موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585
المشاهدات: 238838
تحميل: 6059


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 238838 / تحميل: 6059
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 978-600-5213-04-1
العربية

وكذلك تقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المتأخّرين بانتظارهم حتّى اجتمعوا ، وإرجاع المتقدّمين الذين أسرعوا بالسير ، وجمعهم في تلك البقعة ، وفي ذلك الوقت الحارّ ، وقت الظهيرة الشديد الحرّ ، وخصوصاً أنّهم قد قضوا مناسكهم وهم مسافرون ، وتنتظرهم مسافات شاسعة للوصول إلى ديارهم وأهليهم.

فما هو ذلك الأمر المهمّ ، الذي يستوجب كُلّ هذا من جمع كبير ، وحشد مؤمن راجع من شعيرة عظيمة تمحي الذنوب ، وترجع العبد إلى ربّه كالثوب الأبيض ، وتهيأه لتحمّل أمر صعب القبول على النفس الأمارة بالسوء؟

فأوضح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك بخطبته البليغة ما يريد أن يزفّ من بشرى وعيد للمؤمنين ، مع خوفه وإشفاقه على الآخرين ، الذين سيغيّرون ويحدثون في الدين من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما صرّح بذلك في مناسبات أُخر.

٢ ـ القرائن المقالية : وهي ابتداء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ».

فهذه قرينة واضحة لكُلّ عاقل ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد أن يوصي أُمّته وصية موته ، وأمر الأُمّة من بعده ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور وأهل بيتي »(١) ففيها دلالة على ترك البديل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والممثّل الشرعي من بعده.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أذكركم الله في أهل بيتي » تأكيد عميق منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد أن أكّد ذلك ثلاث مرّات بالتكرار ، للتأكيد على هذا الأمر العظيم الثقيل ، الذي يتوقّع عدم قبوله من أكثرهم.

وأمّا في الرواية الأُخرى ، ففي بدايتها يشهدهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ قالوا : بلى ، فأكّد ثانياً ، وقال : «ألست أولى

____________

١ ـ صحيح مسلم ٧ / ١٢٣ ، سنن الدارمي ٢ / ٤٣٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٣٠ و ١١٤ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٧.

٤٢١

بكُلّ مؤمن من نفسه »؟ قالوا : بلى ، بعد الإقرار منهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّه أولى بالتصرّف بهم من أنفسهم ، وله الولاية العظمى عليهم ، أتبع ذلك بقوله : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه »(١) ، فهذا تفريع على ذلك الإقرار وتلك المقدّمة.

وأمّا عدم قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى صراحة فلأنّه إمام البلغاء ، فلو استخدم هذا اللفظ فسوف يقول : «من كنت أولاه فعلي أولاه » ، وهذا لا يجوز في اللغة العربية ، وكذلك أنّ لفظة « أولى » مبنية على أفعل التفضيل ـ الذي فيه مشاركة وزيادة ـ فتعني أنّ علياً أولى من ولي آخر ، ولا يوجد هناك ولي آخر في ذلك الوقت ، لأنّ الإمام والقائد يجب أن يكون واحداً للزمان الواحد ، وهذا بديهي ومسلّم من الجميع.

وعليه ، فإنّ علياًعليه‌السلام الولي الوحيد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، وإنّما تفيد الحصر والقصر.

ولو أردت قرائن أُخر ، وروايات شتّى ، وأقوال لعلماء أهل السنّة ، وحتّى الصحابة بمعنى الولاية وقصدها من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لزدناك.

( أُمّ محمّد ـ الكويت ـ ٤٠ سنة ـ جامعية )

عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب :

س : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من الله تعالى لنبيّه الكريم في آية ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) لا تشير إلى خوف من النبيّ على نفسه ، وإنّما

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢١ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٩ و ٧ / ٣٨٥ ، المناقب : ١٥٥ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٩٨.

٢ ـ المائدة : ٥٥.

٣ ـ المائدة : ٦٧.

٤٢٢

خوف من التكذيب وعدم نفاذ هذا الأمر ، فكيف استطاع عمر بن الخطّاب أن يمنعه بقوله : إنّه ليهجر؟

ج : إنّ الروايات الواردة في تفسير هذه الآية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وكذلك أقوال المفسّرين من الإمامية وغيرهم ، تشير إلى أنّ العصمة التي وعد الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الآية ، تدور بين أمرين ؛ إمّا العصمة من القتل ، أو العصمة من التكذيب حين تبليغ ما أمر الله عزّ وجلّ بتبليغه ، وكلاهما قد وفى الله سبحانه بهما لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي حديث طويل عن ابن عباس : فانزل الله تبارك وتعالى عليه :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تهديد بعد وعيد ، لأمضين أمر الله عزّ وجلّ ، فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة »(١) .

وفي شرح أُصول الكافي للمولى المازندراني : قوله :( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من ولاية عليعليه‌السلام ،( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، لأنّ الولاية أصل الدين وسائر الشرائع فروع وتوابع لها ، وعدم تبليغ الأصل موجب لعدم تبليغ الفرع قطعاً ،( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) قد وفى الله تعالى بما وعده ، حيث أنّهم عن آخرهم قبلوا منه ذلك وصدّقوه يومئذ ، وحيّوه بأحسن تحية وباركوه(٢) .

وعن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينصب علياً للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه الآية(٣) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٤٣٦.

٢ ـ شرح أُصول الكافي ٦ / ١١٩.

٣ ـ مجمع البيان ٣ / ٣٨٢.

٤٢٣

وفي المصدر ذاته : وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أنّ الله أوحى إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستخلف علياًعليه‌السلام فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأدائه(١) .

وقد وردت بعض الأقوال في تفسير هذه الآية بالعصمة من القتل(٢) .

ومن خلال ذلك نعلم أنَّ العصمة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تحقّقت بشقّيها ـ سواء الخشية من القتل أو الخشية من التكذيب ـ حيث سلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنافقين والحاقدين من أن يعتدوا عليه لتنصيب عليعليه‌السلام .

وهو في هذا الموقف يشابه موقف موسىعليه‌السلام حيث توقّف عن التبليغ خشية القتل ، كما حكى الله تعالى عنه :( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) (٣) ، وقد قتل علياًعليه‌السلام من قريش نفوساً كثيرة.

وأيضاً تحقّق له أمر تصديقهم له ، وتسليمهم لعليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين ، والولاية في وقتها في أحاديث مشهورة متضافرة نقلت وقائع تلك الحادثة ، وهذا لا ينافي حصول المعارضة بعد ذلك ، لأنّ الذي يفهم من الآية وحسب ظاهرها أنّ العصمة كانت في آن التبليغ بولاية عليعليه‌السلام ، وقد تحقّق ذلك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( فايز الزبيدي ـ اليمن ـ ٤٠ سنة )

أمر التبليغ بولاية علي كانت فيه :

س : عندما أرسل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الرسائل إلى قيصر الروم وملك فارس ، يدعوهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ، لم يذكر فيها الإمام علي عليه‌السلام إذ قال

____________

١ ـ المصدر السابق ٣ / ٣٨٣.

٢ ـ أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٨ ، الأم ٤ / ١٦٨ ، بحار الأنوار ٨٩ / ١٦٤ ، الخرائج والجرائح ٣ / ١٠٤٥.

٣ ـ القصص : ٣٣.

٤٢٤

فيما معناه : « أن تشهد أنّ لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله » ولم يضف : « علي ولي الله » ، لماذا؟

ج : من المعلوم لديكم أنّ أحكام الشريعة المقدّسة قد نزلت بالتدرّج ، ولم تنزل دفعة واحدة ، فإنّك تجد مثلاً أنّ النطق بالشهادتين في أوّل الدعوة مدعاة لعصمة المال والدم ، كما ورد في الأحاديث الشريفة المتضافرة : (لا أزال أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله »(١) .

ثمّ بعد نزول الفرائض وتوسّع الأحكام ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شهد أن لا إله إلاّ الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلّى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم »(٢) .

لذا فالرسائل التي بعثها النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى رؤساء البلدان في أوّل الدعوة كانت وفق هذا السياق ، وهو إعلان التوحيد الذي أراده الله سبحانه ، بأن لا يشرك به عباده شيئاً ، والإقرار بنبوّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي يعني التسليم بكُلّ ما سيبلّغه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للأُمّة ، ومنها ولاية عليعليه‌السلام التي نزل أمر الله سبحانه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتبليغ بها في آخر الدعوة ، كما هو المعلوم في قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) .

وقد جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه في ذلك الموقع الذي يقال له غدير خم في حادثة مشهورة معروفة ، ليخبرهم بأمر الله في التبليغ بولاية عليعليه‌السلام ، وبعد التبليغ بولايتهعليه‌السلام نزل قوله تعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا »(٤) .

____________

١ ـ الأُم ٦ / ٤ و ١٧٠ ، المصنّف للصنعاني ١٠ / ١٧٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٢٨٠ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢١٥ و ٢٩٩ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٦٣.

٢ ـ صحيح البخاري ١ / ١٠٣ سنن النسائي ٧ / ٧٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٢٨٠.

٣ ـ المائدة : ٦٧.

٤ ـ المائدة : ٣.

٤٢٥

نعم ورد التبليغ بولاية عليعليه‌السلام وخلافته بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في موارد خاصّة ـ لا على نحو التبليغ العام كما جرى في غدير خم ـ كما في يوم الدار عند نزول قوله تعالى :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) ، حيث قال : النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله آخذاً بيد عليعليه‌السلام : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »(٢) .

ولعلّ للتأخّر في الإبلاغ العام بولاية عليعليه‌السلام أسباب كثيرة ، فيها موقع سيف عليعليه‌السلام في الذود عن حمى الرسالة ، ووتره لكُلّ القبائل العربية بقتل أبنائها في الحروب التي واجهوا بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولخصائصه النفسية وقربه الشديد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث جعله موضع حسد البعض وتحاملهم عليه.

لذا نجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يخشى التبليغ بأمر الولاية بشكل عام ، والله سبحانه قد علم من نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الخشية ، فأخبره سبحانه بأنّه سيعصمه من الناس من حيث القتل والتكذيب عند التبليغ ، وقد وفى سبحانه لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما وعده عليه ، حيث سلّم جميع الحاضرين في يوم غدير خم على الإمام عليعليه‌السلام بالولاية.

وقد اشتهر قول عمر في تلك الواقعة : هنيأً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كُلّ مؤمن ومؤمنة(٣) .

____________

١ ـ الشعراء : ٢١٣.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١١ ، جواهر المطالب ١ / ٨٠ ، جامع البيان ١٩ / ١٤٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٦٤ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٥٩ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣٣.

٣ ـ مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ، شرح نهج البلاغة ٥ / ٨ ، نظم درر السمطين : ١٠٩ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢٢ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٧ ، جواهر المطالب ١ / ٨٤.

٤٢٦

الغسل :

( حسن أحمد الملاّح ـ البحرين ـ )

كيفية تغسيل الميت التالف :

س : نرجو التفضّل بإفادتنا حول كيفية إجراء غسل الميت في الحالات التالية :

١ ـ إذا تعرّض الإنسان لحرق أدّى لتفحّم الجثّة ، أو شبه التفحّم ، مع فقدان أعضاء التيمّم ، وعدم إمكان صبّ الماء بالطريقة المتعارفة في عملية الغسل ، خشية الضرر على الجثّة.

٢ ـ في حالة تعرّض الجثّة إلى التعجّن أو ما شابه ـ كما في حالات الكوارث من الطيران أو السيّارات ـ بحيث يختلط العظم باللحم والأحشاء ، ممّا لا يبقي الجثّة على صورتها الطبيعية ، بل يحوّلها إلى كومة من الخليط اللحمي ، أجارنا الله وإيّاكم والمؤمنين والمؤمنات من سوء هذا الأمر.

أفيدونا مأجورين.

ج : لقد ثبت في الفقه الإسلامي وأُصوله : إنّ لكُلّ موضوع حكماً ، وأنّ الحكم تابع للموضوع ، ومع فقد الموضوع يسقط الحكم ، كما أنّ مع تغيّر الموضوع يتغيّر الحكم ، وسقوط الحكم الشرعي إنّما يكون بواحدة من هذه الأُمور :

إمّا بالطاعة ، كمن يتوجّه إليه حكم الصلاة فصلّى ، فإنّ حكم وجوب الصلاة يسقط عنه ، وكذلك يسقط بالمعصية ، كمن لم يصلّ في وقتها

٤٢٧

معصيةً ، فإنّه يسقط عنه حكم الأداء ، ويبقى عليه حكم القضاء ، وقد أثم بترك الأداء لو كان متعمّداً.

وممّا يوجب سقوط الحكم أيضاً فقدان الموضوع ، كوجوب غسل الميت لو كان الميت موجوداً ، ومع عدمه ـ كما لو أكله الحيوان ، أو أخذه السيل ـ فإنّه يسقط الغسل أو التكفين ، ومفروض المسألة : لو كان يمكن غسله ولو بصبّ الماء عليه فإنّه يلزم ذلك ، أمّا لو كان بنحو لا يمكن حتّى صبّ الماء عليه ، فهو بحكم المفقود ، فيلزم سقوط الغسل عنه حينئذٍ.

وعن الإمام علي بن الحسين ، أو عن الإمام الصادقعليهم‌السلام قال : «المجدور والكسير والذي به القروح يصبّ عليه الماء صبّاً »(١) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه سُئل عن رجل يحترق بالنار ، فأمرهم أن يصبّوا عليه الماء صبّاً ، وأن يصلّى عليه(٢) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أيضاً قال : « إنّ قوماً أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله ، مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسلناه انسلخ ، فقال : يمّموه »(٣) .

وطبقاً لهذه الروايات الشريفة ، إن أمكن صبّ الماء عليه فليصب ، وإلاّ فيتيمّم ، إن كانت أعضاء التيمّم سالمة ويمكن تيمّمه ، وإلاّ فإنّه يسقط الحكم الشرعي ، أي وجوب الغسل بزوال الموضوع ، أو عدم التمكّن منه.

وجاء في كتاب العروة الوثقى : « القطعة المبانة من الميت ، إن لم يكن فيها عظم ، لا يجب غسلها ولا غيره ، بل تلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان فيها عظم ، وكان غير الصدر تغسل ، وتلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان الأحوط تكفينها بقدر ما بقي من محلّ القطعات الثلاث ، وكذا إن كان عظماً مجرّداً.

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢١٣ ، تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.

٣ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.

٤٢٨

وأمّا إذا كانت مشتملة على الصدر ، وكذا الصدر وحده ، فتغسل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن ، وكذا بعض الصدر ، إذا كان مشتملاً على القلب ، بل وكذا عظم الصدر ، وإن لم يكن معه لحم.

وفي الكفن يجوز الاقتصار على الثوب واللفّافة ، إلاّ إذا كان محلّ المئزر أيضاً موجوداً ، والأحوط القطعات الثلاثة مطلقاً ، ويجب حنوطها أيضاً »(١) .

إن بقي جميع عظام الميّت بلا لحم ، وجب إجراء جميع الأعمال(٢) .

نقول : ولمّا كانت بعض هذه الموارد مورد احتياط واختلاف بين الفقهاء ، فالمفروض أن تسأل من تقلّده ، وترجع إليه في الفتوى.

( ـ البحرين ـ ١٨ سنة )

عندنا يختلف عن الغسل عند أهل السنّة :

س : هل يوجد اختلاف في الغسل بيننا وبين أهل السنّة ، كما هو موجود في الوضوء؟

ج : واجبات الغسل عندنا هي :

أوّلاً : النية ، ثانياً : غسل تمام البشرة ، ثالثاً : الترتيب بين أعضاء الغسل أي بين الرأس والطرفين ، وبين الشقّ الأيمن والأيسر ، رابعاً : تطهير تمام البدن من كُلّ نجاسة.

بينما نجد واجبات الغسل عند أهل السنّة تختلف حسب اختلاف المذاهب :

فقد اتفق الأئمّة الأربعة على أنّ تعميم الجسد كُلّه بالماء فرض ، واختلفوا في داخل الفم والأنف ، فقال الحنابلة والحنفية : إنّه من البدن ، فالمضمضة الاستنشاق فرض عندهما في الغسل ، أمّا الشافعية والمالكية فقد قالوا : إنّ الفرض هو غسل الظاهر فقط ، فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل.

____________

١ ـ العروة الوثقى ٢ / ٤٦.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٤٢٩

واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كُلّ ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن ، واتفقوا على إزالة كُلّ حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته ، إلاّ أنّ الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر ، إذا كان يتعذّر عليهم إزالته دفعاً للحرج.

واتفقت الشافعية والمالكية على أنّ النية فرض ، وأمّا الحنابلة يقولون : إنّ النية شرط لا فرض ، والحنفية يقولون : إنّها سنّة.

( ـ ٢٤ سنة ـ طالب جامعة )

الإمامعليه‌السلام يحتاج إليه :

س : هل الإمام المعصوم عليه‌السلام يحتاج إلى غسل؟ وإذا كان الجواب بنعم ، فما معنى طهارتهم في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) ؟

ج : إنّ حكم الغسل جار للمعصوم وغيره ، فالإمامعليه‌السلام يغتسل ويغسّل غسل الميت ، ولهذا ورد أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله(٢) .

وأمّا المقصود من الطهارة للإمامعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) هو : الطهارة من الآفات والمعاصي والذنوب.

فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الآفات والذنوب »(٣) .

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٢ ـ الكافي ١ / ٣٨٥ ، الخرائج والجرائح ١ / ٢٦٤.

٣ ـ تفسير فرات الكوفي : ٣٤٠.

٤٣٠

الغلوّ :

( ـ ـ سنّي )

لا غلوّ في حبّ علي وما قاله :

س : أُودّ أن أفهم مدى الغلوّ في الإمام علي؟ وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف أنّ الإمام علي ( كرّم الله وجه ) قال : « أنا عبد من عبيد الرسول »؟

ج : نودّ إعلامك : أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحقّ ) (١) ، لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن الله ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن الله ، وغلوّ في حقّ الله تعالى لأنّهم نسبوا له ولداً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام عليعليه‌السلام هو الحبّ الذي تكنّه الشيعة له ، فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك الله تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ، يفتح الله عليه » ، فإذا نحن بعليٍ وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففتح الله عليه(٢) .

____________

١ ـ المائدة : ٧٧.

٢ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، مسند أحمد ٥ / ٣٣٣ ، صحيح البخاري ٤ / ٢٠ و ٢٠٧ و ٥ / ٧٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٣٦٢ ، مجمع الزوائد ٦ / ١٥٠ ، مسند أبي داود : ٣٢٠ ، كتاب

٤٣١

وعن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني »(١) .

وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كُلّ خير ، وفي موالاته كُلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً ، أعيذك بالله أن تجعل ما فعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع عليعليه‌السلام لا يتجاوز ما أمرنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حبّه وولايته.

وأيضاً في قوله تعالى :( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٢) فعن ابن عباس قال :( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ ) يعني يحبّ الله ،( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ،( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ،( فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة الله ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.

قال ابن عباس : فبدأ الله في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «رحم الله علياً ، اللهم أدر الحقّ معه حيث دار ».

____________

السنّة : ٥٩٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٦ و ١٠٨ و ١٧٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٩ و ٥٦ و ٦١ ، المعجم الكبير ٧ / ٣١ و ١٨ / ٢٣٧ ، دلائل النبوّة : ١٢٤ ، شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٤ و ١٣ / ١٨٦ ، نظم درر السمطين : ٩٨ ، كنز العمّال ١٠ / ٤٦٨ و ١٣ / ١٦٢ ، فيض القدير ٦ / ٤٦٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٦ ، الثقات ٢ / ١٢ و ٢٦٧ ، الكامل في التاريخ ٥ / ٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٨٢ و ٨٨ و ٩٧ و ١١٨ و ١٢٣ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الإصابة ٤ / ٤٦٦ ، أنساب الأشراف : ٩٣ ، الجوهرة : ٦٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٢١١ و ٧ / ٢٥١ و ٣٧٢ ، السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٧٩٧ ، المناقب : ١٠٨ و ١٧٠ و ١٩٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٣٥١ ، سبل الهدى والرشاد ٢ / ٣٢ و ١٠ / ٦٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٣ و ٢ / ٢٣١ و ٣٩٠ ، النهاية في غريب الحديث ٢ / ١٤٠ ، لسان العرب ١٠ / ٤٣٠ و ١٤ / ٣٥٢ ، تاج العروس ٧ / ١٣٣.

١ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ، المناقب : ٧٠.

٢ ـ المائدة : ٥٦.

٤٣٢

قال ابن مؤمن ـ من علماء أهل السنّة ـ : « لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي »(١) .

فإذا كان الأمر في علي هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في عليعليه‌السلام ، فهذه مرويّات أهل السنّة تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!

وما ذكرته من السؤال : كيف أنّ الإمام عليعليه‌السلام روح من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فإنا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني به إمّا قبل الخلقة ، وإمّا بعد الخلقة :

أمّا قبل الخلقة : فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجزء عليعليه‌السلام ، وهذا الحديث قد تواتر عند علماء أهل السنّة ، كما تواتر عند علماء الشيعة ، فعن سلمان المحمّدي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب »(٢) .

هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين : أحدهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والآخر عليعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.

أمّا بعد الخلقة : فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى :( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا

____________

١ ـ شواهد التنزيل ١ / ٢٤٦.

٢ ـ نظم درر السمطين : ٧ و ٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧ ، جواهر المطالب ١ / ٦١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٧ و ٢ / ٣٠٧ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧١ ، المناقب : ١٤٥ ، الرياض النضرة ٣ / ١٠٣.

٤٣٣

وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (١) ، فعن جابر :( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول الله وعلي ،( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ،( وَنِسَاءنَا ) فاطمة(٢) .

وعن ابن عباس قال : نزلت في رسول الله وعلي( وَأَنفُسَنَا ) (٣) ، وقال الشعبي :( وَأَنفُسَنَا ) علي بن أبي طالب(٤) .

والخطاب كان موجّهاً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للنصارى بقوله: ( وَأَنفُسَنَا ) ، يعني نفس النبيّ الذي هو علي ، لأنّ الضمير « نا » وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي ، فعليعليه‌السلام نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمقتضى سياق الآية.

هذا ما أمكننا ذكره في هذه العجالة ، ومنه ثبت أنّ علياً نفس النبيّ ، أي روحه كما عبّرت في سؤالك.

وعن حبشي بن جنادة السلولي قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي »(٥) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علي منّي وأنا منه » يعني أنّ « من » التي تفيد التبعيض ، تؤكّد أنّ علياً من النبيّ ، أي امتداد له وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدّعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.

____________

١ ـ آل عمران : ٦١.

٢ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٣٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٧٩.

٣ ـ شواهد التنزيل ١ / ١٦٠.

٤ ـ أسباب نزول الآيات : ٦٨.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ، الآحاد والمثاني ٣ / ١٨٣ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٢٨ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٠ ، المعجم الكبير ٤ / ١٦ ، نظم درر السمطين : ٧٩ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ، كشف الخفاء ١ / ٢٠٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٣١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٥ ، تهذيب الكمال ٥ / ٣٥٠ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٢١٢ ، الجوهرة : ٦٣ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢ و ٧ / ٣٩٤ ، ينابيع المودّة ٢ / ٧٨ و ٩٦ و ٣ / ١٤٣ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٣٥٦.

٤٣٤

على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ عليعليه‌السلام ومنزلته ، فعن ابن السمّاك : أنّ أبا بكر قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :« لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (١) .

أمّا قولك : إنّ علياًعليه‌السلام قال :« أنا عبد من عبيد الرسول » ، فهذا لا ينافي عبودية علي لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول الله عبد لله تعالى ، ومعنى قوله :« أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي أنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرواً ، فالعبد هنا تابع لسيّده ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص علي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.

( هادي محمّد ـ الكويت ـ )

ليس في خطبتي البيان والطتنجية غلوّ :

السؤال : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.

ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالةً ، بل كُلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومينعليهم‌السلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر ، لو أُريد منها معانيها الظاهرية أمثال قولهمعليهم‌السلام : « نحن الأوّل ، والآخر ، والظاهر ، والباطن» وإلى غير ذلك.

فنقول وبالله التوفيق : إنّ الأُمّة المحمّدية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومينعليهم‌السلام

____________

١ ـ ذخائر العقبى : ٧١ ، ينابيع المودّة ٢ / ٤٠٤ و ٣ / ٢٣٠ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٣٦٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.

٤٣٥

بالرجال الثقات والممدوحين ، وعليه فكُلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً لا قيمة له ولا حجّية ، من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نُسب ، وما أرسل منه أو رفع ، أو وقف له أحكامه الخاصّة به ، مذكورة في محلّها ، وعليه :

أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل ـ بالمعنى الأعم ـ مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.

ثانياً : صرف وجود خطبة أو رواية في كتاب ـ مهما كان ـ لا يكفي على مذهب الإمامية للحجّية ، ما لم يقرن بقرائن خاصّة مذكورة في محلّها ، وهذا ما يسمّى بالوجادة ، التي لا حجّية فيها ولا سندية لها في نفسها.

ثالثاً : إنّ إعراض العلماء موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً وهو في مرأى ومسمع منهم ، وأيضاً عدم وجوده في كتب الأُصول « لأُم» عند الطائفة ، وعدم درجه فيها مضعّف له.

رابعاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض ـ الأخبار العلاجية ـ وما ورد عنهمعليهم‌السلام مستفيضاً من قولهم عن الحديث : «ما خالف كتاب الله فهو : زخرف : لم نقله : وأضربه عرض الجدار ، و ... » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كُلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.

وأمّا ما يخصّ المقام فنقول :

أوّلاً : لقد نُسب للسيّد الخوئيقدس‌سره في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للرّد والإبرام ، خصوصاً مع كون «حديثنا صعب مستصعب » ، وقولهمعليهم‌السلام : « ردّوه إلينا » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى من غير من هو أهل لذلك.

٤٣٦

ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كافٍ لإسقاطها عن الحجّية.

ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.

والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّا لهم مع قوله تعالى :( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ) (١) ، وقوله عزّ من قائل :( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقوله عزّ اسمه :( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (٣) وغيرها مثلاً وما أكثرها ، فكيف يردّ التعبير عنهمعليهم‌السلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشمّ منها الغلوّ والكفر ، والعياذ بالله.

ولبّ الجواب عليه ـ فضلاً عمّا سلف ـ هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهمعليهم‌السلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا : نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهمعليهم‌السلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :

أ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا الأوّل والآخر » ، ثمّ فسّره بقوله : «أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة »(٤) .

ب ـ سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام : كيف أصبحت؟ فقال : «أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل الأكبر ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل وأنا

____________

١ ـ النجم : ٤٣ ـ ٤٤.

٢ ـ الحديد : ٣.

٣ ـ البقرة : ٢٥٨.

٤ ـ إعلام الورى ١ / ٥١ ، كشف الغمّة ١ / ١٣.

٤٣٧

الآخر ، وأنا الباطن وأنا الظاهر ، وأنا بكُلّ شيء عليم ، وأنا عين الله ، وأنا جنب الله ، وأنا أمين الله على المرسلين ، بنا عبد الله ، ونحن خزّان الله في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ».

فتعجّب الإعرابي من قوله ، فقالعليه‌السلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن بطين من العلم ، وأنا بكُلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكُلّ شيء أخبر الله به نبيّه فأخبرني به ، فأمّا عين الله ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب الله ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله ، ومن فرّط فيّ فقد فرّط في الله ، ولم يخبر لنبيّ نبوّة حتّى يأخذ خاتماً من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيين محمّد سيّد النبيين ، فأنا سيّد الوصيين.

وأمّا خزّان الله في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول الله ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) »(١) .

ج ـ روي أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : «ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون » ، قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : «قوموا بنا » ، فدخل الدار.

فقال : «أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن » ، فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا.

فقال عليعليه‌السلام للباب : «يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب ، فقال : «ألم أقل لكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون؟!

____________

١ ـ آل عمران : ١٦٩ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٠٥.

٤٣٨

تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتّى آمنتم بالله ورسوله ، وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.

أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن بالله وأسلم ، وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثوبه ودفنه ، وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».

قالوا : فرّجت عنا فرّج الله عنك(١) .

د ـ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا وجه الله ، أنا جنب الله ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل الله ، وبه عزمت عليه ».

قال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ(٢) .

وعلّق عليه العلاّمة المجلسيقدس‌سره بقوله : « وبه عزمت عليه ، أي بالله أقسمت على الله عند سؤال الحوائج عنه »(٣) .

( ـ البحرين ـ )

ليس عندنا غلوّ :

س : يطلقون علينا ألفاظ كالرافضة والغلاة ، فما معنى الغلوّ لغة واصطلاحاً؟ وهل ينطبق علينا الغلوّ واقعاً؟

ج : إنّ الغلوّ لغة هو : مجاوزة الحدّ ، قال ابن منظور : « وغلا في الدين ، والأمر يغلو غلوّاً : جاوز حدّه التهذيب : قال بعضهم : غلوت في الأمر غلوّاً وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحدّ ، وأفرطت فيه »(٤) .

____________

١ ـ الاختصاص : ١٦٣.

٢ ـ اختيار معرفة الرجال ٢ / ٤٧١.

٣ ـ بحار الأنوار ٣٩ / ٣٤٩.

٤ ـ لسان العرب ١٥ / ١٣٢.

٤٣٩

فالغلوّ : هو الارتفاع والتجاوز للحدّ ، وهو في كُلّ شيء بحسبه.

أمّا الغلوّ اصطلاحاً هو : تجاوز أشخاص البشر عن مقاماتها من حدّ العبودية إلى مقام الربوبية ، كما فعل أهل الكتاب بأنبيائهم ، كما في قوله تعالى :( لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ) (١) ، وهذا وارد بحقّ النصارى في عيسىعليه‌السلام ، حين رفعوه من مقام النبوّة إلى مقام الربوبية والأُلوهية.

والغالي في الإسلام : الذي يقول في محمّد وآلهعليهم‌السلام بما لا يقولون : كأنّ يدّعي فيهم النبوّة والأُلوهية ، كالغلاة الذين قالوا بأُلوهية الإمام عليعليه‌السلام ، فحكم فيهم بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّةعليهم‌السلام عليهم بالإكفار ، والخروج عن الإسلام.

أمّا نحن الشيعة الإمامية الإنثا عشرية فلا ندّعي في أئمّتناعليهم‌السلام شيئاً من ذلك ، بل نقول فيهم كما قال الإمام عليعليه‌السلام : «لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثمّ قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا »(٢) .

لذا تجدنا نقول في زيارتهمعليهم‌السلام : السلام على عباد الله المكرمين ، السلام على عباد الله المخلصين.

____________

١ ـ المائدة : ٧٧.

٢ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٣٣.

٤٤٠