موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 245504
تحميل: 5301


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245504 / تحميل: 5301
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

جهتين مختلفتين ، ولا على وصفين متضادين

ثمّ إن ثبت تاريخيّاً أنّ هناك حصلت مبايعة قهرية ـ كمسح يد أبي بكر على يد أمير المؤمنينعليه‌السلام المقبوضة ـ فلا تدلّ على شيء كما هو واضح

فثبت بما بيّناه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه )(١) .

( علي البصريّ ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب ثانوية )

بيعة الشجرة :

س : هل بيعة العقبة الأُولى هي بيعة الشجرة؟ وما قصّة بيعة الشجرة؟

ج : كلاّ ، ليست بيعة العقبة الأُولى هي بيعة الشجرة.

لأنّ بيعة العقبة الأُولى ـ والتي يقال لها : بيعة النساء أيضاً ـ هي أوّل بيعة أخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين الأنصار ، الذين أسلموا في المدينة المنوّرة ، وهم يزيدون على العشرة ، وكانت بيعتهم بمنى على الإسلام.

وقد أخبر عنها عبادة بن الصامت فقال : ( بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب ، على ألا نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف )(٢) .

وأمّا بيعة الشجرة ـ والتي يقال لها : بيعة الرضوان لقوله تعالى :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (٣) ـ هي البيعة الثالثة ، التي أخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين ، وهم يزيدون على ألف وثلاثمائة ، وكانت بيعتهم تحت الشجرة

____________

١ ـ الفصول المختارة : ٥٦.

٢ ـ سبل الهدى والرشاد ٣ / ١٩٧.

٣ ـ الفتح : ١٨.

٤١

في الحديبية ـ سنة سبع من الهجرة ـ على الموت ، أو على ألاّ يفرّوا.

وذلك عندما ندبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العمرة ، فخرجوا محرمين للعمرة ، ولما صدّتهم قريش عن بيت الله الحرام ، وتهيّأت لقتالهم ، تبدّلت السفرة من العمرة إلى القتال ، فكانت الحالة الثانية مخالفة لما انتدبهم إليها ، فاقتضت الحالة أن يأخذ منهم البيعة على العمل الجديد وغير المعهود ، وهو قتال المشركين ، ففعل ذلك ، فأعطت البيعة ثمرها في إرعاب أهل مكّة ، وعندها صالحوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( محمّد ـ المغرب ـ ١٥ سنة )

بيعة العقبة :

س : ما معنى بيعة العقبة؟

ج : بيعة العقبة هي بيعتان :

بيعة العقبة الأُولى ، أو بيعة النساء : هي أوّل بيعة أخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المسلمين الأنصار ، الذين أسلموا في المدينة المنوّرة ، وهم يزيدون على العشرة ، وكانت بيعتهم بمنى على الإسلام.

وقد أخبر عنها عبادة بن الصامت فقال : ( بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب ، على أن لا نشرك بالله شيئاً ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ).

وبيعة العقبة الثانية : حصلت في موسم حج السنّة الثالثة عشرة من البعثة ، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى الموسم ، فلقيه جماعة من الأنصار ، فواعدوه العقبة من أوسط أيّام التشريق.

قال كعب بن مالك : ( اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن سبعون رجلاً ، ومعهم امرأتان من نسائهم ، فبايعنا وجعل علينا اثنا عشر نقيباً منّا تسعة من

٤٢

الخزرج ، وثلاثة من الأوس ، ثمّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالخروج إلى المدينة ، فخرجوا إرسالاً ، وأقام هو بمكّة ينتظر أن يؤذن له )(١) .

وكانت مبايعتهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أن يمنعوه وأهله ، ممّا يمنعون منه أنفسهم ، وأهليهم وأولادهم ، وأن يؤوهم وينصروهم ، وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن يقولوا في الله ، ولا يخافوا لومة لائم.

( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي حنفيّ ـ ٢٠ سنة )

بيعة علي لأبي بكر كانت على الحقّ :

س : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) ، دعني أسألك تعليقاً على هذه الرواية ، هل كان علي مع الحقّ حين بايع أبا بكر بالخلافة؟ فإن قلت : لا ، فقد نقضت دليلك ، وإن قلت : نعم ، فأقول : ألا يسع الشيعة ما وسع علي؟

ج : إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي )(٢) ، أو : ( علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )(٣) ، أو : ( اللهم أدر الحقّ معه حيث دار )(٤) ، فهذه الأقوال وغيرها مع آية التطهير نستدلّ

____________

١ ـ بحار الأنوار ١٩ / ٢٤.

٢ ـ تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٤٩ ، الإمامة والسياسة ١ / ٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٣٤٣ ، كشف الغمّة ١ / ١٤٤.

٣ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤ ، المعجم الصغير ١ / ٢٥٥ ، المعجم الأوسط ٥ / ١٣٥ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ، فيض القدير ٤ / ٤٧٠ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٧ ، ينابيع المودّة ١ / ١٢٤ و ٢٦٩ و ٢ / ٩٦ و ٣٩٦ و ٤٠٣.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٣٦٧ و ١٠ / ٢٧٠ ، الجامع الصغير ٢ / ٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٤٣ ، فيض القدير ٤ / ٢٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٤٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٦٣ و ٤٢ / ٤٨٨ و ٤٤ / ١٣٩ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٧٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٨.

٤٣

بها نقلياً على العصمة.

وأمّا مبايعة أمير المؤمنينعليه‌السلام لأبي بكر بالخلافة ، فلا نخطّئ عليّاًعليه‌السلام في فعله ، لأنّه إمام معصوم ، وكلّ ما يفعله فيه مصلحة ، وليس يعني ذلك أنّه اعتقاده ، ودين الله وشرعه ، وإنّما فعله كان لمصلحة أكبر وأعظم من تركه للمسلمين في ذلك الوقت ، دون مشاركة منه في بيان حقّه ، وبيان شرع الله وأحكامه ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، والدعوة إلى الله وإلى المذهب الحقّ ؛ لأنّه رأى نفسه معزولاً عن الساحة ، والوجوه مكفهرّة غاضبة حاقدة لا يستطيع معها نشر الإسلام والنصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي من شروطه ـ كما هو معروف ـ أن تحتمل التأثير في المقابل.

وهذا كلّه مرويّ في البخاريّ ، لا من فهمنا ولا رواياتنا ، فقد روى البخاريّ عن عائشة رواية طويلة في ذيلها : ( وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر ، فدخل عليه أبو بكر ، فتشهد علي فقال : (إنا قد عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكن استبددت علينا بالأمر ، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصيباً ) ، حتّى فاضت عينا أبي بكر ـ ثمّ قال علي أمام المسلمين ـ : (ولكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستُبد علينا فوجدنا في أنفسنا ) ، فسّر بذلك المسلمون ، وقالوا : أصبت ، وكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف )(١) فأقرأ وتدبّر!!

وبيعة الإمامعليه‌السلام لمصلحة وخير الإسلام ، وخوفاً عليه بعد أن لم يكن له طريق آخر ، لا يخرج الأمر عن كونه حدث بالاضطرار ، فإنّهم اضطّروه بعد أن غصبوا حقّه ، ولم يجد طريقاً لأخذه إلاّ بضرر الإسلام ، فآثر المبايعة مع وقوع الظلم عليه خاصّة على ذهاب الإسلام كلّه.

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ٥ / ٨٢.

٤٤

وهذا لا يعني إطلاقاً أحقّية من نصّبوا أنفسهم خلفاء للمسلمين ، كما لا يعني صلح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المشركين في الحديبية أصحّية وأحقّية مشركي قريش ، فتأمّل.

ومن ذلك يظهر لك : أن لا معنى لسؤالك لنا ، بألاّ يسع الشيعة ما وسع علي!! فأنّ الكلام في أحقّية منصب الخلافة لمن يكون ، لا من تسنّم هذا المنصب فعلاً.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الأُمور اختلطت عليك نتيجة لما في ذهنك من عقائد أهل السنّة ، فتبني الإشكال عليها ، إذ نحن لا نعتقد أنّ الله تعالى أوكل أمر الخلافة والإمامة للناس ، حتّى إذا بويع أحدهم أصبح خليفة ، بل نعتقد أنّ أمر الإمامة والخلافة بيد الله وحده ، ليس لبشر خيرة فيه ، وعدم تسلّم الإمام زمام السلطة والحكم فعلاً لا يسقط حقّه منها ، كما أنّ عدم الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يلغي نبوّته ، فلاحظ وتأمّل!!

وبعبارة أُخرى : إنّا نقول : نعم إنّ عليّاً عندما بايع أبا بكر كان على الحقّ ، إذ إنّه بايعه مضطرّاً ومكرهاً حفظاً للإسلام ، ولا يعني ذلك أنّ الحقّ في الإمامة ذهب إلى أبي بكر ، أو أنّ الإمام أسقط حقّه وأعطاه لأبي بكر.

ونقول أيضاً : بعد أن ثبتت عصمة الإمامعليه‌السلام ، فإنّ كلّ أفعاله تكون صحيحة مطابقة لشرع الله ، فبعد أن ثبتت صحّة الحديث ( علي من الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) المثبت لعصمة الإمامعليه‌السلام ، يجب أن نحمل كلّ أفعاله على الصحّة ، لا أن نرد الحديث بفعل من أفعاله ، نظنّ نحن أنّه لم يكن فيه على صواب ، فإنّ هذا أكل من القفا.

( حسين حبيب عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

أُكره الإمام علي عليها :

س : هل الإمام عليعليه‌السلام بايع أبا بكر أم لم يبايع؟ وإذا بايع أفلا يعدّ ذلك اعتراف بخلافة أبي بكر؟

وهل يوجد من علماء المذهب من يقول إنّه بايع؟

٤٥

ج : لقد رفض الإمام عليعليه‌السلام البيعة لأبي بكر ، وبقي في بيته منشغلاً بجمع القرآن ، لكن عمر أصرّ على أن يبايع لأبي بكر ، وقال : والله لأحرقن عليكم البيت ، أو لتخرجن إلى البيعة ، وعندما وصل الإمامعليه‌السلام لأبي بكر مجبراً على ذلك : قال : (أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أُولى بالبيعة لي ) ، فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتّى تبايع ، فقال له علي : (ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه )(١) ، ثمّ انصرف عليعليه‌السلام إلى منزله ولم يبايع.

وبقي اتباع الخليفة يصرّون على أن يبايع الإمامعليه‌السلام ، فاضطرّ أخيراً لأن يضع يده في يد أبي بكر ، لكنّه وضعها مضمومة ، لكن القوم رضوا منه بتلك البيعة ، وأعلنوا في المسجد أنّ الإمام قد بايع ، ولقد كانت تلك البيعة بعد تهديد للإمامعليه‌السلام بالقتل وتهديد مسبق بحرق داره.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : (والله ما بايع علي عليه‌السلام حتّى رأى الدخان قد دخل عليه بيته )(٢) .

وأنّهعليه‌السلام كان يقول في ذلك اليوم لمّا أكره على البيعة :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٣) ويردّد ذلك ويكرّره.

من كلّ هذا نفهم أنّ الإمامعليه‌السلام لم يبايع عن رضا واختيار ، وأنّه كان مكرهاً على ذلك ، والبيعة بالإكراه لا تعطي أيّ شرعيّة لخلافة أبي بكر.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ١٢.

٢ ـ الكنى والألقاب ١ / ٣٨٧ ، الشافي في الإمامة ٣ / ٢٤١.

٣ ـ الأعراف : ١٥٠.

٤٦

التبرّك :

( الكويت ـ سنّي ـ )

تبرّك الصحابة بقبر النبيّ :

س : أخواني الكرام أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تُناقش ، فهي ليست فكرية إلى حدّ ما ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً إن شاء الله.

ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الآلاف من البشر في كلّ يوم ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ، ألا تعتبر أنّ هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ؟

وأنا أدعو الناس إلى زيارة القبور لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن ليس إلى أن توصل لعبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا؟

ج : نسأل الله تعالى لكم الموفّقية في التعرّف على مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ، ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن دليل وقناعة كافية.

وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد ولا شيعي واحد يعبد القبور ، وإنّما هو زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق التبرّك هو عبادة للقبر فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، وإنّما القائل

٤٧

بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّوا عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.

ونحن نذكر لكم بعض الصحابة الذين تبرّكوا بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتقفوا على الحقيقة.

١ ـ عن الإمام عليعليه‌السلام قال : ( لما رمس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاءت فاطمةعليها‌السلام فوقفت على قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخذت قبضة من تراب القبر ، ووضعته على عينها ، وبكت وأنشأت تقول :

ماذا على من شمّ تـربـة أحمد

أن لا يشمّ مـدى الزمـان غـواليـا

صُبّت عليَّ مصـائـب لو أنّهـا

صُبّت على الأيّام عدن ليـاليـا(١)

٢ ـ عن أبي الدرداء قال : ( إنّ بلالاً ـ مؤذّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ رأى في منامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : ( ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال )؟ فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ، ويمرّغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسينعليهما‌السلام فجعل يضمّهما ويقبّلهما )(٢) .

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ٢ / ٤١١ ، الشرح الكبير ٢ / ٤٣٠ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٣٧ ، الوفا بأحوال المصطفى : ٨١٩ ، وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٥ ، نظم درر السمطين : ١٨١ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٣٤ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٣٧ ، مشارق الأنوار : ٦٣.

٢ ـ نيل الأوطار ٥ / ١٨٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٧ / ١٣٧ ، أُسد الغابة ١ / ٢٠٨ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٥٨ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٨٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٥٩ ، مشارق الأنوار : ٥٧.

٤٨

٣ ـ عن الإمام عليعليه‌السلام قال : (قدم علينا إعرابي بعدما دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثة أيّام ، فرمى بنفسه على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحثا من ترابه على رأسه ، وقال : يا رسول الله قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل عليك : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (١) ، وقد ظلمت نفسي ، وجئتك تستغفر لي ، فنودي من القبر : أنّه قد غفر لك )(٢) .

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهمعليهم‌السلام فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ، ومنزلته من الله تعالى ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ، ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

( عباس ـ البحرين ـ )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : ذكرتم في الردّ على سؤال أحد الأخوان في باب تبرّك الصحابة بقبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عدداً من الأحاديث ، فهل هذه الأحاديث صحيحة عند أهل السنّة؟ كما أرجو ذكر المزيد منها ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لاشكّ أنّ بعض هذه الروايات قد صحّحها رواتها في كتبهم ، كما وقد ذكرها مجموعة أُخرى من علماء أهل السنّة في كتبهم ، ثمّ بالإضافة إلى هذه الروايات ، نذكر روايات وأقوال أُخرى دالّة على تبرّك الصحابة وغيرهم ، منها :

____________

١ ـ النساء : ٦٤.

٢ ـ كنز العمّال ٤ / ٢٥٩ الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٢٦٥ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٤٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٨١ و ٣٩٠.

٤٩

١ ـ عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوماً ، فوجد رجلاً واضعاً وجهه ـ جبهته ـ على القبر ، فأخذ مروان برقبته ، ثمّ قال : هل تدري ما تصنع؟

فأقبل عليه ‏ ، فإذا أبو أيّوب الأنصاريّ ، فقال : نعم جئت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم آتِ الحجر ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله )(١) .

٢ ـ عن إسماعيل بن يعقوب التيمي قال : ( كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه ، قال : وكان يصيبه الصمات ، فكان يقوم كما هو يضع خدّه على قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يرجع ، فعوتب في ذلك ، فقال : إنَّه ليصيبني خطرة ، فإذا وجدت ذلك ‏استشفيت بقبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان يأتي موضعاً من المسجد في الصحن ، فيتمرّغ فيه ‏ويضطجع ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّي رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الموضع ـ يعني في‏ النوم ـ )(٢) .

٣ ـ روى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي علي بن الصوف عنه ، قال ‏عبد الله : ( سألت أبي عن الرجل يمسُّ منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويتبرّك بمسِّه ويقبِّله ، ويفعل ‏بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى؟ قال : لابأس به )(٣) .

٤ ـ ذكر الخطيب ابن حملة : ( أنَّ عبد الله بن عمر كان ‏يضع يده اليمنى على القبر الشريف ، وأنَّ بلالاًرضي‌الله‌عنه وضع خدّيه عليه أيضاً.

ورأيت في كتاب العلل والسؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد ثمّ قال : ولاشكّ أنَّ الاستغراق في المحبّة يحمل على الإذن في ذلك ، والمقصود من ذلك كلّه الاحترام والتعظيم ، والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف

____________

١ ـ مسند أحمد ٥ / ٤٢٢ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥١٥ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٤٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٧٢٨ ، كنز العمّال ٦ / ٨٨ ، فيض القدير ٦ / ٥٠١ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٧ / ٢٤٩ ، دفع الشبه عن الرسول : ١٩٩ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٩٨ ، وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٤.

٢ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٦.

٣ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٤ ، العلل ‏٢ / ٤٩٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٩٨.

٥٠

في ‏حياته ، فأُناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يبادرون إليه ، وأُناس فيهم أناة يتأخّرون ، والكلّ محلُّ خير )(١) .

٥ ـ قال الشافعيّ الصغير محمد بن أحمد الرملي ـ ‏المتوفّى ١٠٠٤ هـ ـ في شرح المنها الجواب : ( ويكره أن يجعل على القبر مظلّة ، وأن يُقبَّل التابوت‏ الذي يُجعل فوق القبر واستلامه ، وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء.

نعم ؛ إنّ قصد التبرّك لا يكره كما أفتى به الوالد )(٢) .

٦ ـ الذهبيّ المعاصر لابن تيمية ، والذي يعترفون بإمامته ، فقد انتقد أصحاب هذا الرأي المتطرّف ، وسمّاهم المتنطعين وأتباع الخوارج ، وأفتى بأنّ تحريمهم للتبرّك بمنبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة!

قال في سير أعلام النبلاء : ( أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أنّ عبد الله سأل أباه عمّن يلمس رمانة منبر النبيّ ، ويمسّ الحجرة النبويّة؟ فقال : لا أرى بذلك بأساً؟! أعاذنا الله وإيّاكم من رأي الخوارج ، ومن البدع )(٣) .

٧ ـ قال البخاريّ : ( باب ما ذكر من درع النبيّ وعصاه ، وسيفه وقدحه وخاتمه ، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك ، ممّا لم يذكر قسمته ، ومن شعره ونعله وآنيته ، ممّا تبرّك أصحابه وغيرهم بعد وفاته )(٤) .

وغيرها من أقوال العلماء السنّة الدالّة على جواز التبرّك.

( خالد ـ ـ )

رأي الشيعة فيه :

س : ما هو رأيكم في التبرّك بالقبور؟

____________

١ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٥.

٢ ـ الغدير ٥ / ١٥١.

٣ ـ سير أعلام النبلاء ١١ / ٢١٢.

٤ ـ صحيح البخاريّ ٤ / ٤٦.

٥١

ج : من المعلوم لديك أنّ الأشياء تابعة لأسبابها وعللها ومناشئها ، وتكتسب الوصف المناسب لها بحسب الهدف والغاية منها.

وقضية التبرّك بالقبور لا تخرج عن هذه القاعدة ، فالقبر إنّما يكتسب الاهتمام وعدمه إذا سلّطنا الضوء على صاحب القبر ، فإنّ كان المدفون فيه عبداً كافراً فاسقاً ، فمن الطبيعيّ لا يصحّ التبرّك بقبره.

أمّا إذا كان عبداً مقرّباً عند الله تعالى ، ووليّاً من أوليائه ، أو نبيّاً ، أو ما شاكل ، فيكتسب القبر اهتماماً لأجل المدفون فيه.

ويصحّ التبرّك بالقبر لأجل صحّة التبرّك بصاحبه ، فقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصحّ التبرّك به ؛ لأجل أنّ المسلمين كانوا يتبرّكون به في حياته.

وكما قلنا : فإنّ الأشياء تابعة لمناشئها وعللها.

وقد تناقل المسلمون ـ شيعة وسنّة على السواء ـ صحّة التبرّك بالقبر وأمثاله ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : فقد نقل عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب العلل والسؤالات قال : ( سألت أبي عن الرجل يمسُّ منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويتبرّك بمسِّه ويقبِّله ، ويفعل ‏بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى؟ قال : لابأس به )(٢) .

( عاشق الحسين ـ الكويت ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعي )

بالأضرحة وربط الخرق الخضراء :

س : نسعد كثيراً ـ نحن أبناء المذهب الجعفريّ ـ بربط الخرق السوداء والخضراء في أيادينا وحاجياتنا الخاصّة ، دون أدنى معرفة بأصل هذه العادة ، ويسألنا أخوتنا كثيراً من أهل السنّة عن هذا الموضوع ، ولا نجيب بوضوح ، كيف نفسّر ذلك؟

ج : إنّ الشيعة بل المسلمين جميعاً ، يعتقدون بحياة الأولياء بعد الموت ،

____________

١ ـ وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٤ ، العلل ‏٢ / ٤٩٢ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٩٨.

٥٢

ودليلهم في ذلك أدلّة كثيرة ، منها قوله تعالى :( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ، هذا حال الشهداء ، فكيف بأئمّة آل البيتعليهم‌السلام فهم شهداء وأولياء.

فاعتقاد حياتهم ممّا لاشكّ فيه ولا ريب ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّهم يرون ويسمعون من زارهم ، ومن سألهم وهم في قبورهم ، هذه كرامة ومنزلة وهبها الله لهم تعظيماً لمقامهم وشرفهم.

ومن هنا ، فإنّ الشيعة يقفون على قبورهم ، ويسألون الله بحقّهم ، ويدعونه فيستجاب لهم ، فإنّ الله قد جعل لبعض الأماكن شرفاً ومنزلة ، فأحبّ أن يدعوه المؤمن في هذه الأماكن المقدّسة ، كما أحبّ أن يدعوه عند مساجده وبقاعه المشرّفة.

وبذلك فإنّ زائري قبورهم يستحصلون من قبورهم وضرائحهم البركة ، ويتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً ، لذا فإنّ أضرحتهم قد حلّت بها البركة ، وأنّ لهذه الأضرحة آثاراً كما لأجسادهم الشريفة ، فيجعلون ما مسّ أضرحتهم مورداً للاستشفاء بإذن الله تعالى ، وهذه الخرق السوداء والخضراء حينما تمسّ هذه الأضرحة ، يعتقد الناس ببركتها ، فتكون لهم حرزاً لطلب الشفاء مثلاً.

وهذه حالة من حالات اعتقاد الناس بحياة الأئمّةعليهم‌السلام بعد الموت ، فهم يتعاملون معهم أحياءً لا أمواتاً.

ولهذه الحالات نظائر قد حدثت في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّةعليهم‌السلام كذلك ، فالروايات تشير إلى أنّ خديجة بنت خويلدعليها‌السلام قد طلبت من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكفّنها ببردته تبرّكاً بها ، ولتحميها من هول المطّلع ، ومن القبر وحالاته ، وفعلاً فقد استجاب لذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفّنها ببردته(٢) .

وهذا زهير بن أبي سلمى خلع عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بردته فقبّلها متبرّكاً بها ،

____________

١ ـ آل عمران : ١٦٩.

٢ ـ شجرة طوبى ٢ / ٢٣٥.

٥٣

بعد أن مدحه بقصيدته التي سمّيت بالبردة.

والكميت الأسدي الشاعر المعروف ، حين ألقى قصيدته عند الإمام الباقرعليه‌السلام أعطاه الإمام مالاً ، فرفض الكميت أخذه وقال : ما مدحتكم للدنيا ، فإنّ جزائي أُريده من الله تعالى ، وطلب منه قميصه أن يعطيه تبرّكاً بهذا القميص الذي مسّ جسد الإمامعليه‌السلام ، وفعلاً فقد أعطى الإمام قميصه(١) .

ودعبل الخزاعي حين أنشد قصيدته عند الإمام الرضاعليه‌السلام ، قدّم الإمامعليه‌السلام له عطاءً جزيلاً فرفضه ، وطلب منه جبّته وقال : لتقيني من أهوال القبر يا بن رسول الله(٢) .

وفعلاً أعطاه جبّته ، فلمّا وصل بغداد كانت له جارية قد شكت عينها ، وأصابها العمى ، فمسح بفاضل جبّة الإمام على عينها ، فزال ما بها من ألمٍ وعمى.

كلّ هذه شواهد على إقرار الأئمّةعليهم‌السلام بما اعتقده شيعتهم.

مضافاً إلى ما كان عمر بن الخطّاب يتبرّك بالحجر الأسود ويقبّله(٣) ، مع أنّه حجر ، وضريح الإمام مشرّف بما حواه من جسد الإمامعليه‌السلام ، كما أنّ غلاف القرآن منزلته تأتي ممّا يحويه من كلام الله تعالى.

والذي نريد قوله : أنّ اعتقاد الشيعة بشرف هذه الأضرحة ، واستحصال البركة بكلّ ما يمسّ هذه الأضرحة من خرقة خضراء أو غيرها ، ويتمّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى لمنزلة هذا الإمام ، قد جعل سبب الشفاء والبركة لما يعتقده الإنسان بهذا الخرقة.

على أنّنا نودّ التنبيه إلى أنّ لفّ هذه الخرق ليس من الضروريّ أن تكون من ضرورات مذهبنا ، بل هي حالة اعتقادية يعتقدها الشيعة لحسن ظنّهم بالله ،

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٢٩.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٣٥٩.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٥١ ، صحيح البخاريّ ٢ / ١٦٢ ، صحيح مسلم ٤ / ٦٦.

٥٤

واعتقادهم بمنزلة الإمامعليه‌السلام ، ويمارسونها ليعطيهم الله ذلك على حسب ما يعتقدونه ، وليس في ذلك ما يخالف الكتاب أو السنّة ، بل العقل كذلك.

ومن ثمّ ما تعارف عليه المسلمون من التبرّك بما خلّفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قميصه وشعره ، والمسلمون جميعاً يروون قصّة الرجل الذي أحجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبعد حجامته له شرب ذلك الدم ، فسأله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أين ألقيت الدم )؟ فقال : شربته يا رسول الله ، فنهاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، ولكن قال له : (إنّ جسدك لم تمسّه النار أبداً )(١) ، ممّا يشير إلى أنّ لدمهصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصية ، وعدم مسّ ذلك الجسد الذي اختلط بدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا ما أمكن توضيحه ببيانٍ سريعٍ مقتضب.

( كميل ـ الكويت ـ )

أخطاء البعض لا تكون باعثة لحذفه :

س : في مسألة التبرّك بقبور النبيّ وآله ؛ قال لي أحدهم : بأنّه صحيح أنّنا نحن الشيعة نعبد الله في ذلك الآن ، وصحيح أنّنا حين نطلب من عندهم قضاء الحوائج نعتقد أنّه بأمر الله ، ولكن في المستقبل سيتحوّل الأمر إلى الاعتقاد بأنّ بيدهم النفع والضرّ ، وهذا كفر ، وبما أنّ دفع المفسدة أُولى من جلب المنفعة ، يجب منع مثل هذه الأُمور ، فما رأيكم؟

ج : لو فرضنا أنّ البعض في مسألة التبرّك بقبر النبيّ وآله ارتكب محرّماً ، أو ما عرف المسألة فوقع في محرّم ، فهل هذا يستطلب نفي هذا الفعل من أساسه؟ أم تصحيح الخطأ عند هذا البعض؟

فلا يمكن أن نحمل أخطاء البعض ـ على فرض وقوعها ـ على أن تكون باعثة لحذف الفعل من أصله ، بل علينا أن نصحّح الأخطاء ، ونوصل المفاهيم الصحيحة إلى الناس.

____________

١ ـ المبسوط للسرخسيّ ٣ / ٦٩.

٥٥

فلو أنّ بعض الناس إنّما يطوف بالبيت الحرام لاعتقاده بأنّ الله تعالى جالس في الكعبة ، ويطوف لأجل هذا ، فهل يحقّ لنا أن نمنع الطواف بحجّة أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة؟!

( عادل أحمد ـ البحرين ـ ٣٥ سنة ـ خرّيج جامعة )

منه تقبيل الأضرحة :

س : عقلي يمنعني من تقبيل الأضرحة ويقول : هذه الأفعال تهين المذهب ، هل عقلي على حقّ أم إيماني ضعيف؟ كما يصفني أصدقائي.

ج : إنّ تقبيل الأضرحة تعتبر من مسائل التبرّك الذي معناه التيمّن ، وهو طلب اليمن ، أي البركة ، وهي النماء في الخير والزيادة فيه ، فالبركة هي الخير الدائم الثابت في الشيء والنامي فيه.

ومبدأ فعله إمّا الحبّ والودّ والتعزيز والتكريم ، وإمّا الاتباع ، فالحبّ يكون مؤدّياً للتبرّك بالحبيب ولوازمه وآثاره ، فحبّ الأنبياء والصلحاء يجرّ كلّ مؤمن إلى حبّ كلّ ما تركوه من آثار ، حتّى أبنيتهم وألبستهم وأولادهم ، حتّى قال الشاعر :

أمرّ على الديار ديـار ليلى

أُقبّلُ ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفن قلبي

ولكنْ حبُّ من سكن الديارا

وأمّا المبدأ الثاني لفعل التبرّك فهو الاتّباع ، فقد ثبت شرعاً أنّ الصحابة كانوا يتبرّكون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينههمصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ولم يزجرهم ، ولم يبيّن بأنّ أفعالهم لا تجوز ، بل كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يتركهم يفعلون ذلك ويفعله أيضاً ، من تكثير الطعام أو الشراب عند فقدانه أو نقصانه ، وتحنيكه الأطفال بريقه الشريف ، أو إشفائهم ببصاقه ، كما فعل مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزوة خيبر وغيرها.

وقد ثبت في القرآن الكريم فعل ذلك في قصّة يوسف عليه‌السلام ، قال تعالى :

٥٦

(اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ) (١) .

فهذان المبدآن يثبتان جواز التبرّك بل استحبابه لفعل الأنبياءعليهم‌السلام له ، وكذلك يثبت أنّ التبرّك ينفع المتبرّك من شفاء مرض أو اكتساب نور ، أو إثبات عافية ، أو تثبيت إيمان ومحبّة ، وغير ذلك من الأُمور الراجحة.

____________

١ ـ يوسف : ٩٣ ـ ٩٦.

٥٧
٥٨

التجسيم والتشبيه :

( عقيل ـ الكويت ـ )

الآيات الموهمة لهما :

س : ما هو تفسير قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (١) ، و ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) (٢) ، و ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (٣) .

ج : اختلفت الأقوال في تفسير العرش ، فقد جاءت فيه تفاسير ثلاثة :

الأوّل : الأخذ بالمدلول اللغويّ للعرش ، وما يكون هو المتبادر الأوّلي إلى الأذهان ، وهو المكان الخاصّ الذي يجلس فيه من له امتياز على غيره ، كالملوك والأُمراء ، بل وبعض الكبراء ، كرؤساء القبائل وأمثالهم.

وبهذا يفسّرون العرش : بأنّه المكان الذي يجلس فيه الله تعالى( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ،( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (٤) أي جلس على عرشه.

وهناك تفسير للكرسي في قوله تعالى :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) (٥) ، حيث قالوا : بأنّ العرش يمتاز عن الكرسيّ ، بأنّ العرش هو الذي يجلس عليه الله تعالى ، والكرسيّ موضع قدميه.

____________

١ ـ طه : ٥.

٢ ـ القلم : ٤٢.

٣ ـ الرحمن : ٢٧.

٤ ـ الأعراف : ٥٤.

٥ ـ البقرة : ٢٥٥.

٥٩

وهذا التفسير ـ بوجهيه ـ لا يمكن الأخذ به بأيّة حال ، لأنّه يقتضي التشبيه والتجسيم الصريح غير المؤوّل ، وهذا مالا تقرّ به طوائف المسلمين ، سوى الشاذّ منها.

وأمّا التنصّل من مشكلة التشبيه والتجسيم بأن نقول : بأنّ الله تعالى يجلس جلوساً واقعياً على عرشه بلا كيف ، ولا نقول : كيف حتّى يستلزم التشبيه والتجسيم ، وهو كلام خالٍ من أيّ معنى معقول.

التفسير الثاني : أنّ الاستواء بمعنى الاستيلاء ، وهذا يلتزم به من يأبى التشبيه والتجسيم بالنسبة إلى الله تعالى ، ويستدلّون بالبيت المعروف : ( قد استوى بشر على العراق ) أي استولى ، وهذا التفسير الثاني فيه المجاز في كلمة الاستواء ، أي بمعنى الاستيلاء.

التفسير الثالث : أنّ الاستواء على العرش كناية على التدبير ، والأخذ بزمام إدارة من له حقّ الإدارة ، والإشراف والتدبير عليه ، وهذا هو المقصود بما يذكره المؤرّخون ، من تواريخ الجلوس على العرش للملوك والأمراء ، بمعنى استوى عليه : بأن جعله تحت قدرته ، ومنع غيره من الجلوس عليه إلاّ بإذنه ، كما نقول : استوى زيد على داره بعد ستة سنوات ، معناه : أنّ داره كانت مغصوبة ، ثمّ عادت إليه ، بأن استولى عليها.

وهذا المعنى ليس المقصود من الآية الكريمة ، بل المقصود القيام بالتدبير ، وإدارة شؤون من له القدرة عليه ، والاستيلاء عليه ، والاستيلاء بمعنى التسلّط عليه ، فالله تعالى حينما يذكر( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) يعني : أنّ الله تعالى خلق خلقه ، ثمّ قام بتدبير أمرهم ، كما يشير إليه قوله تعالى :( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) (١) .

استوى على العرش نوع من المجاز ، الذي كان يفهمه السامعون يوم نزول

____________

١ ـ يونس : ٣.

٦٠