موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 245707
تحميل: 5336


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245707 / تحميل: 5336
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

جواز الجمع من صحاح صريحة ، فهل هناك دليل على حرمة الجمع يمكن أن تجدينه أيّتها الأُخت؟

لا أظنّك ستجدين دليلاً واحداً يقول بعدم جواز الجمع ، نعم هناك اعتذارات وتوجيهات لهذه الصحاح التي ذكرناها ، كلّها لا تقوى على إبطال قول الإمامية بجواز الجمع.

والإمامية تقول بالتفريق في الصلاة ، وتقول أيضاً بجواز الجمع ، فلا مانع في الإتيان بكلتي الرخصتين ، ولئلا يشقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أُمّته ، فقد أجاز الجمع بين الصلاتين ، وأنتِ ترين كم هو محرج حقّاً أن يواظب الإنسان ـ خصوصاً في هذا العصر مع تفاقم الانشغالات والالتزامات ـ الالتزام بالتفريق بين الصلاتين.

وإلى هنا ، فقد تبيّن أنّ الشيعة الإمامية لم تأخذ جواز الجمع من الإمام الحسينعليه‌السلام ، بل أخذته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استناداً إلى ما ذكرناه من الصحاح.

وبذلك تبيّن أيضاً عدم العلاقة بين تسمية صلاة الظهر وصلاة العصر وبين الجمع بينهما ؛ فإنّ الحكم لا يغيّر من حقيقة الموضوع ، فضلاً عن تسميته.

( تايف بن جرمان الهذلي ـ السعودية ـ سنّي )

أدلّته من الكتاب والسنّة :

س : فرض الله خمس صلوات على المسلمين ، وأراد تبارك وتعالى : إتيان الصلاة في وقتها ، هل تصلّون الخمس صلوات في أوقاتها؟ ولكم جزيل الشكر ، وبحفظ الله.

ج : إنّ الشيعة الإمامية ينفردون تطبيقيّاً في الجمع بين الصلاتين ، ويذهبون إلى جوازه مطلقاً بلا خلاف بينهم ، بل الجمع عندهم من البديهيات ، وهم يعملون به في جميع الآفاق ، تابعين في ذلك أئمّتهمعليهم‌السلام ، الذي نهجوا نهج رسول

٢٦١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا لا تجد لهذه المسألة عنواناً في فقههم ـ مع أنّه موجود في أخبارهم ـ بينما على العكس من ذلك في فقه غيرهم.

فلقد جوّز مالك والشافعيّ وأحمد الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء في السفر والمطر و على تفصيل عندهم ، في حين منع أبو حنيفة ذلك!!

وممّا اتفق عليه الفريقان ـ شيعة وسنّة ـ هو الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ، وبين المغرب والعشاء في المزدلفة؟ والدليل على صحّة ما يذهب إليه الإمامية هو القرآن الكريم ، والسنّة النبويّة المطهّرة ، التي ترويها كتب الجمهور!

مواقيت الصلاة في القرآن :

١ ـ قوله تعالى :( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) (١) يقول الفخر الرازيّ ـ وهو أحد أعلام المفسّرين من أهل السنّة ـ : ( فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ، كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات ، وقت الزوال ، ووقت أوّل المغرب ، ووقت الفجر.

وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقاً.

إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فوجب أن يكون الجمع جائزاً بعذر السفر وعذر المطر وغيره )(٢) .

وعلى عادته في عدم استغلال النتائج ، وتنكّره لصحّتها ، مع كامل اعترافه

____________

١ ـ الإسراء : ٧٨.

٢ ـ التفسير الكبير ٥ / ٣٨٤.

٢٦٢

الصريح بدلالة الآية على جواز الجمع ، يفضّل الرازيّ التشبّث ببعض الروايات الملائمة لأهوائه!

كما أيّد البغداديّ هذا الأمر بقوله : ( والحمل على الزوال أولى القولين : لكثرة القائلين به ، وإذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها ، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر ،( إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) أي ظهور ظلمته ، وقال ابن عباس : بدو الليل ، وهذا يتناول المغرب والعشاء ،( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) يعني صلاة الفجر )(١) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) (٢) .

يقول القرطبيّ في تفسير هذه الآية : ( لم يختلف أحد من أهل التأويل في أنّ الصلاة في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة قوله تعالى :( طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال مجاهد : الطرف الأوّل صلاة الصبح ، والطرف الثاني صلاة الظهر والعصر ، واختاره ابن عطية والزلف المغرب والعشاء )(٣) .

وفي تفسير القرآن العظيم عن مجاهد في قوله تعالى :( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) قال : ( هي الصبح في أوّل النهار ، والظهر والعصر مرة أُخرى

وقال الحسن في رواية ابن المبارك عن مبارك بن فضالة عنه : وزلفاً من الليل يعني المغرب والعشاء ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هما زلفا الليل ، المغرب والعشاء ، وكذا قال مجاهد ومحمّد بن كعب وقتادة والضحّاك : أنّها صلاة المغرب والعشاء )(٤) .

فهذه الآيات ، وأقوال المفسّرين قد دلّت بصراحة على أنّ أوقات الصلاة ثلاثة ، وهذا يعني أنّ جمع الصلاة عند الشيعة الإمامية موافق للأصل.

____________

١ ـ تفسير الخازن ٣ / ١٤٠.

٢ ـ هود : ١١٤.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٠٩.

٤ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٤٧٨.

٢٦٣

جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للصلاة :

ولقد جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء في المدينة ـ أي أنّه كان حاضراً وغير مسافر ـ ولم يكن هناك عارض من مطر أو مرض أو وقد أقرّت بذلك كتب أهل السنّة.

فقد أخرج مسلم عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر )(١) .

وأيضاً عن ابن عباس قال : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء )(٢) .

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله ابن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته )(٣) .

وعن معاذ بن جبل قال : ( جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، قال : فقلت : ما حمله على ذلك؟ فقال : أراد أن لا يحرج أُمّـتـه )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥١.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ١٥٢.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ، مسند أحمد ١ / ٢٥١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٨ ، تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٥ ، مسند أبي داود : ٣٥٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٦٢ ، تهذيب الكمال ٩ / ٣٠٣.

٤ ـ صحيح مسلم ١ / ٢٨٤ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٣ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ٣٤٤ و ٨ / ٣٧٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢٦٧ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٥٨ ، كنز العمّال ٨ / ٢٤٧ ، علل الدارقطنيّ ٦ / ٤٣ ، سبل الهدى والرشاد ٨ / ٢٣٥.

٢٦٤

وأخرج البخاريّ بسنده عن أبي أمامه قوله : ( صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثمّ خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك ، فوجدناه يصلّي العصر! فقلت : يا عم! ما هذه الصلاة التي صلّيت؟ قال : العصر ، وهذه صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كنّا نصلّي معه )(١) .

وكذا اخرج مالك في موطّئه عن ابن عباس : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر )(٢) .

كما أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس أنّه قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً )(٣) .

ومصادر أُخرى ذكرت جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لصلاتي الظهر والعصر ، وصلاتي المغرب والعشاء ، من غير اضطرار(٤) .

وبالجملة : فإنّ علماء الجمهور ـ القائلين بجواز الجمع وغير القائلين به ـ متّفقون على صحّة هذه الأحاديث وظهورها ، وتعليقاتهم خير دليل على ذلك! وحسبك ما نقله النوويّ في شرحه لصحيح مسلم ، والزرقانيّ في شرحه لموطّأ مالك ، والعسقلانيّ والقسطلانيّ ، وزكريا الأنصاريّ في شروحهم لصحيح البخاريّ ، وسائر من علّق على أيّ كتاب من كتب السنن المشتمل على أحاديث عبد الله بن عباس في الجمع بين الصلاتين.

علّة الجمع :

ولقد كانت الأحاديث التي روتها الصحاح ، كحديث ابن عباس : أراد أن لا يحرج أحداً من أُمّته ، وحديث معاذ بن جبل : أراد أن لا يحرج أُمّته ، صريحة في بيان العلة ، فجمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين صلاتي الظهرين وصلاتي العشائين ، هو

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٣٨.

٢ ـ الموطّأ ١ / ١٤٤.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢١.

٤ ـ سنن أبي داود ١ / ٢٧١ ، سنن النسائيّ ١ / ٢٨٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٤٩١.

٢٦٥

للتوسعة على الأُمّة ، وعدم إحراجها بالتزام التفريق ، رأفة بأهل المشاغل ـ وهم أغلب الناس ـ لأنّ التفريق لا يتيسّر لكلّ أحد ، وعدم اليسر لا يجتمع مع سهولة الشريعة وسماحتها ، إذ إنّ التزام التفريق بين الصلوات قد يجعل البعض متوجّهاً للصلاة على مضض! أو تركها أصلاً!

ولقد جرت حكمة الله تعالى بتشريع الجمع على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن خلال فعله المبارك ، فلماذا ينكر المخالفون أمر الله وسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولماذا يتأوّلون هذا التشريع ويتركون غيره؟!

فالجمع ميسور لكلّ إنسان ، ولا يتنافى مع الشرع الصحيح ، ويقبله العقل والذوق السليم ، فهو يتماشى مع القرآن ، ويهتدي بالسنّة.

ولقد اتفقت مرويّات أهل البيتعليهم‌السلام مع الآيات المباركة التي ذكرت في مورد الاستدلال ، ومع الأحاديث الشريفة التي رويت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان وإقامتين )(١) .

هذا بالإضافة إلى أحاديث كثيرة مروية عن أهل البيت النبويّ الطاهر بهذا الخصوص.

( أحمد الصنعانيّ ـ اليمن ـ سنّي ـ ٣٢ سنة ـ طالب علم )

بحث حول جوازه لعذر وغيره :

س : أجاز فقهاء الحنابلة للمسلم وللمسلمة الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب والعشاء في بعض الأحيان لعذر من الأعذار ، وهذا تيسير كبير ، فقد ورد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع في غير سفر ولا مطر ، فسئل في ذلك ابن عباس فقيل له :

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٧٨.

٢٦٦

ما أراد بذلك؟ فقال : أراد ألاّ يحرج أُمّته.

فإذا كان هناك حرج في بعض الأحيان من صلاة كلّ فرض في وقته ، فيمكن الجمع ، على ألاّ يتّخذ الإنسان ذلك ديدناً وعادة ، كلّ يومين أو ثلاثة ، وكلّما أراد الخروج إلى مناسبة من المناسبات الكثيرة المتقاربة في الزمن ، إنّما جواز ذلك في حالات الندرة ، وعلى قلّة ، لرفع الحرج والمشقّة التي يواجهها الإنسان.

فمثلاً ، شرطي المرور إذا كانت نوبته قبل المغرب إلى ما بعد العشاء ، فله أن يجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير ، على حسب استطاعته ، أو طبيب يجري عملية لمريض ، ولا يستطيع تركها ، يمكنه في هذه الحالة أن يجمع جمع تقديم أو تأخير ، وذلك ممّا شرع تيسيراً من الإسلام لأهله ، ورفعاً للحرج عنهم.

أمّا الذهاب إلى الاحتفال بمناسبة من المناسبات ، فلا أرى ضرورة أو عذراً للجمع ، مادام الإنسان يجد فرصة هناك للصلاة ، وينبغي ألاّ يستحي بإقامته للصلاة ـ سواء كان رجلاً أو امرأة ـ لأنّ هذا الحياء غير جائز فيما يتعلّق بالصلاة وأدائها في أيّ مكان ، بل الواجب فيمن يقيم الصلاة أن يجعل من نفسه قدوة صالحة للآخرين حتّى يتعلّم الناس الصلاة ، لأنّها من شعائر الله التي يجب أن تظهر ، وأن يجاهر المسلمون بها ويعظّموها( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) .

وإن ممّا يعاب على كثير من الاحتفالات الرسمية التي تقام في كثير من البلاد الإسلاميّة ، أنّها تبتلع أوقات الصلاة ـ وبخاصّة المغرب ـ دون أن تبالي بحقّ الله تعالى ، وبضمائر المؤمنين الحريصين على أداء الصلوات في مواقيتها.

ولو أنّ المحافظين على الصلاة الذين يحضرون مثل هذه الاحتفالات ، قاموا إلى الصلاة عند حضور وقتها ، قومة رجل واحد ، لحسّب المسؤولون عن تلك الاحتفالات لوقت الصلاة ألف حساب وحساب.

____________

١ ـ الحجّ : ٣٢.

٢٦٧

وعلى كلّ حال ، من وجد حرجاً أو مشقّة في صلاة كلّ صلاة في وقتها ، فله أن يجمع كما ذكرنا ، والله الموفّق للسداد.

ج : لقد قرأنا مقالكم الذي نعتزّ به ونقدّره ، ونلفت انتباهكم إلى أنّ الرخصة الواردة في الجمع مطلقة ، غير مخصّصة بالعذر ، بالأخصّ إذا لاحظنا بعين الاعتبار التسهيل على الأُمّة ، فيمكن أن يجمع الناس دائماً ، وإن كان التفريق أفضل.

هذا مع العلم أنّ الروايات المروية عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام صريحة وواضحة في جواز الجمع مطلقاً ، وأمّا ما روي عن طريق أهل السنّة ، فيمكن إثبات الرخصة المطلقة أيضاً ، وذلك لما روي عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر )(١) .

وفي حديث وكيع قال : ( قلت لابن عباس : لم فعل ذلك؟ قال : كي لا يحرج أُمّته )(٢) .

وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس : ( ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته )(٣) .

وعن جابر بن يزيد عن ابن عباس : ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء )(٤) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥١ ، سنن النسائيّ ١ / ٢٩٠ ، سنن أبي داود ١ / ٢٧١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ٤٩١ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٨٥ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٤٧١ ، المعجم الكبير ١٢ / ٥٨ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٥٣ ، سبل الهدى والرشاد ٨ / ٢٣٦.

٢ ـ مسند أحمد ١ / ٣٥٤ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧ ، شرح صحيح مسلم ٥ / ٢١٧.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، الجامع الكبير ١ / ١٢١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧.

٤ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٣٧ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٧ ، مسند ابن الجعد : ٢٤٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ١ / ١٥٧ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٤٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٣٧.

٢٦٨

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة.

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك؟! ثمّ قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته )(١) .

قال النوويّ : ( وأمّا حديث ابن عباس ، فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال : منهم من تأوّله على أنّه جمع بعذر المطر ، هذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدّمين ، وهو ضعيف بالرواية الأُخرى : من غير خوف ولا مطر.

ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم ، فصلّى الظهر ثمّ انكشف الغيم وبان أنّ وقت العصر دخل فصلاّها ، وهذا أيضاً باطل ، لأنّه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.

ومنهم من تأوّله على تأخير الأُولى إلى آخر وقتها ، فصلاّها فيه ، فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها ، فصارت صلاته صورة جمع ، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل ، لأنّه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب ، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله ، وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره ، صريح في ردّ التأويل.

ومنهم من قال : هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه ، ممّا هو في معناه من الأعذار ، وهذا قول أحمد بن حنبل ، والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطّابيّ ، والمتولّي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٥٣ ، مسند أحمد ١ / ٢٥١ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٣ / ١٦٨ ، تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٥ ، مسند أبي داود : ٣٥٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ١٦٢ ، تهذيب الكمال ٩ / ٣٠٣.

٢٦٩

لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر )(١) .

ولكن الوجه الذي اختاره النوويّ ، ومن سبقه غير صحيح ، لأنّ فعل ابن عباس لا يوحي بالمرض ، إذ كيف يتسنّى لمريض أن يخطب منذ العصر ، وحتّى ظهور النجوم ، فإذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جمع بسبب المرض ، فما عذر ابن عباس في الجمع ، ولا أدري ما وجه موافقة أبي هريرة في الدلالة على المرض؟!

وقد ردّ القسطلانيّ هذا العذر بقوله : ( وحمله بعضهم على الجمع للمرض ، وقوّاه النوويّ لأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ، وتعقّب بأنّه مخالف لظاهر الحديث ، وتقييده به ترجيح بلا مرجّح ، وتخصيص بلا مخصّص.

وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث ، فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة ، لمن لا يتّخذه عادة ، وبه قال أشهب والقفال الشاشي ، وحكاه الخطّابيّ عن جماعة من أصحاب الحديث ، وتأوّله آخرون على الجمع الصوريّ بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها ، وعجّل العصر في أوّل وقتها ، وضعّف لمخالفته الظاهر )(٢) .

أمّا الترمذيّ ، فقد أورد هذه الروايات في جامعه ، وادّعى في كتاب العلل أنّ هذا الحديث غير معمول به ، ولكن المباركفوري قال : ( قال الترمذيّ في كتابه العلل ما لفظه : جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به ، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وحديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( من شرب الخمرة فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه )(٣) قال : وقد بيّنا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب.

قلت : وقد تعصّب المُلاّ معين في كتابه دراسات اللبيب على كلام الترمذيّ

____________

١ ـ شرح صحيح مسلم ٥ / ٢١٨.

٢ ـ إرشاد الساري ٢ / ٢٢٢.

٣ ـ تحفة الأحوذيّ ١ / ٤٧٨.

٢٧٠

هذا ، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول بهما ، والحقّ مع المُلاّ معين عندي والله تعالى أعلم.

أمّا رواية حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من جمع بين صلاتين بغير عذر ، فقد أتى باباً من أبواب الكبائر )(١) ، فإنّ الترمذيّ بعد أن أخرج هذا الحديث ، قال : حنش هذا أبو علي الرحبي متروك )(٢) .

وقال ابن حجر في ترجمة حنش : ( قال البخاريّ : أحاديثه منكرة جدّاً ، ولا يكتب حديثه ، وقال العقيليّ : له غير حديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلاّ به ولا أصل له ، وقد صح عن ابن عباس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر )(٣) .

____________

١ ـ مسند أبي يعلى ٥ / ١٣٦ ، المعجم الكبير ١١ / ١٧٢ ، سنن الدارقطنيّ ١ / ٣٨٠.

٢ ـ سنن الدارقطنيّ ١ / ٣٨٠.

٣ ـ تهذيب التهذيب ٢ / ٣١٤.

٢٧١
٢٧٢

الحجاب :

( محمّد ـ أمريكا ـ )

فلسفته :

س : ما هي فلسفة الحجاب؟ ولماذا هو واجب في الإسلام؟

ج : إنّ فلسفة الحجاب مذكورة في القرآن الكريم ، قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (١) .

وقال أيضاً :( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ) (٢) .

حيث بيّن علّة الحجاب بقوله :( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) من الخواطر المريبة والشيطانية ، وأجلب للعفّة ، وأبعد للتهمة ، وأقوى في الحماية.

فالآيتان الشريفتان تدلاّن على وجوب الحجاب ، بالإضافة إلى ورود روايات عن النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام تؤكّد وجوب الحجاب.

____________

١ ـ الأحزاب : ٥٩.

٢ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢٧٣

والسيرة العملية للمسلمين في مختلف الأدوار والبلدان قائمة على حفظ الحجاب.

هذا بالإضافة ما للحجاب من آثار إيجابية في حفظ الروابط العائلية والأُسرية ، والعلاقة الزوجية بين المرأة وزوجها ، وأهلها وذويها ، وكلّما تكون المرأة محجّبة فستكون ارتباطاتها وعلاقاتها بأهلها وذويها أتمّ ، وصيانتها أكثر ، وخاصّة إذا كانت متزوّجة ، وكلّما كان هناك سفور وخلاعة فستكون المرأة مبتذلة ، وستكون غير ملتزمة بشيء من الآداب الدينية والأخلاق الرفيعة.

( محمّد آل إبراهيم ـ السعودية ـ )

هو من مصلحة الفرد والمجتمع :

س : يطرح إشكال في وسط بعض الشباب ، وهو : هل الدين شأن فردي أم هو شأن اجتماعيّ؟ يعني هل المظاهر الاجتماعيّة من حجاب وغيره ، هو أمر خاصّ بالمرأة وقناعتها؟ أم هو واجب تلتزم به اجتماعيّاً حتّى ولو لم تكن مقتنعة به شرعاً؟

ما هو الردّ المناسب في هذا المجال ، وحفظكم الله من كلّ سوء ، ونفع بكم المسلمين.

ج : إنّ الحجاب وأمثاله ممّا أوجبه الله تعالى واجب على المرأة أن تلتزم به ، ولو لم تكن مقتنعة به ، لكن لابدّ من تبيين فلسفة الحجاب وأمثاله للمرأة المسلمة ، حتّى تعمل بهذا الواجب الإلهيّ عن قناعة ، فإنّ الله تعالى لم يفرض على عباده شيئاً ، ولم ينههم عن شيء إلاّ لمصلحة الفرد والمجتمع وإصلاحهما.

( علي ـ المغرب ـ ٢٢ سنة ـ ليسانس )

عدم قناعة المرأة به لا يسقط الفرض :

س : إذا كان ارتداء الحجاب نتيجة ضغوط معيّنة ، أو عن عدم اقتناع ، فأظنّ أنّه لا داعي لارتدائه.

٢٧٤

إنّ فهم عمق الحجاب الذي يتعدّى مجرد كونه قيد اجتماعيّ ، وإلى كونه يعبّر عن هوية المرأة المسلمة ، وعن كينونيتها الحقيقيّة ، إنّ مثل هذا الفهم الواعي للحجاب ، سوف يجعل المرأة المسلمة تفتخر بلباسها ، وهويّتها أينما حلّت وارتحلت ، وشكراً لكم.

ج : إنّ وجوب الحجاب من المسلّمات في الشريعة الإسلاميّة ، لاشكّ لأحد فيه ، وحكمه حكم سائر الواجبات ، نعم إذا كان عن قناعة ذاتيّة مصحوبة بالدليل فهو المطلوب ، وعلينا أن نوصل فلسفة الحجاب إلى جميع النساء ، ليرتدين الحجاب عن قناعة كاملة ، ولكن إذا لم تتوصّل المرأة إلى قناعة تامّة ، فهل يسقط الفرض؟!

الجواب واضح : بأنّ الوجوب باق ، وتأثم من لا ترتدي الحجاب ، وهذا حكمه حكم سائر الفرائض ، إذا لم يتوصّل الإنسان إلى حكمتها ، فإنّها لا تسقط عنه.

( أحمد ـ السعودية ـ )

لا فرق في مشروعيته بين الحرّة والأمة :

س : لماذا يفرّق الشارع في الحجاب بين الحرّة والأمة؟ وما هو معنى الحجاب؟ وماذا يريد الشارع منه؟

ج : قال الله تعالى :( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) .

وقال تعالى :( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ

____________

١ ـ النور : ٣٠ ـ ٣١.

٢٧٥

أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (١) .

وقال تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٢) .

فقد حدّدت الآيات هدف التشريع من إيجاد العازل والحجاب بين الجنسين ـ الذكر والأنثى ـ هو المحافظة على جوّ العفّة والطهارة من الفواحش ، والانتهاكات الجنسية الرذيلة ، والغضّ من الطرفين غير مقيّد بالحرّ والحرائر دون العبد والإماء ، بل هو عامّ لجميع المؤمنين ، لاسيّما إذا اشتمل على تلذّذ جنس ونظرات مرتابة.

نعم ، قد استثنى جملة من الفقهاء لزوم التجنّب من وقوع النظر ، بالنسبة إلى النساء المتهتّكات في الحجاب ، لكن شرط عدم التلذّذ من النظر إليهن.

أمّا لزوم الحجاب والتستّر على الحرائر دون الإماء في الآيات الكريمة ، فليس بمعنى عدم مشروعية الحجاب للأمة ، وحرمة الحجاب عليها ، فهذا لم يقل به قائل من فقهاء الإمامية ، وذهاب عمر إلى ذلك فهو وشأنه ، لا صلة لفهمه بالآيات الكريمة ، وإنّما مؤدّى الآيات هو قصر الوجوب على الحرائر دون الإماء.

وذلك لكون الإماء في الغالب إنّما استعبدت بسبب الكفر ، كي تمرّ ببيئة مسلمة تربوية تتعرّف فيها على الدين والإيمان ، ومع كونهن في الغالب من الكافرات ، فالخطاب الديني كيف يتوجّه إليهن ، فالمشروعية للحجاب عامّ لكلّ من الحرائر والإماء ، إلاّ أنّ اللزوم هو على الحرائر كمسؤولية أشد ، لارتفاع المستوى التربوي فيهن.

كما لا يعني هذا القصر ـ من تحميل المسؤولية بنحو اللزوم على الحرائر ـ

____________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.

٢ ـ المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٢٧٦

جواز انتهاك أعراض الإماء ، كما يتوهّمه هذا القائل ، فإنّ ذلك لم يتوهّمه أحد من الآيات أو الفتاوى.

( أحمد ـ مصر ـ ٢٢ سنة ـ طالب )

الأدلّة على وجوب ستر الوجه والردّ عليها :

س : سؤالي عن النقاب ، وهو أن تغطّي المرأة وجهها بحيث لا يظهر منه إلاّ العينان ، هل له أدلّة في المذهب الشيعيّ؟ وهل كانت السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام والسيّدة زينب ، وكلّ أُمّهات المؤمنين يظهرن أمام الرجال ووجوههن مكشوفة؟ أم كنّ يرتدين النقاب؟

ج : لقد اختلف الفقهاء في جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية مع عدم التلذّذ والريبة ، فمن الأقوال في ذلك قول بعدم الجواز مطلقاً إلاّ لحاجة ، وقول بالجواز مطلقاً على كراهية.

ومن أدلّة القائلين بعدم جواز النظر إلى وجه المرأة ، ما يؤدّي بالتالي إلى ستر المرأة وجهها ، ما يأتي :

١ ـ قوله تعالى :( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) (١) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّها تدلّ على العموم.

٢ ـ قوله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) (٢) ، ووجه الاستدلال بالآية أنّ الوجه من الزينة ، والذي يؤيّد هذا الفهم مفهوم الأخبار القائلة في أنّه لابأس بالنظر إلى وجه من يراد تزويجها ، حيث اشترط في بعضها عدم البأس بصورة إرادة التزويج.

٣ ـ قول الإمام الصادقعليه‌السلام : ( إنّ النظر سهم من سهام إبليس مسموم )(٣) .

____________

١ ـ النور : ٣٠.

٢ ـ النور : ٣١.

٣ ـ الكافي ٥ / ٥٥٩.

٢٧٧

٤ ـ قول الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام : (ما من أحد إلاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينيّن النظر )(١) .

٥ ـ قول الإمام الصادقعليه‌السلام : (وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة )(٢) .

٦ ـ مكاتبة الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّدعليه‌السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ، ويسمع كلامها ، إذا شهد عدلان أنّها فلانة بنت فلان ، التي تشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز الشهادة عليها ، حتّى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقّععليه‌السلام : ( تتنقّب وتظهر للشهود إن شاء الله )(٣) .

٧ ـ جريان السيرة على منع النساء من أن يخرجن متكشّفات.

٨ ـ إنّ النظر مظنّة الشهوة والفتنة ، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب.

٩ ـ خبر المرأة الخثعمية التي جاءت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه ، فصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجه الفضل عنها ، وقال : (رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل الشيطان بينهما )(٤) .

وقد ردّت جميع تلك الأدلّة ، بما يأتي :

١ ـ إنّ آية الغضّ لا تفيد العموم.

٢ ـ إنّ قوله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) مخصّصة بقوله :( إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) ، وقد مرّ في رواية بالثياب والكحل وخضاب الكفّ والسوار ، ولا ريب أنّ إبداء الأخيرين مستلزم لإبداء الكفّين غالباً.

هذا بالإضافة إلى الروايات التي توضّح خروج الوجه والكفّين عن الزينة ،

____________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ الكافي ٥ / ٥٥٩.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٣ / ٦٧.

٤ ـ إيضاح الفوائد ٣ / ٦.

٢٧٨

مثل صحيحة الفضيل ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى :( وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) ؟ قال : (نعم ، وما دون الخمار دون الزينة ، وما من السوارين )(١) ، ففيها دلالة ظاهرة على خروج الوجه والكفّين عن الزينة التي يحرم إبداؤها ، هذا بالإضافة إلى أخبار أُخرى تجوّز إظهار الوجه والكفّين.

وأمّا الأخبار التي تدلّ على اشتراط جواز النظر بإرادة التزويج ، ففيه أوّلاً : إنّ سياقه الشرط فيها ليس مفيداً للتعليق ، كما يظهر بالتأمّل فيها ، مع أنّه لو سلّم ثبوت المفهوم ، فقد عرفت أنّ الجواز هناك غير مشروط بما يشترط هنا من عدم قصد اختيار حسن المرأة خلقة ، ولون وجهها وقبحها وقابليتها للمعاشرة والمباشرة وعدمها ، ولاشكّ أنّ النظر بهذا القصد معلّق على إرادة التزويج ، مع أنّ الجواز هناك أُريد به الإباحة بالمعنى الأعم ، وهو معلّق على إرادة التزويج ، هذا كلّه مع أنّ في الأخبار التي ذكرناها كفاية في الخروج عن ظاهر المفهوم ، بحمل البأس على الكراهة.

٣ ـ وأمّا فيما دلّ على أنّ النظر سهم من سهام إبليس ، فلإنّه ظاهر فيما كان عن شهوة كما لا يخفى ، وكذا ما دلّ على أنّ ( زنى العين النظر ) ، ويشهد له قولهعليه‌السلام : ( وزنا الفم القبلة ) ، فإنّها لا تكون إلاّ عن شهوة.

٤ ـ أمّا قوله : ( ربّ نظرة أورثت حسرة ) فلأنّه على وجه الإيجاب الجزئي ، ولا يجدي في ما نحن فيه.

٥ ـ وأمّا في المكاتبة ، فلعدم وجوب التنقّب أوّلاً ، واحتمال كون الأمر بالتنقّب من جهة اباء المرأة عن التكشّف لكونها متستّرة مستحية عن أن تبرز للرجال ، فإنّ ذلك ممّا يشقّ على كثير من النساء ، وإن كان جائزاً ، إذ ربّ جائز يشقّ من جهة الغيرة والمروءة.

____________

١ ـ وسائل الشيعة ٢٠ / ٢٠٠.

٢٧٩

٦ ـ وأمّا جريان السيرة على المنع ، فإنّه لا يخفى أنّ هذا المنع ليس بآكد من منع تكشّفهن لمن يريد تزويجهن ، بل هذا آكد بمراتب شتّى ، ومع ذلك فالثابت أنّه فعل جائز ، وما الإنكار في المقامين إلاّ لأجل الغيرة والاستحياء ، إذا كانت المرأة من أولي الأخطار وذوات الأستار.

٧ ـ وأمّا فيما ذكره من أنّ النظر مظنّة الشهوة ووقوع الفتنة ، ففيه أنّ المعهود من الشارع حسم الباب في أمثال هذه المظان بالحكم بالكراهة دون التحريم ، كما يعلم بالتتبع في الأحكام الشرعيّة ، مع أنّ هذا استحسان لا نقول به.

٨ ـ وأمّا خبر الخثعمية ، فهو على جواز النظر أدلّ كما لا يخفى ، الخبر إنّما يصلح أن يكون دليلاً لحرمة النظر مع الريبة مطلقاً ، لأنّها بأيّ معنى كانت من الشيطان.

فالحصيلة من كلّ هذا : إنّ كلّ الأدلّة التي قيلت في عدم جواز النظر إلى الوجه ، وما يستتبعه من ستر الوجه على المرأة لا تنهض في قبال أدلّة القائلين بالجواز ، فلذلك إنّ من قال بعدم جواز النظر جعل ذلك على سبيل الاحتياط.

أمّا الأخبار الواردة عن الزهراءعليها‌السلام ، والتي تدلّل على مدى محافظتهاعليها‌السلام على الحجاب ، مثل قولهاعليها‌السلام : ( ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها )(١) ، وإجابتها على سؤال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المرأة : ( متى تكون أدنى من ربّها )؟ فأجابت : ( أدنى ما تكون من ربّها أن تلزم قعر بيتها )(٢) .

والأخبار التي تنقل عنها أنّها عندما تكلّمت مع أبي بكر ، وحشر من المسلمين ، نيطت دونها ملاءة ، وإنّهاعليها‌السلام كانت مرتدية لرداء على وجهها حال زفافها لعليعليه‌السلام ، فإنّ هذه الأخبار لا تدلّ على وجوب ستر المرأة لوجهها.

وما قالته أو عملته الزهراءعليها‌السلام ما هو إلاّ الحالة المثالية للمرأة ، وإذا كانتعليها‌السلام بهذا المستوى من الحجاب ، فلأنّهاعليها‌السلام القمّة للمرأة المثالية ، التي تعمل

____________

١ ـ دعائم الإسلام ٢ / ٢١٥.

٢ ـ بحار الأنوار ٤٣ / ٩٢.

٢٨٠