موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٢

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-02-7
الصفحات: 518

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-02-7
الصفحات: 518
المشاهدات: 226037
تحميل: 5360


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 518 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226037 / تحميل: 5360
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-02-7
العربية

الأمويّين في هذا المجال ، أكثر ممّا ذكرناه.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

خير البشر فمن أبى فقد كفر :

س : ما معنى : « علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر » (١) ، هل صحيح من أبى ذلك فقد كفر؟

ج : الكفر لغةً بمعنى الستر( يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (٢) أي يسترها ويغفرها ، ويأتي الكفر بمعنى الجحود أيضاً وبمعان أُخرى ، والكفر اصطلاحاً : بمعنى الإلحاد بالله ، أو عدم الإيمان بخاتم الأنبياء ، وهذا يعني أنّه يستر على الحقّ ، فإنّ الله هو الحقّ.

ثمّ من الحقّ الثابت نبوّة خاتم الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن لم يؤمن به فقد كفر ، وقد ثبت بقول الله ورسوله بالنصوص القرآنية والروائية أنّ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام هو خير البشر بعد رسول الله ، فإنّ الرسول هو أشرف خلق الله ، وعليعليه‌السلام بنصّ آية المباهلة هو نفس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون أشرف خلق الله بعد رسوله ، فهو خير البشر ، ومن أبى عن هذا الحقّ فقد كفر ، وستر ما هو الحقّ ، فهو كافر بحقّ الإمام والإمامة والخلافة الحقّة ، كما أنّ من لم يؤمن برسول الله فهو كافر بحقّ النبيّ والنبوّة ، كما أنّ من لم يؤمن بالله فهو كافر بحقّ الله والتوحيد ، فيكون بهذا المعنى من الكفر في العقيدة الصحيحة والتامّة.

فإنّ الإمامة والإيمان بالولاية من العقيدة السليمة والتامّة بصريح القرآن

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ١٤٢ ، تاريخ بغداد ٧ / ٤٣٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٧٢ ، إعلام الورى ١ / ٣١٩ ، ينابيع المودّة ٢ / ٧٨.

٢ ـ التحريم : ٨.

٨١

الكريم ، وآية الإكمال( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) ، وشأن نزولها كما عند المفسّرين هو قضية الغدير الثابت متواتراً ، فمن أبى فقد كفر بأصل من أُصول الدين الإسلامي ، وهي الإمامة الحقّة.

ويحتمل أن يكون الكفر في الحديث الشريف من الكفر العملي ، فإنّ قول علي خير البشر من الولاية ، وأعظم نعمة هي نعمة الولاية( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ، والولاية لها شعب ، منها : الحُبّ المقارن مع الطاعة ، فيلزمهما العمل الصالح ، فمن أبى الولاية ومظاهرها وشعائرها ، ومقولاتها ومعانيها ، ومنها « علي خير البشر » فقد كفر وجحد بنعمة الله ، فهو كافر في مقام العمل.

( أبو الصادق ـ فلسطين ـ سنّيّ ـ ٢٠ سنة ـ هندسة تحكّم )

مصادر حديث علي وشيعته هم الفائزون :

س : أين أجد حديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والذي روته أُمّ سلمة : « علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة » ـ في كتب السنّة والشيعة؟

ج : لا يخفى عليك أنّ هذا الحديث ورد بعدّة ألفاظ ، وبأسانيد مختلفة ـ عن أُمّ سلمة ، وابن عباس ، وجابر الأنصاريّ ، وغيرهم ـ ولكن مضمونها واحد ، وهو : أنّ علياًعليه‌السلام وشيعته هم الفائزون يوم القيامة(٢) .

كما لايخفى عليك أيضاً ، أنّ هذا الحديث ورد في مصادر كثيرة للفريقين.

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٢٤ ، الإرشاد ١ / ٤١ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٦٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٣ ، أنساب الأشراف : ١٨٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٧٣ و ١٩٧ و ٢ / ٧٨ و ٢٤٥ و ٣١٢ ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٧٩ ، فتح القدير ٥ / ٤٧٧ ، نور الأبصار : ١١٩ ، المعجم الأوسط ٦ / ٣٥٤ ، مجمع الزوائد ١٠ / ٢١ ، نظم درر السمطين : ٩٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٥٦ ، الصحاح ١ / ٣٩٧ ، النهاية في غريب الحديث ٤ / ١٠٦ ، لسان العرب ٢ / ٥٦٦ ، تاج العروس ٢ / ٢٠٩.

٨٢

« ـ »

معنى حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة :

س : أُودّ الاستفادة إذا سمحتم لي ، يقال في الإمام عليعليه‌السلام : إنّ حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة.

ما هو المقصود بذلك؟ هل يعني أنّه يكفي محبّة الإمامعليه‌السلام بدون صلاة؟ وهذا من المنظور السطحي ، أم محبّة الإمام مقرونة بالأعمال الحسنة ، وليست السيئة؟

ج : لقد استفاضت الأخبار عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيئة ، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة »(١) .

وهناك عدّة تأويلات ذكرت لهذا الخبر :

منها : عن الشهيد الثاني ( قدس سره ) : « حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة ، وهي توجب عدم ملابسة شيء من الذنوب البتة ، لأنّ المحبّ الحقيقيّ يؤثر رضا المحبوب كيف كان.

ولاشكّ أنّ رضا عليعليه‌السلام في ترك المحرّمات والقيام بالواجبات ، فمحبّة علي الحقيقيّة تؤثّر لأجل ذلك ، فلا يفعل ما يوجب النار فيدخل الجنّة ، ومن خالف هوى محبوبه فمحبّته معلولة »(٢) .

ومنها : عن علي بن يونس العامليّ ( قدس سره ) : « إنّ من أحبّ علياً لا يخرج من الدنيا إلاّ بتوبة تكفّر سيئاته ، فتكون ولايته خاتمة عمله ، ومن لم يوفّق للتوبة ابتلى بغمّ في نفسه ، أو حزن في ماله ، أو تعسير في خروج روحه ، حتّى يخرج من الدنيا ولا ذنب له يؤاخذ به »(٣) .

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ٢ / ٧٥ و ٢٩٢ ، فردوس الأخبار : ٣٤٧.

٢ ـ رسالة في العدالة : ٢٢٧.

٣ ـ الصراط المستقيم ١ / ١٩٩.

٨٣

ومنها : عن الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « إنّ الله تعالى آلى على نفسه أن لا يطعم النار لحم رجل أحبّ علياًعليه‌السلام ، وإن ارتكب الذنوب الموبقات ، وأراد الله أن يعذّبه عليها ، كان ذلك في البرزخ ، وهو القبر ومدّته ، حتّى إذا ورد القيامة وردها وهو سالم من عذاب الله ، فصارت ذنوبه لا تضرّه ضرراً يدخله النار »(١) .

ومنها : عن بعض الأعاظم ، نقله الشيخ الماحوزيّ : « إنّ محبّة عليعليه‌السلام توجب الإيمان الخاصّ ، والتشيّع بقول مطلق ، وحينئذ لا يضرّ معه سيئة ، لأنّ العصيان في غير الأُصول الخمسة لا يوجب الخلود في النار ، بل المفهوم من أخبارنا الواردة عن أئمّتناعليهم‌السلام : إنّ ذنوب الشيعة الإمامية مغفورة »(٢) .

ومنها : عن ابن جبر ( قدس سره ) : « لمّا كان حبّه هو الإيمان بالله تعالى وبغضه هو الكفر استحقّ محبّه الثواب الدائم ، ومبغضه العذاب الدائم ، فإن قارن هذه المحبّة سيئة استحقّ بها عقاباً منقطعاً ، ومع ذلك يرجى له عفو من الله تعالى ، أو شفاعة من الرسول ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ شيء قلّ ضرره بإضافته إلى ما كثر ضرره ، جاز أن يقال : إنّه غير ضارّ ، كما يقال : لا ضرر على من يحبّ نفسه في مهلكة ، وإن تلف ماله.

فحبّهعليه‌السلام يصحّح العقيدة ، وصحّة العقيدة تمنع من الخلود ، فلا تضرّ سيئته كلّ الضرر ، وبغضه يفسدها ، وفسادها يوجب الخلود ، ويحبط كلّ حسنة »(٣) .

ومنها : عن الشيخ الطريحي : « الظاهر أنّ المراد بالحبّ الحبّ الكامل المضاف إليه سائر الأعمال ، لأنّه هو الإيمان الكامل حقيقة ، وأمّا ما عداه فمجاز ، وإذا كان حبّه إيماناً وبغضه كفراً ، فلا يضرّ مع الإيمان الكامل سيئة ، بل تغفر إكراماً لعليعليه‌السلام ، ولا تنفع مع عدمه حسنة إذ لا حسنة مع عدم الإيمان »(٤) .

__________________

١ ـ الأربعين : ١٠٥ عن الإرشاد.

٢ ـ الأربعين : ١٠٥.

٣ ـ نهج الإيمان : ٤٤٩.

٤ ـ مجمع البحرين ١ / ٤٤٢.

٨٤

هذه بعض التأويلات وبها نكتفي.

( نور ـ دبي ـ ٢٤ سنة ـ طالب )

تشخيص قبره وبنائه :

س : من هو أوّل من وضع علامة على قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ؟ ومن هو نصب الضريح وبنى القبة؟

ج : بعد شهادة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالكوفة تولّى الإمامان الحسن والحسينعليهما‌السلام تغسيله وتكفينه ودفنه في الغريّ ، وقد عفّيا موضع قبرهعليه‌السلام بوصية كانت منه إليهما ، لما كان يعلمه من عدواة بني أُمية له ، وما ينتهون إليه من سوء نيّاتهم.

فلم يزل قبرهعليه‌السلام مخفيّاً حتّى دلّ عليه الإمام الصادقعليه‌السلام في زمن الدولة العباسيّة ، وحينها أخذت الشيعة تأتي إلى زيارتهعليه‌السلام .

وقال ابن الدمشقي : « وقيل : إنّ الرشيد خرج يوماً إلى الصيد ، فأتى إلى موضع قبره الآن ، فأرسل فهداً على صيد ، فتبع الفهد الصيد إلى موضع القبر ، فوقف ولم يتجاوزه ، فعجب الرشيد من ذلك ، فحضر إليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين مالي من كرامة إن دللتك على قبر علي بن أبي طالب؟

قال : كلّ كرامة.

قال : هذا قبره.

قال : من أين علمت ذلك؟

قال : كنت أخرج إليه مع أبي فيزوره ، وأخبرني أنّه كان يجيء مع جعفر الصادق فيزوه ، وإنّ جعفراً كان يجيء مع أبيه محمّد الباقر فيزوره ، وأن محمّداً كان يجيء مع علي بن الحسين فيزوره ، وأنّ الحسين أعلمهم أنّ هذا قبره.

٨٥

فتقدّم الرشيد بأن يحجّر ويبنى عليه ، فكان أوّل من بنى عليه هو ، ثمّ تزايد البناء »(١) .

وحكم الرشيد بين سنة ١٧٠هـ ـ ١٩٣ هـ

ولكن السيّد ابن طاووس يذهب إلى أنّ أوّل من وضع صندوقاً على قبر أمير المؤمنين عليعليه‌السلام هو داود بن علي العباسيّ ، المتوفّى ١٣٣ هـ.(٢) .

والظاهر أنّ أوّل من بيّن قبر الإمامعليه‌السلام هو الإمام الصادقعليه‌السلام ، وأوّل من وضع ضريحاً ـ صندوقاً ـ على قبرهعليه‌السلام هو داود بن علي العباسيّ ، وأوّل من أمر ببناء قبّة على قبرهعليه‌السلام هو هارون الرشيد.

( السيّد الموسوي ـ )

كان في صلح الحديبية :

س : هل كان الإمام علي عليه‌السلام في صلح الحديبية أم لا؟

ج : لقد كان الإمام عليعليه‌السلام موجوداً في صلح الحديبية ، فقد روي البخاريّ عن أبي إسحاق قال : « حدّثني البراة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكّة يستأذنهم ليدخل مكّة ، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلاّ ثلاث ليال ، ولا يدخلها بجلبان السلاح ، ولا يدعو منهم أحداً ، قال : فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب ، فكتب : «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله » ، فقالوا : لو علمنا أنّك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ، ولكن أكتب هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله.

فقال : «أنا والله محمّد بن عبد الله ، وأنا والله رسول الله » ، قال : وكان لا يكتب ، قال : فقال لعلي : «امح رسول الله » ، فقال علي : «والله لا أمحوه

__________________

١ ـ جواهر المطالب ٢ / ١١٤.

٢ ـ فرحة الغريّ : ١٦.

٨٦

أبداً » ، قال : فأرينه ، قال : فأراه إيّاه ، فمحاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده »(١) .

( سلام حسن ـ العراق ـ طالب علم )

طالب بحقّه :

س : سؤالي هو استيضاح لإشكال علق في ذهني ، مفاده : إنّا حين نسأل عن سبب عدم مطالبة الإمام عليعليه‌السلام بحقّه ، وعدم خروجه على من غصب حقّه ، يرد الجواب المعروف : أنّه لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام ووحدته ، ولكن نرى أوّلاً : إنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قد خرج ـ ولو لبعض الشيء ـ على الخلافة المزيّفة ، كما نقل لنا التاريخ ذلك في قصّة نفي الصحابيّ الجليل أبو ذر الغفاريعليه‌السلام ، وكذلك الخطبة الشقشقية ، ومواقف أُخرى أنتم أكثر منّي اطلاعاً عليها.

وأمّا ثانياً : فإنّا نشاهد بحسب الواقع اليوم : أنّ ما عليه المسلمون من تخلّف اليوم ، يرجع بشكل واضح لتلك الرزايا الأُولى من غصب الخلافة ، فأقول : ـ وأرجو السماح من الإمام أوّلاً ومنكم ثانياً ـ لو أنّ الإمام طالب بحقّه جهراً وبقوّة لما حدث ما حدث.

أرجو أن توضّحوا لي هذا الاستفسار بشكل مبسّط ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الميامين.

ج : نوضّح الجواب بنقاط :

١ ـ إنّ جوابنا بأنّ الإمام لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام هو جواب على سبب عدم قتال أمير المؤمنينعليه‌السلام لمن غصب حقّه ، وليس جواب عن السؤال عن سبب عدم مطالبته بحقّه.

٢ ـ نحن لا نقول : إنّ الإمامعليه‌السلام لم يطالب بحقّه ـ كما هو مفروض السؤال ـ

__________________

١ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٧١.

٨٧

فهناك تسرّع لدى السائل أو غيره ، وإنّما الصحيح أنّ الإمامعليه‌السلام لم يقاتل ، لأنّ قتاله كان سيضرّ بالإسلام ويضعفه ، وأيضاً لا يصل لحقّه منه لقلّة أنصاره.

ولكن هذا غير المطالبة بالحقّ بالوسائل الأُخرى المتاحة ، والتي ليس فيها ضرر لإلقاء الحجّة على الغاصبين ، والمسلمين الآخرين ، والأجيال اللاحقة من المسلمين.

فإنّ الإمامعليه‌السلام استخدم في المطالبة بحقّه مختلف الأساليب بالقدر المستطاع ، كالتذكير بوصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإثبات أفضليته وأعلميته وقرابته ووراثته ، وغيرها ، أي استخدم جميع الوسائل المتاحة للمقاومة السلبية والإيجابية ، وهذا قطعاً يثبت أنّه طالب بحقّه ، والمطالبة بالحقّ لا تنحصر بالقتال فقط.

٣ ـ نعم إنّ ما نحن فيه اليوم هو من آثار ما مضى من أفعال القوم ، ولو كان الإمامعليه‌السلام يستطيع أن يمنعه بالسيف لفعل ، ولكن يجب أن ننظر بموضوعية لسلوك الإمامعليه‌السلام الحكيم ، بأنّه بسلوكه المتوازن بين عدم القتال وعدم السكوت عن حقّه ، والوقوف ما استطاع أمام محاولات حرف الإسلام عن مساره العام ، وإن وقع الظلم عليه خاصّة ، قد حافظ على الهيكل العام للإسلام كما تجده اليوم ، واستطاع أن يبقي الإسلام الحقّ النازل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيّاً إلى اليوم ، ببقاء هذه الثلّة المؤمنة الموالية ، وهم شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهي المرجوّة والمبشرّة بالنجاة ، حتّى ظهور الحجّة المنتظرعليه‌السلام ، إذ ببقائها بقت الحجّة موجودة لمن يطلبها.

( فدك ـ البحرين ـ ١٦ سنة ـ طالبة )

تكليمه للشمس :

س : أُريد توضيحاً حول الرواية التي نقلها العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) في كتابه

٨٨

البحار (١) ، عن كتاب « مناقب آل أبي طالب » (٢) لابن شهر آشوب ( قدس سره ) ، حول تكليم الإمام علي عليه‌السلام للشمس ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ هناك كثيراً من الفضائل والمناقب للإمام عليعليه‌السلام ، ذكرتها كتب السنّة والشيعة ، ومن تلك الفضائل هي قضية ردّ الشمس لهعليه‌السلام ، كما ردّت من قبل لسليمان وصيّ داودعليهما‌السلام ، وليوشع بن نون وصيّ موسىعليهما‌السلام .

وأمّا بالنسبة إلى قضية تكليم الشمس لهعليه‌السلام فليست ببعيدة ، وذلك :

أوّلاً : باعتبار أنّ للإمامعليه‌السلام كما قلنا فضائل ومناقب كثيرة ، فتكون قضية تكليم الشمس لهعليه‌السلام واحدة من تلك الفضائل الكثيرة ، فليس هو إنساناً عادياً لا فضائل له ولا مناقب حتّى نستبعدها لهعليه‌السلام .

ثانياً : باعتبار أنّ الشمس ردّت لهعليه‌السلام لبيان فضيلة له ، فما المانع من أن تتكلّم معهعليه‌السلام لنفس السبب المذكور.

ثالثاً : باعتبار أنّ القرآن الكريم ذكر لنا قضية مشابهة لها ، وهي تكليم المولى تعالى لموسىعليه‌السلام من خلال الشجرة ، فإذا أمكن تكليم الشجرة بقدرة ربانية ، فما المانع من تكليم الشمس للإمام عليعليه‌السلام بقدرة ربانية؟

كما ذكر لنا القرآن الكريم موارد أُخرى مشابهة لها من ناحية الإعجاز ، كقضية انشقاق القمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإحياء عيسىعليه‌السلام للموتى ، وغير ذلك.

( حسن رضائي )

تصدّقه بالخاتم لم يخرجه من الصلاة :

س : يقول أعداء أهل البيت : بأنّ الإمام علي عليه‌السلام عندما تصدّق خرج من

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤١ / ١٧٤.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤٣.

٨٩

الصلاة لحظة ، فهذا ليس من صفة الإمام المعصوم؟ فما هو الجواب المقنع؟

ج : هناك عدّة نقاط :

١ ـ لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب الإمام عليعليه‌السلام .

٢ ـ هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.

٣ ـ سئل ابن الجوزيّ الحنبلي المتعصّب ـ الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ عن هذا الإشكال ، أجاب ببيتين من الشعر :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سـكرُهُ حتّى تمكّن من

فعل الصُحاةِ فهذا واحد الناس(١)

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٨ سنة ـ التاسعة أساسي )

سكوته عمّا جرى على ولده محسن :

س : لدي مداخلة أو بالأحرى استفسار إذا سمحتم ، وهو بخصوص إسقاط جنين الزهراءعليها‌السلام .

هل يمكن أن يسكت أمير المؤمنينعليه‌السلام على إسقاط جنينه وقتل ولده ؟

ج : إنّ الإمام عليعليه‌السلام ترك مقاتلة القوم بعد اغتصابهم الخلافة ، لوصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بترك مقاتلة القوم ، إذ كان يؤدّي إلى الفرقة ومحو دين الله ، والأهمّ عندهعليه‌السلام أن يستمر دين الله ، وإن كان ناقصاً ، بدل أن يمحى بالكلّية.

هذا بالإضافة إلى أنّ الإمام كان يتمتّع ـ كما هو معروف ـ بأعلى درجات الإيمان والتضحية من أجل الدين ، تجعله يغضّ الطرف عن مظلمة تقع عليه

__________________

١ ـ روح المعاني ٣ / ٣٣٦.

٩٠

مقابل صيانة الدين وحفظ الشريعة ، ولو بالقدر المتيسّر.

فالمطالبة بظلامة ابنه لا تقاس بشيء عند تلك النفوس الكاملة ، مقابل حرف مسار دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بغصب الخلافة ، مع ملاحظة أنّ قتل محسن كان في خضم تلك الأحداث التي أدّت إلى غصب الخلافة ، ومصيبة عصيان أمر الله ، وإهمال وصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله غطّت وحجبت مصيبة مقتل ابنه ، أو الاعتداء على الزهراءعليها‌السلام ، أو محاولة حرق دارها ، فهي جزئيات دخلت في المصبّ العام للمصيبة ، ولم تكن حوادث مستقلّة منفردة على حدة ، حتّى نحتمل تصرّف وموقف مختلف من الإمامعليه‌السلام اتجاهها.

ولك مثلاً بموقف الحسينعليه‌السلام ، فإنّه ضحّى بكلّ شيء حتّى طفله الرضيع في المصبّ العام لأحداث ثورته ودعوته ، لتصحيح مسار الإسلام.

« ـ ـ »

تكلّمه وهو صغير وقراءته للقرآن قبل نزوله :

س : أمّا بعد ، لقد تلقّيت أجوبتكم ، وجزاكم الله كلّ خير.

لقد قرأت كتاب : علي من المهد إلى اللحد للسيّد القزويني ، ووجدت فيه بعض الأفكار التالية : تكلّم عليعليه‌السلام وهو ابن ثلاثة أيّام ، وأنّه قرأ القرآن قبل أن ينزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما مدى صحّة هذه الأفكار؟ جزاكم الله كلّ خير.

ج : هذه ليست أفكاراً ، وإنّما أقوال تستند إلى روايات ، وردت في بعض المجامع الحديثية عند الشيعة الإمامية ، ككتاب بحار الأنوار.

والحال أنّ التكلّم عند الطفولة بشكل عامّ يُعدّ من المعجزات التي أشار إليها القرآن الكريم بحقّ عيسىعليه‌السلام ، والملاحظ أنّ ولادة الإمام عليعليه‌السلام في جوف الكعبة هو بحدّ ذاته يُعدّ معجزة كبيرة ، تحمل في طيّاتها معان كثيرة للمتأمّل بإنصاف ، ويكون الإخبار عن قراءته للقرآن الكريم قبل إعلان الرسالة هو أحد المعاني التي ينبغي الوقوف عندها في هذه المعجزة والكرامة الأوحدية ـ

٩١

الولادة في جوف الكعبة ـ التي لم تكن لأحد من قبله أو بعده ، ولعلّها تكشف لنا عن مصداق من المصاديق المستفادة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين يدي الله ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزئين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب »(١) .

« عبد الله ـ المغرب ـ سنّي ـ ٢٤ سنة »

معنى أنّه ولي الله :

س : أمّا بعد : إذا كانت ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى أنّه ولي لله تعالى ، فأهل السنّة مجمعون عليها ولاشكّ في ذلك ، لأنّه من السابقين للإسلام ، الذين قال الله فيهم : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(٢) .

وتكفي شهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله له في عدّة أحاديث ، منها قوله : « أليس الله بأولى بالمؤمنين »؟

قالوا : بلى ، قال : « اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة بأسانيد صحاح(٣) .

وأمّا إذا كانت ولايته بمعنى أحقّيته بوراثة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام الدين والدنيا ـ أي أنّه الأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر ـ فهذا غير مُسَلَّم ، للإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر عليه ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه ، وكان هو

__________________

١ ـ نظم درر السمطين : ٧ و ٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧ ، جواهر المطالب ١ / ٦١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٧ و ٢ / ٣٠٧.

٢ ـ التوبة : ١٠٠.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١٥٢ و ٤ / ٢٨١ و ٣٧٠ و ٥ / ٣٤٧ و ٣٧٠ ، الجامع الكبير ٥ / ٢٩٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٥.

٩٢

نفسهعليه‌السلام معترفاً بهذا ، لا ينازعهما فيه ، وقد بايعهما بالخلافة.

وفي تفضيل عثمان على علي خلاف بين أهل السنّة ، والأكثر على تفضيل عثمان.

أمّا الولاية له ولأولاده بالمعنى الثاني ـ التي يعتقد بها البعض ـ فهي مردودة ؛ لأنّها بمعنى العصمة له وللأئمّة من ذرّيته ، وأحقّيتهم بالولاية الدينية على المؤمنين ، وقد وُجِدَ كثير من المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أفضل من بعضهم ، ولأنّ أساس التفضيل في الإسلام ليس قائماً على النسب والقرابة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو بالتقوى والإيمان ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) .

ومذهب أهل السنّة : أنّه لا عصمة لأحد غير الأنبياء عليهم‌السلام ، وعصمتهم في ما يتعلّق بتبليغ الوحي ، وهم معصومون عن كبائر الذنوب دون صغائرها ، وأهل البيت داخلون تحت قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلّ بني آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوّابون » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة ، وحسّنه الألباني .

وهم داخلون كذلك تحت الخطاب الإلهيّ للناس جميعاً ، وذلك في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر عليه‌السلام ، وفيه : « يا عبادي : إنّكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فاستغفروني أغفر لكم »(٢) .

ج : في السؤال فقرات عديدة ، يمكن الإجابة عليها حسب نقاط :

النقطة الأُولى : معنى عليعليه‌السلام ولي الله ، هو تولّي شؤون إدارة البلاد والعباد بأمر من الله سبحانه ، وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) ، التي ذكر المفسّرون نزولها بحقّ الإمام عليعليه‌السلام عندما تصدّق وهو في حال الركوع من صلاته.

__________________

١ ـ الحجرات : ١٣.

٢ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٧.

٣ ـ المائدة : ٥٥.

٩٣

وأيضاً المستفاد من قول المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

والمراد من كلمة مولى في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ولاية الأمر ، لقرينة لفظية تدلّ عليها ، وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألست أولى بكم من أنفسكم »؟ الدالّة على ولاية الأمر بكلّ وضوح ، والتي أردفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله المتقدّم : «فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وقد فهم العرب الذين حضروا واقعة التنصيب هذه في غدير خم أنّه تنصيب للإمامة وقيادة الأُمّة من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما عبّر عن ذلك حسّان بن ثابت ـ شاعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في نفس الواقعة ، حيث أنشد قائلاً :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسـمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال قـم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه

وكن للذي عادى علياً معاديا(١)

إلاّ أنّ السياسة وغلبة الآراء وتفرّق المصالح أخذا بالمسلمين يومذاك شرقاً وغرباً ، تمخّض عنه مؤتمر السقيفة بين المهاجرين والأنصار ، الذي أدّى إلى تنصيب أبي بكر خليفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في عملية انتخابية ، جرى فيها من التهديد والوعيد بين الطرفين ، ممّا لا نودّ ذكره ، أو التطرّق إليه.

وأمّا قولك : من أنّ أهل السنّة مجمعون على ولاية عليعليه‌السلام بمعنى الولاية الذي تريده ، فهم ـ كما تعلم ـ يثبتونه لغيره من أفاضل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل

__________________

١ ـ نظم درر السمطين : ١١٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٢.

٩٤

ـ لو شئت الحقّ ـ يثبتون الولاية بهذا المعنى الذي تريده لكلّ المسلمين.

وعند ذلك ، فما ميزة الإمام عليعليه‌السلام ليختصّه ويفرده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير بهذه الولاية إذا كانت عامّة لجميع المسلمين؟ ألا ترى نفسك أنّك تستهزئ بشخصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما تنسب له مثل هذا التصرّف ، وتجعل ذلك الموقف يوم الغدير تحت الشمس الحارقة لذلك الجمع ، ورسول الله يرتقي أقتاب الإبل ، ليقول قولاً متسالماً عليه ، وثابت لجميع المسلمين ، تجعله سفاهة في سفاهة ـ أعوذ بالله ـ يعاب عليه أدنى الناس لو فعله؟

النقطة الثانية : كون الإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر على عليعليه‌السلام ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه.

والجواب : لا يوجد إجماع في مسألة التفضيل؟ وإنّما مدرك هذه الأقوال هو بضع روايات فيها الكثير من التأمّل ، فالمفاضلة الواردة في حقّ الثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان ـ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تنسب إلى ابن عمر ، كما هو الوارد في صحيح البخاريّ في مناقب عثمان ، وبملاحظة سنّ ابن عمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكونه لم يبلغ الحلم بعد ، يدرك أنّ عالَمه هو عالم الصبيان ، إذ لم يكن ابن عمر قد بلغ مبلغ الرجال ، لينقل حال المفاضلة هذه عندهم ، كما هو واضح.

والمفاضلة الواردة في حقّ الأربعة ـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ـ فراويها جعدبة بن يحيى ، الذي يمكن العودة إلى ترجمته في لسان الميزان لننظر مصداقية نقله هذا ، بعد القدح الوارد فيه هناك(١) .

وإن كان هناك بحث يجب القيام به في موضوع المفاضلة هذه ، فالآيات والروايات صادحة بتفضيل الإمام عليعليه‌السلام على من سواه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويمكن للمتتبّع الحصيف أن يقرأ تفسير الآيات الكريمة التالية ، وأسباب

__________________

١ ـ لسان الميزان ٢ / ١٠٥.

٩٥

نزولها ، ليجد موضع الإمام عليعليه‌السلام منها : آية المباهلة ، آية التطهير ، آية المودّة ، آية الولاية ، سورة الدهر ، وغيرها من الآيات الواردة في حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبيان منزلته ومكانته العالية.

بل كفاهعليه‌السلام أن يكون حبُّه علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق ، ليكون قسيم النار والجنّة بجدارة ، إذ المحبّون له سيكونون من المؤمنين ومن أهل الجنّة حتماً ، والمبغضون له سيكونون من المنافقين ومن أهل النار حتماً ، وذلك حسب الحديث الوارد عن الإمام عليعليه‌السلام : «إنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليَّ ، لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق »(١) .

وروى الترمذيّ بسنده عن أنس بن مالك قال : « كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طير ، فقال : «اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير » ، فجاء علي فأكل معه »(٢) .

قال المباركفوريّ : « وأمّا الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه »(٣) .

وقال الذهبيّ : « وأمّا حديث الطير ، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل »(٤) .

فأحبّ الخلق إلى الله تعالى هو أكثر الناس اتباعاً لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أهل

__________________

١ ـ فضائل الصحابة : ١٧ ، صحيح مسلم ١ / ٦١ ، فتح الباري ٧ / ٥٨ ، تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٥١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٤ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ / ٤٧ و ١٣٧ و ٦ / ٥٣٤ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٠٤ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٦٧ ، الأذكار النووية : ٢٧٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٠ ، دفع شبه التشبيه : ٢٤١ ، الجامع لأحكام القرآن ٧ / ٤٤ ، علل الدارقطنيّ ٣ / ٢٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٨ / ٣٤٩ و ٤٢ / ٢١٧ و ٢٧٤ و ٥١ / ١١٩ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ١٨٩ و ١٢ / ٣٦٦ و ٥٠٩ و ١٧ / ١٦٩ ، انساب الأشراف : ٩٧ ، الجوهرة : ٦٢ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١٤٩ و ٢ / ١٨٠.

٢ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠.

٣ ـ تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٥٣.

٤ ـ تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٣.

٩٦

طاعته سبحانه ، قال تعالى :( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (١) .

ومن هنا كانت طاعتهعليه‌السلام طاعة لله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني »(٢) .

أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، والذهبيّ في تلخيص المستدرك في نفس الصفحة ، وصرّح كلّ منهما بصحّته على شرط الشيخين.

كيف لا يكون الأفضل وقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوحي إليَّ في علي ثلاث : أنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين » ، رواه الحاكم في المستدرك وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه »(٣) .

والأفضل هو مَن يكون خيرة الله من خلقه مع النبيّ المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمةعليها‌السلام : « يا فاطمة : أما ترضين أنّ الله عزّ وجلّ أطلع إلى أهل الأرض فأختار رجلين ، أحدهما أبوك ، والآخر بعلك »(٤) .

أمّا كون أبي بكر وعمر أحقّ بالخلافة من عليعليه‌السلام فهذا لا وجه له ، إذ لم تكن الأحقّية المدّعاة بتنصيب من الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بإجماع من الأُمّة ، للخلاف الكبير الوارد في مؤتمر السقيفة ، أو حتّى بامتيازات خاصّة تؤهّلهما لتولّي شؤون المسلمين دونهعليه‌السلام ، فقد ورد عن عمر بن الخطّاب قوله ـ في أكثر من مورد ومورد ـ : « لولا علي لهلك عمر »(٥) .

__________________

١ ـ آل عمران : ٣١.

٢ ـ المستدرك ٣ / ١٢١ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٧.

٣ ـ المستدرك ٣ / ١٣٧.

٤ ـ المصدر السابق ٣ / ١٢٩.

٥ ـ تأويل مختلف الحديث : ١٥٢ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨ و ١٤١ و ١٢ / ١٧٩ و ٢٠٥ ، نظم درر السمطين : ١٣٠ ، جواهر المطالب ١ / ١٩٥ و ٢٩٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢١٦ و ٢٢٧ و ٣ / ١٤٧.

٩٧

بل قال عمر في نفسه : « كل الناس أفقه من عمر »(١) .

وقد صرّح أبو بكر معترفاً بعجزه عن إدارة شؤون المسلمين بقوله : « أقيلوني فلست بخيركم »(٢) .

وقد صرّح عمر بن الخطّاب ـ وهو أوّل من أختار أبا بكر وبايعه على الخلافة ـ : « أنّ بيعة أبي بكر كانت فلته وقى الله شرّها ، حيث قال : « فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلته وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرّها »(٣) .

وأخيراً : فما بالك تحتجّ علينا بما ورد في كتبكم ، وأنت تعلم أن هذا ليس بحجّة في المناظرة ، ألا ترى ما ذكرنا لك ، واحتججنا عليك بما ورد في كتبكم ، ولم نأتِ بما في كتبنا ورواياتنا ، وإلاّ فعندنا أنّهم لا فضل لهم ، حتّى تأتي النوبة لمفاضلتهم مع الإمام عليعليه‌السلام !!

وأمّا تفضيل عثمان على عليعليه‌السلام ، فلا اعتقد أنّه يستحقّ الإجابة بعدما سمعت ما تقدّم.

وأمّا ما ذكرت من عدم منازعته لهما فلا نسلّم به ، بل إنّه طالب بحقّه بأقصى ما تسمح به مصلحة الإسلام ، وأنّه امتنع عن البيعة حتّى أكره بعد ستة أشهر كما يعترف البخاريّ ، وأمّا ما ذكرته من كتبكم فلا حجّة فيه علينا ، مع أنّه ضعيف في نفسه.

__________________

١ ـ الغدير ٦ / ٩٨ عن أربعينة الرازي : ٤٦٧ ، المبسوط ١٠ / ١٥٣ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٣٨ ، المجموع ١٦ / ٣٢٧ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٤ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ و ١٧ / ١٧١ ، كشف الخفاء ١ / ٢٦٩ و ٣٨٨ و ٢ / ١١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٩٩ و ١٥ / ١٧٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٧٨ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٣٣ ، فتح القدير ١ / ٤٤٣.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٦٩.

٣ ـ صحيح البخاريّ ٨ / ٢٦ ، فتح الباري ١٢ / ١٣٢ ، المصنّف للصنعانيّ ٥ / ٤٤٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٠ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٤ / ٢٧٣ ، صحيح ابن حبّان ٢ / ١٤٨ و ١٥٥ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٣ و ١١ / ١٣ ، الثقات ٢ / ١٥٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٢٨٣ ، جامع البيان ٢ / ٤٤٦ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٦٦ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤٨٧.

٩٨

النقطة الثالثة : الولاية لعليعليه‌السلام وأولاده.

والجواب : التولّي لعليعليه‌السلام وأولاده ـ الأئمّة الأحد عشر من بعده ـ لم يكن وليد رأي أو اجتهاد ، أو دعوة للإرث التقليدي من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بفعل عامل القرابة والمصاهرة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما هذا الأمر وليد النصوص النبوية المعصومة ، التي دعت إلى ولاية علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

فقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الثقلين المتواتر المشهور : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(١) .

وواضح لمن له أدنى مسكة علم أنّ التمسّك بالكتاب والعترة هو الاتباع والأخذ بهديهما ، وهو معنى الولاية لهما.

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوالي وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي »(٢) .

__________________

١ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذيّ ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطنيّ ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

٢ ـ حلية الأولياء ١ / ١٢٨ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٤٠ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٧٩ و ٢ / ٤٨٩ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٨.

٩٩

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحبّ أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي ، قضباناً من قضبانها غرسها بيده ، وهي جنّة الخلد ، فليتولّ علياً وذرّيته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة »(١) .

وأمّا عصمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ففي حديث الثقلين دلالة واضحة عليها ، إذ جعل الله سبحانه العصمة من الضلال بالتمسّك بالثقلين معاً ، وغير المعصوم لا يهدي إلى الحقّ مطلقاً ، كما قال تعالى :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

أمّا قولك : إنّ الولاية له ولأولاده بمعنى العصمة فهي خلط منك ، لأنّ معنى الولاية شيء ـ وهي خلافة الله في أرضه ، والولاية في شؤون الدين والدنيا ـ ومعنى العصمة شيء آخر ، وهو العصمة من الخطأ والنسيان ، وكلّ منفر للناس من أوّل حياته إلى آخرها.

نعم ، نحن نقول : لابدّ للولي أن يكون معصوماً ، إذ لو جاز عليه الخطأ لجاز للناس عدم اتباعه فيه ، فلا تكون له ولاية عليهم ، وغيرها من الأدلّة مذكورة في محلّها ، فالعصمة لازمة للولاية وليست بمعناها ، فافهم.

وأمّا قولك : إنّ بعض الصحابة أفضل منهم ، لو سلّمنا فإنّه لا يلزم التناقض ؛ لأنّه لو فرضنا أنّ هناك صحابيّاً أفضل من بعض الأئمّةعليهم‌السلام ، ولكنّه ليس أفضل من الولي في زمنه ، وهو علي أو الحسن أو الحسينعليهم‌السلام .

ونحن على أقلّ الاحتمالات وتنزّلاً معك نثبت من خلال ما نقلتموه أنتم في تراجمهم أنّ كلّ واحد منهم كان أفضل الخلق في زمانه ، فتأمّل.

ثمّ متى ادعى الشيعة أنّ أساس التفضيل القرابة والنسب ، نعم إنّ القرابة منقبة وفضيلة ، ولكن ليست هي المقوّم للولاية ، وإنّما الولاية اختيار من الله

__________________

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦١٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٤٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٨٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

١٠٠