأبّت أعناقهم.

قال ابن أبي الحديد : « روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير : أنّه مكث أيّام ادعائه الخلافة أربعين جمعة ، لا يصلّي فيها على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ تشمّخ رجال بآنافها.

وفي رواية محمّد بن حبيب ، وأبي عبيدة معمّر بن المثنى : أنّ له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره »(٤) .

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٢.

٢ ـ البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

٤ ـ المصدر السابق ٤ / ٦٢.

١٠٦

ولئن قيل عن المسور : إنّه كان مع خاله عبد الرحمن بن عوف مقبلاً ومدبراً في أمر الشورى كما سيأتي ، فإنّا نقول عن ابن الزبير : لقد كان مقبلاً ومدبراً في حرب الجمل مع خالته عائشة ، وكان هو الذي زيّن لها مسيرها إلى البصرة.

وهو الذي أتى إليها بأربعين شاهد زور شهدوا حين نبحتها كلاب الحوأب ، وأرادت الرجوع لتحذير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لها من ذلك ، لكن ابن الزبير جاءها بالشهود ، فشهدوا أنّ ذلك المكان ليس هو الحوأب ، فكانت أوّل شهادة زور في الإسلام.

وهو الذي عيّر أباه بالجبن حين عزم على الرجوع عن محاربة الإمام بعد تذكير الإمام له بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أمّا إنّك ستقاتله وأنت له ظالم »(١) . فرجع فتلقّاه ابنه عبد الله ، فعيّره مستثيراً له على حرب الإمام.

ويكفينا قول الإمام فيه : « ما زال الزبير منّا حتّى نشأ بنوه ، فصرفوه عنّا »(٢) ، وفي رواية ابن أبي الحديد : « حتّى نشأ ابنه عبد الله ، فأفسده »(٣) .

أليس هو الذي كان يحقد على الإمام لقتله عمّ أبيه نوفل بن خويلد ، الذي كان يقال له أسد قريش وأسد المطيّبين؟ وقتل الإمام له هو قول عامّة الرواة ، كما يقول ابن حزم(٤) .

أليس هو الذي حبس ابن عباس وابن الحنفية ومن معهما من أهلهما في سجن عارم ، وأمّلهم إلى الجمعة إن لم يبايعوا ، وجعل الحطب على بابه ، ففاجأه أبو عبد الله الجدليّ الذي أرسله المختار في جماعة ، فدخلوا المسجد الحرام

__________________

١ ـ المصدر السابق ٢ / ١٦٧ ، كنز العمّال ١١ / ١٩٦ و ٣٣٠ و ٣٤٠ ، تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٥١٤ ، الإمامة والسياسة ١ / ٩٢ ، جواهر المطالب ٢ / ٣١ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ١٤٩ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٨٨.

٢ ـ الإمامة والسياسة ١ / ٢٨.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٩.

٤ ـ جمهرة أنساب العرب : ١٢٠.

١٠٧

مكبّرين وعليهم السلاح ، فخرج ابن الزبير طالباً لنفسه النجاة ، وذهب الجدليّ ومن معه فأخرجوا بني هاشم من سجن عارم(١) .

وهو القائل لابن عباس وكان يبلّغه تأنيبه وذمّه : « والله إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة »(٢) .

قال ابن أبي الحديد : « وكان سبّاباً فاحشاً ، يبغض بني هاشم ، ويلعن ويسبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام »(٣) .

فمن كان هذا حاله ومقاله وفعاله ، كيف يصدَّق في حديثه لخطبة علي لابنة أبي جهل؟ فيما أخرجه عنه الترمذيّ في سننه ، قال : حدّثنا أحمد بن منيع ، أخبرنا إسماعيل بن علية ، عن أيوب عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن الزبير : أنّ علياً ذكر بنت أبي جهل ، فبلغ ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «إنّما فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها ».

ثمّ قال الترمذيّ : « هذا حديث حسن صحيح ، هكذا قال أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير ، وقال غير واحد عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة ، ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روى عنهما جميعاً »(٤) .

وأخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك فقال : « حدّثنا بكر بن محمّد الصيرفيّ ، حدّثنا موسى بن سهل بن كثير ، حدّثنا إسماعيل بن علية » ، ثمّ ساق السند والحديث كما مرّ عن الترمذيّ وقال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه »(٥) .

والذي يلفت النظر في المقام : إنّ الذهبيّ أهمل هذا الحديث في تلخيصه

__________________

١ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٥٦ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٢٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٢ و ٢٠ / ١٤٨.

٣ ـ المصدر السابق ٤ / ٧٩.

٤ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٦٠.

٥ ـ المستدرك ٣ / ١٥٩.

١٠٨

المطبوع بذيل المستدرك ، وظنّي أنّ إهماله كان عن عمد لا عن سهو.

ومهما يكن فسند الحديث غير نقيّ ، ويكفي روايته عن ابن أبي مليكة ، وهو مؤذّن ابن الزبير وقاضيه ، وقد مرّ بنا حال ابن الزبير وعداوته لأهل البيت ، ويبدو لي أنّ ابن الزبير كان بارعاً ـ إن صحّ الحديث عنه ـ فلم يذكر له ما يحاقق عليه من زعم حضور أو سماع ، مع أنّ سنّه عند وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تسع سنين ، فكان أكبر من المسور بسنة ، الذي زعم أنّه سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب وهو يومئذ محتلم ، مع أنّ عمره كان يومئذ ثمان سنين!!

والآن فلنطوي صفحة ابن الزبير ، ولنقرأ المسور فيما قاله عنه مترجموه ، ثمّ ننظر في حديثه.

ثالثاً : المسور بن مخرمة بن نوفل الزهريّ : أمّا أبوه فكان من مسلمة الفتح ، ومن المؤلّفة قلوبهم ، فقد ذكر ابن هاشم في سيرته نقلاً عن ابن إسحاق أسماء من أعطاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة من الإبل ، وعد منهم أبا سفيان وابنه معاوية وآخرين ، ثمّ قال : وأعطى دون المائة رجالاً من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهريّ ، وسمّى آخرين(١) .

وأبوه الذي قال عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فيما روته عائشة ـ : « بئس أخو العشيرة » وذلك حين استأذن ، فلمّا دخل أدناه وبشّ به حتّى خرج ، فلمّا خرج قالت عائشة : يا رسول الله ، قلت له وهو على الباب ما قلت ، فلمّا دخل بششت به حتّى خرج؟ قال : «أعهدتني فحّاشا؟ إنّ شرّ الناس من يُتّقى شرّه »(٢) .

وأمّا أُمّه فهي عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف.

وأمّا عن مولده ، فقالوا بعد الهجرة بسنتين بمكّة ، وقدم المدينة مع أبيه بعد الفتح سنة ثمان ، وهو غلام أيفع ابن ست سنين ، وعدّه ابن الأثير وابن عبد البرّ

__________________

١ ـ السيرة النبوية لابن هشام ٤ / ٩٣٠.

٢ ـ كنز العمّال ٣ / ٧٨٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٧ / ١٥٩ ، أُسد الغابة ٤ / ٣٣٨.

١٠٩

وابن حجر في كتبهم من الصحابة ، إلاّ أنّ ابن قتيبة قال في المعارف : « وكان يعدل بالصحابة وليس منهم »(١) .

وأمّا عن سلوكيته فقالوا : « لم يزل مع خاله عبد الرحمن بن عوف مقبلاً ومدبراً في أمر الشورى ، وكان مع عثمان في الدار إلى أن قتل ، فانحدر إلى مكّة ، ولم يزل بها موالياً لمعاوية حتّى قال عروة بن الزبير : فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلاّ صلّى عليه »(٢) .

وأمّا عن فضله ، فقال القرطبي وغيره : « وكان المسور لفضله ودينه وحسن رأيه تغشاه الخوارج ، تعظّمه وتنتحل رأيه ، وقد برّأه الله منهم »!(٣) .

وأمّا عن موته فقالوا : كان مع ابن الزبير ، فلمّا حاصر الحصين بن نمير مكّة ، ورمى الكعبة بالمنجنيق أصابه حجر فشجّه ، ثمّ مات بعد خمسة أيّام.

هذه هوية الرجل نسباً وحسباً وديناً وسلوكاً. وكان مع خاله عبد الرحمن ابن عوف في أمر الشورى ، وموقف ابن عوف فيها معلوم ، حتّى عناه الإمام بقوله في خطبته الشقشقية : « ومال الآخر لصهره ».

لأنّ أُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحته ، وأُمّ كلثوم هذه هي أُخت عثمان من أُمّه(٤) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام لعبد الرحمن : « والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليرد الأمر إليك »(٥) .

وممّا يزيدنا وضوحاً في عثمانيّته أنّه لم يبايع الإمام بعد مقتل عثمان ، وخرج من المدينة إلى مكّة ، ثمّ هو الذي كان يصلّي على معاوية إذا ذكره ، كما

__________________

١ ـ المعارف : ٢٤٢.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٣ / ١٥١ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ١٦٨.

٣ ـ الاستيعاب ٣ / ٤٥٦.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٩.

٥ ـ الكامل في التاريخ ٣ / ٧١.

١١٠

مرّ ذلك عن عروة بن الزبير.

وأخيراً : دخل مع ابن الزبير في أمره ، وانتحل الخوارج رأيه حيث استقطبوه ، وإن قال القرطبي وابن حجر وغيرهما : « وقد برّأه الله منهم » ، ولسنا بحاجة إلى مناقشتهم في ذلك ، فمن أين علموا بتلك البراءة ، والله لم يوح إلى أحد بعد نبيّه؟ فلا تزال دعواهم تحتاج إلى إثبات ، على أن مصعب الزبيري ـ صاحب كتاب نسب قريش ـ ذكر ذلك ، ولم يزعم ما قالوه في براءته ، وهو أقدم منهما زماناً ، وأعرف بحال المسور.

ولننظر إلى حديث المسور في الفرية المزعومة ، وهو حديث أخرجه عنه البخاريّ ومسلم والترمذيّ وأحمد وغيرهم ، ولن نستقصي جميع المصادر ، بل سنكتفي بما أخرجه البخاريّ في صحيحه ، وقد نشير إلى ما ورد عند غيره ؛ وذلك لأنّ صحيحه عند المغالين به أصحّ كتاب بعد كتاب الله فيما يزعمون! ولأنّه ذكر حديث المسور في خمسة أبواب مقطّعاً أوصاله عن عمد ، حتّى يخيل للناظر أنّه ذكر خمسة أحاديث مختلفة الألفاظ ، ولكن الباحث الناقد يدرك أن اختلاف الصورة لا يغيّر الحقيقة.

وهذا ما أربك كثيراً من شرّاح الصحيح ، فحاولوا جهدهم توجيه ما فيها من تناقض وتهافت ، ولم يوفّقوا في سعيهم الحثيث ، في دفع ما يرد على الحديث ، بل شوّشوا أذهان قرّائهم ، ولم يجنوا غير مضيعة الوقت في عرض آرائهم تبعاً لأهوائهم.

ولو أنّهم صنعوا صنع ابن قتيبة لجنّبوا أنفسهم كثيراً من النقد والردّ ، فابن قتيبة في معارفه كان أوعى منهم ، حين قال عن المسور : « وكان يعدل بالصحابة وليس منهم » ، ثمّ قال : « وقد روى قوم عنه أنّه سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لو أنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ، ثمّ لا آذن ».

فهو حين ينفي صحابية المسور ، ينفي عنه عاصمية الصحابة ، سواء قرئت

١١١

جملة وكان يعدل بالتخفيف أو التشديد ، ثمّ يمرّض القول في زعم روايته عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سمعه يقول : وهو يدلّنا على عدم قناعته بصحبة المسور ، كما كشف عن قيمة روايته عنده ، وما اقتضابه لحديثه إلاّ مؤشّر على ذلك.

ثمّ ما يعنيه بقوله : لو أنّ بني هشام ، فهل يدلّ على حدوث الخطبة أو إرادتها؟ وهذا ما سنقرأ الجواب عنه في الكلام على حديث المسور عند البخاريّ في صوره الآتية :

١ ـ حدّثنا سعيد بن محمّد الجرمي ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدّثنا أبي : أنّ الوليد بن كثير حدّثه عن محمّد بن عمرو بن طلحة الذي حدّثه ، أنّ ابن شهاب حدّثه ، أنّ علي بن الحسين حدّثه ، أنّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد ابن معاوية ، بعد مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه ، لقيه المسور بن مخرم ، فقال له : هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له : «لا ».

فقال : فهل أنت معطي سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه ، وأيم الله لئن اعطيتنيه لا يخلص إليه أبداً حتّى تبلغ نفسي ، إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمةعليها‌السلام ، فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم.

فقال : «إنّ فاطمة بضعة منّي ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها » ، ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه مصاهرته إيّاه ، قال : «حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبنت عدوّ الله أبداً »(١) .

٢ ـ حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا ابن عينية ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني »(٢) .

__________________

١ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٤٨.

٢ ـ المصدر السابق ٤ / ٢١٠.

١١٢

٣ ـ حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهريّ قال : حدّثني علي بن حسين : أنّ المسور بن مخرمة قال : إنّ علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : «يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته حين تشهّد يقول : «أمّا بعد ، فإنّي أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني وصدّقني ، وإنّ فاطمة بضعة منّي ، وإنّي أكره أن يسوءها ، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد » ، فترك علي الخطبة.

وزاد محمّد بن عمرو بن طلحة ، عن ابن شهاب ، عن علي عن مسور : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن ، قال : «حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي »(١) .

٤ ـ حدّثنا قتيبة ، حدّثنا الليث عن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وهو على المنبر : «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، ثمّ لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها »(٢) .

٥ ـ حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الزهريّ ، قال : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم ، فلا آذن »(٣) .

والآن وقد انتهينا من كشف هوية الثلاثة : أبي هريرة ، وابن الزبير ، والمسور ابن مخرمة ، نختتم أوّلاً : الحديث عنهم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي نفسي بيده لا يبغضنا رجل إلاّ أدخله الله النار »(٤) .

__________________

١ ـ المصدر السابق ٤ / ٢١٣.

٢ ـ المصدر السابق ٦ / ١٥٨.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ١٧١.

٤ ـ موارد الظمآن : ٥٥٥ ، المستدرك ٣ / ١٥٠.

١١٣

وثانياً : نعود إلى مناقشة متن الحديث ، ننبّه القارئ بحال بعض أعلام الرواة في السند ، كابن عيّينة ـ الذي رمي بالاختلاط ، كما ذكره الحافظ سبط ابن العجمي في رسالته الاعتباط بمن رمي بالاختلاط ـ وكالزهريّ ، الذي كان من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان يعمل لبني أُمية ، وقد تجنّب حديثه غير واحد لذلك ، حتّى إنّ ابن عساكر أخرج في تاريخه بسنده عن جعفر ابن إبراهيم الجعفريّ قال : كنت عند الزهريّ أسمع منه ، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت : يا جعفري لا تكتب عنه ، فإنّه مال إلى بني أُمية وأخذ جوائزهم.

فقلت : مَن هذه؟ قال : أختي رقية خرفت ، قالت : خرفت أنت ، كتمت فضائل آل محمّد ، وقد حدّثني محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي فقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».

قالت : وحدّثني محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله ، والبغض في الله »(١) .

وبلغ إنكار الصالحين عليه أن كتب إليه بعضهم كتاباً فيه تقريع وتوبيخ ، جاء فيه : « واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت ، وأخف ما احتملت ، أنّك آنست وحشة الظالم ، وسهّلت سبيل الغيّ بدنوّك إلى من لم يؤدّ حقّاً ، ولم يترك باطلاً حين أدناك ، اتخذوك أبا بكر قطباً تدور عليه رحى ظلمهم ، وجسراً يعبرون عليه إلى بلائهم ومعاصيهم ، وسلّماً يصعدون فيه إلى ضلالتهم ، يدخلون بك الشكّ على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهلاء فداو دينك فقد دخله سقم ، وهيء زادك فقد حضر سفر بعيد »(٢) .

فمن الغريب العجيب أن يروي الزهريّ هذا الحديث عن علي بن الحسين ، ثمّ يزعم أنّه حدّثه عن المسور بذلك ، كما مرّ في الصورة الأُولى عن البخاريّ.

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٧ / ٤٤ ، إحياء علوم الدين ٢ / ٢٠٦.

١١٤

وإذا عرفنا أنّ علي بن الحسين الذي ذكره بصيغة التنكير هو الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام ، الذي روى أبو هلال العسكريّ في كتابه بسنده قال : بلغ علي بن الحسينعليه‌السلام أنّ عروة بن الزبير وابن شهاب الزهريّ يتناولان علياً ويعبثان به ، فأرسل إلى عروة فقال : «أمّا أنت فقد كان ينبغي أن يكون نكوص أبيك يوم الجمل ، وفراره ما يحجزك عن ذكر أمير المؤمنين ، والله لئن كان علي على باطل لقد رجع أبوك عنه ، ولئن كان على حقّ لقد فرّ أبوك منه ».

وأرسل إلى ابن شهاب فقال : «وأمّا أنت يا بن شهاب فما أراك تدعني حتّى أعرّفك موضع كِير أبيك ».

فمن كان هذا حاله مع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام كيف يصدّق في زعمه أنّ علي بن الحسين حدّثه عن المسور؟ وهو الذي قرعه ووبّخه ، لا بل حتّى عيّره بماضي أبيه الوضيع!!

ثمّ ما بال علي بن الحسين يحدّث الزهريّ ، وهو يعرف عداوته لجدّه بحديث ـ إن صحّ ـ فهو انتقاص لجدّه؟

وما بال الزهريّ وهو الذي روى عن عدّة من الصحابة ، منهم أنس ، وسهل بن سعد ، وحتّى عن ابن عمر الذي ذكروا في ترجمته أنّه روى عنه ثلاثة أحاديث ، ما باله يروي هذا الحديث عن علي بن الحسين ـ كما يسمّيه ـ وهو من التابعين ، ولا يرويه عن المسور الصحابيّ الذي هو يرويه ، وهو قد أدركه ، وكان أشدّ لصوقاً به من علي بن الحسين نسباً وسبباً فكلاهما زهري ، ولأنّ أباه والمسور كانا معاً من أصحاب ابن الزبير ، وإلى ذلك أشار عبد الملك بن مروان حين اتّصل به الزهريّ فاستنسبه فنسب نفسه ، فقال عن أبيه : « إن كان أبوك لنعاراً في الفتن »(١) .

__________________

١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٥٥ / ٢٩٧.

١١٥

ولقد كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور فوق عمر المسور حين سمع الحديث المزعوم ، فقد مرّ أنّه قال كاذباً : سمع الحديث وهو يومئذ محتلم! والصحيح أنّه كان ابن ثمان سنين ، بينما كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور ثلاث عشرة سنة.

وهكذا سؤال بعد سؤال يوضّح ما في الإسناد من خلل ، مضافاً إلى ما في المتن من علل ، ويبقى بلا جواب.

ولنترك حال الرجال وما فيهم من مقال وإشكال ، ولنعد إلى متن الحديث لنتبيّن فيه مواطن العلل ، ولنقرأه ثانياً حسب وروده في كتاب البخاريّ ـ الذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب الله عند المغالين فيه ـ ولا نحاسبه على تقطيع أوصاله إلى خمسة أحاديث ـ ولا على حشر بعضها تحت عناوين لا تمت إليها بصلة ، ولا ولا ، فنحن والحديث الأوّل عنده ، فنقرأ فيه :

أوّلاً : قول المسور لعلي بن الحسين ـ كما في الحديث : هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟ فقال : «لا ».

فهل لنا أن نسأل المسور : أيّ حاجة تلك التي يمكن له أن يقضيها غير ما يتعلّق بالسلطة الأمويّة ، والتي كان بعد لا يزال ظالعاً معها ، لأنّ زمن السؤال قد حدّده علي بن الحسين حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية ، بعد مقتل الحسين بن عليعليهما‌السلام ، لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك

ونحن إذا نظرنا إلى طبيعة الحال في ذلك الوقت نجد أنّ مقام الإمام زين العابدين أسمى وأرفع ممّا كان عليه المسور ، فإنّ ما أظهره يزيد من التنصل من تلك الجريمة التي لا تغتفر حتّى لعن ابن زياد ، وقال : لعن الله ابن مرجانة فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين ، ما لي ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه

ودعا علياً ليودّعه وقال له : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ،

١١٦

ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى الله ما رأيت ، يا بني كاتبني حاجة تكون لك(١) .

وذكر ابن الأثير أيضاً : إنّ يزيد بن معاوية لمّا وجه مسلم بن عقبة المري ـ وهو الذي سمّي مسرفاً ـ إلى المدينة المنوّرة لمقاتلة أهلها حين خلعوا بيعته ، قال له : فإذا ظهرت عليهم فأنهبها ثلاثاً ، فكلّ ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فأكفف عن الناس ، وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه ، واستوص به خيراً ، فإنّه لم يدخل مع الناس ، وإنّه قد أتاني كتابه.

وقد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر لمّا أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أُمية في أن يغيّب أهله عنده فلم يفعل ، فكلّم علي بن الحسين ، فقال : إنّ لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك ، فقال : « أفعل » ، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفّان ، وحرمه إلى علي بن الحسين ، فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع ، وقيل : بل أرسل حُرم مروان ، وأرسل معهم ابنه عبد الله بن علي إلى الطائف(٢) .

وجاء في إرشاد المفيد : « إنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة أرسل إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام فأتاه ، فلمّا صار إليه قرّبه وأكرّمه وقال له : وصّاني أمير المؤمنين ببرّك وتمييزك من غيرك »(٣) .

فممّا تقدّم تبيّن : أنّ الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام كان أرفع مكانة وأجلّ قدراً وأقوى موقعاً لدى الحاكمين من المسور بن مخرمة ، الذي رفسه مروان برجله كما مرّ ، وجلدوه الحدّ كما تقدّم ، فهو أذلّ من أن يتمكّن من قضاء حاجة لأحد عند الأمويّين.

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ ٤ / ٨٧.

٢ ـ المصدر السابق ٤ / ١١٣.

٣ ـ الإرشاد ٢ / ١٥٢.

١١٧

وثانياً : لنقرأ قول المسور لعلي بن الحسين : فهل أنت معطي سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه ، ونحن لا نناقشه في أمر السيف وكيفية وصوله إلى علي بن الحسين ، وهو من مواريث النبوّة وهذا عنده ، وقوله ينافي القول بعدم ميراث الأنبياء ، ولكن هل لنا أن نسأل المسور : من هم القوم الذين يخشى أن يغلبوا علي بن الحسين على سيف جدّه غير بني أُمية؟ وإذا كانوا هم ، فهل كان ذلك قبل واقعة الحرّة أو بعدها؟

فإن كان قبلها ، فالإمام علي بن الحسين كان أعزّ منه منعة ، وهم كانوا أذلّ وأضعف جنداً ، خصوصاً بعد أن أخرج الأمويّون واتباعهم من المدينة ، حتّى أنّ مروان استودع الإمام عياله كما مرّ.

وإن كان بعدها فالإمام هو الوحيد الذي لم يتعرّض له بسوء ، بوصية من يزيد ، وقد مرّ ذلك أيضاً ، فأيّ حال تلك التي كان المسور يخشاها على الإمام أن يغلب فيها على سيف جدّه؟

ولو لم يكن ثمّة تحديد زمني في الحديث ، حيث ورد أنّ المسور لقي علي بن الحسينعليهما‌السلام حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية بعد مقتل الحسين بن علي.

أقول : لو لم يكن ذلك التحديد لاحتملنا أنّ المسور قال ذلك بعد أن بلغه طلب عبد الملك بن مروان من الإمام علي بن الحسين ذلك السيف يستوهبه منه ويسأله الحاجة ، فأبى عليه ، فكتب إليه عبد الملك يهدّده وأنّه يقطع رزقه من بيت المال ، فأجابهعليه‌السلام : « أمّا بعد ، فإنّ الله ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جلّ ذكره :( إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) (١) فانظر أيّنا أولى بهذه الآية »(٢) .

____________

١ ـ الحجّ : ٣٨.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٠٣.

١١٨

وفي جواب الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام هذا ما يقطع جهيزة كلّ متنطّع لتصويب عرض المسور بن مخرمة ، فهو لم يخش عبد الملك بن مروان ولا سلطته ، وهو هو في عتوّه وجبروته.

وثالثاً : لنرى ثالثة الأثافي ، وتلك هي فرية المسور في قوله : إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمةعليها‌السلام ، فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب الناس في ذلك على منبره ، هذا وأنا يومئذ محتلم فقال : «إنّ فاطمة منّي ».

هنا مسائل : ما هو الربط في هذه الرواية بين قصّة طلبه السيف وبين قصّة الخطبة المزعومة؟

والجواب هو ما أربك شرّاح صحيح البخاريّ فصالوا وجالوا , ليوافقوا بين القصّتين فلم يوفّقوا.

وللطرافة ننقل للقارئ بعض ما ذكره ابن حجر في فتح الباري حيث قال : « وقال الكرماني : مناسبة ذكر المسور لقصّة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من جهة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحترز عمّا يوجب التكدير بين الأقرباء ، أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتّى لا يحصل بينك وبين أقربائك كدورة بسببه ، أو كما أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يراعي جانب بني عمّه العباسيّين ، فأنت أيضاً راع جانب بني عمّك النوفليين ، لأنّ المسور نوفلي كذا قال ، والمسور زهري لا نوفلي.

قال : أو كما أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبّ رفاهية خاطر فاطمةعليها‌السلام ، فأنا أيضاً أحبّ رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها ، فأعطني السيف حتّى أحفظه لك.

قلت ـ والقائل هو ابن حجر ـ : وهذا الأخير هو المعتمد ، وما قبله ظاهر التكلّف ، وسأذكر إشكالاً يتعلّق بذلك في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى »(١) .

__________________

١ ـ فتح الباري ٦ / ١٤٩.

١١٩

أقول : وما ذكره في كتاب المناقب ليس إلاّ تعليقة على الحديث الثاني في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » فقال : وهو طرف من قصّة خطبة علي ابنة أبي جهل ، وسيأتي مطوّلاً في ترجمة أبي العاص بن الربيع قريباً(١) ، وهذا ليس فيه أيّ إشكال.

وأمّا ما ذكره في كتاب المناقب أيضاً في ترجمة أبي العاص بن الربيع ، وهو الحديث الثالث كما مرّ ، فقد قال : « وإنّما خطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به ، إمّا على سبيل الإيجاب ، وإمّا على سبيل الأولوية ، وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة ، فزعم أنّ هذا الحديث موضوع ، لأنّه من رواية المسور ، وكان فيه انحراف عن علي ، وجاء من رواية ابن الزبير وهو أشدّ من ذلك ، وردّ كلامه بإطباق أصحاب الصحيح على تخريجه »!(٢) .

ألا على العقول العفا إن كان هذا الردّ الباهت يصلح لردّ قول الشريف المرتضى ( قدس سره ) ، وكم في تلكم الكتب من أخبار موضوعة ، وقد نقدوها سنداً ودلالة ، وابن حجر نفسه في مقدّمة شرحه التي سمّاها هدى الساري ذكر شواهد كثيرة لا يسع المقام ذكرها ، فلتراجع.

ثمّ كان ما أورده أصحاب الصحيح أنزل من اللوح المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولو انصف ابن حجر نفسه قبل إنصافه الشريف المرتضى ، فلم يذكر ردّه الذي هو غاية ما عنده لكان به أولى وعليه أبقى.

ثمّ إنّه أطال الكلام في الاختلاف في اسم المخطوبة من بنات أبي جهل ، كما أطال في شرح قوله : « حدّثني فصدّقني » ، ولم يأت بطائل.

__________________

١ ـ المصدر السابق ٧ / ٦٣.

٢ ـ المصدر السابق ٧ / ٦٨.

١٢٠