الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١٠

الغدير في الكتاب والسنة والأدب10%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 389

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 389 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70475 / تحميل: 4468
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

لمـّا تعرّضت الدنيا عرضت لها

بحرص نفسي وفي الأطباع ادهانُ

نفس تعفّ واُخرى الحرص يقلبها

والمرء يأكل تبناً وهو غرثانُ

أمّا عليٌّ فدينٌ ليس يشركه

دنياً وذاك له دنيا وسلطانُ

فاخترت من طمعي دنياً على بصر

وما معي بالذي أختار برهانُ

إلى آخر أبيات مرّت في ج ٢: ١٢٨، ومرّ لعمرو بن العاص قوله:

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل

بذلك دنيا فانظرن كيف تصنعُ

فإن تعطني مصراً فأربح بصفقة

أخذت بها شيخاً يضرُّ وينفعُ

وما الدين والدنيا سواء وإنَّني

لآخذ ما تُعطي ورأسي مقنَّعُ

إلى آخر ما أسلفناه في ج ٢: ٤٤.

٨ - من كتاب لمحمَّد بن مسلمة الأنصاري إلى معاوية: وأمّا أنت فلعمري ما طلبت إلّا الدنيا، ولا اتَّبعت إلّا الهوى. فإن تنصر عثمان ميتاً فقد خذلته حيّاً. كتاب صفّين ص ٨٦.

٩ - قال نصر: لمـّا اشترطت عكّ والأشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة والعطاء فأعطاهم(١) ، لم يبق من أهل العراق أحدٌ في قلبه مرضٌ إلّا طمع في معاوية وشخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس، وبلغ ذلك عليّاً فساءه، وجاء المنذر بن أبي حميصة الوادعي(٢) وكان فارس همدان وشاعرهم فقال: يا أمير المؤمنين؟ إنّ عكّاً والأشعريّون طلبوا إلى معاوية الفرائض والعطاء فأعطاهم، فباعوا الدين بالدنيا، وإنّا رضينا بالآخرة من الدنيا، وبالعراق من الشام، وبك من معاوية، والله لآخرتنا خيرٌ من دنياهم، ولعراقنا خير من شامهم، ولَإمامنا أهدى من إمامهم، فاستفتحنا بالحرب، وثق منّا بالنصر، واحملنا على الموت. ثمَّ قال في ذلك:

إنَّ عكّاً سالوا الفرائض والأشـ

ـ عر سألوا جوائزاً بَثَنيَّهْ(٣)

____________________

١ - اشترطوا على معاوية أن يجعل لهم فريضة ألفى رجل فى الفين الفين، ومن هلك فابن عمه مكانه [كتاب صفين ٤٩٣].

٢ - الوادعى: نسبة إلى وادعة: بطن من همدان.

٣ - البثنية: منسوبة إلى قرية بالشام بين دمشق وأذرعات، واليها تنسب الحنطة البثنية، وهى أجود أنواع الحنطة.

٦١

تركوا الدين للعطاء وللفر

ض فكانوا بذاك شرَّ البريّهْ

وسألنا حسن الثواب من الله

وصبراً على الجهاد ونيَّهْ

فلكلّ ما ساله ونواه

كلّنا يحسب الخلاف خطيَّهْ

ولَأهل العراق أحسن في الحر

ب إذا ما تدانت السمهريَّهْ

ولَأهل العراق أحمل للثقـ

ـل إذا عمَّت العباد بليّهْ

ليس منّا من لم يكن لك في

الله وليّاً يا ذا الوَلا والوصيَّهْ

فقال عليٌّ: حسبك رحمك الله، وأثنى عليه خيراً وعلى قومه. وانتهى شعره إلى معاوية فقال معاوية: والله لأستميلنَّ بالأموال ثقات عليّ، ولأقسمنَّ فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته.

كتاب صفّين ص ٤٩٥، شرح ابن ابي الحديد ٢: ٢٩٣.

١٠ - من كتاب لمولانا أمير المؤمنين إلى معاوية: واعلم يا معاوية؟ أنّك قد ادّعيت أمراً لست من أهله لا في القِدَم ولا في الولاية، ولست تقول فيه بأمرٍ بيِّن تُعرف لك به أثرة، ولا لك عليه شاهد من كتاب الله، ولا عهد تدَّعيه من رسول الله، فكيف أنت صانع؟ إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها، وركنتَ إلى لذّتها، وخُلّي فيها بينك وبين عدوّ جاهد ملحّ، مع ما عرض في نفسك، من دنياً قد دعتك فأجبتها، وقادتك فاتّبعتها، وأمرتك فأطعتها، فاقعس عن هذا الأمر، وخُذ اُهبة الحساب، فإنّه يوشك أن يقفك واقفٌ على ما لا يُجنّك منه مِجنّ، ومتى كنتم يا معاوية! ساسة للرعيَّة؟ أو ولاةً لأمر هذه الاُمّة بغير قَدَمٍ حسن؟ ولا شرفٍ سابق على قومكم، فشمِّر لما قد نزل بك، ولا تمكّن الشيطان من بغيته فيك، مع أنّي أعرف انّ الله ورسوله صادقان، فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء، وإلّا تفعل أعلمك ما أغفلك من نفسك، فإنَّك مُترفٌ قد أخذ منك الشيطان مأخَذه، فجرى مِنكَ مَجرى الدّم في العروق.

كتاب صفّين ص ١٢٢، نهج البلاغة ٢: ١٠، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٤١٠.

١١ - روي: انّ الحسن بن علي رضي الله عنهما قال لحبيب(١) بن مسلمة في

____________________

١ - نزيل الشام كان مع معاوية في حروبه.

٦٢

بعض خرجاته بعد صفّين: يا حبيب! رُبّ مسير لك في غير طاعة الله. فقال له حبيب: أمّا إلى أبيك فلا. فقال له الحسن: بلى والله ولقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذا أسأت الفعل أحسنت القول فتكون كما قال الله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً. ولكنَّك كما قال الله تعالى: بل ران على قلوبهم ما كانوا يسكبون(١) .

١٢ - قال القحذمي: لمـّا قدم معاوية المدينة، قال: أيُّها النَّاس؟ انَّ أبا بكر رضي الله عنه لم يرد الدنيا ولم ترده، وأمّا عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأمّا عثمان فنال منها ونالت منه، وأمّا أنا فمالت بي وملت بها، وأنا ابنها وهي اُمّي وأنا ابنها، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم. العقد الفريد ٢: ٣٠٠.

إلى كلمات اُخرى تعرب عن مدى غايات معاوية وتركاضه وراء حطام الدُّنيا وملكها العضوض.

ابن عمر يحيى أحداث أبيه

هاهنا يوقفنا السبر عن أخبار ابن عمر على مواقف اتّباعه أحداث والده واتِّخاذه آرائه الشاذَّة عن الكتاب والسنَّة ديناً بعد تبيّن الرشد من الغيِّ، ما بالهم إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها؟!.

( منها ) : ذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ٢٦٥ عن ابن عمر لمـّا سُئل عن المتعة، قال: حرامٌ. فقيل: إنّ ابن عبّاس لا يرى بها بأساً. فقال: والله لقد علم ابن عباس أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها يوم خيبر وما كنّا مسافحين.

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ٧: ٢٠٦ عن عبد الله بن عمر أنّه سُئل عن متعة النساء فقال: حرامٌ، أما إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أخذ فيها أحداً لرجمه بالحجارة.

إنّ الرجل متقوّلٌ على الله وعلى رسوله بحكمه الباتِّ بحرمة المتعة، والسائل إنّما سأله عن دين الله لا عمّا أحدثه أبوه، وهو في قوله هذا مكذِّبٌ لأبيه حيث يقول:

____________________

١ - الاستيعاب ١: ١٢٣.

٦٣

متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما. ويقول: ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله أنا محرِّمهنَّ ومعاقبٌ عليهنَّ: متعة الحجِّ. ومتعة النساء. وحيَّ على خير العمل. ولم يستثن من ذلك العهد شيئاً ونسب التحريم إلى نفسه، وقد عُدّ من اوليات عمر.

ومكذِّبٌ أيضاً ابن عبّاس وقاذفٌ إيّاه بأنّه كان يعلم حكم الله ويحكم بخلافه، ويحلف بالله في قوله الفاحش، وحاشى حبر الاُمّة عن هذه الطامّة الكبرى.

ومكذّبٌ فحول الصحابة نظراء جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعمران ابن حصين، القائلين بإباحة المتعة في السنّة الشريفة، وانّهم تمتّعوا على عهد أبي بكر وشطر من خلافة عمر، وانّ عمر هو الذي نهى عنها.

ومكذِّبٌ سيّد العترة امير المؤمنينعليه‌السلام في عزوه النهي عن المتعة إلى عمر، وقوله: لولا نهيه عنها ما زنى إلّا شقيّ.

على أنَّ النهي عن المتعة بخيبر يكذِّبه به إطباق الحفّاظ وشرّاح البخاري على عدم وجود النّهي عنها يومئذ، وقد سبق القَول عن السهيلي وأبي عمرو الزرقاني في الجزء السّادس ص ٢٢٦ ط ٢ بأنّه وهمٌ وغلطٌ لا يعرفه أحدٌ من أهل السير ورواة الأثر.

مرَّ الكلام حول هذا البحث ضافياً في الجزء السادس ص ١٩٨ - ٢٤٠ ط ٢.

( ومنها ) : نهيه عن البكاء على الأموات إحتذاءً منه سيرة أبيه خلاف ما جاء في السنّة الشريفة من فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله وتقريره، وكان ذلك بعد قيام الحجَّة عليهما كما مرّ في الجزء السادس، وكان الرجل يقول: مرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقبر فقال: إنّ هذا ليعذّب الآن ببكاء أهله عليه فقالت عائشة: غفر الله لأبي عبد الرّحمن انّه وهم، إنّ الله تعالى يقول: ولا تزر وازرةٌ وزر اُخرى. إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هذا ليعذّب الآن وأهله يبكون عليه(١)

فصَّلنا القول في المسئلة في الجزء السّادس ١٥٩ - ١٦٧ ط ٢ وفي هذا الجزء ص ٤٣، ٤٤.

( ومنها ) : استنكافه من الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذاً برأي أبيه، السابق

____________________

١ - مسند احمد ٢: ٣١، ٣٨.

٦٤

ذكره في ج ٦ ص ٢٩٤ ط ٢، قال الشعبي: قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفاً فما سمعته يحدِّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا حديثاً(١) .

( ومنها ) : قوله في طواف الوداع على الحائض التي أفاضت حذو رأي أبيه خلاف السنَّة النبويّة الشريفة، وكان على ذلك ردحاً من الزمن، ثمّ لمـّا لم يَر مَن وافقه في الرأي لم يجد بدّاً من البخوع للحقّ فأخبت إليه كما أسلفناه في ج ٦: ١١١ ط ٢.

( ومنها ) : حضُّه النّاس على ما أحدثه أبوه من المنع عن السؤال عمّا لم يقع(٢) وقوله: يا أيّها الناس لا تسألوا عمّا لم يكن فإنّي سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عمّا لم يكن(٣) .

ألا تعجب من سوء حظّ امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تدعم الاُحدوثة فيها بالمسبّة، وتنهى عن المعروف بالفسوق؟.

( ومنها ) : قوله في المتطيّب عند الإحرام اقتداءً باُحدوثة أبيه خلاف السنّة الثابتة، أخرج البخاري ومسلم من طريق ابراهيم بن محمّد بن المنتشر عن أبيه قال: سمعت ابن عمر يقول: لأن أصبح مطلّياً بقطران أحبّ اليّ من أن أصبح محرماً اُنضخ(٤) طيباً قال: فدخلت على عائشة فأخبرتها بقوله فقالت: طيّبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطاف على نسائه ثمّ أصبح محرماً.

وفي لفظ البخاري: ذكرته لعائشة فقالت: يرحم الله أبا عبد الرَّحمن، كنت اُطيِّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيطوف على نسائه ثمَّ يصبح محرماً ينضخ طيباً.

وفي لفظ النسائي: سألت ابن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال: لإن أطلي بالقطران أحبُّ إليَّ من ذلك. فذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله أبا عبد الرَّحمن قد كنت اطيّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيطوف في نسائه ثمَّ يصبح ينضخ طيباً(٥) .

____________________

١ - سنن الدارمى ١: ٨٤، سنن ابن ماجة ١: ١٥، مسند احمد ٢: ١٥٧، ولفظه: جالست ابن عمر سنتين ما سمعته روى شيئا عن رسول الله.

٢ - مرّ البحث عنه فى ج ٦: ٢٩٣ ط ٢.

٣ - كتاب العلم لابى عمر ٢: ١٤٣، مختصر كتاب العلم ص ١٩٠.

٤ - النضخ بالخاء المعجمة كاللطخ فيما يبقى له اثر يقال: نضخ ثوبه بالطيب. والنضح بالمهملة فيما كان رقيقا مثل الماء.

٥ - صحيح البخارى ١: ١٠٢، ١٠٣، صحيح مسلم ٤: ١٢، ١٣، سنن النسائى ٥: ١٤١.

٦٥

( ومنها ) : ما أخرجه الشيخان(١) من طريق مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالسٌ إلى حجرة عائشة والناس يصلّون الضحى في - المسجد فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة. فقال له عروة: يا أبا عبد الرَّحمن! كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: أربع عمر إحداهنَّ في رجب، فكرهنا أن نكذِّبه ونردَّ عليه، وسمعنا استنان عائشة في الحجرة فقال عروة: ألا تسمعين يا امّ المؤمنين! إلى ما يقول أبو عبد الرّحمن؟ فقالت: وما يقول؟ قال: يقول: اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع عمر إحداهنَّ في رجب. فقالت: يرحم الله أبا عبد الرَّحمن، ما اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا وهو معه، وما اعتمر في رجب قطُّ.

الظاهر من الرواية انّ ابن عمر تعمَّد باختلاق عمرة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجب وإن كره مجاهد، وعروة أن يكذّباه، وانّما فعل ذلك روماً لتدعيم ما تأوّل به رأي أبيه الشاذّ في متعة الحجِّ ممّا رواه أحمد في مسنده ٢: ٩٥ من قوله: إنَّ عمر لم يقل لكم إنّ العمرة في أشهر الحجّ حرام ولكنَّه قال: إنّ أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحج.

فأراد ابن عمر بعزو عمرة رجب المختلقة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأييداً لتأويله الذي يضادّ صريح قول أبيه: إنِّي اُحرِّمها واُعاقب عليها. وقد فصّلنا القول فيها في ج ٦.

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما اعتمر في رجب قطُّ كما جاء في حديث أنس أيضاً: اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع عمر كلّها في ذي العقدة(٢) وأخرج ابن ماجة في سننه ٢: ٢٣٣ من طريق ابن عبّاس قال: لم يعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمرة إلّا في ذي العقدة.

وكان ابن عمر يحسب أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر مرّتين فأنكرت عليه عائشة ايضاً، ولعلّه كان قبل إنكارها السابق عليه، أخرج أبو داود وأحمد(٣) من طريق مجاهد قال: سُئل ابن عمر: كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: مرّتين. فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجَّة الوداع.

____________________

١ - صحيح البخارى ٣: ١٤٤، صحيح مسلم ٤: ٦١، مسند احمد ٢: ٧٣، ١٢٩، ١٥٥، وفى تيسير الوصول ١ ص ٣٣٦: أخرجه الخمسة الا النسائى.

٢ - صحيح البخارى ٣: ١٤٥، صحيح مسلم ٤: ٦٠، سنن أبى داود ١: ٣١٢، الاجابة للزركشى ص ١١٥.

٣ - راجع سنن ابى داود ١: ٣١٢، مسند احمد ٢: ٧٠، ١٣٩، فتح البارى ٣، ٤٧٣.

٦٦

ولعلّ الباحث يقرب من عرفان حقيقة ابن عمر إن أمعن النظر فيما أخرجه ابن عساكر من طريق إمام الحنابلة أحمد عن إبن ابزي: انّ عبد الله بن الزبير قال لعثمان يوم حصر: إنّ عندي نجائب قد أعددتها لك، فهل لك أن تتحوّل إلى مكّة فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يلحد بمكّة كبشٌ من قريش اسمه عبد الله عليه نصف أوزار الناس، ولا أراك إلّا إيّاه أو عبد الله بن عمر ( تاريخ ابن عساكر ٧: ٤١٤ ).

وأخرج أحمد في مسنده ٢: ١٣٦: أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن الزبير إيّاك والإلحاد في حرم الله تبارك وتعالى فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: انّه سيلحد فيه رجلٌ من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلّين لرجحت. قال: فانظر لا تكونه.

الفريق الثاني.

أمّا الفريق الثاني من أخبار ابن عمر فحدّث عنه ولا حرج، تراه لا يدعه عداءه المحتدم ونفسيَّته الواجدة على أمير المؤمنين، أو حبّه المعمى والمصمّ للبيت العبشمي أن يجري علي لسانه اسم عليّ وذكر أيّام خلافته فضلاً عن أن يبايعه، مرّ حول حديث ذكرناه في هذا الجزء صفحة ٢٤ قول ابن حجر: لم يذكر ابن عمر خلافة عليّ لأنَّه لم يبايعه لوقوع الإختلاف عليه. إلى آخر كلامه.

وسبق في ص ٣٦ من طريق الحافظ ابن عساكر ذكر ابن عمر الخلافة الإسلاميّة و عدّه خلفائها الإثني عشر من قريش: أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والسفاح و منصور وجابر والأمين وسلام والمهدي وأمير العصب وقوله فيهم: إنّ كلّهم صالحٌ لا يوجد مثله.

أيَّ نفسيَّة ذميمة أو عقليّة ساقطة دعت الرجل إلى هذه العصبيَّة عصبيّة الجاهليَّة الاولى، هب أنّ خلافة أمير المؤمنين كانت غير مشروعة - العياذ بالله - ولكن هل كانت من السقوط على حدّ هو أسوء حالاً من أيّام يزيد الطاغية الباغية وملكه العضوض الذي استساغ الرجل أن يلهج به دون عهد امير المؤمنين وخلافته؟ وهلّا تسوغ تسمية أيّام الفراعنة والجبابرة لدى سرد تاريخ قصّة أو قضيّة؟ وقد ثبت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند

٦٧

القوم انّ الخلافة بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلثون عاماً، ثمّ ملك عضوض، ثمَّ كائن عتوّاً وجبريّة و فساداً في الاُمّة، يستحلّون الفروج والخمور(١)

وهل كان على لسان الرجل عقال عيَّ به عن سرد فضائل أمير المؤمنين وتبكّمت عليه ممّا ملأ بين الخافقين، وقد نزلت فيهعليه‌السلام ثلاثمائة آية، وجاءت في الثناء عليه آلاف من الحديث لم تُروَ منها عن ابن عمر إلّا نزرٌ يعدّ بالأنامل، وذلك بصورة مصغّرة مشوّهة، يضمّ آرائه السخيفة إليها مثل ما أخرجه أحمد في مسنده ٢: ٢٦ عن ابن عمر قال: كنّا نقول في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رسول الله خير الناس. ثمّ أبو بكر، ثمّ عمر، ولقد اوتى ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم: زوّجه رسول الله ابنته وولدت له. وسدّت الأبواب الّا بابه في المسجد. وأعطاه الراية يوم خيبر.

وفي حديث: قيل لابن عمر: ما قولك في عليّ وعثمان رضي الله عنها؟ فقال ابن عمر: أمّا عثمان فقد عفى الله عنه فكرهتم أن تعفو، وأمّا عليّ فابن عمّ رسول الله وختنه(٢) .

وتراه يوازن أبا بكر وعمر وعثمان مع رسول الله ويزنهم بميزان قسطه الذي فيه ألف عين ثمّ يرفعه ولم تلحق الزنة عليّاً، أخرج أحمد في المسند ٢: ٧٦ من طريق ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: رأيتُ قبيل الفجر كأنّي اُعطيت المقاليد والموازين، فامّا المقاليد فهذه المفاتيح، وأمّا الموازين فهي التي تزنون بها فوضعتُ في كفّة ووضعت اُمّتي في كفّة، فوزنت بهم فرجحت، ثمّ جيء بأبي بكر فوزن بهم فوزن، ثمّ جيء بعمر فوزن، ثمّ جيء بعثمان فوزن بهم. ثمّ رفعت.

يؤيِّد ابن عمر بهذه الاُسطورة رأيه في المفاضلة بين الصحابة، وانّه لا تفاضل بينهم بعد أبي بكر وعمر وعثمان، وإذا ذهبوا استوى الناس.

نعم: ثقيل على ابن عمر أن يذكر عليّاً بخير، ويبوح بشيء من فضائله الجمّة، وهو يأتي في غيره بما لا يقبله قطّ ذو مسكة، ولا يساعده فيه العقل والمنطق مثل قوله: كنت عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده أبو بكر الصدّيق عليه عباءة قد خلّها على صدره بخلال، فنزل

____________________

١ - راجع الخصايص الكبرى ٢: ١١٩، فيض القدير ٣: ٥٠٩.

٢ - أخرجه البخارى.

٦٨

عليه جبريل فقال: ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلّها على صدره بخلال؟ إلى آخر ما مرّ في ج ٥ ص ٢٧٤ ط ١، و ٣٢١ ط ٢.

وقوله مرفوعاً: لو وزن ايمان أبي بكر بايمان أهل الأرض لرجح. لسان الميزان ٣: ٣١٠.

وقوله مرفوعاً: اُتيت في المنام بعسّ مملوء لبناً فشربت منه حتّى امتلأت فرأيته يجري في عروقي، فضلت فضلة فأخذها عمر بن الخطاب فشربها. إلى آخر ما أسلفناه في ج ٥: ٢٧٩ ط ١، و ٣٢٦ ط ٢.

وقوله مرفوعاً: اُحشر يوم القيامة بين أبي بكر وعمر، حتّى أقف بين الحرمين فيأتيني أهل مكّة والمدينة.

وقوله مرفوعاً: هبط جبريل فقال: إنَّ ربّ العرش يقول لك: لمـّا أخذت ميثاق النبيّين أخذت ميثاقك وجعلتك سيّدهم وجعلت وزيرك أبا بكر وعمر.

وقوله مرفوعاً: لمـّا اُسري بي إلى السّماء فصرت إلى السَّماء الرّابعة سقطت في حجري تفَّاحة فأخذتها بيدي فانفلقت فخرج منها حوراء تقهقه فقلت لها: تكلّمي لمن أنت؟ قالت: للمقتول شهيداً عثمان بن عفّان.

وقوله مرفوعاً: أما إنّ معاوية يبعث يوم القيامة عليه رداءٌ من نور الإيمان.

وقوله مرفوعاً: انّه اوحي إليّ أن اُشاور ابن أبي سفيان في بعض أمري.

وقوله: لمـّا نزلت آية الكرسي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاوية: اكتبها فقال لي: ما لي بكتبها إن كتبتها؟ قال: لا يقرؤها أحدٌ إلّا كُتب لك أجرها.

وقوله مرفوعاً: الآن يطلع عليكم رجلٌ من أهل الجنّة. فطلع معاوية، فقال: أنت يا معاوية! منّي وأنا منك، لتزاحمني على باب الجنّة كهاتين. وأشار باصبعيه.

وقوله مرفوعاً: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة. فطلع معاوية، ثمّ قال من الغد مثل ذلك، فطلع معاوية، ثمّ قال من الغد مثل ذلك، فطلع معاوية.

وقوله: إنّ جعفر بن أبي طالب أهدى إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفرجلاً فأعطى معاوية ثلاث سفرجلات وقال: تلقاني بهنَّ في الجنّة.

٦٩

إلى روايات اُخرى أسلفناها في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات، ونحن وإن ماشينا القوم هنالك وأخذنا بتلكم الطامّات اُناساً آخرين من رجال أسانيدها، غير انَّ ما صحّ عن ابن عمر من أخباره كحديث المفاضلة، وما علم من نزعاته الوبيلة، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه تقرّب إلى الذّهن انّه هو صائغ تلكم الصحاصح، ولا رجحان لغيره عليه في كفّة الإختلاق والتقوّل، كما أنّ له في نحت الأعذار لمن انحاز إليهم من الأمويِّين قَدماً وقِدماً، وقد مرّ شطرٌ من شواهد ذلك ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده ٢: ١٠١ من طريق عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجلٌ من مصر يحجّ البيت قال فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا: قريش.

قال: فمَن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يا ابن عمر إنِّي سائلك عن شيء أو أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أنّ عثمان فرّ يوم اُحد؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنّه غاب عن بدر فلم يشهده؟ قال: نعم. قال: وتعلم أنّه تغيّب عن بيعة الرضوان؟ قال: نعم. قال فكبّر المصريُّ، فقال ابن عمر: تعال اُبيّن لك ما سألتني عنه، أمّا فراره يوم اُحد فأشهد انّ الله قد عفى عنه وغفر له، وأمّا تغيّبه عن بدر فانّه كانت تحته ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانّها مرضت فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لك أجر رجل شهد بدر أو سهمه. أمّا تغيّبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحدُ أعزّ ببطن مكّة من عثمان لبعثه، بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان، فضرب بها يده وقال: هذه لعثمان. قال: وقال ابن عمر: اذهب هذا الآن معك. وأخرجه البخاري في صحيحه ٦: ١٢٢. وفي مرسلة عن المهلب بن عبد الله انَّه دخل على سالم بن عبد الله بن عمر رجلٌ وكان ممّن يحمد عليّاً ويذمُّ عثمان فقال الرجل: يا أبا الفضل؟ ألا تخبرني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟ فقال سالم: لا. فكبّر الرجل وقام ونفض ردائه و خرج منطلقاً فلمّا أن خرج قال له جلساؤه: والله ما أراك تدري ما أمر الرجل، قال: أجل، وما أمره؟ قالوا: فإنّه ممّن يحمد عليّاً ويذمّ عثمان فقال: عليَّ بالرجل فأرسل إليه فأتاه فقال: يا عبد الله الصالح إنّك سألتني: هل شهد عثمان. البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟ فقلت: لا. فكبّرت وخرجت شامتاً فلعلّك ممّن يحمد عليّاً ويذمّ عثمان؟

٧٠

فقال: أجل والله إنِّي لمنهم، قال: فاستمع منِّي ثمّ اردد عليَّ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا بايع الناس تحت الشجرة كان بعث عثمان في سريَّة وكان في حاجة الله وحاجة رسوله و حاجة المؤمنين فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إنّ يميني يدي وشمالي يد عثمان، فضرب شماله على يمينه وقال: هذه يد عثمان وانّي قد بايعت له، ثمّ كان من شأن عثمان في البيعة الثانية: انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عثمان إلى عليّ فكان أمير اليمن فصنع به مثل ذلك.

إلى آخر الرواية وهي طويلة أخرجها المحبّ الطبري في الرياض النضرة ٢: ٩٤ وقد حذف إسنادها تحفّظاً عليها، وفي متنها شواهد تدّل على وضعها وانّها مكذوبةٌ مختلقة وهي تغنينا عن عرفان رجال السند.

وأخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٩٨ من طريق حبيب بن أبي مليكة، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: أشهد عثمان بيعة الرضوان؟ قال: لا. قال: فشهد بدراً؟ قال: لا. قال: فكان ممّن استزلَّه الشيطان قال: نعم. فقام الرجل، فقال له بعض القوم: إنّ هذا يزعم الآن إنّك وقعت في عثمان. قال: كذلك يقول؟ قال: ردّوا عليَّ الرجل، فقال: عقلتَ ما قلتُ لك؟ قال: نعم سألتك هل شهد عثمان بيعة الرضوان؟ قلت: لا. وسألتك هل شهد بدراً؟ فقلت: لا. وسألتك هل كان ممّن استزلّه الشيطان؟ فقلت: نعم. فقال: أمّا بيعة الرضوان فإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام فقال: إنَّ عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله.

فضرب له بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره، وأمّا الذين تولّوا يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم إنَّ الله غفورٌ حليم.

ألا تعجب من هذه الأعذار المفتعلة الباردة وقد خفيت على الصحابة الحضور يوم بدر البالغ جمعهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً(١) وعلى الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفاً وأربعمائة أو أكثر(٢) لم يك يعلم بها إلّا رجلين أحدهما ابن عمر الذي كان

____________________

١ - صحيح البخارى ٦: ٧٤ فى المغازى، تاريخ الطبرى ٢: ٢٧٢، سيرة ابن هشام ٢: ٣٥٤.

٢ - صحيح البخارى ٧: ٢٢٣ فى تفسير سورة الفتح، تفسير القرطبى ١٦: ٢٧٦.

٧١

يوم بدر واُحد صبيّاً لم يبلغ الحلم وقد استصغره رسول الله في اليومين وكان له يوم بيعة الرضوان ستّ عشر سنة(١) وثانيهما نفس عثمان الغائب عن هاتيك المواقف، فالرواية مدبّرة بين اثنين بين صبيّ وغايب يوم حوصر عثمان وتبعهما في بعضها أنس فحسب، ومن الغريب جِدّاً انَّ عبد الرَّحمن بن عوف أخا عثمان(٢) وصاحبه الذي أقعده دست الخلافة، وكان حاضراً في بدر واُحد لم يكن قرع سمعه شيءٌ من تلكم الأعذار إلى يوم حوصر عثمان، ولو كانت بمقربة من الصحّة لكانت الألسن تتداولها، والأندية لا تخلو عن ذكرها، فجاء عبد الرّحمن ينتقد الرجل بعدم حضوره في الغزوتين وتركه سنّة عمر فبلغ ذلك عثمان فتخلّص عنه بما خلق له ابن عمر أو اختلق هو، أخرج أحمد في مسنده ١: ٦٨ من طريق شقيق قال: لقي عبد الرّحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد: مالي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه؟ فقال له عبد الرَّحمن: أبلغه: إنّي لم افرّ يوم عينين - قال عاصم: يقول: يوم اُحد - ولم أتخلّف يوم بدر، ولم أترك سنّة عمر رضي الله عنه قال: فانطلق فخبّر ذلك عثمان رضي الله عنه فقال: أمّا قوله: إنّي لم أفرّ يوم عينين فكيف بذنب؟ وقد عفا الله عنه، فقال: إنَّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم، وأمّا قوله: إنِّي تخلّفت يوم بدر، فانِّي كنت أمرض رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين ماتت و قد ضرب لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهمي ومن ضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهمه فقد شهد. وأمّا قوله: إنِّي لِمَ أترك سنّة عمر رضي الله عنه، فإنِّي لا اُطيقها ولا هو، فأته و حدِّثه بذلك.

دع ابن عمر يصوّر لبعث عثمان إلى مكّة صورة مكبّرة من أنّه لم يبعثه إلّا لأنّه أعزّ مَن في بطن مكّة(٣) فإنَّ الواقف على القصّة جِدّ عليم بأنَّ تلك البعثة ما كانت لها صلة بالعزَّة والذلَّة فانّها كانت إلى أبي سفيان يريد بها التخفيف من وطئته في استهواء قريش واستهدائه على استثارتها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان طبع الحال يستدعي

____________________

١ - راجع صفحة ٤ من هذا الجزء.

٢ - آخى رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله‌ بينهما يوم المؤاخاة الاولى:

٣ - كما مر فى ص ٧٠.

٧٢

أن يبعث إليه رجلاً من حامّته يأمن من بطشه ويؤمّل تنازله له لما بينهما من واشجة الرَّحم والقرابة، ولذلك انتخب لها عثمان، إن لم يقل القائل: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّما بعثه ليغيب عن بيعة الرضوان وفضلها حتّى لا يُقال غداً: إنَّ عدول الصحابة قد اجمعت على قتل رجل من أهل بيعة الرضوان.

هاهنا ننهي البحث عن حديث المفاضلة - الذي جاء به ابن عمر وصحّحه البخاري - وانّه باطلٌ لا يعتمد عليه، يخالف الكتاب والسنَّة والعقل والقياس والإجماع والمنطق ونرجع إلى بقيَّة ما جاء في المناقب:

٥ - عن أنس: إنّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على حراء وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أثبت حراء فما عليك إلّا نبيّ وصدّيق وشهيدان.

قال الأميني: أخرجه الخطيب في تاريخه ٥: ٣٦٥ من طريق محمّد بن يونس الكديمي ذلك الكذّاب الوضاع الذي وضع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من الف حديث كما مرَّ في الجزء الخامس في سلسلة الكذّابين ص ٢٣٠، وفي هذا الجزء فيما يأتي. عن قريش بن أنس الأموي البصري. قال ابن حبان: اختلط فظهر في حديثه مناكير فلم يجز الإحتجاج بأفراده. وقال البخاري: إختلط ستَّ سنين(١) عن

سعيد بن أبي عروبة البصري قال ابن سعد: اختلط في آخر عمره. وقال ابن حبان بقي في اختلاطه خمس سنين، ولا يُحتجّ إلّا بما روى القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك. وقال الذهلي: عاش بعد ما خولط تسع سنين. وقال غيرهم: اختلط سنين لم يجز الإحتجاج بحديثه فيما انفرد(٢) .

هذا ما في إسناد هذه الاكذوبة من العلل غير أنَّ الخطيب مرَّ بها كريماً، لا تسمع منه حولها ركزا، ولم ينبس فيها ببنت شفة، عادته في فضائل من أعماه حبّه وأصمّه.

٦ - أخرج الدارقطني في سننه عن إسماعيل بن العبّاس الورّاق عن عباد بن الوليد أبي بدر عن الوليد بن الفضل عن عبد الجبّار بن الحجّاج الخراساني عن مكرم بن حكيم عن سيف بن منير عن أبي الدرداء قال: أربع سمعتهنَّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٨: ٣٧٥.

٢ - تهذيب التهذيب ٤: ٦٣ - ٦٦.

٧٣

لا تكفّروا أحداً من أهل قبلتي بذنب وإن عملوا الكبائر، وصلّوا خلف كلِّ إمام، وجاهدوا أو قال: قاتلوا، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ إلّا خيراً قولوا: تلك اُمّة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت(١) .

رجال الاسناد:

١ - الوليد بن الفضل المقبري. قال ابن حبان: يروي الموضوعات لا يجوز الإحتجاج به بحال، وقال الذهبي: هو الذي حديثه في جزء ابن عرفة عن اسماعيل بن عبيد الله: إنَّ عمر حسنةٌ من حسنات أبي بكر رضي الله عنه. وإسماعيل هالك، والخبر باطل، وفي سنن الدارقطني: حدَّثنا إسماعيل بن العبّاس الورّاق ثنا عباد بن الوليد أبو بدر ( وذكر الحديث بالإسناد المذكور ) فقال: قال الدارقطني: من بعد عبّاد ضعفاء ( يعني الوليد وعبد الجبّار ومكرم وسيف ).

وقال ابن حجر: لفظ الدارقطني بين عبّاد وأبي الدرداء ضعفاء، فدخل فيهم عبد الجبّار كما دخل في قول العقيلي: إسنادٌ مجهول، ووقع هنا سيف بن منير وفي الرواية الاُخرى: منير بن سيف، فلعلّه انقلب. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه مجهولٌ، وقال الحاكم وأبو نعيم وأبو سعيد النقاش: روى عن الكوفيين الموضوعات.

« ميزان الإعتدال ٣: ٢٧٣، لسان الميزان ٦: ٢٢٥ »

٢ - عبد الجبّار بن الحجّاج الخراساني، ذكره ابن حجر في لسان الميزان ٣: ٣٨٧ وذكر شطراً من الحديث بالإسناد وقال: هذا غير محفوظ، وليس في هذا المتن إسنادٌ ثبت، وضعّفه الدارقطني فإنّه ساق في السنن الحديث المذكور من الطريق المذكور لكنّه من رواية عباد بن الوليد الغبري(٢) ، عن الوليد بن الفضل وقال: من بعد عبّاد ضعيفٌ فدخل عبد الجبار فيهم كما دخل ابن منير.

[لسان الميزان ٣: ٣٨٨].

٣ - مكرم بن حكيم الخثعمي: قال الذهبي في الميزان: روى خبراً باطلاً ( يعني هذا الحديث) وقال: قال الأزدي: ليس حديثه بشيء.

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٣: ٢٧٣ و ج ٦: ٢٢٦.

٢ - بضم المعجمة وفتح الموحدة المخففة.

٧٤

وقال ابن حجر: وزاد ( يعني الازدي ) انّه مجهولٌ، والحديث مذكورٌ في ترجمة الوليد بن الفضل، وقد ضعّفه الدارقطني أيضاً. [الميزان ٣: ١٩٨، لسان الميزان ٦: ٨٥].

٤ - سيف بن منير: قال الذهبي: يجهل وضعّفه الدارقطني لكونه أتى بأمر معضل عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: لا تكفروا أهل ملّتي وإن عملوا الكبائر. لكنّه من رواية مكرم بن حكيم أحد الضعفاء عنه.

وقال ابن حجر: وذكره الأزدي فقال: ضعيفٌ مجهولٌ يكتب حديثه، وإسناد حديثه ليس بالقايم. وقال صاحب الحافل: رواه عنه مكرم بن حكيم وليس بشيء، والحديث في سنن الدارقطني. ميزان الاعتدال ١: ٤٣٩: لسان الميزان ٣: ١٣٣.

٧ - عن أنس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من نبيّ إلّا وله نظيرٌ في امّتي فأبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعليّ بن أبي طالب نظيري.

قال الأميني: أخرجه ابن الأعرابي عن محمّد بن زكريا الغلابي البصري عن أحمد ابن غسان الهجيمي عن أحمد بن عطاء أبي عمر. والهجيمي عن عبد الحكم عن أنس.

قال الذهبي في الميزان ١: ٥٦: أخاف أن يكون الغلّابي كذبه، وقال في ٣: ٥٨: هو ضعيفٌ. وقال ابن مندة: تكلّم فيه. وقال الدارقطني: يضع الحديث.

وذكر الحاكم في تاريخه حديثاً من طريق محمّد بن زكريا الغلابي فقال: رواته ثقات إلَّا محمّد بن زكريا وهو الغلابي فهو آفته.

وفي الإسناد أحمد بن عطاء، قال الدارقطني: متروكٌ. وقال الأزدي: كان داعية إلى القدَر متعبّداً مغفّلاً يحدّث بما لم يسمع، وقال زكريَّا الساجي قبله مثله، وقال ابن المديني: أتيته يوماً فجلست إليه فرأيت معه درجاً يحدّث به فلمّا تفرَّقوا عنه قلت له: هذا سمعته؟ قال: لا، ولكنه اشتريته وفيه أحاديث حسان اُحدِّث بها هؤلاء ليعملوا بها واُرغّبهم واُقرّبهم إلى الله، ليس فيه حكمٌ ولا تبديل سنّة، قلت له: أما تخاف الله تقرِّب العباد إلى الله بالكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

ميزان الاعتدال ١: ٥٦، ج ٣: ٥٨، لسان الميزان ١: ٢٢١، و ج ٥: ١٦٨.

٧٥

٨ - ذكر المحبّ الطبري في الرياض النضرة ١: ٣٠ عن محمّد بن إدريس الشافعي قال: بسنده إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ أنواراً على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلمّا خُلق اسكنّا ظهره، ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة إلى أن نقلني الله صلب عبد الله، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة، ونقل عمر إلى صلب الخطّاب، ونقل عثمان إلى صلب عفّان، ونقل عليَّاً إلى صلب أبي طالب ثمَّ اختارهم لي أصحاباً فجعل أبا بكر صدّيقاً، وعمر فاروقاً، وعثمان ذا النورين، وعليّاً وصيّاً، فمن سبَّ أصحابي فقد سبَّني، ومن سبَّني فقد سبّ الله، ومن سبَّ الله أكبّه في النار على منخره، أخرجه الملّا في سيرته.

قال الأميني: نحن في إبطال هذا الحديث في غنى عن النظرة إلى إسناده المحذوف لكنّا مهما ذهلنا عن شيء فلا يفوتنا العلم بأنَّ الأصلاب الأمويّة غير طاهرة وإنّما هي الشجرة الملعونة في القرآن راجع الجزء الثّامن ص ٢٥٤، ٢٥٥ ط ١.

إنَّ الخيار من البريّة هاشمٌ

وبنو اُميَّة أرذَل الأشرارِ

وبنو اُميّة عدوهم مِن خروع

ولها شم في المجد عود نضارِ

أمّا الدعاة إلى الجنان فهاشم

وبنو اُميِّة مِن دُعاةِ النّارِ

وبهاشم زكت البلاد وأعشبت

وبنو اُميّة كالسراب الجاري

ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار باب ٦٦ لأبي عطاء أفلح السندي.

وتجد في غضون أجزاء كتابنا هذا نبذاً وافية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وبقيّة الصّحابة ممّا فيه غنى وكفاية في سقوط الأمويِّين عن مستوى الإعتبار والنزاهة في الجاهليّة والإسلام، على ما يؤثر عنهم في العهدين من المخازي والمخاريق المؤكّدة لذلك كلّه، فنحن نحاشي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يصف تلكم الأصلاب بالطهارة في عداد الأصلاب الطاهرة التي تنقل فيها الرَّسول الأطهر ووصيّه المطهَّر أمير المؤمنين علي عليهما وآلهما السّلام.

وهي الشجرة الطيِّبة التي أصلها ثابت وفرعها في السَّماء تؤتي أكلها كلَّ حين.

على أنّا لم نجد في أبي قحافة والخطّاب وأسلافهما ما يمكن أن يعدَّ من المآثر البشريَّة فضلاً عن المآثر الدينيّة التي نقطع بعدم تحلّيهما بها فقد أسلفنا الكلام حول

٧٦

اسلام أبي قحافة في الجزء السّابع ص ٣١٢ - ٣٢١ ط ١ وأمّا الخطّاب فمن المقطوع به أنّه لم يسلم وقد ثبت عن عمر قوله لعبّاس عمِّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أسلم: يا عبّاس! فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليَّ من اسلام الخطاّب لو أسلم(١) .

وأما عفّان فسل عنه الكلبي والبلاذري فإنّ لهما في « المثالب » و « الانساب » جملٌ تُعرب عن مجمل حقيقة الرجل دون تفصيلها.

وإنَّا أسلفنا القول حول الألقاب في ج ٢: ٣١٢ - ٣١٤ و ج ٣: ١٨٧ ط ٢: وانَّ الصدِّيق والفاروق من الألقاب الثابتة الخاصَّة بمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وانّما تداولتهما النّاس للرّجلين وعند ذلك وضعوا مثل هذه المفتعلات.

ونحن لا نسترسل في بيان حكم سبّ الصّحابة لكنّا لو أخذنا بإطلاق هذه الرّواية وقلنا: أنَّ المخاطبين منهم كانوا مكلّفين بمفادها لأشكل الأمر في أكثر الصحابة الذين اطّرد بينهم السباب المقذع، والوقيعة الفاضحة، والعداء المحتدم حتّى انّه كان قد يؤل الأمر من جرّاء ذلك إلى المقاتلة، فهل هؤلاء كلّهم يكبّون في النار على مناخرهم؟ أنا لا أدري.

٩ - قال المحبُّ الطبري في الرياض النضرة ١: ٢٤: عن ابن يخامر السكسكي انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أللّهمَّ صلِّ على أبي بكر فانّه يحبّك ويحبُّ رسولك، أللّهم صلِّ على عمر فإنّه يحبّك ويحبّ رسولك، أللّهمَّ صلِّ على عثمان فانّه يحبّك ويحبُّ رسولك، أللّهمّ صلّ على أبي عبيدة بن الجراح فانّه يحبّك ويحبُّ رسولك، أللّهمَّ صلِّ على عمرو بن العاص فإنّه يحبّك ويحبُّ رسولك. أخرجه الخلعي.

قال الأميني: ليت المحبّ الطبري أوقفنا على إسناد هذا الحديث المبتور حتّى نعرف عدد مَن فيه من الوضّاعين، وليته بعد أن موّه الأمر في ذلك عرّفنا ابن يخامر السكسكي مَن هو أمن الصّحابة؟ أم من التابعين؟ أم ممّن بعدهم من طبقات الرجال؟ وهل سمع هو مَن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أنّه موَّه ودلَّس؟ أو أنّه بشرٌ لم يُخلق بعدُ؟ وإن تعجب فعجبٌ انّه حذف بين الأسماء من يُقطع بأنّه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي استفاض النقل الصحيح بذلك عن

____________________

١ - سيرة ابن هشام ٤: ٢١، عيون الاثر ٢: ١٦٩، الشفاء للقاضى ٢ ص ١٨.

٧٧

النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجع ج ٣ ص ٢١ - ٢٣ ط ٢ وتقدَّم في الجزء السابع ١٩٩ ط ١ وفي صفحات هذا الجزء أحاديث جمَّة تدلُّ على أنّه أحبّ الناس إلى الله وإلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن المعلوم إذن انَّ هذه المرتبة من الحبِّ متبادلٌ بينه سلام الله عليه وبينهما ويدلّ على هذا التبادل بنحو الإطلاق قوله تعالى: إنْ كنتم تحبُّون الله فاتّبعوني يحببكم الله.

وكان في الصحابة أناسٌ آخرون يتهالكون في المحبَّة لله ولرسوله لا يفوقهم مَن ذُكر وإن كنّا نعتقد انّهم دون اولئك المنسيِّين بمنازل كثيرة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار والعبّاس عمّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كثيرين من نظرائهم. لكنَّ نوبة الحبّ وصلت إلى الأبتر ابن الشائن الأبتر، إلى ابن النابغة، إلى ابن الأمة السوداء المجنونة الحمقاء التي كانت تبول من قيام، ويعلوها اللّئام، ركبها في يوم واحد أربعون رجلاً، إلى ابن العاصي، إلى ابن الجزّار، إلى ابن دعيِّ ستَّة، إلى المدافع عن نفسه في معترك القتال بإسته، إلى من رأى فحل زوجته على فراشه فلم يغر ولم ينكر، إلى الوغد اللّئيم، إلى النكد الذميم، إلى الوضيع الزنيم(١) إلى مناوئي الحقِّ ونصير الباطل، إلى إلى...

نعم: وصلت نوبة الحبِّ إليه ولم تصل إلى من ذكرناهم من رجال الدين وأفذاذ الإسلام وأعاظم الاُمّة وصلحاء الصَّحابة.

إن دام هذا ولم يحدث به غيرٌ

لم يُبك ميتٌ ولم يُفرح بمولود

نعم: راق ذلك السكسكي أو مَن قبله من الوضّاعين ولم يرقهم غيره. وكم في صفحات تاريخ عمرو بن العاصي وقرناءه الأربعة شواهد دالَّة على ما عزاهم إليه مختلق الرّواية من حبِّ الله وحبّ رسوله، نكل الوقوف عليها إلى سعة باع الباحث.

١٠ - أخرج ابن عدي عن أحمد بن محمّد الضبيعي عن الحسين بن يوسف عن أبي هاشم أصرم بن حوشب عن قرّة بن خالد البصري عن الضحاك عن ابن عبّاس مرفوعاً: أنا الاوّل وأبو بكر الثاني، وعمر الثالث، والناس بعدنا على السبق الاوَّل فالاوَّل.

قال الأميني: قال السيوطي في اللئالي ١: ٣١١: موضوعٌ آفته أصرم.

____________________

١ - تجد تفصيل هذه الجمل الى أمثالها الكثيرة المعربة عن حقيقة ابن العاصى في الجزء الثانى ١٢٠ - ١٧٠ ط ٢.

٧٨

وقال الذهبي: أصرم هالكٌ، قال يحيي: كذّابٌ خبيثٌ، وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال السعدي: كتبت عنه بهمدان سنة اثنتين ومائتين وهو ضعيفٌ، وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث على الثقات، وقال ابن المديني: كتبت عنه بهمدان وضربت على حديثه. وقال الفلاس: متروكٌ يرى الإرجاء.

وقال ابن حجر: أورد له العقيلي حديثاً عن زياد بن سعد وقال: لا يتابع عليه و لا يُعرف به، وليس له أصلٌ من جهة يثبت. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو متروك الحديث. وتكلّم فيه يحيي بن معين. وقال ابن المديني: لقيناه بهمدان ثمَّ حدَّث بعدنا بعجائب وضعَّفه جدّاً، وقال الحاكم والنقّاش: يروي الموضوعات. وقال الخليلي: روى عن نهشل عن الضحاك عن ابن عبّاس رضي الله عنهما مناكير، وروى الأئمّة عنه ثمَّ رأوا ضعفه فتركوه.

ميزان الإعتدال ١: ١٢٦، لسان الميزان ١: ٤٦١.

على أنَّ الضحّاك لم يسمع من ابن عبّاس كما في تاريخ ابن عساكر ٥: ١٤٢، و كان شعبة لا يحدِّث عن الضحاك وينكر أن يكون لقي ابن عبّاس، وقال: يحيي بن سعيد: الضحّاك عندنا ضعيفٌ. ( تاريخ ابن عساكر ٥: ١٦٠ )

١١ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٦: ٤٠٥ عن ابن عبّاس مرفوعاً: إنَّ أحبَّ أصهاري إليَّ، وأعظمهم عندي منزلة، وأقربهم من الله وسيلة، وأنجح أهل الجنَّة أبو بكر. والثاني عمر يعطيه الله قصراً من لؤلؤة ألف فرسخ في ألف فرسخ قصورها ودورها ومجانبها وجهاتها وسررها وأكوابها وطيرها من هذه اللؤلؤة الواحدة، وله الرضا بعد الرضا. والثالث عثمان بن عفان وله في الجنّة ما لا أقدر على وصفه، يعطيه الله ثواب عبادة الملائكة أوَّلهم وآخرهم. والرابع عليّ بن أبي طالب، بخٍ بخٍ مَن مثل عليّ؟ وزيري عند [ ](١) وأنيسي عند كربتي، وخليفتي في اُمّتي، وهو منّي على دعاي ومَن مثل أبي سفيان؟ لم يزل الدين به مؤيَّدا قبل أن يسلم وبعد ما أسلم، ومَن مثل أبي سفيان إذا أقبلت من عند ذي العرش اريد الحساب فإذا أنا بأبي سفيان معه كاسٌ

____________________

١ - بياض فى الاصل.

٧٩

من ياقوتة حمراء يقول: اشرب يا خليلي، أعار بأبي سفيان، وله الرضا بعد الرضا رحمه الله.

قال الأميني: لقد أعرب عن بعض الحقيقة الحافظ ابن عساكر نفسه بقوله: هذا حديثٌ منكر.

أيّ منكر هذا يعدّ أبا سفيان ممّن لم يزل الدّين به مؤيَّداً قبل اسلامه وبعده؟ فكأنَّه غير رأس المشركين يوم اُحد، وغير مجهِّز جيش الأحزاب والمجلب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والرافع عقيرته وهو يرتجز بقوله: اَعلِ هُبل، اَعلِ هُبل. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تجيبونه؟ قالوا: يا رسول الله؟ ما نقول؟ قال: قولوا: ألله أعلى وأجلّ. فقال أبو سفيان إنَّ لنا العزّى لا عزّى لكم، فقال رسول الله ألا تجيبونه؟ فقالوا: يا رسول الله! ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم(١)

وكأنَّه ليس من أئمّة الكفر الذين نزل فيهم قوله تعالى:( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) . سورة التوبة ١٢(٢)

وكأنَّه غير مَن اُريد بقوله عزّ وجلّ:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) . سورة الأنفال: ٣٦.

أخرج نزوله فيه ابن مردويه من طريق ابن عبّاس، وعبد بن حميد وابن جرير و ابو الشيخ من طريق مجاهد، وهؤلاء وغيرهم من طريق سعيد بن جبير، وابن جرير، وابن المنذر وابن ابي حاتم وابو الشيخ من طريق الحكم بن عتيبة(٣) .

وكأنّه غير المعنيِّ هو وأصحابه بقوله تعالى:( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ) . سورة الأنفال(٤) .

وكأنّه غير مَن مشى مع جمع من رجال قريش إلى أبي طالب قائلين له: إنّ ابن

____________________

١ - سيرة ابن هشام ٣: ٤٥، تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٦، عيون الاثر ٢: ١٨، تفسير القرطبى ٤: ٢٣٤.

٢ - تفسير الطبرى ١٠: ٢٦٢، تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٣، تفسير ابن جزى ٢: ٧١، تفسير السيوطى، تفسير الخازن ٢: ٢١٨، تفسير الالوسى ١٠: ٥٩.

٣ - تفسير الطبرى ٩: ١٥٩، تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٣، الكشاف ٢: ١٣، تفسير الرازى ٤: ٣٧٩، تفسير ابن جزى ٢: ٦٥، تفسير ابن كثير ٤: ٣٧، تفسير الخازن ٢: ١٩٢، تفسير الشوكانى ٢: ٢٩٣، تفسير الالوسى ٩: ٢٠٤.

٤ - تفسير النسفى هامش تفسير الخازن ٢: ١٩٣، تفسير الالوسى ٩: ٢٠٦.

٨٠

أخيك قد سبّت آلهتنا، وعاب ديننا، وسفَّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، وإمّا أن تخلّي بيننا وبينه إلخ.(١)

وكأنَّه ليس أحد المجتمعين بدار النّدوة الذين تفرَّقوا على رأي أبي جهل من أن يُؤخذ من كلِّ قبيلة شابٌّ فتى جليد نسيب وسط ثمَّ يُعطى كلٌّ منهم سيفاً صارماً فيعمدوا إلى رسول الله فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه(٢) .

وكأنَّه غير من أنفق على المشركين يوم اُحد أربعين أوقية وكلُّ اوقية اثنان و أربعون مثقالاً.

وكأنَّه غير مَن استأجر ألفين من الأحابيش من بني كنانة ليقاتل بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى من استجاش من العرب(٣) .

وكأنّه غير مَن لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم اُحد في صلاة الصبح بعد الركعة الثانية. بقوله: ألّلهم العن أبا سفيان. وصفوان بن اميّة. والحارث بن هشام(٤) .

وكأنّه غير مَن لعنه رسول الله في سبعة مواطن لا يتأتّى لأيّ أحد ردّها أوّلها: يوم لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجاً من مكّة إلى الطائف يدعو ثقيفاً إلى الدين فوقع به و سبّه وشتمه وكذَّبه وتوعّده وهمّ أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه.

الثانية: يوم العير إذ عرض لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يطف المسلمون بها ولعنه رسول الله ودعا عليه، فكانت وقعة بدر لأجلها.

الثالثة: يوم اُحد حيث وقف تحت الجبل ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أعلاه وهو ينادي: أعلِ هُبل. مراراً، فلعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر مرّات ولعنه المسلمون.

الرابعة: يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود فلعنه رسول الله وابتهل.

____________________

١ - سيرة ابن هشام ١: ٢٧٧، ج ٢: ٢٦.

٢ - سيرة ابن هشام ٢: ٩٤، نصب الراية للزيلعى ٢: ١٢٩، وأخرجه البخارى فى المغازى ٢: ٥٨٢، وفى التفسير بلفظ فلانا وفلانا ً ولم يسم أحداً تحفظاً على كرامة أبى سفيان وشاكلته.

٣ - تفسير الطبرى ٩: ١٥٩، ١٦٠، الكشاف ٢: ١٣، تفسير الرازى ٤: ٣٩٧، تفسير الخازن ٢: ١٩٢، تفسير الالوسى ٩: ٢٠٤.

٤ - تفسير الطبرى ٤: ٥٨، وأخرجه الترمذى فى جامعه كما فى نيل الاوطار للشوكانى ٢: ٣٩٨.

٨١

الخامسة: يوم جاء ابو سفيان في قريش فصدّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه، ذلك يوم الحديبيَّة فلعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا سفيان و لعن القادة والأتباع وقال: ملعونون كلّهم، وليس فيهم من يؤمن، فقيل: يا رسول الله؟ أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة؟ فقال لا تصيب اللعنة احداً من الأتباع و أمّا القادة فلا يفلح منهم أحد.

السادسة يوم الجمل الأحمر.

السابعة يوم وقفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلاً منهم أبو سفيان(١)

هذه المواطن السبعة عدَّها الإمام الحسن السبط سلام الله عليه.

وكأنّه غير مَن عدا على دور المهاجرين من بني جحش بن رئاب بعد ما هاجروا. وباعها من عمرو بن علقمة وقيل فيه:

أبلغ أبا سفيان عن

أمر عواقبه ندامه

دار ابن عمِّك بعتَها

تقضي بها عنك الغرامه

وحليفكم بالله ر

بّ الناس مجتهد القسامه

إذهب بها اذهب بها

طوّقتها طوق الحمامه(٢)

وكأنّه غير صاحب البائيّة يوم اُحد يقول فيها:

اُقاتلهم وادّعي يالَ غالبٍ

وأدفعهُم عنّي بركن صليبِ

فبكّي ولا ترعى مقالة عادلٍ

ولا تسأمي من عبرة ونحيبِ

أباك وإخواناً له قد تتابعوا

وحُقّ لهم من عبرةٍ بنصيبِ

وسلّي الذي قد كان في النفس إنَّني

قتلتُ من النجار كلّ نجيبِ

ومن هاشم قرماً كريماً ومُصعباً(٣)

وكان لدى الهيجاء غير هيوبِ

ولو أنّني لم أشف نفسيَ منهُم

لكانت شجاً في القلب ذات ندوبِ

____________________

١ - شرح ابن ابى الحديد ٢، ١٠٢، ١٠٣.

٢ - سيرة ابن هشام ٢، ١١٧.

٣ - عنى به سيدنا حمزة بن عبد المطلب.

٨٢

فآبوا وقد أودى الجلابيب(١) منهُم

بهم خدَبٌ من مُعبط وكئيبِ

أصابهمُ من لم يكن لدمائهم

كفاءً ولا في خُطّةٍ بضريبِ(٢)

وكأنّه غير مَن كان يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزجّ الرمح قائلاً: ذُق عقق(٣) سيرة ابن هشام ٣: ٤٤.

وكأنّه غير مَن داس قبر حمزة برجله وقال: يا أبا عمارة انّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به. شرح ابن ابي الحديد ٤: ٥١.

وكأنّه غير مَن قال لمـّا رأى الناس يطؤن عقب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحسده: لو عاودت الجمع لهذا الرجل. فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدره ثمَّ قال: إذاً يخزيك الله. الإصابة ٢: ١٧٩.

وكأنّه غير مَن قال لعثمان يوم تسنّم عرش الخلافة: صارت إليك بعد تيم وعدي فادرها كالكرة، واجعل أوتادها بني اميّة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جنّة ولا نار. راجع ج ٨: ٢٨٥.

وكأنّه غير مَن دخل على عثمان بعد ما عمى وقال: هاهنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللهمَّ اجعل الأمر أمر جاهليّة، والملك ملك غاصبيّة، واجعل أوتاد الأرض لبني اُميّة [تاريخ ابن عساكر ٦: ٤٠٧].

وكأنَّه غير مَن عرَّفه أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب له إلى معاوية بقوله: منّا النبيُّ، ومنكم المكذِّب، قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٤٥٢: يعني أبا سفيان بن حرب كان عدوّ رسول الله، والمكذِّب له، والمجلب عليه.

وكأنّه غير مَن جاء فيه قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب له إلى محمّد بن أبي بكر: قد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية.

وكأنّه غير مَن ذكره أمير المؤمنين بقوله في كتاب له إلى إبنه معاوية: يا بن صخر يا ابن اللّعين. والإمام الطاهرعليه‌السلام في لعنه الرجل إقتفى أثر النبيِّ الأعظم، وقد سمع

____________________

١ - الجلابيب جمع جلباب: الازار الخشن. كان الكفار من أهل مكة يسمون من أسلم مع النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ والجلابيب.

٢ - الخطة: الخصلة الرفيعة الضريب: الشبيه. راجع سيرة ابن هشام ٣: ٢٢.

٣ - عقق، أى يا عقق، يريد يا عاق.

٨٣

منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يلعنه في مواطن شتّى.

وكأنّه غير مَن قال فيه عمر بن الخطاب: أبو سفيان عدوّ الله، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني يا رسول الله! أضرب عنقه. تاريخ ابن عساكر ٦: ٣٩٩.

وكأنَّه غير مَن قال فيه عمر أيضاً: إنَّ أبا سفيان لقديم الظلم. الإصابة ٢: ١٨٠

وكأنَّه غير مَن أسلفنا ترجمته في الجزء الثالث ص ٢٢١ - ٢٢٤ وفي الثّامن ص ٢٨٤ - ٢٨٦.

هذا مجمل حال الرجل في العهدين الجاهليّ والإسلاميّ، أفبمثله اُيّد الدين قبل إسلامه وبعد إسلامه؟ أو مثله يتولّى سقاية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم المحشر إذا أقبل من عند ذي العرش؟ وهل مستوى العرش معبّأ لمثل أبي سفيان هذا ونظرائه؟ إذا فعلى العرش ومَن بفنائه السَّلام.

ثمَّ اقرأ المجازفة في حساب عثمان الذي حاز في مزعمة ملفِّق هذه الرّواية ثواب عبادة الملائكة اوّلهم وآخرهم اولئك الملائكة المعصومين، وجنّة لا يقدر على وصفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مَن قرأت صحيفة حياته في الجزء التاسع وقبله، ووقفت على عقائد الصحابة العدول فيه وفي أحداثه، وإجماعهم على إهدار دمه، فلماذا ذلك الثواب ولِماذا تلكم الجنّة؟ ولِماذا هذه العظمة في أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن؟ أعوذ بالله من السَرف في القول والغلوّ في الفضائل.

١٢ - أخرج ابن عساكر وابن مندة والخلعي والطبراني والعقيلي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: لمـّا رجع النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن حجّة الوداع إلى المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: يا أيّها الناس! إنّ أبا بكر لم يسؤني قطّ فاعرفوا ذلك له، يا أيّها النّاس! انِّي راضِ عن أبي بكر وعمر وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرَّحمن بن عوف، والمهاجرين الأوّلين فاعرفوا ذلك لهم. أيّها النّاس إنَّ الله قد غفر لأهل بدر والحديبيّة. أيّها الناس؟ احفظوني في أصحابي وأصهاري وفي أختاني لا يطلبنَّكم الله بمظلمة أحد منهم فإنّها ممّا لا توهب أيّها النّاس! ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحدٌ من المسلمين

٨٤

فقولوا فيه خيرا(١) .

قال الأميني: قال ابن عبد البرّ في الإستيعاب ٢: ٥٧٣: حديثه [يعني حديث سهل بن مالك] يدور على خالد بن عمرو القرشي الأموي وهو منكر الحديث، متروك الحديث، قال بعد ذكر الحديث: حديثٌ منكرٌ موضوعٌ، يقال فيه: انّه من الأنصار ولا يصحُّ، وفي إسناد حديثه مجهولون ضعفاء معروفون يدور على سهل بن يوسف بن مالك بن سهل عن أبيه عن جدّه وكلّهم لا يُعرف.

وقال ابن مندة: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. وقال العقيلي: إسناده مجهول لا يتابع عليه. والعجب من الحافظين وحكمهما بغرابة الحديث والجهل وقد أخرجاه من طريق خالد بن عمرو، ومرَّ في الجزء الثامن ص ٤٨، ٤٩ عن أئمَّة الجرح والتعديل انّه كان كذّاباً وضّاعاً يتفرَّد عن الثقات بالموضوعات لا يجوز الإحتجاج بخبره، أحاديثه موضوعةٌ باطلةٌ. وجزم الدارقطني في الأفراد بانَّ خالد بن عمرو تفرَّد بهذا الحديث.

وأخرجه سيف بن عمر، وقد أسلفنا في الجزء الثامن ص ٨٦ و ٣٥٥ أقوال الحفاظ فيه وانّه وضّاعٌ، متروكٌ، ساقطٌ، متَّهمٌ بالزندقة، عامّة أحاديثه منكرةٌ لم يتابع عليها.

وفي طرق الحديث مجاهيل منهم: محمّد بن يوسف المسمعي. قال الذهبي: لا يُدرى مَن هو. وقال العقيلي: لا يُتابع على حديثه. ومنهم: عليّ بن محمّد بن يوسف. قال الضياء: لم أجد له ولا لشيخه. ومنهم: حبّان بن أبي تراب(٢) أو: منان بن أبي ثواب(٣) أو: قنان ابن أبي أيّوب(٤) أو: قنار بن أبي أيوب(٥) من رجل الغيب لا يعرف اسمه واسم أبيه فضلاً عن عرفان شخصيَّتهما.

ومن الوهم الغريب للطبراني إخراجه الرواية من طريق عليّ بن محمّد بن يوسف المسمعي عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك، وتبعه في ذلك الضياء في المختارة، وقد أخرجها العقيلي من طريق محمّد بن يوسف المسمعي والد علي المذكور في إسناد الطبراني

____________________

١ - تاريخ ابن عساكر ٦: ١٢٧، الاستيعاب ٢: ٥٧٢:

٢ - كذا فى لسان الميزان ٥: ٤٣٥.

٣ - كذا فى لسان الميزان ٣: ١٢٣.

٤ - كذا فى الاصابة ٢: ٩٠.

٥ - كذا فى لسان الميزان ٤: ٤٧٥.

٨٥

عن حبان، رقبان، رقنار، رمنان، عن خالد بن عمرو الأموي عن سهل، فطبقة عليّ تستدعي سقط ثلاثة من رجال إسناد الطبراني.

راجع ميزان الاعتدال ١، ٣، الاصابة ٢، ٩٠، لسان الميزان ٣: ١٢٣، ج ٤: ٢٦١، ج ٥: ٤٣٥.

١٣ - عن عبادة بن الصامت قال: خلوت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: أيّ أصحابك أحبُّ إليك حتى اُحبَّ من تحبُّ كما تحبّ؟ فقال: اكتم عليَّ يا عبادة! حياتي فقلت: نعم، فقال: أبو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ عليُّ. ثمّ سكت، فقلت: ثمَّ مَن يا نبيَّ الله؟ فقال: مَن عسى أن يكون بعد هؤلاء إلّا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيّوب وأنت يا عبادة! واُبّي بن كعب وأبو الدرداء وأبو مسعود وابن عوف وابن عفّان، ثمَّ هؤلاء الرهط من الموالي سلمان وصهيب وبلال وسالم مولى أبي حذيفة، هؤلاء خاصّتي وكلُّ أصحابي عليَّ كريمٌ حبيب إليَّ وإن كان عبداً حبشيّاً. قال أبو عبد الله الصنابحي: قلت لعبادة: لم يذكر حمزة ولا جعفراً، فقال عبادة: إنّهما كانا اُصيبا يوم سألت عن هذا إنَّما كان هذا بآخرة أو كما قال. تاريخ ابن عساكر ٥: ٣٨، و ج ٧: ٢١٠.

قال الأميني: ألا تعجب من نبيِّ العظمة أن يتحاشى عن بيان ما يهمّ الاُمَّة عرفانه ويعهد إلى السائل بأن يكتمه عليه في حياته وهو في اُخرياتها؟ أليس هو القائل لعائشة فيما أخرجه الخجندي: إنَّ عليّاً أحبّ الرجل إليَّ وأكرمهم عليَّ.والقائل: أحبُّ النّاس إليَّ من الرجال عليّ. والقائل: عليُّ أحبّهم إليَّ وأحبّهم إلى الله؟

هلّا كانت الصحابة يعرفون أحبّ الناس إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تلكم الآيات والنصوص النبويّة الواردة في مولانا عليّ أمير المؤمنين؟ أما صحَّ عن عائشة قولها: والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله من عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إليه من امرأته.

وهلّا صحَّح الحفاظ قول بريدة واُبيّ بن كعب: أحبّ النّاس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الناس فاطمة ومن الرجال عليّ(١) .

ثمّ ما الذي أنسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعاظم صحابته الذين نزل فيهم القرآن وأثنىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بما لا يزيد عليه كعمّه العبّاس وأبي ذر وعمّار والمقداد وابن مسعود إلى

____________________

١ - راجع ما أسلفناه فى الجزء الثالث ص ٢١ - ٢٤ طبع ٢.

٨٦

آخرين من أمثالهم؟ وما الذي بخس حظّهم من حبّ نبيِّهم الأقدس إيّاهم مع تلكم الفضائل والفواضل الجمَّة ولا يدانيهم فيها غيرهم حتّى جُلُّ المذكورين إن لم نقل كلّهم غير سيِّد العترة؟

أفي وسع الباحث أن يرى أبا عبيدة حفَّار القبور مثلاً أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبي ذرّ الصدّيق شبيه عيسى في اُمَّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدياً وبرّاً ونسكاً وزهداً وصدقاً وجدّاً وخَلقاً وخُلقاً؟ من أبي ذر الذي كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدنيه دون أصحابه إذا حضر ويتفقَّده إذا غاب(١) .

أو من عمّار جلدة ما بين عيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنفه. الطيّب المطيّب الذي ملئ إيماناً إلى مشاشه، الذي خلط الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، خلط الايمان بلحمه ودمه، الذي كان مع الحقِّ والحقُّ معه يدور مع الحقِّ أينما دار(٢) .

أعوذ بالله من التقوُّل والتحدّث بالزعمات بلا تعقّل.

١٤ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٦: ١٧٣ من طريق سعيد بن مسلمة بن اميَّة ابن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو دخل المسجد وهو آخذٌ بيد أبي بكر وعمر، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثمَّ قال: هكذا نبعث يوم القيامة. ورواه الترمذي.

قال الأميني: حذف بدران مهذِّب تاريخ ابن عساكر إسناد هذه الرواية ستراً على ما فيه من العلل ذاهلاً عن أنَّ في ذكر سعيد بن مسلمة غنى وكفاية، وإسناده كما في « الميزان » عن سعيد عن إسماعيل بن اُميَّة عن نافع عن إبن عمر. قال البخارى في تاريخه: سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن اميّة فيه نظر، يروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه مناكير. وقال أيضاً: منكر الحديث. وقال مرَّة: ضعيفٌ. وقال يحيى ابن معين: ليس بشيىء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكره. وقال الدارقطني: هو ضعيف الحديث يعتبر به. وقال ابن حبان: فاحش الخطأ، منكر الحديث جدّاً(٣) .

____________________

١ - راجع الجزء الثامن ص ٣١٥ - ٣٢٦ ط ١، و ٣٠٨ - ٣١٩ ط ٢.

٢ - راجع الجزء التاسع ص ٢٠ - ٢٧ ط ١، ٢.

٣ - تاريخ ابن عساكر ٦: ١٧٤، ميزان الاعتدال ١: ٣٩١، تهذيب التهذيب ٤: ٨٣.

٨٧

وأخرجه الدارقطني من طريق الحارث بن عبد الله المديني مولى بني سليم عن اسحاق بن محمّد الفروي الأموي مولى عثمان عن مالك عن نافع عن ابن عمر. فقال: لا يصحّ والحارث هذا ضعيفٌ. أقول: واسحاق الأموي وهّاه أبو داود جدّاً وقال: لو جاء بذلك الحديث عن مالك يحيي بن سعيد لم يحتمل له. وقال النسائي: متروك وقال أيضاً: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف وقد روى عنه البخاري ويوِّبخونه في هذا. وقال الدارقطني أيضاً: لا يترك. وقال الساجي: فيه لين. روى عن مالك أحاديث تفرَّد بها. وقال العقيلي: جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها. وقال الحاكم: عيب على محمّد - يعني البخاري - اخراج حديثه وقد غمزوه(١) .

١٥ - أخرج ابن عساكر من طريق سليمان بن بلال بن أبي الدرداء عزيز(٢) بن زيد الأنصاري عن أبيه انّه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره فقال: هكذا نكون، ثمَّ هكذا نموت، ثمّ هكذا نبعث، ثمّ هكذا ندخل الجنّة. تاريخ ابن عساكر ٦: ٢٤٦.

قال الأميني: هذا الإسناد فيه وهمٌ واختلاطٌ من ناحية سليمان أوّلاً فإنّ بلال بن أبي الدرداء لم يذكر له ولد يروي عنه، ولا يوجد له قطُّ اسمٌ في المعاجم، والصحيح: سليمان عن بلال عن أبيه، وفي تلك الطبقة غير واحد كلّهم يسمّون سليمان بين كذّاب وضّاع، وبين ضعيف ساقط متروك، وبين مجهول منكر لا يُعرف.

وفي الإسناد وهمٌ من ناحية بلال ثانيا فانَّه لم يدرك النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرو عنه قال أبو زرعة: في الطبقة التي تلي الصحابة بلال بن أبي الدرداء توفي سنة ٩٢ - ٩٣ وكان قاضياً على دمشق في ولاية يزيد وبعده حتّى عزله عبد الملك. ولعلّك تهتدي بذلك إلى مبلغه من الثقة والدين.

وبقيَّة رجال السند المحذوفة أسمائهم لا نعرف أحداً منهم حتى نعطي النظر حقَّه، وبمثلها من رواية لا يثبت حقُّ، ولا تعتبر فضيلةٌ.

١٦ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٤: ٢٢٤ من طريق الحسن بن محمّد بن الحسن

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١: ٩٣، تهذيب التهذيب ١: ٢٤٨، لسان الميزان ٢: ١٥٤.

٢ - كذا فى النسخ والصحيح المتسالم عليه: عويمر. هو ابو الدرداء المعروف.

٨٨

أبي علي الأبهري المالكي نزيل دمشق إلى شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أرأف امّتي وأرحمها. وعمر بن الخطاب خير امَّتي وأعدلها. وعثمان أحيا اُمَّتي وأكرمها وأصدقها. وأبو الدرداء أعبد امّتي وأتقاها. ومعاوية أحكم امَّتي وأجودها.

وفي لفظ العقيلي من طريق بشير بن زاذان عن عمر بن صبح عن ركن عن شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أوزن امَّتي، و ( عمر ) خير امَّتي، وعثمان أحيى أمَّتي، و معاوية أحكم امَّتي. ( لسان الميزان ٢: ٣٧ )

وفي لفظ السيوطي نقلاً عن العقيلي ايضاً: أبو بكر أوزن امَّتي وأرحمها. وعمر خير امّتي وأكملها، وعثمان أحيى امّتي وأعدلها، وعليٌّ أوفى امَّتي وأوسمها، وعبد الله بن مسعود أمين امّتي وأوصلها، وأبوذر أزهد امّتي وأرقّها، وأبو الدرداء أعدل امَّتي وأرحمها، ومعاوية أحلم امَّتي وأجودها. ( اللئالي ١: ٤٢٨ )

قال الاميني: قال الحافظ ابن عساكر: هذا الحديث ضعيفٌ. ونحن على يقين من انَّ الباحث بعد ما أوقفناه على ترجمة رجال الإسناد يحكم بالوضع لا بالضعف كما حكم به الحافظ وإليك الرجال:

١ - بشير بن زاذان. ضعَّفه الدارقطني وغيره، واتَّهمه ابن الجوزي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء، وقال ابن عدي: أحاديثه ليس لها نورٌ، وهو ضعيفٌ غير ثقة، يحدِّث عن جماعة ضعفاء وهو بيّن الضعف.

وقال ابن حجر في ترجمته بعد ذكر الحديث: ولا يتابع بشير بن زاذان على هذا ولا يُعرف إلّا به ولمـّا ذكر له ابن الجوزي حديثاً في فضل الصّحابة قال: هو المتَّهم به عندي فإمّا أن يكون من فعله، أو من تدليسه من الضعفاء. وقال ابن حبّان: غلب الوهم على حديثه حتّى بطل الإحتجاج(١) .

٢ - عمر بن صبح أبو نعيم الخراساني، قال ابن راهويه: أخرجتْ خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظيرٌ في البدعة والكذب: جهم بن صفوان. عمر بن صبح. مقاتل بن سليمان. وقال البخاري في التاريخ الأوسط: حدّثني يحيي اليشكري عن عليِّ بن جرير سمعت عمر بن صبح يقول: أنا وضعت خطبة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال أبو حاتم وابن

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١: ١٥٢، لسان الميزان ٢: ٣٧.

٨٩

عدي: منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يضعّ الحديث على الثقات لا يحلّ كتب حديثه إلّا على وجه التعجّب. وقال الأزدي: كذّابٌ. وقال الدارقطني: متروكٌ. وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ لا متناً ولا اسناداً. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال - العقيلي: ليس حديثه بالقائم وليس بالمعروف بالنقل. وقال أبو نعيم: روى عن قتادة و مقاتل الموضوعات. ميزان الاعتدال ٢: ٢٦٢، تهذيب التهذيب ٧: ٤٦٣.

٣ - ركن الشامي، وهّاه ابن المبارك، وقال يحيي: ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروكٌ. وقال أبو أحمد الحاكم: يروي عن مكحول أحاديث موضوعة. وقال ابن الجارود: ليس بثقة. وعن ابن حماد: انّه متروك الحديث. وقال عبد الله بن المبارك. لإن أقطع الطريق أحبّ إليَّ من أن أروي عن عبد القدّوس الشامي، وعبد القدّوس خيرٌ من مائة مثل ركن. تاريخ ابن عساكر ٥: ٣٢٧، تاريخ الخطيب ٨: ٤٣٦، ميزان الإعتدال ١: ٣٤٠، لسان الميزان ٢: ٤٦٢.

هذا شأن إسناد الرواية ونكل النظرة إليها متناً إلى سعة باع الباحث ثقةً بوقوفه على ما فصّلناه في أجزاء كتابنا هذا ممّا تُعرف به جليّة الحال.

لفظ آخر باسناد آخر:

عن عليِّ بن عبد الله عن عليِّ بن أحمد عن خلف بن عمرو العكبري عن محمد بن إبراهيم عن يزيد الخلّال عن أحمد بن القاسم بن مهران عن محمّد بن بشير بن زاذان عن عكرمة عن ابن عبّاس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر خير اُمّتي وأتقاها، وعمر اُعزّها وأعدلها، وعثمان أكرمها وأحياها، وعليُّ ألبُّها وأوسمها، وابن مسعود آمنها وأعدلها، وأبو ذر أزهدها وأصدقها، وأبو الدرداء أعبدها، ومعاوية أحلمها وأجودها.

قال السيوطي في اللئالي المصنوعة ١: ٤٢٨: في هذا الطريق ايضاً مجروحون، و قد خلط بشير بن زاذان في إسناده.

ونحن نقول: لو لم يكن في الإسناد من المجروحين إلّا يزيد الخلّال لكفاه علّة، قال يحيى بن معين: كذّابٌ، وقال أبو سعيد: قد أدركت يزيد هذا وهو ضعيفٌ قريب ممّا قال يحيى(١) . وقال أبو داود: ضعيفٌ، وقال الدارقطني: ضعيفٌ جِدّاً، وقال

____________________

١ - تاريخ الخطيب ١٤: ٣٤٨: ميزان الاعتدال ٣: ٣١٨.

٩٠

ابن عدي: ليس بذاك المعروف(١) .

١٧ - عن أنس بن مالك قال: بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاّ من أصحابه يقال له سفينة بكتاب إلى معاذ إلى اليمن فلمّا صار في الطريق إذا بالسبع رابض في وسط الطريق فخاف أن يجوز فيقوم إليه فقال: أيُّها السبع إنِّي رسول رسول الله إلى معاذ، وهذا كتاب رسول الله. فقام السبع فهرول قدّامه غلوة ثمَّ همهم ثمَّ صرخ وتنحّي عن الطريق، فمضى بكتاب رسول الله إلى معاذ، ثمَّ رجع بالجواب فإذا هو بالسبع فخاف أن يجوز فقال: ايُّها السبع إنّي رسول رسول الله من عند معاذ، وهذا جواب كتاب رسول الله من معاذ. فقام السبع فصرخ ثمَّ همهم ثمَّ تنحّى عن الطريق، فلمّا قدم أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال: أوَ تدرون ما قال اوَّل مرَّة؟ قال: كيف رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ؟ وأمّا الثاني: فقال: إقرأ رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وسلمان وصهيباً وبلالاً منّي السّلام.

( تاريخ ابن عساكر ٣: ٣١٤ ).

قال الأميني: مثل هذه الرواية التي فيها أعلام النبوّة، وكرامة الخلفاء، وفضل جمع من الصحابة لا بدَّ من أن تلوكه الأشداق، وتتداوله الألسن، وتكثر روايته في المجامع والأندية، ولا تخصّ بحافظ الشام بين أئمة الحديث وحفّاظه، وقد تفرَّد به ابن عساكر، وقال ابن بدران في غير موضع: كلَ ما تفرّد به ابن عساكر فهو ضعيفٌ راجع تاريخه ج ٤: ٢٣٦، و ج ٥: ١٨٣، ١٨٤، وعلى الرواية نفسها من ملامح الإفتعال ما لا يخفي.

وما أعرف هذا السبع بالخلفاء حتى ذكرهم مرَّتين، وأهدى إليهم السَّلام على ترتيب خلافتهم، فكأنَّ علم الغيب اُلقي إلى السباع شطره فعرفوا خلفاء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يُستخلفوا، وعرفت من الصحابة اناساً ليسوا هم في الغارب والسنام، كما انّها جهلت بأناس هم في الذروة العالية من جلالة الصحبة وعظمتها، فحذفت عمّن سلّم عليهم أسمائهم وبلغ تزلّفها إلى الطبقة الواطئة من الموالي، أو هكذا تكون رشحات عالم الغيب؟ أم هكذا تخبط السِّباع خبط عشواء؟ أم هذه كلّها جناية الغلوّ في الفضائل؟.

____________________

١ - لسان الميزان ٦: ٢٩٣.

٩١

١٨ - أخرج ابن عساكر في تاريخه ٢: ٨٥ من طريق أحمد بن محمّد الأنصاري الجبيلي(١) عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: انّ من له عند الله حقٌ فليأت، قلنا: يا رسول الله؟ ومن له على الله حقُّ؟ قال: من أحبَّ أبابكر وعمر وعثمان، ومَن لم يُفضِّل عليهم أحداً.

قال الأميني: قال ابن عساكر: هذا الحديث غريبٌ جدّاً والعهدة فيه على أحمد ابن محمّد الجبيلي.

والأنصاري ترجمه الذهبي في ميزان الإعتدال ١: ٧٣ فقال: ليس بثقة نزل الجزيرة، وهّاه ابن حبّان وغير واحد. وقال ابن حجر في لسان الميزان ١: ٣٠٢: حديثٌ منكر.

ومتن الحديث كما ترى أقوى شاهد على بطلانه، وانَّما هو رأي ابن عمر فحسب يشذّ عن الكتاب والسّنة كما فصّلنا القول حوله في الحديث الرابع، فليضرب به عرض الحائط.

١٩ - أخرج ابن عساكر من طريق إبراهيم بن محمَّد بن أحمد القرميسيني عن أنس بن مالك مرفوعاً: من أحبَّ أن ينظر إلى إبراهيمعليه‌السلام في خلّته فلينظر إلى أبي بكر في سماحته، ومن أحبَّ أن ينظر إلى نوح في شدَّته فلينظر إلى عمر بن الخطاب في شجاعته ومن أحبَّ أن ينظر إلى إدريس في رفعته فلينظر إلى عثمان في رحمته، ومن أحبَّ أن ينظر إلى يحيي بن زكريّا في جهادته فلينظر إلى عليَّ بن ابي طالب في طهارته. ( تاريخ الشام ٢: ٢٥١ )

قال ابن عساكر: هذا الحديث شاذُّ بالمرَّة، وفي إسناده جماعةٌ ممَّن أمرهم مجهولٌ لا يُعرف حالهم فلا يوثق بهم وهو إلى الوضع أقرب منه إلى الضعف.ا ه.

قال الأميني: حذف ابن بدران مهذّب التاريخ سند الرواية وهو كما في لسان الميزان ٤: ٣١٧، القرميسيني عن عمر بن عليِّ بن سعيد عن يونس عن محمّد بن القاسم عن أبي يعلى عن محمّد بن بكار عن ابن أبي ثابت البناني عن أنس.

وقال: قال عقبة: هذا إسناد عمر، وفي إسناده غير واحد مجهول. وقال الذهبي في الميزان ٢: ٢٦٦: إسنادٌ مظلمٌ بخبر لم يصحّ.

____________________

١ - فى لسان الميزان الحنبلى.

٩٢

٢٠ - عن عمر بن عبد المجيد الميانشي ثنا مسلمة ثنا أبو سعد محمّد بن سعيد الريحاني وعاش عشرين ومائة سنة قال: حدَّثنا: أبو سالم عبد الله بن سالم وعاش مائة وثلاثين سنة، حدّثني أبو الدنيا محمّد(١) بن الأشج حدَّثني عليّ بن أبي طالب رفعه: ما كان رُفع ألعرش إلّا بحبِّ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ. الحديث.

قال ابن السمعاني في حديث رواه بالطريق المذكور: هذا حديثٌ باطلٌ ورجاله مجاهيل. لسان الميزان ٣: ١٥٥.

وقال الذهبي: أبو الدنيا الأشج كذّاب طرقيُّ. وقال: حدّث بقلّة حياء بعد الثلاث مائة عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فافتضح بذلك وكذّبه النقَّادون، قال الخطيب: علماء النقل لا يثبتون قوله، مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وللحفّاظ فيه وفي بطلان حديثه كلمات ضافيةٌ راجع لسان الميزان ٤: ١٣٤ - ١٤٠.

٢١ - أخرج العقيلي في الضعفاء من طريق المقري عن عمر بن عبيد البصري أبي حفص الخزّاز عن سهيل بن ذكوان المدني عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: أفضل هذه الامَّة بعد نبيِّها أبو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عثمان.

قال الأميني: عمر بن عبيد ضعّفه أبو حاتم كان بيّاع الخمر كما ذكره ابن حبّان والذهبي(٢) وفيه سهيل قال الدوري عن ابن معين: سهيل والعلاء بن عبد الرَّحمن حديثهما قريبٌ من السَّواء وليس حديثهما بحجّة، وقال: لم يزل أصحاب الحديث يثقون حديثه وقال: ضعيفٌ، وسُئل مرَّة فقال: ليس بذاك، وقال غيره: إنّما أخذ عنه مالك قبل التغير. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ. وذكر العقيلي عن يحيى انّه قال: هو صويلح وفيه لينٌ.

ميزان الإعتدال ١: ٤٣٢، تهذيب التهذيب ٤: ٢٦٤.

٢٢ - ذكر القاضي أبو يوسف في الآثار ص ٢٠٧ عن أبي حنيفة: إنَّ رجلاً أتى عليّاً رضي الله عنه فقال: ما رأيت أحداً خيراً منك فقال له: هل رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: لا. قال: فهل رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟ قال: لا. قال: لو أخبرتني: انَّك

____________________

١ - اسمه عثمان، ومحمد تصحيف.

٢ - راجع ميزان الاعتدال ٢: ٢٦٥، لسان الميزان ٤: ٣١٦.

٩٣

رأيت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضربت عنقك، ولو أخبرتني: انّك رأيت أبا بكر وعمر لأوجعنَّك عقوبة.

قال الأميني: إنَّك لو أمعنت النظر فيما ذكرناه في ترجمة أبي يوسف في ج ٨ ص ٣٠، ٣١ طبع ١، لأغناك عن مؤنة البرهنة على تفنيد هذه الرواية وما يجري مجراها.

على انَّها مضادَّةٌ لما ثبت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنَّ عليّاً خير البشر وما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تأويل قوله سبحانه: اولئك هم خير البريَّة. بعليّعليه‌السلام وشيعته(١)

فالرواية مخالفةٌ للكتاب والسنَّة فأحر بِها أن تُضرب عرض الجدار. وانّها على طرف نقيض مع نظريَّة أمير المؤمنينعليه‌السلام في نفسه عند مقايستها مع القوم، فهو الذي يقول: متى وقع الشكّ فيَّ مع الأوَّل حتى صرت اُقرن بهذه النظائر. ويقول: لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة وهو يعلم انَّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى. إلى كثير ممّا يشبه بعضه بعضاً من نظائر هذا القول. راجع غير واحد من أجزاء هذا الكتاب.

٢٣ - أخرج ابن عدي عن محمّد بن نوح، ثنا جعفر بن محمّد الناقد، ثنا عمّار بن هارون المستملي البصري، نا قزعة بن سويد البصري، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس رفعه: ما نفعني مالٌ ما نفعني مال أبي بكر. وفيه: وأبو بكر وعمر منِّي بمنزلة هارون من موسى.

وأخرجه من طريق ابن جرير الطبري عن بشير بن دحية عن قزعة بن سويد(٢) أقول: في الإسناد عمّار المستملي الدلال، قال أبو الضريس: سألت ابن المديني عنه فلم يرضه، وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ. وقال ايضاً: يسرق الحديث. وقال العقيليّ: قال لي موسى بن هارون: عمّار أبو ياسر متروك الحديث. وقال الخطيب: سمع منه أبو حاتم ولم يرو عنه وقال: متروك الحديث وقال ابن حبّان: ربما أخطأ.

[ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، تهذيب التهذيب ٧: ٤٠٧]

وفيه قزعة أبو محمَّد البصري، قال أحمد: مضطرب الحديث وقال أيضاً: شبه المتروك. وقال أبو حاتم: ليس بذاك القويِّ محلّه الصِّدق وليس بالمتين يكتب حديثه ولا يحتجُّ به،

____________________

١ - راجع ما مر فى ج ٢: ٥٧ ط ٢، و ج ٣: ٢٢ ط ٢.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، لسان الميزان ٢: ٢٣.

٩٤

وقال البخاري: ليس بذاك القويّ. وقال الآجري: سألت أبا داود عن قزعة فقال: ضعيفٌ كتبت إلى العبّاس العنبري أسأله عنه فكتب إليَّ أنَّه ضعيفٌ، وقال النسائي: ضعيفٌ وقال ابن حبّان: كان كثير الخطأ فاحش الوهم، فلمّا كثر ذلك في روايته سقط الإحتجاج بأخباره، وقال البزّار: لم يكن بالقويِّ. وقال العجلي: فيه ضعيفٌ(١)

وفي إسناد الطبري بشر بن دحية، ضعّفه الذهبي وقال بعد رواية هذا الحديث عنه: هذا كذبٌ ومَن بشر؟ وقال: قزعة ليس بشيء(٢) .

٢٤ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى من طريق الحاكم أبي أحمد عن أبي ميمون أحمد بن محمّد بن ميمون بن كوثر بن حكيم الهمداني بحلب عن إسحاق بن إبراهيم بن الأخيل العبسي عن ميسر(٣) بن اسماعيل، عن الكوثر بن حكيم الهمداني عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: إنَّ أرأف امَّتي لها أبو بكر، وإنَّ أجلّها في أمر الله لعمر، وانَّ أشدّها حياءً عثمان، وإنَّ أقضاها لعليّ، وانَّ اقرأها لاُبيّ، وانَّ أفرضها زيد بن ثابت، وانّ أصدقها لهجة أبو ذر، وانّ أعلمها بالحلال والحرام لمعاذ بن جبل، وانَّ حبر هذه الاُمّة عبد الله بن عبّاس، ولكلِّ امّة أمين وأمين هذه الاُمَّة أبو عبيدة الجراح.

قال الأميني: في الإسناد مجاهيل يروي واحد عن آخر عن كوثر وهو كما قال أبو زرعة: ضعيفٌ. وقال يحيى بن معين: ليس بشيىء. وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشيىء. وقال الدارقطني وغيره مجهولٌ، وقال: ضعيفٌ منكر الحديث، وقال الجوزجاني: لا يحلّ كتابة حديثه عندي لأنّه متروك، وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه غير محفوظ، وقال ابن ابي حاتم؟ سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث، قلت: هو متروك؟ قال: لا، ولا أعلم له حديثاً مستقيماً وهو ليس بشيء، وقال الساجي: ضعيفٌ. وقال - البرقاني والدارقطني: متروك الحديث، وقال الحاكم وأبو نعيم: روى أحاديث مناكير

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٢: ٣٤٧.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٥، لسان الميزان ٢: ٢٣.

٣ - كذا والصحيح بشر بن اسماعيل. ولا يهمنا عرفان الصحيح من السقيم فى المقام إذ بشر ايضاً كميسر مجهول منكر لا يعرف كما فى لسان الميزان.

٩٥

وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء، وقال أبو الفتح: ضعيفٌ(١) .

٢٥ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى عن سلسلة مجاهيل تنتهي إلى عليّ بن يزيد عن أبي سعد البقّال عن أبي محجن قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ أرأف الناس بهذه الاُمّة ابو بكر الصدِّيق، وأقواها بأمر الله عمر، وأشدَّها حياء عثمان، وأعلمها بفصل قضاء عليّ بن أبي طالب، وأعلمها بحساب الفرائض زيد بن ثابت، وأعلمها بناسخ من منسوخ معاذ بن جبل، وأقرأها اُبيّ بن كعب، ولكلّ اُمّة أمين وأمين هذه الاُمّة أبو عبيدة بن الجرّاح.

قال الأميني: من رجال الإسناد بعد المجاهيل عليّ بن يزيد وهو أبو الحسن الكوفي الأكفاني نظراً إلى طبقته، قال أبو حاتم: ليس بقويّ منكر الحديث عن الثقات، وقال ابن عدي: أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات وعامّة ما يرويه لا يتابع عليه(٢) .

عن أبي سعد البقّال الكوفي سعيد بن المرزبان الأعور قال ابن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه، وقال عمرو بن علي: ضعيف الحديث، متروك الحديث، وقال أبو زرعة: ليّن الحديث مدلّس، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ بحديثه، وقال النسائي: ضعيفٌ، وقال ايضاً، ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروكٌ. وقال الساجي: صدوقٌ فيه ضعفٌ، وقال العجلي: ضعيفٌ، وقال ابن حبّان: كثير الوهم فاحش الخطأ(٣) وقال ابن حجر في الإصابة ٤: ١٧٤: أبو سعيد ضعيفٌ ولم يدرك أبا محجن.عن

أبي محجن الثقفي وما أدراك ما الثقفي: كان يُدمن الخمر، منهمكاً في الشراب، حدَّه عمر في سبع مرّات ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلاً فهرب منه، وهو صاحب الشعر الدائر السائر:

إذا متُّ فادفنِّي إلى جنب كرمة

تروّي عظامي بعد موتي عروقها

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٢: ٣٥٩، لسان الميزان ٤: ٤٩١.

٢ - تهذيب التهذيب ٧: ٣٩٥.

٣ - تهذيب التهذيب ٤: ٧٩.

_٦_

٩٦

ولا تدفننِّي بالفلاة فانَّني

أخاف إذا ما متُّ أن لا أذوقها

هذا أبو محجن فانظر ماذا ترى، وأنت بين أمرين إمّا أن تأخذ بكتاب الله وفيه قوله تعالى: إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا(١) وإمّا أن تجنح إلى ما جاء به القوم من خرافة: الصحابة كلّهم عدول. لا يستوي الحسنة ولا السيِّئة، لا يستوي أصحاب النار و أصحاب الجنّة، لا يستوي الخبيث والطيّب، أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون.

٢٦ - أخرج الحافظ العاصمي في زين الفتى باسناده عن أبي علي الهروي عن المأمون عن أحمد بن سعد العبادي عن يزيد بن هارون عن عبد الأعلى بن مسافر عن الشعبي عن المصطلقي رجلٌ من بني المصطلق قال: بعثني قومي بنو المصطلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألون إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعد وفاته فلقيني عليُّ بن ابي طالب فسألني فقلت: اُرسلني قومي بنو المصطلق إلى رسول الله فسألونه إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعده فقال عليٌّ: إذا سألته فأخبرني ما قال لك فأتى رسول الله فأخبره أنّ قومه أرسلوه يسألونه إلى مَن يدفعون صدقاتهم بعدك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إدفعوها إلى أبي بكر فرجع المصطلقي إلى عليّ فأخبره فقال له عليّ: ارجع إليه فسائله إن كان أبو بكر يموت إلى مَن يدفعونها؟ فأتاه فسأله فقال: ادفعوها إلى عمر. فرجع إلى عليّ فأخبره فقال له عليٌّ: ارجع فقل له: إن كان عمر يموت إلى مَن يدفعونها؟ فقال: ادفعوها إلى عثمان. فرجع إلى عليّ فأخبره فقال له عليٌّ: ارجع فسائله إلى مَن يدفعونها بعد عثمان، فقال له - الرجل: انِّي لأستحي أن أرجع بعد هذا.

قال الأميني: هلمَّ معي نقرأ صحيفة ممّا جاء في رجال إسناد هذه الرواية التي تُبنى عليها وعلى أمثالها الخلافة الإسلاميّة عند بعض رجالات القوم.

١ - أبو عليّ الهروي هو أحمد بن عبد الله الجويباري(٢) قال ابن عدي: كان يضع الحديث لابن كرام على ما يريده، فكان ابن كرام يخرجها في كتبه عنه. وقال ابن حبّان: دجّالٌ من الدجاجلة، روى عن الأئمَّة اُلوف حديث ما حدَّثوا بشيء عنها. وقال النسائي: كذّابٌ. وقال الذهبي: ممّن يُضرب المثل بكذبه، وقال البيهقي: إنِّي أعرفه

____________________

١ - الحجرات: ٤٩.

٢ - الجويبار من اعمال الهراة ويعرف بستوق.

٩٧

حقَّ المعرفة بوضع الأحاديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث وسمعت الحاكم يقول: هو كذّابٌ خبيث ووضع كثيراً في فضائل الأعمال لا تحلُّ رواية حديثه من وجه، وقال الخليلي: كذّابٌ يروي عن الأئمّة أحاديث موضوعة، وكان يضع لابن كرام أحاديث مصنوعة، وكان ابن كرام يسمعها وكان مغفّلاً. وقال أبو سعيد النقاش: لا نعرف أحداً أكثر وضعاً منه. إلى كلمات اُخرى لِدة هذه.

ميزان الاعتدال ١: ٥٠، لسان الميزان ١: ١٩٣، اللئالي المصنوعة ١: ٢١، الغدير ٥: ٢١٤ ط ٢.

٢ - المأمون بن أحمد السلمي الهروي يروي عنه الجويباري، قال ابن حبّان: دجّالٌ. وقال ابن حبّان ايضاً: سألته متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومأتين، قلت: فإنَّ هشاماً الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين، فقال: هذا هشام بن عمّار آخر. وممّا وضع على الثقات ( فذكر حديثاً ) ثمَّ قال: وانّما ذكرته ليعرف كذبه لأنَّ الأحداث كتبوا عنه بخراسان. وقال أبو نعيم: خبيثٌ وضّاعٌ يأتي عن الثقات مثل هشام ودحيم بالموضوعات، ومثله يستحقُّ من الله تعالى ومن الرسول ومن المسلمين اللعنة. و قال الحاكم في المدخل بعد ذكر حديث عنه: ومثل هذه الأحاديث يشهد من رزقه الله أدنى معرفة بانَّها موضوعةٌ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو كما قال. وقال الذهبي: أتى بطامّات وفضائح. ميزان الإعتدال ٣: ٤، لسان الميزان ٥: ٧.

٣ - أحمد بن سعد العبادي، لا أعرفه ولم أجد له ذكراً في الكتب والمعاجم.

٤ - عبد الأعلى بن مسافر ( الصحيح: ابن أبي المساور ) الزهري أبو مسعود الجرّار الكوفي نزيل المدائن. قال ابن معين: ليس بشيء. زاد ابراهيم: كذابٌّ، وعن ابن معين ايضاً ليست بثقة. وعن عليِّ بن المديني: ضعيفٌ ليس بشيء. وقال ابن عمّار الموصلي: ضعيفٌ ليس بحجّة. وقال أبو زرعة: ضعيفٌ جدّاً، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يشبه - المتروك، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا مأمون. وقال ابن نمير: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيفٌ: وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويِّ عندهم. وقال الساجي: منكر الحديث. وقال أبو نعيم الإصبهاني: ضعيفٌ جِدّاً ليس بشيء.

٩٨

تهذيب التهذيب ٦: ٤٨.

٢٧ - أخرج البخاري في تاريخه الكبير ٤ ق ٢: ٤٤٢ عن إسحاق بن ابراهيم عن عمرو بن الحارث الزبيدي عن ابن سالم عن الزبيدي قال حميد بن عبد الله عن عبد - الرَّحمن بن أبي عوف، عن ابن عبد ربّه عن عاصم بن حميد قال: كان أبو ذر يقول: إلتمست النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض حوائط المدينة فإذا هو قاعدٌ تحت نخلة فسلّم عليَّ النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما جاء بك؟ فقال: جئت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمره أن يجلس وقال: ليأتينا رجلٌ صالح فسلّم أبو بكر، ثمَّ قال: ليأتينا رجلٌ صالحٌ فجاء عمر فسلّم، وقال: ليأتينا رجلٌ صالح فأقبل عثمان بن عفان، ثمَّ جاء عليٌّ فسلّم فردَّ عليه مثله، ومع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصيات فسبَّحن في يده فناولهنَّ أبا بكر فسبَّحن في يده، ثمَّ عمر فسبَّحن في يده، ثمَّ عثمان فسبَّحن في يده.

رجال الإسناد:

١ - إسحق بن إبراهيم الحمصي المعروف بابن زبريق، قال النسائي: ليس بثقة وقال محمّد بن عون: ما أشكّ أنَّ إسحاق بن زبريق يكذب(١) .

٢ - عمرو بن الحارث الحمصي، قال الذهبي: لا تُعرف عدالته(٢) .

٣ - عبد الله بن سالم الشامي الحمصي. كان يذمُّه أبو داود لقوله: أعان عليُّ على قتل أبي بكر وعمر(٣) فالرجل ناصبيٌّ لا يُصغى إلى قيله وأحسب انّه آفة الرواية وهي كما ترى يطفح النصب من جوانبها.

٤ - حميد بن عبد الله أو حميد بن عبد الرحمن، مجهولٌ لا يعرف.

٥ - ابن عبد ربّه، إن كان هو محمّد المروزي فهو ضعيفٌ كما في لسان الميزان ٥: ٢٤٤، وإن كان غيره فهو مجهولٌ، ونفس البخاري الذي ذكره لا يعرف منه إلّا أنَّه [ابن عبد ربّه] ولا يسمِّيه ولا يذكر له غير روايته هذه.

٦ - عاصم بن حميد الحمصي الشامي، قال البزار: لم يكن له من الحديث ما نعتبر

____________________

١ - تهذيب التهذيب ١: ٢١٦.

٢ - تهذيب التهذيب ٨: ١٤.

٣ - تهذيب التهذيب ٥: ٢٢٨.

٩٩

به حديثه، وقال ابن القطّان: لا نعرف انَّه ثقةٌ(١)

٧ - أبو ذر الغفاري، أنا لا أدري انَّ أبا ذر هذا هل هو الذي يقول فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر؟ أو الذي يقول فيه عثمان: انَّه شيخٌ كذّابٌ، ورآه أهلاً لأن يهلك في المنفى؟ ولست أدري من الحَكم هيهنا هل الذي يخضع لقول النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ أو الذي يبرِّر موقف عثمان ويبرءه عن كلِّ شِيَة، وعلى كلّ ففي مَن قَبَله من رواة السوء كفاية في تفنيد الحديث.

ولعلّ الباحث بعد قرائة ما سردناه من حديث أبي ذر ومواقفه ونقمته على عثمان وما جرى بينهما لا يذعن قطُّ بهذه الأفيكة ولا يصدِّق أن يكون أبو ذر الصّادق المصدَّق هو صاحب هذه الرواية المختلقة.

وهذا الإسناد الملفّق من رجال حمص(٢) يذكّرني قول ياقوت الحموي في معجم البلدان ٣: ٣٤١ قال: ومن عجيب ما تأمّلته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتّى يضرب بحماقتهم المثل، انَّ أشدَّ النّاس على عليّ رضي الله عنه بصفين مع معاوية كان أهل حمص، وأكثرهم تحريضاً عليه وجِدّاً في حربه، فلمّا انقضت تلك الحروب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة، حتى أنَّ في أهلها كثيراً ممّن رأى مذهب النُصيريّة، وأصلهم الإماميَّة الذين يسبّون السلف، فقد التزموا الضّلال أوّلاً وأخيراً، فليس لهم زمانٌ كانوا فيه على الصواب.

لفظ آخر باسناد آخر:

أخرج البيهقي عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان عن أحمد بن عبيد الصفّار عن محمّد بن يونس الكديمي عن قريش بن أنس عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلمي [أو: الوليد بن سويد] قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلَّا بخير بعد شيء رأيته، كنت رجلا أتّبع خلوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأيته يوماً جالساً وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتّى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلّم عليه ثمَّ جلس عن يمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ جاء عمر فسلّم وجلس عن يمين أبي بكر،

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٥: ٤٠.

٢ - بالكسر ثم السكون والصاد المهملة بلد كبير بين الشام وحلب فى نصف الطريق يذكر ويؤنث.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389