موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 245607
تحميل: 5301


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245607 / تحميل: 5301
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

قال : سمعت أبا حميد الساعديّ في عشرة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي.

فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : لِمَ! ما كنت أكثرنا له تبعاً ، ولا أقدمنا له صحبة. قال : بلى. قالوا : فاعرض علينا.

قال : فقال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يكبّر حتّى يقرّ كلّ عضو منه في موضعه معتدلاً ، ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر ، ويرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمّ يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ، ثمّ يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع ، ثمّ يرفع رأسه فيقول : ( سمع الله لمن حمده ) ، ثمّ يرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، حتّى يعود كلّ عضو منه إلى موضعه معتدلاً.

ثمّ يقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يهوي إلى الأرض ، فيجافى يديه عن جنبيه ، ثمّ يرفع رأسه ، فيثنى رجله اليسرى فيقعد عليها ، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ، ثمّ يعود ، ثمّ يرفع فيقول : ( الله أكبر ) ، ثمّ يثني برجله فيقعد عليها معتدلاً ، حتّى يرجع أو يقرّ كلّ عظم موضعه معتدلاً ، ثمّ يصنع في الركعة الأُخرى مثل ذلك.

ثمّ إذا قام من الركعتين كبّر ، ورفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه كما فعل ، أو كبّر عند افتتاح الصلاة ، ثمّ يصنع مثل ذلك في بقية صلواته ، حتّى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم ، أخّر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقّه الأيسر ، فقالوا جميعاً : صدق ، هكذا كان يصلّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

والذي يوضّح صحّة الاجتماع به الأُمور التالية :

١ ـ تصديق أكابر الصحابة ، وهذا العدد لأبي حميد يدلّ على قوّة الحديث ، وترجيحه على غيره من الأدلّة.

٢ ـ أنّه وصف الفرائض والسنن والمندوبات ، ولم يذكر القبض ، ولم

٢٠١

ينكروا عليه ، أو يذكروا خلافه ، وكانوا حريصين على ذلك ، لأنّهم لم يسلّموا له أوّل الأمر أنّه أعلمهم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل قالوا جميعاً : صدقت ، هكذا كان رسول الله يصلّي ، ومن البعيد جدّاً نسيانهم وهم عشرة ، وفي مجال المذاكرة.

٣ ـ الأصل في وضع اليدين هو الإرسال ؛ لأنّه الطبيعي فدلّ الحديث عليه ؛ لأنّه لو كان غير ذلك لذكر.

٤ ـ هذا الحديث لا يقال عنه إنّه عام ، وأحاديث التكتّف خصّصته ، لأنّه وصف وعدّد جميع الفرائض والسنن والمندوبات ، وكامل هيئة الصلاة ، وهو في معرض التعليم والبيان ، والحذف فيه خيانة ، وهذا بعيد عنه وعنهم.

٥ ـ بعض من حضر من الصحابة قد روى أحاديث التكتّف ، فلم يعترض ، فدلّ على أنّ التكتّف منسوخ ، أو على أقلّ أحواله بأنّه جائز للاعتماد لمن طوّل في صلاته ، وليس من سنن الصلاة ، ولا من مندوباتها ، كما هو مذهب الليث ابن سعد ، والأوزاعيّ ، ومالك.

٢٠٢

التوحيد والتثليث :

( حسين ـ البحرين ـ )

تعدّد المشيئة دليل على التوحيد :

س : كيف يمكننا الردّ على الإشكالية التي يطرحها بعض المسيح ، وهي : إمكانية الاستدلال على الثالوث عن طريق الثلاث شموع التي يتّحد نورها في ضوء واحد؟

ج : إنّ الإشكال الأساسيّ الذي يرد على الثالوث : أنّ لكلّ واحد من الثلاث له مشيئة ، فإمّا أن تتّحد مشيئة الثلاث دائماً ولا تختلف ، فهذا لا يمكن مع التزامنا بالتعدّدية ، وينجر هذا القول إلى الالتزام بالوحدانية من حيث لا يشعرون ، ولا يمكن القول بالتعدّد.

وإمّا أن تختلف ، فإذا اختلفت المشيئة عند الثلاث ، فأيّها تقدّم؟ فمن قدّمت مشيئته على غيره كان هو الربّ ، والآخر مربوب.

( ـ ـ )

بهما يناظر مع المسيحية :

س : كيف نستطيع أن نناظر ونباحث مع أهل الكتاب سيّما المسيحيّين؟ جزاكم الله عن الإسلام خير الجزاء وجعلنا من جيران مولانا أمير المؤمنين في الجنّة.

ج : أهم اختلاف هو في التوحيد والتثليث ، وبهذا الموضوع يمكن مناظرتهم ، يعني لابدّ وأن تكون بداية المناظرة في هذا الموضوع ، الذي هو أصل الاختلاف.

٢٠٣

ونوصيكم بمطالعة كتب العلاّمة الشيخ محمد جواد البلاغيّقدس‌سره ؛ فإنّ له مؤلّفات قيّمة أمثال : التوحيد والتثليث ، الرحلة المدرسية.

وكذلك نوصيكم بمطالعة كتب الأُستاذ ديدات في مناظراته مع علماء المسيحية ، وكذلك نوصيكم بمطالعة كتاب هبة السماء رحلتي من المسيحية إلى الإسلام للأُستاذ علي الشيخ.

( ـ ـ )

الردّ على شبهة ابن كمّونة :

س : هل شبهة ابن كمّونة المسمّاة بشبهة افتخار الشياطين لها حلّ وجواب؟ وأين أجد الجواب؟ في أيّ كتاب؟

ج : خير ما قيل في ردّ شبهة ابن كمّونة : إنّ المفهوم الواحد لا يمكن انتزاعه من الأُمور المتخالفة والمتباينة بما هي كذلك ، بل لابدّ في صحّته وجود جهة وحدة مشتركة بينها ، كمفهوم الإنسان المنتزع من جزئيات متباينة بالعوارض ، ومتّحدة في تمام الماهية المشتركة.

ومن أوضح البراهين على التوحيد ما أفاده بعض العباقرة ، وفرسان ميدان المعقول : أنّ الكثرة بين الأشياء إن كانت نوعية فبالماهية ، وإن كانت عددية ، فإن كانت في الجواهر فبالمادّة ولواحقها ، وإن كانت في الأعراض فبالموضوعات ، وإذا استحال أن يكون له تعالى موضوع أو ماهية أو هيولى ومادّة ، فكيف تتحقّق الأثنينية.

ويمكن استفادة الجواب على شبهة ابن كمّونة من كلام الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث مع زنديق ، وكان من قول الإمام الصادقعليه‌السلام : ( لا يخلو قولك : إنّهما اثنان ، من أن يكونا قديمين قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكن أحدهما قويّاً والأخر ضعيفاً ، فإن كانا قويّين ، فلم لا يدفع كلّ منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير ، وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، ثبت أنّه واحد

٢٠٤

كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني.

فإن قلت : إنّهما اثنان ، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة ، أو متفرّقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظماً ، والفلك جارياً ، والتدبير واحداً ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد.

ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين فرجة ما بينهما حتّى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما ، فيلزمك ثلاثة ، فإن ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين ، حتّى تكون بينهم فرجة ، فيكونوا خمسة ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة )(١) .

____________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٣ / ٤٢.

٢٠٥
٢٠٦

التوسّل والاستغاثة :

( أُمّ عبد الله. السعودية )

بأهل البيت جائز :

س : لماذا نتوسّل بأهل البيت عليهم‌السلام ؟ مع الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والأحاديث الشريفة للشيعة والسنّة؟

ج : قد خلق الله سبحانه العالم التكوينيّ على أساس الأسباب والمسبّبات ، فلكلّ ظاهرة في الكون سبب عادي يؤثّر فيها بإذنه سبحانه ، فالماء مثلاً يؤثّر على الزرع بصريح هذه الآية :( وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ) (١) .

والباء في الآية بمعنى السببية ، والضمير يرجع إلى الماء ، وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادّية ، والقول بتأصّلها في التأثير ، واستقلالها في العمل ، بل الكلّ متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره.

هذا هو الذي نفهمه من الكون ، ويفهمه كلّ من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاصّ كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته ، وأنبيائه ورسله وكتبه ، فالله

____________

١ ـ البقرة : ٣٢.

٢٠٧

سبحانه هو الهادي( وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (١) .

والقرآن أيضاً هو الهادي :( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (٢) .

والنبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً هو الهادي ، ولكن في ظلّ إرادة الله سبحانه :( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٣) .

فهداية الله تعالى تصل إلى الإنسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها. وإلى هذا الأصل القويم يشير الإمام الصادقعليه‌السلام في كلامه ، فيقول :( أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وجعل لكلّ سبب شرحاً ) (٤) .

فعلى ضوء هذا الأساس ، فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادّي ، فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه ، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتي النشأتين ، فلا غرور لمن يطلب رضا الله أن يتمسّك بالوسيلة ، قال الله سبحانه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٥) . فالله سبحانه حثّنا للتقرّب إليه على التمسّك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامّة لا تختصّ بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسّك بكلّ وسيلة توجب التقرّب إليه سبحانه.

وعندئذ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتّى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه ، وهذا ممّا لا يعلم إلاّ من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولولا ورود النصّ لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب بدعة في الدين ، لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين.

____________

١ ـ الأحزاب : ٤.

٢ ـ الإسراء : ٦.

٣ ـ الشورى : ٥٢.

٤ ـ الكافي ١ / ١٨٣.

٥ ـ المائدة : ٣٥.

٢٠٨

ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة ، نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه :

النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها : التقوى ، والجهاد الواردين في الآية ، وإليه يشير الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويقول : (إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ؛ فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ؛ فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة ؛ فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة ؛ فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان ؛ فإنّه جُنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره ؛ فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم ؛ فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ ؛ فإنّها تكفّر الخطيئة ، وصدقة العلانية ؛ فإنّها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف ؛ فإنّها تقيّ مصارع الهوان )(١) .

غير أنّ مصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر في ما جاء في الآية ، أو في تلك الخطبة ، بل هي من أبرزها.

النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوسّل بها الصحابة والتابعون ، وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه.

ومن تلك الوسائل المقرّبة هم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

فقد ورد في بعض الروايات : أنّ المراد من الوسيلة في قوله تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) هم أهل البيتعليهم‌السلام ، منها :

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (٢) .

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ٢٢١.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.

٢٠٩

٢ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله تعالى( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) : (أنا وسيلته )(١) .

٣ ـ ورد في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهاديعليه‌السلام : (مستشفع إلى الله تعالى بكم ، ومتقرّب بكم إليه ، ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي ، وإرادتي في كلّ أحوالي وأُموري )(٢) .

٤ ـ ورد في دعاء التوسّل عن الأئمّةعليهم‌السلام : (يا سادتي ومواليَّ إنّي توجّهت بكم أئمّتي وعُدّتي ليوم فقري وحاجتي إلى الله ، وتوسّلت بكم إلى الله ، واستشفعت بكم إلى الله )(٣) .

٥ ـ ورد في دعاء الندبة : (وجعلتهم الذريعة إليك ، والوسيلة إلى رضوانك )(٤) .

هذا وكانت سيرة أصحاب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام يتوسّلون بدعائهم ، لأنّ التوسّل بدعاء الإمام ؛ لأجل أنّه دعاء روح طاهرة ، ونفس كريمة ، وشخصية مثالية ، كرّمها الله وعظّمها ، ورفع مقامها وذكرها ، وقال :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٥) .

فهذا هو علي بن محمّد الحجّال ، كتب إلى الإمام الهاديعليه‌السلام ، وجاء في كتابه : وأصابتني علّة في رجلي ، لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب ، فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علّتي ، ويعينني على القيام بما يجب عليّ ، وأداء الأمانة في ذلك(٦) .

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٧٣.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٣٠٨.

٣ ـ بحار الأنوار ٩٩ / ٢٤٩.

٤ ـ إقبال الأعمال ١ / ٥٠٥.

٥ ـ الأحزاب : ٣٣.

٦ ـ كشف الغمة ٣ / ١٨٢.

٢١٠

وذكر ابن حجر في كتابه ( الصواعق المحرقة ) توسّل الإمام الشافعيّ بآل البيتعليهم‌السلام :

آل النبيّ ذريعتي

وهم إليـه وسيلتي

أرجو بهـم أعـطى غداً

بيدي اليمين صحيفتي(١)

وقال الشاعر الصاحب بن عبّاد في ذلك :

وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة

فوسيلتي حبّي لآل محمّد

الله طهّرهم بفضل نبيّهم

وأبان شيعتهم بطيب المولد(٢)

ثمّ من المتّفق عليه جواز التوسّل بدعاء الرجل الصالح ، وبحقّه وحرمته ومنزلته ، فكيف بمن هم سادة وقدوة الصلحاء؟ ألا وهم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وتأييداً لما قلنا ، صرّح الزرقانيّ في شرح المواهب بجواز بل استحباب التوسّل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لزائره(٣) وغيرهم.

( رؤوف ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

الأئمّة هم الوسيلة إلى الله تعالى :

س : قال الله تعالى : ( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤) ، وقال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٥) ، ونحن نتّجه للأئمّة ، أنا لا أشكّ في الأئمّة ، بل لم لا نعتمد على الله ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٦) ؟ لم اعتمادنا على الأئمّة أكثر من اعتمادنا على الله تعالى؟

____________

١ ـ الصواعق المحرقة ٢ / ٥٢٤.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٩٩.

٣ ـ شرح المواهب اللدنية ٨ / ٣١٧.

٤ ـ آل عمران : ١٢٢.

٥ ـ غافر : ٦٠.

٦ ـ آل عمران : ١٧٣.

٢١١

ج : إنّ الله تعالى قال :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

وهو يعني أنّ العبد لابدّ أن ينقطع إلى الله تعالى في طلب كلّ شيء ، لافتقاره لكلّ شيء ، فهو المحتاج إلى الله والفقير إليه ، والله تعالى الغني عن عباده.

إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من أن نجعل الأئمّةعليهم‌السلام وسيلة إلى الله تعالى ، فكما أمرنا بدعائه ، فقد أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، قال تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى )(٢) .

وأعلم يا أخي : إنّ قلّة طاعتنا ، وكثرة ذنوبنا نحن العبيد ، كلّ ذلك يوجب حجب الدعاء عن الله تعالى ، والاستجابة لنا ، إلاّ أنّ توسّطهمعليهم‌السلام وشفاعتهم ، وقرب منزلتهم إلى الله تعالى ، يقتضي منه تعالى أن يستجيب دعاءنا كرامة لهمعليهم‌السلام .

كما إنّك لو سألت أحداً حاجة ـ وتعلم أنّ قضاءها يكون بتوسّط أحد مقرّبيه ـ فإنّ العقل يدعوك إلى أن تسأل هذا المقرّب بحاجتك ، وأن يتوسّط بحقّه وبمنزلته في قضاء حاجتك. والأئمّةعليهم‌السلام لكرامتهم عند الله يستجيب لنا ، ويقضي حوائجنا ، بحقّهم عنده ، ولا ينافي ذلك في توكلّنا على الله تعالى بعد أن نقرّ بربوبيّته وقدرته ، ونعترف بعبوديتنا له تعالى ، فهل ينافي هذا التوكلّ على الله تعالى ، والانقطاع إليه في أُمورنا وحوائجنا؟!

( علي ـ سنّي ـ )

من وسائلهما التوسّل بالنبيّ وآله :

س : تستدلّون على التوسّل بالنبيّ والأئمّة بقوله تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ

____________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.

٢١٢

الْوَسِيلَةَ ) ، بينما فسّر علي الوسيلة بالعمل الصالح ، كما جاء في نهج البلاغة : خطبة ١١٠ ، حيث قال : ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ، فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنّها الملّة )(١) .

فما تفسيركم لهذا التناقض بين الآية الكريمة ، وكلام علي في نهج البلاغة؟

ج : ليس هناك تناقض بين الآية الكريمة ، وكلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّه وردت روايات تفسّر الوسيلة بالعمل الصالح ، وأيضاً وردت عندنا روايات تفسّر الوسيلة بمعنى التوسّل بالنبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يحصر الوسيلة بالعمل الصالح ، وإنّما قال : أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى كذا وكذا ، وذكر مجموعة من الأعمال الصالحة ، وهذا معناه توجد وسائل فاضلة ، ولكن هذا أفضل.

ومن المعلوم : أنّ أفعل التفضيل تأتي للمفاضلة بين أمرين مشتركين في النوع ، مختلفين بالدرجة في الغالب.

فعندما نقول : أفضل الصلوات الصلاة الوسطى ، فهذا لا يعني أنّ بقية الصلوات غير مطلوبة.

وعندما نقول : أفضل الليالي في شهر رمضان ليلة القدر ، فهل معناه أنّ غيرها ليس فيها فضيلة؟ كلاّ.

وعندما نقول : أفضل الوسائل العمل الصالح أو التقوى ، لا يعني أنّ بقية الوسائل من التوسّل بالنبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام ليس لها فضيلة.

وإن قلت : إذاً ، التوسّل بالعمل الصالح أفضل من التوسّل بالأشخاص.

قلت : أنّ الملاك الأساسيّ للمتوسِّل والمتوسَّل به هو تقوى الله تعالى ، يعني

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٧ / ٢٢١.

٢١٣

الذي جعل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا المقام عند الله تعالى هو بتقواه ، وهكذا الإنسان المتوسّل ، فكلّما يكون أكثر تقوى كلّما كان أكثر استجابة ، إذاً الملاك لكلّ منهما هو القرب إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ دليلنا على التوسّل ليس هو الآية فقط ، وإنّما دليلنا آيات أُخرى منها :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (١) .

فهنا لم يقولوا : اللهم أنّا نستغفر أو اغفر لنا ، بل قالوا : يا أبانا استغفر لنا ، أي اطلب لنا من الله تعالى المغفرة.

فهذا توسّل بأبيهم يعقوبعليه‌السلام ، وهكذا نحن نأتي إلى الإمامعليه‌السلام ونقول له : بجاهك عند الله ، اسأل الله أن يغفر لنا ، ويفرّج عنّا.

مضافاً إلى خبر عثمان بن حنيف ، الذي يروي قضية توسّل ذلك الأعمى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وشفاءه ، حيث قال : ( اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيي محمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن يكشف لي عن بصري ، فردّ الله تعالى عليه بصره )(٢) .

( أبو مجاهد ـ ـ )

الرقية لا مانع منها عقلاً وشرعاً :

س : هل تجوز الرقية شرعاً وعقلاً؟

ج : لا مانع من الرقية عقلاً وشرعاً إذا كانت في حدودها وموازينها الشرعيّة ، فهي تدخل تحت عمومات الأدعية والتوسّل ، والتبرّك المشروع ـ باختلاف مواردها ـ فلا يصغى لما تقوله جماعة في منعها رأساً ، كيف وقد وردت في كتبهم المعتبرة أحاديث دالّة على الجواز : منها : ( استرقوا لها فإنّ بها النظرة )(٣) .

____________

١ ـ يوسف : ٩٧.

٢ ـ السنن الكبرى للنسائيّ ٦ / ١٦٩.

٣ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ٢٣ ، المستدرك ٤ / ٢١٢ ، المصنّف للصنعانيّ ١١ / ١٦ ، الجامع الصغير ١ / ١٤٩.

٢١٤

ومنها : قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله للذي رقى بالقرآن ، وأخذ عليه أجراً : (من أخذ برقية باطلٍ فقد أخذت برقية حقّ )(١) .

ومنها : بعدما عرض عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعض الرقيات قال : (لابأس بها ، إنّما هي مواثيق )(٢) .

وأيضاً قد أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم(٣) .

( أبو ذر ـ ـ )

بذوات الصالحين من مسائل العقيدة :

س : التوسّل في الدعاء بذوات الصالحين بحقّهم أو جاههم ، هل هي من مسائل العقيدة أم من الفروع؟

ج : قد ثبت بالأدلّة القطعية مشروعية التوسّل ، ومطلوبيّته عند الله تعالى ، وهذا لا مجال لإنكاره بعد الوقوف على أدلّته العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة.

ثمّ أنّ الحكم على هذا الموضوع ، إن كان من باب إثبات أو ردّ تلك الأدلّة ، فهي ترتبط بالمسائل العقائديّة ربطاً وثيقاً ، وإن كان من باب العمل ، فهي مسألة فرعية تتعلّق بأفعال المكلّف باستحبابها في إتيانها.

( الموالي ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

بقولنا يا علي :

س : يسأل البعض عن كلمة ( علي ) عندما يقولها الشيعة ، فهل هي تعني

____________

١ ـ تحفة الأحوذيّ ٦ / ١٨٢ و ٣٠١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٥ / ٤٤٦.

٢ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٩٣ ، تحفة الأحوذيّ ٦ / ١٨٢ ، المعجم الأوسط ٨ / ٢٩٧.

٣ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٢٥٥.

٢١٥

( العلي ) الله عزّ وجلّ أم الإمام علي عليه‌السلام ؟

ج : الاستغاثة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبإخوانه النبيّين والمرسلين ، وبالأوصياء والصالحين ، هي عبارة عن سؤال الشفاعة منهم لقضاء الحوائج ، ودفع النوائب ، وتفريج الكروب ، ولا ريب أنّ كلّ من يناديهم من المؤمنين ، فهو عالم أنّه لا يعبد إلاّ الله ، ولا يفعل ما يريد ، ولا يمنح ما يطلب إلاّ الله ، وليس هؤلاء إلاّ شفعاء فقط.

وقد أرشدنا الله ورسوله للاستغاثة بعباد الله الصالحين من الأنبياء والأوصياء ، بقوله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) .

وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ المقصود من الوسيلة هو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (٢) ، فعندما تنادي الشيعة بكلمة : ( يا علي ) في الواقع تتوسّل بهعليه‌السلام إلى الله تعالى ، لما يحمله من المنزلة والمقام الرفيع ، والقرب من المولى تعالى.

( محمّد ـ الكويت ـ )

بأهل البيت مأمورون به :

س : لماذا مبدأ التوسّل بأهل البيت؟ والله تعالى يقول في كتابه بما معناه : أنّه أقرب للإنسان من حبل الوريد ، وشكراً.

ج : إنّ الله سبحانه أمرنا بذلك بقوله تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) ، فالأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحون إنّما هم واسطة فيض ، ومن الوسائل التي نصل بها إلى الله سبحانه ، فالتوسّل بهم توسّل بالله تعالى ، بل لو لم نتوسّل بهم فإنّا خالفنا الله في عبادته والتوسّل به ، لأنّ الله يريد العبادة التي هو يأمر بها ، لا أنّ الإنسان بعقله وفكره يعبد ربّه. كما قال الشيطان عندما أمره الله أن يسجد لآدم ، أن يعفيه عن هذه السجدة ، ويسجد لله سجدة لم يسجدها

____________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٧٣.

٢١٦

أحد من الملائكة ، فأبى الله عليه ذلك ، وقال : أريد العبادة والسجدة التي أنا أريدها ، لا أنت الذي تريده.

وقد ورد عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام : ( بنا عرف الله ، وبنا عبد الله )(١) ، فهم باب الله الذي منه يؤتى ، وهم السبب المتّصل بين السماء والأرض ، وهم سفن النجاة من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

فلسفة قول الشيعة : يا علي :

س : سؤالي هو : ما هو فلسفة قول الشيعة عند قيامهم ، أو عند حملهم أشياء ثقيلة : يا أبا الحسن أو يا علي ، ودمتم موفّقين لكلّ خير.

ج : في البدء لابد من البحث عن مشروعية مثل هذه الأقوال ، لأنّه إذا ثبت حرمتها ، فلا مجال ولا جدوى للبحث في فلسفة هذه الأقوال.

فنقول : الأصل في الأفعال والأقوال الحلّيّة ، كما يذكر ذلك في علم الأُصول ، وكذا في القواعد الفقهيّة : (كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه )(٢) ، فما لم يثبت حرمة فعل أو قول فهو باق على الحلّيّة ، هذا أوّلاً.

وأمّا ثانياً ، فهو الكلام في فلسفة مثل هذه الأقوال ، فنقول : هذه الأقوال هي عبارة عن نداء يخاطب به الإنسان غيره ، كما نقول : يا زيد أو يا عمرو ، وما إلى ذلك ، فكما لا يوجد أيّ إشكال على مثل هذا النداء حيث نستعمله يومياً عشرات المرّات ، فكذا لا إشكال في قولنا : يا محمّد ويا علي.

والفرق بأنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة أموات ، والذين نناديهم أحياء ، فيصحّ ويحل نداء الأحياء ، دون نداء الأموات ، فهو فرق لا يستلزم الاختلاف في الحكم بالحلّيّة ؛ إذ لا يوجد دليل على التفصيل بين الحلّيّة في مناداة الأحياء ،

____________

١ ـ التوحيد : ١٥٢.

٢ ـ الكافي ٥ / ٣١٣.

٢١٧

والحرمة في مناداة الأموات.

هذا مضافاً إلى أنّ أيّ نداء لشخص ـ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ـ إن كان المنادي والقائل يعتقد قدرة المنادى ، والمدعو على إعانة القائل على الأمر المعيّن على نحو الاستقلالية عن الله تعالى ، فهو شرك وحرام قطعاً.

وإن كان يعتقد بقدرة المدعو ـ كالنبيّ وعليعليهما‌السلام ـ على العمل المعيّن ، كأن يدعوان له أو يشفعان له ، أو ما إلى ذلك من موارد الاستعانة ، وهذا من دون الاعتقاد باستقلالية المنادى ، بل مع اعتقاد أنّه من أولياء الله ، وأنّه يستطيع أن يعين الشخص المنادي من خلال وساطته عند الله ومنزلته عنده ، فهذا لا مانع فيه. بل الاستعانة والنداء مع هذا الاعتقاد ، هو نداء لله تعالى بصورة أُخرى ، واستعانة به تعالى.

( علي الشهراني ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )

الأدلّة على جوازهما :

س : أنا تصفّحت كتب الشيعة فلم أجد الإجابة الوافية بشأن التوسّل بالأموات ، خصوصاً من السنّة ، لأنّي جادلت أحد أهل السنّة بالجواز ، قال : أنا أقبل فقط من البخاريّ ومسلم. قلت : إنّك متعصّب ، هذه كلّها من مصادركم ، وأغلقت عليه الإنترنت ، وشكراً لكم.

ج : إنّ التوسّل يتصوّر على قسمين :

١ ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبد صالح ، أن يقضي حوائجنا.

٢ ـ وتارة نطلب من النبيّ والوصي ، والعبد الصالح ، أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج.

قال تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ

٢١٨

الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) (١) .

وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٢) .

وربما يقول قائل : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى.

فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً ، فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ آتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم ، وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.

وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أدع الله أن يعافيني. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن شئتَ أخّرت لك وهو خير ، وإن شئتَ دعوت ). قال : فادعه.

فأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجة هذه لتقضى ، اللهم شفّعه فيّ.

قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا ، وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ )(٣) .

قال الرفاعيّ الوهابيّ المعاصر : ( لا شكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلاشكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ).

____________

١ ـ النساء : ٦٤.

٢ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٤٤١ ، مسند أحمد ٤ / ١٣٨ ، مستدرك الحاكم ١ / ٣١٣ ، الجامع الصغير ١ / ١٨٣ ، المعجم الكبير ٩ / ٣١ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ٣٧٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٤٠٧.

٢١٩

وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : (لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي )(١) .

هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته على التوسّل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأولياء الصالحين ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.

( البحرين ـ سنّي ـ ٢١ سنة ـ طالب جامعة )

اعتقاد باستقلالية الأسباب شرك :

س : من المعلوم لدى أهل السنّة أنّ الاستغاثة والاستشفاء والتوسّل والدعاء بقبر كائن من كان شرك ، لقوله تعالى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (٢) .

ولقوله تعالى :( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (٣) .

ولقوله تعالى :( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) (٤) .

فمن يؤمن بكمال القرآن لم يسأل ، ولم يدعو ، ولم يستغفر غير الله.

ولقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٥) .

وبعد هذه الآيات من القرآن لكلّ من يؤمن بالقرآن ـ وهذه ليست أحاديث من البخاريّ أو مسلم وإنّما قرآن ـ ماذا تقول فيمن يصرّ على دعاء واستغاثة غير الله تعالى؟

قد تقول : إنّ النية موجّهة إلى الله تعالى ، وحينها نقول : ما هو تعريف

____________

١ ـ المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦١٥ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٨٥ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٨.

٢ ـ البقرة : ١٨٦.

٣ ـ الشعراء : ٨٠.

٤ ـ النمل : ٦٢.

٥ ـ الأعراف : ١٩٤.

٢٢٠