موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585
المشاهدات: 238320
تحميل: 6049


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 238320 / تحميل: 6049
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 978-600-5213-04-1
العربية

١٣ ـ القول في المفاضلة بين الأنبياء والملائكةعليهم‌السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ أنبياء الله عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

وأمّا المشتركات بين الشيعة والمعتزلة ، فمنها :

١ ـ القول في التوحيد :

إنّ الله عزّ وجلّ واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء ، ولا يجوز أن يماثله شيء ، وأنّه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كُلّها والأسباب ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٢ ـ القول في الصفات :

إنّ الله عزّ وجلّ حيّ لنفسه لا بحياة ، وأنّه قادر لنفسه وعالم لنفسه ، وإنّ كلام الله تعالى محدث ، وإنّ القرآن كلام الله ووحيه ، وأنّه محدث كما وصفه الله تعالى ، وامنع من إطلاق القول عليه بأنّه مخلوق ، وإنّ الله تعالى مريد من جهة السمع والاتباع والتسليم ، وإنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال ، وإنّه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في كتابه ، أو على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو سمّاه به حججهعليهم‌السلام من خلفاء نبيّه ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

٣ ـ القول في وصف الباري تعالى بأنّه سميع بصير وراء ومدرك :

إنّ استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كُلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول ، وإنّ المعنى في جميعها العلم خاصّة ، دون ما زاد عليه في المعنى ، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحسّ ، وذلك ممّا يستحيل على القديم ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

٤ ـ القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه ، وما علم كونه وما علم أنّه لا يكون :

٥٤١

إنّ الله عزّ وجلّ قادر على خلاف العدل ، كما أنّه قادر على العدل ، إلاّ أنّه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً ، وإنّه سبحانه قادر على ما علم أنّه لا يكون ، ممّا لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٥ ـ القول في نفي الرؤية على الله تعالى بالأبصار :

إنّه لا يصحّ رؤية الباري سبحانه بالأبصار ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٦ ـ القول في العدل والخلق :

إنّ الله عزّ وجلّ عدل كريم ، خلق الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، وعمّهم بهدايته ، بدأهم بالنعم ، وتفضّل عليهم بالإحسان ، لم يكلّف أحداً إلاّ دون الطاقة ، ولم يأمره إلاّ بما جعل له عليه الاستطاعة ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

٧ ـ القول في كراهة إطلاق لفظ « خالق» على أحد من العباد :

إنّ الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ، ويصنعون ويكتسبون ، ولا أطلق القول عليهم بأنّهم يخلقون ، ولا أقول أنّهم خالقون ، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر الله تعالى ، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

٨ ـ القول في اللطف والأصلح :

إنّ الله تعالى لا يفعل بعباده ماداموا مكلّفين ، إلاّ أصلح الأشياء لهم في دينهم ودنياهم ، وإنّه لا يدّخرهم صلاحاً ولا نفعاً ، وإنّ من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير ، وكذلك من أفقره ومن أصحه ومن أمرضه فالقول فيه كذلك ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول(١) .

____________

١ ـ المصدر السابق : ٥٩.

٥٤٢

( مصطفى البحراني ـ عمان ـ ٢٥ سنة ـ طالب ثانوية )

الفرق بين الأُصولية والإخبارية والشيخية :

س : هل يوجد اختلاف في العقائد بين الفرق الشيعية الاثني عشرية الإمامية الجعفرية « الأُصولية ، الإخبارية ، الشيخية »؟ وإذا كان هناك اختلاف فما هو؟ وبماذا يستدلّ كُلّ في معتقده إذا كان هناك اختلاف؟

ج : يوجد هناك فروق بين الطرق والمسالك التي ذكرتموها ـ بعد اتفاقهم على أُسّس المذهب من الإمامية وغيرها ـ فالأُصولية تعتقد بحجّية الاجتهاد في الرأي داخل نطاق الروايات ، والإخبارية تخالفهم وتسدّ باب الاجتهاد لكي تعمل بروايات الكتب الأربعة ، إذ تراها صحيحة السند بأكملها ، ومن هنا يظهر الفرق بين الفقهين الأُصولي والإخباري ، ففي الشبهة الحكمية التحريمية يتشدّد الإخباري ، ويحكم بالاحتياط ، بينما يرى الأُصولي أنّها مجرى قاعدة البراءة.

وأمّا الشيخية ـ أتباع الشيخ أحمد الأحسائي ـ يرون أنّ أُصول الدين تبتني على أربع أُسّس : التوحيد والنبوّة والإمامة والركن الرابع.

وهذا اعتقادهم بالركن الرابع هو الفارق الرئيسي بينهم وبين غيرهم من الطوائف الأُخرى ، فهم يعتقدون بأنّ الإنسان الكامل في كُلّ عصر في زمان الغيبة هو الوسيط بين الحجّةعليه‌السلام والشيعة ، ومن جهة أُخرى يرون أنّ الغيبة هي بمعنى غياب الإمامعليه‌السلام من عالمنا اليوم وانتقاله إلى عالم المثال ، وعليه فلا مناص من حجّية رأي الركن الرابع بتمام الكلمة ، فطاعته طاعة الإمامعليه‌السلام .

وأيضاً لهم كلام في المعاد الجسماني ، فيعتقدون بعدم إعادة هذا الجسم الدنيوي في النشأة الآخرة ، هذا مجمل الاختلاف بين هذه الطوائف ، ولكُلّ منهم دلائل ـ بين الصحيح والسقيم ـ لا مجال للبحث والأخذ والردّ فيها بهذه العجالة ، فليراجع في مظانّها.

٥٤٣

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

الفرق بين المعتزلة والأشاعرة :

س : أُريد أن أعرف من هم المعتزلة والأشاعرة؟

ج : تنقسم السنّة ـ في مقابل الشيعة ـ من جهة الفقه والأحكام إلى مذاهب أربعة ، وهي الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

وتنقسم السنّة من جهة العقائد والكلام إلى معتزلة وأشاعرة.

فالمعتزلة : فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أوائل القرن الثاني ، وسلكت منهجاً عقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها واصل بن عطاء الغزال ، المتوفّى ١٣١ هـ.

وقيل : سمّيت بالمعتزلة لأنّ واصل من تلامذة التابعي الحسن البصري اعتزل عن أُستاذه.

ثمّ أنّ المعتزلة قد افترقوا إلى ما يقارب اثنتين وعشرين فرقة ، منها : الواصلية ، النظامية ، الهشامية ، الصالحية ، الجبائية ، الحمارية.

وكُلّ فرق المعتزلة تجمع على أُمور يسمّونها الأُصول الخمسة ، وهي : التوحيد ، العدل ، الوعد والوعيد ، المنزلة بين المنزلتين ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأمّا الأشاعرة : فهي فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أواخر القرن الثالث ـ أو في بدايات القرن الرابع ـ وسلكت منهجاً نقلياً وعقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها أبو الحسن الأشعري ، المتوفّى ٣٢٤ هـ.

وكان الأشعري شافعي المذهب ، وكان تلميذاً متحمّساً للجبائي الفقيه المعتزلي ، ثمّ انفصل عن أُستاذه ، وسلك طريقه الخاصّ.

٥٤٤

وكانت الحنفية تؤثر رأي الماتردي الذي عاصر الأشعري ، وكان يخالفه في بعض مسائل الفروع ، واستمسك الحنابلة بآراء السلف ، وظلّوا خصوماً لمذهب الأشعري(١) .

( حسين قرقور ـ البحرين ـ ٣٠ سنة ـ مهندس معماري )

معنى المرجئة :

س : أرجو منكم التكرّم بشرح موجز عن معنى المرجئة ، وشكراً.

ج : المرجئة لغة : من أرجيت الشيء وأرجأته إذا أنت أخَّرته ، ومنه قول الله تعالى :( تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ ) (٢) ، وإنّما سُمّوا بذلك لأنّهم زعموا أنَّ الإيمان قول ، وأرجئوا العمل : أي قدّموا الإيمان على العمل.

أو : هم يعتقدون بأنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما أنّه لا ينفع مع الكفر طاعة.

سُمّوا مرجئة لاعتقادهم أنّ الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي : أي أخَّره عنهم.

فاصطلاح الإرجاء : إمّا أن يكون مأخوذاً من التأخير ، وإمّا أن يكون مأخوذاً من الرجاء ، أي الأمل.

( جعفر سلمان عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

الديانة الأحمدية وعقائدها :

س : ما هي الديانة الأحمدية؟

ج : الأحمدية : فرقة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد القادياني ، يرجع نسبه إلى تيمور الكوركاني ، كانوا يسيطرون على ولاية كش من بلاد ما وراء النهر ،

____________

١ ـ دائرة المعارف الإسلامية ٢ / ٢١٩.

٢ ـ الأحزاب : ٥١.

٥٤٥

ثمّ هاجروا إلى خراسان ثمّ إلى الهند ، وسكنت منطقة نهر بياس ، وقام عميد الأُسرة بتشييد قرية سمّاها اسلامبول بالقرب من النهر.

ولد غلام أحمد في سنة ١٢٥٥ هـ ـ ١٨٣٩ م ، ودرس العلوم الإسلامية ، وبعد أن أكمل الدراسة الدينية دخل في خدمة الحكومة الإنجليزية ، وعمل في خدمتها إلى سنة ١٨٦٥ م ، ثمّ اعتزل الخدمة وأختار العزلة في مسقط رأسه قاديان ، وفي سنة ١٨٨٠ م أصدر كتابه الديني « البراهين الأحمدية » ، وهو في الأربعينيات من عمره.

وعندما ناهز الخمسين بشّر بنفسه ، وزعم أنّه يوحى إليه ، كما أدّعى أنّه مأذون بقبول البيعة ، وفي سنة ١٩٠٤ م أطلق على نفسه المسيح والمهدي الموعود ، وكان يقول : إنّ المسيح لم يصلب ، وإنّما فرّ من أعدائه ، وسافر إلى الهند ، وأقام في كشمير ، وأنبرى لتعليم الإنجيل ، وعمّر مائة وعشرين سنة ثمّ مات ، ودفن في سري تكر ، ومرقده معروف « يوذاسف ».

توفّي غلام أحمد سنة ١٣٢٦ هـ ـ ١٩٠٨ م ، فانتخب أتباعه شخصاً يدعى مولوي نور الدين ، وبعد فترة انتخبوا نجله الميرزا بشير الدين محمود بصفته خليفة المسيح الثاني ، حكم هذا أربعين سنة ، وأضفى على المذهب أُمور أُخرى جديدة.

أمّا عقائدهم : فهم يفترقون عن المسلمين بثلاثة أُمور :

الأوّل : طبيعة المسيح ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ المسيح لم يصلب ، ولكنّه مات في الظاهر فقط ، ودفن في قبر خرج منه بعد ذلك ، وهاجر إلى الهند ، وبالتحديد إلى كشمير ليعلّم الإنجيل ، ويقال : إنّه توفّي هناك بالغاً من العمر مائة وعشرين عاماً ، ودفن في سري تكر.

الثاني : المهدي ؛ حيث يعتقدون أنّ المهدي يتجسّد فيه المسيح والنبيّ في وقت واحد ، والاعتراف به من الإيمان.

٥٤٦

الثالث : الجهاد ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ الوظيفة الأُولى هي الدعوى إلى الإسلام والجهاد ، يجب أن لا يقوم على امتشاق الحسام ، بل يجب أن يقوم على وسائل سليمة.

يقول غلام أحمد : لا يجب أن يكون الجهاد في عصرنا بالحرب والسيف ، بل يجب أن يكون جهاداً يقوم به أتباع ذلك المذهب لنشر عقائدهم وتوسيعها بسلام وهدوء.

( عباس الشيخي ـ العراق ـ ٢٨ سنة ـ ماجستير فيزياء ـ شيعي شيخي كرماني )

بحث موضوعي عن الشيخية :

س : من أين لكم هذه الافتراءت على الشيخية الكرمانية ، وما هو دليلكم الشرعي والعقلي على بطلان عقيدتهم ، وشكراً مسبقاً على الإجابة.

ج : سنذكر لكم بحثاً مفصّلاً حول الشيخية وعقائدهم , والذي حاولنا أن نلتزم فيه بالموضوعية الكاملة , ليكون مرجعاً إلى كُلّ من يريد معرفة حقيقة الأمر , فنقول :

الشيخية : فرقة من الشيعة الإمامية ظهرت في أواخر النصف الأوّل من القرن الثالث عشر الهجري ـ التاسع عشر الميلادي ـ وسمّيت بذلك نسبة إلى زعيمها الأوّل شيخ أحمد الأحسائي ، المتوفّى ١٢٤١ هـ ـ ١٨٢٥ م ، وتسمّى بالكشفية أيضاً لما يصرّح به زعيمها من الكشف والإلهام ، أو لأنّ الله سبحانه قد كشف غطاء الجهل وعدم البصيرة في الدين عن بصائرهم ، كمّا تسمّى بالركنية أيضاً لقولها بالركن الرابع ، والشيعي الكامل ، واعتباره من أُصول الدين ، كما سيأتي ، وهذه الأفكار التي أدّت إلى حوادث نزعها بينها وبين الشيعة الأُصولية ، الذين أنكروا هذه المسائل.

وهذه المسائل التي طرحها الشيخ أحمد الأحسائي أدّت إلى البعض بتبنّيها ، وبالأخصّ تلميذه المقرّب السيّد كاظم الرشتي ، إذ بعد وفاة الشيخ أحمد عهد

٥٤٧

إليه بالخلافة لأُستاذه ، أو بالركنية والمرجعية لأُمور الدين ، واستمر أمر هذه الفرقة متبنّياً لأراء الأحسائي ، وتلميذه السيّد الرشتي إلى أن حصل الافتراق بينهما بعد حسن جوهر ، وهكذا برزت إلى الوجود مدرستان ، مدرسة تبريز والمسمّاة بشيخية تبريز ، ومشيخة كرمان ، ووقع نازع بينهما.

وزعيم الشيخية التبريزية الآن عبد الله عبد الرسول الإحقاقي وموطنه الكويت ، وزعيم الشيخية الكرمانية الآن عبد الرضا خان الإبراهيمي ، وموطنه كرمان ، ولهم مركز واسع في العراق في البصرة ، وأكثرهم في منطقة التنّومة ، والمدينة ، وينوب عن الزعيم الخان السيّد علي الموسوي.

وقد بثّت هذه الطائفة بعض الآراء والأفكار التي أدّت إلى حدوث النزاع بينهم وبين الطرف الآخر ، وقد ذكروا عدّة فروق بينهم وبين الشيعة الأُصولية ، تزيد على ثلاثين فرقاً ، إلاّ أنّها في الحقيقة مسائل جزئية لا يمكن جعلها من الخصائص المكوّنة للفرقة الشيخية ، وأهمّ المسائل التي طُرحت ، وهي محلّ الخلاف بين الطرفين هي أربع : المعاد الجسماني ، والغلوّ والتفويض ، والمعراج ، والركن الرابع ، فإنّ هذه المسائل هي أهمّ نقاط الخلاف بين الشيخية وغيرهم.

وقد أدّت الأفكار التي طرحتها الشيخية إلى حصول نزاع شديد بينهم وبين خصومهم ، واتخاذ بعض المواقف من قبل ما تبنّونه من آراء وأفكار ، وعموماً فإنّ من يرجع إلى أفكار التي طرحها الجانبان الكرمانية والتبريزية يجدها تحتوي على أُمور غريبة ، لا تمتّ إلى الدين بصلة ؛ حيث جعلوا الفروع من الأُصول ، بل وأضافوا إلى الأُصول أشياء لم يقم عليها دليل قرآني أو روائي ، كمسألة الركن الرابع ، والتي جعلوها من أُصول الدين ، ومن لم يؤمن بها أو لم يعرفها ، فهو لم يعرف التوحيد ولا النبوّة ولا الإمامة.

وسندرس هذه النقاط الأربعة تباعاً ، ونطرح ما يؤمن به الشيخية فيها ، ثمّ التعقيب عليها بما أمكن.

٥٤٨

النقطة الأُولى : المعاد الجسماني : يعتقد الشيعة الإمامية كما يعتقد سائر المسلمين أنّ الله عزّ وجلّ يعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، وأنّ المعاد هو الشخص بعينه وجسده وروحه لو رآه الرائي لقال : هذا فلان ، فهم ممّن يقول بإتيان المعادين الجسماني والروحاني.

لكن الشيخية قالوا : إنّ الجسم جسمان ، والجسد جسدان : جسد عنصري دنيوي ، وهو مخلوق من عناصر هذه الدنيا التي تحت فلك القمر ، وهذه تفنى ويلحق كُلّ شيء إلى أصله ويعود إليه ، فيعود ماؤه إلى الماء ، وهواؤه إلى الهواء ، وناره إلى النار ، وترابه إلى التراب ، ولا يرجع ولا يعود ; لأنّه كالثوب يلقى من الشخص.

والثاني : جسد أصلي من عناصر « هورقليا» ، وهو كامن في هذا المحسوس ، وهو مركّب من الروح فيقوم للحساب ، وهو الجسد الذي يتألّم ويتنعّم ، وهو الباقي وبه يدخل الجنّة والنار.

وهكذا تلميذه كاظم الرشتي كما ذكر ذلك في كتابه « دليل المتحرين : ٧٩» ، والشيخ حسن جوهر في كتابه « المخازن : ١٢٣ ».

فالشيخ الأحسائي وتلامذته من بعده ومن اتبعهم يؤمنون بأنّ هذا الجسد لا يرجع في الآخرة ، وإنّما هناك مادّة « هورقليا» هي التي تعاد يوم القيامة ، وهي التي تنعم بعد الموت ، فقال يتأكّل حتّى لا يبقى منه إلاّ الطينة ، فقد فسّرها الأحسائي ‎ بـ « الهورقليا» إلى المادّة الأصلية الباقية التي لا تُفنى.

وهذا الكلام خلاف ما عليه الشيعة الإمامية الأُصولية ، وكذلك فلاسفتهم ومتكلّميهم ، فهم يؤمنون بما نطقت به الشريعة الحقّة ، من أنّ المعاد للروح والجسد معاً ; لأنّ ذلك ما أخبر به الصادق الأمين ، وكُلّ أخباره حقّ لا ريب فيها.

وعليه ، فيكون منكر ذلك منكر لأمر متّفق عليه بين الشيعة ، ومسلّم عندهم ، لكن على أيّ حال لا يمكن القول بأنّ الشيخ أحمد الأحسائي ينكر المعاد الجسماني ، وإنّما هو وقع في خطأ في فهم المعاد الجسماني ، وبعد ورود

٥٤٩

الإشكالات على مسألة المعاد الجسماني ، وإضافة إلى روايات الطينة وغيرها اخترع الشيخ أحمد للإنسان جسماً آخر سمّاه « هورقليا » ، وبيّن أنّه هو الجسم الحقيقي دون غيره ، وأنّه هو الذي يتألّم ويمرض وغير ذلك ، وأمّا هذا الجسم العنصري فلا قيمة له لا في ألم أو حسّ أو غير ذلك.

النقطة الثانية : المعراج النبوي : اتفق المسلمون عموماً على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عرج إلى السماء ، وأُسري به من مكّة إلى المسجد الأقصى ، ومن هناك كان عروجه إلى السماء.

وقد اختلفوا في كيفية عروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ربّه ، فهل كان بجسده وروحه معاً ، أم كان بروحه دون جسده؟ ذهب عموم المسلمين إلاّ ما شذّ منهم إلى أنّ عروجه كان بروحه وجسده معاً ، وأنّ ذلك من المعجزات الإلهية التي تثبت نبوّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشذّ بعض إلى الذهاب بعروج روحه دون جسده فقط.

والشيعة الإمامية تؤمن بأنّ المعراج كان بالروح والجسد لقوله تعالى :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ) (١) ، فقد أطلق المعراج على الظاهر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو هيكله المادّي والروحي ، وأيضاً لكون المعراج معجزة من المعاجز ، فلذلك كان بروحه وجسده معاً ، هذا ما تعتقده الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

وأمّا الشيخية فهم لا يعتقدون بالعروج الجسماني للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينكرون كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عرج بروحه وجسده المادّي الذي كان متلبّساً به ، وإنّما عرج بروحه وبمادّة.

قال الشيخ أحمد الأحسائي : « إنّ الصورة البشرية عند إرادة صعوده يجوز فيها احتمالان ، في الواقع هما سواء ، وفي الظاهر الأوّل أبعد من المعقول والآخر أقرب!!

____________

١ ـ الإسراء : ١.

٥٥٠

فالأوّل : إنّ الصاعد كُلّما صعد ألقى منه عند كُلّ رتبة ما منها فيها ، مثلاً : إذا أراد تجاوز الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، فإذا رجع أخذ ما له من كرة النار ، وإذا وصل الهواء أخذ ما له الهواء.

لا يقال على هذا : إنّ هذا قول بعروج الروح خاصّة ، من لأنّه إذا ألقى ما فيه عند كُلّ رتبة لم يصل منه إلاّ الروح؟

لأنا نقول : إنّا لو قلنا بذلك ، فالمراد بها إعراض ذلك ؛ ذوات تلك لو ألقاها بطلت بنيّته بالكُلّية ، فيجب أن لا يكون ذلك موتاً ; لأنّ القائلين بعروج الروح يقولون : إنّ بنيّته باقية لا تتفكّك ، وإنّما مرادنا أنّ الجسم بالنسبة إلى عالم الفساد يتلطّف إذا صعد إلى عالم الكون ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من التجسّد والتخطيط.

والثاني : إنّ الصورة البشرية التي هي المقدار والتخطيط تابعة للجسم في لطافته وكثافته ، وإنّ الأجساد اللطيفة النورانية تكون بحكم الأرواح لا تزاحم فيها ولا تضايق ، ولهذا يبلغ المعصوم من مشرق الدنيا إلى مغربها في أقل من طرفة عين »(١) .

وهو هنا أن حاول التقسيم واللف والدوران ، لكن رأيه واضح في أنّ العروج لم يكن بهذا الجسد الكثيف ; لأنّ صعود العناصر تقضي الخرق والالتئام.

ولذلك ردّ عليه الشيخ محمّد رضا الهمداني بقوله : « وقالت الشيخية بما هو لفظ الشيخ في رسالته المسمّاة بالقطيفية قال : أنّه لمّا أراد العروج ألقى في كُلّ كرة ما منها ، فألقى ترابه في التراب ، وماءه في الماء ، وهواءه في الهواء ، وناره في النار ، وكُلّ قبضة في تلك السماء ، ثمّ لما رجع أخذ من كُلّ كرة ما ألقى

____________

١ ـ الرسالة القطيفية ضمن كتاب جوامع الكلم ١ / ١٨١.

٥٥١

فيها »(١) ، وقد خالف بذلك ما عليه الشيعة الإمامية ، من أن عروجه كان بهذا الجسم الكثيف ، وهو من معجزات النبوّة.

وأمّا مسألة الخرق والالتئام ، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند عروجه ألقى كُلّ ما فيه من هواء وماء وحرارة وتراب في فلكها السماوي المخصوص به ، فهو كلا غير صحيح.

وذلك : أوّلاً : إنّ نظرية الأفلاك ، وإنّ هناك أفلاك نارية ، وأفلاك مائية ، وأفلاك ترابية وغير ذلك غير صحيحة ، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الأفلاك تكتسب حرارتها من غيرها ، فهي غير نارية بالذات ، وإنّما النارية عارضة لها ، وكذلك المائية والهوائية.

ثانياً : إنّ نزع ذلك في حقيقته هو نزع للجسد ; لأنّه يؤمن أنّ الجسد مكوّن من هذه العناصر الأربع ، فإذا نزعها انتفت عنه وانتهت ».

النقطة الثالثة : الغلوّ : الدين الإسلامي دين سماوي ، مبنيّ على أُصول شرعية وعقلائية ، جاء موافقاً للفطرة وللذوق العقلائي ، وجاء هادياً الناس إلى أنّ يعتقدون بأُلوهية الله سبحانه وتعالى ، ولا يشركون به شيئاً ، فهو الموجد للكون وخالقه ، ومجري حركاته وسكناته ، وهو رازق من فيه ، ومحي كُلّ حيّ ، ومميت كُلّ ميّت ، وهو الذي يشفي ، وهو الذي يمرض ، وبمشيئته يحصل كُلّ شيء ، قال تعالى :( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) (٢) .

وبيّن أنّه القاهر فوق عباده فقال :( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) (٣) ، وبيّن أنّ كُلّ من في الأرض عبيده ، وكُلّ آتيه طوعاً أو كرهاً :( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) (٤) ، وصوّر للإنسان أنّه هو الخالق له

____________

١ ـ هدية النملة إلى مرجع الملّة : ٢٣.

٢ ـ الزخرف : ٨٤.

٣ ـ الأنعام : ١٨.

٤ ـ مريم : ٩٣.

٥٥٢

ولكُلّ شيء فقال :( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (١) .

وقال مبيّناً خلق الإنسان وكيفية إنشائه :( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ) (٢) .

وقد ذمّ الله سبحانه وتعالى غلوّ المسيحيين في عيسى فقال :( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الحقّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكُلّمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (٣) .

وبيّن الله سبحانه وتعالى أنّه المتفرّد بالعلم بالغيب فقال :( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (٤) ، وقال :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٥) .

وبيّن الله سبحانه وتعالى اختصاصه بالرزق والإحياء والإماتة والإمراض والاشفاء ، وغيرها ممّا هي من شؤون ربوبية الله سبحانه وتعالى ، والتي أكّدها أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بشكل واضح وصريح.

فقد ورد في الاحتجاج ردّاً على المفترين الغلاة ، قال فيه الإمام المهديعليه‌السلام : « يا محمّد بن علي تعالى الله عزّ وجلّ عمّا يصفون ، سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره ، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه :( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ) (٦) ، وأنا وجميع آبائي من الأوّلين : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم

____________

١ ـ الصافات : ٩٦.

٢ ـ السجدة : ٧ ـ ٩.

٣ ـ النساء : ١٧١.

٤ ـ الأنعام : ٥٩.

٥ ـ الجنّ ٢٦ ـ ٢٧.

٦ ـ النمل : ٦٥.

٥٥٣

من النبيين ، ومن الآخرين محمّد رسول الله وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، ممّن مضى من الأئمّةعليهم‌السلام إلى مبلغ أيّامي ومنتهى عصري عبيد الله عزّ وجلّ ، يقول الله عزّ وجلّ :( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ له مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) (١) .

يا محمّد بن علي آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه ، فأشهد الله الذي لا إله إلاّ هو وكفى به شهيداً ، ورسوله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وملائكته وأنبياؤه وأوّلياؤهعليهم‌السلام ، وأشهدك وأشهد كُلّ من سمع كتابي هذا أنّي بريء إلى الله وإلى رسوله ممّن يقول : إنّا نعلم الغيب ، ونشاركه في ملكه ، أو يحلّنا محلاً سوى المحلّ الذي رضيه الله لنا وخلقنا له ، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبيّنته في صدر كتابي.

وأشهدكم ؛ أنّ كُلّ من نبرأ منه ، فإنّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأوّلياؤه ، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك »(٢) .

فعقيدة الإسلام والمتمثّلة بأهل البيتعليه‌السلام واضحة المعالم محدودة الأُصول والأطراف ، وهي موافقة لكتاب الله سبحانه وتعالى ، في نفي المشاركة له في الرزق والإحياء والإماتة والغيب وغيره ذلك ، وبهذا وغيره ينفى كُلّ شيء دخيل عليها أو شيء يوهم غير ذلك من نسبة أُمور لا واقع لها إلى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

إلاّ أنّ الشيخ أحمد الأحسائي نجده غير ذلك تماماً ، ففي كلماته تجد ما ينفي قول الأئمّة فيهم أنفسهم ، فهو ينسب إليهم الإحياء والإماتة والرزق ، وصفات مختصّة بالله سبحانه وتعالى ، قال في شرح الزيارة الجامعة : « ألا إلى الله تصير الأُمور : أنّها تصير إلى علي ، وبيان ذلك أنّ الأُمور حادثة مخلوقة ،

____________

١ ـ طه : ١٢٢ ـ ١٢٤.

٢ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٨٨.

٥٥٤

والحادث المخلوق لا يصل إلى القديم ، ولا يرجع إليه سبحانه ; لأنّه تعالى متعال عن كُلّ شيء ، وإنّما المعنى أنّ الأُمور تصير وترجع إلى أمره تعالى ، وأمره تعالى جعله عند وليّه ، فالمصير إلى إليه مصير إلى الله ، والرادّ إليه رادّ إلى الله ، وقد قال تعالى :( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) (١) .

وقد دلّت الأدلّة القاطعة مع الإجماع!! على إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم ، فإنّ الأخبار متواترة بذلك »(٢) .

ويقول : « الأربعة عشر معصوماً هم صفات الله وأسماؤه والآؤه ونعمه ، ورحمته الواسعة ورحمته المكتوبة ، وهم معانيه ، وهم وجه الله الذي يتوجّه إلى الأولياء ، وهم اسم الله المبارك ذي الجلال والإكرام ، ووجهه الباقي بعد فناء كُلّ شيء ، والوجه الذي ينقلب في الأرض ، ومقصد كُلّ متوجّه ، وسائر من مطيع حيث يحبّ الله ، ومن عاص حيث يكره الله ، وهم أوعية غيبه ، وهم ظاهره في سائر المراتب ، وجميع المعاني والمقامات ، آياتهم ظاهرة في الآفاق ، وفي أنفس الخلق ، ومعجزاتهم باهرة ، وهم ملوك الدنيا والآخرة »(٣) .

وقال : « والطاعة حادثة وهم ذلك الحدث »(٤) .

وقال : « فانحصرت العبادة التي هي فعل ما يرضي والعبودية التي هي رضا ما يفعل فيهم وبهمعليهم‌السلام ، فإنّ التسبيح والتقديس والتحميد والتكبير والتهليل والخضوع والخشوع والركوع والسجود وجميع الطاعات وأقسام العبادات وكذلك العبودية ; كُلّ ذلك أسماء معانيها تلك الذوات القدسية والحقائق الإلهية »(٥) .

____________

١ ـ الغاشية : ٢٥ ـ ٢٦.

٢ ـ شرح زيارة الجامعة

٣ ـ المصدر السابق : ١٧.

٤ ـ المصدر السابق : ٣٦.

٥ ـ المصدر السابق : ١٣٢.

٥٥٥

وقال : « ولله الأسماء الحسنى ، أي ملكه وخلقه ، فادعوه بها ، فتقول : يا كريم يا رحيم يا غفور إلى سائر أسمائه ، وهي هم ـ يعني أهل البيت ـ »!!(١) .

وقال : « إنّ أهل البيت خلق فوق بني آدم وجسومهم لن ترى في الأبصار بل حتّى البصائر »!!(٢) .

وقال : « فإذا كان الله غنياً لم يرد شيئاً لنفسه ، وإنّما يريده لغيره وهم ـ يعني أهل البيت ـ ذلك الغير ، والطاعة حادثة ، وما تنسب لغير حادث ، وهم ذلك الحادث المنسوب إليه الحادث.

إنّ الله تعالى حصر شؤونه في أهل البيت ، وحصر حاجات خلقه عندهم »(٣) .

وقال : « وهم العلل الأربعة للمخلوقات ، فالعلّة الفاعلة بهم ، والعلّة المادّية منهم ، أي من شعاعهم وظلّهم ، والعلّة الصورية بهم على حسب قوابل الأشياء من خير أو شرّ ، والعلّة الغائية هم ; لأنّ الأشياء خُلقت لأجلهم »(٤) .

وقال : « وأمّا الرزق فهو ما ينتفع به الحيّ ، وليس لغيره منعه منه ، والمراد بالغير غير الله وغير رسوله وأهل بيته »(٥) .

ويذهب الشيخ أحمد الأحسائي إلى فوق ذلك فيقول : « بأنّ الخلق كُلّهم عبيد لأهل البيتعليهم‌السلام عبودية رقّية ملكية ، وليست عبودية طاعة ، قال : أمّا نسبة العبد إلى الله فلا توقّف لأحد في أنّه عبد رقّ وعبد طاعة لا يملك شيئاً من أمره وأمّا نسبتهم إلى الخلق ، فالمعروف عند كثير من العلماء ، ومن بعض الأخبار أنّهم عبيد طاعة لا عبيد رقّ.

____________

١ ـ المصدر السابق : ٢٨٩.

٢ ـ المصدر السابق : ٣٨٥.

٣ ـ المصدر السابق : ٤٣٨.

٤ ـ المصدر السابق : ٣٨٤.

٥ ـ حياة النفس : ٥٨.

٥٥٦

والذي يدلّ عليه الدليل عقلاً ونقلاً أنّه ـ يعني الإمام ـ أولى بهم من أنفسهم بالأولوية التي كانت لرسول الله ، وهي إنّه سبحانه خلق الأشياء له ولأهل بيته الطاهرين ، وفي الحديث القدسي : «خلقتك لأجلي وخلقت الأشياء لأجلك ».

وقول عليعليه‌السلام : «نحن صنائع ربّنا ، والخلق بعد صنائع لنا » أي صنعهم الله لنا ، واللام في لنا للملك ، وهذا المعنى هو الذي تقيده أخبارهم إنارة ، لأنّ التصريح فيه فصحّ بالحكمة فوجب الإشارة للتقية »(١) .

وهناك كلمات كثيرة ضربنا عنها صفحاً روماً للاختصار.

لكن نقول : إنّ علماء الشيخية في القديم والحديث قد تجاوزوا الحدّ في تقديس أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وغالوا في حبّهم كثيراً ، وفوّضوا إليهم بعض الأُمور ، مدّعياً في بعض الأحيان الإجماع على ما يعتقدونه!! وهو بعيد كُلّ البعد ، لأنّ زعماء الطائفة في القديم والحديث قد طرحت مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وبيّنوه بشكل يلائم العقل والفطرة والوجدان ، وقاموا بالأخذ من منبع النبوّة الصافي ، الذي يعرض الدين الإسلامي الحنيف وأئمّته بشكل يحدّد لكُلّ شخص مقامه ووظائفه ، لا يتجاوزها ولا يحيد عنها ، والتحذير من الروايات الغريبة والضعيفة التي فيها كلام يخالف الأُصول الكُلّية ، والقواعد العامّة التي بيّنها الله تعالى ، وبيّنها أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في كلماتهم وأقوالهم وأفعالهم.

ومثالاً على ذلك ما قال ياسر الخادم نقلاً عن الإمام الرضاعليه‌السلام حيث قال : قلت للرضاعليه‌السلام : ما تقول في التفويض؟ قال : « إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه ، فقال :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) فأمّا الخلق والرزق فلا »(٣) .

____________

١ ـ شرح الزيارة : ٢٨.

٢ ـ الحشر : ٧.

٣ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢١٩.

٥٥٧

وما نقله آنفاً عن الإمام الحجّةعليه‌السلام حينما تبرّأ من نسبة بعض الأفعال إليهم ، كعلم الغيب ونحوه.

وفي الحقيقة أنّ هذه الأقوال والكلمات والاعتقاد بها جرّ على أئمّة أهل البيت وشيعتهم ويلات كثيرة ، وأدّت إلى طرح المذهب الشيعي المتمثّل بالإسلام الحقيقي بشكل مشوّه ، وبشكل ينفر منه الطبع الإنساني ، بل والمنبع الصافي للإسلام ، وأدّت إلى الطعن بأئمّة وشيعة أهل البيت ، ورميهم بالغلوّ والزندقة ، واتهامهم بأنّهم أهل باطن لا يعيرون للحياة الدنيا أيّ أهمّية ، فهم مذهب كهنوتي قنصوي أقرب من كونهم يطرحون الإسلام الذي جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجاء به القرآن الكريم ، وهذا واضح لدى أبسط فرد احتكّ بشخص مسلم لم يطّلع إلاّ على هذه الآراء الشخصية التي شذّت عن علماء الطائفة ، وارتأت روايات خاصّة يرويها بعض الغنوصين كعلي بن حمزة البطائني وغيره.

لقد جاء الإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، مبيّناً تفرّد الله سبحانه وتعالى بالأُلوهية ، وما يتبعها من شؤون من إحياء وإماتة ، ورزق وعلم كُلّ شيء وغير ذلك ، وإنّ هذا الرسول الذي أُرسل إليهم وظيفته تبليغ شرع الله تعالى ، ولا يملك من نفسه شيئاً ممّا أضافت إليه هذه الأفكار الكهنوتية القنوصية ، والإمام من بعده هو حافظ للشريعة عن الانحراف والانعطاف في المزالق والمهاوي المهلكة ، لا يملكون لأنفسهم شيئاً ولا رزق ولا إماتة وإحياء ولا غير ذلك ، وكُلّ هذا هو خروج عن تعاليم السماء ، والانعطاف بالرسالة من مسيرها الأصلي الذي جاءت به ، وهو أُلوهية الله تعالى وحاكميته على الكون كُلّه.

وعليه تتفرّع كُلّ الأُمور الأُخرى من عبودية له ، وتشريع مختصّ به وقدرة مختصّ بها ، وتصرّف بالشؤون ، وغير ذلك ممّا لا يعدّ ولا يحصى.

النقطة الرابعة : الركن الرابع : إنّ الدين الإسلامي والمذهب الشيعي يقرّان بأنّ الله تعالى هو الإله المنفرد بالأُلوهية ، وأنّ الله سبحانه هو الذي تجب طاعته

٥٥٨

عقلاً وشرعاً ، وأنّ الله تعالى أرسل رسلاً مبشّرين ومنذرين ، وتجب طاعتهم لأنّهم رسل الله إلى البشر ، وكذلك الإمام بعد النبيّ تجب طاعته لأنّها طاعة لله وللنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذه هي السلسلة الحقيقة التي يجب الارتباط بها : الله ، الرسول ، الإمام.

والله تعالى هو الإله المتفرّد بشؤون الخلق والرزق والحاكمية والأُلوهية.

والنبيّ والإمام قد عصمهم الله تعالى ، ولذلك وجبت طاعتهم لأنّهم يمثّلون الشريعة الإلهية الصادقة ، وأمّا غير النبيّ والإمام فهم بشر حالهم حال غيرهم ، لا تجب طاعة أحد لأحد ، ولا يجب الأخذ بكلام أحد دون أحد بل هم سواسية ، والفقيه يرجع إليه في الأُمور الفقهية الفرعية المرتبطة بأُمور الدين ، لأنّه من أهل الاختصاص ومن أصحاب هذا الشأن ، فارجع الإمام إليه في الحكم والفتوى في الدين ، وهو إنسان يخطئ ويصيب ليس معصوماً أو كاملاً تامّاً بحيث لا يخطأ ، وإنّما هو بشر فيجري ما يجري على البشر.

بعد أن عرفنا أنّ العصمة مختصّة بأربعة عشر معصوماً لا غير ، وهو وظيفته إرشاد الأُمّة إلى ما فيه الخير والصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولزوم الرجوع إليه باعتباره متخصّصاً بالفقه ، واستنباط الأحكام الشرعية بعدما كان يعجز أيّ إنسان يمارس ذلك الفنون معرفة الحكم الشرعي.

هذه هي عقيدة الشيعة في العالم المجتهد الفقيه ، ولأجل ذلك جاز عندهم تعدّد الفقهاء ووجود أكثر من واحد منهم في زمن واحد.

إلاّ أنّا نجد الشيخية قد خالفوا ذلك ، وادعوا أنّ هناك ما يمكن تسميته بالنيابة الخاصّة ، وأنّ الفقيه هو النائب عن المعصوم الخاصّ ، ويكون عالماً بكُلّ ما يحتاج إليه الناس ، ويكون هو الواسطة بين الإمام والرعية ، ويجب دعوة الخلق إليه ، ولا يحقّ لغيره أن يتصدّى للأُمور العامّة إلاّ بإذنه ، ولأجل ذلك سمّوه بالناطق والنائب والقطب والركن الرابع وغير ذلك من التسميات ، وهو إنسان كامل تامّ.

٥٥٩

قال الكرماني في رسالة أرسلها إلى السيّد كاظم الرشتي : « اعتقادي أنّ من لم يعرف السابق عليه ، والباب الذي تجري منه جميع الفيوض لم يعرف شيئاً من التوحيد والنبوّة والإمامة ، وأنا عبدك الأثيم!! محمّد كريم قد انقطعت من الدنيا كُلّها إليك.

إنّ الشيخ الأجل الأمجد كان قطب زمانه لتصريح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : أنت قطب!! فالشيخ الأكبر هو الذي يعبد به الرحمن وتكتسب به الجنان ; لأنّه العقل.

وقد رأينا أنّ الأمر بعده رجع إليك ظاهراً ، فأنت نائبه بالنصّ الجلي منه ، فإذن أنت الذي يُعبد به الرحمن ويُكتسب به الجنان ، وأنت باب الله لا يؤتى إلاّ منه ، كما سمعت منك في الطيف!!

والآن يكون قرب ثلاث سنين إنّي جعلتك لوجهتي باب تجاهي في أوقات دعواتي وصلواتي ، وأقدّمك بين يدي حوائجي وإرادتي في كُلّ أحوالي وأُموري ، وأعتقد أنّ من لم يفعل هذا صلّى إلى غير القبلة والوجهة!!

فإن كان كائن عليك لا أرانا الله ذلك ، فمن ولي الأمر بعدك؟ ولو كان يجوز نبيّ بعد نبيّ وادعيتم النبوّة لم نطلب منكم معجزة ، بل والله مع ذلك لو ادعيت ذلك الآن لصدّقتك بلا معجزة »!!(١) ، وهذا كفر بعينه.

فانظر إلى هذا الكلام حيث أشار فيه :

١ ـ وجود الركن الرابع الذي هو خليفة الإمام ، وهو الذي يكون القبلة ، وهو الذي يعبد به الرحمن ، ومن لم يقرّ بذلك يكن غير مدركاً لله ولا لرسوله ولا للإمام!!

٢ ـ إنّ الشيخ أحمد هو باب الإمام ، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّبه ذلك المنصب ، وقال له : أنت نائبي.

____________

١ ـ إحقاق الحقّ للأحسائي : ١٦٨.

٥٦٠