موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

موسوعة حديث الثقلين9%

موسوعة حديث الثقلين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 978-600-5213-63-8
الصفحات: 619

الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 619 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161449 / تحميل: 4920
الحجم الحجم الحجم
موسوعة حديث الثقلين

موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

مؤلف:
الناشر: ستارة
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٦٣-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

(٢٤) كتاب : الاستغاثة

لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي ( ت ٣٥٢ هـ )

الحديث :

قال : وقد أجمعوا جميعاً(١) ، على الرواية في تزكية أهل البيت ( عليهم السلام ) ،

____________

١ ـ قال المصنّف ـ بعد أن روى مجموعة من روايات العامّة في فضائل أبي بكر وعمر ـ : فأوّل ما نبدأ به من القول في ذلك : أنّه قد علم ذو الفهم أنّ الآثار المنقولة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في أيّامه وأيّام من كان بعده من وجهين في الإمامة لا ثالث لهما ، أحدهما : طرق أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، الثاني : طرق الحشوية من أصحاب الحديث ، فمن ادعى من جميع الأمّة ممّن تقدّم في الأعصار السالفة غير هذين الوجهين ، فهو متخرّص كذّاب ضالّ مضلّ فاسد المعرفة داحض الحجّة ، وإذا كان ذلك كذلك ، فليعلم ذو الفهم أنّ ما كان يرويه الحشوية من طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، ولم يرو ذلك أهل البيت وشيعتهم ، فلا حجّة للحشوية ومن تابعهم في ذلك على مخالفيهم ، وكذلك إذا رووا ( كذا ) أهل البيت ( عليه السلام ) وشيعتهم آثاراً من طرقهم ، وعن رجالهم المتّصلين عن رجل من الحشوية ، ولم يروا ( كذا ) ذلك الحشويّة ، فلا حجّة لشيعة أهل البيت في ذلك على الحشويّة ، وإن كانت الرواية في نفسها كثيرة صحيحة محقّة ، وهذا هو وجه النصفة والنصيحة ، فإذا أجمعوا على رواية من طريقيهم المتضادّين المختلفين ، فتكون تلك الرواية ممّا لا يشكّ في صحّتها ، وعليها الفقهاء من الفريقين ، المعوّل في الاحتجاج والنظر عليهم ، وإذا اختلفوا في رواية ، فروى كلّ فريق منهم من طريقه ضدّ ما رواه الفريق الآخر ، كان المعوّل في ذلك عند أهل النظر على الفحص عن الأسباب المتضادّة بشواهد الكتاب ودلالات الأخبار المجمع عليها ، فأيّهما ثبت وجوبه من المتضادّين ، لزمت حجّته ، وأيّهما وجدت شواهده باطلة بطلت حجّته ، ومهما ( كذا ) لم توجد شواهد تحقّقه

٢٦١

وإشارة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إليهم بالهدى ، والبعد من الضلالة ، والأمر منه باتباعهم والكينونة معهم ، فقال ( عليه السلام ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي ، أهل بيتي لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما ، فإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : علي بن أحمد أبو القاسم ، رجل من أهل الكوفة ، كان يقول : إنّه من آل أبي طالب ، وغلا في آخر عمره ، وفسد مذهبه ، وصنّف كتباً كثيرة ، أكثرها على الفساد.

ثمّ قال ـ بعد أن ذكر كتبه ـ : توفّي أبو القاسم بموضع يقال له كرمي من ناحية فسا ، وبين هذه الناحية وبين فسا خمسة فراسخ ، وبينها وبين شيراز نيّف وعشرون فرسخاً ، توفّي في جمادى الأُولى سنة اثنين وخمسين وثلاث مائة ، وقبره بكرمي بقرب الخان والحمّام ، أوّل ما يدخل كرمي من ناحية شيراز ، وهذا الرجل تدّعي له الغلاة منازل عظيمة(٢) .

وقال الشيخ ( ت ٤٦٠ هـ ) في الفهرست : علي بن أحمد الكوفي ، يكنّى أبا القاسم ، كان إماميّاً مستقيم الطريقة ، وصنّف كتباً كثيرة سديدة ،

____________

ولا علامات تبطله ، كان سبيله الوقوف فيها ، فلا يلزم الخصم فيها حجّة يطالب فيها بواجب ، ثمّ يجب النظر بعد ذلك في معرفة الفريقين من نقلة الأخبار من أهل البيت ( عليه السلام ) والحشويّة ، أيّهما أولى بالاتباع عند وقوع التنازع والاختلافات ، فأيّهما ثبت صدقه وصحّة تزكيته من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والأمر منه باتباعه منهما ، وجب قبول آثاره ، واطراح ما خالفها أو ضادّها ، وقد أجمعوا جميعاً . ، إلى آخر ما في المتن.

١ ـ الاستغاثة : ١٤٤ ، وقد أوردنا الرواية هنا عنه بكونه راوياً ، أمّا قوله بالإجماع عليها ، فسيأتي.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢٦٥ [ ٦٩١ ].

٢٦٢

منها كتاب الأوصياء ، وكتاب في الفقه على ترتيب كتاب المزني ، ثمّ خلط وأظهر مذهب المخمّسة(١) ، وصنّف كتباً في الغلوّ والتخليط ، وله مقالة تنسب إليه(٢) .

وقال في رجاله : علي بن أحمد الكوفي أبو القاسم ، مخمّس(٣) .

وذكر العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) ما قاله النجاشي والشيخ ، ثمّ ذكر كلام ابن الغضائري : هو مدّع العلويّة ، كذّاب غال ، صاحب بدعة ، رأيت له كتباً كثيرة ، لا يلتفت إليه(٤) .

ومثله فعل ابن داود الحلّي ( ت ٧٠٧ هـ )(٥) .

وقال ابن النديم ( ت ٣٨٥ هـ ) : من الإماميّة من أفاضلهم ، وله من الكتب كتاب الأوصياء(٦) .

وقد اختلف في نسب هذا الرجل وادّعائه العلويّة ، فقد نسبه صاحب الرياض إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، اعتماداً على ما ذكره الشيخ حسين بن عبد الوهّاب ( القرن الخامس ) في عيون المعجزات ، وقال : هو علي بن أحمد بن موسى بن محمّد الجواد ( عليه السلام )(٧) ، ولم نجده في العيون

____________

١ ـ المخمّسة : هم الذين يقولون : إنّ سلمان والمقداد وأباذر وعمّار وعمر بن أُميّة الضمري ، موكّلون بمصالح العالم من قبل الله.

٢ ـ فهرست الطوسي : ٢٧١ [ ٣٩٠ ].

٣ ـ رجال الطوسي : ٤٣٤ [ ٦٢١١ ].

٤ ـ خلاصة الأقوال : ٣٦٥ [ ١٤٣٥ ] ، وانظر : رجال ابن الغضائري : ٨٢ [ ١٠٤ ].

٥ ـ رجال ابن داود : ٢٥٩ [ ٣٣٠ ] ، القسم الثاني.

وانظر : نقد الرجال ٣ : ٢٢٦ [ ٣٤٩٦ ] ، بهجة الآمال ٥ : ٣٦٥ ، مجمع الرجال ٤ : ١٦٢ ، منتهى المقال ٤ : ٣٣٦ [ ١٩٤٣ [ معجم رجال الحديث ١٢ : ٢٦٩ [ ٧٨٩٠ ] ، رياض العلماء ٣ : ٣٥٥.

٦ ـ فهرست ابن النديم : ٢٤٣ ، الفنّ الخامس من المقالة الخامسة.

٧ ـ رياض العلماء ٣ : ٣٥٧ و ٢ : ١٢٥.

٢٦٣

المطبوع(١) ، ونسبه العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) إلى الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، وقال : علي بن أحمد بن هارون بن موسى الكاظم ( عليه السلام )(٢) وذكر الآخرون ادّعاء العلويّة ، كما عرفت من النجاشي(٣) ، وأنكر ابن الغضائري علويّته(٤) .

ونقل التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس عن عمدة الطالب : قال أبو الحسن العمري : فكتبت من الموصل إلى أبي عبد الله الحسين بن محمّد ابن قاسم بن طباطبا النسّابة المقيم ببغداد ، أسأله عن أشياء في النسب ، من جملتها نسب ( علي بن أحمد الكوفي ) ، فجاء الجواب بخطّه الذي لا أشكّ فيه : أنّ هذا الرجل كذّاب مبطل ، وأنّه ادّعى إلى بيوت عدّة ، لم يثبت له نسب في جميعها ، وأنّ قبره بالريّ يزار على غير أصل(٥) .

ومن هذا يظهر أنّ هذا الرجل كان إماميّاً مستقيم الطريقة ، ثمّ غلا في آخر عمره ، حيث يمكن حمل كلام ابن الغضائري المتقدّم على آخر عمره ، جمعاً بينه وبين كلام النجاشي والطوسي ، ولكن ادّعاؤه العلويّة ، يشكّك في حال الرجل حتّى في بداية عمره ، وإن أوصل نسبه العلاّمة والشيخ حسين بن عبد الوهّاب ، فهو لا يخلو من نظر ، مع اختلافهما في النسبة وتأخّرهما عن عصره ، فقد أوصله العلاّمة إلى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بأبوين ، وأوصله الحسين بن عبد الوهّاب إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) بأبوين وبالتالي إلى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بإربعة آباء ، والمفروض الأقرب للإحتمال أنّه لو كان هناك خطأ في اسم أحد الآباء ، أن يوصله العلاّمة إلى

____________

١ ـ انظر عيون المعجزات ( نشر مؤسّسة الأعلمي ، الطبعة الثالثة ، سنة ١٤٠٣ هـ ) ، وقد ذكر البعض أنّه موجود في المخطوط.

٢ ـ خلاصة الأقوال : ٣٦٥ [ ١٤٣٥ ].

٣ ـ رجال النجاشي : ٢٦٥ [ ٦٩١ ].

٤ ـ خلاصة الأقوال : ٣٦٥ [ ١٤٣٥ ] ، ورجال ابن الغضائري : ٨٢ [ ١٠٤ ].

٥ ـ قاموس الرجال ٧ : ٣٥٢ [ ٥٠٠٨ ].

٢٦٤

الكاظم ( عليه السلام ) بأربعة آباء حتّى يوصله ابن عبد الوهّاب إلى الجواد ( عليه السلام ) بأبوين.

وما ذكره العلاّمة غير صحيح ، حيث ذكر مؤلّف كتاب الاستغاثة ; أنّ أكثر ما بينه وبين علي الأكبر أو الأصغر ابن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ستّة أو سبعة آباء(١) وهو ينسجم مع ما ذكره ابن عبد الوهّاب ، من أنّه يصل إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) بأبوين ، إذ إنّ الآباء من السجاد ( عليه السلام ) إلى الجواد ( عليه السلام ) خمسة.

وهذا الاختلاف يفسّره ما قاله ابن طباطبا من أنّه ادّعى إلى بيوت عدّة ، لم يثبت له نسب في جميعها ، ويتّفق بذلك مع النجاشي وابن الغضائري ، أمّا ما ذكره ابن طباطبا من أنّ قبره بالريّ ، فهو مخالف لما نقله النجاشي من أنّه قرب شيراز ، ويحتاج الأمر إلى تحقيق.

ثمّ إنّ ما ذكره صاحب الرياض من اعتماد الشيخ حسين بن عبد الوهّاب ، الذي هو أبصر بحاله عليه وعلى كتابه ، وتأليف كتاب تتميماً له(٢) لا يخلو من شيء.

فإنّ كلام الشيخ ابن عبد الوهّاب في عيون المعجزات ، والذي نقله صاحب الرياض ، ولم نجده نحن في المطبوع : ليس فيه إلاّ أنّه اكتفى بكتاب علي بن محمّد الكوفي ، المسمّى ( تثبيت المعجزات ) ، والذي ذكر به الدلائل على معجزات الأنبياء والمشهور من معجزات الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، عن أن يورد معجزات سيّد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) في كتابه ( عيون المعجزات ) ، وأنّه اكتفى بذكر معجزات الأئمّة ( عليهم السلام ) ; لأنّه لم يجد لها ذكراً في كتاب أبي القاسم الكوفي(٣) .

____________

١ ـ الاستغاثة : ١١٧.

٢ ـ رياض العلماء ٣ : ٣٥٧.

٣ ـ رياض العلماء ٣ : ٣٥٧.

٢٦٥

فأين هذا من الاعتماد على كتابه ، بل أين هو من توثيق الرجل الذي رامه صاحب الرياض.

وأمّا ما ذكره من اعتماد علمائنا المتقدّمين على كتبه ، فسيأتي في الكلام على كتابه الاستغاثة.

وقد ذكر الشيخ مسلم الداوري أنّه يمكن استظهار وثاقة المصنّف بناء على كون الترضّي الذي نقله النوري(١) ، عن صاحب الرياض(٢) ، عن الشيخ حسين بن عبد الوهّاب ( القرن الخامس ) في كتابه عيون المعجزات(٣) دالّ على الحسن أو الوثاقة.

ولكنّا لم نجد كلام صاحب الرياض في المطبوع ، ولا كلام ابن عبد الوهّاب في عيون المعجزات المطبوع ، مع أنّ صاحب الرياض نفسه ذكر كثرة وقوع الخرم والسقط في نسخ كتاب عيون المعجزات ، إضافة إلى أنّ الأمر كلّه مبنيّ على أنّ الترضّي يفيد الحسن أو الوثاقة ، مع أنّ هذا الترضّي ، وإيصال نسبه إلى الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وادّعاء الاعتماد على كتابه ، صدر من الشيخ حسين بن عبد الوهّاب ، وهو معارض بكلام النجاشي والطوسي وابن الغضائري.

كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة :

ذكره النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في ضمن كتبه ، وسمّاه كتاب البدع المحدثة(٤) ، وابن شهرآشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في المعالم ، وقال : من كتبه :

____________

١ ـ أُصول علم الرجال : ٣٥٤ ، وانظر : خاتمة المستدرك ١٠ : ١٦٨.

٢ ـ لم نجده في الرياض المطبوع.

٣ ـ لم نجده في عيون المعجزات المطبوع.

٤ ـ رجال النجاشي : ٢٦٥ [ ٦٩١ ].

٢٦٦

أصل الأوصياء ، كتاب في الفقه على ترتيب كتاب المزني ، ثمّ خلّط وأظهر مذهب المخمّسة ، وصنّف في الغلوّ والتخليط ، وله مقالة تنسب إليه ، ومن كتبه : كتاب البدع المحدثة في الإسلام بعد النبيّ ( عليه السلام )(١) ، والشيخ علي ابن يونس البيّاضي ( ت ٨٧٧ هـ ) في فهرست كتابه الصراط المستقيم ، وسمّاه البدع(٢) .

ولكن العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ )(٣) ، والشيخ سليمان البحراني ( ت ١١٢١ هـ ) ، والشيخ عبد النبي الكاظمي ( ت ١٢٥٦ هـ )(٤) ، نسبوا ( الاستغاثة(٥) في بدع الثلاثة ) إلى المحقّق الشيخ ميثم البحراني ، وهو خطأ واضح ، بعد ملاحظة شيوخ صاحب الكتاب ، وما ذكره في تحقيق أنّ المقتول في يوم الطفّ علي بن الحسين الأكبر ، والأصغر من أنّ أكثر ما بين عصره وبينهم من آلاباء ستّة أو سبعة(٦) ، وما صرّح به العلماء من نسبة الكتاب إليه(٧) .

وقد ادّعى الميرزا الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) أنّ هذا الكتاب قد صنّفه مؤلّفه حال استقامته(٨) ، واستوحينا من مجمل كلامه أنّ دليله : اعتماد

____________

١ ـ معالم العلماء : ٦٤ [ ٤٣٦ ].

٢ ـ الصراط المستقيم : ٩ ، المقدّمة ، في ذكر الكتب التي لم يتصفّحها ولا عثر عليها .

٣ ـ البحار ١ : ١٩ ، و ١ : ٣٧.

٤ ـ لؤلؤة البحرين : ٢٥٩ ، في ترجمة الشيخ ميثم البحراني ، عن ( السلافة البهيّة ) للشيخ سليمان البحراني ، وفي : ٢٦٠ ، قال صاحب اللؤلؤة : إنّ الشيخ سليمان رجع عن هذا القول.

٥ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٧٠ ، حيث نقل كلام الكاظمي عن كتابه التكملة ، وسمّاه الكاظمي ( الاستغاثة لبدع الثلاثة ).

٦ ـ الاستغاثة : ١١٧.

٧ ـ انظر : خاتمة المستدرك ١ : ١٦٩ ، والذريعة ٢ : ٢٨ [ ١١٢ ].

٨ ـ رياض العلماء ٣ : ٣٥٥.

٢٦٧

العلماء على هذا الكتاب ، وقوله في سبب إيراد ترجمته في القسم الأوّل من كتابه : ولكن دعاني إلى ذلك أمران : الأوّل. اعتماد مثل الشيخ حسين بن عبد الوهّاب ، الذي هو أبصر بحاله عليه ، وعلى كتابه ، وتأليف كتاب تتميماً لكتابه ، الثاني : إنّ كتبه جلّها بل كلّها معتبرة عند أصحابنا ، حيث كان في أوّل أمره مستقيماً محمود الطريقة ، وقد صنّف كتبه في تلك الأوقات ، ولذلك اعتمد علماؤنا المتقدّمون على كتبه ، إذ كان معدوداً من جملة قدماء علماء الشيعة برهة من الزمان(١) .

وتبعه على هذا الادّعاء العلاّمة الخوانساري ( ت ١٣١٣ هـ ) في روضات الجنّات(٢) .

ولكنّه ادّعاء لم يثبت ، فقد ذكر الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) كتابين من كتبه التي ألّفها حال الاستقامة ، وهذا الكتاب ليس أحدهما ، وقال :

كان إماميّاً مستقيم الطريقة ، وصنّف كتباً كثيرة سديدة ، منها كتاب الأوصياء ، وكتاب في الفقه على ترتيب كتاب المزني(٣) ، ومثله ما قاله ابن شهرآشوب(٤) .

واعتماد العلماء عليه إن كان صحيحاً ، لم يصل إلى تلك الدرجة التي يمكن توثيق الكتاب بها ، وإنّما أوردوا منه بعض الروايات ، واكتفاء الشيخ حسين بن عبد الوهّاب بكتاب الكوفي ( تثبيت المعجزات ) عن أن يورد معجزات النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في كتابه ( عيون المعجزات ) ، لا يدلّ على اعتماده ، كما أشرنا سابقاً ، ولو سلّمنا الاعتماد ، فهو على كتاب ( تثبيت المعجزات ) ، لا

____________

١ ـ رياض العلماء ٣ : ٣٥٧ ، والقسم الأوّل من الرياض خاصّ برجال الخاصّة.

٢ ـ روضات الجنّات ٤ : ١٩١ [ ٣٩٩ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٢٧١ [ ٣٩٠ ].

٤ ـ معالم العلماء : ٦٤ [ ٤٣٦ ].

٢٦٨

على كتاب الاستغاثة ، وأمّا أنّ كتبه جلّها ، بل كلّها معتبرة عند أصحابنا ، فهي دعوى بلا دليل ، يتّضح بطلانها من كلمات العلماء الذين ترجموا له.

وأمّا ما ادّعاه أخيراً : من أنّه صنّف كتبه أبان استقامته ، فيردّه تصريح النجاشي بأنّه صنّف كتباً كثيرة أكثرها على الفساد(١) ، وقول الشيخ : إنّه صنّف كتباً في الغلوّ والتخليط(٢) ، نعم ، ذكر الشيخ ـ أيضاً ـ أنّه صنّف كتباً كثيرة سديدة ، ولكنّه لم يذكر منها سوى كتابين(٣) ، فلا يعلم أنّ كتاب الاستغاثة منها أولا؟ فيجب التوقّف فيه ، وفي غيره ممّا لم ينصّ على تأليفه وقت الاستقامة ، كما ذكر ذلك التستري ( رحمه الله ) ( ت ١٤١٥ هـ )(٤) .

وقد حاول المحدّث النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) الاستدلال على ذلك أيضاً ، بذكره لأسماء عدد من العلماء الذين اعتمدوا عليه ، وإيراد ابن شهرآشوب له ، واستظهار شهرت الكتاب من كلام العلاّمة ، إضافة لقوله : فلو كان الكتاب المذكور في حال الاستقامة ما كان في تخليطه بعده وهن في الكتاب ، وهذا ظاهر لمن نظر فيه ، وليس فيه ممّا يتعلّق بالغلوّ والتخليط شيء ، بل وممّا يخالف الإماميّة ، إلاّ في مسألة تحديد حدّ شارب الخمر بالثمانين ، وكم له نظائر من أصحابنا ، بل هو في أُسلوبه ووضعه ومطالبه من الكتب المتقنة البديعة الكاشفة عن علوّ مقام فضل مؤلّفه(٥) .

ولكنّك عرفت أنّ نقل العلماء من الكتاب ، لا يدلّ على الاعتماد عليه بدرجة توثيقه ، وذكر ابن شهرآشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) له ، وشهرة الكتاب لو

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٢٦٥ [ ٦٩١ ].

٢ ـ فهرست الطوسي : ٢٧١ [ ٣٩٠ ].

٣ ـ فهرست الطوسي : ٢٧١ [ ٣٩٠ ].

٤ ـ قاموس الرجال ٧ : ٣٥٣ [ ٥٠٠٨ ].

٥ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٦٥.

٢٦٩

صحّ استظهارها من كلام العلاّمة ، لا تدلّ على وثاقة الكتاب أيضاً ، وخلوّه من الغلوّ والتخليط لا يدلّ على تأليفه في حال الاستقامة ، فهو فرض ليس إلاّ ، والكتاب وإن كان خالياً من الغلوّ ، ولكن المحقّق التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) ذكر فيه تخليطاً كثيراً ، غير حدّ شارب الخمر(١) ، وأُسلوبه ووضعه ومطالبه لا تصل به إلى درجة الاعتماد ، نعم ، يمكن بملاحظتها ، وبالأخصّ مطالب الكتاب من تخمين مذهب المصنّف ، ومن خلوّه من الغلوّ أنّه يمكن أن يكون تأليفه في حال الاستقامة ، ولكن مع وجود التخليط فيه ، لا يمكن الاعتماد عليه أو توثيقه ، بل ليس أكثر من نقل مطالبه كشواهد ، كما فعله العلماء الذين نقلوا منه ، وهذا ما فعلناه نحن بخصوص حديث الثقلين.

ثمّ إنّ الطريق إليه غير ثابت ، بل شكّك البعض حتّى في شهرته(٢) .

____________

١ ـ قاموس الرجال ٧ : ٣٥٢ [ ٨٠٠٥ ].

٢ ـ أُصول علم الرجال : ٣٥٤.

٢٧٠

(٢٥) كتاب : الآل (١)

للحسين بن أحمد بن خالويه ( ت ٣٧٠ هـ )

الحديث :

الأوّل : قال الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) في كشف الغمّة : قال أبو عبد الله الحسين بن خالويه : الآل ينقسم في اللغة خمسة وعشرين قسماً ،

وقد بيّن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث سئل ، فقال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيها ».

قلنا : فمن أهل بيتك؟

قال : « آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العبّاس »(٢) .

تنبيه : هذا مختصر ملفّق من حديث الثقلين بمتنه المشهور ، ونهاية حديث الثقلين ، الذي رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ، وفيه سؤال الحصين لزيد بن أرقم : أنساؤه من أهل بيته؟ فقال زيد في ضمن جوابه : آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العبّاس ، فالجواب هو لزيد بن أرقم لا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ وسيأتي الكلام عليه في محلّه(٣) ـ ، بل في بعض

____________

١ ـ نقل عن هذا الكتاب أبو الحسن علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمّة ، وما نقلناه منه.

٢ ـ كشف الغمّة ١ : ٥٢ ـ ٥٥ في معنى الآل.

٣ ـ راجع ما سنذكره في طرق أهل السنّة لحديث الثقلين عن صحيح مسلم ، والبحث الخاصّ بحديث الثقلين بصيغة ( أُذكّركم الله في أهل بيتي ).

٢٧١

الروايات ردّ لذلك ، كما في ما أوردناه عن تفسير فرات ، وتفسير العيّاشي ، والكافي(١) .

وأمّا جواب النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند سؤاله عن من هم أهل بيته؟ فقد مرّ في عدّة روايات سابقة ، منها جوابه لسلمان عندما سأله عنهم : بأنّهم علي ( عليه السلام ) والأحد عشر من ولده(٢) ، وكذا ما أجاب به عمر بن الخطّاب عند سؤاله بمثله(٣) ، وما أجاب به جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً(٤) ، وإلاّ فلا توجد رواية من طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولا من طريق أهل السنّة بالمضمون الذي أورده المصنّف ، والناقل من كتاب الآل هو الأربلي في كشف الغمّة ، كما سيأتي(٥) .

الثاني : وأيضاً في كشف الغمّة عن ابن خالويه : وسئل ثعلب لِم سمّيا الثقلين؟

قال : لأنّ الأخذ بهما ثقيل ، قيل : ولم سمّيت العترة؟

قال : العترة القطعة من المسك ، والعترة أصل الشجرة(٦) ، ونقله عنه ـ أيضاً ـ في كشف الغمّة ، كما سيأتي.(٧)

____________

١ ـ راجع ما أوردناه عن تفسير فرات ، وتفسير العيّاشي ، الحديث الرابع ، والكافي ، الحديث الأوّل والثاني ، أمّا الروايات التي تحدّد من هم آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فكثيرة جدّاً ، ليس هنا موضع إيرادها ، ولكن نكتفي بذكر بعضها في المتن.

٢ ـ راجع ما ذكرناه عن كفاية الأثر ، الحديث الثالث.

٣ ـ راجع ما ذكرناه في الحديث الثاني والثالث من كتاب سُليم بن قيس ، والحديث الثاني من كفاية الأثر.

٤ ـ راجع ما ذكرناه عن إكمال الدين للصدوق ، الحديث الخامس والعشرون.

٥ ـ راجع الحديث الثالث في ما نورده عن كشف الغمّة.

٦ ـ كشف الغمّة ١ : ٥٥ ، في معنى الآل.

٧ ـ راجع الحديث الرابع في ما نورده عن كشف الغمّة.

٢٧٢

الحسين بن أحمد بن خالويه :

ذكره النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) ، وقال : الحسين بن خالويه أبو عبد الله النحوي ، سكن حلب ، ومات بها ، وكان عارفاً بمذهبنا ، مع علمه بعلوم العربيّة واللغة والشعر(١) .

ولم يذكره الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في الرجال والفهرست ، ولكن استدركه عليه ابن شهرآشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في معالمه(٢) .

وفي فهرست ابن النديم ( ت ٣٨٥ هـ ) : ابن خالويه أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن خالويه ، أخذ عن جماعة مثل : أبي بكر بن الأنباري وأبي عمر الزاهد ، وقرأ على أبي سعيد السيرافي وخلط المذهبين ، وتوفّي بحلب في خدمة بني حمدان في سنة سبعين وثلثمائة(٣) .

وأورده في الخلاصة في القسم الأوّل(٤) ، وفي الوجيزة(٥) ، والبلغة(٦) من الممدوح ، وعدّه في الحاوي في الضعاف(٧) .

وقال أبو علي الحائري ( ت ١٢١٦ هـ ) : وفي تعليقة البهبهاني : وكان عالماً بالروايات أيضاً ، ومن رواتها ، بل ومن مشايخها ومن مشايخ

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٦٧ [ ١٦١ ].

وانظر : جامع الرواة ١ : ٢٣٩ ، مجمع الرجال ٢ : ١٧٤ ، نقد الرجال ٢ : ٨٨ [ ١٤٣٩ ] ، معجم رجال الحديث ٦ : ٢٥٢ [ ٣٣٩١ ] ، خاتمة المستدرك ٧ : ٢٧١ [ ٥٨٣ ].

٢ ـ معالم العلماء : ٤١ [ ٢٦٦ ].

٣ ـ فهرست ابن النديم : ٩٢.

٤ ـ خلاصة الأقوال : ١٢٠ [ ٣٠١ ] ، وانظر : إيضاح الاشتباه : ١٦١ [ ٢١٩ ].

٥ ـ الوجيزة ( رجال المجلسي ) : ١٩٤ [ ٥٥٠ ].

٦ ـ بلغة المحدّثين : ٣٥١.

٧ ـ حاوي الأقوال ٣ : ٣٩٥ [ ٢٠٤٥ ].

٢٧٣

النجاشي ، ويقال له : أبو عبد الله النحوي الأديب كما في عبّاس بن هشام.

وبالجملة : الظاهر أنّه من المشائخ الفضلاء ، أقول : ولذا ذكره في الخلاصة في القسم الأوّل ، وفي الوجيزة ممدوح ، إلاّ أنّ في الحاوي ذكره في القسم الرابع ، فتأمّل(١) .

أقول : ذكر غير واحد ان الحسين بن خالويه ابا عبد الله النحوي من مشايخ النجاشي ، ولكن هذا لا يمكن قبوله لأن كتب التراجم اتفقت على ان وفاته كانت سنة ٣٧٠ هـ(٢) ، إلاّ في لسان الميزان قال انه توفي سنة ٣٧١ أو ٣٧٠ ، مع ان النجاشي ولد سنة ٣٧٣ ، فيكون مولده بعد وفات الحسين ابن خالويه ولا يمكن ان يكون الحسين بن خالويه شيخاً للنجاشي.

وفي بهجة الآمال للعلياري ( ت ١٣٢٧ هـ ) : وقال شيخنا البهائي ( رحمه الله ) في حاشية النجاشي : عندي له كتاب في القراءآت ، اسمه بديع ، بخطّ قديم كوفي ، ويظهر من ذلك الكتاب وغيره أيضاً ، أنّ الرجل إماميّ المذهب ، إنتهى(٣) .

وفي الرياض : الشيخ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه النحوي ، الإماميّ الشيعيّ الهمدانيّ ، ثمّ الحلبيّ(٤) ).

وعدّه الشيخ عبّاس القمّي ( ت ١٣٥٩ هـ ) في الكنى من فضلاء الإماميّة(٥) .

____________

١ ـ منتهى المقال ٣ : ٣٧ [ ٨٦٧ ].

٢ ـ انظر : ما تقدم عن ابن النديم ، ووفات الأعيان ٢ : ١٧٩ ، ولسان الميزان ٢ : ٢٦٧ ، معجم المؤلفين ٣ : ٣١٠ ، الذريعة ٢ : ٢٣٥ ، كشف الظنون ٢ : ١٣٤٣ ، الكنى والألقاب ٣ : ١٩٧ ، وغيرها.

٣ ـ بهجة الآمال ٣ : ٢٦٦.

٤ ـ رياض العلماء ٢ : ٢٣.

٥ ـ الكنى والألقاب ١ : ٢٧٤.

٢٧٤

وفي روضات الجنّات : وقال صاحب ( مجالس المؤمنين ) ـ بعدما ذكر أنّ النجاشي عدّه من جملة فضلاء الإماميّة العارفين بالعربيّة ـ : ولذا كان صدراً في أبواب ملوك آل حمدان(١) .

وقال المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) ـ بعد أن نقل كلام النجاشي والعلاّمة ـ : ويستفاد منهما كونه إماميّاً ، ولازم عدّ العلاّمة ( رحمه الله ) إيّاه في القسم الأوّل كونه معتمداً عليه عنده ، وعدّه في الوجيزة والبلغة ممدوحاً ، فهو في أعلى مراتب الحسن ، وعدّه في الحاوي على أصله في الضعفاء.

ثمّ قال : وعن الجزء الثالث من التحصيل أنّ الحسين بن خالويه كان إماماً ، أحد أفراد الدهر في كلّ قسم من أقسام العلوم والأدب ، وكان إليه الرحلة من الآفاق ، وسكن حلب(٢) ، فكان آل حمدان يكرّمونه ، ومات بها ، انتهى(٣) .

وعلّق عليه التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) في القاموس : وأمّا ما قاله المصنّف من التحصيل فخلط ، وإنّما قال في الإقبال ـ بعد أنّ قال : إن مناجاة شعبان مروي عن ابن خالويه ، ثمّ نقل ترجمة ابن خالويه عن النجاشي ـ : وذكر محمّد بن النجار في التذييل ، وقد ذكرناه في الجزء الثالث من التحصيل ، فقال عن الحسين بن خالويه : كان إماماً أوحد أفراد الدهر ، إلى قوله : ومات بها ، قال : إنّها مناجاة أمير المؤمنين ( عليه السلام )(٤) .

وحينئذ فالمعنى : أنّ ابن طاووس ذكر في كتاب تحصيله ترجمة ابن النجّار ، الذي روى في تذييله عن ابن خالويه ، لكن الظاهر وهم الإقبال

____________

١ ـ روضات الجنّات ٣ : ١٥٠ [ ٢٦٢ ].

٢ ـ في التنقيح المطبوع على الحجر ( جبل ) وهو تصحيف.

٣ ـ تنقيح المقال ١ : ٣٢٧.

٤ ـ الإقبال لابن طاووس ٣ : ٢٩٥ ، فصل (١٠).

٢٧٥

وابن النجّار في نسبة مناجاة شعبان إلى ابن خالويه ـ هذا ـ ، فيأتي عن النجاشي أيضاً : علي بن أحمد بن يوسف بن مهجور أبو الحسن الفارسي ، المعروف بابن خالويه ، له كتاب عمل رجب وكتاب عمل شعبان(١) .

وأورده الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في طبقاته(٢) ، وقال في الذريعة : الجمل في النحو ، لابن خالويه النحوي الشيعي(٣) ، وقال السيّد الأمين ( ت ١٣٧١ هـ ) في أعيانه ـ بعد أن نقل ما ذكره ياقوت عن أبي عمرو الداني من طبقات القراء ـ : وزاد السيوطي في البغية وكان شافعيّاً ، والصواب أنّه كان شيعيّاً ، ولعلّ شافعيّاً تصحيف شيعيّاً.

ثمّ قال : وفي لسان الميزان : الحسن بن أحمد بن خالويه النحوي الهمذاني الأصل ، نزيل حلب ، قال ابن أبي طي : كان إماميّاً عالماً بالمذهب ، قال : وقد ذكر في كتاب ليس ما يدلّ على ذلك ، وقال الذهبي في تاريخه : كان صاحب سنّة ، قال ابن حجر : قلت يظهر ذلك تقرّباً لسيف الدولة ، صاحب حلب ، فإنّه كان يعتقد ذلك ، وقد قرأ عليه أبو الحسين النصيبي ـ وهو من الإماميّة ـ كتابه في الإمامة ، وله تصنيف في اللغة والفراسة ، وغيرها(٤) .

ولكنّ آخرين عدّوه من العامّة ، فقد أورد الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) في إثبات الهداة الروايات التي رواها الأربلي في كشف الغمّة عن كتاب الآل في قسم الأخبار الواردة من طرق العامّة(٥) ، وعدّ السيّد عبد العزيز الطباطبائي كتابه الآل ضمن كتب العامّة المؤلّفة في أهل البيت ( عليهم السلام )(٦) .

____________

١ ـ قاموس الرجال ٣ : ٤٤٧ [ ٢١٤٧ ].

٢ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن الرابع ) : ١٠٥.

٣ ـ الذريعة ٥ : ١٤٢ [ ٦٠٤ ] ، و ١٣ : ٢٦٤ [ ٩٧٨ ].

٤ ـ أعيان الشيعة ٥ : ٤٢٠.

٥ ـ إثباة الهداة ١ : ٦٨٦ ح ٤٢.

٦ ـ مجلّة تراثنا ، العدد (١) : ١٠.

٢٧٦

وقال الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) في الرياض : أقول : ومن مؤلّفات ابن خالويه هذا كتاب الطارقية في إعراب سورة والطارق إلى آخر القرآن ، ولكن النسخة التي منه عندنا فيها إعراب الاستعاذة والبسملة وسورة الحمد ، وبعدها من سورة الطارق إلى آخر القرآن ، ويظهر منه أنّه كان من علماء الشافعيّة ، فتأمّل ولاحظ.

ويروى فيه عن أبي سعيد الحافظ ، عن أبي بكر النيسابوري ، عن الشافعي ، وهذا دليل على أنّ ابن خالويه صاحب الطارقية غير ابن خالويه الذي نحن فيه ، لأنّه يبعد رواية ابن خالويه هذا ، عن الشافعي بواسطتين ; إذ لابدّ أن يروي بوسائط عديدة عنه ، فلاحظ ، وأظهر الأدلّة على المغايرة أنّ في هذا الطارقية ، صرّح بوجوب قول ( آمين ) آخر الحمد(١) .

ولنفس ما ذكر نسب الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) هذا الكتاب إلى أبي عبد الله الحسن الشافعي ، وقال : وليس هو من تصانيف الشيخ ابن خالويه الشيعي ، كما نسبه إليه السيوطي في ( البغية ) ، لأنّ فيه القول بوجوب ( آمين ) في آخر الحمد ، ولم يقل بذلك أحد من الشيعة(٢) .

ولكن يظهر من كلام الأفندي والطهراني ـ بعد أن رجّحا نسبة الطارقيّة إلى غير ابن خالويه ـ أنّهم يقطعون بإماميّته.

وقال التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) : هذا ، وقال النجاشي : ( كان عارفاً بمذهبنا ) ، وفي طبقات نحاة السيوطي ( قال الداني في طبقاته : عالم بالعربيّة ، حافظ للغة ، بصير بالقراءة ، ثقة مشهور ، روى عنه غير واحد من شيوخنا ـ عبد المنعم بن عبيد الله والحسن بن سليمان وغيرهما ـ وكان شافعيّاً ) ، وسكت عن مذهبه الحموي ، وهو ظاهر أيضاً في عاميّته ، وهو

____________

١ ـ رياض العلماء ٢ : ٢٥.

٢ ـ الذريعة ١٥ : ١٣١.

٢٧٧

لازم عدم ذكر الشيخ في الرجال والفهرست له ، إن لم يحمل على غفلته فيهما(١) .

وذكره السُّبكي ( ت ٧٧١ هـ ) في طبقات الشافعيّة الكبرى ، وقال : ومن الفوائد عنه ، قال ابن الصلاح : حكى في كتابه ( إعراب ثلاثين سورة ) مذهب الشافعي في البسملة ، وكونها آية من أوّل كلّ سورة ، قال : والذي صحّ عندي وإليه أذهب ، مذهب الشافعي(٢) .

ومنه يظهر ما في كلام الأفندي والطهراني السابقين من نفي نسبة الكتاب له.

وقال ابن خلكان ( ت ٦٨١ هـ ) : وله كتاب لطيف سمّاه ( الآل ) ، وذكر فيه الأئمّة الاثنى عشر ، وتواريخ مواليدهم ووفياتهم وأُمّهاتهم ، والذي دعاه إلى ذكرهم ، أنّه قال في جملة أقسام الآل : ( وآل محمّد بنو هاشم )(٣) .

ومن كلامه الأخير يفهم أنّه يعتقد بعامّيته أيضاً.

كتاب الآل :

سمّاه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) ( كتاب الأوّل ) ، وقال : ومقتضاه ذكر إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، حدّثنا بذلك القاضي أبو الحسن النصيبي ، قال : قرأته عليه بحلب(٤) .

وفي معالم ابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) : له كتاب الآل(٥) . والظاهر أنّه مراد العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) من قوله : وله كتب ، منها كتاب إمامة أمير

____________

١ ـ قاموس الرجال ٣ : ٤٤٧.

٢ ـ طبقات الشافعيّة الكبرى ٢ : ١٩٩ [ ١٧٤ ].

٣ ـ وفيات الأعيان ٢ : ١٥٣ [ ١٩٤ [

٤ ـ رجال النجاشي : ٦٧ [ ١٦١ ].

٥ ـ معالم العلماء : ٤١ [ ٢٦٦ ].

٢٧٨

المؤمنين(١) . وكأنّه مأخوذ من قول النجاشي.

وقد نقل منه الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) في كشف الغمّة ، كما أوردنا عنه ما نقله بخصوص حديث الثقلين.

وقال الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : وينقل عن كتاب الآل هذا ، مير محمّد أشرف في فضائل السادات ، الذي ألّفه سنة ١١٠٣ ، فيظهر وجوده عنده(٢) .

وقد نسبه إليه ـ أيضاً ـ الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) في الرياض ، والخوانساري ( ت ١٣١٣ هـ ) في الروضات ، والسيوطي ( ت ٩١١ هـ ) في البغية ، وغيرهم ، وقد مرّ كلام ابن خلكان آنفاً ، فلا خلاف في نسبة الكتاب إليه عند الكلّ.

____________

١ ـ خلاصة الأقوال : ١٢٠ [ ٣٠١ ] ، وانظر : كشف الأستار ١ : ٣٥٦ [ ٤٦٢ ] ، مجلّة تراثنا العدد (١) : ١٠.

٢ ـ الذريعة ١ : ٣٨ [ ١٠٨ ].

٢٧٩
٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

النفس والاجتماع.

4 - أن الكمالات التي يسعى الإنسان إلى تحصيلها لا تقتصر على كمالات عالم الدنيا، بل هي كمالات في عوالم لاحقة لهذه الدنيا؛ فهناك عوالم آتية فيها كمالات و دركات ومفاسد، وأعمال الإنسان في هذه الدنيا تهيئ الأرضية لنيل المكانة في تلك العوالم وهذا هو معنى المعاد.

فالنتيجة: أن هذا السير يقتضي وجود الهادي والمعصوم الذي يسير بالأمة نحو المعاد الحقيقي وإحراز الكمالات العالية في العوالم اللاحقة، وهذه المقدمات تثبت ضرورة تحلِّي الإمام الهادي بـ:

أ - الهداية الإيصالية، وأن يكون له تصرُّف في النفوس تصرفاُ غير إلجائي؛ أي تتكامل النفوس باختيار الإنسان.

ب - الهداية الإرائية التفصيلية.

ج - الزعامة الاعتبارية في الإنسان المجموعي، وهو المجتمع.

فهذا الدليل يثبت ضرورة الإمامة حسب تعريف العلاّمة مع التكملة التي أضفناها.

كذلك يبيِّن الدليل الارتباط بين المعاد ومعرفة الإمام، ومن هنا نفهم قوله تعالى: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) . فالدعوة والحشر والمعاد يكون بتوسُّط الإمام؛ لأنه هو الهادي لهم نحو الكمالات التي تظهر في العوالم اللاحقة، والآثار التي تظهر في المعاد إنما هي بتوسط الإمام حيث يكون مرتبطاً بالغيب، ويعلم بلوازم الأفعال الدنيوية وحقائقها وما يضر وما ينفع.

ومن الأدلة النقلية التي تؤيد هذا الدليل، وما هو دور الإمام في المعاد،

٣٠١

قوله تعالى: ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (1) ، وهذه الآية سوف نفرد لها بحثاً مستقلاً في المقام الثالث، إلاّ أنّا نريد أن نشير إلى أن الآية تنص على أن المؤمنين - وهم الأئمة كما في العديد من الروايات - يشاهدون حقائق أعمال العباد في الدنيا، وهذا الاطلاع اطلاع ملكوتي.

وفي روايات أخرى تشير إلى أن الأعمال إذا أُريد أن تصعد إلى السماء والعرش، فإن الصاعد بها هو الإمام، وروايات تشير إلى أن دور الإمام يكون عند قبض الروح وفي البرزخ وعقبات الانتقال من عالم إلى عالم، وروايات تشير إلى أن الإمام يُنصب له عمود من نور على كل مدينة فيطَّلع على أعمال العباد.

وفي تفسير ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ ) (2) يشير العلاّمة إلى أنه على الأعراف رجال مشرِفون على الناس من الأولين والآخرين يشاهدون كل ذي نفس منهم في مقامه الخاص به على اختلاف مقاماتهم ودرجاتهم ودركاتهم (3) .

تقييم الدليل الثالث:

إن هذا الدليل يثبت مقام الهداية الإيصالية والإرائية والزعامة والرئاسة التي ذكرها المتكلمون.

الدليل الرابع: معرفة النفس

ويعتمد على مقدمات:

1 - أنه من الثابت روائياً وعقلياً أن معرفة النفس من أشرف الطرق للمعرفة الربوبية؛ وذلك لأنه طريق برهاني يؤول إلى العيان الحضوري بناء على (مَن عرف

____________________

(1) التوبة 9: 105.

(2) الأعراف: 46.

(3) الميزان 8: 132.

٣٠٢

نفسه فقد عرف ربه) (أعرفكم بربه أعرفكم بنفسه).

2 - قد بيَّنَّا في زاوية التعريف العقلي لـ (ما الحقيقية) شئون النفس والرسول الباطن ودور العقل العملي والقلب، وأشرنا إلى صفات عشر لدور العقل العملي وآثار القلب وسائر القوى.

3 - بمقتضى المطابقة بين الإنسان الصغير والكبير، وأن المقصود من معرفة الرب ليس معرفة الذات الأزلية، بل معرفة أفعال الذات وعالم الخلقة الذي هو عالم ربوبية الباري للخلق، والرب هو عنوان من الصفات الفعلية للباري عزَّ وجل، بل وبمقتضى المطابقة بين الإنسان الكبير والمجموعي؛ أي المجتمع، وهو وأن كان اعتبارياً إلاّ أن هذا الاعتبار ليس ناشئاً من لا شي‏ء، بل الاعتبار - كما أشرنا إليه - يقتنص وينتزع من التكوين، وقد مثلنا أن قوى الإنسان الصغير كلها تتمثَّل في المجتمع؛ فالجيش يمثِّل القوة الغضبية، ووزارات الترفيه تمثِّل القوة الشهوية، والقوى المقنِّنة تمثِّل العقل النظري، والقوة القضائية تمثِّل الوجدان والضمير وحسب تعبير القرآن: ( النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) ؛ فهذه هي المطابقة بين الإنسان الكبير والصغير والمجموعي.

وبمقتضى هذه المقدمات إذا كان في الإنسان الصغير توجد إمامة ذات هداية إيصالية إرائية، فنستكشف وجود ذلك في الإنسان الكبير والمجموعي، وهو دور الإمامة في المجتمع، وما ذكرنا في كيفية تصرف العقل العملي في بقية القوى ينطبق على الإمام في الإنسان المجموعي.

الدليل الخامس: برهان العناية

وهو برهان العناية، وقد تعرَّضنا له في الفصل الأول إلاّ أنّا نعيده هنا ملخَّصاً:

وهو علم الباري بالنظام الوجودي الأحسن، وعلى أكمل ما يكون عليه، وهذا

٣٠٣

العلم مستلزم لإفاضة الوجود الإمكاني الخَلقي على أحسن ما يمكن أن يكون عليه ولو بنحو الترتيب أو التدريج في العوالم كي تستقصي كل الكمالات في عالم الإمكان (وهذا التعريف مأخوذ من مدرسة الإشراق والحكمة المتعالية).

وقد أشرنا إلى أن قاعدة العناية الفلسفية هي بعينها قاعدة اللطف لدى المتكلمين؛ حيث إن الأخيرة تعني أن كل فعل موجب لقرب المكلَّف من كماله المنشود، فإن الباري يحسن ويلطف تهيئته وإيجاده ويقبح عدم إيجاده، فمن حيث اللب القاعدتان تعبِّران عن مفهوم واحد وأمر واحد، إلاّ أن الفلاسفة في منهجهم يعتمدون على العقل النظري في إثبات القاعدة. أمَّا المتكلمون، فيعتمدون على العقل العملي في إثبات القاعدة.

* أن أعلام الإمامية، واستناداً إلى الروايات المختلفة، ذهبوا إلى أن موقع الإمام في الإنسان المجموعي (موقع الرئاسة والزعامة) هو لطف؛ فلذا يحسن عن اللَّه نصبه وتعيينه. واللطف هو أكمل ما يمكن أن يكون عليه الوجود، فإذا كان أكمل ما يمكن أن يكون عليه الإنسان المجموعي هو بوجود الإمام، فبمقتضى قاعدة العناية يجب عن الحق تعالى إيجاده.

* أن الحفظ للدين و تدبير الدنيا يستلزمان أن تتوفَّر في الإمام الهداية الإيصالية والإرائية التفصيلية؛ وذلك أن الإمام لا يكون حافظاً للدين إلاّ إذا أمّنت جنبة المقام الغيبي، ويكون على اتصال بالغيب، فلا تصدر منه زلة علمية في تبيان مدارج الأحكام الشرعية، وأيضاً لأن الغاية هو تكامل الأفراد إلى الكمالات المنشودة، وهو نوع من الهداية الإيصالية.

تقييم الدليل الخامس:

إن المتكلمين اقتصروا في إثبات الإمامة في الإنسان المجموعي على قاعدة اللطف، ولم يتناولوا جانب الهداية الإيصالية مع أنها لطف أيضاً، وقد قمنا بتوسعة

٣٠٤

الدليل ليشمل هذا الجانب أيضاً؛ حيث إن العناية صفة من صفات الباري وأنه لطيف خبير ( إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) .

ملاحظة عامة:

إلى هنا نلاحظ الارتباط بين الإمامة وبقية أصول الدين؛ ففي الدليل الأول بيَّنَّا كيف الارتباط بين الإمامة والنبوة، وفي الدليل الثاني بيَّنَّا الارتباط بين الإمامة وفطرة التوحيد، وأن بوابة التوحيد هو الإمامة، وفي الدليل الثالث بيَّنَّا الارتباط بين الإمامة والمعاد ودور الإمام في عوالم ما بعد نشأة الدنيا، وفي الدليل الرابع انتقلنا من معرفة النفس إلى الإمامة، وفي الدليل الخامس ننتقل من صفات الباري وإنها تستلزم الإمامة.

وبتعبير آخر: أن هذه الأدلة ليست أدلة خطابية، بل هي برهانية عرفانية في آن واحد؛ أي أن إدراكها يحتاج إلى مقدمات فكرية من المعاني الحصولية، وإلى ذائقة قلبية كي يدرك كنه تلك الأدلة الخمسة؛ ففيها مطالب علمية ممتزجة من العلم الحصولي والعلم الحضوري، والنكتة التي أردنا الإشارة إليها أن هذه الأدلة الخمسة اللمية تدلِّل على أن أصول الدين تقود إلى الإمامة.

الدليل السادس: الأدلة الإنْيَّة

وهو من الأدلة الإنْيَّة التي اعتمدها المتكلمون والتي تنطلق من احتياج الكل إليه وغناؤه عن الكل دليل على إمامته، وعبَّر البعض عنه: أنه اجتمعت فيهم من الفضائل كلها، فهم أحق بالأمر بحكم العقل العملي، وبتعبير ثالث: أنهم‏ عليهم‌السلام ‏المشار إليهم بأشخاصهم وأسمائهم بحسب الجرد التاريخي، وباعتراف كل الفِرق والمِلل قد فاقوا نوابغ كل صفة في كمال تلك الصفة.

٣٠٥

تفصيل ذلك:

* أن التاريخ يذكر أنهم قد وضعوا الحلول الناجعة لكثير من المعضلات الفكرية التي ابتليت بها الأمة الإسلامية؛ كما في إشكالية صفات الباري حيث قالوا: (لا تعطيل ولا تشبيه وإنما أمر بين أمرين)، فلا يجوز تعطيل الصفات والقول أننا لا ندرك شيئاً من صفاته تعالى، كما لا يجوز التشبيه والقول أننا ندركه كما ندرك المحسوسات، وكذا نفي التجسيم ولوازمه عن ذات الباري، فقد كانت الأذهان عالقة بهذا الوهم. ونفي الجبر والتفويض وإثبات الاختيار في الأفعال.

وهكذا في معالجتهم للمشاكل الفكرية التي انتقلت إلى الأمة الإسلامية من الحضارات الأخرى، فتراهم يجعلون لها الحلول بنحوٍ لا يصطدم مع الإسلام وضرورياته، وموارد هذا شتى من التوحيد وصفات الحق تعالى، والعدل والمعاد والقضاء والقدر وما ورد من الشبهات حول نبوة الأنبياء عليهم‌السلام ، وبقول ابن أبي الحديد في ذيل إحدى الخطب: (لم تنتشر المعارف الإلهية من غير هذا الرجل، ولم يكن في الصحابة من تصوُّر أو صور شيئاً طفيفاً من المعارف)، ونضيف على مقولته تلك: أن عباراتهم وحلولهم وحكمهم ظلت حتى يومنا هذا مدار بحث وتشييد؛ لأنها تفوق ما توصل إليه السابقون من الفلسفة اليونانية ويستنير بهديها المتأخرون من الفلاسفة.

* المرحوم الشاه أبادي يذكر: أنه في الصحيفة السجادية لفتات وحلول لمعضلات في عالم المعنى والعرفان، بنحو لم يكن مطروحاً في العرفان الهندي الذي هو من أقوى وأقدم المدارس العرفانية لدى البشرية، ويشير إلى أنه في الأدعية الأولى بحوث عديدة وغريبة ودقيقة في السير والسلوك أو في مقامات الهادي أو مقامات الخلقة والتكامل الإنساني، ويعبّر عن أدعيتهم عليهم‌السلام أنها بمثابة القرآن الصاعد لِمَا تحتويه من أسرار المعرف الإلهية.

٣٠٦

فمثلاً المتقدمون يجعلون الظاهر في قبال الباطن والأول في قبال الآخر، بينما الإمام عليه‌السلام جعل الذات المقدسة هو الظاهر والباطن والأول والآخر، (فهو وحدة واحدة؛ يستوي فيها الظاهر والباطن والأول والآخر)، وفي كتاب التوحيد في ما ذكره الإمام الصادق عليه‌السلام ‏تبيان لكيفية الدلالة على ذلك.

* أن خضوعهم وعبوديتهم المطلقة للَّه عزَّ وجلَّ لا تجد لها مثيلاً عند مَن عاصرهم أو تأخر عنهم.

* أن معجزة السماء الخالدة القرآن الكريم لم ولن يوجد في الساحة الإسلامية ترجمان له - بحيث يثبت للبشرية أن القران الكريم يغطي كل احتياجاتها، وأن كل تساؤل يطرح على وجه الأرض لم يتمكن أحد من الإجابة عليه - سوى الإمام، ممَّا يوضح وجود رابطة بينهم وبين القران، وهو ما سوف نثبته في المرحلة الثالثة في فقه الآيات.

* يضاف إلى تلك الأدلة مقدمة مشتركة لا بد منها؛ وذلك لأن الاقتصار عليها يثبت أن الأئمة هم أليق الناس وأفضلهم لإدارة شؤون الأمة، لكن لا يثبت بها وجود مقامات أخرى، في حين أننا يمكن أن نستفيد من تلك الأدلة لِمَا هو أوسع من ذلك بإضافة هذه المقدمة، وحاصلها:

أن توافر هذه الصفات بهذا النحو في هؤلاء الاثنى عشر إمَّا أن يكون من باب الصدفة والاتفاق أو يكون بسبب

وعلَّة.

أمَّا الأول، فباطل؛ وذلك لأن القول به هو نفي لوجود اللَّه، وذلك لأن الطفرة هي صدور شي‏ء من شي‏ء من دون سبب وعلَّة، والاتفاق عبارة أخرى عن نفي السببية، وأن حيازة هؤلاء على الريادة في الصفات الكمالية - إن كان اتفاقاً - يعني أن يد اللَّه مغلولة، وأنه ترك الخلق كما خلقهم من دون هدايتهم والاتصال بهم. فيبقى الثاني وأن وجود تلك الصفات فيهم لم يكن من باب الصدفة والاتفاق،

٣٠٧

بل إن هذا يدل على عناية إلهية وإفاضة ربانية جعلت هؤلاء متَّصفين بتلك الصفات طيلة تلك السنين المتعاقبة والتي شهدت منافسين عدة حاولوا النيل منهم بشتى الطرق والوسائل، فتوجد في البين إفاضة ربانية للكمالات العلمية والعملية، وإن الوراثة بينهم ليست وراثة نسبية، بل وراثة نورية تكوينية جعلت تلك الحقيقة الغيبية مستمرة فيهم.

وبهذه المقدمة تكون تلك الأدلة الإنْيَّة مثبتة للمقام الغيبي الذي نتوخَّاه في الإمامة والذي يكون به عِدل النبوة وسفارة إلهية.

٣٠٨

المبحث الثالث:

الإمامة في القران الكريم

إن الهدف الذي نتوخَّاه من هذه الدراسة هو فهم حقيقة الإمامة ودورها في عالم الغيب بعد أن استوفى الباحثون حقيقتها في عالم الشهادة، ونعتمد في ذلك على الآيات الكريمة التي تحمل معانٍ نورانية لنستوحي منها معاني تلك القناة المعصومة المرتبطة بالغيب.

وهاهنا ملاحظة مهمة: أنه يجب الالتفات إلى أن القرآن الكريم قد صدر من الحكيم العالم بخفايا الأمور والعارف بأساليب اللغة ومفرداتها، فالألفاظ المستخدمة في القرآن ليست قوالب لفظية شعرية وأدبية بغرض إبراز الجمال الأدبي، بل إن وراء استخدام ألفاظ دون أخرى أو صياغات معينة دون غيرها غاية وهدف ومعنى يرمي إليه القران، وعدم فهم كلام الباري بهذا النحو يكون ابتذالاً وتوهيناً للمعاني القرآنية، وتزييفاً لمعارفه، ومخالفاً لقوله تعالى: ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) ؛ فليس المراد أن القرآن فيه تبيان للحقائق التشريعية فقط، بل إن القرآن فيه بيان للحقائق التكوينية أيضاً كما يظهر من كثير من الآيات التي تذكر خلق العالم وسنن التكوين، وإن هذا القران الحامل لسبعين بطناً لا يجوز لنا أن نقف أمام ظاهره فقط، بل يجب الغوص في حقائق معانيه وما تحمله الألفاظ من معارف، بل نجد أن البعض يقدِّس القرآن ويسلّم بعظمته، لكن عندما نلاحظ فهمه لآياته نجده يبتذل

٣٠٩

معانيه ويقف عند حاق اللفظ والظاهر فقط جاهلا أن الألفاظ ليست هي الهدف والغاية، بل هي قنطرة للوصول إلى المعنى المراد، فيجب تجاوز منطق الأدب وعلومه، فتنفتح أمام الإنسان حينئذ تلك المعاني العالية الدقيقة التي تحتاج إلى موازين العقل والمنطق. وهذه نقطة نفترق بها عن العامة الذين حجبوا عن أعينهم تلك الأمور.

وقد قسَّمنا الآيات التي تتحدث عن الإمامة إلى طوائف عدة نتناولها بالتفصيل:

الطائفة الأولى: آيات استخلاف آدم

من الوقائع القرآنية العجيبة التي يحكي بها الحق تعالى بدء الخلقة وكيفية خلق آدم‏ عليه‌السلام ‏وأمر الملائكة بالسجود إليه، وهي من الآيات التي تحمل معانٍ كبيرة تدلِّلنا على موقع الإمامة في الوجود الإمكاني، ويمكن القول أنها تمثِّل البوابة لهذا البحث، والعلامة الأم لهذا الموقع الإلهي. وقد تكرَّر ذكر هذه الواقعة أو مقاطع منها في مواضع كثيرة من القرآن في السور التالية:

1 - سورة البقرة 2: 30

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ

٣١٠

وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

وهذه السورة تحوي جميع مقاطع الواقعة منذ إخبار اللَّه الملائكة بخلق آدم وحتى هبوطه إلى الأرض.

2 - سورة الكهف: 50

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) .

3 - سورة الحجر: 28

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

4 - سورة الإسراء: 61

( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ) .

5 - سورة طه: 115

( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَّيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ... ) .

٣١١

6 - سورة الأعراف:11 - 25

( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكِةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ... )

7 - سورة ص: 71 - 75

( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ... )

وقبل الاستعراض التفصيلي لهذه الطائفة نذكر عدة ملاحظات:

1 - إن هذه الواقعة العجيبة التي يذكرها اللَّه جلّ وعلا لعباده تحتوي على معانٍ جليلة وعظيمة وتستحق وقفة مطولة.

2 - إن ست سور من التي وردت فيها القصة مكِّية، وسورة واحدة مدنية؛ وهي البقرة.

3 - إن العنصر المشترك المتكرر في كل هذه الموارد السبعة هو أمر الملائكة بالسجود لآدم وامتناع إبليس عن ذلك.

4 - تمتاز سورة البقرة بورود نص الاستخلاف فيها ومناقشة الملائكة فيه، وهذا لم يتكرَّر في الموارد الأخرى.

5 - قد رتَّبنا السور المكِّية التي ورد فيها هذه القصة حسب النزول.

وسوف تكون دراسة هذه الحادثة في مقامات أربع:

أولاً: دراسة الألفاظ الواردة فيها

نبدأ بدراسة الواقعة كما وردت في سورة البقرة والتدقيق في المعاني الواردة فيها:

* الملائكة: وهو وإن كان جمع معرَّف باللام ويفيد العموم، أي جميع الملائكة، إلاّ أن بعض الروايات تشير إلى أنهم قسم من الملائكة، لا أقل أنهم من نمط جبرئيل

٣١٢

وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، لكن إدخال عنصر غيب السماوات والأرض يدل على أن الملائكة في الواقعة لم يكونوا صنفاً خاصاً منهم، بل عموم الملائكة؛ إذ أن ما غاب عنهم هو خافٍ على كل السماوات والأرض. كما أن الخطاب للملائكة بإخبارهم عن جعلٍ عام، وهو جعل الخليفة، ولم يخصص بآدم.

* في الأرض: وفيه احتمالات ثلاث:

أ - أن تكون متعلقة بـ(خليفة).

ب - أن تكون متعلقة بالضمير المستتر في (خليفة) لأنها مشتق.

جـ - أن تكون متعلقة (جاعل).

فعلى الاحتمال الأول يكون المعنى أن الخليفة مقيَّد في الأرض، فدائرة الخلافة تكون محدَّدة حينئذ بالأرض.

وعلى الاحتمال الثاني تكون دائرة الخلافة مطلقة غير محددة، والمستخلَف مقيَّد بكونه أرضياً، فهو إنسان أرضي دائرة خلافته مطلقة غير محددة فتشمل كل عالم الخلقة.

وعلى الاحتمال الثالث فحيث أن (جاعل) تتعدى إلى مفعولين؛ الأول (في الأرض) والثاني (خليفة)، فيكون المعنى إخباراً من اللَّه عزَّ وجلَّ أن الذي هو في الأرض قد جعلته خليفة على نحو (جعلت الآجر بيتا).

أمَّا الاحتمال الأول، فهو بعيد؛ حيث إن من البعيد جداً تقيُّد الخلافة في الأرض، وذلك لمجموعة من القرائن نستوحيها من الآية نفسها:

أ - أن العلم الذي يمتلكه هذا الخليفة علم خاص يفوق علم الملائكة؛ إذ أنه علم محيط بكل الأشياء حتى التي لا ترتبط بالواقع الأرضي كما سوف نتبين ذلك لاحقاً، فلو كانت خلافته محددة بالأرض فما هو الحاجة لهذا العلم؟ ثُم ما هو الداعي لإظهار تفوُّق علمه على علم الملائكة؟ بخلاف ما إذا كانت دائرة الاستخلاف

٣١٣

غير محددة بالأرض.

ب - أن إسجاد الملائكة لآدم يدل على الهيمنة التكوينية للمطاع بإذن اللَّه، وهذه الطاعة وتلك الهيمنة إنما هي وليدة العلم؛ بحيث أن الملائكة تستقي علومها منه كما سوف يأتي التدليل عليه، ومعلوم أن شؤون الملائكة ليست منحصرة بالأرض، بل بكل عالم الخلقة، فهذا يدل على أن دائرة الخلافة غير مقيدة بالأرض، بل هي تشمل كل عالم الخلقة غايتها هذا الموجود كينونة بدنه هي في الأرض.

وقد يُستَشكَل أنه لو كانت خلافته عامة لكل عالم الإمكان فكيف يجعل متأخراً عن الملائكة؛ أي كيف تتأخر خلقته عنهم؟

والجواب: أن خلقته غير متأخرة عنهم وإنما المتأخر هو وجوده الأرضي. أمَّا أصل الخلقة، فإنها لم تتأخر عنهم كما سيتضح ذلك لاحقاً.

جـ - استنكار الملائكة وتساؤلهم لم يكن دائراً حول دائرة الاستخلاف، بل حول الموجود الأرضي، فهي فهمت أن هناك ذاتاً في الأرض سوف تكون هي الخليفة، فجاء الاستنكار. وبعبارة أخرى: أن مقتضى كلامهم ( أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ... ) هو تعلق ( في الأرض ) بالجعل.

د - أن مقتضى تقدم الجار والمجرور على لفظة الخليفة، مع صلاحية تعلُّقه بالعامل المتقدم، يعيِّن تعلقه به، وخلاف ذلك يحتاج إلى قرينة.

* أمَّا بالنسبة إلى (جاعل)، فإنها تأتي بمعنيين؛ أحدهما بمعنى موجِد، وهو يتعدى إلى معمول واحد، والأخر يعني الصيرورة، وهو يتعدى إلى معمولين، والأقرب أن يكون الوارد هنا الثاني، ومعمولاه هما: (في الأرض) و(خليفة)، وهذا يؤدي نفس المعنى الذي نتوخاه؛ وهو عدم تقييد وتحديد دائرة الخلافة في الأرض.

إن أصل المعمولين مبتدأ وخبر، فلو قدَّرنا المبتدأ (خليفة) والخبر (في الأرض)، فمقتضاه أنه ليس في صدد جعل الاستخلاف، بل هو أمر مفروغ منه، وإنما هو في

٣١٤

صدد الإخبار عن الجعل الأرضي لهذا الخليفة. أمَّا لو كان العكس، فإنه يعني أن كونه في الأرض أمر مفروغ منه والجعل والإخبار عن الاستخلاف. والأول أنسب؛ وذلك لأن مسائلة الملائكة هو عن كينونته في الأرض، وعن هذا القيد الذي يظهر أنه مجهول بالنسبة إليهم.

ويحتمل أن يكون الجعل بمعنى الإيجاد فيأخذ معمولاً واحداً هو (في الأرض) وخليفة صفة له، وقد يُعترض عليه أن هذا التركيب يشبه قولك: إني جاعل في البيت مسئولاً أو إني جاعل في المؤسسة مديراً وهذا تقيد للمسؤولية والإدارة؟ والجواب: أن هنا مناسبة بين المؤسسة والإدارة والبيت والمسؤولية في حين أنها مفقودة بين الأرض والاستخلاف، كما أن القرائن التي ذكرناها سابقاً من التعليم وإلاسجاد وما يأتي من تعليم الأسماء كلِّها، تؤكد على أن الاستخلاف دائرته أوسع من الأرض، ثُم إن هذا الجعل - مضافاً إلى ظهوره في الإطلاق الزماني والتأبيد ما دام الموجود الأرضي - يبطل اعتراض الملائكة الذي يكفي في وجاهته صدقه ولو لبرهة وفترة يسيرة؛ فالتخطئة لهذا الاعتراض لابد أن تكون بنحو النفي والسلب المطلق له، وذلك بدوام وجود الخليفة ذي العلم اللَّدُني ما دام الخلق البشري على الأرض.

* خليفة : والاستخلاف الوارد في القرآن على نحوين؛ الأول: استخلاف عام لنوع البشر؛ والهدف منه إعمار الأرض والعالم الكوني، والثاني: استخلاف خاص، وهو خلافة الاصطفاء، وهي المقصودة هنا؛ وذلك لأن الحق تعالى قد ربط هذا الاستخلاف بالعلم اللدني المحيط، ومثل هذا العلم ليس لدى نوع البشر، بل لدى فئة خاصة منتخبة من البشر، ولكن هذا لا يعني الاختصاص بآدم، بل قد يعمُّ فئة من بني البشر، نعم، هو لا يعم كل البشر.

والفارق بين الاستخلاف والنيابة والوكالة، أن هذه العناوين تقتضي وجود

٣١٥

طرفين أحدهما يتولَّى عن الآخر الفعل والعمل إلاّ أن دائرة التولي إذا كانت محدودة، فتسمّى وكالة، ويتبع ذلك ضيق صلاحيات الطرف، وإذا اتسعت تسمّى نيابة وتزداد صلاحيات الطرف، وإذا اتسعت أكثر تسمى ولاية، وإذا ازداد اتساعها تسمّى خلافة؛ وهي قيام شخص مقام آخر، فيقال: خلف فلان فلانا، أي حلَّ محلَّه. غاية الأمر أنه في عالم الممكنات تكون بدلاً عن فقد، أي بعد فقد المستخلَف في ذلك المقام. أمّا عندما تكون الخلافة عن الواجب، فلا تكون عن فقد، بل بنحو الطولية. فاللَّه مالك الملك في السماوات والأرض، فهو يملك ويُقْدِر الملائكة على شي‏ء، وليس هو فاقد للقدرة، بل في عين تملُّكهم وإقدارهم يكون مالكاً وقادرا، فهذا الاستخلاف ليس هو التفويض الباطل، بل هو إقدار وتمكين من دون تجافٍ وفقد.

فالمستخلِف هو اللَّه عزَّ وجل، والخليفة يكون هو الرابطة التكوينية بين الذات الأزلية ومورد الاستخلاف، نظير الأفعال الاختيارية التي يقدم بها الفاعل المختار المخلوق فإنها إقدارٌ وتمكينٌ من مالك الملوك واستخلافٌ فيها من دون عزلة ولا انحسار لقدرة واجب الوجود.

وأخيراً فإن عنوان الخليفة غير عنوان النبوة والرسالة، بل يكون أهم شأناً منها؛ لأنه يقوم مقام اللَّه ويخلف اللَّه بخلاف العنوانين.

* ( قال: إني أعلم ما لا تعلمون ) .

إن اعتراض الملائكة يدل على أنهم تصوَّروا أن الهدف من إيجاد آدم هو إعمار الأرض، ولكن الآية تبيِّن خطأهم في فهمهم، ومحط اعتراض الملائكة أن مَن يصدر منه الإفساد وسفك الدماء، أي مَن يصدر منه الزلل والخطأ لا يتساوى مع مَن يكون معصوماً عن الخطأ، فهم أحق بخلافته من هذا الموجود. وكان الجواب: أن هذا الاعتراض منشؤه الجهل؛ حيث إن العصمة العملية ليست هي فقط العاصمة عن الزلل، بل المهم هو العصمة العلمية التي تكون عاصمة حينئذ عن الزلل العملي

٣١٦

أيضاً، فالجهل العلمي هو الذي يسبب الوقوع في الأخطاء والزلل، ومن هذه الآية نعرف السر في حثِّ القرآن على طلب العلم واستخدام العقل؛ حيث غن التقدّس والتعبد غير مانع وعاصم من الوقوع في الخطأ، بل العلم التام والصحيح هو العاصم الأتم. وبذلك يمكننا القول أن سؤال الملائكة ليس اعتراضا؛ فهم مسلمون للَّه وخاضعون له إلاّ أنه سؤال استفهامي ناتج عن عدم إحاطتهم بكل شي‏ء، فتصوَّروا أنهم أكثر أهلية لهذا المقام.

* الأسماء: وهو جمع محلَّى باللام مفيد للعموم، والكلام في المراد من هذه الأسماء؛ فذهب البعض إلى أنها المعاني المختلفة، وبعض إلى أنها أسماء المعاني كلِّها، ولكن التدبر في الآيات الشريفة لا يساعد على الاقتصار على أيٍ منها؛ وذلك:

ـ أن العلم بهذه الأسماء أوجد امتيازاً لآدم على الملائكة وبه استحق الاستخلاف، وإذا كان هو ما ذكروه من المعلومات الحصولية فإن آدم بتعليمه للملائكة يصبحون في مستوى واحد، بل قد يكون تدبر اللاحق أشرف من السابق، وعليه لا موجب لاستحقاق الأفضلية لآدم على الملائكة.

ـ أن الأسماء لو كانت هي اللغات وأسماء هذه المعاني المتداولة، فإن الحاجة إليها إنما هو لانتقال المعاني والمرادات بين الناس، والملائكة ذات كمال أعلى وأشرف من ذلك، فإنها تطَّلع على النوايا من دون حاجة إلى الألفاظ، فأي كمال تحصل عليه الملائكة في إنبائها بهذه الأسماء؟!

ـ أن هذه الأسماء أرفع من أن تصل إليها الملائكة مع تنوُّع شؤونها ووظائفها؛ حيث أنها جاهلة بها، خصوصاً أن الملائكة كانت عالمة بشؤون الأرض، ولذا سألت عن هذا الموجود الأرضي، فلا يخفى عليها شأن من شؤون الأرض، فلا بد أن تكون هذه الأسماء غير أرضية.

٣١٧

ـ في الآية اللاحقة عندما عرض اللَّه (جلَّ وعلا) المسمَّيات أو الأسماء على الملائكة أشار إليها باسم الإشارة (هؤلاء) وهو يستخدم للعاقل الحي الحاضر، ولا يقال للمعدوم ولا للجماد،وكذا استعمل ضمير الجمع للعاقل (هم) في جملة (عرضهم) وفي جملة ( أنبأهم بأسمائهم، فلمَّا أنبأهم بأسمائهم ).

ـ أن تميُّز آدم عن الملائكة ظل حتى بعد إنباء الملائكة بهذه الأسماء أو بأسماء الأسماء.

ـ أن آدم لم يُعلم الملائكة بهذه الأسماء، بل أنبأهم، والإنباء غير التعليم؛ إذ أن التعليم هو العيان الحضوري، أمَّا الأنباء، فهو إخبار بالعلم الحصولي.

ـ التعبير عن هذه الأسماء أنها ( غيب السماوات والأرض ) ، فالإضافة هنا لامية وليست تبعيضية؛ أي غيب للسماوات والأرض لا أنه غيب من السماوات والأرض، أي ما وراء السماوات والأرض وأنها كانت غائبة عن الملائكة، بل خارجة عن محيط الكون.

وهذه القرائن والشواهد تدل على حقيقة واحدة:

أن هذه الأسماء لمسمَّيات ووجودات شاعرة حية عاقلة عالمة أرفع مرتبة وأشرف وجوداً من الملائكة، بل هي أشرف من آدم، لأنه بالعلم بها استحق الخلافة، فهي أشرف مقام في الخليقة.

* العلم: أن العلم الذي تعلمه آدم من قبل الحق تعالى لم يكن بالتعليم الكسبي الحصولي إنما هو بالعلم الحضوري، وهو نوع من الارتباط والرقي للروح إلى عوالم عالية حيث ترتبط الروح بتلك العوالم العلوية عياناً وحضورا، والحديث هنا ليس في مقام الرسالة والنبوة، بل في مقام الخلافة وخليفة اللَّه.

إذن فالعلم المذكور هنا هو خارج حد الملائكة؛ لذا نفي التعليم عنهم حتى بعد إنباء آدم يدل على أن هذا المقام هو غير مقام النبوة، بل هو مقام الإمامة والخلافة، كما

٣١٨

ترتَّب عليه إطواع وإتباع الملائكة له.

ثم أن هذا التعليم لآدم كان قبل دخوله الجنة وقبل نزوله للأرض كما يتَّفق عليه المفسِّرون؛ أي قبل أن يكون مقام النبوة لأدم. وقد يقال: إن إنبائه للملائكة يدل على كونه نبياً لهم، لكن هذا ليس من قبيل النبوة الاصطلاحية للأرض حيث التكليف والعمل، وإنما الإنباء هاهنا من قبيل التعليم اللدني الذي هو فوق مقام الملائكة.

ويذهب البعض إلى القول أن الخلافة التي جعلت عنواناً لهذا الموجود هي خلافة عن النسناس الأرضي، وهذا خطأ فاحش، بل بقرينة الإنباء المزبور هو مقام خلافة اللَّه عزَّ وجل، أي بمعنى الإقدار من قبله عزَّ وجل.

وممَّا يدلل على أن العلم الوارد ليس علم النبوة والرسالة أن في هذا العلم لا يحتمل واسطة ملائكية بين اللَّه وبين آدم بينما في علم النبوة يحتمل واسطة ملائكية ويمكن وقوعها.

فهذه القرائن تدل على أن هذا العلم الذي تعلمه آدم نحو من العلم الحضوري الخاص، وأنه استحق به مقام الولاية والرتبة التكوينية، وهو فوق مقام النبوة والرسالة.

* ( إن كنتم صادقين ) .

إن القرآن في حديثه عن الصدق يذكر له مراتب من مقام الصدِّيقين والصدِّيق، وهذه المراتب ليس في قبالها الكذب الاصطلاحي، بل هي مراتب اشتدادية في نفس الصدق، وقد أشرنا قبل إلى قوله تعالى: ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) حيث ذكرنا أن اللَّه أصدق من سيد الكائنات، وهذا لا يعني أنه كاذب - والعياذ باللَّه - فالأصدق دوام كلامه وسعته أكثر من الآخر، والأمر الذي نريد التأكيد عليه أن مراتب الصدق لا يقابلها الكذب فالآية لا تدل على كذب الملائكة، بل تشير إلى عدم واقعية ما

٣١٩

حسبوه وتوهَّموه.

وهناك روايات تبيِّن كيفية الطريق إلى أن يكون الإنسان من الصدِّيقين، وهو مقام أوسع من الصدق الخبري والمخبري، فالذي يكون أكثر علماً وأكثر إحاطة يكون أصدق من الأقل علماً؛ وذلك لأن الأول يكون علمه محيطاً والآخر أقل إحاطة فتأتي علومه غير مطابقة، فالمقصود أن المراد هنا من الصدق الإحاطة وعدمها، لا المطابقة للواقع وعدمها.

ونظير ذلك ما تصف الروايات بعض آيات القرآن أنها أصدق من آيات أخرى وأكثر إحكاماً وأكثر حقا، وهذا لا يقصد منه بطلان الآيات الأخرى، بل يقصد منه أن تلك الآيات أكثر إحاطة بالواقع فتكون أصدق وأحق وأحكم.

فالملائكة في هذه الآية يخبرون عن أحقيَّتهم وأهليَّتهم للخلافة في الأرض، حيث إنهم أنبئوا عن استحقاق ذلك لمَن تكون له العصمة العملية، لا أنهم يخبرون عن واقع، بل من باب المسائلة.

* الإنباء: بناء على ما ذكرنا سابقاً من أن استخدام الحق تعالى للألفاظ المختلفة ليس من باب التنوُّع اللفظي والنثر البلاغي، بل القرآن كتاب حقائق، وتغيُّر اللفظ من موضع إلى آخر يدل على تغاير في المعنى الحقيقي المراد للحق تعالى.

فنلاحظ هنا أن الباري تعال أسند تعبيرين لهذه الأسماء؛ أحدهما: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) ، والآخر: قوله للملائكة: ( أَنبِئُونِي ) ؟ وأجابت الملائكة: ( لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) فأمر آدم بإنبائهم باسمائهم، فالارتباط بين الحق تعالى وآدم كان بالتعليم، أمَّا عندما أخبر آدم الملائكة، فكان الارتباط بالإنباء. وهذا التغاير يدل على أن الملائكة لم ينالوا العلم الحقيقي بهذه الأسماء.

والسر في هذا التغاير هو أن التعليم عياني حضوري، والإنباء إخبار من وراء حجب الصور والمفاهيم وما شابه ذلك، فإضافة آدم مع ربه من نحو العلم

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619