الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١٠

الغدير في الكتاب والسنة والأدب15%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 389

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 389 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70419 / تحميل: 4462
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

سليط بن النعمان.

الامتاع للمقريزى ص ١١٢.

سهيل بن بيضاء.

منسد أحمد ٣: ٢٢٧، سنن البيهقي ٨: ٢٩٠، الغدير ٧: ٩٩.

ضرار بن الأزور.

تاريخ ابن عساكر ٧: ٣١، ١٣٣.

ضرار بن الخطاب.

تاريخ ابن عساكر ٧: ١٣٣.

عبد الرَّحمن بن عمر.

المعارف لابن قتيبة ص ٨٠، الغدير ٦: ٢٩٦ - ٣٠٠ ط ١.

عبد الرَّحمن بن عوف.

احكام القرآن للجصاص ٢: ٢٤٥، مستدرك الحاكم ٤: ١٤٢: وكثير من

التفاسير، وفي الحديث تحريف أشار إليه الحاكم فى المستدرك ٢: ٣٠٧،

راجع الغدير ٦: ٢٣٦ ط ١، و ٢٥٢ ط ٢.

عبد الله بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة.

كتاب صفين ص ١٨٠.

عتبان بن مالك.

تفسير الخازن ١: ١٥٢.

عمرو بن العاص.

الغدير ٢: ١٣٦ ط ٢.

قيس بن عاصم المنقري.

تفسير القرطبي ٣: ٥٦.

كنانة بن أبي الحقيق.

الامتاع للمقريزى ص ١١٢.

معاذ بن جبل.

شرح صحيح مسلم للنووى ٨: ٢٣٢ هامش ارشاد السارى، الغدير ٧: ٩٩.

٢١

نعيم بن مسعود الأشجعي.

الامتاع للمقريزى ص ١١٢.

نعيمان بن عمرو بن رفاعة الانصاري.

الاستيعاب ١: ٣٠٨، اسد الغابة ٥: ٣٦، تاريخ ابن كثير ٨: ٧٠.

وليد بن عقبة أخي عثمان لاُمّه.

الغدير ٨: ١٢٣ - ١٢٨ ط١.

٢٢

بيعة ابن عمر

تارة وتقاعسه عنها اخرى

هذه عقليَّة ابن عمر النابية عن إدراك الحقايق، وهي التي أرجأته عن بيعة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وحدته إلى بيعة عثمان ولم يتسلّل عنه حتّى يوم مقتله بعد ما نقم عليه الصحابة أجمع خلا شذاذاً منهم، بل كان هو الذي أغرى عثمان بنفسه حتّى قتل كما جاء في أنساب البلاذري ٥: ٧٦ عن نافع قال: حدّثني عبد الله بن عمر قال قال عثمان وهو محصور: ما تقول فيما أشار به عليَّ المغيرة بن الأخنس؟ قال: قلت: وما هو؟ قال: قال: إنَّ هؤلاء القوم يريدون خلعك فإن فعلت وإلّا قتلوك فدع أمرهم إليهم. قال: فقلت: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا. قال: فقلت: فلا أرى أن تسنّ هذه السنَّة في الإسلام فكلّما سخط قومٌ أميرهم خلعوه لا تخلع قميصاً قمَّصكه الله.

وفي إثر هذا جاء في الأثر: انّ عثمان لمـّا أشرف على الناس فسمع بعضهم يقول: لا نقتله ولكن نعزله قال: أمّا عزلي فلا وأمَّا قتلي فعسى.

وهذا من أتفه ما ارتآه ابن عمر فإنّ أمره عثمان أن لا يخلع نفسه خيفة أن يطَّرد ذلك جارٍ في صورة عدم الخلع المنتهي إلى القتل الذي هو أفظع من الخلع، وفي كلِّ منهما سقوط هَيبة السلطان وزوال اُبّهة الخلافة، غير أنّ البقاء مخلوعاً اخفُّ وطأة وأبعد عن مثار الفتن، ومن المشاهد الفتن الثائرة بعد قتل عثمان من قاتليه والحاضّين عليه والمتخاذلين عنه فمن قائلة: اقتلوا نعثلاً. قتل الله نعثلاً. تطلب ثاره. ومُألِّبَين عليه أخذا بضبعي الهودج يحثَّان على الهتاف بثارات عثمان، وموَّها عليها نبح كلاب الحوأب، ومتقاعدٍ عنه بالشام حتى إذا أودي به كتّب الكتائب وخرج إلى صفّين وأزلف إليه من كان يقول لمـّا بلغه انَّه محصور: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار. ولّما بلغه مقتله قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع(١) قال هذا ثمّ طفق يثب مع معاوية

____________________

١ - راجع ما مرّ فى الجزء الثانى ص ١٣٩، والجزء التاسع ص ١٣٧ - ١٤٠.

٢٣

يطلب الثّار، وكان من ولائد وقعة صفّين مقتل الخوارج بنهروان، فمن جرّاء هذه المعامع كانتِ مجزرة كبرى لزرافات من الصحابة والتابعين ووجهاء الأمصار ورؤساء القبائل وصلحاء المسلمين، وهل كانت هذه المفاسد إلّا ولائد ذلك الرأي الفطير الذي أسدى به ابن عمر للخليفة المقتول، ولو كان سالم القوم كما أشار إليه المغيرة بن الأخنس فخلعوه بقي حِلس بيته ولا ثائر ولا مشاغب، وبقيت بيوت المسلمين عامرة ولم تكن تنتشر الفتن في البلاد، قال ابن حجر في فتح الباري ١٣: ١٠: انتشرت الفتن في البلاد فالقتال بالجمل وبصفّين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان بسبب التحكيم بصفّين، وكلُّ قتال وقع في ذلك العصر إنّما تولّد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولّد عنه.ا ه. وقال في ص ٤٢: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّ عثمان: بلاءٌ يصيبنه. هو ما وقع له من القتل الذي نشأت عنه الفتن الواقعة بين الصحابة في الجمل ثمّ في صفّين وما بعد ذلك. ه.

ونحن لا نعرف لابن عمر حجّة فيما ارتكبه من البيعة والقعود إلّا ما نحته له ابن حجر في فتح الباري ٥: ١٩ بقوله: لم يذكر ابن عمر خلافة عليّ لأنّه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الأخبار، وكان رأي ابن عمر انّه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس، ولهذا لم يبايع ايضاً لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية ثمَّ لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير.اهـ.

وقال في الفتح ايضاً ج ١٣: ١٦٥: كان عبد الله بن عمر في تلك المدَّة إمتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع أن يبايع لعليّ أو معاوية، ثمّ بايع لمعاوية لّما اصطلح مع الحسن بن علي، واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه، ثمَّ امتنع من المبايعة لأحد حال الإختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كلّه لعبد الملك فبايع له حينئذ.

هذه حجَّة داحضة موّه بها ابن حجر على الحقايق الراهنة لتغرير امّة جاهلة، و لعلّه اتَّخذها ممّا جاء في الحديث من انّه لّما تخلّف عبد الله بن عمر عن بيعة عليّعليه‌السلام أمر باحضاره فاُحضر فقال له: بايع. قال: لا اُبايع حتّى تبايع جميع الناس. قال له عليٌّعليه‌السلام فأعطني حَميلاً(١) أن لا تبرح. قال: ولا اعطيك حَميلاً. فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين!

____________________

١ - الحميل كفعيل: الكفيل.

٢٤

إنّ هذا قد أمن سوطك وسيفك، فدعني أضرب عنقه. قال: لست اُريد ذلك منه على كره خلّوا سبيله. فلمّا انصرف قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لقد كان صغيراً وهو سيّءُ الخُلق وهو في كبره أسوأ خُلقاً. وروي انَّه أتاه في اليوم الثاني فقال: انّي لك ناصح إنَّ بيعتك لم يرض بها الناس كلهم، فلو نظرت لدينك ورددت الأمر شورى بين المسلمين. فقال عليٌّعليه‌السلام : ويحك وهل ما كان عن طلب منّي؟ ألم يبلغك صنيعهم بي؟ قم يا أحمق، ما أنت وهذا الكلام؟ فخرج ثمَّ أتى عليّاًعليه‌السلام آت في اليوم الثالث فقال: إنّ ابن عمر قد خرج إلى مكّة يفسد الناس عليك فأمر بالبعثة في أثره فجاءت امّ كلثوم ابنته فسألته وضرعت إليه فيه وقالت: يا أمير المؤمنين! انَّما خرج إلى مكّة ليقيم بها، وانَّه ليس بصاحب سلطان، ولا هو من رجال هذا الشأن، وطلبت إليه أن يقبل شفاعتها في أمره لأنّه ابن بعلها فأجابها وكفّ البعثة إليه وقال: دعوه وما أراد.

جواهر الأخبار للصعدي المطبوع في ذيل كتاب البحر الزخّار ج ٥: ٧١.

هلّموا معي يا امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسائل ابن عمر، هلاّ بايع هو أبا بكر ولم يجتمع عليه الناس، وانعقدت بيعته باثنين أو أربعة أو خمسة كما مرّ في ج ٧ ص ١٤١ ط ١؟ والإختلاف هنالك كان قائماً على ساق، وهو الذي فرّق صفوف الامّة حتّى اليوم، وكان ابن عمر ينظر إليه من كثب، ثمَّ لحقتها موافقة الناس بالإرهاب في بعض، وإطماع في آخرين، وأمر دبّر بليل بين لفيف من زبانية الخلافة، وتمَّت بعد وصمات مرَّ الايعاز إليها في الجزء السابع ص ٧٤ - ٨٧، تمّت وصدور امّة صالحة واغرة عليها وعلى من تقمّصها، وهو يعلم أنَّ محلّ عليّعليه‌السلام منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير.

وأمّا أبوه فلم يثبت أمره إلّا بتعيين أبي بكر إيّاه، فيا عجباً يستقيلها في حياته إذا عقدها لآخر بعد وفاته، لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها والإعتذار منها(١) والناس متذمِّرٌ على المستخلف كلّهم ورمٌ أنفه من ذلك قائلين: ما تقول لربِّك وقد ولَّيت علينا فظّاً غليظاً؟ ثمَّ

____________________

١ - جمل لمولانا أمير المؤمنين من خطبته الشقشقية راجع ج ٧: ٨١ ط ٢.

٢٥

ألحقت الناس به العوامل المذكورة.

وأمّا حديث الشورى، وما أدراك ما حديث الشورى؟ فسل عنه سيف عبد الرّحمن بن عوف الذي لم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره، واذكر قوله لعلّي: بايع وإلّا ضربت عنقك أو قوله له: لا تجعلنَّ على نفسك سبيلا كما ذكره البخاري والطبري وغيرهما(١) وزاد ابن قتيبة: فانّه السيف لا غير. أو قول أصحاب الشورى لمـّا خرج عليٌّ مغضباً ولحقوه: بايع وإلّا جاهدناك(٢) أو قول أمير المؤمنين: متى اعترض الريب فيَّ مع الأوَّل منهم حتى صرت اُقرن إلى هذه النظائر، لكنّي أسففت إذا سفّوا، وطرت إذا طاروا، فصغا رجلٌ منهم لضغنه، ومال آخر لصهره مع هنٍ وهنٍ. الخ(٣)

لكن إبن عمر - على زعم ابن حجر - لا يرى كلَّ هذه خلافاً في خلافة القوم، ولا في معاوية من إنجاز الأمر بعد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بين السيف والمطامع، وفي القلوب منه ما فيها إلى أن لفظ نفسه الأخير، هذا سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشّرة ومن رجال الشورى الستّ تخلّف عن بيعته، دخل على معاوية فقال له: السَّلام عليك أيّها - الملِك فقال له: فهلّا غير ذلك؟ أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فقال سعد: نعم إن كنّا أمّرناك وفي لفظ: نحن المؤمنون ولم نؤمّرك. فقال معاوية: لا يبلغني انَّ أحداً يقول: إنَّ سعداً ليس من قريش إلّا فعلت به وفعلت، إنَّ سعداً الوسط في قريش. ثابت النسب(٤) .

وهذا ابن عبّاس وهو يجابه معاوية ويدحض حجّته، قال عبيد الله بن عبد الله المديني: حجَّ معاوية فمرَّ بالمدينة فجلس في مجلس فيه سعد وفيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عبّاس فالتفت إلى عبد الله بن العبّاس فقال: يا أبا عبّاس إنَّك لم تعرف حقَّنا من باطل غيرنا، فكنت علينا ولم تكن معنا، وأنا ابن عمّ المقتول ظلماً يعني عثمان وكنت أحقّ بهذا الأمر من غيري. فقال ابن عباس: أللهمَّ إن كان هكذا فهذا - وأومأ إلى ابن عمر - أحقّ بها منك لأنّ أباه قتل قبل ابن عمّك. فقال معاوية: ولا سواء إنَّ أباه هذا قتله المشركون، وابن عمي

____________________

١ - صحيح البخارى باب كيف يبايع الامام ج ١٠: ٢٠٨، تاريخ الطبرى ٥: ٣٧، ٤٠، الامامة والسياسة ١: ٢٥، الكامل لابن الاثير ٣: ٣٠، الصواعق ص ٣٦، فتح البارى ١٣: ١٦٨، تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٠٢.

٢ - أنساب البلاذرى ٥: ٢٢.

٣ - راجع الجزء السابع ص ٨١.

٤ - تاريخ ابن عساكر ٥: ٢٥١ و ج ٦: ١٠٦.

٢٦

قتله المسلمون. فقال ابن عبّاس: هم والله أبعد لك وأدحض لحجَّتك. فتركه(١) .

وأنكرت عائشة على معاوية في دعواه الخلافة وبلغه ذلك فقال: عجباً لعائشة تزعم انِّي في غير ما أنا أهله وانَّ الذي أصبحت فيه ليس لي بحقّ، ما لها ولهذا يغفر الله لها إنَّما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس وقد استأثر الله به. فقال الحسن بن علي ( عليهما السلام ) أوَ عجب ذلك يا معاوية؟ قال: اي والله قال: أفلا اُخبرك بما هو أعجب من هذا؟ قال: ما هو؟ قال: جلوسك في صدر المجلس وأنا عند رجليك ( شرح ابن أبي الحديد ٤: ٥ ).

وهكذا كان أكابر الصحابة مناوئين له في المدينة الطيِّبة فأسمعوه النكير، وسمعوا إدّاً من القول. ورأوا إمراً من أمره، وشاهدوا منه أحداثاً وبدعاً في الدين الحنيف تخلد مع الأبد، وعاينوا منه جنايات على الاُمّة الاسلاميَّة وصلحائها وعظمائها من هتك و حبس وشتم وسبّ مقذع وضرب وتنكيل وعذاب وقتل قطّ لا تُغفر له - وحاش لله أن يغفرها له - دع عمر بن عبد الغزيز يرى في الطيف انّه مغفور له(٢) - وتذمّرت عليه صلحاء اُمَّة محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه من لعنه والتخذيل عنه، وأمره الصحابة بقتاله، وتوصيفه فئته بالقسط وانّها الفئة الباغية، وقوله السائر الدائر: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه(٣) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلافة بالمدينة والملك بالشام(٤)

ليت شعري أين كان ابن عمر من هذه كلّها ومن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحاسم لمادَّة النزاع: ستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الاوَّل فالاوَّل(٥) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما(٦) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرِّق أمر هذه الامَّة وهي

____________________

١ - تاريخ ابن عساكر ٦: ١٠٧.

٢ - سيوافيك تفصيله انشاء الله تعالى.

٣ - كنوز الدقائق للمناوى ص ١٠. اخرجه ابن عدى عن أبى سعيد والعقيلى عن طريق الحسن وسفيان بن محمد من طريق جابر وغيرهم. وسيوافيك الكلام فى اسناده انشاء الله تعالى.

٤ - تاريخ ابن كثير ٦: ٢٢١.

٥ - صحيح مسلم ٦: ١٧، سنن ابن ماجة ٢: ٢٠٤، سنن البيهقى ٨. ١٤٤ عن الشيخين، تيسير الوصول ٢: ٣٥ عن الشيخين ايضاً، مسند أحمد ٢: ٢٩٧، المحلى ٩: ٣٦٠.

٦ - صحيح مسلم ٦: ٢٣، مستدرك الحاكم ٢: ١٥٦، سنن البيهقى ٨. ١٤٤، الفصل لابن حزم ٤: ٨٨، المحلى ٩: ٣٦٠، تيسير الوصول ٢: ٣٥.

٢٧

جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. وفي لفظ: فاقتلوه(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم أو يفرِّق جماعتكم فاقتلوه(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص: من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. قال عبد الرَّحمن بن عبد ربّ: فدنوت منه فقلت له: انشدك الله أنت سمعت هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأهوى إلى اُذنيه وقلّبه بيديه. وقال: سمعته اُذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، والله عزّ وجل يقول: يا أيُّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيما. قال: فسكت ساعة ثمَّ قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله(٣) .

قال النووي في شرح مسلم هامش ارشاد الساري ٨: ٤٣: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. معناه: ادفعوا الثاني فانّه خارجٌ على الإمام، فإن لم يندفع إلّا بحرب وقتال فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنّه ظالمٌ متعدّ في قتاله.

قال: قوله: فقلت له: هذا ابن عمِّك معاوية. إلى آخره. المقصود بهذا الكلام انَّ هذا القائل لمـّا سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأوَّل وانَّ الثّاني يُقتل فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته عليّاً رضي الله عنه وكانت قد سبقت بيعة عليّ فرأى هذا انَّ نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب عليّ ومنازعته ومقاتلته إيّاه من أكل المال بالباطل، ومن قتل النّفس، لأنّه قتالٌ بغير حقٍّ فلا يستحقُّ أحدٌ مالاً في مقاتلته.

____________________

١ - صحيح مسلم ٦: ٢٢، مستدرك الحاكم ٢: ١٥٦، سنن البيهقى ٨. ١٦٨، ١٦٩.

٢ - صحيح مسلم ٦: ٢٣، سنن البيهقى ٨: ١٦٩، تيسير الوصول ٢: ٣٥، المحلى ٩: ٣٦٠.

٣ - صحيح مسلم ٦: ١٨، سنن البيهقى ٨: ١٦٩، سنن ابن ماجة ٢: ٤٦٧، المحلّى ٩: ٣٦٠.

٢٨

وقال ص ٤٠ في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ستكون خلفاء فتكثر. الحديث: معنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأوَّل صحيحةٌ يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلةٌ يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأوّل أم جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، وقيل: تكون لمن عقدت في بلد الإمام. وقيل: يقرع بينهم. وهذان فاسدان، واتّفق العلماء على أنّه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتّسعت دار الإسلام أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه « الإرشاد »(١) : قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين، قال: وعندي انّه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد وهذا مجمعٌ عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين وتخلّلت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجالٌ، وهو خارجٌ عن القواطع. وحكى المازري هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الاصول، وأراد به إمام الحرمين، وهو قولٌ فاسدٌ مخالفٌ لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث والله أعلم. اهـ

فكان من واجب ابن عمر نظراً إلى هذه النصوص أن يبايع عليّاً ولا يتقاعد عن بيعته وقد بايعه المهاجرون والأنصار والبدريّون وأصحاب الشجرة على بكرة أبيهم، قال ابن حجر في فتح الباري ٧: ٥٨٦: كانت بيعة عليّ بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجّة سنة ٣٥ فبايعه المهاجرون والأنصار وكلّ من حضر وكتب بيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلّهم إلّا معاوية في أهل الشام فكان بينهم بعدُ ما كان. ه

وكان من واجب الرجل قتال معاوية الخارج على الإمام الطاهر إن كان هو عضادة الدين آخذاً بطقوسه، تابعاً سَننه اللاحب، مؤمناً بما جاء به نبيّه الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل الأمر كما قال عبد الله بن هاشم المرقال في كلمة له: فلو لم يكن ثواب ولا عقاب، ولا جنّة ولا نار، لكان القتال مع عليّ أفضل من القتال مع معاوية بن أكّالة الأكباد. كتاب صفّين ص ٤٠٥.

متى اختلف في بيعة عليّ أمير المؤمنين اثنان من رجال الحلّ والعقد من صلحاء الاُمّة؟ ومتى تمّت كلمة الاُمّة في بيعة خليفة منذ اسّس الإنتخاب الدستوري مثل

____________________

١ - راجع الارشاد ص ٥٢٥ طبع مكتبة الخانجي.

٢٩

ما تمّت لعليّعليه‌السلام ؟ ولم يكن متقاعسٌ عن بيعته سلام الله عليه إلّا شرذمة المعتزلة العثمانيّين وهم سبعة وثامنهم ابن عمر كما مرَّ في الجزء السابع ص ١٤٢، فما الذي جعل بيعة اُناس معدودين لم تبلغ عدّتهم عشرة اجماعاً واتفاقاً في بيعة أبي بكر، وأوجب على ابن عمر اتّباعهم، وحرَّم عليه التزحزح عنهم؟ وجعل إجماع الاُمّة مِن المهاجرين والأنصار ورجال الأنصار على بيعة عليّ أمير المؤمنين وتخلّف عدّة تعدُّ بالأنامل عنها خلافاً وتفرّقاً؟.

وليت ابن عمر إن كان لم يأخذ بحكم الكتاب والسنّة في الإستخلاف كان يأخذ برأي أبيه فيه وقد سمعه يقول: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ثمّ في أهل اُحد ثمَّ في كذا وكذا، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء(١) .

وقال في كلام له: لا تختلفوا فانّكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله ابن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لكم فضلاً لسابقتكم، وإنّ هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء(٢) .

ولعلّ هذا الرأي كان من المتسالم عليه عند السلف وبذلك احتج مولانا أمير المؤمنين على معاوية في كتاب له كتب إليه بقول: واعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحلُّ لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة، ولا يدخلون في الشورى(٣) .

وكتب ابن عبّاس إلى معاوية: ما أنت وذكر الخلافة؟ وإنّما أنت طليق بن طليق والخلافة للمهاجرين الأوّلين، وليس الطلقاء منها في شيء(٤) وفي لفظ: إنّ الخلافة لا تصلح إلّا لمن كان في الشورى فما أنت والخلافة؟ وأنت طليق الإسلام، وابن رأس الأحزاب، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر.

ومن كلام لابن عبّاس يخاطب أبا موسى الأشعري: ليس في معاوية خلّةٌ يستحقُّ بها الخلافة وأعلم يا أبا موسى؟ انّ معاوية طليق الإسلام، وأنّ أباه رأس الأحزاب،

____________________

١ - طبقات ابن سعد ط ليدن ٣: ٢٤٨، فتح البارى ١٣: ١٧٦، اسد الغابة ٤: ٣٨٧.

٢ - الاصابة ٢: ٣٠٥.

٣ - الامامة والسياسة ٧١ وفى ط ٨١، العقد الفريد ٢: ٢٣٣ وفى ط ٢٨٤، نهج البلاغة ٢: ٥، شرح ابن ابى الحديد ١: ٢٤٨، و ج ٣: ٣٠٠.

٤ - الامامة والسياسة ١: ٨٥، وفى ط ٩٧، شرح ابن ابى الحديد ٢: ٢٨٩.

٣٠

وانّه يدّعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة(١) .

ومن كتاب لمسور بن مخرمة،(٢) إلى معاوية: انّك أخطأت خطأ عظيماً، واخطأت مواضع النصرة، وتناولتها من مكان بعيد، وما أنت والخلافة يا معاوية؟ وأنت طليق وأبوك من الأحزاب؟ فكفَّ عنّا فليس لك قبلنا وليٌّ ولا نصير(٣) .

وفي مناظرة لسعنة بن عريض الصحابي مع معاوية: منعت ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلافة، وما أنت وهي وأنت طليق بن طليق؟ يأتي تمام الحديث انشاء الله تعالى.

وعاتب عبد الرَّحمن بن غنم الأشعري الصحابي(٤) ابا هريرة وأبا الدرداء بحمص إذا انصرفا من عند عليّ رضي الله عنه رسولين لمعاوية وكان ممّا قال لهما: عجباً منكما كيف جاز عليكما ما جئتما به تدعوان عليّاً إلى أن يجعلها شورى؟ وقد علمتما أنّه قد بايعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجاز والعراق، وإنَّ من رضيه خيرٌ ممّن كرهه، ومن بايعه خيرٌ ممّن لم يبايعه، وأيّ مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة؟ وهو وأبوه من رؤوس الأحزاب. فندما على مسيرهما وتابا منه بين يديه(٥) .

ومن كلام لصعصعة بن صوحان يخاطب به معاوية: انَّما أنت طليق به طليق، أطلقكما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانَّى تصحّ الخلافة لطليق؟!(٦) .

فأين يقع عندئذ معاوية الطليق ابن الطليق من الخلافة؟ وأيّ قيمة في سوق الإعتبار لرأي ابن عمر؟ وما الذي يبرّر بيعته إيَّاه إن لم يبرّرها عداء سيِّد العترة؟

____________________

١ - شرح ابن أبى الحديد ١: ١٩٥.

٢ - نسب هذا الكتاب فى كتاب صفين ص ٧٠ إلى عبد الله بن عمر وهو وهم، والابيات التى كتبها رجل من الانصار مع الكتاب تكذّب تلك النسبة. فراجع.

٣ - الامامة والسياسة ١: ٧٥، وفى ط ٨٥.

٤ - قال ابو عمر فى الاستيعاب: كان من افقه أهل الشام، وهو الذي فقّه عامة التابعين بالشام وكانت له جلالة وقدر.

٥ - الاستيعاب ترجمة عبد الرحمن ج ٢: ٤٠٢، اسد الغابة ٣: ٣١٨.

٦ - مروج الذهب ١: ٧٨، يأتي تمام الكلام في هذا الجزء انشاء الله تعالى.

٣١

أىّ إجماع على بيعة يزيد؟

ثمَّ أيّ إجماع صحيح من رجال الدين صحّح لابن عمر بيعة يزيد الممجوج عند الصحابة والتابعين، المنبوذ لدى صلحاء الاُمّة، المعروف بالخلاعة والمجون والخمور والفجور على حدِّ قول شاعر القضاة الاستاذ بولس سلامة في ملحمة الغدير ص ٢١٧:

رافع الصوت داعياً للفلاحِ

اخفض الصوت في أذان الصباحِ

وترفَّق بصاحب العرش مشغو

لاً عن الله بالقيان الملاحِ

ألف « الله أكبر » لا يساوي

بين كفّي يزيد نهلة راحِ

تتلظّى في الدنان بكراً فلم

تدنس بلثم ولا بماء قراحِ

والاُمّة مجمعة على شرطيّة العدالة في الإمامة، قال القرطبي في تفسيره ١: ٢٣١: الحادي عشر - من شروط الإمامة - أن يكون عدلاً لأنّه لا خلاف بين الاُمّة انَّه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم لقولهعليه‌السلام : أئمّتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون. وفي التنزيل في وصف طالوت: إنَّ الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم. فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدل على القوَّة.

وقال في صفحة ٢٣٢: الإمام إذا نصب ثمّ فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنَّه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لأنَّه قد ثبت أنَّ الإمام إنّما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في اُمورهم إلى غير ذلك ممّا تقدّم ذكره، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الامور والنهوض فيها، فلو جوَّزنا أن يكون فاسقاً أدّى إلى إبطال ما اُقيم لأجله، ألا ترى في الإبتداء إنّما لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أنّه يؤدِّي إلى إبطال ما اُقيم له وكذلك هذا مثله. ه.

أجل: المائة ألف المقبوضة من معاوية لتلك البيعة الغاشمة(١) جعلت الفرقة لابن عمر إجماعاً، والإختلاف إصفاقاً، كما فعلت مثله عند غير ابن عمر من سماسرة النهمة

____________________

١ - سنن البيهقى ٨:١٥٩، حلية الأولياء ١: ٢٩٦، تاريخ ابن كثير ٨: ١٣٧، ج٩: ٥، فتح الباري ١٣: ٥٩.

٣٢

والشرَه، فركضوا إلى البيعة ضابحين يقدمهم عبد الله فبايعه بعد أبيه وكتب إليه ببيعته، ونصب عينه الناهض الكريم، والفادي الأقدس، الحسين السبط سلام الله عليه المتحلّي بآصرة النبوَّة، وشرف الإمامة، وعلم الشريعة، وخلق الأنبياء، والفضائل المرموقة، سيّد شباب أهل الجنّة أجمعين، وقد حنّت إليه القلوب، وارتمت إليه الأفئدة فرحين بكسر رتاج الجور، ورافضين لمن بعده.

لكن الرجل لم يتأثَّر بكلّ هذه ولم يرها خلافاً، ونبذ وصيّة نبيّه الكريم وراء ظهره ولم يعبأ بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّ ابني هذا - يعني الحسين - يُقتل بأرض يقال لها: كربلا. فمن شهد ذلك منكم فلينصره(١) نعم: نصر ذلك المظلوم قرّة عين رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتقرير بيعة يزيد. وحسبانها بيعة صحيحة، كان ينهى عن نكثها عند مرتجع الوفد المدني من الشّام وقد شاهدوا منه البوائق والموبقات معتقدين خروجه عن حدود الإسلام قائلين: إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الحُرّاب والفتيان، وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه. فتابعهم الناس(٢) وقال ابن فليح: إنَّ أبا عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه وأحسن جائزته، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر وكان مرضيّاً صالحاً فقال: ألم احبّ؟ ألم اُكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصَّلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة(٣) .

وكان مسور بن مخرمة الصحابيّ ممّن وفد إلى يزيد، فلمّا قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر فكُتب إلى يزيد بذلك فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسوراً الحدّ فقال أبو حرَّة:

أيشربها صحباء كالمسك ريحها

أبو خالد والحدَّ يضرب مسورُ(٤)

قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما فصّلناه في الجزء السابع

____________________

١ - الاصابة ٢: ٦٨.

٢ - تاريخ الطبرى ٧: ٤، انساب البلاذرى ٥: ٣١، فتح البارى ١٣: ٥٩. يأتى الحديث على تفصيله فى هذا الجزء.

٣ - تاريخ ابن عساكر ٧: ٢٨٠.

٤ - انساب الاشراف للبلاذرى ٥: ٣١.

٣٣

ص ١٤٥، جمع أهل بيته وحشمه ومواليه وقال: لا يخعلن أحدٌ منكم يزيد ولا يشرفن أحدٌ منكم في هذا الأمر فيكون صيلماً بيني وبينه. وفي لفظ البخاري: إنِّي لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلّا كانت الفيصل بيني وبينه.

وتمسَّك في تقرير تلك البيعة الملعونة بما عزاه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قول: إنَّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان. جهلاً منه بأساليب الكلام لما هو المعلوم من أنَّ مصداق هذا الكلّيّ هو الفرد المتأهّل للبيعة الدينيَّة بيع الله ورسوله، لا من هو بمنتأى عن الله سبحانه، وبمجنب عن رسوله، كيزيد الطاغية أو والده الباغي.

ومهما ننس من شيء فإنّا لا ننسى مبدء البيعة ليزيد على عهد ابن آكلة الأكباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة مُفاضة، أقعدت هاتيك مَن نفى جدارة الخلافة عن يزيد، وأثارت هذه سماسرة الشهوات، فبايعوا بين صدور واغرة، وأفئدة لا ترى ما تأتي به من البيعة إلَّا هزوا.

وفي لهوات الفضاء وأطراف المفاوز كلُّ فارّ بدينه متعوِّذين من معرَّة هذه البيعة الغاشمة، وكان عبد الله نفسه ممَّن تأبّى عن البيعة(١) لأوَّل وهلة من قبل أن يتذوَّق طعم هاتيك الرضيخة، - مائة ألف - وكان يقول: إنَّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ولا قيصريّة ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء على الآباء(٢) وبعد أن تذوَّقه كان لم يزل بين اثنتين: فضيحة العدول عن رأيه في يزيد، ومغبَّة التمرّد عليه، لا سيّما بعد أخذ المنحة، فلم يبرح مُصانعاً حتى بايعه بعد أبيه، ولمـّا جاءت بيعته قال: إن كان خيراً رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا(٣) ونحت لذلك التريّث حجّة تافهة من أنّ المانع عن البيعة كان هو وجود أبيه.

وكان ليزيد أن يناقشه الحساب بأنَّ أباه لم يكن يأخذ البيعة له في عرض بيعته، وإنّما أخذها طوليّة لما بعده، لكنّه لم يناقشه لحصول الغاية.

____________________

١ - الامامة والسياسة ١: ١٤٣، تاريخ الطبرى ٦: ١٧٠، تاريخ ابن كثير ٨: ٧٩، لسان الميزان ٦: ٢٩٣

٢ - الامامة والسياسة ١: ١٤٣.

٣ - لسان الميزان ٦: ٢٩٤.

٣٤

هذه صفة بيعة يزيد منذ أوّل الأمر ولمـّا هلك أبوه ازدلفت إليه روّاد المطامع نظراء ابن عمر في نهيق ورغاء يجدِّ دون ذلك الإرهاب والإطماع، فمن جرّاء تقريرهم بيعة ذلك المجرم المستهتر، وتعاونهم عَلى الإثم والعدوان، والله يقول: تعاونوا على البرِّ والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وشقّهم عصا المسلمين، وخلافهم الاُمّة الصالحة من الصحابة والتابعين لهم باحسان، جهّز يزيد جيش مسلم بن عقبة، وأباح له دماء مجاوري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأموالهم، فاستباحها ثلاثة أيّام نهباً وقتلاً، وقتل من حملة القرآن يوم ذاك سبعمأة نفس، وحكى البلاذري: انّه قتل بالحرّة من وجوه قريش سبعمائة رجل وكسر، سوى من قُتل من الأنصار، وفيهم ممّن صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة، وممّن قُتل صبراً من الصحابة عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وقتل معه ثمانية من بنيه، ومعقل بن سنان الأشجعي، و عبد الله بن زيد، والفضل بن العباس بن ربيعة، وإسماعيل بن خالد، ويحيى ابن نافع، وعبد الله بن عتبة، والمغيرة بن عبد الله، وعياض بن حُمير، ومحمّد بن عمرو بن حزم، وعبد الله بن أبي عمرو، وعبيد الله وسليمان إبنا عاصم، ونجا الله أبا سعيد وجابراً وسهل بن سعد(١) وقد جاء في قتلى الحرَّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّهم خيار اُمّتي بعد أصحابي(٢) ثمَّ بايع من بقي على أنّهم عبيد ليزيد ومن امتنع قُتل(٣) ووقعت يوم ذاك جرائم وفجائع وطامّات حتّى قيل: انّه قُتل في تلكم الأيّام نحو من عشرة آلاف انسان سوى النساء والصبيان، وافتضَّ فيها نحو ألف بكر، وحبلت ألف امرأة في تلك الأيّام من غير زوج(٤) ولمـّا بلغ يزيد خبر تلك الوقعة المخزية قال:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل(٥)

فاتَّبع ابن عمر في بيعة يزيد إجماع اولئك الأوباش سفلة الأعراب وبقيَّة الأحزاب ولم يعبأ باجماع رجال الحلّ والعقد من أبناء المهاجرين والأنصار، وخيرة الخلف للسلف

____________________

١ - انساب البلاذرى ٥: ٤٢، الاستيعاب ١: ٢٥٨، تاريخ ابن كثير ٨: ٢٢١، الاصابة ٣: ٤٧٣، وفاء الوفاء ١: ٩٣.

٢ - الروض الانف ٥: ١٨٥.

٣ - لسان الميزان ٦: ٢٩٤.

٤ - تاريخ ابن كثير ٨: ٢٢١، الاتحاف ص ٢٢، وفاء الوفاء ١: ٨٨.

٥ - انساب الاشراف للبلاذرى ٥: ص ٤٢.

٣٥

الصالح وفيهم مَن فيهم، فساهم يزيد وفئته الباغية في دم سبط الشهيد الطاهر ومَن قُتل يوم الحرَّة وفي جميع تلكم المآثم التي جنتها يد يزيد الأثيمة، والله يَعلم منقلبهم ومثواهم.

ألا تعجب من ابن عمر وهو يرى يزيد الكفر والإلحاد وأباه الغاشم الظلوم ومن يتلوهما في الفسوق صلحاء لا يوجد مثلهم؟ أخرج ابن عساكر من عدَّة طرق كما قاله الذهبي وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ١٤٠ عن ابن عمر إنَّه قال: أبو بكر الصدِّيق أصبتم إسمه، عمر الفاروق قِرنٌ من حديد أصبتم إسمه، ابن عفان ذو النورين قُتل مظلوماً يؤتى كفلين من الرَّحمة، ومعاوية وإبنه ملكا الأرض المقدّسة، والسفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب كلّهم من بني كعب بن لوي، كلّهم صالحٌ لا يوجد مثله.

وفي لفظ: يكون على هذه الاُمّة اثنا عشر خليفة أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه، عمر الفاروقِ قرنٌ من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفَّان ذو النورين قُتل مظلوماً اوتي كفلين من الرَّحمة، ملك الأرض المقدَّسة، معاوية وابنه، ثمّ يكون السفّاح ومنصور وجابر والأمين وسلام(١) وأمير العصب لا يرى مثله ولا يدرى مثله، كلّهم من بني كعب ابن لوي فيهم رجلٌ من قحطان، منهم مَن لا يكون ملكه إلَّا يومين، منهم من يقال له لتبايعنا أو لنقتلنَّك فإن لم يبايعهم قتلوه [كنز العمّال ٦: ٦٧] ومن جرّاء هذا الرأي الباطل قُتل الصحابيُّ بن الصحابيِّ محمّد بن أبي الجهم لمـّا شهد على يزيد بشرب الخمر كما في الإصابة ٣: ٤٧٣.

____________________

١ - سقط من هذا اللفظ « المهدى » وهو ثانى عشرهم.

٣٦

أخبار ابن عمر ونوادره

هذه عقليّة ابن عمر في باب الخلافة، فما قيمة رأيه وقوله واختياره فيها وفي غيرها، وله أخبارٌ تنمُّ عن ضئولة رأيه وسخافة فكرته، وأخبارٌ تدلُّ على مناوئته أمير المؤمنينعليه‌السلام وانحيازه عنه، وتحيّزه إلى الفئة الأمويّة الباغية، فلا حجّة فيما يرتأيه في أيّ من الفئتين. ومن نماذج الفريق الأوّل من أخباره قوله: ما اُعطي اُحدٌ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجماع ما اُعطيت أنا(١) وهو يُعطينا انّه رجلٌ شهويٌّ لا صلة له بغيرها ومن ضعف رأيه انِّه حسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله بل أربى منه في الجماع، جهلاً منه بأنَّ ملكات صاحب الرّسالة وقواه كلّها كانت متعادلة ثابتة على نقطة المركز قد تساوت إليها خطوط الدائرة، فإذا آن لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يفخر فخر بجميعها على حدّ واحد لا كابن عمر شهوة قويّة مهلكة، وعقليّة ضعيفة يباهي بالجماع وقد ترك غيره، وهي التي كانت تحذِّر أباه من أن يأذن له بالجهاد حين استأذنه له فقال: أي بُنيَّ أنّي أخاف عليك الزنا(٢) فما قيمة رجل في مستوى الدين، وهو يُمنع عن مواقف الجهاد حذراً من معرَّة شهوته الغلبة، وسقطات شغبه وشبقه؟!.

نعم: كان لابن عمر أن يُشبّه نفسه بأبيه - ومن يشابه أبه فما ظلم - إذ له كلمةٌ قيّمةٌ في النكاح تُعرب عن قوَّة شهوته قال محمّد بن سيرين قال عمر بن الخطاب: ما بقي فيَّ شيءٌ من أمر الجاهليّة إلّا أنِّي لست اُبالي أيّ الناس نكحت وأيّهم أنكحت.

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣: ٢٠٨، ورواه عبد الرزّاق كما في كنز العمّال ٨: ٢٩٧.

ومن جرّاء تلك النزعة الجاهليّة التي كانت قد بقيت فيه قحم في مآثم سجّلها له التاريخ، جاء عنه انّه أتى جارية له فقالت: إنِّي حائضٌ فوقع بها فوجدها حائضاً فأتى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر له ذلك، فقال: يغفر الله لك يا أبا حفص! تصدّق بنصف دينار(٣)

____________________

١ - نوادر الاصول للحكيم الترمذى ص ٢١٢.

٢ - سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزى ص ١١٥، وفى طبع ص ١٣٨.

٣ - المحلى لابن حزم ٢: ١٨٨، سنن البيهقى ١: ٣١٦، كنز العمال ٨: ٣٠٥ نقلا عن ابن ماجة واللفظ له.

٣٧

وسوّلت له نفسه ليلة الصيام قبل حليّة الرفث فيها وواقع أهله فغدا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: اعتذر إلى الله وإليك، فإنَّ نفسي زيّنت لي فواقعت أهلي، فهل تجد لي من رخصة؟ فقال: لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر! فنزلت:( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) . الآية(١) .

وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى عن عليّ بن زيد: إنَّ عاتكة بنت زيد كانت تحت عبد الله بن أبي بكر فمات عنها واشترط عليها ألا تزوّج بعده فتبتّلت فجعلت لا تتزوّج وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى فقال عمر لولّيها: اذكرني لها فذكره لها فأبت على عمر أيضاً فقال عمر: زوّجنيها، فزوّجه إيّاها، فأتاها عمر فدخل عليها فعاركها حتّى غلبها على نفسها فنكحها فلمّا فرغ قال: اف اف اف افف بها، ثمَّ خرج من عندها وترك لا يأتيها، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإنِّي سأتهيّأ لك(٢) .

أيصحّ عن رجل هذا شأنه ما عزاه اليه الزمخشري في ربيع الأبرار ب ٦٨ من قوله: إنِّي لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله نسمة تسبّحه وتذكّره؟!

( ومنها ) : عن الهيثم عن إبن عمر أتاه رجل فقال: إنّي نذرت أن أقوم على حراء عرياناً يوماً إلى اللّيل. فقال: اوف بنذرك. ثمَّ أتى ابن عباس فقال له: أوَ لست تصلّي؟ قال له: أجل قال: أفعرياناً تصلّي؟ قال: لا. قال: أوَ ليس حنثت؟ إنمّا أراد الشيطان أن يسخر بك ويضحك منك هو وجنوده، إذهب فاعتكف يوماً وكفّر عن يمينك. فأقبل الرَّجل حتى وقف على ابن عمر فأخبره بقول ابن عبّاس فقال: ومن يقدر منّا على ما يستنبط ابن عبّاس؟(٣)

ها هنا يوقفنا السير على مبلغ الرجل من العلم بالأحكام، أيُّ فقيه هذا لا يعرف حكم النذر وانّه لا بدّ فيه من الرجحان في المنذور، وانَّ نذر التافهات وما ينكره العقل لا ينعقد قطّ؟ وهل مثل هذا يُعدّ من المعضلات حتى لا يقدر على عرفانه غير ابن عبّاس؟.

____________________

١ - تفسير الطبرى ٢: ٩٦، تفسير ابن كثير ١: ٢٢٠، تفسير القرطبى ٢: ٢٩٤، و تفاسير اخرى.

٢ - طبقات ابن سعد، كنز العمال ٧: ١٠٠، منتخب الكنز هامش مسند أحمد ٥: ٢٧٩.

٣ - كتاب الآثار ص ١٦٨ متنا وتعليقا.

٣٨

ويكفي الرجل جهلاً انّه ما كان يحسن طلاق زوجته، وقد عجز واستحمق كما في صحيح مسلم ٤ ص ١٨١ ولم يك يعلم أنَّه لا يقع إلّا في طهر لم يواقعها فيه(١) وفي لفظ مسلم في صحيحه ٤: ١٨١: انّه طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض.

ولذلك لم يره أبوه أهلاً للخلافة بعد ما كبر وبلغ منتهى الكهولة لمـّا قال له رجل استخلف عبد الله بن عمر. قال عمر: قاتلك الله والله ما أردت الله بها أستخلف مَن لم يحسن أن يطلّق امرأته؟(٢) وكأنّ عمر كان يجد إبنه يوم وفاته على جهله ذاك حين طلّق إمرأته وهو شابٌّ عضٌّ أيّام حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلَّا فكلٌّ من الخلفاء بالإنتخاب الدستوري لم يكن عالماً بالأحكام من أوَّل يومه إن غضضنا الطرف عن يوم تسنّمه عرش الخلافة وإلى أن أودع مقرَّه الأخير وعمر نفسه كان في المسئلة نفسها لِدة ولده لم يك يعلم حكم ذلك الطلاق حتّى سأل عمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: مره فليراجعها ثمَّ ليتركها حتّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ إن شاء أمسك بعدُ وإن شاء طلّق(٣) فالمانع عن الاستخلاف هو الجهل الحاضر وهذا من سوء حّظ إبن عمر يخصّ به ولا يعدوه.

وإنِّي لست أدري أيّ مرتبة رابية من الجهل كان يحوزها ابن عمر حتّى عرفه منه والده الذي يمتاز في المجتمع الدينيِّ بنوادر الأثر(٤) ؟ فمن رآه عمر جاهلاً لا يُقدّر مبلغه من الجهل.

وممّا يدلّنا على فقه الرجل، أو على مبلغه من إتّباع الهوى وإحياء البدع، أو على نبذه سنّة الله ورسوله وراء ظهره، إتمامه الصَّلاة في السفر أربعاً مع الإمام، وإعادته إيّاها في منزله قصراً كما في موطأ مالك ١: ١٢٦ تقريراً للبدعة التي أحدثها عثمان في شريعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتّبعه في اُحدوثته رجال الشرَه والترَه وحملة النزعات الأمويّة كابن عمر، وأبناء البيت الأمويِّ كما فصلناه في الجزء الثامن ص ١١٦. وأخرج أحمد في

____________________

١ - صحيح البخارى ٨: ٧٦، صحيح مسلم ٤: ١٧٩ - ١٨٣، مسند أحمد ٢: ٥١، ٦١، ٦٤، ٧٤، ٨٠، ١٢٨، ١٤٥.

٢ - تاريخ الطبرى ٥: ٣٤، كامل ابن الاثير ٣: ٢٧، الصواعق ص ٦٢، فتح البارى ٧: ٥٤ وصححه.

٣ - صحيح مسلم ٤: ١٧٩.

٤ - ذكرنا جملة منها فى الجزء السادس ص ٨٣ - ٣٢٥ ط ٢.

٣٩

مسنده ٢: ١٦ عنه قوله: صلّيت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنى ركعتين ومع أبي بكر وعمر وعثمان صدراً من إمارته ثمَّ أتمَّ.

ومن نوادر فقهه ما أخرجه أبو داود في سننه ١: ٢٨٩ من طريق سالم: انَّ عبد الله بن عمر كان يصنع يعني يقطع الخفّين للمرأة المحرمة ثمَّ حدَّثته صفيّة بنت أبي عبيد: انَّ عائشة حدَّثتها: انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان رخّص للنساء في الخفّين فترك ذلك.

وأخرجه إمام الشافعيّة في كتابه « الاُم، انّ ابن عمر كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفّين حتّى أخبرته صفيّة عن عائشة انّها تفتي النساء أن لا يقطعن، فانتهى عنه.

وأخرجه البيهقي في سننه ٥: ٥٢ باللفظين، وأخرجه أحمد في مسنده ٢: ٢٩ بلفظ أبي داود.

والاُمّة كما حكى الزركشي في الإجابة ص ١١٨ مجمعةٌ على أنّ المراد بالخطاب المذكور في اللباس الرجال دون النساء وانّه لا بأس بلباس المخيط والخفاف للنساء.

( ومنها ) : ما أخرجه الشيخان من أنَّ ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدراً من خلافة معاوية حتّى بلغه في آخر خلافة معاوية أنَّ رافع بن خديج يُحدِّث فيها بنهي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل عليه فسأله فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن كراء المزارع، فتركها ابن عمر بعدُ و كان إذا سُئل عنها بعدُ قال: زعم رافع بن خديج انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها(١) .

وفي التعليق على صحيح مسلم(٢) : قوله « وصدراً من خلافة معاوية » قد أغرب في وصف معاوية بالخلافة بعد ما وصف الخلفاء الثلاثة بالإمارة، وأسقط رابعهم من البين مع أنّ الخلافة الكاملة خصيصتهم، وعبارة البخاري: إنّ ابن عمر رضي الله عنه كان يكري مزارعه على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدراً من إمارة معاوية وكان معاوية كما ذكره القسطلاني في باب صوم عاشوراء يقول: أنا أوّل الملوك. وقال المناوي في شرح حديث الجامع الصغير (الخلافة بالمدينة والملك بالشام ) وهذا من معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلّم فقد كان كما أخبر، وقال في شرح حديثه ( الخلافة بعدي في امتي ثلاثون سنة ): قالوا: لم يكن في الثلاثين إلّا الخلفاء الأربعة وأيّام الحسن ( ثمَّ ملك بعد ذلك ) لأنّ اسم الخلافة

____________________

١ - صحيح البخارى ٤: ٤٧، صحيح مسلم ٥: ٢١، سنن النسائى ٧: ٤٦، ٤٧، مسند أحمد ٢: ٦، سنن ابن ماجة ٢: ٨٧، سنن ابى داود ٢: ٩١، سنن البيهقى ٦: ١٣٠ واللفظ لمسلم.

٢ - راجع صحيح مسلم ٥: ٢٢ من طبع محمد على صبيح وأولاده.

٤٠

الشافعي(١) - وسيأتي(٢) - فحينئذٍ تجب الزكاة عند الحول.

ومقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا ، لأنّه دَين(٣) .

وقيل : لا تجب بمعنى آخر وهو عدم استقرار الملك ، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(٤) .

مسألة ٢٧ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب‌ ، فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن ، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره ، وسيأتي(٥) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة وإن وجبت عليه عندنا ، لأنّه مخاطب بالفروع ، وبه قال الشافعي(٦) - خلافا لأحمد وأبي حنيفة(٧) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه وإن كان النصاب موجوداً ، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه ، لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٨) ويستأنف الحول حين الإِسلام.

ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان وإن أسلم.

وأما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإِسلام.

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٢) يأتي في اللقطة ( المقصد الخامس من كتاب الأمانات ).

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٤) القائل هو ابن عقيل من الجمهور. اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٥) يأتي في المسألة ١٢٤.

(٦) المجموع ٣ : ٤ و ٥ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧.

(٨) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

٤١

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال وإلّا بقيت عليه ، فإذا حال الحول وجبت عليه.

وإذا أخرج في حال الردّة جاز ، وبه قال الشافعي(١) ، كما لو أطعم عن الكفارة ، وفيه له وجه آخر(٢) .

وأمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء الله تعالى.

* * *

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٤٠٨.

(٢) وهو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. اُنظر : المجموع ٥ : ٣٢٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٥١٩.

٤٢

٤٣

المقصد الثاني

في المحلّ‌

وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإِبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا في ما زاد على ذلك ، وسيأتي(١) ، فهنا مطالب :

الأول : في زكاة الأنعام‌ ، وفيه فصول :

____________________

(١) يأتي في المسائل ١١٠ - ١١٥.

٤٤

٤٥

الفصل الأول

في زكاة الإِبل‌

مسألة ٢٨ : يشترط فيها أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، أمّا الملك ، فلما تقدّم(١) : أنّ غير المالك لا زكاة عليه ، وأمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس فيما دون خمس ذود(٢) صدقة )(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإِبل شي‌ء »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالنُصُب في الإِبل ثلاثة عشر نصاباً : خمس ، عشر ، خمس عشرة ، عشرون ، خمس وعشرون ، ستّ وعشرون ، ستّ وثلاثون ، ستّ وأربعون ، إحدى وستّون ، ستّ وسبعون ، إحدى وتسعون ، مائة‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ١١.

(٢) الذود من الإِبل : ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧١ « ذود ».

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥ و ١٢٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦.

٤٦

وإحدى وعشرون ، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغاً ما بلغت عند علمائنا أجمع ، وسيأتي(١) البحث في ذلك.

مسألة ٢٩ : يشترط فيها وفي غيرها من الأنعام السوم‌ ، وهي الراعية المعدّة للدرّ والنسل.

واحترزنا بذلك عن المعلوفة وإن كانت للدّر والنسل ، والعوامل وإن لم تكن معلوفةً ، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والحسن البصري والنخعي ، ومن الفقهاء : الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم السائمة شاة )(٣) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وإلّا كان ذكر الوصف ضائعاً ، بل موهماً للتخصيص ، ولو لم يكن مراداً كان قبيحاً.

وقالعليه‌السلام : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية »(٥) .

ولأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها.

____________________

(١) يأتي في المسائل ٣٥ - ٣٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٤٣٨ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ و ٥٠١ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، المحلّى ٦ : ٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٤ و ١١٥ / ٢ و ٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠ بتفاوت فيها.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١ / ٥٩.

٤٧

وقال مالك : تجب في العوامل والمعلوفة. وبه قال ربيعة ومكحول وقتادة(١) .

وقال داود : تجب في عوامل البقر والإبل ومعلوفها دون الغنم(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع )(٣) ولأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

والحديث يخصّه مفهوم الخطاب ، والفرق بين السائمة والمعلوفة لزوم المؤونة في المعلوفة ، والعوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة ٣٠ : لو سامت بعض الحول ، وعلفها البعض الآخر‌ ، قال الشيخ تعالى : يحكم للأغلب(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعية ، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة ، وخفّة المؤونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبةً كالزرع إذا سقي سيحاً وناضحاً(٥) .

وقال بعض الشافعية : إن علفها يوماً أو يومين لم يبطل حكم السوم ، وإن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم ، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف ، وما دون ذلك تصبر عن العلف ، ولا تتلف بتركه(٦) .

وقال بعضهم : إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرّة ، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته وصاغه انقطع حوله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٦ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦.

٤٨

ولأنّ السوم موجب ، والعلف مسقط ، وإذا اجتمعا غُلّب الإِسقاط ، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب ، تغليباً للمسقط ، والزرع اعتبر فيه الأكثر ، لأنّه غير مسقط ، بخلاف مسألتنا.

والأقرب عندي اعتبار الاسم ، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلّا سقطت.

فروع :

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف ، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود ، ولا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

ولو علفها من ماله ، فالأقرب إلحاقها بالسائمة ، لعدم المؤونة حينئذٍ ، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول وخرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

وقال الشافعي : لا ينقطع(١) . وسيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(٢) .

ج - لو تساوى زمان العلف والسوم ، فعندنا لا زكاة ، وعلى قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضاً.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة ، ومن اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها ، وأسقطها بعضهم ، لخروجها عن اسم السوم(٣) .

ه- لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٨.

(٢) يأتي في الفرع « و» من المسألة ٧١.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٤٩

ومن أوجبها في المغصوب فعنده وجهان : الوجوب ، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر ، وكذا لو غصب ذهباً واتّخذ منه حُليّاً لا تسقط. وهو ممنوع.

والعدم ، لفوات شرط السوم ، كما لو ذبح بعض الماشية(١) .

ولو غصب معلوفة وأسامها ، فوجهان : الوجوب ، لحصول الرفق ، كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر في النابت ، والمنع(٢) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل : تجب على الغاصب ، لأنّه من فعله. وقيل : على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان : المنع ، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك ، والرجوع ، لأنّه لو لا الإِسامة لم تجب.

وهل يرجع قبل الإِخراج أو بعده؟ وجهان(٣) ؛ وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٣١ : المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان : ما هو نماء في نفسه ، وما يرصد للنماء ، فالأول الحبوب والثمار ، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة ولا يعتبر فيه حول.

وما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ والنسل ، والذهب والفضّة للتجارة ، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه ، وبه قال جميع الفقهاء(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦١.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

٥٠

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإِبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال الحول وجب عليه »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه »(٢) .

وحكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا : إذا استفاد المال زكّاه في الحال ، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(٣) ؛ لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب والثمار.

والفرق : أن الغلّات يتكامل نماؤها دفعة ، ولهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة ٣٢ : يشترط بقاء النصاب طول الحول‌ ، فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه وكمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال ، وسقط حكم الأول عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) وهو يقتضي مرور الحول على جميعه.

ولأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإِسلام.

وحكي عن أبي حنيفة : أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ - ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ - ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ - ٦٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ - ٩٠.

(٣) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٢.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٠ ، المغني ٢ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٥) تقدمت مصادره في المسألة ٣١.

٥١

في وسطه(١) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٣ : وحولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة على المال‌ ، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة »(٢) .

فروع :

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقةً ، ومن صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده يجب الجميع إن فرّط وإلّا فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول ، ولو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة ٣٤ : لا تجب الزكاة في السخال‌ وهي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها ، ولا يبنى على حول الاُمّهات ، فلو كان عنده أربع ، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولاً.

ولو كان عنده خمس ستة أشهر ، ثم نتجت خمساً ، وتمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا ، وبه قال الحسن البصري والنخعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤)

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣١.

٥٢

ولأصالة البراءة.

وقال الشافعي : السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : أن تكون متولّدةً منها ، وأن تكون الاُمّهات نصاباً ، وأن توجد معها في بعض الحول ، فلو لم تكن متولّدةً منها ، بل كان الأصل نصاباً ، فاستفاد مالاً من غيرها ، وكانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها ، وكان حول الفائدة معتبراً بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثم تملّك خمساً منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

ولو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصاباً سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها ؛ لقصور الاُمّهات عن النصاب.

ولو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

واحتجّ على التبعيّة : بقول عليعليه‌السلام : « اعتد عليهم بالكبار والصغار »(١) .

وقال عمر لساعيه : اعتد عليهم بالسخلة(٢) . ولا مخالف لهما فكان إجماعاً ، ولأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(٣) .

والجواب : نقول بموجب الحديث ، فإنّ السخال والصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم ، ونمنع حكم الأصل.

ونازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول ، فقال : إذا استفاد سخالاً‌

____________________

(١و٢) أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، والرافعي في فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ ، وانظر أيضاً لقول عمر : الموطأ ١ : ٢٦٥ ذيل الحديث ٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣.

٥٣

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه ، وكان حول الاُمّهات حول السخال ، وإن لم تكن من جنسه كسخال الإِبل مع الغنم لم تضمّ ، فلو كان عنده خمس من الإِبل حولاً إلّا يوماً فملك خمساً من الإِبل ، ثم مضى اليوم زكّى المالين معاً ، وبه قال مالك(١) .

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإِبل ومائتا درهم أخرج زكاة المائتين ، ثم اشترى بها خمساً من الإِبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول ، وإن لم يزكّ المبدل ضمّهما معاً ، ولو كان عنده عبد وأخرج زكاة الفطرة عنه ، ثم اشترى به خمساً من الإِبل ضمّها إلى ما عنده(٢) .

واحتجّ أبو حنيفة على الضمّ وإن لم يكن من أصله : بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - وينتقض بالمزكّى بدله - ولأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

وينتقض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول )(٣) .

ولأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

ونازع مالك الشافعي في الشرط الثاني ، فقال : لو كانت الغنم أقلّ من أربعين ، ومضى عليها بعض الحول ، ثم توالدت وتمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الاُصول ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(٤) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ - ١٠٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٢ ، التفريع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٤

ونمنع الحكم في الأصل ، وللفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال ؛ لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول ، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع :

أ - لو نتجت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟

فإن قيل : بأنّه شرط الوجوب ضمّت ، وإن قيل : إنّه شرط الضمان لم تضمّ(١) .

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعاً ، أمّا عندنا ، فلعدم الوجوب ، وأمّا المخالف ، فلقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم(٢) .

ولو كان النصاب كلّه صغاراً جاز أخذ الصغيرة ، وإنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كباراً بصغار في أثناء الحول ، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصاباً من الصغار ثم ماتت الاُمّهات ، وحال الحول على الصغار ، وهو ظاهر قول أحمد(٣) .

وقال مالك : لا يؤخذ إلّا كبيرةً تجزي في الاُضحية(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة )(٥) .

وهو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٩.

(٣و٤) المغني ٢ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

٥٥

صدق عليه اسم السوم وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة وأحمد - في رواية - : لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّاً يجزئ مثله في الزكاة ، وهو محكي عن الشعبي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٢) .

ولأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك وإن لم تكن سائمةً ؛ لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(٣) ، والعلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال ، ولا تضمّ مع الاُمّهات ، وعند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(٤) .

فلو اختلف الساعي وربّ المال في شرط منها ، فقال المالك : هذه السخال من غيرها ، أو كانت أقلّ من نصاب ، أو نتجتها بعد تمام الحول.

وخالف الساعي ، قدّم قول المالك ؛ لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّها تجب على طريق المواساة والرفق ، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه- إذا ضمّت السخال إلى الاُمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الاُمّهات أو جميعها وبقي نصاب لم ينقطع الحول ، وبه قال مالك(٥) ؛ لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعاً للاُمّهات ، فصارت كما لو كانت موجودةً في جميع الحول ، فموت الاُمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها ، كما أنّ ولد أُمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لاُمّه ، فإذا ماتت‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣‌

(٥) التفريع ١ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٦

الاُمّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

وقال بعض الشافعية : إذا نقصت الاُمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها وفي السخال ؛ لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع ، فإذا نقصت الاُمّهات لم تتبعها السخال ، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصةً(١) .

ولو تلفت جميع الاُمّهات ، قال الشافعي : لا ينقطع الحول إذا كانت نصاباً(٢) ؛ لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا والجذاع.

وقال أبو حنيفة : ينقطع الحول وإن كانت نصاباً ، ولو بقي واحدة لم ينقطع(٣) .

ولو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(٤) ، خلافاً له(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٦) .

و - لو كانت في الإِبل فُصلان ، وفي البقر عجاجيل ، فإن سامت حولاً اعتبرت ، وإلّا فلا ، والمخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا ، فلو كانت الإِبل كلّها فُصلاناً والبقر عجاجيل اُخذ واحد منها.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) الاُم ٢ : ١٢ ، مختصر المزني : ٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، و ٤٨٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، شرح العناية ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ و ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ج ».

٥٧

وقال بعض الشافعية : لا يؤخذ إلّا السنّ المنصوص عليه ، لأنّا لو أخذنا واحداً منها لسوّينا بين خمس وعشرين وإحدى وستين ، وأخذنا فصيلاً من كلّ واحد من العددين وهو غير جائز ، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول : كم قيمة خمس وعشرين كباراً؟ فإذا قيل : مائة ، قيل : كم قيمة بنت مخاض؟ فإذا قيل : عشرة ، فيقال : كم قيمتها فُصلاناً؟ فيقال : خمسون. اُخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(١) .

وقال بعض الشافعية : إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر ، فإذا تغيّر بالعدد كستّ وسبعين اُخذ من الصغار(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأدائه إلى التسوية بين الأربعين والخمسين ، وبين الثلاثين والأربعين في البقر ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما(٣) .

مسألة ٣٥ : أوّل نُصب الإِبل خمس ، وفيها شاة‌ ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء ، ثم عَشر ، وفيه شاتان ، ثم خمس عشرة ، وفيه ثلاث شياه ، ثم عشرون ، وفيه أربع شياه ، وهذا كلّه بإجماع علماء الإِسلام.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست وعشرين ، ففيها حينئذٍ بنت مخاض(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « في خمس وعشرين خمس شياه »(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في خمس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٨١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ و ١٠١ / ١٥٧٢ و ١٥٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ - ٩٩.

(٤) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٠ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٩١ ، وسلّار في المراسم ١٢٩ - ١٣٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٩٣.

٥٨

وعشرين خمس من الغنم »(١) .

ولأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة ، ولأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شي‌ء من نُصب الزكاة المنصوصة.

وقال ابن أبي عقيل منّا : في خمس وعشرين بنت مخاض(٢) ، وهو قول الجمهور(٣) كافة ؛ لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمـّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في كلّ خمسٍ شاةً حتى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض »(٥) .

ونمنع الاحتجاج برواية أبي بكر ، لجواز أن يكون رأياً له ، أو يضمر فيها زيادة واحدة ، وهو جواب الثانية.

وقال ابن الجنيد : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياه(٦) .

مسألة ٣٦ : إذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‌ ، فإذا زادت واحدة ففيها حِقّة إلى ستين ، فإذا زادت واحدة وبلغت إحدى وستّين‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٥٩ ، الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ وفيه عن الإِمام الباقرعليه‌السلام ، والتهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ وفيهما عن الإِمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ١٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

٥٩

ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا صارت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين ، وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء ، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [ خمس و ](٢) سبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة »(٣) .

مسألة ٣٧ : إذا زادت على مائة وعشرين ولو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة‌ ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ففيها حقّتان وبنت لبون إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، وعلى هذا الحساب بالغاً ما بلغ عند علمائنا ، وبه قال ابن عمر وأبو ثور والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، ومالك في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون )(٥) والواحدة زيادة.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٣٥).

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦‌

(٤) الاُم ٢ : ٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389