موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

موسوعة الأسئلة العقائديّة7%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-02-7
الصفحات: 518

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 518 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253989 / تحميل: 6688
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٢-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أقول : ومن البلية أن نجد بين علماء التبرير من هم عثمانيون أكثر من عثمان ، فهذا ابن كثير يذكر هذا الاحتمال البارد الكاسد ، ويريد أن يغمض عيون الناس ، فلا ينظروا إلى قبح مقارفة عثمان.

ومن جناية ابن كثير على الحديث وخيانته أنّه لم يذكره ، كما ورد في صحيح البخاريّ الذي اعتمده ، وإلى القارئ ما ذكره البخاريّ في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك قال : « شهدنا بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : «هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة »؟ فقال أبو طلحة ـ زيد ابن سهل الأنصاري ـ : أنا ، قال : «فانزل في قبرها » ، قال : فنزل في قبرها فقبرها ، قال ابن مبارك : قال فليح : أراه يعني الذنب.

قال أبو عبد الله ـ وهو البخاريّ ـ : ليقترفوا : ليكتسبوا »(١) .

أقول : ولشرّاح صحيح البخاريّ وغيرهم في هذا الحديث تشريق وتغريب عجيب في تبرئة ساحة عثمان من مغبّة معنى المقارفة ، على أنّ جماعة من أعلام الحفّاظ قد فسّروا المقارفة بالذنب صراحة ، فقد مرّ عن فليح قوله : أراه يعني الذنب.

ومرّ في تعقيب البخاريّ بقوله : ليقترفوا : ليكتسبوا ، إشارة إلى قوله تعالى :( وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) (٢) ، كما فهمه ابن حجر في فتح الباري(٣) ، وإلى قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) (٤) .

ولعلّ أجرأ من وقفت على كلامه في تفسيره المقارفة تصريحاً لا تلويحاً هو ابن بطال ، قال : « أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحرم عثمان النزول في قبرها ، وقد كان

__________________

١ ـ صحيح البخاريّ ٢ / ٩٣.

٢ ـ الأنعام : ١١٣.

٣ ـ فتح الباري ٣ / ١٦٧.

٤ ـ الأنعام : ١٢٠.

١٤١

أحقّ الناس بذلك ، لأنّه كان بعلها , وفقد منها علقاً لا عوض منه ، لأنّه حين قالعليه‌السلام : «أيّكم لم يقارف الليلة » سكت عثمان ، ولم يقل : أنا ، لأنّه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، فلم يشغله الهمّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المقارفة ، فحرم بذلك ما كان حقّاً له ، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره ، وهذا بيّن في معنى الحديث.

ولعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان علم بذلك بالوحي ، فلم يقل له شيئاً ، لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله ، حتّى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح ».

وهذا الحديث الذي فيه إدانة عثمان حتّى حرم من حقّ الدفن الذي كان هو الأولى به من أبي طلحة ، وعلم المسلمون المشيّعون يومئذ بذلك ، كيف لا يحاول الأمويّون وأنصارهم إذ لم يمكن تضييعه ، فلا أقلّ من تمييعه ولو عن طريق علماء التبرير في مستقبل الزمان ، وقد مرّ بنا كلام ابن كثير البارد الكاسد.

إذاً ، فليجتهد الأمويّون ومن لفّ لفّهم من بقية أعداء الإمام في خلق حدث أكبر يدينون به الإمام ، فكان حديث خطبة ابنة أبي جهل ، وقد مرّ بنا كيف حال رواته ، وكلّهم من زبانية الأمويّين ، وأعداء الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولنختم الكلام بما قاله ابن أبي الحديد ـ المعتزلي أُصولاً والحنفي فروعاً ـ في شرح النهج ، قال : « وعندي أنّ هذا الخبر لو صحّ لم يكن على أمير المؤمنين في غضاضة ولا قدح ، لأنّ الأُمّة مجمعة على أنّه لو نكح ابنة أبي جهل مضافاً إلى نكاح فاطمةعليها‌السلام لجاز ، لأنّه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع ، فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ، لأنّ هذه القصّة كانت بعد فتح مكّة ، وإسلام أهلها طوعاً وكرهاً ، ورواة الخبر يوافقون على ذلك.

فلم يبق إلاّ أنّه إن كان هذا الخبر صحيحاً ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا رأى فاطمة قد غارت ، وأدركها ما يدرك النساء ، عاتبت علياًعليه‌السلام عتاب الأهل ، كما يستثبت الوالد رأي الولد ، ويستعطفه إلى رضا أهله وصلح زوجته ، ولعلّ

١٤٢

الواقع كان بعض هذا الكلام ، فحرّف وزيد فيه.

ولو تأمّلت أحوال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع زوجاته ، وما كان يجري بينه وبينهن من الغضب تارة ، والصلح تارة أُخرى ، والسخط تارة والرضا أُخرى ، حتّى بلغ الأمر إلى الطلاق مرّة ، وإلى الإيلاء مرّة ، وإلى الهجر مرّة ، والقطيعة مرّة ، وتدبّرت ما ورد في الروايات الصحيحة ممّا كنّ يلقينهعليه‌السلام به ، ويسمعنه إيّاه ، لعلمت أنّ الذي عاب الحسدة والشائنون علياًعليه‌السلام به ، بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط.

ولو لم يكن إلاّ قصّة مارية ، وما جرى بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين تينك الامرأتين من الأحوال والأقوال ، حتّى أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب ، ويكتب في الصحائف ، وقيل لهما ما يقال للاسكندر ملك الدنيا ، لو كان حيّاً ، منابذاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (١) .

ثمّ أردف بعد ذلك بالوعيد والتخويف :( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ ) (٢) الآيات بتمامها ، ثمّ ضرب لهما مثلاً امرأة نوح وامرأة لوط اللتين خانتا بعليهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً ، وتمام الآية معلوم ، فهل ما روي في الخبر من غضب فاطمة على عليعليه‌السلام وغيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم ، إذا قويس إلى هذه الأحوال وغيرها ، ممّا كان يجري إلاّ كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس ، ولكن صاحب الهوى والعصبية لا علاج له »(٣) .

هذا آخر ما أردت بيانه حول نسيج الأفّاكين الذين حاولوا الغضّ من مقام الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنّه آذى فاطمة وأساء إليها ، تارة لخطبة ابنة أبي جهل ، وأُخرى بخطبة أسماء بنت عميس ، وثالثة بجارية بعث بها إليه أبو بكر ،

__________________

١ ـ التحريم : ٤.

٢ ـ التحريم : ٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٥.

١٤٣

ولكن كشفنا عوارهم ، وزدنا أوارهم ، وإن أغضب ذلك أنصارهم ، انتصاراً للحقّ المهضوم ، ودحضاً للباطل المزعوم.

( البحرين ـ ٣٥ سنة ـ مهندس )

صبر لوصية من النبيّ :

س : بداية أشكركم على إجابتكم لي على سؤالي السابق ، جزاكم الله خيراً لخدمتكم الإسلام والمسلمين ، والحقيقة أنّي أطمع في المزيد ممّا عندكم.

أرجو منكم التكرّم بتزويدي بوصية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام عليعليه‌السلام قبل انتقاله للرفيق الأعلى ، والتي تتعلّق بالبلاء والغدر ، الذي سيحل بأمير المؤمنينعليه‌السلام في بيته وزوجتهعليها‌السلام ، وخلافة المسلمين من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله , والتي يأمره فيها بالصبر على كلّ هذا البلاء.

وهذا ما يحتجّ به بعض المذاهب الإسلامية ، ألا وهو سكوت الإمامعليه‌السلام عن حقوقه ، ولكم منّي فائق الاحترام والتقدير.

ج : وردت الوصية بما ذكرت من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام نقلاً عن أمر الله تعالى ، وهو جلّ جلاله العليم الحكيم ، واليك الوصية كما رواها الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال : « حدّثني موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أليس كان أمير المؤمنين عليه‌السلام كاتب الوصية ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المُملى عليه ، وجبرائيل والملائكة المقرّبون عليهم‌السلام شهود ؟

قال : فاطرق طويلاً ، ثمّ قال : يا أبا الحسن ـ كنية الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ـ قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر ، نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجّلاً ، نزل به جبرائيل مع أُمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة.

فقال جبرائيل : يا محمّد مر بإخراج مَن عندك إلاّ وصيّك ، ليقبضها

١٤٤

وتشهدها بدفعكَ إيّاها إليه ضامناً لها ـ يعني عليّاًعليه‌السلام ـ فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراج مَن كان في البيت ما خلا عليّاًعليه‌السلام ، وفاطمة فيما بين الستر والباب ، فقال جبرائيل : يا محمّد ربُّك يقرئكَ السلام ويقول : هذا كتابُ ما كنتُ عهدتُ إليك ، وشرطتُ عليك ، وشهدتُ به عليك ، وأشهدتُ به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمّد شهيداً.

قال : فارتعدت مفاصل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا جبرائيل ربّي هو السلام ومنه السلام وإليه يعودُ السلام ، صَدَق عزّ وجلّ وبرّ ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمرهُ بدفعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له : اقرأهُ ، فقرأه حرفاً حرفاً.

فقال : يا علي هذا عهد ربّي تبارك وتعالى إليَّ ، شرطهُ عليَّ وأمانتهُ ، وقد بلّغتُ ونصحتُ وأدّيتُ ، فقال عليعليه‌السلام : وأنا أشهدُ لك بأبي وأُمّي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلتَ ، ويشهدُ لكَ به سمعي وبصري ولحمي ودمي ، فقال جبرائيلعليه‌السلام : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين.

فقال : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أخذتَ وصيّتي وعرفتَها ، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها ، فقال عليعليه‌السلام : نعم ، بأبي أنت وأُمّي عليَّ ضمانُها ، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إنّي أُريدُ أن أُشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة.

فقال عليعليه‌السلام : نعم اشهد ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبرائيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكة المقرّبون لأشهدهم عليك ، فقال : نعم ، ليشهدوا وأنا ـ بأبي أنت وأُمّي ـ أُشهدهم ، فأشهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان فيما اشترط عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر جبرائيل عليه‌السلام فيما أمر الله عزّ وجلّ أن قال له : يا علي تفي بما فيها من موالاة مَن وإلى الله ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله ، والبراءة منهم ، على الصبر منك ، وعلى كظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقّك ، وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك؟

١٤٥

فقال : نعم ، يا رسول الله »(١) .

وأيضاً يؤيّد ما ذكر ، ما جاء في مصادر أهل السنّة ، فقد روى يونس بن حباب عن أنس بن مالك قال : « كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب معنا ، فمررنا بحديقة ، فقال علي : «يا رسول الله ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة »! فقال : «إنّ حديقتك في الجنّة أحسن منها » ، حتّى مررنا بسبع حدائق ، يقول علي ما قال ، ويجيبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما أجابه.

ثمّ إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف فوقفنا ، فوضع رأسه على رأس علي وبكى ، فقال علي : «ما يبكيك يا رسول الله »؟ قال : « ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني » ، فقال يا رسول الله : «أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم » ، قال : «بل تصبر » ، قال : «فإن صبرت » ، قال : «تلاقي جهداً » ، قال : «أفي سلامة من ديني »؟ قال : «نعم » ، قال : «فإذن لا أبالي »(٢١) .

وقد أخبر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره بأنّ الأُمّة ستغدر به من بعده ، فقد روى عثمان بن سعيد عن عبد الله بن الغنويّ : أنَّ علياً خطب بالرحبة فقال : «أيّها الناس ، إنّكم قد أبيتم إلاّ أن أقولها! وربّ السماء والأرض ، إنّ من عهد النبيّ الأُميّ إليَّ : إنَّ الأُمّة ستغدرُ بك بعدي ».

قال ابن أبي الحديد بعد روايته لهذا الخبر : « وروى هيثم بن بشر عن إسماعيل بن سالم مثله ، وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه »(٣) .

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٢٨١.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٧ ، كنز العمّال ١٣ / ١٦٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٢٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٨ ، المعجم الكبير ١١ / ٦١ ، جواهر المطالب ١ / ٢٢٩.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٧ ، المستدرك ٣ / ١٤٢ ، كنز العمّال ١١ / ٢٩٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٤٨ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٤٤ و ٧ / ٣٦٠.

١٤٦

ولم يكن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالصبر من بعده على ما سيجري عليه من بلاء وغدر ، كما صرّح بذلك الإمام عليعليه‌السلام نفسه ، إلاّ للقراءة الكاملة التي كان يقرأها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بما منَّ الله عليه من علم ـ لحال الأُمّة من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١ ـ تفرّق كلمتها ، ورزية يوم الخميس الواردة في صحاح القوم خير شاهد على ذلك.

٢ ـ قلّة الناصرين لأمير المؤمنينعليه‌السلام في مطلب الخلافة ، وزعامة الأُمّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كانت أحداث السقيفة ، وتقاعس المسلمين ـ من المهاجرين والأنصار ـ عن نصرة الإمامعليه‌السلام بأعذار وتبريرات مختلفة ، تناولها الباحثون عند حديثهم عن تلك الحقبة ، خير دليل على هذا الواقع.

وقد وردت جملة من الروايات تشير إلى هذه الحقائق المتقدّمة ، حيث جاء في كتاب سليم بن قيس الهلالي ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : «يا علي ، إنّك ستلقي بعدي من قريش شدّة ، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإنّ وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم ، وقاتل من خالفك بمن وافقك ، فإنّ لم تجد أعواناً ، فاصبر وكف يدك ، ولا تلق بيدك إلى التهلكة ، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة ، إنّه قال لأخيه موسى : إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني »(١) .

وفي المصدر ذاته ، أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يأخذ بيدي الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ويطوف بالبضعة الزهراءعليها‌السلام على بيوت الأنصار والمهاجرين ، وأهل السابقة في الإسلام ، يدعوهم لنصرته ، فلم يستجب له غير أربعة ، هم : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، حتّى قال : «لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل »(٢) .

__________________

١ ـ كتاب سليم بن قيس : ١٣٤.

٢ ـ المصدر السابق : ٣٠٢.

١٤٧

وفي تاريخ اليعقوبيّ عند ذكره لأحداث السقيفة وما جرى أيامها : « وكان خالد بن سعيد غائباً ، فأتى علياً فقال : هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك ، واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : «اغدوا على هذا محلّقين الرؤوس » ، فلم يغدُ عليه إلاّ ثلاثة نفر »(١) .

الأمر الذي كان يعني بأنّ على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يسلك أحد الطريقين : إمّا الخروج بالسيف على من ناواه مع قلّة الناصر ، وهذا يعني احتمال موته وموت اتباعه القليلين ، الذين أطاعوا الله والرسول بالتمسّك بالثقلين ـ الكتاب والعترة ـ وفي ذلك تكون الخسارة كبيرة ، وقد لا تعادلها خسارة للأُمّة ، بل وربما تتعرّض الرسالة الإسلامية برمّتها للخطر فيما لو تمّ ذلك.

هذا بالإضافة إلى وقوع خطر الانقسام الشديد في الأُمّة ، الذي يجعلها لقمة سائغة لأعدائها المتربّصين بها من اليهود والنصارى ، وهي فتية عهدها ، وما زالت في دور نشوئها بعد.

والطريق الثاني : وهو طريق السكوت والصبر ، والعمل على تهيئة الأُمّة تهيئة عقائدية روحية ، تستطيع من خلالها أن تتحمّل المسؤولية في نصرة أئمّة الحقّ ، وأن تعي أبعاد الرسالة الإسلامية وأهدافها الطويلة الأمد ، وهو الطريق الذي رسمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

وقد سار عليه الإمامعليه‌السلام وهيّأ الأُمّة لهذه المرحلة بصبره وعلمه وتقواه ، حتّى أجمعت الأُمّة على مبايعته والامتثال لأوامره فيما بعد ، فقد كانت بيعتهعليه‌السلام هي البيعة الوحيدة من بين الذين سبقوه ، ممّا اجمع عليه المهاجرون والأنصار في مدينة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك عندما أحسّت الأُمّة بضرورة قيادتهعليه‌السلام لها ، وأنّه

__________________

١ ـ تاريخ اليعقوبيّ ٢ / ١٢٦.

١٤٨

الوحيد القادر على إنقاذها في تلك المرحلة الخطرة من تاريخها.

ولا يعني صبرهعليه‌السلام وعدم خروجه بالسيف على من ناواه في حقّ الخلافة أنّه سكت عن حقّه ، ولم يطالب به ، بل كانت مطالبتهعليه‌السلام بحقّه دائمة ومستمرّة ، إذ لم يترك الإمامعليه‌السلام مجالاً سلميّاً يمكن أن يطالب فيه بحقّه إلاّ وسلكه ، وقد ذكرت كتب السير والحديث والتراجم تلك المقالات التي كان الإمامعليه‌السلام يجاهر بها بالمطالبة بحقّه ، وأنّ القوم اغتصبوا حقّاً هو له دونهم.

ومحاججته لأبي بكر وبقية الأصحاب الذين أبرموا بيعة السقيفة ، وقولهعليه‌السلام : «لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً »؟!(١) .

وهناك نصوص مختلفة في نهج البلاغة ، يذكر فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام مطالبته بحقّه ، منها ما ورد في يوم الشورى : « وقد قال قائل : إنّك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص ، فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين ، هب كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به »(٢) !

( يحيى زكريا ـ قطر ـ سنّي ـ ٣٩ سنة ـ مهندس )

مواصفات الإمامة تنطبق عليه :

س : لقد كان القرآن واضحاً وصريحاً ولا غموض فيه في جميع شؤون الحياة الدنيا والآخرة ، لدرجة أحكام الحيض.

__________________

١ ـ الإمامة والسياسية ١ / ٢٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٩ / ٣٠٥.

١٤٩

حسب هذا المفهوم ، ومن وجهة نظركم ، أليس أولى من حكم الحيض أن يكون القرآن قد أمر باتباع الأئمّة بشكل واضح وصريح ودون لبس ، حتّى لا يكون هناك أدنى شكّ لما تؤمن به الشيعة؟

فحسب فهمي للقرآن ليس هناك أيّ آية تدعو إلى اتباع علي ، أو أيّ من أبنائه بشكل مباشر ، ولن أقبل أي تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا وكذا.

فعندما أمرنا الله باتباع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قالها صريحة وواضحة ودون إشارات : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (١) .

أمّا في المقابل ، فإنّ الله لم يأمر في كتابه لا بولاء علي ، أو أيّ من أبنائه ، ولم يذكر أيّ منهم في كتابه ، وإن كان شأنهم أعلى من أنبياء الله ـ كما تزعمون في مذهبكم ـ لكان أولى ذكرهم بأسمائهم ، كما ذكر آدم ونوح وإبراهيم ، وإلى آخر من ذكر من أنبياء الله في القرآن العظيم.

وهل يعقل أن يذكر الله اسم سيّدنا « زيداً » في كتابه ، حتّى يبيّن لنا حكماً هامّاً من أحكام الله ، ولم يذكر اسم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إذا كان اتباعه وولايته من بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ركناً من أركان الإسلام ، كما يدّعي علماء الشيعة؟

أرجو أن يكون جوابكم مقنعاً وبعيداً عن الفلسفة العقليّة ، بل بالنصوص الأكيدة.

ج : قولك بأنّك لن تقبل أيّ تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا ، فإنّ تفسير القرآن لا يكون بالإشارة ، وإنّما يكون بالأدلّة اللازمة ، سواء عقليّة أو نقليّة ، ولكنّي أقول لك هلا طبّقت هذه القاعدة ـ لو سلّمنا معك بقبولها وصحّتها ـ على كلّ أحكام الإسلام؟

ولنرمي السنّة خلف ظهورنا ، كما أراد عمر بن الخطّاب ، عندما قال : إنّ النبيّ ليهجر ، يكفينا كتاب الله ، وإن لم تقبل ، ولا اعتقد أنّك تقبل ، لأنّه

__________________

١ ـ آل عمران : ١٤٤.

١٥٠

سوف يذهب الإسلام ، فأقول : لماذا تطالب بذلك عند الكلام عن ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتريد نصّاً من القرآن ، ولا تقبل بالظاهر منه والتفسير ، والأحاديث الموضّحة له ، ولا تريد ذلك في غيره من عقائد وأحكام الإسلام ، فهل هو إلاّ الهوى والتعصّب!!

وهناك شيء آخر : كأنّك تعني أنّ الله جلّ جلاله لم ينزل كلّ الأحكام التي تحتاجها الأُمّة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الرسالة ناقصة غير كاملة على الأقل في هذا المورد ، فأنّك تدّعي بأنّه لا يوجد نصّ في القرآن على حكم الإمامة ، هل هي بالنصّ أو بالاختيار من الأُمّة؟ وأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبيّن لنا في ذلك شيء؟

فإن قلت : إنّي لم أنكر النصّ على حكم الإمامة في القرآن ، وإنّما أنكرت النصّ على عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن.

فنقول : هو كذلك ، لم ينصّ على عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن ، ولكنّه نصّ على حكمها فيه ، وإنّ الإمامة بالنصّ لا بالاختيار ، وإنّ لها أفراداً مخصوصين موصوفين بمواصفات خاصّة مذكورة في القرآن.

فإن قلت : لا ، إنّه نصّ على حكمها في القرآن بأنّها حقّ للأُمّة ، وهي تختار إمامها ، فهي شورى.

قلنا : أوّلاً ، لا نسلّم ذلك من أنّ المستفاد من آية الشورى أنّها في الإمامة ، ثمّ ما بالك تمسّكت هنا بالإشارة دون النصّ ، وتطالب في عليعليه‌السلام بالنصّ دون الإشارة!!

فإن قلت : قد بيّن ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه وضّح المراد ممّا جاء بالقرآن ، وأوضح في أحاديثه أنّ الأمر للأُمّة.

قلنا : ما عدا ممّا بدا ، ألم نقل نحن ذلك ، وقلنا : إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بيّن القرآن ، وأوضح أنّ المراد بالآيات المتعلّقة بالإمامة هو عليعليه‌السلام ، فلم تنكر علينا ما تقبله أنت!

١٥١

ثمّ إنّ الكلام في الأحاديث التي ادعيت أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوضح أنّ الأمر يعود للأُمّة ، فنحن لا نسلّم بمثل هذه الأحاديث ، أو لا وجود لها في البين ، فتأمّل!!

فإذا تبيّن أنّ الرسالة كاملة ، وأنّه لا يمكن أن يترك الله الناس دون أن يبيّن لهم الأمر في الإمامة ، هل هي بالنصّ أم بالاختيار ، وأنّه لابدّ لها في الإسلام من حكم ، وعرفنا أنّ الله أنزل كلّ شيء في القرآن ، ولكن فيه المحكم والمتشابه ، وقد بيّن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المتشابه لنا.

فالأحكام بصورة كلّية نأخذها من القرآن والسنّة ، لا يبقى لنا مجال للاعتراض على الله تعالى ، بأنّه لماذا لم يذكر هذا الحكم أو ذاك الحكم صريحاً في القرآن؟ بعد أن بيّنه لنا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوضح لنا ما تعلّق به من القرآن المتشابه ، فالله لا يُسأل عمّا يفعل ، وله الحكمة في كلّ ذلك ، وعلينا السمع والطاعة ، سواء جاءنا الأمر من القرآن أو من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو قول الشيعة الإمامية ، فإنّهم يقولون : إنّه يوجد في القرآن آيات تخصّ الإمامة وتبيّن مصاديقها ، بعضها محكمة وبعضها متشابه بيّنها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد فسّر لنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كلا القسمين من الآيات صريحاً ، وذكر لنا الأسماء التي هي مصاديق هذه الآيات ، فليس لنا إلاّ الطاعة والقبول والتسليم ، وهذا هو الإيمان ، والإسلام الصحيح.

( عماد ـ الكويت ـ ٣٧ سنة ـ بكالوريوس هندسة )

جاء النصّ على خلافته من يوم الدار :

س : سمعت بعض علماء السنّة يتحدّث عن سيرة الإمام علي عليه‌السلام ، مع أنّه كان غامضاً وغير صريح ، كان يقول : بأنّ العباس بن عبد المطّلب قال لأمير المؤمنين : أطلب الخلافة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن الإمام رفض ذلك!! فهل هذا صحيح؟ فإنّني أُريد التأكّد فقط لا غير ، وشكراً.

ج : ما يقول هذا مأخوذ من كتبهم ولا أظن أنّ هذا يصحّ حتى من طرقهم ،

١٥٢

فمن المعلوم مدى تأثير الحكّام في وضع مثل تلك الأحاديث فيها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ الإمامعليه‌السلام جاء عليه النصّ بالخلافة من يوم الدار ، عندما أنذر الرسول عشيرته الأقربين ، وقبل الإمام ذلك ، فما الداعي لطلب ما قد حصل عليه مسبقاً ، إذ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم : «أيّكم يكون أخي ووصييّ ووارثي ، ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ، فقلت ـ أي علي عليه‌السلام ـ : أنا يا رسول الله ، فقال : يا بني عبد المطّلب هذا أخي ووارثي ووصييّ ووزيري ، وخليفتي فيكم بعدي »(١) .

ثالثاً : لو سلّمنا بوجود مثل هكذا كلام ، فإنّه لا يمتنع أن يريد العباس سؤاله عمّن يصل الأمر إليه ، وينتقل إلى يديه ، لأنّه قد يستحقّه من لا يصل إليه ، وقد يصل إلى من لا يستحقّه ، فعبارة العباس كانت هكذا : اذهب بنا إلى رسول الله نسأله فيمن هذا الأمر.

« حمد العمانيّ ـ عمان ـ ٢٥ سنة ـ موظّف »

حكم صلاته أثناء إخراج السهم منه :

س : ورد في الروايات : إنّ الإمام عليعليه‌السلام عندما يصلّي ينتزعون شظايا الحرب من بدنه الشريف.

س : ما حكم الصلاة ، وفي البدن الشريف شيء من الدم؟ ودمتم موفّقين.

ج : لقد وردت هذه الروايات في سياق الإشارة إلى شدّة ارتباط الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بربّه أثناء العبادة ، وسموّ روحه العالية في العشق الإلهيّ ، الذي ينسيه آلام الجسد ، ويجعل للقوى الروحية السامية السيطرة الكاملة على حال ووضع الإمام عليعليه‌السلام أثناء العبادة.

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ١٧٠.

١٥٣

ودم القروح والجروح التي لم تبرأ معفيّ عنها في الصلاة ، وإن أصاب دمها الثياب ، وقد ذكر بعض العلماء : أنّه حكم إجماعيّ ، وفيه روايات كثيرة ، فراجع.

( عيسى ـ الإمارات ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية )

كان حاضراً يوم الرزية :

س : هل كان الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام موجوداً في أثناء مرض الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله , أو بالأخصّ هل كان حاضراً أثناء رزية يوم الخميس؟ ـ كما أطلق عليها ابن عباس ـ وماذا كان دورهعليه‌السلام في تلك الحادثة؟

الرجاء توضيح هذه المسألة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : ذكر الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « أنّ الإمام عليعليه‌السلام كان حاضراً في يوم الرزية ، وكان من ضمن الباقين بعد إخراج القوم المتنازعين عنده ، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يفارق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه إلاّ للضرورة ».

وذكر الشيخ المفيد أيضاً : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لخاصّة أهل بيته : «أنتم المستضعفون بعدي » ، وأصمت ، فنهض القوم وهم يبكون ، قد آيسوا من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »(١) ، ولم يذكر أهل الحديث دور مخصوص للإمام عليعليه‌السلام في تلك الواقعة.

ولكن من سياق الأحداث التي عرفناها من الروايات عن تلك الحادثة ، ومن مجمل سيرة أمير المؤمنينعليه‌السلام نعرف أنّه لا يسبق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقول أو بعمل ، فهو يده اليمنى ، والمنفّذ الحاضر دائماً ، والتابع المطلق للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن المستبعد له أن يقول ، أو أن يفعل شيئاً في تلك الحادثة ، يسبق بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو يصدر عن غير أمره ، خاصّة وأنّ المقصود والمجابه في تلك الحادثة كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه.

__________________

١ ـ الإرشاد ١ / ١٨٤.

١٥٤

( أبو يوسف ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب )

في مصحفه تفسير وتأويل للآيات القرآنية :

س : هناك بعض الروايات تقول : بأنّ الإمام القائمعليه‌السلام سيخرج ومعه مصحف أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والذي لا يختلف عن قرآننا هذا ، سوى أنّ الآيات مرتّبة كما في نزولها ، ووجود بعض التوضيحات التي دوّنها من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا السؤال فهو : ما الفائدة من خروج الإمامعليه‌السلام بهذا القرآن الغير مختلف عن قرآننا الحالي؟ وماذا نستفيد من ترتيب الآيات حسب نزولها؟

ووفق نصّ حديث الثقلين الذي ينصّ على أنّ القرآن الكريم لن يفترق عن أهل البيتعليهم‌السلام فكيف يكون القرآن موجود بيننا والإمام إلى الآن غائب؟ ألا يستلزم أنّ القرآن الذي بين أيدينا غير القرآن الذي لدى أهل البيت عليهم‌السلام ؟ ودمتم سالمين.

ج : إنّ مصحف أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يختلف عن قرآننا ، إلاّ أنّ فيه تفسير وتأويل للآيات القرآنية ، وأنّ فيه توضيح المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والعام والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، وأسباب النزول.

وأنّ الإمام المهديّعليه‌السلام عندما يظهر ذلك المصحف يظهر كلّ تلك المعاني والتفاسير ، التي غابت عن الناس قبل ظهوره ، يظهرها من ذلك المصحف ، ولا يخفى ما لإظهار تلك المعاني والتفاسير من فائدة ، لفهم الكثير من الحقائق ، التي لم يأن الأوان لإظهارها ، إضافة للمعلومات التي سنعرفها ، والتي تدرّس في علوم القرآن.

ثمّ إنّ ما في مصحف أمير المؤمنينعليه‌السلام من تغيّر في ترتيب السور والآيات ـ كما يظهر من بعض الروايات ـ فائدة في معان أُخرى للآيات القرآنية ، لا تتمّ إلاّ بذلك الجمع ، وهذا لا يتعارض مع ما موجود عندنا من معان للقرآن على هذا الترتيب ، لأنّ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام قد أقرّوا بصحّة الاستفادة من هذا القرآن على ما هو عليه الآن ، وبهذا الترتيب ، بل هي معان إضافية يظهرونها في وقتها.

١٥٥

وعدم الافتراق الذي نقوله للإمام مع القرآن ، لا يعني عدم الافتراق المكاني ، فإنّ هذا الافتراق حاصل منذ أوّل يوم جمع فيه القرآن على شكل مصحف ، فكم مرّة يكون الإمام في مكان ، وكتاب القرآن في مكان آخر ، وإنّما عدم الافتراق الذي نقوله إنّ أعمال الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام لا تخالف مضامين القرآن الكريم ، فكلّ عمل يصدر منهم هو مطابق للقرآن ، وكلّ ما في القرآن هم ممّن عمل به ، وصدّقه وآمن به ، وهو معنى العصمة الذي نستفيده من الملازمة.

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

مصادر تآمر خالد بن الوليد على قتله :

س : قرأت روايات في بعض الكتب تقول : إنّ الخليفة الأوّل قام بالتشاور مع عمر لقتل الإمام علي عليه‌السلام أثناء الصلاة ، بواسطة خالد بن الوليد ، ثمّ ندم الخليفة الأوّل ، أو خاف ، فقال أثناء الصلاة وهو يخاطب خالد : لا تفعل.

فهل هذه الرواية صحيحة وثابتة؟ وبارك الله فيكم ، وجزاكم خيراً ، وأسألكم الدعاء.

ج : التآمر على الفتك بالإمام عليعليه‌السلام في حال الصلاة على يد خالد بن الوليد مرويّ في عدّة مصادر بتفاوت في الإجمال والتفصيل ، وفي الإسناد والإرسال ، ممّا يوحي إجمالاً بصحّة القضية ، وإليك أسماء المصادر التي وردت فيها ذكر ذلك ، وإن كان المتأخّر منها ينقل عن المتقدّم ، وهي :

تفسير القمّيّ(١) ، المسترشد(٢) ، شرح نهج البلاغة(٣) ، وغيرها(٤) .

__________________

١ ـ تفسير القمّيّ ٢ / ١٥٨.

٢ ـ المسترشد : ٤٥٢.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١٣ / ٣٠١.

٤ ـ أُنظر : الاحتجاج ١ / ١٢٤ ، تفسير نور الثقلين ٤ / ١٨٨ ، بحار الأنوار ٢٩ / ١٣١ ، بيت الأحزان : ١٣٥ ، مدينة المعاجز ٣ / ١٥١ ، علل الشرائع ١ / ١٩١ ، الصراط المستقيم ١ / ٣٢٣.

١٥٦

( باقر الهاشميّ. الإمارات ـ ٢٣ سنة ـ طالب حوزة )

معنى أنّه هاجر الهجرتين :

س : ما الهجرتين اللتين هاجرهما الإمام عليعليه‌السلام كما ورد ذلك في خطبة الإمام زين العابدينعليه‌السلام .

أفيدونا جزاكم الله خيراً ، ونسأل العليّ القدير وحده لنا ولكم التوفيق والسداد ، ونسألكم الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ج : المقصود من الهجرتين التي هاجرهما الإمام عليعليه‌السلام ، هي أحد المعاني الآتية :

الأوّل : المتبادر عند المسلمين عن ذكر الهجرتين ، هي هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، والمعلوم أنّ الإمامعليه‌السلام قد هاجر إلى المدينة ، ولكن لم يثبت عندنا أنّ الإمامعليه‌السلام هاجر إلى الحبشة ، فلابدّ إذاً أن لا يكون هذا المعنى مراداً للإمامعليه‌السلام .

الثاني : قد ذكر ابن عباس أنّ الإمامعليه‌السلام قد هاجر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هجرتيه ، والمعلوم أنّ الرسول قد هاجر إلى الطائف لأيّام قليلة وإلى المدينة ، فمعنى قول الإمام زين العابدين المأخوذ من قول الإمام عليعليه‌السلام في إحدى خطبه : « أنا صاحب الهجرتين » أي أنا صاحب هجرة الطائف وصاحب هجرة المدينة ، وهذا يتمّ إذا تمّ اعتبار الأيّام القليلة مع الرسول في الطائف هجرة.

الثالث : إنّ المراد بالهجرتين هي هجرة المدينة ، والهجرة إلى الكوفة ، فالأُولى هجرة النبوّة ، والثانية هجرة الإمامة ، فكلّ مسافر إلى طلب الدين يسمّى مهاجراً ، فالذين هاجروا إلى المدينة هاجروا للالتحاق بالنبوّة ، والمهاجر إلى الكوفة يهاجر لطلب الإمامة الحقّة.

وقد ورد عن الإمام عليعليه‌السلام في إحدى خطبه قوله : «والهجرة قائمة على حدّها الأوّل ، ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الأُمّة ومعلنها ، لا يقع

١٥٧

اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة في الأرض »(١) .

وقد شرح العلاّمة التستري ذلك بقوله : « وإنّما قالعليه‌السلام ذلك مقدّمة لغرضه من كون الهجرة إلى الإمام كالهجرة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلاّ ففي عصرهعليه‌السلام وإن كان الإسلام فتح الأرض شرقاً وغرباً ، إلاّ أنّه لمّا كان رجال قاموا على خلافه من يوم وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر عمرهعليه‌السلام صار الأمر مثل أوّل الإسلام »(٢) .

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٣ / ١٠١.

٢ ـ بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ٣ / ٣٩٢.

١٥٨

الإمام الحسن عليه‌السلام :

( أبو حسن ـ البحرين ـ )

لم يكن كثير الزواج والطلاق :

س : تحية طيّبة وبعد ، أشكر الإخوة الأعزاء على هذا الموقع الأكثر من رائع ، ولكم دوام الموفّقية إن شاء الله.

هناك بعض الأخبار تقول : بأنّ الإمام الحسن كان كثير الزواج والطلاق ، حتّى في بعض المصادر الشيعيّة ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ أرجو التفصيل.

ج : إنّ الروايات الواردة عن كثرة زواج وطلاق الإمام الحسنعليه‌السلام جميعها مردودة عقلاً ونقلاً.

وأمّا ما ورد منها في مصادرنا ، فتشتمل في السند على مجهولين ومهملين ، أو غير موثّقين ، فلا حجّية في إسنادها ، فضلاً عن قبولها.

وأمّا ما جاء في مصادر العامّة بهذا الشأن فهو مقطوع البطلان ، إذ ورد فيه علي بن عبد الله المدائني ، ومحمّد بن علي بن عطية ، والمنصور الدوانيقي ، وكلّهم مجروحون عند أصحاب الرجال ، مضافاً إلى ثبوت عداء بعضهم لأهل البيتعليهم‌السلام كالمنصور ، أو مودّة بعضهم الآخر لبني أُمية كالمدائني ، فهكذا أحاديث تفوح منها رائحة الوضع والتدليس.

ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالموضوع غير مقبول عقلاً ، إذ كيف يعقل أن يعرّف أمير المؤمنينعليه‌السلام ابنه الإمام الحسنعليه‌السلام بهذه الكيفية ، وهوعليه‌السلام يريد أن ينصّبه للناس إماماً من بعده؟ أليس ذلك ـ والعياذ بالله ـ يعدّ تنقيصاً في إمامتهعليه‌السلام ؟!

١٥٩

فالتحقيق : إنّ أعداء أهل البيتعليهم‌السلام من بني أُمية وغيرهم قد وضعوا هذه الأحاديث ودسّوها في الكتب للنيل من شخصية الإمام الحسنعليه‌السلام .

( معاذ التل ـ الأردن ـ سنّي ـ ٣٢ سنة ـ طالب جامعة )

موقف عائشة ومروان عند دفنه :

س : تروي بعض كتب التاريخ : إنّه حينما أراد الإمام الحسينعليه‌السلام دفن الإمام الحسنعليه‌السلام بجنب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استأذن عائشة ، فوافقت على ذلك ، ولكن مروان بن الحكم وجماعته هم الذين منعوه بالقوّة.

في حين قرأت لأحدهم على الإنترنت : إنّ عائشة أتت للقبر ، وقالت : لا يدفن مع زوجي من لا أُحبّ ، فما مدى صحّة ذلك ، وما هي المراجع؟

ج : قد روى الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « لما أحتضر الحسن بن عليعليهما‌السلام ، قال للحسينعليه‌السلام : يا أخي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمةعليها‌السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي في البقيع ، واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها ، وعداوتها لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قبض الحسنعليه‌السلام ، وضع على سريره ، وانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّي على الحسنعليه‌السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فأدخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول الله بلغ عائشة الخبر.

وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن عليعليهما‌السلام ليدفن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً ، فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجابه.

١٦٠

فقال لها الحسين بن عليعليهما‌السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قربه ، وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة ، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليحدث به عهداً ، واعلمي أنّ أخي أعلم الناس بالله ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستره ، لأنّ الله تبارك وتعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاََ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيّ الإَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١) ،وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الرجال بغير إذنه .

وقد قال الله عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (٢) ، ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند إذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المعاول .

وقال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (٣) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّ الله حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء ، وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسنعليه‌السلام عند أبيه ( صلوات الله عليه ) جائزاً فيما بيننا وبين الله ، لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسك ».

قال : « ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة : يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ».

قال : « فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية ، هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟

فقال لها الحسينعليه‌السلام : وأنّى تبعدين محمّداً من الفواطم ، فو الله لقد ولدته

__________________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢ ـ الحجرات : ٢.

٣ ـ الحجرات : ٣.

١٦١

ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص ابن عامر ».

قال : « فقالت عائشة للحسينعليه‌السلام : نحوا ابنكم واذهبوا به ، فإنّكم قوم خصمون ».

قال :« فمضى الحسين عليه‌السلام إلى قبر أُمّه ، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع »(١) .

وروي أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « لمّا أن حضرت الحسن بن عليعليهما‌السلام الوفاة بكى بكاء شديداً وقال : إنّي أقدم على أمر عظيم ، وهول لم أقدم على مثله قط ، ثمّ أوصى أن يدفنوه بالبقيع.

فقال : يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأجدّد به عهدي ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفني ، فستعلم يا بن أُم أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله ، فيجلبون في منعكم ، وبالله أقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم.

فلمّا غسلّه وكفّنه الحسينعليه‌السلام ، وحمله على سريره ، وتوجّه إلى قبر جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليجدّد به عهداً ، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أُمية ، فقال : أيدفن عثمان في أقصى المدينة ، ويدفن الحسن مع النبيّ؟ لا يكون ذلك أبداً ، ولحقت عائشة على بغل ، وهي تقول : ما لي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ.

فقال ابن عباس لمروان : انصرفوا ، لا نريد دفن صاحبنا عند رسول الله ، فإنّه كان أعلم بحرمة قبر رسول الله من أن يطرق عليه هدما ، كما يطرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه ، انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصّى.

ثمّ قال لعائشة : واسوأتاه يوماً على بغل ، ويوماً على جمل » ، وفي رواية :

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٣٠٠.

١٦٢

«يوماً تجمّلت ويوماً تبغّلت ، وإن عشت تفيّلت ».

فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال :

يا بنت أبي بكر لا كان ولا كنت

لك التسع من الثمن وبالكلّ تملّكت

تجمّلت تبغّلت وإن عشت تفيّلت(١)

وروي عن زياد المخارقي قال : « لمّا حضرت الحسنعليه‌السلام الوفاة ، استدعى الحسين بن عليعليهما‌السلام فقال : « يا أخي إنّي مفارقك ، ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، وقد سقيت السمّ ، ورميت بكبدي في الطست ، وإنّي لعارف بمن سقاني السمّ ، ومن أين دهيت ، وأنا أخاصمه إلى الله تعالى ، فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث الله عزّ ذكره فيّ ، فإذا قضيت نحبي فغمّضني ، وغسّلني وكفّني ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأجدّد به عهداً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ( رضي الله عنها ) فادفني هناك.

وستعلم يا بن أُم ، أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيجلبون في منعكم عن ذلك ، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم ».

ثمّ وصّىعليه‌السلام إليه بأهله وولده وتركاته ، وما كان وصّى به إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام حين استخلفه وأهله لمقامه ، ودلّ شيعته على استخلافه ، ونصّبه لهم علماً من بعده.

فلمّا مضىعليه‌السلام لسبيله ، غسّله الحسينعليه‌السلام وكفّنه ، وحمله على سريره ، ولم يشكّ مروان ومن معه من بني أُمية أنّهم سيدفنونه عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتجمّعوا له ولبسوا السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين بن عليعليهما‌السلام إلى قبر جدّه

__________________

١ ـ الخرائج والجرائح ١ / ٢٤٣.

١٦٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليجدّد به عهداً أقبلوا إليهم في جمعهم ، ولحقتهم عائشة على بغل ، وهي تقول : ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ؟

وجعل مروان يقول : يا ربّ هيجا هي خير من دعة ، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ؟ لا يكون ذلك أبداً ، وأنا أحمل السيف.

وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أُمية ، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته ، ثمّ نردّه إلى جدّته فاطمةعليها‌السلام ، فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلمت أنّك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك ، لكنّهعليه‌السلام كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره ، من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه.

ثمّ أقبل على عائشة وقال لها : واسوأتاه ، يوماً على بغل ، ويوماً على جمل؟ تريدين أن تطفئي نور الله؟ وتقاتلين أولياء الله؟ ارجعي فقد كفيت الذي تخافين ، وبلغت ما تحبّين ، والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.

وقال الحسينعليه‌السلام : «والله لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء ، وأن لا أهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا ».

ومضوا بالحسنعليه‌السلام فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها وأسكنها جنّات النعيم »(١) .

ومثله في مناقب آل أبي طالب مع اختصار ، وزاد فيه : « ورموا بالنبال جنازته حتّى سل منها سبعون نبلاً »(٢) .

__________________

١ ـ الإرشاد ٢ / ١٧.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٠٣.

١٦٤

( أبو محمّد ـ لبنان ـ )

حيثيّات صلحه :

س : أرجو منكم أن ترسلوا لي ملخّص عن حيثيّات صلح الإمام الحسن عليه‌السلام مع معاوية ، لأنّ أهل السنّة يعتبرون أنّ الصلح قد أعطى الشرعية في الخلافة لمعاوية.

ج : للإجابة على سؤالكم لابدّ من الأخذ بعين الاعتبار أربعة أُمور يتوقّف عليها القول بشرعية خلافة معاوية :

١ ـ إنّ الإمام الحسنعليه‌السلام بايع معاوية بيعة حقيقية!!

٢ ـ إنّ الإمام الحسنعليه‌السلام تنازل عن الخلافة لمعاوية!!

٣ ـ إنّ الإمام الحسنعليه‌السلام بايع مختاراً ، وبدون ظروف قاهرة!!

٤ ـ إنّ معاوية عمل بشروط البيعة أو الصلح!!

وإثبات كلّ واحدة من هذه المقدّمات دونه خرط القتاد ، وسوف نحاول مناقشتها لبيان عدم إمكانية ثبوتها.

النقطة الأُولى : إنّ المصادر التاريخية التي بمتناول أيدينا تثبت عدم حدوث بيعة من الإمام الحسنعليه‌السلام لمعاوية ، بل لم يكن في الأمر غير المعاهدة والصلح ، وهذا غير البيعة ، كما يشهد له كلّ من عنده بعض الإلمام بالعربية.

وإليك بعض النصوص التاريخية التي ذكرت الهدنة أو المعاهدة ولم تذكر البيعة :

١ ـ قال يوسف : « فسمعت القاسم بن محيمة يقول : ما وفى معاوية للحسن بن عليعليهما‌السلام بشيء عاهده عليه »(١) .

٢ ـ في كلام للإمام الحسنعليه‌السلام مع زيد بن وهب الجهنيّ قال : «والله ، لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي ، وأومن به في أهلي ، خير من أن يقتلوني

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٢١٢.

١٦٥

فتضيع أهل بيتي وأهلي … والله لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير »(١) .

٣ ـ فلمّا استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة(٢) .

٤ ـ في رواية لهعليه‌السلام : «إنّما هادنت حقناً للدماء وصيانتها »(٣) .

٥ ـ لمّا وادع الحسن بن عليعليهما‌السلام معاوية ، صعد معاوية المنبر ، وجمع الناس فخطبهم(٤) .

وممّا يؤيّد ذلك أنّ جميع المصادر التاريخية القديمة حين تذكر أحداث عام ( ٤١ هـ ) تقول : « صلح الحسن » ، وليست « بيعة الحسن ».

النقطة الثانية : هناك فرق واضح بين القيادة الدنيوية وحكومة الناس ـ مهما كانت الوسائل والسبل ـ وبين الخلافة الإلهيّة ، فحتّى لو سلّمنا ببيعة الإمام الحسنعليه‌السلام فهي لا تثبت أكثر من القيادة الدنيوية لمعاوية على الناس ، وهذا لا يعني على الإطلاق التنازل عن الخلافة ، والمنصب الإلهيّ ، بل وليس من صلاحية الإمام ذلك.

فتعينه إماماً للناس وخليفة كان من قبل الله تعالى ، فلا يمكن التنازل عنه ، فهو ـ كما يعبّر عنه الفقهاء ـ من الحقوق التي لا يصحّ إسقاطها ، ولا تقلها ، وممّا يدلّ على ذلك الروايات الكثيرة الدالّة على ثبوت الخلافة للإمام الحسنعليه‌السلام : « إمامان قاما أو قعدا »(٥) ، فكيف يجوز للإمام الحسنعليه‌السلام نزع ثوب ألبسه الله إيّاه؟

وممّا يؤيد ذلك ، ما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يلين مفاء على مفيء « أي لا يكون الطليق أميراً على المسلمين أبداً ، ولو تأمّر عليهم لكان غاصباً لحقّ

__________________

١ ـ الاحتجاج ٢ / ١٠.

٢ ـ الإرشاد ٢ / ١٤.

٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٩٦.

٤ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٥٥٩.

٥ ـ الفصول المختارة : ٣٠٣ ، الإرشاد ٢ / ٣٠.

١٦٦

الإمارة ، ظالماً لهم بحكم الشرع والعقل والاعتبار ، فحيث كان معاوية طليقاً لم يكن له أن يتأمّر على المسلمين(١) .

النقطة الثالثة : وهي نقطة مهمّة جدّاً ، لو أمكن إثباتها لشكّلت منعطفاً حادّاً في تحليلنا ، ولأمكن أن يقال ـ بوجه ما ـ شرعية قيادة معاوية وحكومته ، وذلك لأنّ الإنسان يحاسب ويؤاخذ على أعماله الاختيارية ، وليس ما اضطرّ إليه ، فهو منفيّ عنه ، وغير منظور عقلاً ونقلاً.

وبعد هذه المقدّمة نقول : إنّ دراسة الظرف الذي عاشه الإمام الحسنعليه‌السلام يجعلنا نقطع بعدم إمكانية الاحتمال الأوّل ، وهو الاختيارية في حقّه ، فتعيّن الاحتمال الثاني ، ومعه لا مجال للقول بشرعية خلافة معاوية ، لأجل تنازل الإمامعليه‌السلام له ، فهو يؤخذ به لو كان تنازله طواعية ، وليس كرهاً واضطراراً.

ولابدّ لتعيين الاحتمال الثاني من النظر في ثلاثة أُمور :

١ ـ حالة قوّاد جيش الإمامعليه‌السلام .

٢ ـ أهل الكوفة.

٣ ـ رؤساء القبائل.

الأمر الأوّل : إنّ الإمامعليه‌السلام أرسل في البدء قائداً من كندة في أربعة آلاف مقاتل ، توجّه إلى الأنبار ، فأرسل إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ، فأخذها وتوجّه إليه مع مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.

ثمّ أرسل الإمامعليه‌السلام قائداً من مراد في أربعة آلاف ، فكتب لهم معاوية ، وأرسل له خمسمائة ألف درهم ، ومنّاه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام ، فتوجّه إليه.

ثمّ أرسل الإمامعليه‌السلام عبيد الله بن عباس قائداً على الجيش ، فضمن له معاوية ألف ألف درهم ، يعجّل له النصف ، ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة ، فانسل في الليل إلى معسكر معاوية.

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٤ / ٤.

١٦٧

الأمر الثاني : إنّ أكثر أهل الكوفة قد كتبوا إلى معاوية : « إنّا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك »(١) .

الأمر الثالث : كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السرّ ، واستحثّوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسنعليه‌السلام إليه ، عند دنوّهم من عسكره أو الفتك به(٢) .

وإذا رأينا الروايات التي يذكر فيها الإمامعليه‌السلام سبب مصالحته مع معاوية ، لوجدنا أنّ الطريقة التي استعملها الإمام كانت هي المتعيّنة لكلّ لبيب ، ولكلّ خبير بالأُمور العسكريّة.

مضافاً إلى ما ذكرناه من النقاط الثلاث نذكر بعض الروايات زيادةً في التوضيح :

١ ـ هنالك صنف من الروايات يصرّح الإمام الصادقعليه‌السلام لسدير حول عمل الإمام الحسنعليه‌السلام بقوله : «فإنّه أعلم بما صنع ، لولا ما صنع لكان أمراً عظيماً ».

وبالتأكيد إنّ هذا الأمر العظيم من الخطورة والأهمّية بمكان ، بحيث يفضّل الإمام الصلح عليه ، وتجد هذا المعنى من الروايات في كتاب علل الشرائع(٣) .

٢ ـ في الصنف الآخر من الروايات ، يتحدّثعليه‌السلام عن السبب بما حاصله : « ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتل ».

وهذا القسم يعطينا صورة أوضح وأدقّ من الأوّل ، ويمكن أن يكون شرحاً للأمر العظيم ، الذي عبّرت به الروايات في الصنف الأوّل(٤) .

٣ ـ في الصنف الثالث يصرّحعليه‌السلام بالقول : «ويحكم ما تدرون ما عملت؟

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٤ / ٤٥.

٢ ـ الإرشاد ٢ / ١٢.

٣ ـ علل الشرائع ١ / ٢١١.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

١٦٨

والله الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت »(١) .

٤ ـ في الصنف الرابع من الروايات يقولعليه‌السلام : « والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً ، والله لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحيّ منّا والميت »(٢) .

وهذا الصنف من الروايات يشير إشارة واضحة إلى ما أثبتناه في بداية النقطة الثالثة من الوضعية الحسّاسة والحرجة في جيش الإمام ، والقلوب المريضة والضعيفة التي كانت تحكم الوضع آنذاك.

٥ ـ خطب الإمام الحسنعليه‌السلام بعد وفاة أبيه : « وكنتم تتوجّهون معنا ، ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنّا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا »(٣) .

٦ ـ قال الإمام الحسنعليه‌السلام لخارجي عاتبه على صلحه : « فإنّ الذي أحوجني إلى ما فعلت : قتلكم أبي ، وطعنكم إيّاي ، وانتهابكم متاعي »(٤) .

٧ ـ قول الإمامعليه‌السلام لحجر بن عدي : « وإنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم »(٥) .

٨ ـ قول الإمامعليه‌السلام حينما عذلوه على الصلح : « لا تعذلوني فإنّ فيها مصلحة »(٦) .

__________________

١ ـ كمال الدين : ٣١٦ ، إعلام الورى ٢ / ٢٣٠ ، كشف الغمّة ٣ / ٣٢٨.

٢ ـ الاحتجاج ٢ / ١٠.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٦٨ ، أُسد الغابة ٢ / ١٣ ، جواهر المطالب ٢ / ٢٠٧ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٦.

٤ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٦٣ ، المعجم الكبير ١ / ١٠٥ ، تهذيب الكمال ٦ / ٢٤٥ ، جواهر المطالب ٢ / ١٩٧ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٥.

٥ ـ تنزيه الأنبياء : ٢٢٣.

٦ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٩٧.

١٦٩

ولو لاحظنا التشبيه الذي يستعمله الإمامعليه‌السلام في بيان الهدف من صلحه لحصلنا على المزيد من القناعة ، بأنّ صلحه لم يكن إلاّ لمصلحةٍ كبرى يقتضيها الإسلام ، ولا تعني على الإطلاق أهلية معاوية للخلافة :

١ ـ في كلام يخاطب به أبا سعيد فيقول له : «علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل »(١) .

٢ ـ يشبّه جهلنا بالحكمة الداعية للصلح بقضية الخضر وموسىعليهما‌السلام .

فقالعليه‌السلام : « ألا ترى الخضرعليه‌السلام لمّا خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار ، سخط موسىعليه‌السلام فعله ، لاشتباه وجه الحكمة عليه ، حتّى أخبره فرضي ، هكذا أنا »(٢) .

٣ ـ وقولهعليه‌السلام : « وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه ، وكادوا يقتلونه كذلك أنا »(٣) .

النقطة الرابعة : قبل بيان وفاء معاوية للإمام الحسنعليه‌السلام بالشروط لابدّ من ذكر البنود التي اشترطها الإمام على معاوية ، وإن كان من المؤسف جدّاً ، أنّ التاريخ أجحف مرّة أُخرى بعدم ذكره التفصيلي لجميع البنود ، وإنّما حصلنا على شذرات من هنا وهناك ، ومن هذه البنود :

١ ـ أن لا يسمّيه أمير المؤمنين(٤) .

٢ ـ أن لا يقيم عنده شهادة للمؤمنين(٥) .

٣ ـ أن لا يتعقّب على شيعة عليعليه‌السلام شيئاً(٦) .

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٢١١.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ الاحتجاج ٢ / ٨.

٤ ـ علل الشرائع ١ / ٢١٢.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ نفس المصدر السابق.

١٧٠

٤ ـ أن يفرّق في أولاد من قُتل مع أبيه يوم الجمل ، وأولاد من قُتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد(١) .

٥ ـ أن لا يشتم علياًعليه‌السلام (٢) .

ولو تأمّلنا في هذه البنود لوجدناها بنفسها تنفي الخلافة عن معاوية ، وهذا من تدبير الإمامعليه‌السلام ، فمن المسلّم به أنّ الإمامعليه‌السلام من المؤمنين ، بل على رأسهم ، فإذا كان معاوية ليس أميراً للمؤمنين عملاً بالبند الأوّل فهذا يعني أنّه ليس أميراً على الإمام الحسن ، بل على سائر المؤمنين ، وكذلك البند الثاني ، فكيف يكون الإنسان خليفة ولا تجاز عنده الشهادات؟!

مضافاً إلى هذا وذاك ، فإنّ التاريخ يصرّح بأنّ معاوية لم يف للحسن بن عليعليهما‌السلام بشيء عاهده عليه(٣) .

وأخيراً ، فقد بات من الواضح عند الجميع ، أنّ الصلح لا يمثّل إعطاء شرعية لخلافة معاوية ، ولا تنازلاً عنها ، ولا أيّ شيء من هذا القبيل ، وعذراً للتطويل ، فإنّ الأمر يستحقّ ذلك.

( ـ ـ )

لماذا صالح معاوية ولم يثأر كأخيه الحسين :

س : لقد قام الإمام الحسن عليه‌السلام بمصالحة معاوية بن أبي سفيان ، بينما ثار الإمام الحسين عليه‌السلام ضدّ يزيد بن معاوية؟

فلماذا صالح الحسنعليه‌السلام ؟ بينما ثار الحسينعليه‌السلام ؟ وهل يعتبر هذان العملان متناقضان؟ ونحن نعلم أنّ الأئمّة معصومون ، وشكراً لكم.

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٢١٢.

٢ ـ الغدير ١٠ / ٢٦٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٦٦ ، الإمامة والسياسة ١ / ١٨٥ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٠٥.

٣ ـ الغدير ١٠ / ٢٦٢ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٥.

١٧١

ج : لا تناقض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسينعليهما‌السلام ؛ حيث إن حركة أهل البيت لنصرة الدين وحفظة حركة تكاملية ، فكل إمام يبدأ من حيث انتهى الإمام الذي قبله ، وذلك باختلاف الظروف في الأزمنة المختلفة ، بل تجد المعصوم الواحد تتعدد مواقفه بتعدد الظروف ، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي جاهد المشركين في بدر وأُحد وغيرهما تراه يصالحهم في الحديبية ، فالنبي هو النبي إلا أن الظروف تختلف ، كذلك أمير المؤمنين عليعليه‌السلام الذي صبر وفي العين قذى وفي الحلق شجى على ما جرى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تراه يقاتل أعداء الله في عدّة مواطن ، فعلي هو علي إلا أنّ الظروف تختلف.

فالنبي وأهل بيته الأطهار لكلٍّ أفعلهم وتصرفاتهم تنصبّ في السعي لحفظ الدين ، فلو اقتضى ذلك المصالحة ولو مع المشركين تراهم يصالحون ولو اقتضى الأمر الجهاد تراهم في أعلى مراتب الشجاعة والتضحية فالحسين كان مع أخيه الحسنعليهما‌السلام في الصلح بل وبعد أخيه الحسن لما يزيد على العشر سنين ولم يقم بالثورة حتى تحققت الظروف المناسبة ، فكانت تلك الثورة العظيمة ، ولو كان الإمام الحسنعليه‌السلام موجوداً في تلك الظروف لما اختلف موقفه عن موقف الإمام الحسينعليه‌السلام . فتأمل.

ويظهر ذلك جليّاً من مراجعة كلمات الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام . فكما ورد عن الإمام الحسين أنه قال عند خروجه على يزيد : «وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي »(١) ورد عن الإمام الحسن نفس هذا الأمر. وإليك بعض هذه النصوص :

١ ـ قال له رجل : بايعت معاوية ، ومعك أربعون ألفاً ، ولم تأخذ لنفسك وثيقة ، وعهداً ظاهراً؟

فقال له : «إنّي لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر منّي عند اللقاء ، ولا اثبت عند الحرب منّي ، ولكنّي أردت صلاحكم »(٢) .

__________________

١ ـ لواعج الأشجان : ٣٠.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ١٥.

١٧٢

٢ ـ وقال له رجل آخر : يا ابن رسول الله ، لوددت أن أموت قبل ما رأيت أخرجتنا من العدل إلى الجور

فقال له الإمامعليه‌السلام : «إنّي رأيت هوى معظم الناس في الصلح ، وكرهوا الحرب ، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون ، فصالحت »(١) .

٣ ـ وقال له ثالث : لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه ، وأنّ معاوية ضالّ باغ؟

فأجابه الإمامعليه‌السلام : «علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضمرة ، وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل »(٢) .

٤ ـ وقال له رجل : لماذا صالحت؟

فأجابهعليه‌السلام : « إنّي خشيت أن يجتث المسلمون على وجه الأرض ، فأردت أن يكون للدين ناع ».

( ـ ـ )

ومضامين كتاب الصلح :

س : جاء في كتاب كشف الغمّة : ومن كلامه عليه‌السلام ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه وبين معاوية : « بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله ، وسنّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الراشدين ، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً ، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين » (٣) .

__________________

١ ـ الأخبار الطوال : ٢٢٠.

٢ ـ علل الشرائع ١ / ٢١١ ، الطرائف : ١٩٦.

٣ ـ كشف الغمّة ٢ / ١٩٣.

١٧٣

فما هو الردّ على أهل السنّة إذ إنّهم يستشهدون به .

ج : لقد ورد هذا المتن من الصلح في كتاب كشف الغمّة ، وفيه :

أوّلاً : إنّ مجرد نقل مؤلّف من الشيعة لموضوع لا يعني بالضرورة قبوله له ، أو قبول طائفته لذلك وتبنّيهم له.

ثانياً : إنّ ما ذكر هنا لم يرد عندهم مسنداً ، ولا عرف عنهم مثبتاً.

ثالثاً : إنّ المقصود من تعبير الخلفاء الراشدين ، هم أهل البيتعليهم‌السلام لا من غصب هذا العنوان ، وهذا نوع من التورية في الكلام ، فقد يكنّون عن أنفسهم بذلك تغطية ورمزاً ، وهذا كثير ، وإلاّ لقال له : والعمل بسنّة الشيخين ، كما قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الشورى.

رابعاً : لعلّ ما هنا هو من باب المماشاة نظير قول نبيّ الله إبراهيمعليه‌السلام ـ وهو سيّد الموحّدين ـ كما حكاه في الكتاب الكريم :( قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ) (١) .

خامساً : وهو المهمّ وعمدة ما في الباب : إنّ هناك قاعدة ثابتة عقلاً ومتعارفة عملاً ، ومتبعة سيرةً ، تعرف عندهم بقاعدة الإلزام ، يستعان بها في مقام الاحتجاج وإلزام الخصم بما يلتزم به ، ويتظاهر بالاعتقاد به ، ولا يستطيع إنكاره ، بمعنى أنّ كلّ ما اعترف به الخصم واعتقد بصحّته صحّ الاستناد إليه وإلزامه به ، وليس معنى هذا اعتقاد القائل به بذلك أو التزامه به كما هو واضح.

وقد جاءت نصوص في الشريعة المقدّسة تؤيّد ما ذكرناه ، منها : ما جاء في التهذيب عن أبي الحسنعليه‌السلام أنّه قال : «ألزموهم بما ألزموا أنفسهم »(٢) .

__________________

١ ـ الأنبياء : ٦٢ ـ ٦٣.

٢ ـ تهذيب الأحكام ٩ / ٣٢٢.

١٧٤

هذا ، ولعلّ فلسفة هذا العمل ، هو أنّ معاوية لم يلتزم حتّى بسيرة خلفائهم فضلاً عن غيرهم ، وقطعاً لو لم يشترط هذا الشرط لتظاهر الرجل بعدم الموافقة ، ولما تمّ الصلح الظاهري ، والله العالم.

( أحمد ـ البحرين ـ ٤٢ سنة ـ طالب أكاديمي )

حكمة صلحه وجهاد أخيه :

س : هذا أحد حجج أهل السنّة على الشيعة فما قولكم فيه :

لقد تنازل الحسن بن علي لمعاوية وسالمه ، وفي وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال.

وخرج الحسين بن علي في قلّة من أصحابه في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة ، ولا يخلو أن يكون أحدهما على حقّ ، والآخر على باطل ، لأنّه إن كان تنازل الحسن مع تمكّنه من الحرب حقّاً كان خروج الحسين مجرّداً من القوّة مع تمكّنه من المسالمة باطلاً ، وهذا يضعكم في موقف لا تحسدون عليه ، لأنّكم إن قلتم أنّهما جميعاً على حقّ جمعتم بين النقيضين ، وهذا القول يهدم أُصولكم.

ج : إنّ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام ونهضة الإمام الحسينعليه‌السلام يتّفقان في الأهداف ، ويختلفان في كيفية التعامل مع الحكم السائد.

فبما أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام كان يواجه معاوية ومَكْرِه ونفاقه فاضطرّ إلى أن يكشف زيفه حتّى يتضّح للجميع عدم مشروعية الحكم الأمويّ ـ وإن كان واضحاً عند المؤمنين في واقعة صفّين وقبلها أو بعدها ـ فتبيّن من صلحهعليه‌السلام عدم التزام معاوية بمواعيده ، ومن ثمّ تنفيذ مخطّطاته الظالمة فور سيطرته على الحكم بدون منازع ، من قتل وتشريد المؤمنين ، وتنصيب ولاة الجور عليهم ، والاستمرار في سبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام على المنابر ، وأخذ البيعة ليزيد و ـ وهذا الأمر كلّه قد حصل بفضل صلحهعليه‌السلام .

وإلاّ فإنّ الاستمرار في الحرب مع معاوية كان لا ينتج هذه الثمرات كلّها أو

١٧٥

بعضها ، كيف وقد رأى الإمامعليه‌السلام عدم قناعة أكثر جيشه باستمرار الحرب ، أو حتّى مؤامرة بعضهم لقتله أو أسرهعليه‌السلام ، ففي هذه الظروف لم يكن للإمامعليه‌السلام أيّ خيار إلاّ أن ينتخب هذا الأسلوب ـ الصلح ـ لتستمر مواجهته مع العدوّ في شكلها الجديد.

ثمّ إنّ اتخاذهعليه‌السلام هذه الطريقة قد مهدّت ـ في نفس الوقت ـ الأرضية المناسبة لنهضة أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ، فتربّت الثلّة الواعية من المؤمنين في تلك الفترة ، وتحت الظروف القاسية ، فأصبحت فيما بعد أنصاراً أوفياء للإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

ومن جانب آخر فقد تمّت الحجّة على الجميع في معرفتهم الحكم الأمويّ ، الذي جاء في مستهلّه بثوب الرياء والتزوير ، وتظاهر بالإسلام ، فتعرّفوا عليه في شكله الحقيقيّ.

ثمّ جاء دور الإمام الحسينعليه‌السلام الذي كان متمّماً لدور أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، فقد استثمر الحالة الموجودة في المجتمع ، من عدم قناعتهم بمشروعية الدولة الأمويّة ـ وهذا قد نتج مسبقاً من صلح الإمام الحسنعليه‌السلام ـ وبما أنّ الحكم الأمويّ في عصرهعليه‌السلام قد تمثّل في يزيد ـ وهو الذي كشف القناع عن وجهه ، بعدم التزامه بالمبادئ ، والظواهر الإسلامية ـ فقام بالأمر وتصدّى للطاغية ، وإن أدّى ذلك إلى الشهادة ، فقد انتصر في كسر صولة الظالم ، وفتح الباب لمكافحة الغي الأمويّ ، وهذا ما نراه جليّاً في الحركات المتأخّرة عن واقعة كربلاء ، فكلّها جاءت متأثّرة من نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام .

وممّا ذكرنا يظهر لك أنّ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام ، ونهضة الإمام الحسينعليه‌السلام كلاهما في خطّ واحد في سبيل النيل لهدف موحّد ، فلا كثرة الجيوش ولا قلّة الأنصار هو العامل الأوّل في اختيارهما لأسلوب المواجهة ، بل الظروف كانت تختلف ، وباختلافها تتنوّع الأساليب ، وإن كانت جميعها في إطار محاولة رفع الظلم وتثبيت العدل.

١٧٦

فلو كان الإمام الحسينعليه‌السلام في ظروف أخيه لأتّخذ نفس أسلوب الإمام الحسنعليه‌السلام في صلحه ، ولو كان الإمام الحسنعليه‌السلام يعيش في أيّام يزيد ، لانتهج أسلوب الكفاح والجهاد في وجه الأعداء ، فلا مغايرة في سيرتهماعليهما‌السلام .

( علي ـ الكويت ـ )

لم يجبر على البيعة :

س : لماذا لم يجبر معاوية الإمام الحسن على البيعة؟ كما جبر يزيد الإمام الحسين على ذلك ، وشكراً ، وجزاكم الله ألف خير.

ج : لأنّ معاوية كان في دور توطيد حكمه الذي استتب له قريباً ، أي بعد عقد الصلح مع الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلأنَّ النفوس مشحونة بالبغضاء ومتحفّزة للقتال ، فالحرب كانت قريبة العهد ، كما أنّ نفوذ الإمام الحسنعليه‌السلام لا زال فيه شيء من القوّة والسعة ، ومضامين شروط الصلح ما زالت حية ، لم يمض عليها وقت طويل حتّى تنسى ، وإنّ من شهدوا الصلح والتزموا به ما زالوا كثيرين ، فأيّ بادرة مخالفة مفضوحة لنقض شروط الصلح من قبل معاوية تقلب الكرة عليه ، ولذلك قام بعدّة أُمور للتمهيد لنقض شروط الصلح ، فقد نقض بعضها بمرور الزمن ، وبالحيلة والمكر.

وبدأ بقتل وملاحقة أصحاب الإمام ومؤيّديه ، والتضييق عليهم اقتصاديّاً ومعنويّاً ، واستخدم الإكراه والإغراء على مدى واسع في الأُمّة ، وشنّ حرب إعلامية على الإمام الحسن ، والإمام عليعليهما‌السلام ، وبني هاشم ، منها :

سنّ السبّ على المنابر ، ووضع الأحاديث المكذوبة ، وبدأ بتوطيد ملكه وولاية العهد إلى يزيد ابنه ، ثمّ دسّ السمّ إلى الإمام الحسنعليه‌السلام ، كلّ ذلك تمهيداً ليزيد ، فلمّا وصل الأمر إلى يزيد أخذ عمّاله البيعة بالإكراه من الأُمّة ، وليس لها قدرة على المقاومة ، ثمّ سعى لإكراه الرقم الأصعب في المعادلة ، وهو الإمام الحسينعليه‌السلام .

١٧٧

( رنا ـ الأردن ـ )

كيفية مقتله :

س : أشكركم على ردّكم ، ولكن هل هناك مجال لمعرفة تفاصيل مقتل الإمام الحسن عليه‌السلام ؟

ج : قد ورد في كتاب وفيات الأئمّة ما نصّه : « إنّه لمّا تمّ الأمر لمعاوية بن أبي سفيان عشر سنين عزم أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده ، فرأى أنّ أثقل الناس عليه مؤنة الإمام الحسن بن عليعليهما‌السلام ، و ، ثمّ عزم على هلاك الحسن بن عليعليهما‌السلام ، فأرسل إلى الأشعث بن قيس واستشاره معاوية في هلاك الحسن ، فقال له : الرأي عندي أن ترسل إلى ابنتي جعدة ، فإنّها تحت الحسن ، وتعطيها مالاً جزيلاً ، وتعدها أن تزوّجها من ابنك يزيد ، وتأمرها أن تسمّ الحسن.

فقال معاوية : نعم الرأي ، فاستدعى معاوية رجلاً من بطانته وخاصّته ، ودفع إليه مائة ألف درهم ، وكتب معه كتاباً إلى جعدة بنت الأشعث ، وأوعدها بالعطاء الجزيل ، وأن يزوّجها من ابنه يزيد إذا قتلت الحسن.

فسار الرجل ونزل في بعض بيوت المدينة ، وأرسل إلى جعدة سرّاً ، فأتت إليه ، فدفع لها المال والكتاب الذي من عند معاوية ، فسرّت بذلك سروراً عظيماً ، وكانت على رأي أبيها من بغض علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلمت أنّ أباها هو الذي أشار على معاوية بذلك ، فما زالت تتربّص به الغرّة ، وتنتهز فيه الفرصة والغفلة حتّى كانت ليلة من الليالي ، قدمعليه‌السلام إلى منزله ، وكان صائماً في يوم صائف شديد الحرّ ، فقدّمت إليه طعاماً فيه لبن ممزوج بعسل قد ألقت فيه سمّاً ، فلمّا شربه أحسّ بالسمّ ، فالتفت إلى جعدة وقال لها : «قتلتني يا عدوّة الله قتلك الله ، وأيم الله لا تصيبين منّي خلفاً ، ولقد غرّك وسخر بك ، فالله مخزيه ومخزيك ».

ثمّ إنّهعليه‌السلام لزم البيت ، وألزم نفسه الصبر ، وسلّم لله الأمر ، فاشتدّ الأمر

١٧٨

عليه ، فبقي طوال ليلته فأكبّ عليه ولده عبد الله ، وقال له : يا أبت هل رأيت شيئاً فقد أغممتنا؟

فقالعليه‌السلام : «يا بني هي والله نفسي التي لم أصب بمثلها » ، ثمّ قال : «افرشوا لي في صحن الدار ، وأخرجوني لعلّي أنظر في ملكوت السماوات » ، ففرش له في صحن الدار وأخرج فراشه ، فدخل عليه أخوه الإمام الحسينعليه‌السلام فرآه متغيّراً وجهه ، مائلاً بدنه إلى الخضرة ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « بأبي أنت وأُمّي ما بك »؟

فقال له : « إنّي قد سقيت السمّ مراراً ، فلم اسق مثل هذه المرّة »! ، فقال : « يا أخي من تتهم »؟ فقال : « وماذا تريد منه »؟ فقال : « لأقتله » ، فقال : « إن يكن الذي أظنّه فالله أشدّ نقمة منك وأشدّ تنكيلاً ، وإن لم يكن فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء ».

ثمّ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام بكى لما رأى من حال أخيه ، فقال له الحسنعليه‌السلام : «أتبكي يا أبا عبد الله ، وأنا الذي يؤتى إليّ بالسمّ فأقضي به ، ولكن لا يوم كيومك ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدّعون أنّهم من أُمّة جدّك فيقتلونك ، ويقتلون بنيك وذرّيتك ، ويسبون حريمك ، ويسيرون برأسك هدية إلى أطراف البلاد ، فاصبر يا أبا عبد الله ، فأنت شهيد هذه الأُمّة ، فعليك بتقوى الله ، والصبر والتسليم لأمره ، والتفويض له ، لتنال الأجر الذي وعدنا به ».

فقال له الإمام الحسينعليه‌السلام : «ستجدني إن شاء الله صابراً راضياً مسلّماً له الأمر ، وأهون عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله » ، فقال له الإمام الحسنعليه‌السلام : «وفّقت لكلّ خير يا أبا عبد الله ».

ثمّ إنّ الإمام الحسنعليه‌السلام لمّا تحقّق دنو أجله ، دعا بالحسينعليه‌السلام ، ودفع إليه كتب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلاحه ، وكتب أمير المؤمنينعليه‌السلام وسلاحه ، وأوصاه بجميع ما أوصى به أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثمّ قال له : « يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، فإذا قضيت نحبي ، فغمّضني ، وغسّلني ، وكفّني ، واحملني

١٧٩

على سريري إلى قبر جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأجدّد به عهداً وميثاقاً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ، وادفنّي هناك ، وستعلم يا ابن أُمّي أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند جدّي ، فيجدون في منعك ، فبالله أقسم عليك لا تهرق في أمري ملء محجمة دماً ».

ثمّ أوصاه بجميع أهله وأولاده ، وما كان أوصى به أمير المؤمنين حين استخلفه وأهله ، ودلّ شيعته على إمامة الحسينعليه‌السلام ، ونصّبه لهم علماً من بعده ، ثمّ التفت إلى أولاده وأخوته ، وأمرهم باتباعه ، وأن لا يخالفوا له أمراً

ثمّ إنّ الحسنعليه‌السلام قال : « أستودعكم الله ، والله خليفتي عليكم » ، ثمّ إنّه غمّض عينيه ومدّ يديه ورجليه ، ثمّ قضى نحبه وهو يحمد الله ويقول : « لا إله إلاّ الله » ، فضجّ الناس ضجّة عظيمة ، وصار كيوم مات رسول الله ، وخرج أولاده وأخوته يبكون وينوحون ، وأمثل بنو هاشم رجالاً ونساءً يبكون عليه ، ويدعون بالويل والثبور ، وعظائم الأُمور.

ثمّ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قام في تجهيز أخيه ، وأمر عبد الله بن العباس ، وعبد الله بن جعفر أن يناولاه الماء ، فغسّله ، وحنّطه ، وكفّنه ، كما أمره ، وصلّى عليه في جملة أهل بيته وشيعته »(١) .

( ـ ـ )

بصلحه كشف حقيقة معاوية :

س : ما فائدة صلح الإمام الحسن عليه‌السلام ؟

ج : إنّ من فوائد الصلح هي كشف حقيقة معاوية للناس الذين كانوا في أيّامه ، والأجيال التي جاءت بعده على طول التاريخ ، ولولا تسليم الإمام الأمر لمعاوية ، ونكث معاوية لما أعطاه من شروط وعهود لما كانت تعرف حقيقة معاوية العدوانية.

__________________

١ ـ وفيات الأئمّة : ١١٥.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518