موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 245597
تحميل: 5301


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245597 / تحميل: 5301
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

الامتثال لكلّ ما يأمر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واتباعه في كلّ شيء.

فلو فرضنا أنّ الأنبياء موجودون في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونصّ على إمامة الأئمّةعليهم‌السلام ، وأمر بأتباعهم ، فهل يسع الأنبياء مخالفة ذلك؟

وحينئذ نسأل أيّهما أفضل الإمام أم المأموم؟ والتابع أم المتبوع؟ وإذا ثبتت أفضليتهم في هذا الحال ، فهي ثابتة في كلّ الأحوال ، فليس هناك ما يمنع من أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام على سائر الأنبياء ، لا عقلاً ولا شرعاً.

الرابع : إنّ أهل السنّة رووا في كتبهم : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل )(١) ، أو بمنزلة أنبياء بني إسرائيل ونحو ذلك ، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يفتخر بعلماء أُمّته يوم القيامة ، فإذا كان العالم المسلم من أُمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه المنزلة والمكانة ، وهو مهما بلغ في علمه فليس بمعصوم ، فكيف بمن نصّ القرآن على عصمتهم؟ ونوهّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بفضلهم ، وورثوا العلوم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واستغنوا عن الناس في المعارف والعلوم ، واحتياج الناس إلى علومهم ومعارفهم.

الخامس : في صفة منبر الوسيلة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه منبر يؤتى به في يوم القيامة ، فيوضع عن يمين العرش ، فيرقى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ يرقى من بعده أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيجلس في مرقاة دونه ، ثمّ الحسن في مرقاة دونه إلى آخرهم ، ثمّ يؤتى بإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء ، فيجلس كلّ واحد على مرقاته من دون المراقي(٢) .

هذا ، وقد وقع الخلاف بين أصحابنا في أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام على الأنبياءعليهم‌السلام ، ما عدا جدّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذهب جماعة إلى أنّهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أُولي العزم ـ فهم أفضل من الأئمّة ـ وبعضهم إلى مساواتهم ، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ

____________

١ ـ كشف الخفاء ٢ / ٦٤ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٣٢٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٣٣٧ ، فيض القدير ١ / ٢١.

٢ ـ اللمعة البيضاء : ٢١٧.

١٨١

أكثر المتأخّرين على أفضلية الأئمّة على أُولي العزم وغيرهم ، وهو الرأي الصحيح.

وهناك الكثير من الأدلّة على أفضلية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام على جميع الأنبياء والمرسلين ، أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة عليك ، وللتعرّف على المزيد ، راجع الكتب الآتية :

اللمعة البيضاء للتبريزيّ الأنصاريّ ، أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام لمركز المصطفى ، تفضيل الأئمّةعليهم‌السلام للسيّد علي الميلانيّ.

ويمكن أن نستدلّ بطريقة أُخرى ، وهي :

١ ـ أن نثبت الإمكان العقلي ، بأن يكون هناك شخص أفضل من الأنبياء حتّى أُولي العزم ، وهذا واضح فهو ليس بعزيز على الله ولا يلزم منه محذور.

٢ ـ أن نثبت الوقوع والوجود لمثل هذا الشخص بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام أوّل الأئمّة ، بأدلّة عديدة :

منها : مساواته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما عدا النبوّة ، كما في آية المباهلة ، فهو نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والنبيّ أفضل ؛ فنفسه وهو علي أفضل.

ومنها : حديث الطائر ، ومفاده أنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ، وكذلك أحاديث تشبيه عليعليه‌السلام بالأنبياءعليهم‌السلام .

٣ ـ أن نثبت وقوع الأفضلية لإمام آخر ، وهو المهديّعليه‌السلام من خلال ما تواتر من صلاة عيسى خلفه ، وأنّه من اتباعه.

٤ ـ أن نوسّع ما ثبت أعلاه حتّى يشمل بقية الأئمّةعليهم‌السلام ، أمّا بأحد الأدلّة المذكورة في الجواب الأوّل ، أو بطريق الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام أنفسهم ، كما أوردنا آنفاً ، بعد أن أثبتنا أفضلية عليعليه‌السلام ، والمهديّ من القرآن وروايات أهل السنّة ، وكذلك أنّ الأئمّة كلّهم نور واحد ، وغيرها.

٥ ـ وبعضهم استدلّ بوجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام ـ وعدم وجوب معرفة الأنبياء كلّهم ـ على أفضليتهم على الأنبياء.

١٨٢

( أحمد ـ ـ )

على الشيخين :

س : الله يعطيكم العافية على جهودكم الجبّارة.

سمعت في إحدى حلقات مناظرة قناة المستقلّة : أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يؤنّب كلّ من يقول بأفضلية الإمام علي عليه‌السلام على أبي بكر وعمر ، وأنّه عليه‌السلام له مناظرات معهم في ذلك ، فما هو تعليقكم على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : هذه الشبهة والدعوى ليست جديدة أو وليدة الساعة ، وإنّما استغلّت الوسائل الحديثة ، ومنها المحطّات الفضائية ، وقناة المستقلّة بالخصوص في هذا الوقت لنشرها ، وغيرها من الشبهات بصورة واسعة ، محاولة لتشكيك عوام الشيعة في عقائدهم ، ولابأس أن تسأل عمّا يحدث من عقد صفقات مع هذه القناة بالخصوص وراء الكواليس ، وعلى كلّ فهذا ليس موضوعنا الآن!

نعود إلى موضوع الشبهة ، فقد طرحه ابن حجر الهيتميّ في ( الصواعق المحرقة ) ، وقد نقل عدّة روايات عن الدارقطنيّ وغيره من العامّة ، يوحي ظاهرها بما نسب للإمام الصادقعليه‌السلام في أصل الشبهة ، وتبعه غيره منهم إحسان إلهيّ ظهير ، وقد أخذ ذلك منه عثمان الخميس ، ليس هذه الشبهة فحسب ، وإنّما كلّ ما يطرحه سواء على المستقلّة أو في محاضراته ومناظراته الأُخرى.

وعلى كلّ ، فإنّي لم استطع أن أخرج هذه الروايات عن الدارقطنيّ لا من سننه ولا من علله ، فربّما نقلت في كتاب آخر له لم يحضرني ، ولكن مع ذلك فقد روى جلّها المزّي في ( تهذيب الكمال ) ، والذهبيّ في ( سير أعلام النبلاء ) ، وابن حجر العسقلانيّ في ( تهذيب التهذيب ) ، وكذا رويت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل.

والغرض من إيرادها في الكتب الثلاثة الأُولى للرجال واضح ، وهو تأكيد فحوى الشبهة المطروحة ، فإنّهم لا يستطيعون التخلّي عن الإمام الصادقعليه‌السلام والسكوت عنه ، وكذا لا يستطيعون الترجمة له بما هو مشهور عن مذهب أهل

١٨٣

البيتعليهم‌السلام ، وما هو معروف عند الشيعة الإمامية ، فاضطرّوا إلى نقل مثل هذه الروايات عنه للادعاء بأنّهعليه‌السلام على مذهب السنّة ، وهو موضوع الشبهة الأصلي كما تعرف ، حيث كان يكرّر عثمان الخميس أنّ جعفرنا غير جعفركم ، وهو نوع من المغالطة.

على كلّ ، فإنّ ما نقل من الروايات بعضه الأكثر عن سالم بن أبي حفصة وهو ضعيف ، كان زيدياً بترياً ، وقد ضعّفه الألبانيّ عندهم ، ومن الواضح أنّ من مثله يتقيّ منه الإمامعليه‌السلام ، وبعضها الآخر إمّا عن غيره من الضعفاء أو رجال العامّة ، وأمّا ظاهرة واضحة في التقيّة ، أو لا تدلّ على المطلوب أصلاً.

وقد أجاب عن أكثرها القاضي التستري في ( الصوارم المهرقة ) ، الذي هو ردّ على ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر الهيتميّ.

ثمّ أنّ ما ذُكر في أصل الشبهة مجمل يراد به خلط الأوراق وإيهام السامع ، إذ يجب أن تطرح الشبهة على عدّة أقسام :

١ ـ أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان ينهى عن سبّ ولعن الشيخين ، أو أن يفاضل أحد بينهما وبين عليعليه‌السلام .

٢ ـ أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يقول بأفضليتهما على جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٣ ـ أنّه كان يرجو شفاعتهما يوم القيامة.

٤ ـ أنّه كان يتولاّهما.

٥ ـ أنّه كان يعتقد بأنّهما تسلّما موضع الخلافة عن حقّ.

٦ ـ أنّه كان يعتقد أنّهما لم يظلما فاطمةعليها‌السلام ، أو أهل البيتعليهم‌السلام عموماً ، ولم يغتصبا حقّهم.

ولعلّ بعض الأقسام داخلة في البعض ، ونحن نحاول أن نجيب على بعضها مختصراً ، ونكتفي به عن الجواب عن الباقي من الأقسام.

وللجواب نقدّم مقدّمة وهي : إنّ كلّ ما روي من طرق الآخرين ليس حجّة علينا ، وإنّما الحجّة أن تكون من طرقنا ، هذا فضلاً عمّا ذكرناه سابقاً

١٨٤

من الحمل على التقيّة ، وضعف السند ، وعدم الدلالة على المطلوب ، وعليه بعد التسليم بصحّة طرق هذه الروايات عندهم ، أو أنّ بعضها يدعم البعض ، نقول :

الجواب على الأوّل : في الروايات التي فيها نهي عن السبّ ، فنحن أيضاً نقول به ، إذ ليس من أخلاق أئمّتنا السبّ ، أو أنّهم يرضون لشيعتهم أن يسبّوا أعدائهم ، ونهي أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه عن سبّ أصحاب معاوية معروف مشهور.

وأمّا النهي عن اللعن والتفضيل ، فالتقيّة لحفظ كيان الطائفة من الأُمور الواجبة ، وسيأتي لعنهما منهعليه‌السلام في غير مورد التقيّة.

وعلى الثاني : بغض النظر عن أدلّة الشيعة في فضل عليعليه‌السلام وأنّه مساوٍ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفسه بآية المباهلة ، أُورد لك هنا حديثين عن الإمام الصادقعليه‌السلام من عشرات الأحاديث عنه ، وعن باقي الأئمّة ، وعليك باستخراج الباقي.

روى الشيخ الصدوق بسنده عن التميميّ قال : حدّثني سيّدي علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام قال : (حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أخي الحسن بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال لي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر )(١) .

وعن سنان بن طريف عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (إنّا أوّل أهل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : اشهد أن لا اله إلاّ الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ـ ثلاثاً ـ )(٢) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٣٦.

٢ ـ الكافي ١ / ٤٤١.

١٨٥

فمن يروي مثل هذه الأحاديث كيف يفضّل على جدّه عليعليه‌السلام غيره كائناً من كان؟ وأرجو الانتباه أنّه هنا لا يجدي تضعيف مثل هذه الروايات الذي ربما يلجأ إليه الخصم ، وذلك لكثرة الصحيح منها ، ثمّ أنّها تدخل في التواتر مضموناً ـ فلاحظ ـ.

وعلى الثالث : فعن محمّد بن المثنى الأزدي : أنّه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول : (نحن السبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ )(١) .

فإذا كان الإمام الصادقعليه‌السلام هو السبب بين الله والناس ، فكيف يجعل بينه وبين الله أبو بكر وعمر سبباً ، وفي باب الشفاعة روايات صريحة لم يسعفني الوقت بتتبعها وإيرادها ، فراجع.

ولكن اسمع هذه الرواية عن حنان بن سدير قال : حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول : (إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أوّلهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، واثنان في بني إسرائيل هودّا قومهما ونصّراهما ، وفرعون الذي قال : أنا ربّكم الأعلى ، واثنان من هذه الأُمّة ، أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار )(٢) .

فإذا كانا في تابوت من نار ، فكيف يشفعان لهعليه‌السلام !

وعلى الرابع : عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السرّاج قالا : سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام ، وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال ، وأربعاً من النساء : التيمي والعدوي وفعلان ومعاوية ـ ويسميهم ـ وفلانة وفلانة وهند وأُمّ الحكم أخت معاوية(٣) ، فهل معنى هذا أنّه يتولاّهما؟!

وعلى الخامس : عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٥٧.

٢ ـ ثواب الأعمال : ٢١٤.

٣ ـ تهذيب الأحكام ٢ / ٣٢١.

١٨٦

جعفر بن محمّد ، عن آبائهعليهم‌السلام قال : ( خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام خطبة بالكوفة ، فلمّا كان في أخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ وقلت : والله أنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمّا ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا بن الخمّارة ، قد قلت قولاً فاسمع منّي : والله ما منعني من ذلك إلاّ عهد أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أخبرني وقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الأُمّة ستغدر بك وتنقض عهدي . )(١) .

فهذه صريحة بأنّهما لم يجلسا مجلس الخلافة بحقّ ، وهي عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

وعلى السادس : عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (لمّا انصرفت فاطمة عليها‌السلام من عند أبي بكر ، أقبلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقالت : يا ابن أبي طالب ، اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبليغة ابني ، والله لقد أجدّ في ظلامتي ، وألدّ في خصامي )(٢) ، فهي صريحة في ظلامة فاطمةعليها‌السلام .

وعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لمن كان الأمر حين قبض رسول الله؟ قال : (لنا أهل البيت ) ، فقلت : فكيف صار في تيم وعدي؟

قال : (إنّك سألت فافهم الجواب : إنّ الله تعالى لمّا كتب أن يفسد في الأرض ، وتنكح الفروج الحرام ، ويحكم بغير ما أنزل الله ، خلا بين أعدائنا

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٨٠.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٦٨٣.

١٨٧

وبين مرادهم من الدنيا حتّى دفعونا عن حقّنا ، وجرى الظلم على أيديهم دوننا )(١) .

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده ، ثمّ منّ علينا بأن أقررنا بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت ، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوّكم ، وإنّما يريد الله بذلك خلاص أنفسنا من النار ، قال : ورققت وبكيت.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ) ، قال : فقال له عبد الملك بن أعين : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك ، قال : قلت : خبّرني عن الرجلين.

قال : (ظلمانا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ ، ومنعا فاطمة عليها‌السلام ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ) ، قال ـ وأشار إلى خلفه ـ : (ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما )(٢) .

وفي ما أوردناه كفاية ، وإنّما أردنا أن نستعرض تفاصيل الجواب على هذه الشبهة وأمثالها ، من نسبة تولّي الأوّلين إلى كلّ الأئمّةعليهم‌السلام ، أو إلى بني هاشم أو أولاد فاطمة ، فإنّ الجواب عليها بالأسلوب الذي سلكناه ، وعليكم التفصيل وإيراد الشواهد ، فإنّ في الباب مئات الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وعشرات عن الإمام الصادقعليه‌السلام بالخصوص صالحة للاستشهاد بها هنا ، تفوق حدّ التواتر مضموناً ، ولا مجال للطعن فيها سنداً.

____________

١ ـ المصدر السابق : ٢٢٦.

٢ ـ الكافي ٨ / ١٠٢.

١٨٨

التقيّة :

( حمدي صالح. الكويت. سنّي )

جائزة للأدلّة الأربعة :

س : ما معنى كلمة التقيّة؟ هل تعني الكذب؟

فقد جاء في كتاب أُصول الكافي للكليني : عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقيّة ، ولا دين لمن لا تقيّة له ) ، فما المقصود بالتقيّة؟

أرجوكم أرشدوني ، فقد تزايدت صفحات المتهجّمين على إخواننا الشيعة ـ أنا سنّي أحبّ الشيعة ، لأنّكم تحبّون أهل البيت ـ ومع السلامة.

ج : إنّ التقيّة رخصة شرعيّة في كتاب الله ، وسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعمل في موارد الخوف والخطر والضرر.

وقد جرت سيرة الأنبياء والأولياء والمؤمنين على العمل بها ، وقد استدلّ لجوازها بالأدلّة الأربعة :

الدليل الأوّل : القرآن :

قال تعالى :( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (١) .

فنجد مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه خوفاً من الضرر.

وقال تعالى :( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

____________

١ ـ غافر : ٢٨.

١٨٩

بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١) .

فنجد الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقيّة ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمضي عمله ، ويجوّز له العمل بها.

وقد اشتهر في كتب التفسير : أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عُذّب في الله ، حتّى ذكر آلهة المشركين ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن عادوا فعد )(٢) .

وهناك آيات أُخرى دالّة بالصراحة ، أو بالضمن على التقيّة ، وهن :

١ ـ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) (٣) .

٢ ـ الكهف : ١٩.

٣ ـ الأنعام : ١١٩.

٤ ـ البقرة : ١٩٥.

٥ ـ الحالجواب : ٧٨.

٦ ـ فصّلت : ٣٤.

الدليل الثاني : السنّة :

إنّ الروايات الدالّة على جواز التقيّة كثيرة ، منها :

____________

١ ـ النحل : ١٠٦.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٥٧ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٨ / ٢٠٨ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٠٢ ، جامع البيان ١٤ / ٢٣٧ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٣ و ٣ / ٢٤٩ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٣٢ ، تفسير الثعالبي ٣ / ٤٤٣ ، فتح القدير ٣ / ١٩٨ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٤٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٣٧٣ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤١١.

٣ ـ آل عمران : ٢٨.

١٩٠

١ ـ سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن التقيّة؟ فقال : ( التقيّة من دين الله ) ، قلت : من دين الله؟

قال : (إي والله من دين الله ، ولقد قال يوسف :( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ،والله ما كانوا سرقوا شيئاً ، ولقد قال إبراهيم : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) ، والله ما كان سقيماً )(١) .

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

٢ ـ أخرج البخاريّ من طريق قتيبة بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته ، أنّه استأذن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ) ـ أو بئس أخو العشيرة ـ فلمّا دخل ألان له الكلام.

فقلت له : يا رسول الله ، قلت ما قلت ، ثمّ ألِنت له في القول؟

فقال : (أي عائشة ، إنّ شرّ الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه )(٢) . الدليل الثالث : الإجماع :

اتّفق جميع المسلمين وبلا استثناء على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام ، مدّة ثلاث سنين من نزول الوحي ، فلو كانت التقيّة غير مشروعة لكونها نفاقاً ، لما مرّت الدعوة إلى الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.

وقد نقل الإجماع ـ على أنّ التقيّة مشروعة وجائزة ـ جمهرة من علماء السنّة ، منهم : القرطبيّ المالكيّ(٣) ، ابن كثير الشافعيّ(٤) .

الدليل الرابع : العقل أو العقلاء :

إنّ التقيّة موافقة لمقتضاه ، فإنّ جميع الناس يستعملونها في حالات الخطر

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧ ، المحاسن ١ / ٢٥٨.

٢ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ١٠٢.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢.

٤ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩.

١٩١

والضرر ، من دون أن يسمّوها تقيّة.

الفتاوى والأقوال :

وأمّا فقه المذاهب الإسلاميّة ، فقد ذهبوا إلى جوازها فتجد :

١ ـ الإمام مالك يقول بعدم وقوع طلاق المكره على نحو التقيّة ، محتجّاً بذلك بقول الصحابيّ ابن مسعود : ( ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان إلاّ كنت متكلّماً به )(١) .

ولاشكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول ، يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه ، ولو تمّ أي الإكراه بسوطين.

٢ ـ ابن عبد البرّ المالكيّ(٢) حيث أفتى بعدم وقوع عتق المكره وطلاقه ، ولو كانت التقيّة لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.

وغيرهما كثير(٣) .

( علي حسين ـ السعودية ـ سنّي )

هي أمر فطري :

س : الذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية : أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ، ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية.

____________

١ ـ المدونة الكبرى ٣ / ٢٩.

٢ ـ أُنظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٠٣.

٣ ـ أُنظر : تفسير ابن جزي : ٣٦٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢ ، المبسوط للسرخسيّ ٢٤ / ٤٨ و ٥١ و ٧٧ و ١٥٢ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، المجموع ١٨ / ٣ ، المغني لابن قدامة ٨ / ٢٦٢.

١٩٢

وعليه نوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل ، فإنّ التقيّة أمر فطريّ ، تستعملها أنت وجميع البشرية ، من دون أن تعرف أنّها تقيّة.

فالتقيّة لا تستعمل إلاّ في حالات الخوف الشديد ، حيث يضطرّ الإنسان إلى إظهار غير ما يعتقد ، وكتمان ما يعتقد.

هذا ، وفي القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، ما هو صريح في التقيّة.

ثمّ لم نعرف مقصودك من أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة ، إذ أنّ أُصول المذهب الشيعيّ هي الأُصول والأركان الأساسيّة للدين الإسلاميّ ، والتي تقوم على أدلّة مبرهنة وواضحة ، وإنّما التقيّة حكم من أحكامها ولها أدلّتها ، ولكن ليست هي من أُصول المذهب حتّى تزعم أنّ الدين والعقيدة تقوم على أساسها.

( جعفر ـ الكويت ـ )

لا تقيّة في النبيذ والمسح على الخفّين :

س : قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : ( والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ ، والمسح على الخفّين )(١) .

أرجو منكم شرح العبارة السابقة ، وما الحكمة من ذلك؟ وشكراً لكم على جهودكم.

ج : قد أشار الإمام الصادقعليه‌السلام بقوله : ( والتقيّة في كلّ شيء ) إلى أنّ التقيّة غير مختصّة بالأحكام والأعمال الدينية ، بل تكون في الأفعال العرفية أيضاً ، مثل الخلطة بهم ، وعيادة مرضاهم ، ونحوها.

وأمّا عدم التقيّة في شرب النبيذ ، ومسح الخفّين ، هو لعدم وقوع الإنكار فيهما من العامّة غالباً ، لأنّ أكثرهم يحرّمون المسكر ، ولا ينكرون خلع

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧.

١٩٣

الخفّ ، وغسل الرجلين ، بل الغسل أولى منه ، نعم ، إذا قدّر خوف ضرر نادراً جازت التقيّة.

وجاء في شرح أُصول الكافي : ( وقال الشيخ الطوسيّ : لا تقيّة فيهما لأجل مشقّة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال ، وإن بلغت أحدهما جازت.

ويقرب منه قول من قال : لا ينبغي الاتقاء فيهما ، وإن حصل ضرر عظيم ، ما لم يؤدّ إلى الهلاك.

وقيل : عدم الاتقاء مختصّ بالمعصومعليه‌السلام ، باعتبار أنّ الاتقاء لا ينفعه ، لكون لا حكم فيها معروفاً من مذهبه )(١) .

( ـ ـ )

مفهومها وأنواعها :

س : ورد في أحد الأخبار : أنّ معاوية أتى باثنين ، فأمرهما بسبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ففعل أحدهما فأطلقه معاوية ، وامتنع الآخر فقتله ، فلمّا سمع بذلك الإمام عليعليه‌السلام قال ما معناه : ( أمّا الأوّل فبرخصة الله أخذ ) ، فهل معنى هذا أنّه يجوز ترك العمل بالتقيّة؟

وهل توجد تقيّة اسمها تقيّة تخييرية؟

ج : هذه القصّة مروية عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في رجلين عُرض عليهما البراءة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأبى أحدهما ، ووافق الآخر تقيّة ، إلى آخر القصّة.

وطبيعي أنّ التقيّة إذا اجتمعت شروطها لاشكّ في صحّتها بل وجوبها ، كما حدّث القرآن الكريم بقوله :( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) (٢) ، وقوله :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (٣) .

____________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٩ / ١١٩.

٢ ـ آل عمران : ٢٨.

٣ ـ النحل : ١٠٥.

١٩٤

فالتقيّة هي أسلوب في التحفّظ على الحقّ ، حتّى لا يلزم إلحاق الضرر بالحقّ نفسه ، أو بأهل الحقّ إذا خيف من إظهاره ، ما لم يُخش على نفس الحقّ من الضياع ، فإذا تعرّض نفس الحقّ إلى الضياع بسبب التقيّة فلا تقيّة فيه ، وهذا ما يعبّر عنه بحفظ بيضة الإسلام ، أو بيضة الحقّ.

ثمّ إنّ الإنسان يكون في بعض المواقع مخيّراً بين التقيّة وعدمها ، وذلك من خلال موازنة المصالح والمفاسد ، فأحياناً تكون التقيّة واجبة ، وأحياناً محرّمة ، وأحياناً يتخيّر الإنسان ، والظاهر من الرواية أنّ الموقع كان موقع تخيير ، وهذا هو معنى التقيّة التخييرية.

هذا بناءً على صحّة الرواية ، والله أعلم.

( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )

معالجة ما يعارضها في صحيحة زرارة :

س : ذكر الشيخ السبحانيّ في المسح على الخفّين على ضوء الكتاب والسنّة :

١ ـ روى الشيخ الطوسيّ في التهذيب بسند صحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له : هل في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال : ( ثلاثة لا أتقيّ منهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ )(١) .

ووجدت في العروة الوثقى : ( يجوز المسح على الحائل ـ كالقناع والخف والجورب ونحوها ـ في حالة الضرورة من تقيّة ، أو برد يخاف منه على رجله )(٢) .

والسؤال هو : أنّ في الحديث يقول الإمام بعدم جواز التقيّة في المسح على الخفّ ، وفي المسألة عكس ذلك؟ ودمتم موفّقين.

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٦٢.

٢ ـ العروة الوثقى : ٦٩.

١٩٥

ج : الأحكام الفقهيّة لا تستنبط عادةً من رواية واحدة وإن كانت صحيحة ، بل من مجموع النصوص الواردة في المسألة ، أي يجب على الفقيه أن يتتبّع كافّة الأحاديث المتعلّقة بالموضوع ، ثمّ يميّز المعتبر منها ، ويرى وجه الجمع بينها إن كانت متعارضة من حيث الدلالة ، ثمّ يخرج بالنتيجة التي تعتبر فتواه.

فلربما حديث صحيح سنداً ، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بسبب معارضته بمثله مدلولاً ، فيطرح في مقام الاستدلال.

وفي موضوع س : وردت روايات كثيرة ـ فيها معتبرات ـ على جواز أو وجوب التقيّة مطلقاً ـ أي في كافّة الموارد ـ فيتعارض إطلاق هذه الأخبار مع صحيحة زرارة.

وفي هذا المقام ذكر الفقهاء عدّة وجوه للجمع بين الطرفين :

منها : أنّ صحيحة زرارة تحمل على نفي وجوب التقيّة في تلك الموارد ، والأخبار المطلقة تنصرف إلى جواز التقيّة من دون وجوب ؛ فتكون التقيّة في هذه الموارد الثلاث جائزة ، وفي غيرها واجبة.

ولعله مراد زرارة حيث علّق في ذيل الصحيحة المذكورة فقال : ولم يقلعليه‌السلام : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهن أحداً.

منها : المراد من نفي التقيّة في هذه الموارد المذكورة ، نفيها موضوعاً لا حكماً ؛ أي لا فرض للتقيّة غالباً في تلك الموارد ، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها ، فلا يكون في ترك المسح على الخفّين خوف الضرر.

وبعبارة أُخرى : بما أنّ غير الشيعة يختلفون في هذه المسألة ، فتوجد هناك مندوحة ورخصة عملية في ترك المسح على الخفّ ، بل المسح على البشرة ، فإن اطلع على هذا العمل أحد منهم ، يتوهّم أنّه على مذهب من مذاهبهم.

١٩٦

التكتّف :

( ـ أمريكا ـ )

الظاهر أنّه من محدثات عمر :

السؤال : أُودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهم‌السلام ، ماذا يكون ردّنا على هؤلاء ، من يقول بأنّ الشيعة تختلف عن بقية المذاهب في الصلاة ، حيث أنّ الشيعة يسبلون وغيرهم يتكتّف ، أو يشبك اليدين عند القيام ، وجزاكم الله عنّا خيراً.

ج : الإسبال عندنا في الصلاة واجب ، لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وأمّا التكتّف في الصلاة ـ أو ما يسمّى التكفير ـ فالظاهر أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أحدثه ، كما جاء في جواهر الكلام : ( حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه ، فسأل عن ذلك ، فأجابوه : بأنّا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع )(١) .

ولابدّ لهذه الحكاية المنقولة من وجه ، مع النظر إلى إنكار المالكيّة وجوبه ، بل وترى كراهيّته في الفرائض(٢) ، خصوصاً أنّ الشافعيّ وأبا حنيفة ، وسفيان

____________

١ ـ جواهر الكلام ١١ / ١٩.

٢ ـ أُنظر : المدونة الكبرى ١ / ٧٤ ، بداية المجتهد ١ / ١١٢ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، نيل الأوطار ٢ / ٢٠٠ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المبسوط للسرخسيّ ١ / ٢٠.

١٩٧

وأحمد بن حنبل ، وأبا ثور وداود ، كانوا يذهبون إلى استحبابه لا وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال(١) .

وعلى الأخصّ ذكر ابن أبي شيبة : ( أنّ الحسن والمغيرة ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ، ولا يضعون إحداهما على الأُخرى ، بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله )(٢) .

ومع هذا الاختلاف الواسع في حكمه ـ مع أنّ كيفية صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت بمرأى ومنظر الصحابة كلّهم ـ هل يعقل أن يكون من السنّة؟! فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما ، خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة ، بأنّ هذا كان من فعل المجوس ، وأهل الكتاب(٣) .

ولا يخفى على المتّتبع : أنّ دخول الفرس المجوس كأُسارى إلى المدينة ، واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، ولم يردعهم هو عن ذلك ، بل وعمل بها ، فأصبحت سنّة متخذّة عندهم.

( ـ ـ )

ردّ أدلّة أهل السنّة في استحبابه :

س : هل توجد أدلّة نقلية ، وخاصّة من الكتب السنّية ـ مثل البخاريّ أو مسلم أو غيره ـ تثبت أنّ رسول الله لم يصلّي متكتّفاً بل صلّى مسبلاً ، لأنّه تسبّب لي بعض المضايقات ، حيث يسألوني بعض الأصدقاء : لماذا أخالفهم

____________

١ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.

٢ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٤٢٨ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، الشرح الكبير ١ / ٥١٤ ، عمدة القارئ ٥ / ٤٠٧.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٩٩ ، دعائم الإسلام ١ / ١٥٩ ، علل الشرائع ٢ / ٣٥٨.

١٩٨

في الصلاة؟ وبأنّ الرسول كان يصلّي متكتّفاً ، ولم يصلّي يوماً مسبلاً ، ودمتم في رعاية الله وحفظه.

ج : وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تنهى عن التكتّف في الصلاة ، ولهذا حكم فقهاؤنا ببطلان الصلاة به ، وللوقوف على بعض تلك الروايات ، راجع كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العامليّ / كتاب الصلاة / باب ١٥ من قواطع الصلاة ح ١ ـ ح ٧.

فإنّه ورد لا تكفّر ، فإنّما يفعل ذلك المجوس. والتكتّف في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل.

ولو كان التكتّف ثابتاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لشاع واشتهر ، إذ أنّ الصلاة تؤدّى في كلّ يوم خمس مرّات كفرض ، ما عدا المندوب.

هذا ويرى مالك عدم وجوب التكتّف ، بل يرى كراهيته في الفرائض(١) .

ويرى الشافعيّ وأبو حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور وداود إلى استحباب التكتّف لا وجوبه ، وهذا دليل على أنّ التكتّف ليس من واجبات الصلاة فيجوز تركه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال(٢) .

ثمّ إنّ حجّة الجمهور في استحباب التكتّف هو أوّلاً : حديث وائل بن حجر ـ الذي انفرد به مسلم في صحيحه ـ أنّه رأى النبيّ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر ثمّ التحف بثوبه ، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثمّ رفعهما ، ثمّ كبّر فركع(٣) .

وفيه : أوّلاً : كيف رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى بعدما التحف بثوبه؟

وثانياً : رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى لا تدلّ على استحباب

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المجموع ٣ / ٣١١.

٢ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٣.

١٩٩

العمل ـ كما هم يزعمون ـ بل تدلّ على جواز العمل.

والحجّة الثانية هو : حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم : لا أعلمه إلاّ ينمى ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال إسماعيل : يُنمى ذلك ، ولم يقل : ينمي(١) .

وفيه : ما هو الدليل على أنّ الآمر هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ بل نفس الأمر شاهد على أنّه أمر طارئ وحادث لم يكن في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلاّ فلا يحتاج إلى الأمر به ، لأنّ رؤية صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت كافية على الأمر به ، وإذا كان هو أمر حادث بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون بدعة ، ولا يجوز العمل به ، أو لا أقلّ التجنّب عنه عملاً بالاحتياط.

( ـ مصر ـ ٢٣ سنة )

لم يحصل في صلاة النبيّ :

س : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن كيفية صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وأنّه مسبل فيها غير متكتّف؟ وإن وجدت فهل سندها قويّاً حتّى يمكن الاستشهاد بها على إخواننا أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً ، ودمتم في بركة الله.

ج : نعم ، وردت رواية ينقلها البيهقيّ في سننه(٢) ، والترمذيّ في سننه(٣) ، وغيرهما(٤) ، ونحن نذكرها بنصّ البيهقيّ قال : ( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، قال حدّثني محمّد بن عمرو بن عطاء ،

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٨٠.

٢ ـ السنن الكبرى للبيهقيّ ٢ / ٧٢.

٣ ـ الجامع الكبير ١ / ١٨٨.

٤ ـ أُنظر : مسند أحمد ٥ / ٤٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٣٧ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٨٣.

٢٠٠