موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 245605
تحميل: 5301


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245605 / تحميل: 5301
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :

وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الإجابة وعدمها ، لأنّ ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء ، الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله :( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ) (١) .

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (وإن أصابه بلاء دعا مضطرّاً ، وإن ناله رخاء أعرض مغترّاً )(٢) .

الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :

ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة ، لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة الدعاء عند الشدّة.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدّة ، فليكثر الدعاء في الرخاء )(٣) .

الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَالجواب :

ويستحبّ في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادقعليه‌السلام : (ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزّ وجلّ أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق )(٤) .

ولقولهعليه‌السلام : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله عزّ وجلّ : إنّي لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة )(٥) .

____________

١ ـ الزمر : ٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٣٥٦.

٣ ـ الكافي ٢ / ٤٧٢.

٤ ـ ثواب الأعمال : ١٧٤.

٥ ـ بحار الأنوار ٩٠ / ٣٢١.

٥٠١

( ابن الخاجة ـ البحرين ـ )

دعاء القدح :

س : هل ثبت لدى علمائنا الدعاء المسمّى بدعاء القدح؟ وهل عدم ثبوته يعني عدم جواز قرائته وتوزيعه ونشره؟

ج : الظاهر أنّ دعاء القدح لم يثبت عند علمائنا بطريق معتبر ، ولكن يمكن أن يقرأ برجاء المطلوبية ، وعندها يحصل الإنسان على الثواب.

إذاً يجوز قراءته بعنوان رجاء أنّه مطلوب من الشارع المقدّس ، لا بعنوان أنّه ورد فيه استحباب ، وعليه فيجوز توزيعه ونشره.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كلّية الدراسات التجارية )

أسباب حجبه :

س : في معرض ردّكم على استفسار الأخ رؤوف حول موضوع التوسّل والاستغاثة بأهل البيتعليهم‌السلام ، جاءت هذه العبارة : إنّ قلّة طاعتنا وكثرة ذنوبنا نحن العبيد إليه ، يوجب ذلك حجب الدعاء عن الله والاستجابة لنا.

هل هناك في القرآن الكريم ما يدعم هذا المعنى؟ وكذلك هل هناك من الروايات الصحيحة الواردة عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الخصوص؟ وشكراً.

ج : نعم ، هناك روايات وردت عن النبيّ وآلهعليهم‌السلام تؤكّد : بأنّ الذنوب والمعاصي تحجب وتمنع عن استجابة الدعاء ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن الإمام الباقرعليه‌السلام : ( إنّ العبد يسأل الله تعالى الحاجة ، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطيء ، فيذنب العبد ذنباً ، فيقول الله تبارك وتعالى للملك : لا تقض حاجته ، وأحرمه إيّاها ، فإنّه قد تعرّض لسخطي ، واستوجب الحرمان منّي )(١) . وورد في الدعاء المعروف بدعاء كميل

____________

٥٠٢

( واغفر لي الذنوب التي تحجب الدعاء ).

( محسن ـ إيران ـ ٢٧ سنة ـ ليسانس )

معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام وبالعكس :

س : نقرأ في الدعاء المنقول عن الصادقعليه‌السلام : ( اللهمّ عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك )(٢) ، فإنّ الفاء للتفريع ، فمعرفة الله والنبيّ مقدّمة لمعرفة الإمامعليه‌السلام .

مع أنّا نعلم أنّ معرفة الله غاية المعارف ، ومعرفة النبيّ والإمام مقدّمة له ، فكيف نوفّق بين هذا وبين قولهعليه‌السلام في الدعاء المأثور؟ وشكراً.

ج : إنّ معرفة البارئ تعالى غاية المعارف وأجلّها بلا إشكال وبلا خلاف عند الجميع ؛ ولكن هذه المعرفة لا تتمّ ولا تكمل إلاّ من طريق معرفة الأنبياء والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ؛ لأنّهم أبواب معرفة الله تعالى ، كما جاء في أحاديث مختلفة ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى ، فإنّ الأصل في جميع هذه المعارف هو التوحيد ومعرفة الله سبحانه ، إذ لا تعقل معرفة النبوّة والإمامة إلاّ من بعد معرفته جلّ وعلا.

وبعبارة واضحة : فإنّ معرفة الإمامعليه‌السلام فرع معرفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعرفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فرع معرفة الله تعالى.

والنتيجة : أنّ المعرفة الإجمالية للتوحيد لا تتوقّف على أيّة معرفة أُخرى ، بل هي من جانب الله تعالى ، ومن هذه المعرفة تنشأ معرفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنها معرفة الإمامعليه‌السلام .

ثمّ إن أردنا المعرفة التفصيلية لله تعالى ـ في حدود استيعاب عقول الممكنات ـ يجب علينا مراجعة الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، لأنّهم خلفاء الله سبحانه في أرضه

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢٧١.

٢ ـ الكافي ١ / ٣٣٧.

٥٠٣

وعباده ، فالعلم والمعرفة التامّة قد أودعها عندهم ، فهم السبيل والصراط إلى الله تعالى.

وبالجملة ، فهنا مرحلتان : إحداهما : من معرفة البارئ إلى معرفة الإمامعليه‌السلام ، وهذه هي المعرفة الإجمالية.

وثانيهما : من معرفة الإمامعليه‌السلام إلى معرفة الله تعالى ، وهذه هي المعرفة التفصيلية.

فلو نظرنا إلى الأحاديث والروايات الواردة في العقائد والمعارف الإلهيّة ، لخرجنا بهذه النتيجة ؛ فإنّ منها ما تشير إلى المعرفة الإجمالية ، ومنها ما تدلّ على المعرفة التفصيلية.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ الدعاء المذكور هو في مقام تبيين وتوضيح المرحلة الأُولى من المعرفة ، وهي المعرفة الإجمالية.

( حسن رضائي ـ ـ )

في مراقد الأئمّة :

س : يقول مخالفوا أهل البيت : بأنّ الشيعة مشركون ؛ لأنّهم يدعون من غير الله ، ويطلبون حوائجهم من أئمّتهم ، فما هو الجواب؟

ج : إنّ الدعاء في مراقد أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وطلب قضاء الحاجة منهم ، يتصوّر على نحوين :

١ ـ تارة نطلب من الله بحقّهمعليهم‌السلام أن يقضي حوائجنا.

٢ ـ وتارة نطلب من الإمامعليه‌السلام أن يطلب من الله قضاء حوائجنا.

قال الله تعالى في كتابه الكريم :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (١) .

وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوبعليه‌السلام :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا

____________

١ ـ النساء : ٦٤.

٥٠٤

إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١) .

وربما قائل يقول : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى.

فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ أتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.

وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضريراً أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أدع الله أن يعافيني ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن شئتَ دعوتُ لك ، وإن شئتَ أخّرت ذاك فهو خير ) ، قال : فادعه ، فأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فتُقضى لي ، اللهم شفّعه فيّ ).

قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرر )(٢) .

وقال الرفاعي الوهابيّ المعاصر : ( لاشكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلا شكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله ).

وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي )(٣) .

____________

١ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٣٨ ، المستدرك ١ / ٣١٣ و ٥١٩ و ٥٢٦ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٦ / ١٦٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٢٢٦ ، العهود المحمّدية : ١١٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٦ / ٢٤ ، تهذيب الكمال ١٩ / ٣٥٩ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٣٢٢ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٤٩.

٣ ـ المستدرك ٢ / ٦١٥ ، كنز العمّال ١١ / ٤٥٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٧ / ٤٣٧ ، البداية والنهاية ١ / ٩١ و ٢ / ٣٩٣ ، السيرة النبويّة لابن كثير ١ / ٣٢٠ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٣٧ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٨٥ و ١٢ / ٤٠٣ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٨.

٥٠٥

هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّ وبعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله على التوسّل به وبالأولياء الصالحينعليهم‌السلام ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.

( ـ البحرين ـ )

يستحبّ بالخاتم العقيق أو الفيروزج :

س : يستحبّ في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادقعليه‌السلام : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزّ وجلّ أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق )(٢) .

ولقولهعليه‌السلام : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله سبحانه : إنّي لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة )(٣) .

السؤال : ما هو السرّ في هذا الحجر الذي يستحبّ أن يُدعى به؟

ج : إنّ جميع الأحكام الشرعيّة ومنها المستحبّة لا يستطيع الفقهاء إدراك العلل الواقعية لها ، إذا لم يكن مصرّحاً بها عن النبيّ وآلهعليهم‌السلام ، وقد وردت الروايات الكثيرة التي تحبّذ التختّم بالعقيق والفيروزج وغيرهما ، والفقهاء تبعاً لتلك الروايات يفتون باستحباب التختّم بالعقيق والفيروزج.

وما ورد عنهمعليه‌السلام من صفات هذه الأحجار الكريمة ، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : (يا علي تختم فإنّها فضيلة من الله عزّ وجلّ للمقرّبين ) ، قال : (بم أتختم يا رسول الله )؟ قال : (بالعقيق الأحمر فإنّه أوّل جبل أقرّ لله تعالى بالربوبية ، ولي بالنبوّة ، ولك بالوصية ، ولولدك بالإمامة ، ولشيعتك بالجنّة ، ولأعدائك بالنار )(٣) .

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : (تختّموا بالعقيق وهو الجبل الذي

____________

١ ـ ثواب الأعمال : ١٧٤.

٢ ـ بحار الأنوار ٩٠ / ٣٢١.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٧٤.

٥٠٦

كلّم الله عزّ وجلّ عليه موسى تكليماً )(١) .

وعن بشير الدهّان قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : جعلت فداك ، أيّ الفصوص أفضل أركبه على خاتمي؟ فقال : ( يا بشير ، أين أنت عن العقيق الأحمر ، والعقيق الأصفر ، والعقيق الأبيض ، فإنّها ثلاثة جبال في الجنّة.

فأمّا الأحمر فمطلّ على دار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا الأصفر فمطلّ على دار فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأمّا الأبيض فمطلّ على دار أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والدور كلّها واحدة

وإنّ هذه الجبال تسبّح الله وتقدّسه وتمجّده ، وتستغفر لمحبّي آل محمّدعليهم‌السلام )(٢) .

وأنّ الولاية عرضت على الجبال ، فأوّل جبال أقرّت بذلك ثلاثة جبال : العقيق ، وجبل الفيروزج ، وجبل الياقوت ، فلعلّ هذه الصفات أعطت ميزة لهذه الأحجار على غيرها.

فخصّها الله بخصائص ، وضّحها لنا الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام ، ومن تلك الخصائص استجابة الدعاء لمن يتختّم بها حال الدعاء ، والأمر كلّه راجع إلى الأُمور الغيبية التي نأخذها من الروايات ، ولم يستطع العقل البشري لحدّ الآن من الولوج في هذا المضمار.

( زيد ـ ـ )

يستحبّ الإلحاح فيه :

س : تحية عطرة إلى كلّ العامليّن بهذا الموقع الرائع.

أودّ من سماحتكم الإجابة على هذا السؤال : ما الغاية من تكرار الدعاء

____________

١ ـ مكارم الأخلاق : ٨٧.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٣٨.

٥٠٧

نفسه في عدّة فترات ، مع أنّ الله تعالى يسمع ، وفّقكم الله تعالى في خدمة أهل البيت عليهم‌السلام .

ج : ورد في كثير من الأحاديث استحباب الإلحاح في الدعاء ، الذي هو عبارة عن تكراره ، ويمكن أن يقال في تفسير الإلحاح في الدعاء عدّة أُمور :

أوّلاً : أنّ الدعاء هو نوع من الرابط الروحي بين العبد وربّه ، وكلّما تكرّر الدعاء وصار فيه نوع من الإلحاح ، كلّما زاد هذا الرابط بين العبد وربّه.

ثانياً : أنّ الدعاء هو نوع من ترويض النفس على طاعة ربّ العالمين والاجتناب عن معاصيه ، وفي تكراره والإلحاح فيه وصول بالنفس إلى أن تكون لها ملكة الطاعة ، والبعد عن المعصية.

ثالثاً : ذكرت عدّة شروط لاستجابة الدعاء ، فإذا لم تتحقّق شروط الاستجابة لم يستجب الدعاء ، فعلى العبد أن يكرّر الدعاء ويلحّ فيه ، لعلّ دعاءه تتحقّق فيه شروط الاستجابة التي من أهمّها صفاء النيّة والإخلاص ورقّة القلب.

٥٠٨

الذبح عند القبور :

( سيف الإسلام ـ السعودية ـ سنّي )

ليس فيه محذور :

س : هل يجوز الذبح للقبور؟

ج : لا يجوز عندنا الذبح للقبور ، كما لا يجوّزه أحد من المسلمين.

وأمّا الذبح لله تعالى عند القبور ـ لوفاء نذر وشبهه ـ فهذا جائز ، وليس فيه محذور ، لأنّ الذبح حصل لله تعالى ، فلا يحصل الخلط بين المسألتين.

وكذلك يأتي الفرق بين من تقرّب للقبر ونحوه ، وبين من تقرّب لله عزّ وجلّ في مسجد ، أو عند قبر نبيّ من الأنبياءعليهم‌السلام ، أو ولي من الأولياء ، فهو تقرّب لله عزّ وجلّ في أماكن يحبّ الله أن يتقرّب له فيها.

( إبراهيم ـ الكويت ـ )

ذبائح الحسين جائزة الأكل :

س : بارك الله فيكم ، يقال : لا يجوز أكل طعام الحسين الذي يصنع ويوزّع في المساجد والحسينيات عندنا ، فكيف ذلك والناس تأكل منه؟

ج : الطعام الذي يصنع ويوزّع في المناسبات الدينية ـ كإحياء مجالس أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ـ جائز وليس بمحرّم ، بل أكثر من هذا الناس تأكله بنية الشفاء والعافية ، باعتبار أنّه طعام منسوب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، فيتبرّكون به.

والذي يقول بحرمته وعدم جواز أكله حصل له تصوّر خاطئ ، إن لم نقل

٥٠٩

جهل بالحكم الشرعيّ ، فتصوّر أنّ الطعام الذي يعطى باسم الحسينعليه‌السلام مصنوع من لحم مذبوح لغير الله تعالى ، لأنّه مذبوح للحسينعليه‌السلام ، وكلّ مذبوح لغير الله تعالى لا يجوز أكله ، بل أكله محرّم.

والواقع والحقيقة أنّ المذبوح ذبح لله تعالى وبالطريقة الشرعيّة الجائزة ، من التسمية عليه واستقبال القبلة ، ولكن باسم الإمام الحسينعليه‌السلام أيّ لأجل الحسينعليه‌السلام ، كما نذبح الذبيحة لقدوم الحاج ، فهو ذبح لله ، وهكذا ذبح الذبيحة لشراء بيت ، أو لمولود جديد كما في العقيقة ، فهذا كلّه لله تعالى جائز أكله ، ولا نقصد منه التقرّب به لغير الله.

( ـ السعودية ـ ٢٧ سنة )

شرك عند الوهابيّة :

س : لماذا تكفّرنا الوهابيّة عند ذبحنا الأضحية عند قبور الأئمّة عليهم‌السلام ؟ وفّقكم الله لكلّ خير ، وشكراً.

ج : لقد كفّر الوهابيّة المسلمين ، ونسبوهم إلى الشرك ، بزعمهم : أنّهم يذبحون وينحرون للأموات والقبور ، ويقرّبون لها القرابين ، وأنّ ذلك كالذبح والنحر للأصنام ، الذي كانت تفعله أهل الجاهلية الموجب للشرك.

ونقول : النحر والذبح قد يضاف لله تعالى ، فيقال : ذبح لله ونحر لله ، ومعناه : أنّه نحر لوجهه تعالى امتثالاً لأمره ، وتقرّباً إليه ، كما في الأضحية بمنى وغيرها ، والفداء في الإحرام ، والعقيقة وغير ذلك ، وهذا يدخل في عبادته تعالى.

وقد يضاف إلى المخلوق ، فيقال : ذبحت الدجاجة للمريض ، أو ذبحت الشاة للضيف ، وهذا لا محذور فيه.

وأمّا النوع الذي لا يجوز أو يعدّ شركاً هو ما يضاف إلى المخلوق بقصد التقرّب إليه ، كما يتقرّب إلى الله طلباً للخير من المخلوق ، مع كون هذا

٥١٠

المخلوق حجراً وجماداً لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يعقل ولا يسمع ، سواء كان تمثالاً لنبيّ أو شخص صالح أو غير ذلك ، ويذكر اسم المخلوق على المنحور والمذبوح ، ويعرض عن اسم الله تعالى ، فيجعله نظيراً لله تعالى وندّاً له ، ويطلى بدم المنحور أو المذبوح قصد التقرّب إليه ، مع كون ذلك عبثاً ولغواً نهى عنه الله تعالى ، كما كان يفعل المشركون مع أصنامهم ، وهذا قبيح منكر بل شرك وكفر ، سواء سمّي عبادة أو لا.

وهذا ما توهّم الوهابيّة أنّ المسلمين يفعلون مثله للأنبياء والأوصياء والصلحاء ، فينحرون ويذبحون لهم عند مشاهدهم أو غيرها ، ويقرّبون لهم القرابين كما كان عبدة الأصنام والأوثان يفعلون ذلك بأصنامهم وأوثانهم ، وهو توهّم فاسد.

فإنّ ما يفعله المسلمون لا يخرج عن الذبح والنحر لله تعالى ؛ لأنّه يقصد إنّي أذبح هذا في سبيل الله لأتصدّق بلحمه وجلده على الفقراء مثلاً ، وأهدي ثواب ذلك لصاحب المشهد.

والذبح الذي يقصد به هذا ، يكون راجحاً وطاعةً لله تعالى وعبادة له ، سواء أهدي ثواب ذلك لنبيّ أو وليّ ، أو أب أو أُمّ ، أو أيّ شخص من سائر الناس ، ونظيره من يقصد إنّي أطحن هذه الحنطة لأعجنها وأخبزها وأتصدّق بخبزها على الفقراء ، وأهدي ثواب ذلك لأبوي ، فأفعاله هذه كلّها طاعة وعبادة لله تعالى لا لأبويه.

ولا يقصد أحد من المسلمين بالذبح لنبيّ أو غيره ما كانت تقصده عبدة الأوثان من التقرّب إليها بالذبح لها ، ولا يفعل ما كانت تفعله من ذكر اسمها على الذبيحة والإهلال بها لغير الله ، وطليها بدمها مع نهي الله تعالى لهم عن ذلك ، ولو ذكر أحد من المسلمين اسم نبيّ أو غيره على الذبيحة لكان ذلك عندهم منكراً وحرّمت الذبيحة.

فليس الذبح لهم بل عنهم ، بمعنى أنّه عمل يهدى ثوابه إليهم ، كسائر أعمال

٥١١

الخير ، أو لهم باعتبار ثوابه ، ولذلك لا ينافيه قولهم : ذبحت لفلان ، أو أُريد أن أذبح لفلان ، أو عندي ذبيحة لفلان ، لو فرض وقوعه ، فالمقصود في الكلّ كونها له باعتبار الثواب ، وهذا كما يقال : ذبحت للضيف أو للمريض أو نحو ذلك.

والحاصل : أنّ المسلمين لا يقصدون من الذبح للنبيّ أو الولي غير إهداء الثواب ، أمّا العارفون منهم ، فحالهم واضح في أنّهم لا يقصدون غير ذلك ، وأمّا الجهّال فإنّما يقصدون ما يقصد عرفاؤهم ولو إجمالاً ، حتّى لو فرض وقوع إضافة الذبح إلى النبيّ أو الولي ، فليس المقصود إلاّ كون ثوابها له ، لا يشكّ في ذلك إلاّ معاند.

ولو سألنا عارفاً أو عامّياً أيّاً كان : هل مرادك الذبح لصاحب المشهد تقرّباً إليه ، كما كان المشركون يذبحون لأصنامهم؟ أو مرادك إهداء الثواب له؟ لقال : معاذ الله أن أقصد غير إهداء الثواب ، ولو فرضنا أنّنا شككنا في قصده أو خفي علينا وجه فعله ، لما جاز لنا أن نحمله إلاّ على الوجه الصحيح ، لوجوب حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحّة حتّى يعلم الفساد ، ولم يجز لنا أن ننسبه إلى الشرك ، ونستبيح دمه وماله وعرضه بمجرّد ظنّنا أنّ قصده الذبح لها كالذبح للأصنام.

٥١٢

رؤية الله تعالى :

( المستجير بالله ـ السعودية ـ )

ممكنة بالرؤية القلبية :

س : كيف يرى الله بالرؤية القلبية؟ لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : ( ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره ) (١) .

ج : إنّ الرؤية على قسمين : رؤية مادّية حسّية بصرية ، ورؤية معنوية قلبية عقلية.

أمّا بالنسبة إلى القسم الأوّل : فالله تعالى منزّه عن الرؤية المادّية الحسّية البصرية ، لقوله تعالى :( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) (٢) ، ولقوله تعالى لموسىعليه‌السلام :( لَن تَرَانِي ) (٣) ، ولقول أمير المؤمنينعليه‌السلام لذعلب اليماني : ( لا تدركه العيون بمشاهدة العيان )(٤) ، يعني : أنّ رؤيته ليست بالعين وبمشاهدة القوّة البصرية الجسمانية ، فإنّ هذه غير جائزة على الله تعالى ، لما يستلزمه من الجسمية والمكانية والجهتية وغيرها ، والله تعالى منزّه عن ذلك لقوله :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (٥) .

____________

١ ـ الكافي ١ / ٩٨.

٢ ـ الأنعام : ١٠٣.

٣ ـ الأعراف : ١٤٣.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٦٤.

٥ ـ الشورى : ١١.

٥١٣

وأمّا بالنسبة إلى القسم الثاني : وهو الرؤية المعنوية القلبية العقلية ، وهي أن ينتقل بنا العقل من معلوم إلى مجهول ، ومن شاهد محسوس إلى شاهد غائب.

فلقد رأت العيون الخلق ، وحكم العقل وجزم بوجود الخالق ، واعتقد القلب وآمن ، وهذا ما عناه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله لذعلب : (تدركه القلوب بحقائق الإيمان ) ، أي آمن القلب حقّاً وواقعاً ؛ لأنّه رأى بعين الحسّ والعقل.

وبعبارة أُخرى : تدركه القلوب ـ أي تدركه العقول الصافية عن ملابسة الأبدان ـ بحقائق الإيمان ، أي بالأنوار العقلية الناشئة من الإيمان القوي ، والعلم والإذعان الخالص بوجود الباري عزّ وجلّ ، وأنّ الإيمان إذا اشتدّ يصبح مشاهدة قلبية ورؤية عقلية.

ولا يخفى أنّ إدراك القلوب فوق إدراك العيون ، لعدم وقوع اللبس والاشتباه في إدراكها بخلاف إدراك العيون ، فيقع اللبس والاشتباه فيها كثيراً ، ولبعضهم : لئن لم تَرَكَ العينُ فقد أبصركَ القلبُ.

والخلاصة : أنّ الإنسان المؤمن إذا وصل إلى أعلى مراتب الإيمان ، بحيث حصل له القطع واليقين والعلم المتين بوجود الخالق العظيم ، من خلال الآثار والحقائق والآيات الدالّة عليه ، سوف يرى الله تعالى ـ بقلبه ووجدانه وعقله المذعن الخالي عن المادّيات ، والصافي من الشكوك والأوهام ـ رؤية نورانية معنوية.

( ـ البحرين ـ )

مستحيلة دنياً وآخرة :

س : ما هو برهانكم بعدم رؤية الله في الآخرة؟

ج : إنّ القول بجواز الرؤية على الله تعالى فيه التزامات مستحيلة عليه ـ تعالى عنها علوّاً كبيراً ـ منها : القول بالتجسيم في حقّه ، والجهة ، وأنّه ذو أبعاد ، والمحدودية ، والتناهي ، وأنّه ذو أجزاء وأبعاض.

٥١٤

فلذا امتنع القول برؤيته مطلقاً ـ في الدنيا والآخرة ـ ولابدّ من طرح جميع ما ظاهره جواز وإمكان الرؤية ، أو تأويله لمخالفته للعقل والنقل الصحيح.

واليك تفصيل الكلام :

١ ـ إنّ الرؤية إنّما تصحّ لمن كان مقابلاً ـ كالجسم ـ أو ما في حكم المقابل ـ كالصورة في المرآة ـ والمقابلة وما في حكمها ، إنّما تتحقّق في الأشياء ذوات الجهة ، والله منزّه عنها ، فلا يكون مرئياً.

٢ ـ إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشّعة من المرئي إلى أجهزة العين ، وهو يستلزم أن يكون سبحانه جسماً ذا أبعاد.

٣ ـ إنّ الرؤية إمّا أن تقع على الذات كلّها ، أو على بعضها ، فعلى الأوّل يلزم أن يكون المرئي محدوداً متناهياً ، وعلى الثاني يلزم أن يكون مركّباً ذا أجزاء وأبعاض ، والجميع مستحيل في حقّه تعالى.

( سامي العبسي ـ البحرين ـ سنّي )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : هناك تعليق عمّا قرأته عن رؤية الله تعالى المستحيلة عندكم :

أوّلاً : في النقاط التي استدللتم بها عن عدم إمكانية رؤية الله في الدار الآخرة.

١ ـ ما معنى قوله تعالى :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (١) ، ما المراد بالنظر هنا؟

٢ ـ قولكم : إنّ الرؤية لا تتحقّق إلاّ بانعكاس الأشعة من المرئي قوله تعالى :( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) (٢) ، هل كانت الرؤيا هنا بانعكاس الأشعة؟

____________

١ ـ القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.

٢ ـ الصافّات : ١٠٢.

٥١٥

٣ ـ قولكم : إنّ الرؤية إنّما تقع على الذات كلّها أو بعضها قال الرسول متحدثاً عن الجنّة : ( فيها ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ، فهل تقولون لما لا تستطيع عقولكم أن تتخيّله هو مستحيل الوقوع؟ وجزى الله خيراً من تعلّم العلم واتبع أحسنه.

ج : إنّ موضوع عدم إمكانية رؤية الله تعالى لا يخالجه شكّ ، فلابأس الانتباه للنقاط التالية :

١ ـ إنّ الأدلّة العقليّة القائمة في المقام ، لا ينبغي المناقشة فيها ، إذ القاعدة العلميّة في هذه الأدلّة أن تناقش بوجوه علميّة وعقلية لا بأمثلة قابلة للتأويل.

وبيانه : أنّ الرؤية المادّية تستلزم لا محالة تحديد المرئي ، وهذا يتطلّب تمييز المورد المشاهد بالعيان ، والتمييز يترادف مع إفراز المرئي والمشاهد في الخارج ، وهذا هو الجسمية بعينها ، وهو مردود عقلاً ونقلاً ، إذ فيه التزام بافتقار الجسم إلى مكان وزمان( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) (١) .

فحذراً من هذه الملازمات الباطلة ، يجب علينا الاعتقاد بعدم إمكانية رؤيته جلّ وعلا.

٢ ـ إنّ الآية التي ذكرتها لم تصرّح بالرؤية المادّية ، بل هي قابلة للتأويل من حيث احتمال النظر إلى آلاء الله تبارك وتعالى ، أو ثوابه وما شابه ذلك ، وبما أنّ الأدلّة العقلية الدالّة على استحالة طروّ المواصفات المادّية على الباري عزّ وجلّ هي أدلّة ثابتة ومسلّمة ، فيجب صرف ظهور معنى الرؤية في الآية ، إلى المعاني التي لا تنافي تلك الأدلّة العقلية ، من رؤية أمر الله ، أو نعمه أو عظمته ، وأمثال ذلك.

وهذا التفسير والتأويل متّفق عليه عند الشيعة ، وعليه علماء المعتزلة من أهل السنّة.

والغريب في المقام ما صدر عن البعض ـ كالرازيّ والقرطبيّ ـ عند تفسيرهم

____________

١ ـ الأنعام : ١٠٠.

٥١٦

الآية :( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (١) ، إذ يأتون بأدلّة متعدّدة على استحالة مجيء الربّ عزّ وجلّ يوم القيامة بنفسه وهيكله ، لامتناع الجسمية والتحوّل والتحرّك وغيرها عليه ، وفي نفس الوقت يؤيّدون رؤيته تعالى يوم القيامة ، بآية :( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (٢) ، اعتماداً على روايات مردودة سنداً أو دلالةً ، أليس هذا تهافتاً واضحاً في كلام هؤلاء؟

٣ ـ وأمّا بالنسبة لآية( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) ، فإنّها لم تعبّر عن الرؤية المادّية المحسوسة في اليقظة ـ والكلام في هذا الفرض ـ والشاهد على ما نقول هو :( فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ) (٣) ، إذ ليس المقصود النظرة والرؤية بالعين ، بل بمعنى إبداء الرأي في الموضوع.

وبعبارة واضحة : أنّ إبراهيمعليه‌السلام كان يريد أن يذكر لابنه إسماعيلعليه‌السلام بنزول الوحي في المنام بذبحه ، والدليل الواضح جواب إسماعيل :( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) (٤) ، فإنّه يدلّ على ورود الوحي ، ولو في الرؤيا.

وعلى كلّ ، فإنّ الكلام في امتناع رؤية الله عزّ وجلّ بالرؤية البصرية ، والآية لا تدلّ على إمكانية الرؤية المذكورة بدون انعكاس الضوء وتمييز المرئي.

٤ ـ ليس هناك أيّ تناقض بين لزوم وقوع الرؤية بالبصر على المرئي كلّه أو بعضه ، وتشخيصه وتمييزه عمّا سواه ، وبين الرواية التي ذكرت فيها صفة الجنّة بأنّ ( فيها ما لا عين رأت ) ، فإنّ الحديث يذكر عظمة أنعم الله تعالى في الجنّة ، بأنّ فيها نعم ظاهرة وباطنة لم تراها أعين البشر في الدنيا ، فأين هذا من جواز رؤية الله عزّ وجلّ في الآخرة؟!

____________

١ ـ الفجر : ٢٢.

٢ ـ القيامة : ٢٣.

٣ ـ الصافّات : ١٠٢.

٤ ـ الصافّات : ١٠٢.

٥١٧

هذا ، وإن كان مقصودك في هذه الفقرة ، من أنّنا نحكم باستحالة ما لا تستوعبه عقولنا ، فهذا خطأ واضح ، وقد خلط عليك الأمر ، بل إنّنا ـ وبمعونة العقل والشرع ـ نحكم باستحالة وامتناع الرؤية المادّية ، والمشاهدة بالعيان بالنسبة لله عزّ وجلّ مطلقاً ، لملازمتها التوالي الفاسدة والباطلة من الجسمية والتمييز و

أي أنّ لنا دليلاً على عدم إمكان الرؤية ، لا أنّنا حكمنا في المقام لعدم الظفر بأدلّة الرؤية حتّى تأتينا ـ مثلاً ـ بأحاديث الرؤية.

فالموضوع دقيق وخطير ، ويحتاج إلى تأمّل منك ، حتّى تتجلّى لك الحقيقة بصورة واضحة ، فإنّ الأحكام العقلية البحتة غير قابلة للمناقشة ، وإلاّ لبطلت كافّة الأدلّة العقلية والنقلية ، فمثلاً هل تناقش الذي حكم ( ١ + ١ = ٢ ) بأنّه يمكن أن يكون الجواب (٣) ، حتّى ولو لم يستوعبه عقلك؟!

إذ يردّك بأنّ الدليل قائم على المسألة بما لا ريب فيه ، فمن أين أتيت بحكم يخالف العقل؟ أليس هذا أيضاً حكماً عقلياً؟ فأين تذهبون.

وبالجملة : فالقاعدة العامّة أن نحكم بعدم إمكان رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة ، لا لعدم وجود الدليل على الرؤية ، بل لقيام الدليل على استحالتها وامتناعها.

( ريما الجزائريّ ـ البحرين ـ )

ورؤية الملكوت رؤية قلبية :

س : أسألكم عن كيفية رؤية الملكوت؟

ج : إنّ رؤية الملكوت هي رؤية القلب ، التي هي من آثار اليقين ، كما تشير إليه الآية في رؤية إبراهيمعليه‌السلام لملكوت السماوات والأرض( وَكَذَلِكَ نُرِي

٥١٨

إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (١) ، فاليقين والإيقان هو طريق لهذه الرؤية.

( حسين ـ السعودية ـ ٣٤ سنة ـ خرّيج جامعة )

لموسى كانت بطلب من قومه :

س : في قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) (٢) ماذا كان يريد نبيّ الله موسى عليه‌السلام ؟

ج : كان نبيّ الله موسىعليه‌السلام يطلب ما ألحّ به قومه عليه ، من أن يريهم الله جهرة ، وهو يعلم أنّ الرؤية لا تجوز على الله تعالى.

فعن الإمام الرضاعليه‌السلام في نقله للقصّة : ( فقال موسى : يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ، ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله ، فقال موسىعليه‌السلام : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى سلني ما سألوك ، فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى :( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) )(٣) .

( عبد السلام. هولندا. سنّي )

يوم القيامة مستحيلة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة الممتازة ، وأرجو من الله أن يوفّقكم.

سؤالي هو بخصوص رؤيتنا لله يوم القيامة ، حيث يعتقد المسلمون من أهل السنّة : أن ستكون لنا امتيازات أُخرى تسهّل لنا رؤية الله ، وأنّ الله عبارة عن جسم ، ولكن مختلف عن أجسامنا ، ولا يجوز أن نتطرّق إلى هذه النقطة ،

____________

١ ـ الأنعام : ٧٥.

٢ ـ الأعراف : ١٤٣.

٣ ـ التوحيد : ١٢٢.

٥١٩

فماذا تردّون على هذا الكلام؟

ج : قد ثبت بالأدلّة العقلية والنقلية استحالة رؤية الله تعالى ؛ لأنّه ليس بجسم ، إذ الجسمية تستلزم المحدودية ، وهي تستلزم النقص ، وكلّ ذلك من ملازمات الممكن ، والله واجب الوجود ، فلا يمكن رؤيته في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى :( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) (١) .

أمّا الرؤية القلبية ، فهي ثابتة لمن توصّل إلى المقامات العالية في معرفة الله تعالى ، كما قال الإمام عليعليه‌السلام : ( ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان )(٢) ، وعليه تحمل بعض الآيات والروايات التي فيها إشارة إلى رؤية الله تعالى.

( أبو علي سجّاد ـ السعودية ـ )

لم تتحقّق لموسى :

س : لديّ تساؤل بسيط حول موضوع التجسيم الذي لا نعتقده ، ولكن هناك آية صريحة في القرآن حول مطالبة نبيّ الله موسىعليه‌السلام رؤية الله ، فهل كان اعتقاد موسى بالتجسيم؟ وكيف تجلّى الله عزّ وجلّ للجبل؟

وفي الختام ، تحياتي للجميع ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ النبيّ موسىعليه‌السلام يعتقد بعدم إمكان رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ لأنّه يلزم منه التجسيم ، وسؤالهعليه‌السلام عن رؤية المولى عزّ وجلّ لم يكن بدافع من نفس موسىعليه‌السلام ، بل بضغط من قومه.

نذكر لكم رواية واحدة عن الإمام الرضاعليه‌السلام تؤيّد ما نقوله : قال علي بن محمّد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وعنده الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟ قال : (بلى ) ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما

____________

١ ـ الأنعام : ١٠٣.

٢ ـ الكافي ١ / ٩٨.

٥٢٠