الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١١

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 402

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 402
المشاهدات: 145239
تحميل: 3138


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 145239 / تحميل: 3138
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأثيمة إلى أهل البصرة من قوله: إنَّ سفك الدِّماء بغير حلّها، وقتل النفوس التي حرَّم الله قتلها، هلاكٌ موبقٌ، وخسرانٌ مبينٌ، لا يقبل الله ممَّن سفكها صرفاً ولا عدلا(١) .

الحضرميان وقتلهما على التشيع

قال النسّابة أبو جعفر محمّد بن حبيب البغدادي المتوفّى ٢٤٥ في كتابه [ المحبّر ] ص ٤٧٩: صلب زياد بن أبيه مسلم بن زيمر و عبد الله بن نُجيّ الحضرميّين، على أبوابهما ايّاماً بالكوفة وكانا شيعيّين وذلك بأمر معاوية. وقد عدّهما الحسين بن علي رضي الله عنهما على معاوية في كتابه اليه: « اَلستَ صاحب حُجر والحضرميّين اللّذين كتب اليك ابن سمّية أنَّهما على دين عليّ ورأيه، فكتبت إليه من كان على دين علي ورأيه فاقتله وامثل به، فقتلهما ومثل بأمرك بهما؟ ودين عليّ وابن عمّ عليّ الّذي كان يضرب عليه أباك - يضربه عليه أبوك - أجلسك مجلسك الّذي أنت فيه. ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشّم الرّحلتين(٢) اللّتين بنا منَّ الله عليك بوضعها عنكم.

قال الأميني: هلمّوا معي يا أهل دين الله! هل اعتناق دين عليّعليه‌السلام ممّا يُستباح به دم مسلم، وتستحلّ المثلة والتنكيل المحظورة في الشَّريعة المطهّرة، الممنوع عنها ولو بالكلب العقور؟ أليس دين عليّ هو دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي صدع به عن الله تعالى؟ نعم هو كذلك لكن معاوية حايدٌ عن الّدين القويم ولا يقيم له وزناً ما، ولا يكترث لمغبّة هتكه، ولا يتريَّث عن الوقيعة فيه.

مالك الاشتر

ومن الصُّلحاء الذين قتلهم معاوية بغير ذنب أتاه مالك بن الحارث الأشتر النخعي لِلَّه درُّ مالك وما مالك؟ لو كان من جبل لكان فِندا، ولو كان من حَجر لكان صلدا، على مثل مالك فليبك البواكي، وهل موجودٌ كمالك؟ أشدّ عباد الله بأساً، وأكرمهم حسباً، كان أضرَّ على الفجّار من حريق النّار، وأبعد الناس من دنس أو عار، حسامٌ صارمٌ، لا نابي الضريبة، ولا كليل الحدّ، حكيمٌ في السّلم، رزينٌ في الحرب ذو رأي أصيل، وصبر جميل.

____________________

١ - شرح ابن أبى الحديد ١: ٣٥٠.

٢ - كان للقريش فى الجاهلية رحلتان كل عام: رحلة فى الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام. وكان أبو سفيان يرءس العير التى تردد بين مكة والشام.

٦١

كان ممّن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل، كان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السَّطوة، ويرفق في موضع الرِّفق، كان فارساً شديد البأس شجاعاً رئيساً حليماً جواداً فصيحاً شاعراً(١) .

كتب عليٌّعليه‌السلام إلى مالك وهو يومئذ بنصيبين: أمّا بعدُ: فإنّك ممّن استظهرتُه على إقامة الدين، وأقمعُ به نخوة الأثيم، وأشدُّ الثغر المخوف، وكنت ولّيت محمّد بن أبي بكر مصر فخرجت عليه بها خوارج وهو غلامٌ حدَث ليس بذي تجربة للحرب ولا بمجرَّب للأشياء، فأقدم عليَّ لننظر في ذلك فيما ينبغي، واستخلف على عملك أهل الثقة والنصيحة من أصحابك. والسّلام.

فأقبل مالك إلى عليّ حتى دخل عليه فحدَّثه حديث أهل مصر وخبّره خبر أهلها وقال: ليس لها غيرك، اخرج رحمك الله، فإنّي لم اوصك، اكتفيت برأيك، واستعن بالله على ما أهمّك، فاخلط الشدَّة باللين، وارفق ما كان الرّفق أبلغ، واعتزم بالشدَّة حين لا يغني عنك إلّا الشدّة. فخرج الأشتر من عند عليّ فأتى رحله فتهيّأ للخروج إلى مصر وأتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية عليّ الأشتر، فعظم ذلك عليه وقد كان طمع في مصر فعلم أنَّ الأشتر إن قدمها كان أشدّ عليه من محمّد بن أبي بكر، فبعث معاوية إلى المقدّم على أهل الخراج بالقلزم وقال له: إنَّ الأشتر قد ولّي مصر فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجاً ما بقيتُ وبقيتَ فاحتل له بما قدرت عليه. فخرج الرّجل حتى أتى القلزم وأقام به، وخرج الأشتر من العراق إلى مصر فلمّا انتهى إلى القلزم إستقبله ذلك الرَّجل فعرض عليه النزول فقال: هذا منزلٌ وهذا طعامٌ وعلفٌ وأنا رجلٌ من أهل الخراج.

فتزل عنده فأتاه بطعام فلمّا أكل أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سمّاً فسقاه إيّاها، فلمّا شربها مات، وأقبل معاوية يقول لأهل الشام: إنَّ عليّاً وجّه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكموه.

فكانوا كلَّ يوم يدعون الله على الأشتر، وأقبل الّذي سقاه إلى معاوية فأخبره بمهلك الأشتر فقام معاوية خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال: أمّا بعد: فإنّه كانت لعليّ يمينان قطعت إحداهما يوم صفّين يعني عمّار بن ياسر، وقطعت

____________________

١ - راجع في بيان هذه الجمل كلها الى ما اسلفناه فى الجزء التاسع ص ٣٧ - ٤١ ط ١.

٦٢

الاُخرى اليوم يعني الأشتر(١) .

وفي لفظ ابن قتيبة في العيون ١: ٢٠١: فقال معاوية لمـّا بلغه الخبر: يا بردَها على الكبد! إنَّ لِلَّه جنوداً منها العسل. وقال عليٌّ: لليدين وللفم.

وفي لفظ المسعودي في المروج ٢: ٣٩: ولّى عليٌّ الأشتر مصر وأنفذه إليها في جيش فلمّا بلغ ذلك معاوية دسَّ إلى دهقان وكان بالعريش(٢) فأرغبه وقال: أترك خراجك عشرين سنة فاحتل للأشتر بالسمِّ في طعامه. فلمّا نزل الأشتر العريش سأل الدّهقان: أيّ الطعام والشَّراب أحبّ إليه؟ قيل: ألعسل. فأهدى له عسلاً وقال: إنَّ من أمره وشأنه كذا وكذا، ووصفه للأشتر وكان الأشتر صائماً فتناول منه شربة فما استقرّت في جوفه حتّى تلف، وأتى من كان معه على الدّهقان ومن كان معه. وقيل: كان ذلك بالقلزم والأوّل أثبت. فبلغ ذلك عليّاً فقال: لليدين وللفم. وبلغ ذلك معاوية فقال: إنَّ لِلَّه جنداً من العسل.

قال الأميني: هاهنا تجد معاوية كيف لا يتحوّب من ذلك الحوب الكبير قتل العبد الصّالح الممدوح بلسان رسول الله وخليفته مولانا امير المؤمنينعليه‌السلام (٣) . وإنّه واهل الشّام فرحوا فرحاً شديداً، بموت ذلك البطل المجاهد(٤) لمحض انّه كان يناصر إمام وقته المنصوص عليه والمجمع على خلافته، ولا غرو فإنّه كان يسرّ ابن هند كلّ ما ساء ملّة الحقّ وأئمّة الهدى وأولياء الصَّلاح، وما كان يسعه أن يأتي بطامّة أكبر من هذه لو لم يكن في الإسلام للنفوس القادسة أيّ حرمة، وللأئمّة عليهم السّلام ومناصريهم أيّ مكانة، حتّى لو كان معاوية مستمرّاً على ما دؤب عليه إلى اُخريات عهد النبوّة من الكفر المخزي فلم يحدهِ الفَرقَ من بارقة الإسلام إلى الإستسلام، فما جاء زبانيته الكفرة يومئذ بأفظع من هذه وأمثالها يوم قتلوا خيار أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمناصرتهم إيّاه، وحبّهم ذوي قرباه، ودفاعهم عن ناموس أهل بيته الأكرمين.

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٦: ٥٤، كامل ابن الاثير: ٣: ١٥٢.

٢ - هى مدينة كانت أول عمل مصر من ناحية الشام على ساحل بحر الروم.

٣ - راجع ما أسلفناه فى الجزء التاسع ص ٣٧ - ٤١.

٤ - تاريخ ابن كثير: ٧: ٣١٢.

٦٣

محمد بن أبي بكر

ومن صخايا ملك معاوية العضوض، وذبايح حكومته الغاشمة، وليد حرم أمن الله، وربيب بيت العصمة والقداسة: محمّد بن أبي بكر.

بعث معاوية عمرو بن العاص إلى مصر في ستّة آلاف رجل، ومحمّد بن أبي بكر عامل أمير المؤمنين عليها، فخرج عمرو وسار حتّى نزل أداني أرض مصر فاجتمعت العثمانيَّة إليه فأقام بهم وكتب إلى محمّد بن أبي بكر:

أمّا بعد: فتنحَّ عنّي بدمك يا ابن أبي بكر فإنّي لا اُحبّ أن يصيبك منّي ظفرٌ إنَّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك، وندموا على اتّباعك، فهم مسلموك لو قد إلتقت حلقتا البطان، فاخرج منها فإنّي لك من النّاصحين، والسَّلام.

وبعث إليه عمرو بكتاب كتبه معاوية إليه ايضاً وفيه:

أمّا بعد: فإنَّ غبَّ البغي والظلم عظيم الوبال، وإنّ سفك الدّم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعة الموبقة في الآخرة، وإنّا لا نعلم أحداً كان أعظم على عثمان بغياً، ولا أسوأ له عيباً، ولا أشدّ عليه خلافاً منك، سعيت عليه في السّاعين، وسفكت دمه في السّافكين، ثمَّ أنت تظنُّ انّي عنك نائمٌ أو ناس لك، حتّى تأتي فتأمّر على بلاد أنت فيها جاري، وجُلُّ أهلها أنصاري، يرون رأيي، ويرقبون قولي، ويستصرخوني عليك، وقد بعثت إليك قوماً حناقاً عليك تستسقون دمك، ويتقرَّبون إلى الله بجهادك، وقد أعطوا الله عهداً ليمثّلنَّ بك، ولو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذَّرتك ولا أنذرتك، ولأحببت أن يقتلوك بظلمك وقطيعتك وعَدوك على عثمان يوم يُطعن بمشاقصك بين خُششائه وأوداجه، ولكن أكره أن اُمثّل بقرشيّ، ولن يُسلّمك الله من القصاص أبداً أينما كنت والسَّلام.

فطوى محمّد كتابيهما وبعث بهما إلى عليّ، وكتب إلى معاوية جواب كتابه:

أمّا بعد: فقد أتاني كتابك تُذكّرني من أمر عثمان أمراً لا اعتذر إليك منه، وتأمرني بالتنحِّي عنك كأنّك لي ناصحٌ، وتُخوّفني المثلة كأنّك شفيقٌ، وأنا أرجو أن تكون لي الدائرة عليكم فأجتاحكم في الوقيعة، وإن تؤتوا النصر ويكن لكم الأمر في

٦٤

الدنيا فكم لعمري من ظالم قد نصرتم، ومن مؤمن قد قتلتم ومثّلتم به؟ وإلى الله مصيركم ومصيرهم، وإلى الله مردُّ الأمور وهو أرحم الرّاحمين، والله المستعان على ما تصفون، والسَّلام.

وكتب إلى عمرو بن العاص:

أمّا بعد: فقد فهمتُ ما ذكرتَ في كتابك يا ابن العاص! زعمت انّك تكره أن يُصيبني منك طفرٌ وأشهد أنّك من المبطلين، وتزعم انّك لي نصيح واُقسم انّك عندي ظنين، وتزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأيي وأمري وندموا على اتّباعي فاولئك لك وللشيطان الرَّجيم أولياء، فحسبنا الله ربُّ العالمين، وتوكّلنا على الله ربِّ العرش العظيم والسّلام.

فأقبل عمرو بن العاص حتّى قصد مصر فقام محمّد بن أبي بكر في النّاس فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله ثمَّ قال:

أمّا بعد: معاشر المسلمين والمؤمنين! فإنَّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة، وينعشون الضّلالة، ويُشبّون نار الفتنة، ويتسلّطون بالجبريّة قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود، عباد الله! فمن أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله، انتدبوا إلى هؤلاء رحمكم الله مع كنانة بن بشر.

فانتدب مع كنانة نحوٌ من ألفي رجل وخرج محمّد في ألفي رجل، واستقبل عمرو ابن العاص كنانة وهو على مقدّمة محمّد، فأقبل عمرو نحو كنانة، فلمّا دنا من كنانة شرح الكتائب كتيبةً بعد كتيبة، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبةٌ من كتائب أهل الشّام إلّا شدَّ عليها بمن معه فيضربها حتّى يقرِّ بها بعمرو بن العاص، ففعل ذلك مراراً فلمّا رأى ذلك عمرو بعث إلى معاوية بن حُديج السكوني فأتاه في مثل الدَّهم(١) فأحاط بكنانة وأصحابه، واجتمع أهل الشّام عليهم من كلِّ جانب، فلمّا رأى ذلك كنانة بن بشر نزل عن فرسه ونزل أصحابه وكنانة يقول: وما كان لنفس أن تموت إلّا باذن الله كتاباً مؤجّلاً ومن يُرد ثواب الدنيا نُؤته منها، ومَن يُرد ثواب الآخرة نُؤته منها، وسنجزي الشّاكرين، فضاربهم بسيفه حتّى استشهد رحمه الله.

وأقبل عمرو بن العاص نحو محمّد بن أبي بكر وقد تفرَّق عنه أصحابه لمـّا بلغهم قتل

____________________

١ - الدهم: العدد الكثير. وجيش دهم. اى: كثير.

٦٥

كنانة حتى بقي وما معه أحدٌ من أصحابه، فلمّا رأى ذلك محمّد خرج يمشي في الطريق حتّى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها، وجاء عمرو بن العاص حتّى دخل الفُسطاط، وخرج معاوية بن حُديج في طلب محمّد حتّى انتهي إلى علوج في قارعة الطريق فسألهم هل مرَّ بكم أحدٌ تنكرونه؟ فقال أحدهم: لا والله إلّا انّي دخلتُ تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالسٌ. فقال إبن حديج: هو هو وربِّ الكعبة. فانطلقوا يركضون حتّى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشاً فأقبلوا به نحو فسطاط مصر، ووثب أخوه عبد الرَّحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان في جنده فقال: أتقتل أخي صبراً؟ ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه. فبعث إليه عمرو بن العاص يأمره أن يأتيه بمحمّد بن أبي بكر، فقال معاوية: أكذاك قتلتم كنانة بن بشر واُخلّي أنا عن محمّد بن أبي بكر؟ هيهات أكفّاركم خيرٌ من اولئكم أم لكم براءةٌ في الزُّبر؟! فقال لهم محمّد: اسقوني من الماء؟ قال له معاوية بن حديج: لا سقاه الله إن سقاك قطرةً أبداً، انّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتّى قتلتموه صائماً محرماً فتلقّاه الله بالرحيق المختوم، والله لأقتلنّك يا ابن أبي بكر فيسقيك الله الحميم والغسّاق. قال له محمّد: يا ابن اليهوديّة النسّاجة ليس ذلك إليك وإلى من ذكرت إنّما ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه أنت وضرباؤك ومن تولّاه، أما والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّي هذا، قال له معاوية: أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار ثمّ أحرقه عليك بالنار. فقال له محمّد: إن فعلتم بي ذلك فطال ما فعل ذلك بأولياء الله، وإنّي لأرجو هذه النار التي تُحرقني بها أن يجعلها الله عليَّ برداً وسلاماً كما جعلها على خليله إبراهيم، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، إنَّ الله يُحرقك ومن ذكرته قبلُ وإمامك يعني معاوية وهذا - وأشار إلى عمرو بن العاص - بنار تلظّى عليكم كلّما خبت زادها الله سعيراً.

قال له معاوية: إنّي إنَّما أقتلك بعثمان. قال له محمّد: وما أنت وعثمان؟ إنَّ عثمان عمل بالجور ونبذ حكم القرآن وقد قال الله تعالى: ومَن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون. فنقمنا ذلك عليه فقتلناه وحسّنت أنت له ذلك ونظراؤك، فقد برّأنا الله إن شاء الله من ذنبه وأنت شريكه في إثمه وعظم ذنبه وجاعلك على مثاله. قال: فغضب

٦٦

معاوية فقدّمه فقتله ثمَّ ألقاه في جيفة حمار ثمَّ أحرقه بالنّار. فلمّا بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعاً شديداً وقنتت عليه في دبر الصَّلاة تدعو على معاوية وعمرو(١) .

وفي النجوم الزاهرة ١: ١١٠: وقيل: إنّه قطع رأسه وأرسله إلى معاوية بن أبي سفيان بدمشق وطيف به وهو اوّل رأس طيف به في الإسلام.

صورة اخرى

وجَّه معاوية عمرو بن العاص في سنة ثمان وثلاثين إلى مصر في أربعة آلاف، ومعه معاوية بن حديج، وأبو الأعور السَّلمي، واستعمل عمراً عليها حياته فالتقوا هم ومحمّد بن أبي بكر وكان عامل عليّ عليها بالموضع المعروف بالمسنّاة فاقتتلوا حتّى قُتل كنانة بن بشر، وهرب عند ذلك محمّد لإسلام أصحابه إيّاه وتركهم له، فاختبأ عند رجل يُقال له: جبلة بن مسروق، فدُلَّ عليه، فجاء معاوية بن حُديج وأصحابه فأحاطوا به، فخرج إليهم محمّد بن أبي بكر فقاتل حتّى قتل، فأخذه معاوية بن حُديج وعمرو بن العاص فجعلوه في جلد حمار وأضرموه بالنّار، وذلك بموضع في مصر يقال له: كوم شريك. وقيل: انّه فُعل به ذلك وبه شيىء من الحياة، وبلغ معاوية قتل محمّد وأصحابه فأظهر الفرح والسّرور. وبلغ عليّاً قتل محمّد وسرور معاوية فقال: جزعنا عليه على قدر سرورهم، فما جزعتُ على هالك منذ دخلت هذه الحرب جزعي عليه، كان لي ربيباً وكنت أعدّه ولداً، كان بي برّاً، وكان إبن أخي(٢) فعلى مثل هذا نحزن وعند الله نحتسبه(٣) .

قدم عبد الرَّحمن الفزاري على عليّعليه‌السلام من الشّام وكان عينه بها وحدَّثه: انَّه لم يخرج من الشّام حتّى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى يتبع بعضها بعضاً بفتح مصر وقتل محمّد وحتّى أذَّن بقتله على المنبر، وقال: يا امير المؤمنين! قلّما رأيت

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٦: ٥٨ - ٦١، الكامل لابن الاثير ٣: ١٥٤، تاريخ ابن كثير ٧: ٣١٣، ٣١٤، النجوم الزاهرة ١: ١١٠.

٢ - كان محمد بن ابى بكر اخا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لامّه.

٣ - مروج الذهب ٢: ٣٩، تاريخ ابن كثير ٧: ٣١٤.

٦٧

قوماً قطُّ أسرّ، ولا سروراً قطُّ أظهر من سرور رأيته بالشّام حين أتاهم هلاك محمّد بن أبي بكر فقال عليٌّ: أما إنَّ حزننا عليه قدر سرورهم به بل يزيد أضعافاً، وحزن عليُّ على محمّد بن أبي بكر حتّى رؤي ذلك في وجهه وتبيّن فيه، وقام في الناس خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: ألا إنَّ مصر قد افتتحها الفجرة اولو الجور والظلم الّذين صدّوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجا، ألا وإنَّ محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله إن كان ما علمتُ لممَّن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويُحبّ هُدى المؤمن. الخطبة(١)

وقال أبو عمر: يقال: إنَّ محمّد بن أبي بكر اُتي به عمرو بن العاص فقتله صبراً.

وروى شعبة وابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: اتي عمرو بن العاص بمحمّد بن أبي بكر أسيراً فقال: هل معك عهدٌ؟! هل معك عقدٌ من أحد؟! قال: لا فأمر به فقتل، وكان عليُّ بن ابي طالب يُثني على محمّد بن أبي بكر ويُفضِّله لأنَّه كانت له عبادة واجتهاد(٢) .

وقال ابن حجر: قيل: انَّه اختفى في بيت امرأة من غافق آواه فيه أخوها، وكان الذي يطلبه معاوية بن حديج، فلقيتهم أخت الرَّجل الذي كان آواه وكانت ناقصة العقل فظنّت انّهم يطلبون أخاها فقالت: أدلّكم على محمّد بن أبي بكر على أن لا تقتلوا أخي؟ قالوا: نعم. فدلّتهم عليه، فقال: احفظوني لأبي بكر. فقال معاوية: قتلت ثمانين من قومي في دم عثمان وأتركك وأنت صاحبه؟! تهذيب التهذيب ٩: ٨٠.

قال الأميني: إنَّ أمثال هذه الفظايع والفجايع لبمقربة من مغازي إبن العاصي وأذنابه، ومن مرضات ابن آكلة الأكباد الّذين لم يُبالوا بإراقة الدِّماء الزاكية منذ بلغوا أشدَّهم، ولا سيّما من لدن مباشرتهم الحرب في صفّين إلى أن إصطلوا نار الحطمة فلم يفتأوا والغين في دماء الأخيار الأبرار دون شهواتهم المخزية.

وهبْ أنَّ محمّداً نال من عثمان ما حسبوه، فعجيبٌ أن ينهض بثاره مثل معاوية

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٦: ٦٢، كامل ابن الاثير ٣: ١٥٥.

٢ - الاستيعاب ٢: ٢٣٥، تهذيب التهذيب ٩: ٨١.

٦٨

المتثبّط عنه يوم استنهضه عثمان حتّى قُتل، وعمرو بن العاصي القائل المبتهج بقتله بقوله: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السّباع. وقوله: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها. وقوله: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النّار.

وكان يألّب عليه حتّى الراعي في غنمه في رأس الجبل(١) وهلّا ساق معاوية ذلك الحشد اللّهام إلى عائشة الرافعة عقيرتها بين جماهير الصّحابة: اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر. وأمثالها من الكلم القارصة(٢) وإلى طلحة والزّبير وكانا أشدّ الناس عليه، وطلحة هو الذي منع عنه الماء في حصاره، ومنع الناس عن تجهيزه، ومنعه أن يُدفن إلّا في حشّ كوكب جبّانة اليهود. إلى فظايع مرَّ تفصيلها في الجزء التاسع ٩٢ - ١١١، وقال الشّهرستاني في الملل والنحل ص ٢٥: كان اُمراء جنوده: معاوية عامل الشّام، وسعد بن أبي وقاص عامل الكوفة، وبعده الوليد بن عقبة، وعبد الله بن عامر عامل البصرة، وعبد الله بن أبي سرح عامل مصر، وكلّهم خذلوه ورفضوه حتّى أتى قدَره عليه.

نعم: هؤلاء قتلوه لكنَّ معاوية لا يُريد المقاصّة إلّا من أولياء عليّعليه‌السلام فيستأصل شأفتهم تحت كلّ حَجر ومَدَر، ويستسهل فيهم كلّ شقوة وقسوة، وليس له مع أضداد عليّعليه‌السلام أيّ مقصد صحيح، وإلّا فأيّ حرمة لدم أجمعت الصّحابة على سفكه؟ واحتجّت عليه بآي الذكر الحكيم كما مرّ تفصيله في الجزء التاسع ص ١٦٤ - ١٦٨، ٢٠٥ لو لم يكن اتّباع القوم بالصّحابة والإحتجاج بما قالوا وعملوا واعتبارهم فيهم العدالة جميعاً تسري مع الميول والشهوات، فيحتجّون بدعوى إجماعهم على خلافة أبي بكر ( ولم يكن هنالك إجماع ) ولا يحتجوّن به في قتل عثمان ( وقد ثبت فيه الإجماع ).

وهبْ أنّ محمّد بن أبي بكر هو قاتل عثمان الوحيد من دون أيِّ حجّة ولا مبرّر له وهو المحكوم عليه بالقصاص، وفي القصاص حياة، فهل جاء في شريعة الإسلام قصاص

____________________

١ - راجع ما اسلفناه فى الجزء التاسع ص ١٣٦ - ١٤٠.

٢ - راجع ما مرّ فى الجزء التاسع ص ٧٨ - ٨٦.

٦٩

كهذا بأن يُلقى المقتصّ به في جيفة حمار ثمَّ يحرق بالنّار، ويُطاف برأسه في البلاد؟ هل هذا دين الله الّذي كان يدين به محمّد بن أبي بكر؟ أو دين هَبل إلـ~ـه معاوية وإله آباءه الشَّجرة المنعوتة في القرآن؟

نحن نقصُّ عليك نبأهم بالحقِّ، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون، إن الحكم إلّا لِلَّه يقصُّ الحقَّ وهو خير الفاصلين.

٧٠

نظرة فى مناقب ابن هند

لعلّك إلى هاهنا عرفت معاوية، وأنّه أيّ رجل هو، وانّه كيف كانت نفسيّاته وملكاته، وانّ رجلاً كمثله لا يتبّوأ مقعده إلّا حيث تنيخ شية العار، وفي مستوى السّوءة والبوائق، وانّ أيّ فضيلة تلصقه به رواة السّوء وتخطُّ عنه الأقلام المستأجرة فهو حديث إفك نمّقته الأهواء والشَّهوات، ولا يُقام له في سوق الإعتبار وزنٌ، ولا في مبوَّأ الحقِّ مقيلٌ، فظنّ خيراً ولا تسأل عن الخبر.

أليس معاوية هو صاحب تلكم الموبقات والجرءة على الله وعلى الإسلام ونبيّه و كتابه وسنَّته. سنّة الله التي لا تبديل لها؟!

أليس هو الهاتك حرمات الله والمصغّر قدر أوليائه، والمريق دمائهم الزكيَّة، و الدَّؤوب على الظّلم والجور بإزهاق النفوس البريئة من غير جرم؟( وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (١) .

أليس هو من آذى الله ورسوله في الصّالحين من رجالات الاُمَّة وعدول الصّحابة الأوّلين والتابعين لهم باحسان، المحرَّمة دماؤهم وأقدارهم وحرماتهم بزجّهم إلى أعماق السّجون، وإبعادهم عن عقر دورهم وإخافتهم؟( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً، وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) (٢) .

أليس هو من آذى رسول الله في أهل بيته بإثارة الحرب على صنوه ونفسه وخليفته حقّا؟ وكان من واجبه أن يخضع له ويتحرّى مرضاته،( وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٣) .

____________________

١ - سورة النساء: ٩٣.

٢ - سورة الاحزاب: ٥٧، ٥٨.

٣ - سورة التوبة: ٦١.

٧١

أليس هو الذي لم يراقب حرمة الرَّسول الأعظم في ذوي قرباه وصغّرها بسبِّ أبي ولده، وأمر الملأ الدينيَّ بتلك الجريمة الموبقة، واتّخذها سنّة متَّبعة، وقذف من طهّره الجليل بالأفائك والمفتريات؟

أليس هو السبّاق الأوّل في المآثم الجمّة المخزية؟ أوَّل من باع الخمر وشربها من الخلفاء؟ والخمر وشاربها وبايعها ومشتريها ملعونٌ ملعونٌ.

أوّل من اشاع الفاحشة في الملأ الإسلاميّ؟( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‌ ) « سور النور: ١٩ »

أوّل مَن أحلّ الرِّبا وأكله؟ وأحلّ الله البيع وحرّم الرّبا، الّذين يأكلون الرِّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، وآكل الرّبا وموكّله ملعونٌ بلسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أوّل مَن أتمَّ الصَّلاة في السَّفر تقديساً لاُحدوثة ابن عمّه؟!.

أوّل مَن أحدث الأذان في صلاة العيدين؟!.

أوّل مَن رأى الجمع بين الاُختين إحياءً لما ذهب إليه عثمان؟!.

أوّلَ مَن غيَّر السنَّة في الدّيات وأدخل فيها ما ليس منها؟!.

أوّلَ مَن ترك التكبير في الصّلوات عند كلِّ هويّ وانتصاب وهي سنَّة ثابتة؟!

أوّلَ مَن ترك التلبية وأمر به خلافاً لعليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام العامل بسنّة الله و رسوله؟!.

أوّلَ مَن قدَّم الخطبة على الصَّلاة في العيد لإسماع الناس سبَّ عليّعليه‌السلام ؟ وقد صحّ عن نبيّ الإسلام: من سبّ عليّاً فقد سبّه، ومن سبّه فقد سبّ الله.

أوّل مَن عصى ربّه بترك حدوده وإقامة سنّته؟( وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَ لَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) « سورة النساء: ١٤ »

أوّل مَن نقض حكم العاهر، وأحيى طقوس الجاهليّة، وخالف دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والولد للفراش ولِلعاهر الحَجر؟!.

أوّل مَن تختّم باليسار؟ فأخذ المراونة بذلك إلى أن نقله السفّاح إلى اليمين

٧٢

فبقي إلى أيَّام الرَّشيد فنقله إلى اليسار(١) .

أوّل مَن سنَّ سبّ عليّعليه‌السلام وقنت به وجعله سنّة جارية في خلفه الذّين أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشهوات، وشوّه خطب المنابر بذلك الحادث المخزي؟!.

أوّل مَن بغى على إمام وقته وحاربه وقاتله وقتل امّة كبيرة من صلحاء الصّحابة البدريّين وأهل بيعة الشَّجرة الّذين رضي الله عنهم ورضوا عنه؟!.

أوَّل من أعطى المال لوضع الحديث وتحريف كتاب الله وكلمته الطيّبة عن مواضعها؟!

أوَّل من اشترط البرائة عن عليّعليه‌السلام على من بايعه في خلافته الغاشمة أو في ملكه العضوض؟!

أوَّل مَن حُمل إليه رأس الصّحابيّ العادل عمرو بن الحمق واُدير به في البلاد؟!

أوَّل مَن قتل عدول الصّحابة الاوَّلين والتابعين لهم باحسان من عيون الاُمّة و عبّادها ونسّاكها لمحض ولائهم سيّد العترة، وقد جعله الله أجر رسالة نبيّه الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

أوَّل مَن قتل نساء كلّ من والى أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذبح صبيانهم، ونهب أموالهم، ومثَّل قتلاهم وشتَّت شملهم، وفرَّق جمعهم، واستأصل شأفتهم، ونفاهم عن عُقر دورهم، وأبادهم تحت كلّ حجر ومدَر؟!

أوَّل مَن عبثت به رعيّته، وسنَّ العمل بالشَّهادات المزوّرة، وسلّط رجال الشرِّ والغيّ والجور على صلحاء اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

أوَّل مَن همَّ بنقل منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المدينة المشرّفة إلى الشّام؟! ولمـّا حرّك المنبر خسفت الشّمس فترك(٢) .

أوَّل مَن بدَّل الخلافة الإسلاميّة إلى شرّ ملك وسلطة سوء؟!

أوَّل مَن ملك وتجبّر في الإسلام بلبس الحرير والديباج، وشرب في آنية الذَّهب والفضّة، وركب السّروج المحلّاة بهما؟!

____________________

١ - ربيع الابرار للزمخشرى باب ٧٥.

٢ - تاريخ ابن كثير ٨. ٤٥.

٧٣

أوَّل مَن سمع الغناء وطرب عليه وأعطى ووصل إليه وهو يرى نفسه أمير المؤمنين؟!

أوَّل مَن هتك دين الله باستخلاف جروه الفاجر المستهتر التارك للصّلاة؟!

أوَّل مَن أشنَّ الغارة على مدينة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم أمن الله، وأخاف أهليها، وما رعى حرمة ذلك الجوار المقدّس؟!

إلى جرائم وبوائق تجد الرَّجل فيها هو السّابق الأوَّل إليها؟!(١)

أصحيحٌ أنَّ مثل هذا الطاغية تصدر فيه كلمة إطراء من مصدر النبوَّة؟ أو يأتي عن نبيِّ العدل والحقِّ والصّدق ما يوهم الثناء عليه؟ لا. لا يمكن ذلك. بل نبيّ العظمة أكبر مَن يبغض هذا الإنسان وجرائمه، والرّجل أشدّ أعداؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جاهليّته و إسلامه، ولو كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينطق بشيء من ذلك - وحاشاه - لكان أكبر ترويج للباطل و أهله، وأوضح ترخيص في المعصية، وأبين استهانة بالحقِّ.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عليّ ومعاوية؟ فقال: اعلم أنَّ عليّاً كان كثير الأعداء ففتّش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيداً منهم لعليّ(٢)

وقال الحاكم: سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب بن يوسف يقول: سمعت أبي يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: لا يصحّ في فضل معاوية حديث(٣)

ولمـّا لم يجد البخاري حديثاً يصحّ من مناقب معاوية فقال عند عدّ مناقب الصّحابة من صحيحه: باب ذكر معاوية رضي الله عنه. فقال ابن حجر في فتح الباري ٧: ٨٣: أشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل ممّا لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصحّ من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما.اهـ.

وأمّا مسلم وابن ماجة فلمّا لم يريا حديثاً يُعبأ به في فضائل معاوية ضربا عن اسمه في الصَّحيح والسنن صفحاً عند عدّ مناقب الصّحابة. والترمذي لم يذكر له إلّا حديث:

____________________

١ - راجع اوائل السيوطى، وتاريخ الخلفاء له، ومحاضرة الاوائل للسكتوارى.

٢ - تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٣٣، فتح البارى ٧: ٨٣، الصواعق ص ٧٦.

٣ - اللئالى للسيوطى ١ ص ٢٢٠، فتح البارى ٧: ٨٣.

٧٤

أللّهمّ اجعله هادياً مهديّا واهدِ به. فقال: حسنٌ غريب. ونحن أوقفناك على بطلانه في الجزء العاشر ص ٣٧٣. وذكر حديث: أللّهم اهدِ به وزيَّفه هو بنفسه لمكان عمرو بن واقد، وعمرو أحد الكذّابين ذكرناه في الجزء الخامس ص ٢٤٩ ط ٢ فالصَحاح والسنن خاليةٌ عمّا لفَّقتها رواةُ السّوء في فضل الرّجل.

ودخل الحافظ النسائي صاحب السنن إلى دمشق فسأله أهلها أن يُحدِّثهم بشيء من فضائل معاوية فقال: أما يكفي معاوية أن يذهب رأساً برأس حتّى يروى له فضائل؟ فقاموا إليه فجعلوا يطعنون في خُصيتيه حتّى اُخرج من المسجد الجامع فقال: أخرجوني إلى مكّة. فأخرجوه وهو عليلٌ فتوفّي بمكّة مقتولاً شهيداً(١)

وقال ابن تيميّة في منهاجه ٢: ٢٠٧: طائفةٌ وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك كلّها كذبٌ.

وقال الفيروز آبادي في خاتمة كتابه « سفر السَّعادة » والعجلوني في كشف الخفاء ص ٤٢٠: باب فضائل معاوية ليس فيه حديثٌ صحيحٌ.

وقال العيني في عمدة القاري: فإن قلت: قد ورد في فضله يعني معاوية أحاديث كثيرة. قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديثٌ صحيحٌ يصحُّ من طرق الاسناد، نصَّ عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، فلذلك قال يعني البخاري: ( باب ذكر معاوية ) ولم يقل: فضيلة ولا منقبة.

وقال الشَّوكاني في « الفوائد المجموعة » : اتّفق الحفّاظ على انّه لم يصحّ في فضل معاوية حديث.

نعم: إنَّ الغلوَّ في حبِّ الرَّجل خلق له فضائل مفتراة تبعد جدّاً عن ساحة النّبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبوح بشيء منها، وإنّما يد الإفتعال نسجت له على نول ما نسجته لبقيّة الخلفاء مناقب تندى منها جبهة الإنسانيَّة، والَّف محمّد بن عبد الواحد أبو عمر غلام ثعلب جزءاً في فضائل هذا الإنسان المحشوّ رداؤه بالرَّذائل. قال ابن حجر في لسان الميزان ١: ٣٧٤: اسحاق بن محمّد السّوسي ذاك الجاهل الّذي أتى بالموضوعات السَّمجة في فضائل معاوية رواها عبيد الله السقطي عنه فهو المتّهم بها أو شيخه.

____________________

١ - تاريخ ابن كثير ١١:، ١٢٤، سيوافيك تفصيل قصة النسائى.

٧٥

فنحن نجمع هاهنا شتات جملة من تلكم الأكاذيب الّتي خلقتها أو اختلقتها يد الوضع الأثيمة في مناقب الرَّجل ممّا مرّ الايعاز إليه، وما لم نذكره بعدُ، ونجعلها بين يدي القارئ النابه الحرّ، وله القضاء بالحقِّ، والله المستعان، ألا وهي:

١ - عن أنس مرفوعاً: لا أفتقد أحداً من أصحابي غير معاوية بن أبي سفيان لا أراه ثمانين عاماً، فإذا كان بعد ثمانين عاماً يقبل إليّ على ناقة من المسك الأذفر حشوها من رحمة الله، قوائمها من الزبرجد فأقول: معاوية؟ فيقول: لبّيك يا محمّد! فأقول: أين كنت من ثمانين عاماً؟ فيقول: كنت في روضة تحت عرش ربّي يناجيني واُناجيه. ويحيّيني واُحييه ويقول: هذا عوضٌ ممّا كنت تُشتم في دار الدنيا.

راجع الجزء الخامس ص ٢٥٤ ط ١، ٢٩٨ ط ٢.

٢ - عن أنس مرفوعاً: هبط عليَّ جبريل ومعه قلمٌ من ذهب إبريز فقال: إنَّ العليَّ الأعلى يقرئك السَّلام ويقول لك: حبيبي قد أهديت هذا القلم من فوق عرشي إلى معاوية ابن أبي سفيان فأوصله إليه ومُره أن يكتب آية الكرسيّ بخطّه بهذا القلم ويشكّله و يعجمه ويعرضه عليك، فإنّي قد كتبت له من الثَّواب بعدد كلّ من قرأ آية الكرسيِّ من ساعة يكتبها إلى يوم القيامة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يأتيني بأبي عبد الرَّحمن؟ فقام أبو بكر الصّديق ومضى حتّى أخذ بيده وجاءا جميعاً إلى إلنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّموا عليه فردّ عليهم السّلام ثمَّ قال لمعاوية: اُدن منّي يا أبا عبد الرّحمن! اُدن منِّي يا أبا عبد الرّحمن! فدنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدفع إليه القلم ثمَّ قال له: يا معاوية؟ هذا قلمٌ أهداه إليك ربّك من فوق العرش لتكتب به آية الكرسيِّ بخطّك وتشكّله وتعجمه وتعرضه عليَّ فاحمد الله و اشكره على ما أعطاك، فإنَّ الله قد كتب لك من الثّواب بعدد من قرأ آية الكرسيِّ من ساعة تكتبها إلى يوم القيامة. فأخذ القلم من يد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعه فوق اُذنه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أللّهم إنّك تعلم أنّي قد أوصلته إليه. ثلاثاً. فجثا معاوية بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يزل يحمد الله على ما أعطاه من الكرامة ويشكره حتّى أتى بطرس ومحبرة فأخذ القلم ولم يزل يخطُّ به آية الكرسيِّ أحسن ما يكون من الخطّ حتّى كتبها وشكّلها و عرضها على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معاوية! إنَّ الله قد كتب لك من الثواب بعدد كلِّ من يقرأ آية الكرسيّ من كتبتها إلى يوم القيامة.

٧٦

راجع الجزء الخامس ص ٢٥٩ ط ١، ٣٠٤ ط ٢.

٣ - عن جابر: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال: استكتبه فإنّه أمينٌ

راجع الجزء الخامس ص ٢٦٠ ط ١، ٣٠٥ ط ٢.

٤ - عن عبادة بن الصّامت: أوحى الله إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استكتب معاوية فإنّه أمينٌ مأمون.

راجع الجزء الخامس ص ٢٦١ ط ١، ٣٠٥ ط ٢.

٥ - عن أنس مرفوعاً: الاُمناء سبعة: اللوح والقلم واسرافيل وميكائيل وجبريل ومحمّد ومعاوية.

راجع الجزء الخامس ص ٢٦٢ ط ١، ٣٠٨ ط ٢.

٦ - عن أبي هريرة مرفوعاً: الامناء عند الله ثلاثة: أنا وجبريل ومعاوية.

راجع الجزء الخامس ص ٢٦١ ط ١، ٣٠٦ ط ٢.

٧ - أخبر رجلٌ عن رجل قال: اجتمع عشرة من بني هاشم فغدوا على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا قضى الصّلاة قالوا: يا رسول الله! غدونا ليك لنذكر لك بعض امورنا، إنَّ الله قد تفضَّل بهذه الرّسالة فشرّفك، بها وشرّفنا لشرفك وهذا معاوية بن أبي سفيان يكتب الوحي فقد رأينا أن غيره من اهل بيتك أولى به لك منه قال: نعم. انظروا في رجل غيره قال: وكان الوحي ينزل في كلِّ أربعة أيّام من عند الله إلى محمّد فأقام جبريل أربعين يوماً لا ينزل، فلمّا كان يوم أربعين هبط جبريل بصحيفة فيها مكتوب: يا محمّد! ليس لك أن تغيّر من اختاره الله لكتابة وحيه فاقِرَّه فإنَّه أمينٌ، فأقرَّه.

راجع الجزء الخامس ص ٢٦٢ ط ١، ٣٠٧ ط ٢.

٨ - عن واثلة مرفوعاً: إنّ الله ائتمن على وحيه جبريل وأنا ومعاوية، وكاد أن يبعث معاوية نبيّاً من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربّي، يغفر الله معاوية ذنوبه، ووقاه حسابه، وعلّمه كتابه، وجعله هادياً مهديّاً وهدى به.

راجع الجزء الخامس ص ٢٦٢ ط، ١ ٣٠٨ ط ٢.

٩ - عن سعد: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمعاوية: إنَّه يُحشر وعليه حلّةٌ من نور

٧٧

ظاهرها من الرَّحمة، وباطنها من الرِّضا، يفتخر بها في الجمع. لكتابة الوحي.

راجع الجزء الخامس ص ٢٧٦ ط ١، ٣٢٤ ط ٢.

١٠ - عن عبد الله بن عمر: إنَّ جعفر بن أبي طالب أهدى إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفرجلاً فأعطى معاوية ثلاث سفرجلات وقال: تلقاني بهنَّ في الجنّة.

راجع الجزء الخامس ص ٢٨١ ط ١، ٣٢٩ ط ٢.

قال ابن حبّان: موضوعٌ. وقال الخطيب: حديثٌ غير ثابت. وقال ابن عساكر: لا أصل له. راجع اللئالي المصنوعة ١: ٤٢٢، ٤٢٣.

١١ - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: الآن يطلع عليكم رجلٌ من أهل الجنّة، فطلع معاوية فقال: أنت يا معاوية! منّي وأنا منك، لتزاحمني على باب الجنّة كهاتين وأشار بإصبعيه.

ذكره الذهبي في الميزان ٢: ١٣٣ وقال: خبرٌ باطل.

١٢ - أخرج البخاري في تاريخه ٤ قسم ص ١٨٠ عن إسحاق بن يزيد عن محمّد بن مبارك الصّوري عن صدقة بن خالد عن وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جدّه قال: كان معاوية ردف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا معاوية! ما يليني منك؟ قال: بطني قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهم املأه علماً وحلماً. وذكره الذهبيُّ في الميزان ٣: ٢٦٨.

قال الأميني: لو كان لهذه الرواية اعتبارٌ ولو قليلاً عند البخاري لأخرجه في صحيحه، ولم يجعل باب ذكر معاوية خالياً عن كل فضيلة ومنقبة، وهو يعلم أنَّ معاوية بكلّه فارغٌ عن العلم والحلم فكيف يصدّقها مَن يعرف الرَّجل بالجهل والغضب المرديين؟

ولو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا على رجل بأن يخلو بطنه من العلم والحلم فهل كان هو غير باطن معاوية؟ أيّ عمل الرَّجل في وِرده وصَدره ينبأ عن الخلّتين؟ وأيّ فرق فيهما بين جاهليّته الممقوتة وبين اسلامه المظلم؟ فتلك وهذا سواسية، وهو بينهما رهين جهله المبير وغضبه المهلك، فإذا سألت عبادة بن الصّامت (الصّحابي العظيم ) عن علمه فعلى الخبير سقطت يقول لك: إنَّ امّه هند أعلم منه(١) وإذا سألت شريكاً عن حلمه

____________________

١ - تاريخ ابن عساكر ٧: ٢١٠.

٧٨

فتسمع منه قوله: ليس بحليم من سفه الحقَّ وقاتل عليّا(١) وتقول اُمّ المؤمنين عائشة(٢) : اين كان حلمه حين قتل حُجراً واصحابه؟ ويل له من حُجر وأصحابه.

وقال شريك حين ذُكر معاوية عنده بالحلم: هل كان معاوية إلّا معدن السَّفه؟ والله لقد أتاه قتل أمير المؤمنين وكان متَّكياً فاستوى جالساً ثمَّ قال: يا جارية غنّيني فاليوم قرّت عيني فأنشأت تقول:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فلا قرّت عيون الشّامتينا

أفي شهر الصِّيام فجعتمونا

بخير النّاس طرّاً أجمعينا

قتلتم خير من ركب المطايا

وأفضلهم ومن ركب السّفينا

فرفع معاوية عموداً كان بين يديه فضرب رأسها ونثر دماغها، أين كان حلمه ذلك اليوم؟(٣) والّذي جاء في بطن معاوية من الحديث المتسالم عليه انّما هو انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليه وقال: لا أشبع الله بطنه. وأمّا غيره فحديث إفك لا يُؤبه به.

١٣ - عن جابر: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى معاوية سهماً وقال: هاك حتى تلقاني به في الجنّة. وفي لفظ عن أبي هريرة: حّتى توافيني به في الجنّة.

رواه قاسم بن بهران. قال ابن حبّان: لا يجوز الإحتجاج به بحال. وقال ابن عدي: انّه كذّاب. وقال الذهبي: موضوع(٤) .

١٤ - عن خارجة بن زيد عن أبيه مرفوعاً: يا اُمَّ حبيبة! لَلَّه أشدُّ حبّاً لمعاوية منك كأنّي أراه على رفارف الجنّة. ميزان الاعتدال ٣: ٥٦، قال الذهبي: خبرٌ باطل اتّهم بوضعه محمّد بن رجاء.

قال الأميني: وفي الاسناد: عبد الرّحمن بن أبي الزّناد قال يحيى بن معين: ليس

____________________

١ - تاريخ ابن كثير ٨: ١٣٠.

٢ - مرّ حديثه فى هذا الجزء.

٣ - هذه القضية ذكرها الراغب فى محاضراته المخطوطة الموجودة، وهكذا نقلت عنها في تشييد المطاعن فى ج ٢: ٤٠٩ غير انّ يد الطبع الامينة حرّفتها من الكتاب مع احاديث ترجع إلى معاوية راجع ج ٢: ٢١٤ من المحاضرات وقابلها بالمخطوطة منها.

٤ - راجع ميزان الاعتدال ٢: ٣٨، لسان الميزان ٤: ٤١٤، ٤٥٩، ج ٦: ٢١٩.

٧٩

ممَّن يحتج به أصحاب الحديث، ليس بشيء، ضعيفٌ. وقال صالح بن احمد عن أبيه: مضطرب الحديث. وعن ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفاً. وقال النسائي: لا يحتجُّ بحديثه، وكان يضعف لروايته عن أبيه. تهذيب التهذيب ٦: ١٧٠.

١٥ - قال أبو عمرو الزاهد: أخبرني علي بن محمّد ابن الصائغ عن أبيه انّه قال: رأيت الحسين وقد وفد على معاوية زائراً فأتاه في يوم جمعة وهو قائمٌ على المنبر خطيباً فقال له رجلٌ من القوم: يا أمير المؤمنين! ايذن للحسين يصعد المنبر، فقال له معاوية: ويلك دعني افتخر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: سألتك بالله يا أبا عبد الله! أليس أنا ابن بطحاء مكّة؟ فقال: اي والّذي بعث جدّي بالحقِّ بشيراً، ثمَّ قال: سألتك بالله يا أبا عبد الله! أليس أنا خال المؤمنين؟ فقال: اي والّذي بعث جدّي نبيّا، ثمَّ قال: سألتك بالله يا أبا عبد الله! أليس أنا كاتب الوحي؟ فقال: اي والّذي بعث جدّي نذيراً. ثمَّ نزل معاوية وصعد الحسين بن علي فحمد الله بمحامد لم يحمده الاوَّلون والآخرون بمثلها ثمَّ قال: حدَّثني أبي عن جدّي عن جبريل عن الله تعالى: انَّ تحت قائمة كرسيِّ العرش ورقة آس خضراء مكتوب عليها: لا إلـ~ـه إلّا الله، محمّد رسول الله، يا شيعة آل محمّد! لا يأتي أحدكم يوم القيامة يقول لا إلـ~ـه إلّا الله إلّا أدخله الله الجنّة فقال له معاوية: سألتك بالله يا أبا عبد الله! مَن شيعة آل محمّد؟ فقال: الّذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر وعمر، ولا يشتمون عثمان، ولا يشتمون أبي، ولا يشتمونك يا معاوية!.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٤:، ٣١٢، ٣١٣ وقال: هذا حديثٌ منكرٌ ولا أرى اسناده متّصلاً إلى الحسين.

قال الأميني: ألا تعجب من حافظ يروي مثل هذا الحديث ويراه منكراً غير مسند؟ أليس في اسناده أبو عمر الزّاهد محمّد بن عبد الواحد الّذي ألّف من الأكاذيب جزءاً في فضائل معاوية ومنها هذه الاكذوبة الفاحشة؟ أليس فيه عليّ بن محمّد الصائغ؟ ي قال الخطيب في تاريخه ٣: ٢٢٢: ضعيفٌ جدّاً؟ ألا يقول الحافظ؟: انَّ عليَّ بن محمّد الصائغ الّذي يروي عنه أبو أحمد الجرجاني المتوفّى ٣٧٤ الّذي يروي عن مالك المتوفّى ١٧٩ بواسطة كيف يروي أبوه عن الحسين السّبطعليه‌السلام الشهيد سنة ٦٠؟! وكيف يُعقل إدراكه معاوية وحضوره في خطبته؟!

٨٠