موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667
المشاهدات: 279977
تحميل: 5853


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 279977 / تحميل: 5853
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 5

مؤلف:
ISBN: 978-600-5213-05-8
العربية

تقدّم من الوعيد عليه انتهى ، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ، ومن تبعيضية ، والتقدير كراهية بعض النياحة ، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ، ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية : أنّ النياحة لا تحرم ، وفيه نظر ، وكأنّه أخذه من كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينه عمّة جابر لمّا ناحت عليه ، فدلّ على أنّ النياحة إنّما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خدّ ، أو شقّ جيب ، وفيه نظر »(١) .

وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه قائلاً : « وأمّا الندب والنياحة فنصّ أحمد على تحريمها ، قال في رواية حنبل : النياحة معصية ، وقال أصحاب الشافعي وغيرهم : النوح حرام ، وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أنّ النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.

وقال بعض المتأخّرين من أصحاب أحمد : يكره تنزيهاً ، وهذا لفظ أبي الخطّاب في الهداية قال : ويكره الندب والنياحة ، وخمش الوجوه ، وشقّ الجيوب والتحفي ، والصواب القول بالتحريم

وقال المبيحون لمجرّد الندب والنياحة مع كراهتهم له : روى حرب عن وائلة بن الأسقع وأبي وائل ـ وهما من الصحابة ـ أنّهما كانا يسمعان النوح ويسكتان.

قالوا : وفي الصحيحين عن أُمّ عطية قالت : لمّا نزلت هذه الآية :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ) (٢) كان منه النياحة ، ونهانا عن النياحة فقبضت منّا امرأة يدها فقالت : فلانة أسعدتني فأنا أُريد أن أجزيها ، قالت : فما قال لها شيئاً فذهبت فانطلقت ثمّ رجعت فبايعها.

قالوا : وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدلّ على أنّ النهي عنه تنزيه لا تحريم ، ويتعيّن حمله على المجرّد من تلك المفاسد جمعاً بين الأدلّة »(٣) .

والقصد من إيراده أنّ بعض علماء السنّة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم ، كرواية الناهية من عمل الجاهلية ، فما هو جوابكم عن

__________________

١ ـ فتح الباري ٣ / ١٢٩.

٢ ـ الممتحنة : ١٢.

٣ ـ عدّة الصابرين : ١٠٤.

١٦١

هذا ، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادره.

والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول : « وفي الجملة ، فما يعرف في الإسلام أنّ المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنّها هاشمية ، ولا سبي عيال الحسينعليه‌السلام ، بل لمّا دخلوا بيت يزيد قامت النياحة في بيته ، وأكرمهم وخيّرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة ، فاختاروا الرجوع إلى المدينة »(١) .

فلاحظ أنّ ابن تيمية يمدح يزيداً على إقامته النياح على الحسينعليه‌السلام ، وهو قاتله!!

ثانياً : إنّ علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية ، وكما كان لعلماء السنّة آراء واجتهادات لفهم النصّ ، كذلك كانت لعلمائنا ، فينبغي للعاقل أن يطّلع على آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النصّ الشريف.

ويكفي للقارئ ملاحظة ما ورد في كتاب العروة الوثقى ، وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من ٹ لماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان ، حيث تجد في كتاب الطهارة تحت عنوان : مكروهات الدفن حديثاً مفصّلاً حول تلك الأُمور ، فيقول السيّد اليزدي :

« مسألة ١ : يجوز البكاء على الميّت ولو كان مع الصوت ، بل قد يكون راجحاً ، كما إذا كان مسكّناً للحزن وحرقة القلب ، بشرط أن لا يكون منافياً للرضا بقضاء الله ، ولا فرق بين الرحم وغيره ، بل قد مرّ استحباب البكاء على المؤمن ، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال ، والخبر الذي ينقل من أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى :( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .

وأمّا البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ، ما لم يكن مقروناً بعدم الرضا بقضاء الله ، نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته.

__________________

١ ـ منهاج السنّة ٤ / ٥٥٩.

١٦٢

مسألة ٢ : يجوز النوح على الميّت بالنظم والنثر ، ما لم يتضمّن الكذب ، ولم يكن مشتملاً على الويل والثبور ، لكن يكره في الليل ، ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل ، لكن الأولى أن لا يشترط أوّلاً.

مسألة ٣ : لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر ، بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال على الأحوط ، وكذا لا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ ، والأحوط تركه فيهما أيضاً »(١) .

هذا علماً بأنّ هذه الفتاوى بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلى غير مصاب سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وأمّا مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصّة عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام تجعله مصاباً مميّزاً عن غيره ، لا تشمله هاتيك الأحكام(٢) .

ثالثاً : روى الطوسي في أماليه عن المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمّد الأنصاري ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « كُلّ الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين »(٣) .

والسند تام ، فكُلّ الرواة ثقات عدا أبو محمّد الأنصاري ، وقد قال عنه السيّد الخوئي في المعجم : « أبو محمّد الأنصاري ، هذا يعتد بقوله لقول محمّد ابن عبد الجبّار ، في رواية الكافي المتقدّمة : أنّه خير ، وأمّا قول نصر بن الصباح من أنّه مجهول لا يعرف فلا يعتنى به ، لأنّ نصر بن الصباح ضعيف »(٤) .

ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات مثل الرواية السابقة عن أبيه عن سعد عن الجاموراني ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام سمعته يقول : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كُلّ ما جزع ، ما خلا البكاء على الحسين بن عليعليهما‌السلام فإنّه فيه مأجور »(٥) .

__________________

١ ـ العروة الوثقى ١ / ٤٤٧.

٢ ـ بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٠.

٣ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ١٦٢.

٤ ـ معجم رجال الحديث ٢٣ / ٤٢.

٥ ـ كامل الزيارات : ٢٠١.

١٦٣

فهذه الرواية صريحة في أنّ المكروه السابق لا يشمل الحزن على سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام .

هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلاّمة في المنتهى ، حيث قال : « البكاء على الميّت جائز غير مكروه إجماعاً قبل خروج الروح وبعده إلاّ الشافعي ، فإنّه كرهه بعد الخروج

النياحة بالباطل محرّمة إجماعاً ، أمّا بالحقّ فجائزة إجماعاً

يحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشقّ الثوب ، إلاّ في موت الأب والأخ ، وقد سوّغ فيها شقّ الثوب للرجل ، وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور »(١) .

وقال الشهيد في الذكرى : « يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعاً ، قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء الله ، واستثنى الأصحاب إلاّ ابن إدريس شقّ الثوب على موت الأب والأخ ، لفعل العسكري على الهاديعليهما‌السلام ، وفعل الفاطميات على الحسينعليه‌السلام

وسئل الصادقعليه‌السلام عن أجر النائحة فقال : « لابأس قد نيح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، وفي خبر آخر عنهعليه‌السلام : « لابأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً »

وروى أبو حمزة عن الباقرعليه‌السلام : « مات ابن المغيرة ، فسألت أُمّ سلمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها ، وكان ابن عمّها ـ ثمّ رثته بأبيات ـ وفي تمام الحديث ، فما عاب عليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ولا قال شيئاً »

يجوز الوقف على النوائح لأنّه فعل مباح ، فجاز صرف المال إليه ، ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام قال : « قال لي أبي : يا جعفر ، قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيّام منى » ، والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله ، وإظهارها ليقتدى بها »(٢) .

__________________

١ ـ منتهى المطلب ١ / ٤٦٧.

٢ ـ الذكرى : ٧٢.

١٦٤

والشيخ في المبسوط وابن حمزة حرّما النوح ، وادعى الشيخ الإجماع ، والظاهر أنّهما أرادا النوح بالباطل ، أو المشتمل على المحرّم كما قيّده في النهاية ، وفي التهذيب جعل كسبها مكروهاً بعد روايته أحاديث النوح.

ثمّ أوّل الشهيد أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملاً على الباطل أو المحرّم ، لأنّ نياحة الجاهلية كانت كذلك غالباً ، ثمّ قال : المراثي المنظومة جائزة عندنا ، وقد سمع الأئمّةعليهم‌السلام المراثي ولم ينكروها(١) .

البكاء على الميّت مستحبّ عند أهل السنّة!

هذا وقد ورد في مصادر العامّة ما يدلّ على أنّ البكاء على الميّت سنّة سنّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده قائلاً : « أخبرنا النضر ابن شميل أخبرنا محمّد بن عمرو ، حدّثني محمّد بن إبراهيم عن عائشة قالت : مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين انصرف على بني عبد الأشهل ، فإذا نسائهم يبكين على قتلاهم ، وكان استمر القتل فيهم يومئذ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكن حمزة لا بواكي له ».

قال : فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة ، فجعلت عائشة تبكي معهن ، فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستيقظ عند المغرب ، فصلّى المغرب ثمّ نام ، ونحن نبكي فاستيقظ رسول الله لعشاء الآخرة ، فصلّى العشاء ثمّ نام ، ونحن نبكي فاستيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نبكي ، فقال : «ألا أراهن يبكين حتّى الآن ، مروهن فليرجعن » ، ثمّ دعا لهن ولأزواجهن ولأولادهن »(٢) .

والرواية حسنة على الأقل لوثاقة الكُلّ ، إلاّ محمّد بن عمرو بن علقمة الليثي ، قال ابن حجر في التقريب : « صدوق له الأوهام »(٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٧٩ / ١٠٧.

٢ ـ مسند ابن راهويه ٢ / ٥٩٩.

٣ ـ تقريب التهذيب ٢ / ١١٩.

١٦٥

وقال أحمد في مسنده : حدّثنا زيد بن الحباب ، حدّثني أُسامة بن زيد ، حدّثني نافع عن ابن عمر : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا رجع من أُحد ، فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قُتل من أزواجهن ، قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ولكن حمزة لا بواكي له » ، قال : ثمّ نام فاستنبه وهن يبكين ، قال : «فهن اليوم إذاً يبكين يندبن بحمزة »(٢) .

وقد بيّن الحاكم في مستدركه الأمر الأخير بقوله : « وهو أشهر حديث بالمدينة ، فإنّ نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتّى يندبن حمزة ، وإلى يومنا هذا »(٣) .

ولعلّك تلاحظ في هذه الرواية أنّها لا تدلّ على جواز البكاء على الميّت وندبه فحسب ، بل إنّها تدلّ على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة.

وقد ورد في المروي عن طريق أُسامة بن زيد الليثي زيادة تدلّ بظاهرها على نسخ الجواز ، وهي زيادة : «مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم »(٣) .

قال الشوكاني : « ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلاّ أُسامة بن زيد الليثي ، ففيه مقال »(٤) .

ولك حتّى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند ، فإنّه رفض كونها ناسخة ، كما صرّح بذلك ابن القيّم في كتابه عدّة الصابرين قال : « وأمّا دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصحّ ، إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى أُحد ، ويدلّ على ذلك أنّ نصوص الإباحة أكثرها متأخّرة عن غزوة أُحد ، منها حديث أبي هريرة ، إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ،

__________________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٤٠.

٢ ـ المستدرك ١ / ٣٨١.

٣ ـ مسند أحمد ٢ / ٨٤.

٤ ـ نيل الأوطار ٤ / ٢٥٣.

١٦٦

ومنها البكاء على جعفر وأصحابه ، وكان استشهادهم في السنة الثامنة ، ومنها البكاء على زينب ، وكان موتها في السنة الثامنة أيضاً ، ومنها البكاء على سعد بن معاذ ، وكان موته في الخامسة ، ومنها البكاء عند قبر أُمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان عام الفتح في السنة الثامنة »(١) .

البكاء على الحسين سنّة سنّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل من أخبر بواقعة شهادة الحسينعليه‌السلام ، وأوّل الباكين عليه عند ولادتهعليه‌السلام .

روى ابن حبّان في صحيحه عن أنس بن مالك قال : « استأذن ملك القطر ربّه أن يزور النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأذن له ، فكان في يوم أُمّ سلمة.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد » ، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل ، فجعل يتوثّب على ظهر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل النبيّ يتلثّمه ويقبّله ، فقال له الملك : أتحبّه؟ قال : « نعم » ، قال : أما إنّ أُمّتك ستقتله ، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال : « نعم » ، فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إيّاه ، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أُمّ سلمة فجعلته في ثوبها »(٢) .

وأمّا بكاؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، فقد روى أحمد في مسنده عن نجي عن أبيه أنّه سار مع عليعليه‌السلام ـ وكان صاحب مطهرته ـ فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، فنادى علي : « اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات » ، قلت : وماذا؟

قال : « دخلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ، وعيناه تفيضان؟ قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبرائيل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات ، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من

__________________

١ ـ عدّة الصابرين : ١٠٤.

٢ ـ صحيح ابن حبّان ١٥ / ١٤٢.

١٦٧

تربته؟ قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا »(١) .

قال الهيثمي معلّقاً على الرواية : « رواه أحمد وأبو يعلى والبزّار والطبراني ، ورجاله ثقات ، ولم ينفرد نجي بهذا »(٢) .

وروى الطبراني عن أُمّ سلمة قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً ذات يوم في بيتي فقال : « لا يدخل عليّ أحد « فانتظرت ، فدخل الحسينعليه‌السلام ، فسمعت نشيج رسول الله يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح جبينه ، وهو يبكي ، فقلت : والله ما علمت حين دخل.

فقال : « إنّ جبرائيل كان معنا في البيت ، فقال : تحبّه؟ قلت : أمّا من الدنيا فنعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء » ، فتناول جبرائيلعليه‌السلام من تربتها فأراها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أُحيط بحسين حين قتل ، قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلاء ، قال : « صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء »(٣) .

قال الهيثمي معلّقاً على سند الرواية : « رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها ثقات »(٤) .

وروى الحاكم عن أُمّ الفضل بنت الحارث ، أنّها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة ، قال : « ما هو »؟ قالت : إنّه شديد ، قال : « ما هو »؟ قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رأيت خيراً ، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً ، فيكون في حجرك » ، فولدت فاطمةعليها‌السلام الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

١ ـ مسند أحمد ١ / ٨٥.

٢ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧.

٣ ـ المعجم الكبير ٣ / ١٠٨.

٤ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩.

١٦٨

فدخلت يوماً إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاته ، فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبي الله بأبي وأُمّي ما لك؟ قال : «أتاني جبرائيل فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا؟ فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء »(١) .

هذه روايات صريحة في أنّ البكاء على الحسين هي سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشيعة يتّبعون سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البكاء على سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام .

أعداء أهل البيت يصومون يوم عاشوراء فرحاً!

قال : « ممّا ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ، ما رواه الطوسي في الاستبصار ، وما لا أُطيق أفهم تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء ».

لم يكن لصوم يوم العاشر من المحرّم صدى كما نسمعه اليوم ، ولا تركيز من قبل النواصب كما يفعلون اليوم ، فهل يريدون بذلك أن يغطّوا على شناعة فعل يزيد في ذلك اليوم ، دفاعاً عن بني أُمية.

أمّا عند الشيعة فقد اختلفت آراء فقهاء الشيعة ، تبعاً لاختلاف الروايات وتعارضها في مسألة صوم عاشوراء.

إذ يبدو أنّ القدماء منهم قد حكموا باستحباب صوم يوم العاشر ، إن كان على وجه الحزن ، وحمل الشهيد الثاني معنى الصوم على الامتناع عن المفطّرات إلى العصر ، لا على المعنى الشرعي للصوم ، فهو يرد القول باستحباب الصوم الشرعي ، إذ يقول : « لأنّ صومه متروك ، كما وردت به الرواية »(٢) .

وحكم المحقّق البحراني ـ من المتأخّرين ـ بالحرمة ، ويفهم من السيّد الطباطبائي في الرياض الاستحباب العام ، لا بالعنوان الخاصّ المؤكّد عليه

__________________

١ ـ المستدرك ٣ / ١٧٦.

٢ ـ مسالك الأفهام ٢ / ٧٨.

١٦٩

بالشريعة ، ويؤيّد صاحب الجواهر رأي القدماء ، نعم ظاهر السيّد الخوئي في كتابه المستند ترجيح الاستحباب الخاصّ.

فالقول بأنّ علماء الشيعة تجاهلوا الروايات الدالّة على فضل صيام عاشوراء ، يكشف عن جهل الكاتب الشديد ، بل هو توغّل في الجهالة.

إذاً ، فصوم عاشوراء إمّا أن يكون بالعنوان العام ، أو بالعنوان الخاصّ ، وكلاهما له مؤيّد ومعارض ، نعم هم يتّفقون على حرمة صوم العاشر بعنوان التبرّك ، واعتباره يوم فرح ، كما ظاهر بعض النصوص الواردة في مصادر السنّة ، وظاهر صيام بعضهم ، فذاك موطن التشنيع من قبل الشيعة ورفضهم.

ولعلّ القارئ المنصف يفهم ذلك عندما يقرأ ما صرّح به ابن تيمية في مجموعة الفتاوى : « فعارض هؤلاء قوم إمّا من النواصب المتعصّبين على الحسين وأهل بيته ، وإمّا من الجهّال »(١) .

وقال : « فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء ، كالاكتحال والاختضاب ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك ، ممّا يفعل في الأعياد والمواسم ، فصار هؤلاء يتّخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح »(٢) .

وقال : « وكذلك حديث عاشوراء ، والذي صحّ في فضله هو صومه ، وأنّه يكفّر سنة ، وأنّ الله نجّى فيه موسى من الغرق ، وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر ، وبيّنا أنّ كُلّ ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبّها أحد من الأئمّة مثل الاكتحال والخضاب ، وطبخ الحبوب ، وأكل لحم الأضحية ، والتوسيع في النفقة وغير ذلك ، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم »(٣) .

__________________

١ ـ مجموع الفتاوى ٢٥ / ٣٠٩.

٢ ـ الفتاوى الكبرى ٢ / ٣٠٠.

٣ ـ منهاج السنّة ٨ / ١٥١.

١٧٠

وقد أقرّ ابن كثير في تاريخه ، بأنّ يوم عاشوراء يتّخذ يوم سرور عند النواصب من أهل الشام ، فقال : « وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام ، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ، ويغتسلون ويتطيّبون ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً ، يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون السرور والفرح »(١) .

وقال العيني : « اتفق العلماء على أنّ صوم يوم عاشوراء سنّة وليس بواجب »(٢) .

نعم ، اختلق أعداء أهل البيتعليهم‌السلام أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء ، والاغتسال والخضاب والاكتحال.

قال ابن الجوزي : « قد تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السنّة ، فقصدوا غيظ الرافضة ، فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ، ونحن براء من الفريقين ، وقد صحّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بصوم عاشوراء ، إذ قال : «إنّه كفّارة سنة » ، فلم يقنعوا بذلك حتّى أطالوا وأعرضوا ، وترقّوا في الكذب »(٣) .

إذاً ، فمورد الخلاف في الحقيقة يتوجّه إلى ما صدر بعنوان السرور والفرح ، والزينة يوم عاشوراء ، وما زالت تجد بقاياه إلى يومنا هذا!! فاعتراضنا على من وضعوا الأحاديث التي تتّخذ يوم عاشوراء يوم فرح! منها ما عدّه ابن الجوزي في الموضوعات عن عبد الله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من وسّع على أهله يوم عاشوراء ، وسّع الله عليه سائر سنته »(٢) .

وكذلك روى ابن الجوزي عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً »(٣) .

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٢٠.

٢ ـ عمدة القارئ ١١ / ١٦٧.

٣ ـ الموضوعات ٢ / ١٩٩.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٠٣.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

١٧١

فنكرّر ونقول : إنّ اعتراض الشيعة على هذه الأُمور لا على مجرّد الصيام ، ويبدو من النصوص أنّ من ناقش مستحبّات ذلك اليوم قد ربط ذكرها بالصيام ، فغدا الصوم علامة على فرح ذلك اليوم ، ممّا جعل الصيام شعاراً للفرحين مع الأيّام إضافة للاكتحال والزينة ، ولبس الحلي والتوسعة على العيال وغيرها ، ولذا ينبغي للصائم في هذا اليوم ، أن يكون صومه حزناً ، ولا يفرح كما فرح أعداء الحسين وقاتلوه.

محاولة الكاتب تبرئة يزيد من قتل الحسينعليه‌السلام !

أـ نقل المؤرّخون رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة والي المدينة : « أمّا بعد ، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة ، أخذاً شديداً ليست فيه رخصة ، حتّى يبايعوا والسلام »(١) .

ب ـ ذكر في عهد يزيد إلى عبيد الله الأمر بقتل مسلم بن عقيل : ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكان عنده ، فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة ، وكتب إليه معه : أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة ، يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه ، أو تقتله أو تنفيه والسلام(٢) .

ت ـ وعن جعفر بن سليمان الضبعي قال : قال الحسين بن علي : « والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم ، حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأمة »(٣) .

ث ـ قول يزيد لزينبعليها‌السلام مؤكّداً لنظرته في استحقاق الإمامعليه‌السلام للقتل ، لأنّه خارجي خرج من الدين : إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : « بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدّك »(٤) .

__________________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٥٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٥٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ٢٢٥.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٦٥.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢١٦ ، تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٢٩٦ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨٣.

٤ ـ تاريخ مدينة دمشق ٦٩ / ١٧٧ ، تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٥٣ ، البداية والنهاية ٨ / ٢١٢.

١٧٢

ج ـ وجاء كتاب : بأن سرّح الأُسارى إليّ ، قال : فدعا عبيد الله بن زياد محفز بن ثعلبة ، وشمر بن ذي الجوشن ، فقال : انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، قال : فخرجوا حتّى قدموا على يزيد ، فقام محفز بن ثعلبة ، فنادى بأعلى صوته : جئنا رأس أحمق الناس وألامهم ، فقال يزيد : ما ولدت أُمّ محفز ألام وأحمق ، ولكنّه قاطع ظالم ، قال : فلمّا نظر يزيد إلى رأس الحسين قال :

يفلقن هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما(١)

ح ـ رأي الذهبي في يزيد : « وكان ناصبياً فظّاً غليظاً جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرّة ، فمقته الناس »(٢) .

خ ـ قال السيوطي : « فقُتل وجيء برأسه في طست حتّى وضع بين يدي ابن زياد ، لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضاً »(٣) .

فما هو وجه اللعن من السيوطي ليزيد ، إذا لم يكن له يد في قتلهعليه‌السلام ؟

د ـ قال ابن كثير : « وقد أخطأ يزيد خطأً فاحشاً في قوله لمسلم بن عقبة ، أن يبيح المدينة ثلاثة أيّام ، وهذا خطأ كبير فاحش ، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم ، وقد تقدّم أنّه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد ، وقد وقع في هذه الثلاثة أيّام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحدّ ولا يوصف »(٤) .

ذ ـ قال الذهبي : « ولمّا فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل ، وقتل الحسين واخوته وآله ، وشرب يزيد الخمر ، وارتكب أشياء منكرة بغضه الناس ، وخرج عليه غير واحد ، ولم يبارك الله في عمره »(٥) .

__________________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٥٤.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٦.

٣ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٠٧.

٤ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٤٣.

٥ ـ تاريخ الإسلام ٥ / ٣٠.

١٧٣

وسؤالنا هو : أليست هذه أقوال علماء السنّة؟ أم لا يوجد عالم سنّي إلاّ ابن تيمية؟!

ندم يزيد المزعوم :

قال : « ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجّع على ذلك ، وظهر البكاء في داره ».

نعم ، قد بالغ يزيد في الندم حتّى صار بعد هذا البكاء المزعوم ، ينكت الرأس الشريف بقضيب بيده ، ثمّ يترنّم بأشعار جاهلية ـ كما سيأتي نقلاً عن تاريخ ابن كثير ـ ثمّ أدّعى أمام الجميع ، وبمواجهة العقيلة زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّ بإمكانه أن يهدي ابنة الحسينعليه‌السلام جارية إلى أحد الحضور.

فإن كان ندم فهو ، لما قاله السيوطي في تاريخه : « ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسُرّ بقتلهم أوّلاً ، ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه »(١) .

فأنت ترى أيّها القارئ أنّ ندمه سياسي للعواقب السيّئة التي ترتّبت على جريمته ، لا لأنّه يرى قتل الحسينعليه‌السلام جريمة في نفسها.

ادعاؤه بأنّ يزيد لم يسب لهم حريماً ، بل أكرم أهل بيته وأجازهم ، حتّى ردّهم إلى بلادهم.

وتتجلّى مظاهر التكريم من يزيد لأهل بيت الحسينعليه‌السلام ، الذي يدّعيه الكاتب فيما نقله ابن كثير في تاريخه : « فلمّا دخلت الرؤوس والنساء على يزيد ، دعا أشراف الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه ، فأدخلن عليه والناس ينظرون ، فقال لعلي بن الحسين : يا علي أبوك قطع رحمي ، وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت ، فقال علي :( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٠٨.

١٧٤

كِتَابٍ ) (١) ، فقال يزيد لابنه خالد : أجبه ، قال : فما درى خالد ما يردّ عليه ، فقال له يزيد :( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (٢) ، فسكت عنه ساعة »(٣) .

وذكر في نفس الصفحة عن فاطمة بنت علي قالت : إنّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ـ يعنيني ـ وكنت جارية وضيئة ، فارتعدت فزعة من قوله ، وظننت أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب أختي زينب ـ وكانت أكبر منّي وأعقل ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يجوز ـ فقالت لذلك الرجل : «كذبت والله ولؤمت ، وما ذلك لك وله » ، فغضب يزيد فقال لها : كذبت ، والله إنّ ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله لفعلت.

قالت : «كلاّ والله ، ما جعل الله ذلك لك ، إلاّ أن تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير ديننا » ، قالت : فغضب يزيد واستطار ، ثمّ قال : إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : «بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدّك » ، قال : كذبت يا عدوّة الله.

قالت : «أنت أمير المؤمنين مسلّط تشتم ظالماً تقهر بسلطانك » ، قالت : فو الله كأنّه استحى فسكت ، ثمّ قام ذلك الرجل فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ، فقال له يزيد : أعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً.

وذُكر أيضاً : لمّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية ، جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره ، ثمّ قال : إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام المري :

يفلقن هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

__________________

١ ـ الحديد : ٢٢.

٢ ـ الشورى : ٣٠.

٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢١١.

١٧٥

فقال له أبو برزة الأسلمي : أما والله لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً ، لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرشفه(١) .

ونحن نظنّ بأنّ كاتب المنشور لو كان متواجداً في ذاك المجلس لقال لأبي برزة : دع عنك هذا ، فإنّ يزيداً يكرمه بهذا.

مستند غريب لتبرئة يزيد :

قال : إنّ بني هاشم وبني أُمية أبناء عمومة ، وذلك إنّ هاشم بن عبد مناف والد بني هاشم ، وبني عبد شمس بن عبد مناف والد بني أُمية إخوان ، فالحسين ويزيد أبناء عمومة.

إنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهن العاقل هذا التساؤل : ماذا يريد الكاتب من هذا الكلام؟ أيقول بأنّ أبناء العمومة يجوز لهم أن يقتلوا بعضهم؟ ولا حقّ لكم في التدخّل؟ أم أنّه يقول : بأنّ أبناء العمومة لا يقتلون بعضهم؟

وعلى كلا الفرضين ، فإنّ هذا الكلام نابع وبوضوح من نفس تؤمن بالعصبية والقبلية أيما إيمان ، وبغض النظر عن ذلك ، فإنّنا قد رأينا في تاريخ حكّام المسلمين : أنّ الأخ لا يمانع في قتل أخاه في سبيل المُلك ، فكيف بقرابة العمومة؟!

وهل يريد أن يقول أيضاً : أنّ المعلومات الواردة عن المعارك بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعتاة بني أُمية ـ كأبي سفيان ـ غير صحيحة ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا سفيان أبناء عمومة؟!

نعم ، هناك قرابة وتكنّها قرابة سوء كان يبغضها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روى الحاكم عن أبي برزة الأسلمي قال : كان أبغض الأحياء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنو أُمية وبنو حنيفة وثقيف ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(٢) .

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ٢٠٩.

٢ ـ المستدرك ٤ / ٤٨٠.

١٧٦

ورواه الطبراني في المعجم الكبير بإضافة قول عمران بن حصين : اكتم عليّ حتّى أموت(١) .

وربما كانت هذه العداوة لاصطفاء الله تعالى بني هاشم دونهم ، كما يذكر ذلك مسلم في صحيحه عن واثلة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم »(٢) ، فكم حسدت الناس بني هاشم؟

مكان دفن رأس الحسينعليه‌السلام :

قال : « لم يثبت أنّ رأس الحسين أُرسل إلى يزيد بالشام ، بل الصحيح أنّ الحسين قتل في كربلاء ، ورأسه أُخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة ».

هذا رأي الكاتب الذي ينتقي من كتب التاريخ ويختار منها ما يوافق هواه ، أمّا ابن كثير فيختلف رأيه عن رأي الكاتب ، إذ يقول : « وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين ، هل سيّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا؟ على قولين : الأظهر منهما أنّه سيّره إليه ، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة ، فالله أعلم »(٣) .

وقال أيضاً : « وأمّا رأس الحسين ، فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير : أنّه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ، ومن الناس من أنكر ذلك ، وعندي أنّ الأوّل أشهر ، فالله أعلم »(٤) .

ثمّ نقل أخباراً ، منها : ما رواه عن القاسم بن بخيت قال : ولمّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد قال : أما والله لو أنّي صاحبك ما قتلتك ، ثمّ أنشد قول الحصين بن الحمام المري الشاعر :

يفلقن هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

__________________

١ ـ المعجم الكبير ١٨ / ٢٣٠.

٢ ـ صحيح مسلم ٧ / ٥٨.

٣ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٠٩.

٤ ـ المصدر السابق ٨ / ٢٢٢.

١٧٧

وذكر أيضاً : « ثمّ أمر برأس الحسين فنصب بالكوفة ، وطيف به في أزقّتها ، ثمّ سيّره مع زحر بن قيس ، ومعه رؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام ، وكان مع زحر جماعة من الفرسان ، منهم : أبو بردة بن عوف الأزدي ، وطارق بن أبي ظبيان الأزدي ، فخرجوا حتّى قدموا بالرؤوس كُلّها على يزيد بن معاوية بالشام »(١) .

ونقل عن مجاهد قال : لمّا جيء برأس الحسين ، فوضع بين يدي يزيد ، تمثّل بهذه الأبيات :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج في وقع الأسل

فأهلّوا واستهلوا فرحاً

ثمّ قالوا لي هنياً لا تسل

حين حكت بفناء بركها

واستحر القتل في عبد الأسل

قد قتلنا الضعف من أشرافكم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل(٢)

وقد صرّح السيوطي بإرسال الرأس إلى يزيد فقال : « ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد »(٣) .

تشكيك الكاتب في مكان قبر الحسينعليه‌السلام :

قال : « ولا يعلم قبر الحسين ، ولا يعلم مكان رأسه ».

ولعلّ آخر ما في كنانة هذا الكاتب جهالته وزعمه أنّ قبر الإمام الحسينعليه‌السلام مجهول!! فأُنظر إلى ما يقوله ابن كثير : « وأمّا قبر الحسين فقد اشتهر عند كثير من المتأخّرين أنّه في مشهد علي بمكان من الطف عند نهر كربلاء ، فيقال : إنّ ذلك المشهد مبني على قبره ، وذكر هشام بن الكلبي : أنّ الماء لمّا أُجرى على قبر الحسين ليمحي أثره ، نضب الماء بعد أربعين يوماً ، فجاء أعرابي من بني أسد ،

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ٢٠٨.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ٢٠٩.

٣ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٠٨.

١٧٨

فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها ، حتّى وقع على قبر الحسين فبكى ، وقال : بأبي أنت وأُمّي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ، ثمّ أنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه

فطيب تراب القبر دلّ على القبر(١)

وممّا يدلّ على بقاء محلّه معروفاً ، ما ينقله ابن كثير : « ثمّ دخلت سنة ستّ وثلاثين ومائتين ، فيها أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ، وما حوله من المنازل والدور »(٢) .

نقل ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء معلّقاً : « وكان المتوكّل فيه نصب وانحراف »(٣) .

وذكر ذلك السيوطي في تاريخه(٤) ، ثمّ قال : « ذكر أنّ الخليفة المنتصر بالله ، الذي كان راغباً في الخير ، قليل الظلم ، محسناً إلى العلويين ، وصولاً لهم ، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة ، بمنعهم من زيارة قبر الحسين ، وردّ على آل الحسين فدك »(٥) .

بل كان القبر معروفاً إلى عام ٥٥٣ هـ ، قال ابن كثير : « ثمّ دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وفيها خرج المقتفي نحو الأنبار متصيّداً ، وعبر الفرات ، وزار قبر الحسين »(٦) .

وختام الكلام : نحن ـ كشيعة ـ نعلم يقيناً بأنّ من أهل السنّة من يحبّ أهل البيتعليهم‌السلام ، فأهل البيت ليسوا حكراً على الشيعة ، فقد أمر الله بمودّتهم المسلمين جميعاً ، بل هناك من النصارى من يحبّهم ، وقد تأثّر بهم ، وكتب عنهم!

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٢١.

٢ ـ المصدر السابق ١٠ / ٣٤٧.

٣ ـ سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٥.

٤ ـ تاريخ الخلفاء : ٣٤٧.

٥ ـ المصدر السابق : ٣٥٦.

٦ ـ البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٦.

١٧٩

ونحن نعلم : أنّ هذه الفئة القليلة المتمسلفة فئة شاذّة أموية ، لا تمثّل أيّاً من المذاهب السنّية ، وأنّهم مهما ادعوا مودّة أهل البيت النبويعليهم‌السلام ، فهم يبغضونهم ، ويفضّلون عليهم من ظلمهم وقتلهم!!( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

نرجو أن نكون قد وفّقنا في تحصيل رضى الله تعالى ، ورضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الدفاع عن العترة الطاهرة ، خاصّة فلذة كبده الإمام الحسينعليه‌السلام ، جعلنا الله من ناصريه ، وإن حال بيننا الزمن.

( ـ سنّي ـ )

منع جيش الحسين من الماء :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

هل قصّة منع الماء صحيحة؟ وأنّ الحسين مات عطشاناً ، ولاشكّ أنّها قصّة محزنة مؤلمة ، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه ، وباء بغضب من ربّه.

ج : القصّة صحيحة ، وقد ذكرها علماء السنّة في كتبهم ، نذكر بعضهم :

١ ـ قال ابن حبّان : « فلمّا بلغ الحسين بن علي الخبر بمصاب الناس بمسلم بن عقيل ، خرج بنفسه يريد الكوفة ، وأخرج عبيد الله بن زياد عمر بن سعد إليه ، فقاتله بكربلاء قتالاً شديداً حتّى قُتل عطشاناً ، وذلك يوم عاشوراء »(٢) .

٢ ـ قال ابن حجر الهيتمي : « ولولا ما كادوه به من أنّهم حالوا بينه وبين الماء لم يقدروا عليه ، إذ هو الشجاع القرم الذي لا يزول ولا يتحوّل ، ولمّا منعوه

__________________

١ ـ الشعراء : ٢٢٦.

٢ ـ الثقات ٢ / ٣٠٩.

١٨٠