موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

موسوعة الأسئلة العقائديّة11%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-02-7
الصفحات: 518

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 518 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 254047 / تحميل: 6689
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٢-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بيان :

قوله : « أقرب إليه من حبل الوريد » مشعر بأنّ قربه قرب بالعلّيّة والتأثير ؛ إذ الوريد عرق في صفحة العنق بقطعه تزول الحياة. وفيما بعده إشارة إلى قربه من جهة الإحاطة العلميّة.

ومنها : ما روي عن محمّد بن عبد الله الخراساني خادم الرضاعليه‌السلام قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضاعليه‌السلام وعنده جماعة ، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : « أرأيت إن كان القول قولكم ـ وليس هو كما تقولون ـ ألسنا وإيّاكم شرعا سواء ، ولا يضرّنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا؟ » فسكت ، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : « إن يكن القول قولنا ـ وهو قولنا وكما نقول ـ ألستم قد هلكتم ونجونا؟ ».

قال : رحمك الله فأوجد لي كيف هو؟ وأين هو؟ قال : « ويلك إنّ الذي ذهبت إليه غلط ، وهو أيّن الأين ، وكان ولا أين ، هو كيّف الكيف ، وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفيّة ولا بأينونيّة ، ولا يدرك بحاسّة ، ولا يقاس بشيء ».

قال الرجل : فإذا إنّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسّة من الحواسّ ، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : « ويلك لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه أنكرت ربوبيّته ، ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنّا أنّه ربّنا ، وأنّه شيء بخلاف الأشياء ».(١)

فساق الحديث على وجه يدلّ على أنّه لا يخلو عنه فرش ولا عرش ولا برّ ولا بحر ، فلا أرض ولا ماء ولا نار ولا هواء ولا كرسيّ ولا سماء ولا غير من الأشياء ، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء ، خارج من الأشياء لا كشيء من شيء خارج.

__________________

٤ ؛ « أمالي الصدوق » : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ / ٤ ؛ « علل الشرائع » ٢ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ / ٤ ؛ « الفقيه » ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ / ٣٢ ؛ « الإرشاد » ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠١ ؛ « كنز الفوائد » ٢ : ٧٥ ـ ٧٦.

(١) « الكافي » ١ : ٧٨ ـ ٨٠ باب حدوث العالم ح ٣ ؛ « التوحيد » : ٢٥٠ ـ ٢٥٢ ، الباب ٣٦ ، ح ٣ ؛ « عيون أخبار الرضا » ١ : ١٣١ ـ ١٣٢ ، الباب ١١ ، ح ٢٨ ؛ « الاحتجاج » ٢ : ٣٥٤ ـ ٣٥٦ ، احتجاجات الإمام الرضا ، ح ٢٨١.

٤١

ووردت أخبار أخر دالّة على وجود صانع موصوف بصفات الكمال. وذكرها يوجب التطويل والكلال.

وبالجملة ، فثبت بالدليل العقليّ والنقليّ في هذا الفصل ـ الذي هو الفصل الأوّل من الأصل الأوّل ـ أنّ للعالم صانعا واجب الوجود بالذات.

وصل :

هذا الاعتقاد من أصول الدين ، فمن أنكره كان من الكافرين ، ومن عرفه وأقرّ به كان في الجملة من المؤمنين ، ومن اعترف به عند الآخرين وأنكره عند الأوّلين كان من المنافقين والمذبذبين ، ومن لا يعرفه ولا يعانده كان من المستضعفين ، ومن أنكر بعض لوازمه ممّا سيأتي كان من المخالفين ، ويترتّب على كلّ فرقة حكمهم ممّا شطر في فروع الدين من الطهارة والنجاسة وقبول الشهادة ونحو ذلك من أحكام الدين.

٤٢

( الفصل الثاني ) في الاعتقاد الثاني :

[ في صفاته تعالى ]

وهو أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات ، فلا بدّ أوّلا من بيان( في صفاته تعالى ).

اعلم أنّ صفات واجب الوجود بالذات على قسمين : ثبوتيّة لا يعتبر في مفهومها السلب ، وسلبيّة يعتبر في مفهومها السلب ، ويقال لها : صفات النقص والجلال.

والثبوتيّة على قسمين : حقيقيّة لا يعتبر في مفهومها السلب والإضافة إلى الغير وإن أمكن عروض الإضافة لبعضها ، ويقال لها : صفات الذات والكمال ، وإضافيّة يقال لها : صفات الفعل والجمال.

والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل ـ التي تكون ثابتة لله في مقام الفعل لا في مقام الذات ، بمعنى كون الفعل جهة تعليليّة للثبوت لا تقييديّة كما في التميز ليلزم أن يكون الفعل موصوفا بحسب الواقع كما في الصفات التي تكون بحسب متعلّق الموصوف والمسند السببيّ ـ أنّ صفات الذات ما يكون ثابتا للذات ، ولا يمكن إثباته وإثبات نقيضه له ولو بالاعتبارين كالقدرة والعلم ؛ إذ لا يمكن أن يقال : إنّه قادر ليس بقادر ، وعالم وليس بعالم. وتوهّم إمكان النفي بالنسبة إلى الممتنع من باب كون السالبة بانتفاء الموضوع فاسد ؛ لعدم كون الممتنع قابلا لأن يكون متعلّق القدرة وهو على حاله معلوم ، وصفات الفعل ما يكون ثابتا للذات ، ويمكن إثباته مع نقيضه لها بالاعتبارين كالخالقيّة المثبتة بالنسبة إلى الموجود ، المنفيّة بالنسبة إلى المعدوم.

٤٣

وتوهّم لزوم(١) كون العدل من صفات الذات ؛ لامتناع إثبات نقيضه لله تعالى مع أنّهم حكموا بأنّه كمال الواجب بالذات في الأفعال كما أنّ التوحيد كماله في الذات فاسد ؛ لإمكان نفي العدل بإثبات الفضل لا الجور بالمنع في صورة الاستحقاق ، أو الإعطاء مع عدم الاستعداد في حقّه تعالى ؛ ولهذا يقال : ربّنا عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك.

والإيراد بأنّ سياق الكلام يقتضي إثبات الصفات السلبيّة مع أنّها منفيّة مدفوع بأنّ المراد بيانها لا إثباتها ، أو المراد بالنسبة إلى السلبيّة إثبات سلبها أو إثباتها على طريق المعدولة بأن يقال : إنّه تعالى لا مركّب ولا جسم ولا نحوهما ، أو بحمل الصفات على الثبوتيّة وكون ذكر السلبيّة بالتبع.

وكيف كان ، فأشرف الصفات الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة ـ التي هي عين الذات وكمالها ، بمعنى أنّها ثابتة للذات على وجه العينيّة من غير أن تكون الذات نائبة عنها ؛ لما سيأتي ، أو تكون زائدة عنها كما سنبيّن إن شاء الله تعالى ـ وهي ثمان صفات بعدد أبواب الجنان وإن كان أصولها ثلاثة : القدرة ، والعلم ، والحياة بكون ما عداها راجعة إليها ، وكونها من شعبها ككون الإرادة ـ بمعنى العلم بالمصلحة المقتضية لمشيئة الفعل ، وبالمفسدة المقتضية لمشيئة الترك ـ من شعب مطلق العلم ، وكذا السمع والبصر ، وكون الكلام ـ بمعنى القدرة على إيجاد ما يدلّ على المراد لا نفس الإيجاد أو ما يدل على المراد ـ من شعب القدرة ، وكذا الصدق ، وكون القدم والأزليّة والأبديّة والسرمديّة من شعب الحياة التي ، هي عين الذات.

وتوهّم (٢) لزوم التكثّر في ذات الله ؛ لتعدّد الصفات العينيّةمدفوع : بأنّ التعدّد باعتبار الآثار ، لا باعتبار نفس الذات التي تنسب إليها الوحدة من جميع الجهات ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) يظهر هذا اللزوم من كلام الصدوقرحمه‌الله حيث عدّ العدل من صفات الذات. انظر « التوحيد » : ١٤٨ باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ذيل ح ١٩.

(٢) انظر « المطالب العالية » ٣ : ٢٢٦.

٤٤

وبالجملة ، ففي هذا الفصل مطالب :

المطلب الأوّل :

في بيان الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة التي تسمّى صفات الذات وصفات الكمال. وفي هذا المطلب مسائل :

المسألة الأولى : في القدرة

ولا بدّ قبل الشروع في إثباتها له تعالى على وجه العينيّة ونفي القول بعدمها أو كون الذات نائبة عنها أو كونها زائدة عنها من رسم مقدّمتين :

[ المقدّمة ] الأولى : في تعريف القدرة والإيجاب ، وتقسيمهما ، وبيان محلّ الكلام.

اعلم أنّ القدرة قد تفسّر(١) بأمر يؤثّر على وفق الإرادة والقصد والشعور. وقد تفسّر بصفة تكون مبدأ لأفعال مختلفة على خلاف المزاج والطبيعة. وبينهما عموم من وجه ؛ لتصادقهما في القوّة الحيوانيّة ، وتحقّق الأوّل بدون الثاني في النفس الفلكيّة ، والعكس في النباتيّة. وقد تفسّر بأنّها ما يصحّ به من الفاعل الفعل وتركه.

وقال الخفري : « للفلاسفة في تفسير القدرة عبارتان : إحداهما : صحّة صدور

__________________

(١) لمزيد المعرفة حول أقوال الفلاسفة والمتكلّمين في تعريف القدرة انظر « الشفاء » الإلهيّات : ١٧٢ ـ ١٧٣ ؛ « التحصيل » ٤٧٢ ـ ٤٧٣ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « الأربعين » ١ : ١٧٤ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٩ ـ ١٢ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٥٠٢ ـ ٥٠٥ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٦٩ ؛ « مناهج اليقين » : ٧٥ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٢٣٨ ـ ٢٤٠ ؛ « التعريفات » للجرجانيّ : ٢٢١ ، الرقم ١١٢٥ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ٥٣ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٢٧٣ ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » ٢ : ١٣٠٢ ـ ١٣٠٣.

٤٥

الفعل ولا صدوره ، وأرادوا منها إمكان الصدور واللاصدور بالنسبة إلى الفاعل من حيث هو فاعل. والثانية : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل. والتلازم بين معنييهما ظاهر ، فمعناهما متّفق عليه بين الفريقين »(١) .

أقول : والأولى أن يقال : إنّ القدرة تطلق على معنيين :

الأوّل : التمكّن على الفعل والترك وكون الشيء بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك.

الثاني : منشأ التمكّن المذكور سواء كان ذاتا كما في الواجب أو عرضا كما في الممكن.

والإيجاب يمكن كونه مصدرا مبنيّا للفاعل بمعنى الموجبيّة وكون الفاعل موجبا بصيغة الفاعل ، ويمكن كونه مبنيّا للمفعول بمعنى الموجبيّة وكون الفاعل موجبا بصيغة المفعول بكونه مصدرا للفعل من غير قدرة واختيار ، كإضاءة النور وإحراق النار ونحوهما ممّا يكون على وجه الاضطرار ، فيكون كلفظ « المضطرّ » بخلاف الأوّل ؛ فإنّه يطلق على فاعل يجب فعله بقدرته واختياره ، فلا يلزم الاضطرار ؛ فإنّ الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار كما في الأفعال التوليديّة للمختار.

فالقدرةقد تكون مؤثّرة بالنسبة إلى طرفي الفعل والترك ، بمعنى أنّ الفاعل شاء الترك فترك وشاء الفعل ففعل ، حتّى بالنسبة إلى قدرة الله تعالى إمّا باعتبار كونها زائدة على الذات ومنفكّة عنها وقتا ما ، كما يقول الأشاعرة ،(٢) أو باعتبار تأثيرها في المشيّة الزائدة على الذات الموجبة لوجود الممكنات على وجه التأخّر بالإرادة ليتحقّق طرفا القدرة ، كما يقول المحقّقون من المتكلّمين.(٣)

وقد تكون مؤثّرة بالنسبة إلى الفعل خاصّة ، كما في قدرة الله عند الحكماء ،(٤)

__________________

(١) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ـ ٤ ، مخطوط.

(٢) « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٣٨٢ ـ ٣٨٤ ؛ « نقد المحصّل » :

(٣) « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٣٨٢ ـ ٣٨٤ ؛ « نقد المحصّل » :

(٤) « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٣٨٢ ـ ٣٨٤ ؛ « نقد المحصّل » :

٤٦

بمعنى وجوب صدور الفعل عنه دائما مع صحّة صدور الفعل والترك عنه بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة.

والإيجاب أيضا على قسمين : إيجاب بمعنى الاضطرار ، وإيجاب على وجه الاختيار.

ويتصوّر النزاع بالنسبة إلى القدرة والإيجاب المذكورين في مقامات :

الأوّل : أنّ صدور الفعل عن الله تعالى هل هو على وجه الإيجاب بمعنى الموجبيّة ـ بالفتح ـ أم لا ، بل على وجه القدرة بمعنى صحّة صدور الفعل ولا صدوره بالنظر إلى ذاته تعالى؟

فالأوّل محكيّ عن بعض الحكماء(١) على ما هو بخيالي ، بل ظاهر كلام الشارح القوشجي كونه مذهب الفلاسفة قاطبة.(٢) ولكن قال الفاضل اللاهيجي : لا نزاع لأحد في صحّة صدور الفعل والترك عنه بالنظر إلى ذاته تعالى مع قطع النظر عن الإرادة.(٣) واحتمل حمل كلام الشارح على الإيجاب للقابل للصحّة بمعنى الإمكان الوقوعي. والثاني مذهب المحقّقين من الحكماء والمتكلّمين.(٤)

__________________

٢٦٩ ـ ٢٧٧ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٨٩ ـ ٩٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٣ ؛ « الأسفار الأربعة » ٤ : ١١١ ـ ١١٣ ؛ « المبدأ والمعاد » لملاّ صدرا : ١٣٠ ـ ١٣٥ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٣٩ ـ ٤٤٣.

(١) قال الفاضل المقداد بانتشار انتساب هذا القول إلى الفلاسفة بين المتكلّمين ، ثمّ ذكر أنّ « المحقّقين ينفون صحّة هذا النقل عنهم ». انظر « إرشاد الطالبين » : ١٨٣.

(٢) ذكر الشارح القوشجي كلمة « الإيجاب » واحتمل أن تكون كلمة « الموجب » بالفتح والكسر كليهما. انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٣) « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠.

(٤) للاطّلاع على محلّ النزاع في المسألة انظر « الشفاء » الإلهيات : ١٧٢ ـ ١٧٣ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٧٧ ـ ١٠٠ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ؛ « نقد المحصّل » : ١٦٣ ـ ١٦٥ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ « أنوار الملكوت » : ٦١ ـ ٦٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥١ ؛ « اللوامع الإلهية » : ١١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٠ ـ ١٥ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠٣.

٤٧

الثاني : أنّه هل يجب عليه تعالى فعل في الجملة أم لا؟(١) قولان : الأوّل : مذهب الحكماء والمحقّقين من المتكلّمين. والثاني : مذهب الأشاعرة.

والثالث : أنّه هل يجب عليه تعالى الفعل دائما بسبب كونه مستندا إلى قدرته وإرادته التي هي عين الذات الموجب لكونه تعالى بالنظر إلى الإرادة المذكورة علّة تامّة يمتنع تخلّف المعلول عنها ، أو يجب في وقت متأخّر مقارن للمشيئة؟ قولان : الأوّل : مذهب الحكماء. والثاني : مذهب غيرهم.

[ المقدّمة ] الثانية : في بيان القدم والحدوث

اعلم أنّ الحدوث عبارة عن مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق. والقدم عبارة عن عدم مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق.

والقديم ـ الذي هو عبارة عن الموجود غير المسبوق بالعدم المطلق ـ منحصر في الواجب تعالى ، وجميع الممكنات حادثة مسبوقة بالعدم المطلق ، وإلاّ لكانت موجودة مع قطع النظر عن الغير ؛ إذ لو لم تكن كذلك لم تكن موجودة على الإطلاق ؛ لأنّ الموجود المطلق ما كان موجودا على جميع التقادير ، فلو لم تكن مع قطع النظر عن الغير موجودة لكانت معدومة ، فحينئذ يكون وجودها من الغير لا محالة ؛ إذ الذاتي لا يختلف ولا يتخلّف ، فذلك الوجود مسبوق بالعدم ، وإلاّ لم يكن قبوله من الغير ممكنا ؛ لامتناع تحصيل الحاصل ، وقد بيّنّا أنّ قبوله من الغير ممكن ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم المطلق ، وهو معنى الحدوث كما مرّ ، فجميع الممكنات حادثة بالحدوث الذاتي ، وهو المطلوب مع أنّه لا نزاع في ثبوته للممكنات ؛ فإنّ

__________________

(١) للاطّلاع على محلّ النزاع في المسألة انظر « الشفاء » الإلهيات : ١٧٢ ـ ١٧٣ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٧٧ ـ ١٠٠ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ؛ « نقد المحصّل » : ١٦٣ ـ ١٦٥ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ « أنوار الملكوت » : ٦١ ـ ٦٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥١ ؛ « اللوامع الإلهية » : ١١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٠ ـ ١٥ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠٣.

٤٨

الحكماء(١) أيضا قائلون به ، فإنّهم أيضا يقولون(٢) بصحّة صدور الفعل والترك عن الواجب بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة وإن قالوا بوجوب الفعل عنه بالنظر إلى إرادته القديمة التي هي عين ذاته ، فيكون موجبا ـ بكسر الجيم ـ لا موجبا ـ بفتح الجيم ـ كما نسب إلى الفلاسفة ،(٣) فإنّي لم أقف على قائل به ، وليس الأوّل منافيا لقدرته تعالى ؛ إذ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهم يقولون بدوام الفعل وقدم الأثر بسبب الإرادة القديمة ومسبوقيّة الوجود بالعدم بالنظر إلى ذات الممكنات ؛ فإنّ العلّة التي تحتاج إليها الممكنات متقدّمة عليها بالذات وهي متأخّرة عنها بالذات وإن لم تتأخّر عنها بالزمان ، فلها بالنسبة إلى ذات العلّة عدم ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم الذاتي وهو المعنيّ من الحدوث الذاتي.

ولكن يرد عليهم أنّ ما ذكر عين القول بكونه موجبا بفتح الجيم لأنّهم يقولون بامتناع تخلّف المعلولات عن الواجب تعالى بعد انضمام الإرادة ، والإرادة عين الذات ، فيلزم امتناع التخلّف عن الذات ، وملاحظة الذات بدون الإرادة من قبيل سلب الشيء عن نفسه ، وليس ذلك أمرا واقعيّا ، بل هو أمر اعتباريّ محض ، فيلزم كونه تعالى مختارا فرضيّا اعتباريّا لا حقيقيّا ، فيلزم النقص اللازم على القائل بكونه تعالى موجبا بفتح الجيم.

فالتحقيق أنّ الإرادة التي هي عين ذاته تعالى عبارة عن العلم بالمصلحة الذاتيّة أو

__________________

(١) « الجمع بين رأيي الحكيمين » : ١٠٠ ـ ١٠٤ ؛ « الشفاء » الإلهيات : ٢٦٤ ـ ٢٦٨ ؛ « النجاة » : ٢٢٣ ؛ « التعليقات » : ٨٥ ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٣١٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٢١ ـ ١٣٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٦٠ ـ ١٦٢ ؛ « شوارق الإلهام » : ٩٦.

(٢) انظر التعليقة ٤ في الصفحة ٤٧.

(٣) هذه النسبة مشهورة بين المتكلّمين وإن لم يصرّح بها بعضهم. انظر « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ـ ١٥٦ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٨٢ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٧٧ ؛ « الأربعين » ١ : ١٧٤ ـ ١٨٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٢ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥٩ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٨٩ ـ ١٠٠ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ١١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : ٩٩ ـ ١٠٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠٣.

٤٩

العرضيّة ، أو المفسدة كذلك المقتضي لمشيئة الفعل أو الترك ، بمعنى كونه منشأ لصدور الفعل أو الترك بعد المشيئة مع القصد والشعور بسبب العلم المذكور ، وأنّه ممّا تنشأ منه المشيئة بمقتضى المصلحة أو المفسدة فإذا حصلت المشيئة ، حصل الفعل أو الترك ، فالمشيئة حادثة خارجة عن الذات تحدث بحدوثها على وفقها الممكنات ، فلا يكون حدوث الممكنات ـ ولو بعد انضمام الإرادة بالمعنى المذكور ـ لازما.

ولعلّهم جعلوا الإرادة بمعنى المشيئة ، ولكن لا يخفى أنّها بهذا المعنى أمر معنويّ لا يمكن أن تكون عين الذات للممكن ، فكيف الواجب تعالى.

وبالجملة ، فالكلام في أمرين آخرين :

[ الأمر ] الأوّل : أنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم ذاتيّ كتقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض كما عن المتكلّمين ،(١) أم ليس كذلك كما عن الحكماء(٢) بناء على أنّ تقدّم أجزاء الزمان أيضا زمانيّ والتقدّم الزمانيّ مطلقا مستلزم للزمان ، فيلزم أن يكون قبل وجود العالم زمان ، بل وحركة أيضا ؛ إذ منشأ عدم اجتماع المتأخّر مع المتقدّم في الوجود ، المعتبر في التقدّم الزماني عدم كونهما ممّا هو قارّ الذات وهو مخصوص بالزمان والحركة ، فيلزم تقدّم الحركة والزمان على العالم ، وهو بديهيّ البطلان.

والقول(٣) بأنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم بالذات فاسد ؛ لأنّ التقدّم بالذات عندهم عبارة عن التقدّم بالعلّيّة ، وكيف يمكن كون عدمها علّة تامّة لوجودها!؟ فمرادهم أنّ العدم المقدّم على الوجود عدم ذاتيّ لا أنّ تقدّم ذلك العدم

__________________

(١) « الأربعين » ١ : ٢٥ ـ ٢٧ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٢٢٧ ـ ٢٣٠ ؛ « المحصّل » : ٢١٥ ؛ « المطالب العالية » ٤ : ١٣ ـ ١٨ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٢١٧ ـ ٢٢٤ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ١٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٤١ ـ ٤٥ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ١٠٠.

(٢) انظر « الشفاء » الإلهيّات : ٢٦٦ ؛ « النجاة » : ٢٢٢ ؛ « التحصيل » : ٥٢٤ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٨٢ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ٢٤٤.

(٣) تعريض بالحكماء. انظر « الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : ١٠٠.

٥٠

تقدّم ذاتيّ.

وعن ظاهر كلام بعضهم(١) أنّ تقدّم العدم على الوجود تقدّم بالطبع ، لتوقّف الوجود الغيري على العدم كما مرّ من غير أن يكون العدم علّة للوجود كما تقدّم.

وفي الكلّ نظر سيظهر.

[ الأمر ] الثاني : أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد عن الذاتي أيضا ، أم لا؟ فإنّ القدم على قسمين : حقيقيّ ، وإضافيّ. والحدوث أيضا على قسمين : ذاتيّ ، وزمانيّ حقيقيّ أو حكميّ كحدوث الزمان والزمانيّ. وقد وقع الخلاف فيما هو فوق الحدوث الذاتيّ وزائد عنه ، فأنكره الفلاسفة(٢) وأثبته المتكلّمون ،(٣) بل قاطبة الملّيّين على وفق قولهعليه‌السلام : « كان الله ولم يكن معه شيء »(٤) واختلف المتكلّمون في التعبير عنه ، فقيل :(٥) إنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان الموهوم ، بمعنى أنّ وجود الممكنات ـ حتّى الزمان ـ مسبوق بالعدم الزماني ، ومحلّه الجواهر العقليّة ونحوها ، ولكن يكفي في كون عدم الزمان ونحوه في زمان الزمان الموهوم ، وهو ما ينتزع من استمرار وجود الواجب من أمر ممتدّ على سبيل التجدّد والتقضّي كانتزاع الحركة التوسّطيّة من القطعيّة ، والزمان من الآن السيّال ، وهو مختار مولانا جمال الدين الخوانساري.(٦)

وعن الميرزا إبراهيم بن صدر الدين الشيرازيّ(٧) أنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان المنتزع ، بمعنى أنّه إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة

__________________

(١) « شوارق الإلهام » ١ : ١٠٠ ؛ « الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢) « الأسفار الأربعة » ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٥٥ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ٩٦ وما بعدها.

(٣) « الأسفار الأربعة » ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٥٥ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ٩٦ وما بعدها.

(٤) انظر « التوحيد » : ٥٩ / ١٧ باب التوحيد ونفي التشبيه ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ١٦٨ / ١١٠ ؛ « صحيح البخاري » ٣ : ١١٦٦ / ٣٠١٩ من كتاب بدء الخلق ؛ « المعجم الكبير » ١٨ : ٢٠٣ / ٤١٧.

(٥) انظر الهامش الأوّل من الصفحة المتقدّمة.

(٦) انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » للخوانساريّ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٧) نقل عنه الخوانساريّ ذلك ، انظر الهامش المتقدّم.

٥١

ـ كما هو مذهب الملّيّين(١) ـ كان للعدم تقدّم عليه سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته الفلاسفة(٢) لعدم الممكن على وجوده المعبّر عنه بالحدوث الذاتي كتقدّم الحوادث الزمانيّة وأجزاء الزمان بعضها على بعض في عدم اجتماع السابق مع المسبوق ، ولكن هذا التقدّم ، له تقدير وتعيين ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب الملّيّين ؛ فإنّه لا يكون فيه قرب وبعد وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.

ونظير ذلك ما قالوا :(٣) إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة به ، وكما أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدم صرف ونفي محض ، وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك يعلم من تناهي الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدم صرف ونفي محض ، ويحكم بأنّ لهذا العدم الصرف قبليّة ما على وجود العالم والزمان شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان بعضها على بعض ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف لانتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة.

قيل :(٤) قال : وهذا هو الحدوث الزمانيّ المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، وليس هذا إثبات الزمان الموهوم كما أنّه ليس ذلك إثبات المكان الموهوم وإن أورد عليه(٥) بأنّ هذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب

__________________

(١) انظر الهامش ٢ من الصفحة المتقدّمة.

(٢) انظر الهامش ٢ من الصفحة المتقدّمة.

(٣) أي الحكماء في الطبيعيّات. انظر « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٢٤٦ ـ ٢٥٨ ؛ « النجاة » : ١٣٠ ـ ١٣١ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٧٠ وما بعدها ؛ « التحصيل » : ٦٠٦ ـ ٦١٢.

(٤) القائل هو ابن ملاّ صدرا الشيرازيّ على ما نقل عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠١.

(٥) هذا الإيراد للمحقّق الخوانساري. انظر المصدر السابق.

٥٢

تعالى وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : كان الواجب ولم يكن العالم ، يكون العالم قديما البتّة.

وعن السيّد الداماد أنّه قال : إنّ العالم حادث بالحدوث الدهري لا الذاتي ولا الزماني ، بمعنى أنّ الوجود مسبوق بالعدم الصريح المحض مسبوقيّة انسلاخيّة انفكاكيّة غير زمانيّة ولا سيّالة ولا متقدّرة ولا متكمّمة كما في الحدوث الزمانيّ ، ولمّا كان وعاء الوجود الصريح المسبوق بالعدم الصريح المرتفع عن أفق التقدير واللاتقدير هو الدهر لا الزمان ؛ لأنّه وعاء الأمور المتقدّرة المتغيّرة السيّالة ، ولا السرمد ؛ لأنّه وعاء بحت الوجود الثابت الحقّ المنزّه عن التغيّر وسبق العدم المطلق ، كان حريّا باسم الحدوث الدهري.(١)

وأورد(٢) عليه : بأنّ اتّصاف العدم بالسابقيّة على الوجود سبقا غير ذاتي إن كان في نفس الأمر ، يكون محتاجا إلى وعاء وظرف يكون فيه ، ويتّصف هو لا محالة بالتقدّر والتكمّم وغيرهما ؛ إذ لا يتصوّر السابقيّة بدون ذلك ، وإلاّ يلزم القدم كما مرّ.

أقول : يرد عليه أيضا أنّ الدهر إن كان أمرا واقعيّا ، فلا يخلو إمّا أن يكون واجبا أو ممكنا ، ولا سبيل إلى الأوّل ؛ لاستحالة تعدّد الواجب تعالى كما سيأتي. وعلى الثاني ننقل الكلام إليه ، فنقول : إنّه إمّا متّصل الوجود بواجب الوجود أو منفصل الوجود ، وعلى الأوّل يلزم القدم ، وعلى الثاني نقول مثل ما سبق ، فيلزم القدم بالأخرة ؛ لاستحالة التسلسل.

وإن لم يكن أمرا واقعيّا ، فلا يكون الانفصال واقعيّا ، فيلزم القدم.

ومن هذا يظهر أنّ القولين الأوّلين أيضا مخدوشان.

فالأولى أن يقال : إنّ حدوث العالم ـ الذي يقول به الملّيّون على وفق ما روي من

__________________

(١) انظر « القبسات » القبس الأوّل ، وعنه نقل الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠٣ ـ ١٠٦ والسبزواريّ في « شرح المنظومة » قسم الحكمة : ٨٠ ـ ٨٢.

(٢) الإيراد هنا للخوانساريّ. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠٣ ـ ١٠٤.

٥٣

قولهعليه‌السلام : « كان الله ولم يكن معه شيء »(١) ونحو ذلك ـ حدوث سرمدي مراتبيّ.

وبعبارة أخرى : حدوث زمانيّ بالزمان التقديريّ ، بمعنى أنّ وجود العالم مسبوق بالعدم المراتبيّ كما أنّه مسبوق بالعدم الذاتيّ ، وأنّ الواجب تعالى كان ثابتا في مراتب من مراتب وجوده الواقعيّ ولم يكن العالم ثابتا فيها كما أنّه تعالى كان في مرتبة ذاته ـ من حيث إنّها علّة له ـ ثابتا ولم يكن العالم في تلك المرتبة ثابتا ، وتلك المراتب منتزعة من وجوده المستمرّ الثابت المنزّه عن سبق العدم ، بمعنى أنّه ينتزع من وجوده المستمرّ مراتب عديدة بعد مرتبة ذاته من حيث إنّها علّة يتّصف ذات الواجب بالكون بالنسبة إلى تلك المراتب ولم يكن فيها إلاّ واجب الوجود وعدم العالم ، فيكون وجود العالم مسبوقا بالعدم سوى العدم الذاتي أيضا ، ويكون العدم سابقا على الوجود سبقا ذاتيّا كسبق أجزاء الزمان بعضها على بعض على ما هو مختار المتكلّمين ،(٢) أو شبيها به أو بغيره كما سيأتي ، وذلك العدم مستند إلى مشيئة الترك ، فباعتبار كون مستنده وجوديّا يصلح أن يكون موصوفا بوصف كالسابقيّة ، فلا يرد(٣) أنّ ثبوت الشيء لشيء فرع لثبوت المثبت له ، فلا بدّ من وعاء يكون فيه ، وذلك الوعاء إمّا واجب أو ممكن ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لامتناع تعدّد الواجب ، فيتعيّن الثاني ، فيلزم اتّصال العالم بالواجب وهو معنى القدم.

وبالجملة ، فقد ظهر ممّا قرّرنا سابقا أنّ ترك الفعل بالنسبة إلى الواجب يكون مستندا إلى مشيئته ؛ ولهذا عدلنا عن العبارة المشهورة في بيان معنى الإرادة ، وهي قولهم : إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل ، إلى قولنا : إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، فليتأمّل.

__________________

(١) تقدّم في ص ٥١ هامش ٤.

(٢) « الأربعين » ١ : ٢٥ ـ ٢٧ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٢٢٧ ؛ « المحصل » ٤ : ١٣ ـ ١٨ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٢١٧ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ١٠٠.

(٣) الإيراد لملاّ شمسا الجيلانيّ ، على ما نقله عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠٥.

٥٤

وكيف كان ، فالعمدة في الاستدلال على حدوث العالم هو النقل اللبّيّ(١) المطابق للنقل اللفظيّ المذكور الكاشف عن قول الصانع : بأنّي أوجدت العالم حادثا بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ المبطل للاجتهاد في مقابل ذلك النصّ الجليّ ، لا ما يقال من أنّ العالم لا يخلو من حركة وسكون وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة بالعدم ؛ لأنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، والسكون عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل ، وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة والثانويّة ؛ فإنّ ذلك لا يخلو من مناقشة من جهة عدم تماميّته في نفس الزمان والمكان ونحو ذلك.

فإن قلت : يلزم من توقّف الحدوث المتنازع فيه على الشرع الدور المحال كما توهّمه بعض الفضلاء.

قلت : إثبات الشرع غير موقوف على الاختيار والحدوث الذي قلنا به ؛ لكفاية الحدوث والاختيار بالمعنى المتّفق عليه بيننا وبين الحكماء فيه كما لا يخفى.

وكيف كان ، فالعقل أيضا يوافق النقل المذكور من جهة أنّ وقوع جزأي القدرة والإخبار به أدخل في صحّة الاعتقاد ، فهو راجح يجب على الصانع اختياره.

والظاهر أنّ ما ذكرنا هو مراد الطبرسيّ ممّا ذكره في مجمع البيان(٢) ـ على ما حكي عنه ـ من الزمان التقديريّ ، بمعنى أنّا لو فرضنا وقدّرنا قبل حدوث العالم زمانا آخر ، لم يكن العالم ثابتا فيه ، وكان الواجب تعالى كائنا فيه بالمعنى الذي يقال الآن : إنّه تعالى موجود ، فيتصحّح معنى حدوث العالم ، ومعنى « كان الله ولم يكن معه شيء »(٣) بمعنى أنّه حادث بالحدوث الزمانيّ بالزمان التقديريّ من دون حاجة

__________________

(١) انظر « التوحيد » للصدوق : ٣٠٠ ذيل ح ٧ من باب إثبات حدوث العالم ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٣٠٩ ؛ « نهاية المرام » ٣ : ١٥ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٢٢ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ١١١ ـ ١١٤.

(٢) « مجمع البيان » ٩ : ٣٨٢ ذيل الآية ٣ من سورة الحديد (٥٧).

(٣) مرّ تخريجه في ص ٥١ هامش ٤.

٥٥

إلى التمسّك بالزمان الموهوم أو المنتزع أو الدهر ، فلا بأس علينا أن نبدّل الحدوث المراتبيّ بالحدوث الزماني بالزمان التقديريّ بالمعنى الذي ذكرنا في الحدوث المراتبيّ ؛ لعدم لزوم الإيراد الوارد على غير هذا الوجه.

والأولى أن يعبّر عن ذلك الحدوث بالحدوث السرمديّ كما لا يخفى.

والقول(١) بأنّ أقسام الحدوث منحصرة في معان ثلاثة : ذاتيّ ، وهو عبارة عن وجود الماهيّة بعد عدمها في لحاظ العقل دون الواقع ، ودهريّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد نفي صريح واقعيّ غير كمّي ، وزمانيّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد عدم واقعيّ كمّيّ ، فإذا لم يكن الزمان التقديريّ بمعنى الحدوث الذاتيّ ، ولا الزمانيّ ؛ لأنّه زمان واقعيّ نفس أمريّ لا تفاوت بينه وبين هذا الزمان إلاّ بالليل والنهار ، لا زمان فرضيّ تقديريّ ، فلا بدّ أن يكون بمعنى الحدوث الدهريّ ؛ إذ لم يعهد اصطلاح غير ما ذكرنا [ و ] على تقدير تسليمه لا يوجب بطلان ما ذكرنا ؛ إذ لا مشاحّة في الاصطلاح ، والعمدة تصحيح العقيدة على وجه يطابق النقل المشهور بل المتواتر ـ على ما قيل(٢) ـ الذي يكون ـ على ما قيل(٣) ـ من ضروريّات الدين.

وعن العلاّمة(٤) دعوى الإجماع على أنّ من اعتقد قدم العالم فهو كافر حكمه في الآخرة حكم باقي الكفّار وإن تنظّر بعض في التخصيص بالآخرة وذلك حاصل بما ذكرناه مع خلوّه عن المناقشة الواردة على غير المختار ، فيلزم الاعتقاد بما ذكرنا ؛ حذرا عن إنكار ضروريّ الدين ، مع أنّ العقل لا يمنع من تعلّق مشيئة الفاعل المختار

__________________

(١) القائل هو السيد محمد باقر الداماد. انظر : « القبسات » : ٣ ـ ٥ ، القبس الأوّل.

(٢) يمكن استفادة الشهرة أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » : ٢٨ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ٣ : ٤ ؛ « القبسات » : ٢٥ ـ ٢٦ ؛ القبس الأوّل ؛ « التوحيد » : ٢٢٣ باب أسماء الله تعالى ، ذيل ح ١٤ ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٧ و ٢٥٢ و ٢٥٨ باب حدوث العالم.

(٣) يمكن استفادة الشهرة أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » : ٢٨ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ٣ : ٤ ؛ « القبسات » : ٢٥ ـ ٢٦ ؛ القبس الأوّل ؛ « التوحيد » : ٢٢٣ باب أسماء الله تعالى ، ذيل ح ١٤ ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٧ و ٢٥٢ و ٢٥٨ باب حدوث العالم.

(٤) انظر : « أجوبة المسائل المهنّائية » : ٨٩ ، المسألة ١٣٨.

٥٦

بإيجاد العالم على وجه التأخير بالنسبة إلى أوّل مرتبة من مراتب الوجود بفصل مراتب عديدة ولو لمصلحة خفيّة تكشفها الشريعة إن لم نقل بأنّه يقتضيه كما أشرنا ، مضافا إلى أنّ الدهر ليس زمانا تقديريّا كما لا يخفى.

وممّا يدلّ على هذا المطلب ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطب نهج البلاغة من قولهعليه‌السلام : « فإنّه يعود سبحانه بعد فناء العالم وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان. عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء إلاّ الله ».(١)

وهذا ظاهر في نفي ما عدا ما ذكرنا كما لا يخفى ، ومبطل لما حكي عن بعض المتصوّفة أنّه لمّا سمع الحديث المشهور ، قال : « الآن كما كان »(٢) كما لا يخفى أيضا ، ودالّ على إنّيّة الزمان كما هو المعلوم بالوجدان وإن اختلف في ماهيّته(٣) أنّه جوهر ليس بجسم ولا جسمانيّ ، واجب بذاته كما عن بعض ، أو هو المعدّل كما عن آخر ، أو الحركة كما عن آخر ، أو مقدار الوجود كما عن أبي البركات ،(٤) أو مقدار الحركة كما عن أرسطو والمتأخّرين. والظاهر أحد الأخيرين.

__________________

(١) « نهج البلاغة » : ١٣٧ ، الخطبة ١٨٦.

(٢) هو أبو القاسم الجنيد البغداديّ على ما في « شرح فصوص الحكم » للخوارزميّ : ١٤٢ و « نصوص الخصوص في شرح الفصوص » : ١١٩.

ونسبه المولى علي النوري إلى أبي إبراهيم موسى الكاظم عليه‌السلام في هامش « شرح فصوص الحكم » لابن التركة ١ : ٧٠١.

(٣) للاطّلاع على الأقوال حول ماهية الزمان انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ١٤٨ ؛ « النجاة » : ١١٥ ـ ١١٨ ؛ « التحصيل » : ٤٥٣ ـ ٤٦٣ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٢ : ٦٩ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٧٥٥ ـ ٧٦٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٩٤ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٣٢٩ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١١٥ ـ ١١٨.

(٤) « المعتبر في الحكمة » ٢ : ٦٩ ـ ٧٠ ، وعنه في « المطالب العالية » ٥ : ٥١ و « نقد المحصّل » : ١٣٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٤٤.

٥٧

وكيف كان ، فالحقّ أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ أيضا بشهادة النقل ، بل والعقل ، وأنّ ماهيّة الممكنات موجودة حقيقة بوجود أفرادها ، بمعنى أنّهما ـ كليهما ـ موجودان بوجود واحد ، وليس الماهيّة اعتباريّة محضة ، وإلاّ يلزم جواز صدق الحماريّة على أفراد الإنسان وبالعكس.

ويشهد على ذلك العقل مضافا إلى ظاهر النقل ، كقوله تعالى :( خُلِقَ الْإِنْسانُ ) (١) ونحوه ، فيكون الجعل مركّبا ، بمعنى أنّ الماهيّة أيضا مجعولة كالوجود بجعل واحد ، وأنّه تعالى جعل الماهيّة ماهيّة كما جعلها موجودة ، فهما مجعولان بجعل واحد ، كما أنّ الماهيّة والأفراد موجودتان بوجود واحد كالهيولى والصورة ونحوهما ، وليس في ذلك شبهة لمن جعل مرجعه العقل والنقل ، وأعرض عن جنود الجهل ، فلنرجع عنان الكلام إلى بيان أصل المرام ، فنقول :

[ في أنّه تعالى صاحب الصفات ]

إنّ العلماء اختلفوا في أنّ صانع العالم ـ الذي هو الواجب الوجود بالذات ـ صاحب الصفات ، أو نائب الصفات على قولين :

الأوّل : أنّه تعالى صاحب الصفات. وهو المشهور(٢) المنصور.

الثاني : أنّه تعالى نائب الصفات ، بمعنى أنّ ذاته تعالى يصدر منها أثر القدرة من غير قدرة ، وأثر العلم من غير علم ، وهكذا سائر الصفات ، كما أنّ التيمّم يحصل منه أثر الوضوء أو الغسل من استباحة الدخول في نحو الصلاة من غير طهارة وارتفاع

__________________

(١) النساء (٤) : ٢٨ ؛ النحل (١٦) : ٤ ؛ الأنبياء (٢١) : ٣٧ ؛ الرحمن (٥٥) : ٣ و ١٤.

(٢) انظر : « الشفاء » الإلهيّات : ٣٤٣ ـ ٣٤٩ ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ١٩ ـ ٢١ ؛ « التعليقات » : ٦ ـ ٦٧ ؛ « التحصيل » : ٥٦٠ ـ ٥٨١ ؛ « التلويحات » ضمن « مصنفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٩ ـ ٤١ ؛ « التوحيد » للنيسابوريّ : ٤٥٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٨٠ ـ ١٨٨ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٥ ـ ٤٩.

٥٨

الحدث كما هو ظاهر شارح المواقف(١) والمحكيّ عن بعض.(٢)

لنا عقلا : أنّ كلّ واحد من الصفات الكماليّة كالعلم والحياة والقدرة صفة كمال لا يقتضي ثبوتها على وجه العينيّة نقص صاحبها ، وكلّ ما هو كذلك فهو ممكن وثابت له تعالى على وجه الوجوب.

أمّا الصغرى : فبالوجدان.

وأمّا الكبرى : فلعدم المانع عقلا ونقلا ؛ لعدم الاستحالة فيه ، واقتضاء عدم الثبوت نقص الذات في مرتبة الذات والصفات وإن ترتّب عليها آثارها في مقام الفعل ، وذلك مناف لوجوب الوجود ، كما لا يخفى.

ونقلا : قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) و( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٤) و( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (٥) و( هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (٦) إلى غير ذلك من الآيات.

وما روي عن الرضاعليه‌السلام أنّه قال بعد السؤال عن علمه تعالى قبل الأشياء : « إنّ الله هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ».(٧)

وما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال ـ بعد سؤال الزنديق ـ : « هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ، بل يسمع ويبصر بنفسه ، وليس قولي : إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي ؛ إذ كنت مسئولا ، وإفهاما لك ؛ إذ كنت سائلا ، فأقول : يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض لأنّ الكلّ لنا [ له ]

__________________

(١) « شرح المواقف » ٨ : ٤٤ ـ ٤٩.

(٢) حكي عن طائفة من المعتزلة. انظر « الفرق بين الفرق » : ٩٣ ـ ٩٤ ؛ « كشف المراد » : ٢٩٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٢٧.

(٣) البقرة (٢) : ٢٠ ؛ آل عمران (٣) : ١٦٥ ؛ النحل (١٦) : ٧٧ ؛ النور (٢٤) : ٤٥.

(٤) البقرة (٢) : ٢٨٢ ؛ النساء (٤) : ١٨٦ ؛ النور (٢٤) : ٣٥ ؛ الحجرات (٤٩) : ١٦.

(٥) الأعلى (٨٧) : ٧.

(٦) البقرة (٢) ٢٥٥ ؛ آل عمران (٣) : ٢.

(٧) « التوحيد » : ١٣٦ باب العلم ، ح ٨ ؛ « عيون أخبار الرضا » : ١١٨ ، الباب ١١ ، ح ٨.

٥٩

بعض ، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك كلّه إلاّ أنّه السميع البصير ، العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى »(١) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ ذاته تعالى صاحب الصفات لا نائبها.(٢)

وما ورد(٣) ـ من أنّ كمال التوحيد نفي الصفات ـ معناه نفي الصفات الزائدة كما يقول الأشاعرة ،(٤) بمعنى أن يقال : له ذات وصفات على وجه التعدّد والاثنينيّة ؛ فإنّ ذلك خلاف الحقّ ، بل الحقّ أنّ ذاته تعالى صفاته ، وصفاته ذاته. مع أنّ ما ذكرنا من العقل والنقل مقدّم على الخبر الواحد ولو سلّم دلالته على خلافه بعد اعتباره في الجملة في المسألة العلميّة الاعتقاديّة الأصوليّة.

وبالجملة ، فالقول بالنيابة ناش من توهّم لزوم عرضيّة الذات ، أو التكثّر ، أو الزيادة. وهو غفلة عن ملاحظة كون العلم ـ مثلا ـ بمعنى سبب ظهور المعلوم ومنشأ انكشاف الأشياء عين الذات ، لا بالمعنى المصدري ـ وهو الاطّلاع على الأشياء ـ ونحوه ، وكذا القدرة بمعنى منشأ التمكّن على الفعل والترك عين الذات ، لا نفس التمكّن ، وكذا الحياة بمعنى منشأ صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة ـ لا نفسها ـ عين الذات.

وكيف كان ، فتفصيل ذلك يقع في مسائل :

المسألة الأولى : في القدرة ، بمعنى أنّه تعالى صاحب القدرة ، وأنّه يصحّ منه فعل العالم وإيجاده وتركه ، وأنّه ليس شيء منهما لازما لذاته بحيث يستحيل انفكاكه عنه في أيّ وقت فرض وإن كان وقتا موهوما كما أفاد الخفري.(٥)

__________________

(١) « الكافي » ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٢ ؛ « التوحيد » : ١٤٤ ـ ١٤٥ باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح ١٠.

(٢) انظر : « التوحيد » : ١٣٤ ـ ١٤٨ باب العلم وباب صفات الذات وصفات الأفعال.

(٣) « نهج البلاغة » : ١٤ ، الخطبة الأولى.

(٤) « المحصّل » : ٤٢١ ـ ٤٢٧ ؛ « المطالب العالية » : ٣ : ٢٢٣ ؛ « الأربعين » ١ : ٢١٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٤ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٦٩.

(٥) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ـ ٤ ، مخطوط.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

صادقون وباقرون وكاظمون و ..؟ فلعلّه ناظر إلى تلك الظروف التي كان يعيشها الإمامعليه‌السلام ، فمثلاً الإمام الباقرعليه‌السلام كان يعيش في ظرف فسح له المجال لانتشار علم الأئمّة ، فكأنّه أتى بجديد على الناس ، ولم يسمعوا به بهذا التفصيل من ذي قبل ، خاصّة من كثرة الوقائع وتوسّع المسائل ، فعرف بالباقر لبقره وشقّه للعلم ، وفتقه لمسائل العلم وتعمّقه فيها ، وكشفه عن خفاياها وكنوزها.

وهكذا الإمام الصادقعليه‌السلام ، فإنّه عاش في ظرف كثر فيه العلماء ، وانتشرت فيه العلوم ، ممّا أدّى إلى اختلاط كبير بين الروايات والفتاوى الصادرة من بعض علماء المدارس والمذاهب الأُخرى ، فاحتاجت الساحة العلمية إلى من يفرز الفكر الأصيل على مستوى الرواية عن غيرها ، فتصدّى الإمام الصادقعليه‌السلام لهذا الدور بشكل مركّز ، وباعتبار عظمة الثقة به ، ولقدرة تمييزه الصحيح من غيره عرف بالصادق.

إذاً لعلّ مثل هذه الظروف كان لها سهم كبير في ظهور هذه الصفة في هذا الإمام أكثر من ذلك ، وإلاّ من حيث المبدأ كلّهم متساوون في هذه الصفات.

( ياسر العسبول ـ البحرين ـ )

موالاتهم عامل مهم لدخول الجنّة :

س : هل كلّ من يوالي أهل البيت عليهم‌السلام يدخل الجنّة؟

ج : لا ريب أنّ موالاة أهل البيتعليهم‌السلام مع التبري من أعدائهم ـ أي الموالاة الحقيقيّة الدائرة بين النفي والإيجاب كـ « لا إله إلاّ الله » ـ عامل مهمّ بل هو عمدة ما في الباب للدخول إلى الجنّة ، بل يظهر من بعض النصوص حتمية ذاك ، وإن فعل كذا وكذا ، أو لم يفعل.

نعم ، لابدّ وأن يمرّ المؤمن بمرحلة تمحيص ، وقد يصل إلى دخول النار واللبث فيها ، وقد لا يكون قصيراً ، بل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من قال

٤٤١

لا إله إلاّ الله دخل الجنّة ، وإن زنى وإن سرق »(١) ، وهذا لاشكّ أنّه ليس على إطلاقه ، فكذا فيما يرجع إلى من تولاّهمعليهم‌السلام .

ونظير هذا ما جاء في كتاب التوحيد ، حيث علّق الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بقوله : « يعني بذلك أنّه يوفّق للتوبة حتّى يدخل الجنّة »(٢) .

وقال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : « وأمّا أصحاب الكبائر من الشيعة ، فلا استبعاد في عدم دخولهم النار ، وإن عذّبوا في البرزخ وفي القيامة وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ ارتكاب بعض الكبائر ، وترك بعض الفرائض أيضاً داخلان في الشرك ، فلا ينبغي الاغترار بتلك الأخبار ، والاجتراء بها على المعاصي »(٣) .

ومع هذا ، فقد وردت روايات كثيرة جدّاً في الصفح عن الشيعة ، وشفاعة أئمّتهمعليهم‌السلام ، فراجع(٤) .

( أبو أحمد ـ السعودية ـ )

موقفهم من الحركات الثورية الشيعيّة :

س : بعد لثم أناملكم الشريفة ، أبعث لسماحتكم تساؤلاتي التالية ، آملاً أن أحظى بالإجابة الوافية :

١ ـ يزعم البعض : أنّ هناك روايات عن الأئمّةعليهم‌السلام تذكر : أنّ أيّ دولة تقوم قبل خروج الإمام الحجّةعليه‌السلام فهي دولة غير شرعية ، فما مدى صحّة هذه الروايات وثباتها وحجّيتها؟ وما المقصود منها إن صحّت؟

٢ ـ هل كان الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام يشجّعون الحركات الثورية الشيعيّة المتعدّدة ، التي حدثت في زمانهم؟ وما موقفهم عليهم‌السلام من حركة إبراهيم ومحمّد ذي النفس الزكية؟

__________________

١ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ٤٣.

٢ ـ التوحيد : ٢٥ و ٤١٠.

٣ ـ بحار الأنوار ٣ / ٨.

٤ ـ المصدر السابق ٦٥ / ٩٨.

٤٤٢

٣ ـ ما الأسباب التي دعت الأئمّة عليهم‌السلام عدم انتهاج المقاومة المسلّحة؟ ونسألكم الدعاء.

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

١ ـ هناك أحاديث وردت في مجامعنا الحديثية تنهى وتستنكر الحركات والأنظمة السياسية قبل ظهور الحجّةعليه‌السلام ، ولكن يجب أن نلاحظ في المقام عدّة أُمور :

أ ـ إنّ هذه الروايات على طوائف من حيث السند ، ففيها المعتبر ، وفيها غيره ، وعليه فلابدّ من التأكّد في جانب السند حتّى يكون الحديث حجّة في المقام.

ب ـ إنّ النهي الوارد في بعض هذه النصوص هو نهي إرشادي لا مولوي ، أي إنّ الإمامعليه‌السلام كان يريد أن يذكر بأنّ الحركة والنهضة سوف لا تثمر ولن تصيب الهدف ، وإن كانت الغاية منها قد يستوجب التقدير والتأييد ، ولكن بما أنّها لن تستثمر ، ومن ثمّ تقع سلبياتها على الشيعة والأُمّة.

فإنّ الأئمّةعليهم‌السلام كانوا ينهون عن التورّط في هذه الحركات ، وهذا ما حدث مع زيد بن عليعليه‌السلام ، فقد كان هو وهدفه ممدوحاً ومؤيّداً من جانب الأئمّةعليهم‌السلام ، ولكن بما أنّ الإمامعليه‌السلام كان لا يرى نتيجة مثمرة من نهضته فكان تارةً يصرّح ، وأُخرى يلوّح بما سيؤول إليه أمره.

وفي عبارة مختصرة : إنّ النهي الوارد في بعض هذه الروايات كان لمصلحة الاحتفاظ على كيان التشيّع عن الدخول في معركة غير متوازنة مع الحكم السائد.

وهذا يختلف جذرياً مع النهضة الحسينية ، إذ كان القائد لها وهو الإمام الحسينعليه‌السلام قد انتهج خطّاً ، واستعمل أسلوباً خاصّاً في حركته ، أدّت إلى بقاء وازدهار الفكر الشيعيّ إلى يومنا هذا.

ج ـ إنّ النهي الوارد في بعض هذه الأحاديث نهي مضاف لا مطلق ، أي إنّ

٤٤٣

الإمامعليه‌السلام وبملاحظة المصالح كان قد ينهى عن التحرّك والخروج لبعض الأشخاص والجهات ، وهذا نظير نهي الإمامعليه‌السلام عن التوغّل في المباحث الكلامية لبعض أصحابه ، في حين كان يشجّع البعض الآخر لتصدّي هذا الأمر.

د ـ إنّ النهي الوارد في بعض هذه النصوص وإن كان مطلقاً ، ولكنّه قد قيّد وخصّص في فترات زمنية محدّدة ، فترى مثلاً أنّ بعض الروايات تؤيّد حركة اليماني ـ وهي من الحركات التي تسبق الظهور ـ وتحثّ الناس بالمشي إليه ، أو أنّ خروج الحسني أو الخراساني ، وذي النفس الزكية ، وحركاتهم مؤيّدة في الجملة.

أو أنّ دولة الأدارسة في المغرب ـ في أيّامها الأول ـ كانت على صلة قريبة من بعض الأئمّةعليهم‌السلام ، أو أنّ إمارة علي بن الإمام الباقرعليه‌السلام في مشهد أردهال ـ منطقة قريبة من قم وكاشان ـ كانت بتنصيص صريح من الإمامعليه‌السلام ، ونظائر أُخرى.

٢ ـ إنّ الأئمّةعليهم‌السلام لو كانوا يرون مصلحة في تأييد بعض الجهات والحركات ، كانوا يدعمونهم باليد واللسان في حدود التقية ، ولكن بما أنّ أكثر التحرّكات لم تكن صالحة ومثمرة ، والبعض القليل منها وإن كانت على حقّ ، ولكن لم تعط النتائج المتوقّعة منها ، لم يبدوا اهتماماً جادّاً في هذا المجال.

ثمّ إنّ خروج إبراهيم ومحمّد ذي النفس الزكية يجب أن ينظر إليه من هذه الزاوية ، فالإمامعليه‌السلام وإن كان يعلم صدق نيّتهما ، ولكن بما أنّه كان يرى عدم الفائدة في ذلك المقطع من الزمن في التحرّك على الطاغية ، لعدم تهيّؤ الأرضية المناسبة لهذه الحركة ، لم يشجّعهما ، ولم يحثّ الشيعة بالالتحاق بهما.

٣ ـ السبب الوحيد في هذا المجال هو عدم استجابة الخطّ العام في المجتمع

٤٤٤

لفكرة الإمامة ، ويؤيّد هذا الموضوع عدم رضوخهم لحكومة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وانحيازهم إلى جانب معاوية في مجابهته للإمام الحسنعليه‌السلام ، وأخيراً استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وعدم وقوفهم معه في وجه يزيد بن معاوية.

كلّ هذا كان دليلاً واضحاً على أنّ عامّة الناس يفضّلون البقاء تحت إمرة الطواغيت ، ولا يستجيبون للحقّ إلاّ القليل منهم.

وفي هذه الظروف لا يمكن اتخاذ أسلوب الكفاح المسلّح ، لأنّه لا يثمر النتيجة المتوخّاة ، وتبقى الخسائر في الأرواح والأموال على أرض الصراع دون ثمرة.

( أمير ـ الإمارات ـ )

مبغضهم يدخل النار :

س : هل الذين يبغضون آل البيت مؤمنين ويدخلون الجنّة؟

ج : ورد في كتب الفريقين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليعليه‌السلام : «يا علي ، إنّك قسيم الجنّة والنار »(١) .

فإذا كان عليعليه‌السلام هو قسيم الجنّة والنار ، كيف يدخل الجنّة من يبغضه؟ وهل يسمّى مؤمناً من يبغض علياً وآلهعليهم‌السلام ؟

وقد ورد في كتب الفريقين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليعليه‌السلام : «يا علي ، لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق »(٢) .

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ١ / ١٧٣ و ٢٤٩ و ٢ / ٤٠٤ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٦٥ و ١٩ / ١٣٩ ، كنز العمّال ١٣ / ١٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٩٨ ، لسان العرب ١٢ / ٤٧٩ ، تاج العروس ٩ / ٢٥ ، مناقب أمير المؤمنين : ١٠٧.

٢ ـ مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، فتح الباري ١ / ٦٠ و ٧ / ٥٨ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٥١ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٦ و ١٤ / ٤٢٦ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٦ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٠.

٤٤٥

ثمّ إنّ بغض عليعليه‌السلام هو في الواقع بغض لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ورد في كتب الفريقين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من أحبّني فليحب علياً ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ، ومن أبغض الله أدخله النار »(١) .

إذاً ، مبغض علي وآلهعليهم‌السلام ليس مؤمناً بل منافق ، وفي بعض الروايات كافر ، ومصيره النار لا الجنّة.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

هم آل الله :

س : ما معنى أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم آل الله؟

ج : الأهل في اللغة أهل البيت ، والأصل فيه القرابة ، وقد أطلق على الأتباع(٢) وأهل الله وآل الله كناية عن شدّة الحبّ لله والقرب منه ، حتّى أطلق عليهم أولياء الله ، وهمعليهم‌السلام حجّة الله في أرضه.

( علي شكر ـ بريطانيا ـ ١٨ سنة ـ طالب )

هم الراسخون في العلم :

س : من هم الراسخون في العلم في القرآن؟ هل هم أهل البيت عليهم‌السلام ؟ وكيف يمكن إثبات ذلك؟

__________________

١ ـ ذخائر العقبى : ٦٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٢ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٨٠ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٥٤ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠١ و ٦٢٢ ، فيض القدير ٦ / ٤٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٧١ ، الجوهرة : ٦٦ ، جواهر المطالب ١ / ٦٣ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٥٥ و ٣٦٣ و ٣٩٥ و ٤٥٨.

٢ ـ المصباح المنير : ٢٨.

٤٤٦

ج : إنّ معنى الرسوخ هو الثبات ، ومنه قولك : رسخ في ذهني رسوخاً ، أي ثبت الشيء في الذهن ، والراسخون في العلم أي الثابتون فيه والعارفون بواطنه.

والراسخون في العلم المشار إليهم في الآية الكريمة هم الراسخون في علم تأويل القرآن ، لأنّ سياق الآية يفهم منه أنّ الراسخين في العلم الذين يعرفون تأويل القرآن وبواطنه وغوامض متشابهه.

وإنّ الراسخين في العلم في الأُمّة المرحومة لا يكونون إلاّ أهل البيتعليهم‌السلام فقد ورد عن أئمّتناعليهم‌السلام التصريح بأنّهم الراسخون في العلم ، والعارفون بمواطن الكتاب ومتشابهه ، فضلاً عن محكماته.

فعن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «إنّ القرآن محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به ، وأمّا المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به ، هو قول الله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) (١) ، والراسخون في العلم هم آل محمّد »(٢) .

عن الفضيل بن يسار عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال :( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) نحن نعلمه(٣) .

وعن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «نحن الراسخون في العلم ، فنحن نعلم تأويله »(٤) .

إلى غير ذلك من الروايات الصحاح التي تؤكّد أنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم الراسخون في العلم.

__________________

١ ـ آل عمران : ٧.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ / ١٦٣.

٣ ـ المصدر السابق ١ / ١٦٤.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٤٤٧

( أسدي ـ بريطانيا ـ )

هم علّة الخلق :

س : سادتي الأفاضل كيف يمكننا الجمع بين ما يلي ، أرجو بيان الوجه العلمي والأُصولي لذلك : بين الآية الكريمة ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )(٥) ، وبعض مروياتنا التي تجعل العلّة الغائية أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا في واقعه يعارض الانحصار في الآية الشريفة.

أفيدونا جزاكم الله خيراً.

ج : لا تنافي بين الآية الكريمة وبين كونهمعليهم‌السلام العلّة الغائية ، إذ بالتدبّر سينحلّ ما أشكل عليك ، وذلك ببيان مختصر نقدّمه إليك :

إنّ الآية الكريمة تدلّ على أنّ الغاية من الخلق هو عبادة الله تعالى ، وعبادته تعالى هو معرفته ، ومعرفته لا تكون إلاّ عن طريق حججه وأوليائه ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام .

فبواسطتهم يعرف العباد سبل تكليفهم ، وكيفية عبادتهم لله تعالى ، إذ هذه العبادة تكون توقيفية ـ أي موقوفة على اعتبار الشارع وأوامره ـ وهذه الأوامر والتوقيفات لا تعرف إلاّ بهمعليهم‌السلام ، فهم علّة غائية بالتبع للعلّة الغائية الأُولى ، وهي عبادة الله تعالى ، أي أنّ علّتهم الغائية متفرّعة من علّة الإيجاد ، وهي عبادة الله تعالى.

فهنا مقدّمتان كبرى وصغرى :

فالكبرى : هي أنّ علّة الإيجاد والخلق ، عبادة الله تعالى ، العبادة التي لا تكون إلاّ بالمعرفة.

والصغرى : هي أنّ المعرفة لا تكون إلاّ عن طريقهمعليهم‌السلام .

والنتيجة : هي أنّهمعليهم‌السلام علّة غائية للخلق ، بلحاظ تعريف العباد كيفية

__________________

١ ـ الذاريات : ٥٦.

٤٤٨

عبادتهم لله تعالى ، ولعلّ الحديث القدسي يشير إلى هذا الجمع : «يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا علي ما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما »(١) .

فالتدبّر في الحديث ، يضيف لك وجوه الجمع المحتملة المشار إليها.

( محمّد بن أحمد العجمي ـ عمان )

إهداء ثواب قراءة القرآن لهم :

س : ما هو الحكم في إهداء سورة أو آية من القرآن الكريم إلى أرواح الأئمّة عليهم‌السلام ؟ علماً بأنّهم غير محتاجين إلى الثواب من أحد إلاّ من الله عزّ وجلّ؟

ج : فبحسب بعض الروايات إنّهمعليهم‌السلام يردّون هذه الهدايا بأضعاف مضاعفة إلى مهديها ، فأثر هذه الهدايا ترجع بالمآل إلى أصحابها ؛ مضافاً إلى أنّه من باب التقدير والتكريم والتعظيم لهم ، ولما تحمّلوه في أعباء الإمامة ، وعلماً بأنّ نفس قراءة القرآن ـ بأيّ مناسبة كانت ـ لها التأثير الملحوظ في ضمير القارئ كما لا يخفى.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

مطهّرون قبل نزول آية التطهير :

س : نشكر لكم جهودكم في الإجابة على الأسئلة.

يقول الله تعالى :( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (٢) .

يقول في الآية : ( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ألا تعني العصمة؟ كما

__________________

١ ـ مجمع النورين : ١٨٧.

٢ ـ الأنفال : ١١.

٤٤٩

في قوله تعالى : ( لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) ، ولم لا تكون دليلاً على أنّهم مطهّرون عن رجز الشيطان قبل نزول الآية ، بدليل قوله : ( عَنكُمُ ) ؟

ثمّ ألا تدلّ هذه الآية على فضيلة لجميع الصحابة؟ لأنّ الله تعالى طهّرهم كلّهم .

ج : إنّ آية( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) لا تدلّ على عصمة أصحاب بدر ، كما تدلّ آية التطهير على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لأنّ المراد من رجز الشيطان هو الجنابة التي أصابتهم ، بينما المراد من الرجس هو اجتناب المعاصي والذنوب ، والاجتناب دليل على العصمة.

كما أنّ الآية لا تدلّ على تطهيرهم قبل نزولها ، كما دلّت آية التطهير على تطهير أهل البيتعليهم‌السلام قبل نزولها ؛ لأنّ اللام في آية التطهير لام الجنس ، بينما اللام في آية( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) لام التعليل ، أي يطهّركم لأجل ما أصابكم من الجنابة.

قال في الكشّاف : « وذلك أنّ إبليس تمثّل لهم ، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء ، ونزل المؤمنون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء ، وناموا فاحتلم أكثرهم.

فقال لهم : أنتم يا أصحاب محمّد! تزعمون أنّكم على الحقّ ، وإنّكم تصلّون على غير الوضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على الحقّ ما سبق عليكم هؤلاء على الماء ، وما ينتظرون بكم إلاّ أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم ، فقتلوا من أحبّوا ، وساقوا بقيّتكم إلى مكّة ، فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا ، فأنزل الله مطراً ، فمطروا ليلاً حتّى جرى الوادي ، واتخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه الحياض على عدوة الوادي ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا وتوضّؤا ، وتلبّد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو

__________________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٤٥٠

حتّى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، وطابت النفوس »(١) .

ثمّ إنّ هذه الآية تدلّ على فضيلة لبعض الصحابة لا لجميعهم ، وهم الذين كانوا في بدر.

( حسين حبيب عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

معنى تطهيرهم أي عصمتهم :

س : سؤالي يدور حول آية التطهير ، فأبناء السنّة يقولون : إنّ الآية كانت عادية ، فلم ترفع أهل البيت إلى مستوى العصمة ، واستدلّوا بقوله : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ، ويقولون : إنّ التطهير كان في هذه الآية للمؤمنين ، كما سبق في آية التطهير ، فما الفرق بين الآيتان.

ج : إنّ التطهير في قوله :( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) (٢) ، وكذا في قوله :( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ ) (٣) ، يختلف عنه في قوله :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٤) .

لأنّه هناك عامّ لجميع المسلمين ، والمقصود منه فيهما رفع الحدث ، سواء الوضوء كما في آية المائدة ، أو الجنابة كما في آية الأنفال.

أمّا آية التطهير ففيها خصوصيات كثيرة ، تجعلها لا تشابه أية آية أُخرى في ذكر التطهير ، منها :

__________________

١ ـ زبدة البيان : ٣١.

٢ ـ الأنفال : ١١.

٣ ـ المائدة : ٦.

٤ ـ الأحزاب : ٣٣.

٤٥١

١ ـ أداة الحصر( إِنَّمَا ) فهي تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير.

٢ ـ كلمة( عَنْكُمْ ) في الآية قُدّمت وهي تستحق التأخير ( ليذهب الرجس عنكم أهل البيت ) ، وفي ذلك دلالة على الحصر ـ كما ذكرنا في محله في أدوات الحصر ـ أي حصر إذهاب الرجس بأهل البيت.

ففي الآية في الحقيقة قصدان : قصد الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير ، وقصد إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيتعليهم‌السلام .

٣ ـ قوله :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) يدلّ على العصمة ، لأنّ المراد بالتطهير المؤكّد بمصدر فعله ، هو إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله ، ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل ، ويكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعية.

٤ ـ اللام في كلمة( الرِّجْس ) لام الجنس ، والمراد من الرجس كل ما يشين كما ذُكر في كتاب اللغة.

ففي الآيات الأُخرى من القرآن تتكلّم عن التطهير من النجاسات المادّية أو المعنوية ، كالغسل والوضوء ، أمّا في هذه الآية ، فالطهارة هنا أعمّ وأشمل من كلّ نجاسة وقذر ومعصية وشرك وعذاب ، فهي تتكلّم عن أعلى مراتب الطهارة لا مرتبة بسيطة من مراتب الطهارة ، كما في الآيات الأُخريات.

وبالتالي فآية التطهير تدلّ على الطهارة بأعلى درجاتها ، وهي ما نسمّيه بالعصمة ، وأمّا ما سواها من الآيات التي تذكر تطهير المؤمنين فلا ترتقي قطعاً لهذه الآية ولا تشابهها ، وإنّما تدلّ على طهارة مادّية أو معنوية ، كالوضوء والتيمم والغسل وما شابه.

وأدلّ دليل على مدّعانا ، ما رواه العامّة والخاصّة في الصحاح ـ كمسلم وغيره ـ من تطبيق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذه الآية بدقّة عالية من جمع أهل البيتعليهم‌السلام المخصوصين

٤٥٢

بالعصمة معه ، ووضعه الكساء عليهم ، وعدم إدخال أحد معهم ، حتّى أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة رفض إدخالها ، مع مكانتها وتقواها ، وبيّن اختصاص أهل البيتعليهم‌السلام بهذه الآية مع طلبها الشديد ، وأخذها الكساء ، فهي تخبرنا بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جذب منها الكساء ، وقال لها : « ابق إلى مكانك إنّك إلى خير » ، وفي رواية : « أنت من أزواج النبيّ » ، مع ما يحمله النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله من خُلق عظيم ، وعدم ردّ طلب أيّ أحد ، ناهيك عن نسائه ، بل أعزّ واتقى نسائه في زمانها ـ أي بعد خديجة ـ ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع.

ثمّ إخراج يده الشريفة من الكساء ورفعها إلى السماء ، ودعاء ربّ السماء بأنّ هؤلاء هم أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فأين هذه الآية من تلك؟

( أحمد ـ الكويت ـ ٢٠ سنة ـ طالب )

هم أصحاب الكساء للروايات وتغيير صيغة الضمائر :

س : تقبّل الله أعمالكم ، ووفّقكم الله لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار بخصوص آية التطهير ، الروايات المتواترة تقول : إنّها نزلت في أصحاب الكساء ، والقرائن الداخلية في الآية الكريمة تفيد أيضاً ، إلاّ أنّني أُريد الإجابة على الإشكال الذي يطرحه البعض ، وهو في النظر إلى هذه الآية الكريمة ( أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (١) بحيث إذا كان الرجل وزوجته يطلق عليهما أهل البيت ، إذاً آية التطهير وهي : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢) .

__________________

١ ـ هود : ٧٣.

٢ ـ الأحزاب : ٣٣.

٤٥٣

وقد تغيّرت الصيغة الخطابية من التأنيث إلى التذكير ، لأنّ الرسول وأزواجه داخلين في الآية الكريمة ، إذ هم أهل البيت ، رجاءً الإجابة على هذه النقطة بالذات ، وشكراً وبارك الله بكم.

ج : حينما ندّعي اختصاص عنوان أهل البيت بخصوص أصحاب الكساء دون أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتارة ندّعي ذلك من منطلق اختصاص نفس العنوان المذكور بغير الأزواج ، أي يُدعى أنّ هذا العنوان لا يطلق في لغة العرب أو المصطلح القرآني على الأزواج ، فالزوج ليس من أهل بيت الرجل ، إنّه بناء على أن تكون الدعوى هكذا ، يرد الإشكال الذي أشرتم إليه ، حيث إنّ القرآن الكريم استعمل كلمة أهل البيت في حقّ الأزواج ، هذا تارة.

وتارة أُخرى ندّعي عدم شمول العنوان المذكور للأزواج ، لا من جهة أنّه في اللغة أو في المصطلح القرآني كذلك ، بل من جهة أنّ الروايات الكثيرة من طرق الشيعة والعامّة قد فسّرت عنوان أهل البيت في خصوص هذا المورد بالذات ، بخصوص أصحاب الكساء الخمسة ، وخصوصاً مع تغيير صيغة الضمائر في الآيات فلا يرد الإشكال الذي أشرتم إليه كما هو واضح.

( كرّار أحمد المصطفى ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة ومبلّغ دين )

لأمّهات الأئمّة شأن خاصّ :

س : هل كانت جميع زوجات الأئمّة على مستوى عال من التقوى؟ لا أعني أُمّ الفضل التي سمّت الجواد عليه‌السلام ، إنّما أُمّهات الأئمّة ، ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّد عليهم‌السلام .

ج : إنّ لأُمّهات الأئمّةعليهم‌السلام شأناً خاصّاً ، لأنّ الإمامعليه‌السلام في وجوده التكويني يمتاز بمواصفات خاصّة يحتاج إلى ظرف ممتاز عن غيره.

وهذا يعني أنّهن وصلن إلى مستويات عالية من الالتزام بالدين والعقيدة ، والورع عن الشبهات والمحرّمات ، لتتهيّأ أرضية ممتازة وفريدة لظهور ونشوء وجود الإمامعليه‌السلام .

٤٥٤

( علي ـ فرنسا ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب )

نعتقد بعصمتهم وعلمهم للغيب :

س : نحن السنّة أحقّ منكم بأهل البيت والله يشهد ، نحبّ جميع الصحابة ونترحّم عليهم ، علي وبنيه في قلوبنا نحبّهم ونتولاّهم ، لكن لا نقول إنّهم معصومون ، لا عصمة إلاّ لنبيّ ، ولا نقول إنّهم يعلمون الغيب ( لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ) ، يهديكم الله ، ويصلح بالكم.

ج : إدعاء محبّة أهل البيتعليهم‌السلام سهل جدّاً ، ولكن المهمّ هو العمل.

وقولك : لكن لا نقول إنّهم معصومون ، لا عصمة إلاّ لنبيّ ، ولا نقول إنّهم يعلمون الغيب( لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ) (١) .

فنقول : أمّا العصمة فنحن نقول بها عن دليل وبرهان ومبنى وفهم يختلف عن مبناكم وفهمكم للعصمة ، وقولكم : لا عصمة إلاّ لنبيّ لا دليل عليه ، بل هو مخالف لقوله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢) .

وكذلك لديكم أنّ الملائكة معصومون عن الخطأ والمعصية ، وليس من المحال أن يُعصَمَ أناس عاديون ليسوا بأنبياء بل أولياء ، وأوتاد الأرض والدعاة إلى الله المخلصين ، فذلك غير محصور قطعاً بالأنبياءعليهم‌السلام .

ومسألة علم الغيب فلا أدري يا أخي هل قرأت ما في مسلم وغيره عن حذيفة : « أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، فما منه شيء إلاّ قد سألته ، إلاّ إنّي لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة »(٣) .

وفي رواية أُخرى لمسلم عن حذيفة قال : « قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مقاماً ما

__________________

١ ـ النمل : ٦٥.

٢ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٧٣ ، المستدرك ٤ / ٤٢٦ ، مسند أبي داود : ٥٨ ، مسند أحمد ٥ / ٣٨٦.

٤٥٥

ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاّ حدّث به ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنّه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه ، فأذكره ، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثمّ إذا رآه عرفه »(١) .

فمثل هذه العلوم الغيبية هي التي ندّعيها للأئمّةعليهم‌السلام ، لأنّهم تعلّموا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم أهل بيته وأدرى من غيرهم بما فيه ، وإن أبيت اختصاصهم فاجعلهم ممّن سمع تلك الخطبة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظها ، فهل هذا مستحيل؟ أم مخالف للكتاب والسنّة؟!

( ـ ٢٣ سنة ـ طالب جامعة )

جواري الأئمّة لم يمسّهن أحد غير الإمام :

س : الإخوة الكرام في مركز الأبحاث العقائدية ، دمتم موفّقين.

ممّا لاشكّ فيه : أنّ بعض النواصب في الإنترنت يقومون بالتشهير بنا ، وسبّنا بأقذع الألفاظ ، ونحتسب ذلك عند الله تعالى ، ولكن قد وصل الأمر إلى البعض أنّهم يأتون بأحاديث من كتبنا ، تدلّ على أنّ أُمّهات أئمّتنا الأطهارعليهم‌السلام من الجواري ، ثمّ يستدلّون أنّ الجارية حسب مذهبنا يجوز استعارة فرجها.

فلم يكفيهم الظلم؟ والآن يسبّون الشرف الطاهر ، ويشكّكون بالشجرة المباركة.

راجياً منكم بيان هذا الأمر ، وما ذكر في كتبنا من أحاديث وما صحّتها؟ والدفاع عن حياض أهل البيتعليهم‌السلام في أقرب وقت ممكن ، ودمتم موفّقين ، تحرسكم رعاية الباري تعالى .

ج : نقول : وإن كانت بعض زوجات الأئمّة جواري ، إلاّ أنّ الأئمّةعليهم‌السلام كانوا يعتقونهن ، ثمّ يتزوّجوهن بالعقد الدائم ، فمثلاً أُمّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام ـ هي

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٧٢.

٤٥٦

شاه زنان ـ أعتقها أمير المؤمنينعليه‌السلام وزوّجها للحسينعليه‌السلام (١) .

وكذلك أُمّ الإمام المهديّعليه‌السلام ، تزوّجها الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام بعد أن كانت جارية ، فعن الإمام الهاديعليه‌السلام قال : «يا كافور : ادع لي أختي حكيمة » ، فلمّا دخلت عليه قالعليه‌السلام لها : «ها هي » ـ يعني نرجس ـ فاعتنقتها طويلاً ، وسرّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : «يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك ، وعلّميها الفرائض والسنن ، فإنّها زوجة أبي محمّد وأُمّ القائم »(٢) ، هذا أوّلاً.

ثانياً : جواري الأئمّةعليهم‌السلام لم ينكحهن أحد غير الإمامعليه‌السلام ، فهذه حميدة المصفّاة ـ أُمّ الإمام الكاظمعليه‌السلام ـ اشتراها الإمام الباقرعليه‌السلام وكانت بكراً ، ولم تنكح غير الإمامعليه‌السلام .

ففي دلائل الإمامة بعد سؤال الإمام لها عن حالها ، هل هي بكر أو ثيّب؟ فعرّفته أنّها بكر ، فقال لها : «أنّى يكون ذلك ، وأنت جارية كبيرة » ؟

فقالت : كان مولاي إذا أراد أن يقرب منّي أتاه رجل في صورة حسنة ، فيمنعه أن يصل إليّ ، فدفعها أبو جعفرعليه‌السلام إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام .

وقال : «حميدة سيّدة الإماء ، مصفّاة من الأرجاس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها ، حتّى أديت إلى كرامة الله عزّ وجلّ »(٣) .

وكذلك الحال مع أُمّ الإمام الرضاعليه‌السلام ، فإنّها لما اشترتها حميدة أُمّ الإمام الكاظمعليه‌السلام كانت بكراً ، وهبتها إلى الإمام الكاظمعليه‌السلام (٤) .

فالنتيجة : إنّ أُمّهات الأئمّة من الجواري ـ لو فرضنا عدم عتقهن ـ لم ينكحهن أحد غير الإمامعليه‌السلام .

__________________

١ ـ دلائل الإمامة : ١٩٦.

٢ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٢٣ ، روضة الواعظين : ٢٥٥ ، دلائل الإمامة : ٤٩٦.

٣ ـ دلائل الإمامة : ٣٠٨.

٤ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٦.

٤٥٧

ثالثاً : بالنسبة إلى ما يتّهموننا زوراً وتلفيقاً ، وبخصوص المسألة الفقهية الخاصّة بنكاح الإماء ، فإنّك تجد جوابنا عليها على صفحتنا تحت العنوان التالي : الأسئلة العقائدية / استعارة الفروج.

وأنت بعد أن تطالع ما كتبنا هناك ترى أنه لا ربط بين المسألتين ، فهذه مسألة فقهية في جواز أن يهب المالك أمته لمن يشاء بمقتضى ملكه ، فإن من البديهيّ جواز وطئ الأمة بالملك لا بالعقد.

وتلك مسألة في موضوع خارجي ، من أنّ الإمام الفلانيّ كانت أُمّه الجارية الفلانية ، ولا دليل خارجيّ قطعاً على حدوث انتقال لهن من يد إلى يد ، بل الدليل على عكسه ، كما علمت أوّلاً وثانياً.

وأمّا ما حاولوا الطعن فيه فهو كذب موضوع ، مع أنّ كلا المسألتين يشاركنا فيها غيرنا من المسلمين.

وأمّا ما حاولوا الطعن به فهو كذب مفضوح ، مبنيّ على مغالطة يحاولون تمريرها على الجهّال!

ففي المسألة الفقهية قد عرفت من جوابنا أنّها تعمّ المسلمين ، وفي مسألة النسب الخارجية فهي أظهر ، إذ كثير من أبناء المسلمين أبناء جواري ، بل بعض الخلفاء كذلك ، كالمأمون وغيره.

والربط بين المسألتين لغرض خبيث مثل قولك : إنّ المشركين كانوا يجيزون الاشتراك في الزوجة ، إذاً فإنّ آباء الصحابة غير معروفين بالتحديد ، بل كلّ واحد اشترك فيه عدّة رجال ، أعوذ بالله.

أو كقولك : إنّ بعض نساء قريش كن يتخذن أماكن للعهر وينصبن الرايات ، فإذاً كلّ رجال قريش ـ حتّى من أسلم وبعضهم من الصحابة ـ أولاد بغايا أعوذ بالله.

أو كقولك : إنّ المسلمين يجيزون زواج المرأة بعد طلاق زوجها أو موته ، فإذاً كلّ أبناء المسلمين مختلطو النسب ، وهكذا.

٤٥٨

وهو واضح بديهي البطلان ، إذ لا ملازمة هناك ، فإنّ القياس هنا باطل ، لأنّ الحدّ الوسط مختلف في المقدّمتين ، ففي إحداهما جزئي ، وفي الأُخرى كلّي ، وهو بديهي البطلان ، ومغالطة لتعميم قضية جزئية لأخذ نتيجة كلّية.

هذا مع ما فيها من الكذب في أصل المسألة الفقهية ، كما أوضحنا آنفاً ، فالمغالطة من جهتين ، الأُولى : في اتهام الشيعة بمسألة لا وجود لها عندهم ، واستخدام مسألة فقهية كإطار لهذا الكذب ، والثانية : نفس المغالطة في إيهام الملازمة بين المسألة المدعاة وبين الوقوع الخارجي.

( مؤيّد الشمّري ـ العراق ـ ٢٦ سنة ـ بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

هم أفضل أم القرآن؟

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

أيّهما أفضل : العترة المطهّرةعليهم‌السلام أم القرآن الكريم؟ هل يمكن إثبات ذلك بالأدلّة العقليّة والنقليّة؟ نسأل الله أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ج : لقد سؤل سماحة آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي قدّس سرُّه قريباً من هذا السؤال كما في صراط النجاة ج٢ ص ٥٦٦ السؤال ١٧٥٣. وإليك السؤال وجواب سماحة الشيخ :

السائل : هناك رأي يقول إن أهل البيت « سلام الله عليهم » أفضل عند الله من القرآن الكريم فما هو تعليقكم؟

التبريزيّ : القرآن يطلق على أمرين : الأول : النسخة المطبوعة أو المخطوطة الموجودة بأيدي الناس ، الثاني : ما نزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بواسطة جبرائيلعليه‌السلام والذي تحكي عنه هذه النسخ المطبوعة أو المخطوطة ، وهو الذي ضحّى الأئمّةعليهم‌السلام بأنفسهم لأجل بقائه والعمل به ، وهو الثقل الأكبر ، ويبقى ولو ببقاء بعض نسخه. وأهل البيتعليهم‌السلام الثقل الأصغر.

٤٥٩

وأمّا القرآن بالمعنى الأول ـ الذي يطلق على كل نسخة ـ فلا يقاس منزلته بأهل البيتعليهم‌السلام بل الإمام قرآن ناطق ، وذاك قرآن صامت ، وعند دوران الأمر بين أن يُحفظ الإمامعليه‌السلام أو يُحتفّظ على بعض النسخ المطبوعة أو المخطوطة ، فلابدّ من إتباع الإمامعليه‌السلام كما وقع ذلك في قضية صفين ، والله العالم.

( عدي العباسيّ ـ الكويت ـ ٢٢ سنة )

أدلّة على بطلان شمول آية التطهير لأزواج النبيّ :

س : أخواني أنا بعثت لكم سؤال في مسألة آية التطهير ، ولم ألق جواباً ، والسؤال هذا : ذكر ميم الجمع بدل نون النسوة ، لأنّ النساء دخل معهن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو رأس أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما هي الإجابة على هذه الشبهة التي تريد أن تخرج أهل بيت الخمسة من الآية؟ وشكراً.

ج : للإجابة على ما ذكرته نقدّم نقاط :

١ ـ ذُكرت عدّة آراء في المراد من أهل البيت في هذه الآية ، نذكر المهمّ منها ، فبعضها شاذّة ، أو لم يقل به قائل محدّد :

أ ـ إنّها نزلت خاصّة بأهل البيتعليهم‌السلام الخمسة أصحاب الكساء.

ب ـ إنّها نزلت في الخمسة أهل الكساء ، وأزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج ـ إنّها نزلت في نساء النبيّ خاصّة.

٢ ـ إنّ القول الثالث قال به عكرمة ومقاتل وعروة بن الزبير ، ونقل عن ابن عباس ، وهو قول شاذّ لم يأخذ به إلاّ المتعصّب ضدّ أهل البيتعليهم‌السلام ، ومع أنّه مردود لأنّ عكرمة ومقاتل لا يأخذ بقولهما ، إذ كانا كذّابين مطعون بدينهما ، وعروة كان يناصب أمير المؤمنينعليه‌السلام أشدّ العداء ، وعدّه بعضهم ممّن يضعون الأخبار في عليعليه‌السلام ، وما عن ابن عباس فضعيف ، لأنّ فيه مجاهيل ، مع أنّ له معارضاً من قول ابن عباس نفسه.

وقد استدلّ الرادّون له وللقول الثاني ، بأدلّة كثيرة على بطلانهما :

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518