موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 245428
تحميل: 5301


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245428 / تحميل: 5301
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

٢ ـ إنّ روح الإنسان تبقى حية بعد خروجها من الجسد ، وانتقالها إلى عالم البرزخ ، ومعنى أنّها حية أنّ لها عقل وإدراك ، ويدلّ عليه آيات كثيرة ، منها قوله تعالى في قصّة حبيب النجّار :( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) (١) .

فإنّه هناك وهو في عالم البرزخ يتمنّى أن يعلم قومه ما أنعم الله عليه ، والتمنّي فعل منه ، وكذلك قوله تعالى :( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) ، فهي صريحة بحياتهم بعد الممات ، وأنّهم يفرحون ويستبشرون.

٣ ـ وجود الصلة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية ، بمعنى إمكان الاتصال بالأرواح ومخاطبتها ، وأنّها تسمع وتحسّ بما يفعله الأحياء ، قال تعالى عما أخبر به عن نبي الله صالحعليه‌السلام :( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) (٣) .

وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه بعدما خاطب المشركين المقتولين في معركة بدر : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوا )(٤) .

وسلامنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نهاية كلّ صلاة ، إذ لو لم يكن هناك صلة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته ، فما معنى سلامنا عليه.

ورواية أنّ الميّت يسمع قرع نعال أصحابه بعد وضعه في القبر(٥) ، وهناك

____________

١ ـ ياسين : ٢٦ ـ ٢٧.

٢ ـ آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.

٣ ـ الأعراف : ٧٨ ـ ٧٩.

٤ ـ مسند أحمد ٣ / ١٠٤ ، صحيح مسلم ٨ / ١٦٤.

٥ ـ الجامع الصغير ١ / ٣١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ١٣ / ٢٣٣.

٥٦١

كلمات كثيرة لعلماء المسلمين تؤيّد ذلك ، وكلّ ما ذكرنا قد دلّت عليه التجارب والبحوث العلميّة لعلماء الغرب أيضاً ، والتي نشرت في مقالات وكتب كثيرة.

وأمّا ما ذكرت من انتقال الروح إلى مكان آخر ، وهو يوحي بأنّك تتصوّر أنّ للحياة البرزخية نفس قوانين الحياة الدنيوية من المكان والزمان والقرب والبعد وغيرها ، فإذا بعد الشخص لمسافة لا يمكنه سماع المتكلّم البعيد عنه ، ولكن يزول هذا التوهّم إذا عرفنا أنّ الحياتين مختلفتين بالقوانين ، وأنّ عالم البرزخ غير عالم الدنيا ، ثمّ أنّه ثبت في محلّه في علم الفلسفة ، أنّ الروح مجرّدة لا تخضع للقوانين المادّية.

وأمّا الجواب على القسم الثاني من السؤال ، فيكون أيضاً بنقاط :

١ ـ إنّ الإيمان يجب أن يكون مقروناً بالعمل ، فلا نفع للإيمان بدون عمل ، خلافاً لما قاله المرجئة ، إذ قدّموا الإيمان وأخّروا العمل.

٢ ـ إنّ الله بفضله وجوده وسّع على الإنسان دائرة الانتفاع بالعمل ، حتّى شمل الانتفاع بعد الموت بالأعمال التي تتحقّق بعد الموت ، وهذه الأعمال على نوعين :

أ ـ ما إذا قام الإنسان بالعمل بنفسه ، ولكن يبقى العمل بعد موته يستفيد منه الناس ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ من ثلاثة : إلاّ من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له )(١) ، فهذه الأعمال ناتجة من الإنسان ، وهو الذي تسبّب بها ، وبقيت بعد موته يستفاد منها.

ب ـ فيما إذا لم يكن للميّت في العمل سعي ولا تسبيب ، وظاهر الكتاب والسنّة أنّ ثواب هذا العمل من غيره يصل إلى الميّت بفضل الله وسعة جوده ورحمته ، فيما إذا قام الآخر بالعمل الصالح نيابة عن الميّت ، وبعث ثوابه إليه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٣٧٢ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٣.

٥٦٢

قال تعالى :( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (١) ، ففيها تصريح بدعاء المؤمنين للآخرين ، وأنّهم ينتفعون بعمل غيرهم.

والروايات تدلّ على انتفاع الميّت بدعاء الآخرين ، فقد تواتر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله زيارته لأهل بقيع غرقد ودعائه لهم ، وأمّا الأعمال غير الدعاء ـ كالصوم والصلاة والحجّ والصدقة والقراءة وغيرها ـ نيابة عن الميت ، فقد روي عن عائشة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه )(٢) .

وعن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله إنّ أُمّ سعد كانت تحجّ من مالي ، وتصدّق وتصل الرحم وتنفق من مالي ، وأنّها قد ماتت ، فهل ينفعها أن أفعل ذلك عنها؟ قال : (نعم )(٣) .

وغيرها من الروايات الكثيرة عن العامّة والخاصّة ، وإنّما نقلنا روايات العامّة لإلقاء الحجّة ، وعلى هذا فقهاء المذاهب الإسلاميّة فراجع ، مع أنّ هناك شبهات يأتي بها الوهابيّون ليس هنا مجال إيرادها.

وعلى كلٍّ فإنّ الغرض من طرح هذا الموضوع من أنّ الميّت لا ينتفع بعمل غيره ، يطرح كمقدّمة للدخول إلى منع التوسّل والاستغاثة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّةعليهم‌السلام والأولياء ، باعتبار أنّهم موتى.

ونذكر هنا رواية واحدة من كتبنا للفائدة ، فعن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام نزور الموتى؟ قال : ( نعم ) ، قلت : فيسمعون بنا إذا أتيناهم؟ قال : (أي والله ليعلمون بكم ، ويفرحون بكم ، ويستأنسون إليكم )(٤) .

____________

١ ـ الحشر : ١٠.

٢ ـ صحيح البخاريّ ٢ / ٢٤٠ ، صحيح مسلم ٣ / ١٥٥.

٣ ـ كنز العمّال ٦ / ٥٩٨.

٤ ـ مستدرك الوسائل ٢ / ٣٦٢.

٥٦٣

وأخيراً بقي هناك شيء وهو فائدة الإحياء من زيارة القبور وهي عديدة :

منها : التذكرة بالآخرة : فعن عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (زوروا القبور فإنّها تذكّركم الآخرة )(١) .

ومنها : الزهد في الدنيا ، فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّها تزهّد في الدنيا )(٢) .

ومنها : في خصوص زيارة قبر النبيّ ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من زار قبري وجبت له شفاعتي )(٣) .

وما في كتب الخاصّة من فوائد وثواب زيارة قبور الأئمّةعليهم‌السلام الشيء الكثير ، وهو واضح ، ويكفي مراجعة مفاتيح الجنان لمعرفة ذلك.

____________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٥٠٠.

٢ ـ المصدر السابق ١ / ٥٠١ ، الجامع الصغير ٢ / ٢٩٧.

٣ ـ الجامع الصغير ٢ / ٦٠٥ ، كنز العمّال ١٥ / ٦٥١.

٥٦٤

زيد بن علي والزيديّة :

( العرادي ـ الكويت ـ )

منشأ ظهور الزيديّة والإسماعيلية :

س : أودّ الاستفسار منكم عن عدد فرق الشيعة؟ وكذلك ظروف ظهور كلّ فرقة منها ـ كالإسماعيلية والزيديّة ـ؟

ج : إنّ فرق الشيعة أكثرها لم تدم إلاّ وقتاً قليلاً من الزمن وانقرضت ، ولم يبق من هذه الفرق إلاّ الزيديّة والإسماعيلية ، وإذا أطلق اسم الشيعة فإنّه ينصرف إلى الإمامية الاثني عشرية ، الذين يعتبرون هم الأصل في التشيّع.

وأمّا منشأ ظهور هذه الفرق ، فإنّه يعود إلى مسائل سياسية ودنيوية.

فإنّ زيد بن الإمام علي زين العابدينعليه‌السلام كان قيامه بإذن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وكان هدفه إعطاء الإمامة إلى أهلها ، لكن لمّا استشهد ، حرّفوا أصل الواقعة ، ونسبوا إلى زيد أشياء هو بريء منها.

وأمّا الإسماعيلية ، فإنّ إسماعيل بن الإمام الصادقعليه‌السلام قبل دفنه ، كشف الإمام الصادقعليه‌السلام عن وجهه درءاً للشبهة ، ومع هذا كلّه ، فإنّ فرقة منهم ادعوا أنّه لم يمت.

والزيديّة والإسماعيلية وسائر الفرق يشتركون في مسألة واحدة في أصل تأسيس هذه الفرق ، وهي الحصول على أموال ومناصب ، هذا كلّه بالإضافة إلى التدخّلات الخارجية لإيجاد الخلاف في التيار الشيعيّ ، وهذا يعود إلى الظروف السياسيّة آنذاك.

٥٦٥

( خالد ـ مصر ـ طالب )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : تعليقاً على الجواب المذكور للأخ العرادي ، فإنّ إنكار أنّ الإمام الشهيد زيد عليه‌السلام كان يدّعي الإمامة ، هو مكابرة عجيبة.

ج : إنّ أسلوب التحقيق في القضايا التي تمسّ العقيدة هو : أن لا يعتمد الإنسان المتحرّي للحقيقة ، على كلّ ما قيل أو يقال في أيّ موضوع ، فلربما يكون كذباً صريحاً ، نشره أصحاب المصالح والأهواء ، في سبيل تعزيز المطامع ، والشهوات الدنيوية.

وفي المقام ، ثبت عندنا بطرق قطعية وروايات صريحة : أنّ حركة زيد الشهيد كانت بتأييد وإمضاء الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، حتّى ورد أنّه كان يريد الرضا من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهو كناية عن تأييد إمامة أهل البيتعليهم‌السلام في قبال الأمويين ، الذين كانوا لا يرون حقّاً لهم ـ ومن البديهيات التي لا يمكن إنكارها أنّ أئمّتناعليهم‌السلام لا يؤيّدون شخصاً خرج من ولايتهم ، أو ادّعى الإمامة لنفسه ، لأنّ هذا يعتبر فسقاً ، والفاسق لا يستوجب المدح والثناء!.

وهنا لا نستبعد أن تكون الأيادي الأموية والعباسية وراء محاولات الكذب والتزوير لتفتيت الخطّ الإمامي الموحّد ، والذي كان متمثّلاً في إمامة الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام .

( محمّد العمدي ـ اليمن ـ )

السعي لإبراء الذمّة للبقاء على الزيديّة :

س : هل يجوز التعبّد بالمذهب الزيديّ وغيره من المذاهب؟

ج : إن كان المراد من التعبّد في أُصول الدين ، فعلى كلّ إنسان مسلم مكلّف أن يحقّق عن المذهب الحقّ من بين المذاهب الإسلاميّة ، ولا يكون معذوراً بمجرد أن يقول : لم يتبيّن لي.

٥٦٦

وإن كان المراد من التعبّد في فروع الدين ، فعلى كلّ إنسان مسلم مكلّف لم يتبيّن له المذهب الحقّ أن يحتاط ـ أي يجمع بين الفتاوى بقدر الإمكان ـ وهذا ما يقتضيه حكم العقل.

وعلى كلّ حال ، لابدّ للإنسان المسلم المكلّف أن يسعى في إبراء ذمّته ، بعد العلم باشتغالها اعتقاداً وعملاً.

( عبد الله أحمد حمادي ـ اليمن ـ زيدي ـ دبلوم )

زيد الشهيد ليس من الأئمّة الاثني عشر :

س : هل تعتبرون الإمام الشهيد زيد بن علي عليه‌السلام من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ؟ ولماذا لا يتمّ اعتباره واحداً من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ؟

ج : إنّ الإمامة ـ بحسب عقيدة الإمامية الاثني عشرية ـ تتبع للنصوص الواردة في هذا المجال ، ولا طريق لإثباتها بدون الوقوف على هذه النصوص والآثار والأحاديث المروية عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

ثمّ على ضوء ما ذكرنا ، فإنّ زيد الشهيد لم يصرّح ـ في ما ورد إلينا ـ بإمامته وخلافته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم ، ورد بطرق كثيرة وصحيحة : أنّ نهضته كانت من أجل رضا أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يدّع الإمامة لنفسه ، بل تصدّى للباطل والجور في سبيل أن يتاح للحقّ ـ وهم الأئمّة المعصومون ـ فرصة الظهور.

وعلى أيّ حال ، فهو ممدوح من قبل أئمّتناعليهم‌السلام ، وترحّم وبكى عليه من سمع منهم خبر استشهاده ، فهو في الذروة العليا مع الشهداء والصدّيقين ، وحسن أُولئك رفيقاً.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كلّية الدراسات التجارية )

عقيدة الزيديّة بالإمام المهديّ :

س : ما هي عقيدة الزيديّة بالمهديّ؟

٥٦٧

ج : تعتقد الزيديّة بظهور الإمام المهديّعليه‌السلام في آخر الزمان ، وأنّه يملك الأرض ، وتخضع له أهل الأديان ، وأنّه من أهل البيت ، وفي بعض الروايات أنّه من ولد فاطمةعليها‌السلام ، وبالخصوص من ولد الحسنعليه‌السلام ، ولا يعتقدون بأنّه من ولد الحسينعليه‌السلام ـ أي ابن الحسن العسكريّعليه‌السلام ـ ولا يعتقدون بعصمته ، ولا بولادته ، ولا بغيبته.

وللمزيد ، يمكنكم مراجعة كتاب ( العقد الثمين في تبيين أحكام سيرة الأئمّة الهادين ) ، تصنيف الإمام عبد الله بن حمزة بن سليمان ، أحد أئمّة الزيديّة.

( ـ ـ )

موارد اختلاف الزيديّة عن الإمامية :

س : هل توجد اختلافات بين المذهب الاثني عشري والزيديّة؟

ج : نعم توجد اختلافات بين المذهب الاثني عشري والزيديّة ، نذكر بعضاً منها :

١ ـ ترى الإمامية أنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ من الله تعالى على لسان رسوله ، أو على لسان الإمام المنصوب ، إذا أراد أن ينصّ على إمام بعده ، وليس للناس حقّ التدخّل في تعيينه.

بينما ترى الزيديّة أنّ الإمامة تكون بالاختيار ، ويعتقدون أنّ النصّ الخفي كان لبعضهم.

٢ ـ ترى الإمامية عدد الأئمّة اثنا عشر إماماً ، أوّلهم أمير المؤمنين ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي بن الحسين ، حتّى الإمام الثاني عشر محمّد المهديّعليه‌السلام .

بينما لا ترى الزيديّة للأئمّة عدداً ، فكلّ من خرج بالإمامة وشهر سيفه ودعا إلى نفسه يكون إماماً واجب الطاعة ، فأوّلهم أمير المؤمنين ، ثمّ الحسن ، ثمّ

٥٦٨

الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ زيد بن علي بن الحسين ، ثمّ ابنه يحيى ، وهكذا.

٣ ـ ترى الإمامية عصمة أئمّتهمعليهم‌السلام ، بينما لا ترى ذلك الزيديّة.

٤ ـ لم تقل الزيديّة بالرجعة ، والتقيّة ، وغيبة الإمام المهديّعليه‌السلام ، وزواج المتعة ، ويقولون : بالقياس كأبي حنيفة ، ويرون صحّة العمل بالاستصحاب ، ويعتبرون أساس الأحكام الشرعيّة إجماع علماء المسلمين ، ويجوّزون المسحّ على الخفّين ، والاقتداء بالصالح والفاجر في الصلاة ، وأكل ذبائح أهل الكتاب.

والخلاصة : إنّ الزيديّة يرجعون في أكثر أُصولهم إلى المعتزلة ، وفي أكثر فروعهم إلى الحنفيّة.

هذا ، والجدير بالذكر أنّ الزيديّة الجارودية تختلف عن غيرها في كثير من المسائل ، فلا يقع الخلط فيما بينهما.

( محمّد أحمد مطهّر ـ اليمن ـ زيدي ـ ٢٨ سنة ـ بكالوريوس شريعة وقانون )

زيديّ يسأل عن ٤٤ سؤالاً :

س : انطلاقاً ممّا كلّفنا الله به من البحث والسؤال عن مشكلات الدين ، وسعياً لتطهيره عن شائبات شبه المبطلين ، وممّا لا يمكن إنكاره من انتماء المذهب الاثني عشري لمذاهب المسلمين ، فإنّه كغيره يجب البحث في صحّته من عدمها ، ومناقشة عقائده قبل الحكم بصحّة مذهب ما ، وإنّ أهمّ ما يتبادر إلى ذهن المتتبع لأقوال أتباعه ، ويستشكله من ينظر في عقيدة أصحابه ، هي هذه الإشكالات التي نطالب إخواننا منهم كشف ما تضمّنته من المعضلات ، غير متوانين عن تبيين الحقّ الذي يعلمونه ، والاعتراف ببطلان ما قد يرونه ، عملاً بقوله تعالى : ( وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) (١) ، وقوله : ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ

____________

١ ـ آل عمران : ١٨٧.

٥٦٩

تَعْلَمُونَ ) (١) ؛ نسأل الله أن يكتب فائدة ذلك لجميع المسلمين ، وأن ينفع به من أراد اليقين ، آمين ربّ العالمين.

س ١ : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ، فهل نحن مكلّفون بموجب هذا الحديث بمعرفة الإمام ذاتاً؟ بحيث لو طلب من أحدنا الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس لاستطاع ، أم أنّا مكلّفون بمعرفته صفة؟ أم أنّه يكفينا مجرد معرفة كونه حيّاً وموجوداً كحجّة ، حتّى ولو كان غائباً؟!

ج : نزولاً عند رغبتكم نجيبكم على أسئلتكم ، عسى الله أن ينفع بها إخواننا المؤمنين ، ويهدينا وإيّاكم وإيّاهم جميعاً إلى سواء السبيل ، وإليكم الجواب عن مسائلكم حسب تسلسلها في رسالتكم :

ج ١ : إنّ الحديث مذكور في التراث الإسلاميّ السنّي والشيعيّ ، وذلك يبعث على الاطمئنان بصحّته إجمالاً لتفاوت ألفاظه ، ولسنا بصدد تحقيق ذلك ، غير أنّا نقول :

الواجب في معرفة الإمامعليه‌السلام ـ كما هو الواجب في معرفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ تشخيصه اسماً ونعتاً وعنواناً ، أمّا معرفته بذاته ـ كما تفسّرون ـ فليس بواجب ، إذ لو قلنا بذلك لخرج أهل العصور التالية بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الإسلام ، وهذا لا يقوله أحد ، ومن قال به وادعى لزوم معرفة النبيّ والإمام بذاتهما ، كذّبه واقع الحال حتّى في بعض معاصريهما ، إذ لم يكن جميع المسلمين في عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرفونه بذاته ، وكتب السير والتاريخ تشهد بذلك.

ودونك تراجم الصحابة في مصادرها ، تجد تقسيمهم إلى عدّة أقسام ، ومنهم من كان صحابياً ولم يرهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع معاصرته له ، فهل كلّ أُولئك ماتوا ميتة جاهلية؟ لأنّهم لم يعرفوا نبيّهم بذاته ، بحيث لو طلب من أحدهم الإشارة إليه وتعيينه وتحديده من بين مجموعة من الناس استطاع؟

____________

١ ـ البقرة : ٤٢.

٥٧٠

ويدحض هذا ، ما ترويه بعض كتب السيرة في قدوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة مهاجراً ، ومعه أبو بكر ، فكان المسلمون في استقباله ، ومنهم من كان يسأل أيّهما النبيّ؟ فهل يمكن أن نقول : أنّ أُولئك الذين ماتوا وهم لم يعرفوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ماتوا ميتة جاهلية؟ معاذ الله أن يقول ذلك أحد من المسلمين.

ولمّا كانت الإمامة امتداداً للنبوّة ، وخلافة عنها في إتمام رعاية رسالتها لأنّها فرع عنها ، فهل لك أن تقول : بأنّه يجب في الفرع أكثر ممّا في الأصل؟ إنّما الواجب معرفة النبيّ أو الإمام معرفة إجمالية بأسمائهما وأوصافهما ، وتواتر الحجّة على صحّة وجودهم ، والإيمان بحجّتهم نبوّة أو إمامة.

س ٢ : إنّ الله تعالى حيّ وموجود معنا في كلّ مكان ، وهو الحجّة الأكبر ، فما هي الحاجة إلى حجّة دونه؟ ما لم يكن بين حجّية الله تعالى وحجّية الإمام فرق؟ أم أنّ هناك فرقاً ، فما هو؟!

ج ٢ : صحيح أنّ الله تعالى موجود حي ، ولكن ليس هو الحجّة ، بل الصحيح أن نقول : له الحجّة كما في الكتاب المجيد( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (١) ، لأنّ معنى الحجّة هو البرهان والدليل ، وهو حال من مستدلّ وهو غيره ، والله سبحانه هو جاعل الحجّية فلا يقال هو الحجّة ، إنّما الحجّة له على خلقه بإرساله الرسل وبعثه الأنبياءعليهم‌السلام ، فهم الحجج.

فتنبّه إلى غلط التعبير عندك ـ وهو الحجّة الأكبر ـ فالله سبحانه بمنّه وفضله ولطفه بعباده بعث لهم أنبياء ، وجعل لهم أوصياء من بعدهم يرعون رسالاتهم ، وبذلك يستدلّ على خطأ من يقول : الله هو الحجّة الأكبر.

ثمّ أنا لو سلّمنا جدلاً بصحّة تلك المقولة ، كيف السبيل إلى الأخذ عنه ، وهو يرى ولا يُرى ، فلابدّ للناس من وسيلة يبلغهم عنه أوامره وزواجره ، وهم الأنبياء ، ومن بعدهم الأوصياء ، ونحن على ذلك.

____________

١ ـ الأنعام : ١٤٩.

٥٧١

س ٣ : ما هي الحكمة من غياب الإمام؟ وكيف يتناسب الغياب مع أعمال وواجبات الإمامة؟

ج ٣ : ليست الغيبة بدعة في التاريخ ، ولا في الدين ، فقد غاب غير واحد من الأنبياء نتيجة اضطرارهم ، والخوف على أنفسهم ، فقد قال موسىعليه‌السلام :( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (١) ، وما لنا نذهب في التاريخ السحيق ونغيب في متاهاته ، ولكن هلمّ بنا إلى تاريخ الإسلام القريب ، ألم يغب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مضطرّاً في حصار الشعب طيلة ثلاث سنوات؟ فماذا كان المسلمون يستفيدون منه ، وهو في الشعب محجوب عنهم؟ ألم يغب عن مسلمي مكّة حين هاجر إلى المدينة خائفاً يترقّب؟

وما دمنا كمسلمين نؤمن بأنّ الله تعالى هو الذي يأمر أنبياءه بالغيبة والهجرة حفاظاً عليهم ، ولم يبعدهم عن الطبيعة البشرية من خوف على السلامة ، كان علينا التسليم بأنّ ذلك كان لمصلحة ، وأن كنّا لا ندرك سرّها أسوة بما نجهل كثيراً من أسرار وحكم في أُمور الشريعة ، فليس لنا ولا يحقّ لنا أن نسأل : لماذا غيّب الله موسى عن فرعون عند ولادته؟ ثمّ ردّه الله ليربّيه في قصره ، ليكون له عدوّاً وحزناً؟

وليس لنا أن نسأل : لماذا أمر الله نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالهجرة حين أنزل عليه( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ ) ؟(٢) .

وليس لنا أن نسأل : لماذا صلاة الصبح ركعتان؟ وصلاة الظهر أربعاً؟ والمغرب ثلاثاً؟ وهكذا.

وكلّ ما أمكننا أن ندرك من وجه الحكمة في غيبة بعض الأنبياءعليهم‌السلام ، هو الحفاظ على حياتهم من شرّ أعدائهم ، فكذلك كانت الحكمة في غيبة الإمام المهديّعليه‌السلام الحفاظ على سلامته ، مادام ظرفه كظروفهم من حيث

____________

١ ـ الشعراء : ٢١.

٢ ـ الأنفال : ٣٠.

٥٧٢

ملاحقة العدو له ، وطلب القضاء عليه ، ألم تقرأ في تاريخ الغيبة ما صنع المعتمد العباسي في جدّه وسعيه وإمعانه في التفتيش عن الإمام المهديّعليه‌السلام ، حتّى حبس الجواري برهة من السنين ، فذلك من وجه الحكمة فيما نعلم.

س ٤ : كيف سيعرف الإمام المهديّ الغائب عند خروجه بعد غيابه مئات السنين؟

ج ٤ : يُعرف عندما يؤذن له بالظهور بالآيات البيّنات الخارقة للعادات ، وسمّها بالمعجزات ، كالنداء من السماء باسمهعليه‌السلام ، وصلاة النبيّ عيسى خلفه ، ونحو ذلك ، فقد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يخرج المهديّ وعلى رأسه ملك ينادي : إنّ هذا المهديّ فاتبعوه )(١) .

وروي عن عليعليه‌السلام قال : (إذا نادى منادٍ من السماء : إنّ الحقّ في آل محمّد ، فعند ذلك يظهر المهديّ على أفواه الناس ، ويشربون حبّه ، ولا يكون لهم ذكر غيره )(٢) .

س ٥ : إذا كان الغياب لحكمة ما ، فلماذا لا تكون تلك الحكمة سبباً لأن يكون معدوماً؟ حتّى إذا حان وقته أوجده الله؟!

ج ٥ : السائل يحسب أنّ الحكمة في الخلق هي بافتراضنا ، وليست بأمر بارئ الخلائق ، فهو الذي يقضي بحكمه ويقدّر بحكمته ، فلا يقال : لماذا جعل الليل والنهار متعاقبين؟ ولم يجعل الزمان كلّه نهاراً أو كلّه ليلاً؟ وهذا ما نطق به القرآن مندّداً بمن لا يدرك وجه الحكمة ، ولا يسلّم لأمره تعالى في ذلك ، فقال :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ

____________

١ ـ مسند الشاميين ٢ / ٧٢ ، ينابيع المودّة ٣ / ٢٩٦ و ٢٩٩ و ٣٤٤ و ٣٨٥ و ٣٩٢.

٢ ـ كنز العمّال ١٤ / ٥٨٨.

٥٧٣

تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

فنحن إذاً نتبع ما بيّن لنا الله تعالى وجه الحكمة فيه ، وما لم يبيّن لنا ذلك ، ليس من حقّنا ـ كمسلمين ـ الاعتراض عليه ، فنقول : لماذا ولماذا؟

ثمّ لو سلّمنا جدلاً أنّ الحكمة أن يكون معدوماً ، فإذا حان وقت ميعاده أوجده الله تعالى ، فذلك يستلزم خلوّ الزمان من إمام يرجع إليه ، وعندها تكون الحجّة للناس على الله حيث لا حجّة إمام يرجعون إليه ، فيبطل الثواب والعقاب ، وتنتفي الحكمة من خلق الخلق ، حيث يقول الله سبحانه :( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٢) .

س ٦ : ما الفائدة من عصمة الإمام وعلمه وهو غائب؟ واذكروا لنا الفوائد العملية التي انتفع بها سابقاً ، وينتفع بها حالياً المسلمون عامّة ، والشيعة خاصّة من الإمام المهديّ في فترة غيبته الطويلة؟!

ج ٦ : الفائدة من الإمام المهديّعليه‌السلام في غيبته ، كالفائدة من الشمس إذا تجلّلها السحاب ، كما ورد في الحديث المروي في ( كمال الدين وتمام النعمة ) للشيخ الصدوققدس‌سره فراجع(٣) .

على أنّ في الغيبة نحو اختبار للناس على حدّ ما جاء في القرآن المجيد :( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (٤) ، فتلك سنّة الله في خلقه ، ولن تجد لسنّته تحويلاً.

س ٧ : تحاولون إضفاء صفات على أئمّتكم عامّة ، وعلى الإمام المهديّ

____________

١ ـ القصص ٧١ ـ ٧٣.

٢ ـ الذاريات : ٥٦.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٠٧.

٤ ـ العنكبوت : ١ ـ ٢.

٥٧٤

الغائب خاصّة ، منها : أنّه يطوف العالم ، ويعرف شيعته ، ويتّصل بالخلّص منهم ، ويلقي إليهم أوامره ، وأنّه يعلم الغيب ، ومفوّض من الله بالتصرّف في الكون ، فسبحان الله هل هذه إلاّ صفات ربّ العالمين؟!

ج ٧ : ليست الصفات المشار إليها تخرجهم عن الطبيعة البشرية ، ولا نقول فيهم إلاّ أنّهم :( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) ، على أنّ بعض ما ذكرت ليس مختصّاً بهم وحدهم ، فإنّ الخضر حيٌّ ويطوف العالم ، ويتّصل بمن أراد أن يلقاه ، فيلقي إليه من علمه ، كما تعلّم منه موسىعليه‌السلام ، فهل وجدت من قال بربوبيته؟

س ٨ : لم يرو أنّ أحد الأئمّة الاثني عشر غاب ؛ فلماذا اختلفت السنّة الإلهيّة في الأئمّة عند المهديّ؟ حتّى غاب هذا الزمن الطويل؟ خاصّة وأنّ معظم الأئمّة الاثني عشر ينطبق عليهم نفس علّة غياب المهديّ؟ وهي الخوف وعدم الناصر كما تقولون؟!

ج ٨ : إنّما اختلفت السنّة في الإمام المهديّعليه‌السلام ، لأنّه خاتم الأئمّة الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر بالتمسّك بهم ، كما في حديث الثقلين ـ المتواتر نقله ـ وأخبر أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

ولأنّه الموعود المنتظر لإقامة الأمن والعوج ، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلمت وجوراً ، فهو في مطادرة من أعدائه أكثر ممّا كان عليه آباؤه من الخوف ، وإن كانت لهم غيبات في غياهب السجون طالت أو قصرت ، لكنّها لفترات محدودة.

ومع ذلك فقد ولّدت تلك الحالة عند بعض الشيعة القول بمهدية بعض الأئمّة ، كما في الواقفة الذين وقفوا بالإمامة على الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وجاءت الأحاديث بذمّهم.

س ٩ : لماذا لا نجوّز أنّ الله تعالى قد بدا له في أمر إماتته ، ونقل المهدوية إلى

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧.

٥٧٥

غيره ممّن سيولد لاحقاً ، ويعيش حياة طبيعية كسائر الأئمّة من آبائه ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو طول غيبته التي لها إلى الآن مئات السنين؟!

ج ٩ : ليست مسألة البداء في أمر إمامة المهديّعليه‌السلام بواردة بل منفية ، لأنّها لو كانت واردة لوجب على الله من باب اللطف أن يعرّف الناس إماماً غيره ، ولا يتركهم هملا ، لئلا تخلو الأرض من حجّة قائم لله بأمر الشريعة ، وحيث لم يعيّن غيره فتعيّن هو ، ولا يكون التعيين إلاّ بالنصّ ، وفي الإمام المهديّعليه‌السلام لو تمّ القول بالبداء فممّن يكون النصّ؟ بينما كان النصّ عليه موجوداً باسمه ونعته من قبل وجوده ، وحتّى بعد ولادته.

س ١٠ : لماذا لا نجوّز أنّه شخصية وهمية افترضت من قبلكم تقيّة ، لئلا يندثر مذهبكم بعد انعدام ذرّية الحسن العسكريّ ؛ خاصّة وأنّ هناك مرجّحاً لذلك ، وهو وجود العمل بنظرية التقيّة لديكم ، ودفاعكم عنها دفاعاً شديداً ، وتميّزكم بها دون سائر المذاهب الإسلاميّة؟!

ج ١٠ : مادام أقصى ما لديكم لماذا ولماذا ، فلا أرى يجدي معكم الحوار ، لأنّ المتعنت ليس لديه فوق لماذا من مخرج؟

ومع ذلك فنقول لكم : إذا افترضنا جدلاً كما تقول : فمن هو الإمام الذي يقود الأُمّة في فترة خلوّ الأرض منه ، إذا لم يكن هو المصلح المنتظر؟ وكيف يكون شخصية وهمية ، وقد ثبت وجوده الخارجي ، وشهد بولادته القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وأُمّه وأبوه ، وأراه لبعض خواصّه ، ولو أغمضنا النظر عن ذلك كلّه ، فما رأيكم في علماء العامّة الذين لا يؤمنون بالتقيّة ، وشهدوا بولادته؟ وصحّة نسبه ، وأنّه ابن الحسن العسكريّعليه‌السلام ؟

س ١١ : كيف تقبلون رواية ولادة الإمام المهديّ عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، أم أنّ هناك رواة غيرها ، ومن هم؟!

ج ١١ : نحن لم نقبل رواية الولادة عن امرأة واحدة فقط ، وهي جارية أبيه نرجس ، بل هناك غيرها ، وهي القابلة عمّة أبيه حكيمة ، وشهادة القابلة في

٥٧٦

إثبات الولادة والاستهلال مقبولة عند جميع المسلمين ، فدونك ما يقول علماؤهم ، وأئمّة المذاهب منهم.

قال أبو حنيفة : ( لأنّ أنساب المسلمين وأحوالهم ، يجب حملها على الصحّة ، وذلك أن تكون ولدته منه في نكاح صحيح )(١) .

وقال النوويّ : ( ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والرضاع ، والعيوب التي تحت الثياب شهادة النساء المنفردات ، لأنّ الرجال لا يطّلعون عليها في العادة ، فلو لم تقبل فيها شهادة النساء منفردات ، بطلت عند التجاحد ، ولا يثبت شيء من ذلك )(٢) .

وإذا أخذنا بالإقرار ، فقد جاء في البحر الزخّار ـ وهو من المصادر المهمّة لدى علماء الزيديّة ـ :

فصل : ( ويصحّ إقرار الرجل بولد أو والد إجماعاً ، بشرط مصادقة البالغ ، وعدم شهرة نسب آخر )(٣) .

فتبيّن لنا : أنّ مذاهب المسلمين تقول بما قلناه في الإقرار ، وشهادة النساء المنفردات ، فعلام التشهير بمن يرتّب الآثار على ذلك؟

س ١٢ : هل تجب الحدود على أهلها في حال الغيبة؟ أم أنّها تسقط؟ وهل يجوز سقوطها مئات السنين؟ وما هي الحكمة إذاً من تشريعها؟!

ج ١٢ : من قال لك تسقط الحدود في زمن الغيبة؟ أو تعطّل الأحكام فيها؟ وهذا الشيخ المفيدقدس‌سره يقول : ( فأمّا إقامة الحدود : فهي إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله تعالى ، وهم أئمّة الهدى من آل محمّدعليهم‌السلام ، ومن نصّبوه لذلك من الأمراء والحكّام ، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان )(٤) .

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ٥ / ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ / ٢٨٥.

٢ ـ المجموع ٢٠ / ٢٥٦.

٣ ـ البحر الزخّار ٥ / ١٢.

٤ ـ المقنعة : ٨١٠.

٥٧٧

س ١٣ : في أحاديث الأئمّة مجمل ومتشابه وتقيّة ، فمن أين لنا بإمام الآن في غياب المعصوم ، يبيّن لنا كلّ ذلك؟!

ج ١٣ : يعرف ذلك الفقهاء من شيعتهم ، الذين جعلوا لهم المرجعية عند عدم الحضور ، سواء كان ذلك في أيّامهم ، أو بعد غيبة آخرهمعليه‌السلام ، وكم في تاريخ رجالات الشيعة من أُناس أرجع الأئمّة إليهم الشيعة لأخذ أحكامهم منهم ، كيونس بن عبد الرحمن وأمثاله ، أو النوّاب الأربعة في زمن الغيبة الصغرى.

س ١٤ : تقول الإمامية أنّها أخذت مذهبها عن المعصومين ، فكيف تعرف صحّة مذهبها الآن؟ إن قيل بأحاديث الأئمّة ، فهلا اكتفوا بأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما هو الفرق بينهم وبين سائر المسلمين حينئذ ، فكلّ منهم يأخذ عن المعصوم وهو النبيّ؟!

ج ١٤ : لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة وحدها ، بعد علمكم بأنّها شيبت بالمكذوب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الموضوعات ، وهذا أمر حدث في أيّامه ، وآية النبأ ، وحديث من كذّب عليّ وغيرهما ، تثبت أنّه لا يمكن الاكتفاء بالأحاديث النبويّة.

ثمّ هوصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أُمّته بالرجوع إلى أهل بيته ، كما في حديث الثقلين ، والتمسّك بهم على حدّ التمسّك بالقرآن ، كما أمر باتباعهم ، وأمرنا أن لا نتقدّمهم بسبق عليهم في فكر أو مسألة ، لأنّهم أعلم الأُمّة ، ولولا أن يكونوا كذلك لما جاز للنبيّ أن يرجع إليهم ما داموا هم مفضولين.

س ١٥ : متى عرفت الإمامية علم الحديث وأُصول الفقه؟ ومن أوّل من وضعه؟ وما هي حاجتهم إليهما مع وجود المعصوم؟ وما هي فائدة العصمة مع وجودهما؟ وهل بقي هناك داع لادعائهم التميز عن سائر المسلمين بالأخذ عن المعصومين؟!

ج ١٥ : أوّل من كتب في علم الحديث هو الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد دوّن الصحيفة الجامعة التي أملاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتبها عليعليه‌السلام .

فقد روى الكشي عن العيّاشيّ بإسناده إلى سورة بن كليب ، قال : ( قال

٥٧٨

لي زيد بن علي : يا سورة كيف علمتم أنّ صاحبكم ـ يعني جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ـ على ما تذكرونه؟ قال : فقلت له : على الخبير سقطت ، قال : فقال : هات.

فقلت له : كنا نأتي أخاك محمّد بن عليعليهما‌السلام نسأله ، فيقول : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،وقال الله جلّ وعزّ في كتابه ) ، حتّى مضى أخوك فأتيناكم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت فيمن أتيناه ، فتخبرونا ببعض ، ولا تخبرونا بكلّ الذي نسألكم عنه ، حتّى أتينا ابن أخيك جعفراً ، فقال لنا كما قال أبوه : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال تعالى ) فتبسّم ـ يعني زيد بن علي ـ وقال : أما والله إن قلت هذا ، فإن كتب عليعليه‌السلام عنده )(١) .

فهذا زيد يقول : أنّ للإمام عليعليه‌السلام كتباً ، وواحدة من تلك الكتب هي الصحيفة الجامعة ، وقد ورد ذكرها في غير واحد من الكتب المعتبرة المعوّل عليها.

وقد أوصى المعصومونعليهم‌السلام بحفظ الكتب ، وبكتابة الحديث ، فعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : (احتفظوا بكتبكم ، فإنّكم سوف تحتاجون إليها ) ، وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : (اكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا )(٢) .

أمّا الحاجة إلى علم الحديث مع وجود الإمام المعصوم ، فإنّ الاتباع لا يتاح لهم جميعاً أن يأخذوا العلم مباشرة من الإمامعليه‌السلام ، فقد يكونوا في مناطق بعيدة عن الإمامعليه‌السلام ، فيأخذون ممّن سمع من الإمام ، وإذا كان ذلك الحديث مكتوباً يكون أوثق لدى السامع ، وكتابتهم للحديث في ذلك الزمان ليس لهم فقط ، بل لمن يأتي بعدهم ، وإلى يومنا هذا ، وهو كفائدة كتابة حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه.

____________

١ ـ اختيار معرفة الرجال ٢ / ٦٧٤.

٢ ـ الكافي ١ / ٥٢.

٥٧٩

وأمّا أُصول الفقه ، فإنّ أوّل ما أخذه الشيعة من الأئمّةعليهم‌السلام أنفسهم كقواعد كلّية ، وهذا واضح لمن راجع كتب أُصول الفقه عندنا ، ومع ذلك فقد ذكرت كتب الرجال عندنا : أنّ بعض أصحابهمعليهم‌السلام ألّفوا في أُصول الفقه ، منها مباحث الألفاظ ، فراجع رجال النجاشيّ ، وفهرست الشيخ الطوسيّ ، وغيرهما.

وأمّا العصمة فهي شرط في الإمام ، والإمام ليس مجتهداً ، فإنّه يعطي حكم الله الواقعي ، والمجتهد يفتي بحكم الله الظاهر ، وهذا السؤال ناتج عن عدم الدقّة!!

ثمّ إنّ التطوّر والتوسّع في أُصول الفقه كان في زمن غيبة الإمامعليه‌السلام ، ومن ضمن فائدة هذا العلم هو الاستعانة به من أجل فهم النصوص الواردة عن المعصومين بعد غياب الإمام المعصوم ، أمّا العصمة للإمام فلابدّ منها ، لأنّها هي التي تثبت لنا عدم وجود احتمال أيّ خطأ في كلام أو فعل أو تقرير المعصوم.

س ١٦ : تقولون بصحّة الاجتهاد في زمن الغيبة ، بعد أن حرّمتموه في زمن الأئمّة ؛ فما هو الدليل القطعي على صحّته؟ وهل هذا الدليل مأخوذ عن الأئمّة أم غيرهم؟ وهل هو موجود في كتبكم المؤلّفة قبل عصر الغيبة؟ بيّنوا لنا ذلك وخرّجوه من تلك المصادر؟!

ج ١٦ : الاجتهاد الذي نقول به هو : الجهد الذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعيّ من أدلّته ومصادره ، ولا نقول بالمعنى الثاني للاجتهاد ، الذي هو مصدر للفقيه يصدر عنه ودليلاً يستدل به ، كما يصدر عن آيةٍ أو رواية ، والاجتهاد بالمعنى الأوّل من البديهيات ، وكان عمل الأصحاب والاتباع على ذلك ، ولم ينكر الأئمّةعليهم‌السلام هذا الاجتهاد بالمعنى الأوّل ، بل أنّهم أمروا بعض أصحابهم بالعمل بذلك ، كما أمر الإمام الباقرعليه‌السلام أبان بن تغلب ، أن يجلس في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويفتي الناس ، حيث قال له : (اجلس في مسجد

٥٨٠