موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

موسوعة حديث الثقلين12%

موسوعة حديث الثقلين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 978-600-5213-63-8
الصفحات: 619

الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 619 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161379 / تحميل: 4915
الحجم الحجم الحجم
موسوعة حديث الثقلين

موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

مؤلف:
الناشر: ستارة
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٦٣-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

لكن الباحث الواعي لا يعدم الرواية الصحيحة بينها ، وانّها هي الثالثة الّتي
ورد فيها : « انّ النبيّ يَهجَر » وما تحريكه لها بفتحتين إلّا نحو من التعتيم المتعمد ،
لأن الصحيح « يَهجُر » فانها من باب (نصر ينصر) وتحريكها بفتحتين يخرجها
عن المعنى الأصلي للكلمة ، وانحراف بمسارها الصحيح ، وذلك انّ القراءة
بفتحتين تكون بمعنى هجرك الشيء ، أي تركه كما نصت على ذلك بعض
قواميس اللغة. ولكن ذلك لم يعجب الملا علي القاري شارح كتاب القاضي
المذكور فقال في المقام : « يَهجِر » بكسر الجيم مع فتح أوّله بتقدير استفهام
انكار(؟).

وهذا من غرائب الأغراب في مسائل الإعراب ، وإنّما حدث بعد زمان
الحديث والحدث ، تبريراً لمواقف المعارضة عند الحساب.

أمّا الّذي قلناه أنّه الصحيح وهي الرواية الثالثة فقد ذكرها القاري وقال
هو الموجود في مستخرج الإسماعيلي من طريق ابن خلاد عن سفيان. كما
ذكرها غيره (1) وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في محله إن شاء الله.

ثانياً : استعرض ما قاله أئمّته في الحديث. ولا يعنينا معرفة أئمّته
بأعيانهم سواء كانوا هم المالكية ، أو الأشعرية ، أو أهل السنّة والجماعة كما
ذكرهم شارح كتابه الملا عليّ القارئ الحنفي.

والّذي يعنينا أن نعرف ماذا قالوا؟ لم يأتوا بشيء جديد ، ولم يخرجوا
عن أطار التبرير وإن باؤا بإثم التزوير. فكلّ ما مخض سقاؤهم أنّ الروايات
المختلفة الآنفة الذكر يجب تخريجها على نحو الإستفهام الإنكاري ، ولم
_______________________

(1)جاء في سر العالمين للغزالي / 9 ط بومبي الهند عليّ الحجر سنة 1314 : « إن الرجل
ليهجر ».

٣٤١

يخرج عن تلك الروايات ، إلّا الرواية الثالثة الّتي لم يذكر لهم فيها رأياً ولم
يعلّق عليها هو بشيء ، لكنّ شارح كتابه لم تفته المشاركة في الحلبة ،
فحشرها مع سابقها ولاحقها فعلّق عليها بقوله : بتقدير إستفهام انكار ..

ثالثاً : ذكر اختلاف العلماء في معنى الحديث ، فذكر أربعة آراء كلّها تدور
في فلك التبرير :

أوّلها : إنّ الأوامر إذا اقترنت بقرينة تخرجها من الوجوب إلى الندب
والإباحة ، فلعلّه ظهر من قرائن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعضهم ما فهموا منه أنّه لم يكن عزمة ،
وبعضهم لم يفهم ذلك فقال : استفهموه ، فلمّا أختلفوا كفّ عنه إذ لم يكن عزمة ،
ولما رأوه من صواب رأي عمر.

وهؤلاء قالوا عن امتناع عمر إمّا اشفاقاً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإمّا خشي أن يكتب
أموراً يعجزون عنها فيحسون بالحرج في المخالفة ، فرأى الأرفق بالأمة سعة
الاجتهاد الخ.

ثانيها : أنّ عمر خشي تطرق المنافقين إلى أن يقولوا فيما كتب في ذلك
الكتاب في الخلوة(؟)وأن يتقولوا الأقاويل كادعاء الرافضة الوصية وغير ذلك.

ثالثها : انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قال لهم ذلك عن طريق المشورة والإختبار ليراهم
هل يتفقون أم يختلفون ، فلمّا أختلفوا تركه.

رابعها : انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مجيباً لما طُلب منه ولم يكن ذلك منه ابتداء ،
فأجاب رغبة الطالب ، وكره غيره ذلك للعلل الّتي ذكرها في الرأيين الأوّل
والثاني.

وفي كلّ هذه الآراء مواقع للنظر نذكر بعضها :

٣٤٢

أمّا الأوّل وهو احتمال وجود قرينة في المقام عرفها بعضهم ولم يعرفها
آخرون ، فهو من واهي الأحتمالات وقد مرّ مثله والجواب عنه فراجع ما مرّ عن
المازري وقبل ذلك ما قلناه مع الخطابي.

وأمّا الثاني وهو إمّا إحتمالاً أن يكون عمر أشفق على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمنع من
أمتثال أمرِهِ ، فهذا من قبيل المثل (اكوس عريض اللحية) فكيف يكون مشفقاً
عليه وهو يعلن ردّ أمره ويشغب عليه؟ وأين منه الشفقة وقد سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
مكلّبا. كما في حديث ابن عمر الّذي أخرجه الدارقطني في سننه قال : « خرج
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمرّوا على رجل جالس عند مقراة له(1)
فقال عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
(يا صاحب المقراة لا تخبره هذا مكلِب ، لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي
شراب وطهور) ا ه‍ » (2) .

أقول : والمكلِبـبكسر اللامـمعلم الكلاب للصيد ، وبفتحها المقيّد ولما
كان معروفاً بالغلظة والشدة ، وإذا لاحاه بعض أهله أصطلم أذنه شبّهه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
بالمكلّب معلّم الكلاب ، إذ لا يكون معلّمها إلّا من هو أكلب منها لتخافه ، فمن
كان كذلك أين منه الشفقة المزعومة؟

وأمّا أحتمال خشية تطرق المنافقين فيجدوا سبيلاً إلى الطعن فيما لو
كتب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا مرّ عن الخطابي ومرّ الجواب عنه. وأمّا تمثيله لتطرق المنافقين
بادعاء الرافضة الوصية ، فليس ادّعاؤهم من دون دعوى البكرية أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن
يكتب لأبي بكر بالخلافة ، بل أدعاؤهم كان هو الحقّ الّذي لا مرية فيه ، لأنّه قد
_______________________

(1)المقراة : كل ما أجتمع الماء فيه ـ القاموس.

(2)سنن الدارقطني 1 / 26.

٣٤٣

اعترف بصحة دعواهم عمر بن الخطاب حين قال لابن عباس أراده رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأمر فمنعته من ذلك.

وأمّا الثالث وهو الجديدـفيما أعلمـإذ لم يأت في زبر الأولين ،
وهو انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم على طريق المشورة والاختبار ، هل يتفقون فيكتب
لهم ، أو يختلفون فيتركه ، فلمّا أختلفوا تركه.

وصاحب هذا الرأي الفطير من الغباء بمكان ، إذ تخيل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في
أخريات أيامه بعد لم يعرف أصحابه معرفة تامة ، وهو الّذي عايشهم طيلة ثلاثاً
وعشرين سنة فلم يعرفهم وما كان عليه بعضهم من المخالفة له ، وكأن تلك
التجارب الّتي مرّت عليه في اختلافهم عند المشورة لم تترك في نفسه أثراً يذكر
حتى احتاج إلى إختبارهم مرة أخرى؟

ألم يستشرهم في حرب بدر فكان منهم السامع المجيب ، ومنهم المخذّل
المريب الّذي يقول له : انها قريش ما ذلّت منذ عزّت.

ألم يستشرهم في أسارى بدر؟ فكان منهم من يرى قتل الأسارى ،
ومنهم من يرى أخذ الفداء حتى نزلت الآية فحسمت الموقف المترجرج
وذلك في قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً
) (1) .

ألم يختلفوا عليه في وقعة أحد؟!

ألم يختلفوا عليه في وقعة الأحزاب؟!

ألم يختلفوا عليه في قضية بني النضير؟!

ألم يختلفوا عليه في صلح الحديبية؟!

_______________________

(1)محمّد / 4.

٣٤٤

ألم وألم؟ وكلّ ألمٍ فيها ألم!!

وأمّا الرأي الرابعـوهو كشف جديد كسابقهـما أنزل الله به من سلطان ،
إذ يقول صاحبه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن مبتدءاً بأمره ، بل قال إئتوني أكتب لكم
كتاباً لمن طلب منه ذلك ، وأستدل على ذلك بقول العباس لعليّ : أنطلق بنا إلى
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن كان الأمر فينا علمناه ، وكراهة عليّ هذا وقوله : لا أفعل
الحديث.

وهذا من الغرابة بمكان فإن قول العباس لعليّـلو صحـإنّما كان صبح
يوم الوفاة كان بعد حديث الرزية يوم الخميس بأربعة أيام ، فكيف يكون هو
السبب لتقديم الطلب ويكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجيباً لا مبتدءاً ، كما في تاريخ ابن الأثير
وغيره فراجع.

سادساً : ابن الأثير الجزري

قال في كتابه النهاية : (هجر) ومنه حديث مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قالوا ما شأنه
أهجر ، أي أختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الإستفهام ، أي هل تغيير
كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ، وهذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل
اخباراً فيكون إمّا من الفحش أو الهذيان ، والقائل كان عمر ولا يظن به ذلك (1) .

التبرير الفطير عند ابن الأثير :

ليس من القسوة عليه ما وصفناه به ، فهو إذ لم يأتنا بجديد من عنده ، وكلّ
ما بذله من جهده ، أنّه أجترّ أقوال السابقين من علماء التبرير ، واستحسن ذلك ،
_______________________

(1)النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 255 ط الاُولى مطبعة الخيرية بمصر سنة 1322 ه‍
(مادة هجر).

٣٤٥

وحيث مرّت بنا نماذج من أقوالهم وردّها ، فلا نطيل الوقوف ثانياً عندها. إلّا أنّ
من حقنا أن نسأله لما ذكر الحديث أوّلاً مبهِماً أسماء القائلين وهم جماعة. ثمّ
صرّح أخيراً باسم عمر وهو مفرد؟ فهل كان عمر هو الجماعة؟ (كلّ عضوٍ في
الروع منه جموع)؟

ولماذا قال أخيراً ولا يظن به ذلك؟ أليس ذلك من ابن الأثير هو التبرير
الفطير ، فلماذا لا يظن بعمر ذلك وهو رأس الحربة الّتي طعنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في
فؤاده ، إذ عارضه فلم يمكّنه من بلوغ مراده.

فهل أنّ مقامه فوق مقام الرسول الكريم ، فيجب أن يحترم ولو على حساب
كرامة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللّهم إن هذا الرد بهتان عظيم.

سابعاً : النووي

قال : في شرحه صحيح مسلم : بعد مقدمة في عصمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ممّا يخل
بالتبليغ : وليس معصوماً من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها ، ممّا لا
نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته ، وقد سحر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى صار يخيّل
إليه أنّه فعل الشيء ولم يكن فعله ، ولم يصدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي هذا الحال كلام في
الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام الّتي قرّرها.

ثمّ قال : فإذا علمت ما ذكرناه فقد أختلف العلماء في الكتاب الّذي همّ
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به.

فقيل : أراد أن ينص على الخلافة في انسان معين لئلا يقع نزاع وفتن.

وقيل : أراد كتاباً يبيّن فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ،
ويحصل الإتفاق على المنصوص عليه وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم همّ بالكتاب حين ظهر له

٣٤٦

أنّه مصلحة أو أوحي إليه بذلك ، ثمّ ظهر أنّ المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك ،
ونسخ ذلك الأمر الأوّل.

وأمّا كلام عمررضي‌الله‌عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنّه
من دلائل فقه عمر وفضائله ، ودقيق نظره ، لأنّه خشي أن يكتب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أموراً ربّما
عجزوا عنها وأستحقوا العقوبة عليها لأنّها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها ، فقال
عمر : حسبنا كتاب الله لقوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (1) وقوله :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (2) ، فعلم أنّ الله تعالى أكمل دينه فأمن من الضلال
على الأمة ، وأراد الترفيه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان عمر أفقه من ابن عباس(3) .

مع النووي :

لابدّ لنا من وقفة مع النووي!

أوّلاً : في المقدمة الّتي ذكرها في عصمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التبليغ وعدمها من
الأمراض والأسقام العارضة للأجسام فقال في ذلك : وقد سحر صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم حتى صار يخيّل إليه أنّه فعل الشيء ولم يكن فعله ، وقد أعتبر ذلك
غير مضرّ برسالته.

فنقول له : إن ما ورد من أخبار القصّاص الجهال بأنه سحر حتى صار كيت
وكيت لا يمكن التصديق بها ، وإن رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة
وغيرها ، فهي أشبه بحديث خرافة ، ويكفي في ردّها جملةً وتفصيلاً قول الله
_______________________

(1)الأنعام / 38.

(2)المائدة / 3.

(3)شرح صحيح مسلم للنووي 11 / 90 ط مصر.

٣٤٧

تعالى حيث أنكر على الكفّار الظالمين قولهم :( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلًا مَّسْحُورًا
) (1) والمسحور هو الّذي خبل عقله ، فأنكر الله تعالى ذلك. وذلك
لا يمنع من جواز أن يكون بعض اليهود قد اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه ،
فأطلع الله نبيّه على ما فعله ، حتى استخرج ما فعلوه من التمويه ، فكان ذلك دلالة
على صدقه ومعجزة له.

قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد وقد ذكر الحديث عن عائشة فقال :
« وقد اعتاص على كثير من أهل الكلام وغيرهم وأنكروه أشد الأنكار ، وقابلوه
بالتكذيب ، وصنف بعضهم فيه مصنفاً مفرداً حمل فيه على هشام وكان غاية ما
أحسن القول فيه ان قال غلط وأشتبه عليه الأمر ولم يكن من هذا شيء ، قال : لأن
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أن يسحر فإنّه يكون تصديقاً لقول الكفّار :( إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلًا مَّسْحُورًا
) (2) ، قالوا : وهذا كما قال فرعون لموسى :( إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ
مَسْحُورًا
) (3) ، وقال قوم صالح له :( إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) (4) ، وقال قوم
شعيب له : ( إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) ، قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا ،
فإنّ ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم من الشياطين » (5) .

ثانياً : ما ذكره من اختلاف العلماء فذكر قولين :

أولهما : وهو الحقّ الّذي أباه عمر لأنّه أعترف بعد ذلك أمام ابن عباس بأن
رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد عليّاً للأمر فمنعته من ذلك فتبيّن المراد عندما تبين العناد.

_______________________

(1)الإسراء / 47.

(2)الإسراء / 101.

(3)الشعراء / 153.

(4)الشعراء / 185.

(5)بدائع الفوائد 2 / 223.

٣٤٨

وأمّا ثانيهما : فهو من نسج الخيال ولا نطيل فيه المقال لكننا نسأل النووي
عن مزاعمه التالية :

1ـقوله اتفق العلماء؟ فأين وقع؟ ومتى وقع؟ ثمّ كيف يزعم ذلك وهو
الّذي سبق منه أن قال : « اختلف العلماء » في المراد من الكتاب ، فهم حين
اختلفوا في المراد كيف اتفقوا على أنّ الحديث من دلائل فقه عمر وفضائله
ودقيق نظره لأنّه خشي أن يكتب أموراً الخ وفهم عمر على زعمه لا يتفق مع
أصحاب القول الأوّل ولم يرده عمر. وإنّما يتفق مع أصحاب القول الثاني فقط.
فكيف يكون اتفاق مع هذا الاختلاف؟

2ـقوله : « إنّه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره ». فكيف يزعم له
ذلك ولازمه أن يكون عمر أبصر بمصلحة الأمة من نبيها؟ ولعل النووي يرى
ذلك! ولكن لم يجرأ على البوح به فقال الّذي قال ، ومهما كان عمر فليس
يُصدّق زعم من يرى فيه أنّه خشي أن يكتب أموراً ربّما عجزوا عنها ، لأنّ مبنى
عذر النووي هو الخشية والاحتمال لا التحقق ، ومع ذلك ربّما تكون النتيجة
العجز ولربما لا تكون ، ولو سلمنا جدلاً أنهم عجزوا عنها فهم معذورون
و ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) (1) .

ثمّ إنّ عمر لم يكن مسدّداً بالوحي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينزل عليه
الوحي ، فهلا احتمل بدقيق نظره؟ـكما يحلو للنووي وصفه بذلكـأنّ ما أمر
به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من أمر الوحي فهو مأمور بالتبليغ عند الإطاعة ، فإذا
هم عصوا تركهم وتركاضهم في الضلال فلماذا منع عمر من امتثال أمر رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

_______________________

(1)البقرة / 286.

٣٤٩

3ـكيف يكون عمر أفقه من ابن عباس لأنّه قال : « حسبنا كتاب الله ». ومن
المعلوم يقيناً أنّ الكتاب المجيد لم يتكفل ببيان جميع أحكام الشريعة بتفاصيلها ،
فخذ مثلاً حكم فريضة الصلاة الّتي هي عمود الدين فلم يرد في الكتاب المجيد
ما يبين جميع فروضها وأركانها وسائر أحكامها وسيأتي مزيد بيان حول عدم
الإستغناء في الأحكام بالكتاب وحده ، ولابدّ من أخذ السنّة معه.

ولنعد إلى تفضيل النووي لعمر على ابن عباس في فقاهته. ولنسأله أين
كانت فقاهة عمر غائبة عنه يوم يقول لابن عباس : « قد طرأت علينا عُضَل أقضية
أنت لها ولأمثالها » (1) .

وأين كانت فقاهته حين يقول له : « غص غواص »(2) .

فكيف يكون عمر أفقه من ابن عباس؟ وعمر هو القائل : « من كان سائلاً
عن شيء من القرآن فليسأل عبد الله بن عباس » (3) ، وأين غابت عنه فقاهته يوم
سئل عن مسألة فقال فيها ، فقام إليه ابن عباس فساره فقال : يا أميرالمؤمنين ليس
الأمر هكذا ، فأقبل عمر على العباسـوكان عندهـفقال له : يا أبا الفضل بارك
الله لك في عبد الله إنّي قد أمّرته على نفسي فإذا أخطأت فليأخذ عليَّ (4) إلى
غير ذلك ممّا قاله عمر وغير عمر في علم ابن عباس وسيأتي بعض تلك الأقوال
في تاريخه العلمي.

_______________________

(1)روى ابن سعد قول عمر عن سعد بن أبي وقاص بلفظ آخر : ولقد رأيت عمر بن الخطاب
يدعوه للمعضلات ثمّ يقول عندك قد جاءتك معضلة ثمّ لا يجاوز قوله وان حوله لأهل
بدر من المهاجرين والأنصار (طبقات ابن سعد 2 ق2 / 122) ، وراجع فضائل الصحابة
لأحمد بن حنبل برقم 1913.

(2)طبقات ابن سعد (الطبقة الخامسة) 1 / 141 تح‍ السُلمي ، وسير أعلام النبلاء 3 / 246 ط
مؤسسة الرسالة ، وفضائل الصحابة 2 / 681 ط مؤسسة الرسالة.

(3)فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل برقم 1893 ط مؤسسة الرسالة بيروت سنة 1403.

(4)فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 / 982 برقم 1942 ط مؤسسة الرسالة.

٣٥٠

ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى أنّ النووي لم يكن بدعاً في قومه فله أمثال ابن
بطال والقسطلاني من شرّاح البخاري الّذين يذهبون مذهبه فقد قالوا : وعمر أفقه
من ابن عباس حيث أكتفى بالقرآن ولم يكتف ابن عباس به! ولا حاجة بنا إلى
إبطال أقوال ابن بطال وغيره فهم في التزوير أبطال ، ولكن لابدّ من وقفة قصيرة
للموازنة بين فقه عمر وبين فقه ابن عباس ، بعد معرفة معنى الفقه.

فأقول : لقد جاء في (المفردات في غريب القرآن الكريم) للراغب
الأصبهاني ، مادة : فقه : (الفقه) : هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد ، فهو أخص
من العلم ويعني بذلك أنّ فقه الشيء يحتاج إلى جهد ذهني من الإنسان ليصل
إلى فهم أمره ، إمّا باستنباط من أمر ، أو ظاهر نص يجده.

أمّا العلم فهو قد يحصل دون جهد وتفكير ، وقد يحصل ببذل جهد أيضاً ،
فالفقه أخص من العلم ، فكم من عالم ليس بفقيه ، ولذلك قال علماء اللغة : الفقه
هو الفهم ، أي فهم حقيقة الشيء وإدراك معناه ، ولهذا نفى الله تعالى الفقه عن
الكفّار فقال : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ) (1) . وإذا عرفنا معنى الفقه وأنّه الفهم
لحقيقة الأمر ، فلنرجع إلى مقالة ابن بطال والنووي لنرى مَن هو الأفقه من
الرجلين ابن عباس أو عمر؟

أيهما أفقه عمر أم ابن عباس؟

لا أريد أستباق الشواهد الدالة على أفقهية ابن عباس وللحديث عنها مجال
آخر. ولكن لابدّ لي من ذكر شاهد واحد يصلح للموازنة بين الرجلين وذلك ما
أخرجه جملة من أئمّة الحديث ممّن لا يتهمون في نقله كابن الجوزي والحاكم
والبيهقي وابن كثير وابن حجر والسيوطي وغيرهم.

_______________________

(1)الأعراف / 179.

٣٥١

عن عكرمة قال : قال ابن عباس : « دعا عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه أصحاب
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر. فقلت
لعمر : إنّي لأعلم وإنّي لأظن أيّ ليلة هي ، قال : وأيّ ليلة هي؟ قلت سابعة تمضي
أو سابعة تبقى من العشر الأواخر.

قال : ومن أين تعلم؟

قال قلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيام وإنّ الدهر
يدور في سبع ، وخلق الإنسان فيأكل(؟)ويسجد على سبعة أعضاء ، والطواف
سبع ، والجبال سبع.

فقال عمررضي‌الله‌عنه لقد فطنت لأمر ما فطنّا له.

وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال : كنت عند عمر وعنده أصحابه
فسألهم فقال : أرأيتم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر
وترا أي ليلة ترونها؟ فقال بعضهم : ليلة أحدى وقال بعضهم : ليلة ثلاث ، وقال
بعضهم : ليلة خمس ، وقال بعضهم : ليلة سبع ، وأنا ساكت فقال : مالك لا تتكلم؟
قلت : إنك أمرتني أن لا أتكلم حتى يتكلموا. فقال : ما أرسلت إليك إلّا لتتكلم
فقلت : إني سمعت الله يذكر السبع ، فذكر سبع سموات ومن الأرض مثلهن ،
وخلق الأنسان من سبع ، ونبت الأرض سبع.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : هذا أخبرتني ما أعلم ، أرأيت ما لم أعلم قولك : (نبت
الأرض سبع) قال : قال الله عزوجل :( ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا *
وَعِنَبًا وَقَضْبًا
* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) (1) .

_______________________

(1)عبس / 26 ـ 31.

٣٥٢

قال : فالأبّ ما أنبتت الأرض ممّا تأكله الدواب والأنعام ولا يأكله الناس.

قال فقال عمررضي‌الله‌عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الّذي لم
تجتمع شئون رأسه ، والله إنّي لأرى القول كما قلت » (1) .

هذا شاهد واحد ممّا يرويه أصحاب الحديث ممّن لا يتهمون على عمر.
ثمّ دع عنك ابن عباس فإنّه حبر الأمة وترجمان القرآن ، وهلم إلى سائر الناس
الّذين كانوا أعلم وأفقه من عمر باعترافه ، وإليك جملة من اعترافاته :

1 ـ قال : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر »(2) .

2 ـ قال : « كلّ الناس أفقه من عمر » قالها في واقعتين(3) .

3 ـ قال : « كلّ أحد أفقه مني قالها ثلاثاً »(4) .

4 ـ قال : « كلّ واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر »(5) .

5 ـ قال : « كلّ واحد أفقه منك يا عمر »(6) .

6 ـ قال : « كلّ الناس أعلم منك يا عمر »(7) .

7 ـ قال : « كلّ الناس أعلم من عمر »(8) .

إلى غير ذلك من أقواله.

_______________________

(1)أنظر مسند عمر / 87 ، مستدرك الحاكم 1 / 438 وصححه ، سنن البيهقي 4 / 313 ، تفسير
ابن كثير 4 / 533 ، تفسير السيوطي 6 / 374 ، فتح الباري 4 / 211.

(2)العقد الفريد 3 / 416.

(3)أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 61 ، ونور الأبصار للشبلنجي / 79.

(4)الرياض النضرة 2 / 196.

(5)نور الأبصار / 65.

(6)الرياض النضرة 2 / 57.

(7)الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 14 / 277.

(8)تفسير الكشاف 2 / 445.

٣٥٣

فكيف يمكن تصديق الزعم بأنّه في تصرفه الشاذ يوم الخميس وكلمته
النابية في حقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخيراً قوله حسبنا كتاب الله يكون أفقه من أبن
عباس؟!

ولست في مقام المفاضلة ولكن أود تنبيه القارئ إلى أنّ ابن عباس كان قد
حفظ المحكم على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وعمر لم يحفظ سورة البقرة إلّا في أثنتي
عشرة سنة (1) .

ثمّ أليس عمر هو الجاهل والسائل من أبي واقد الليثي : « بأي شيء كان
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في مثل هذا اليوم »(2) ـ وكان ذلك يوم العيدـ.

فمن كان يجهل ما كان يقرأه النبيّ في صلاة العيد كيف يمكن أن يُزعم
له بأنّه أفقه من ابن عباس؟

اللّهم إنّ ذلك من أكبر الشطط والغلط.

وأخيراً لا آخراً فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان ، والضياء المقدسي
في المائة المختارة والخوارزمي في الجامع عن إبراهيم التيمي قال : « خلا عمر
ذات يوم فأرسل إلى ابن عباس فقال له : كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد
ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟

_______________________

(1)في شرح الموطأ للزرقاني 2 / 194 ما لفظه : وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر
قال : تعلم عمر في أثنتي عشرة سنة فلمّا ختمها نحر جزوراً.

جاء في ربيع الأبرار 2 / 77 ط الأوقاف ببغداد : حفظ عمر سورة البقرة فنحر وأطعم.

(2)هذا ما أخرجه عنه أصحاب الصحاح والسنن كمسلم في صحيحه 1 / 242 ، وأبي داود في
سننه 2 / 280 ، ومالك في الموطأ 1 / 147 ، وابن ماجة في سننه 1 / 188 ، والترمذي في
صحيحه 1 / 106 ، والنسائي في سننه 3 / 184 ، والبيهقي في سننه 3 / 294.

٣٥٤

قال ابن عباس : إنّا اُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيم نزل ، وأنّه يكون
بعدنا أقوام يقرأون القرآن لا يعرفون فيم نزل ، فيكون لكلّ قوم فيه رأي ،
وإذا كان كذلك اختلفوا » (1) .

وأخرج أحمد في مسنده(2) ، والبيهقي في السنن الكبرى(3) بعدة طرق : عن
كريب عن ابن عباس أنّه قال له عمر : « يا غلام هل سمعت من رسول الله صلّى
الله عليه(وآله)وسلّم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته
ماذا يصنع؟

قال : فبينما هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف قال فيم أنتما؟

فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال
عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم يقول : (إذا شك
أحدكم ...) الحديث ».

فعمر الخليفة وهو لا يعرف حكم الشك في الصلاةـوهي فريضة يأتي بها
المسلم كلّ يوم خمس مراتـحتى يسأل عن حكم الشك فيها من ابن عباس
وهو بعد غلام. ولم يكن عند ابن عباس في ذلك سماع في الحكم. كيف يكون
هو أفقه؟

_______________________

(1)كنز العمال 2 / 215 ط حيدر آباد (ثمانية) ، ومفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنّة للسيوطي
1 / 46 ط الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ط الثالثة ، والجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع للخطيب البغدادي 2 / 194 ط مكتبة المعارف بالرياض.

(2)مسند أحمد 1 / 190 و 195.

(3)السنن الكبرى 2 / 332.

٣٥٥

ثامناً : ابن تيمية

قال في كتابه منهاج السنّة بعد حكايته قول العلّامة ابن المطهر الحلي في
حديث الكتف والدواة فقال رداً عليه : والجواب أن يقال : أمّا عمر فقد ثبت من
علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير أبي بكر ، ففي صحيح مسلم عن عائشة عن
النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم أنّه كان يقول : قد كان في الأمم قبلكم
محدّثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر(!؟).

قال ابن وهب : تفسير : (محدّثون ملهمون)... إلى آخر ما ذكره من سياق
وشواهد على إلهام عمر بما لا ينفعه بل عليه أضرّ.

ثمّ قال : وأمّا قصة الكتاب الّذي كان رسول الله صلّى الله عليه(وآله)وسلّم
يريد أن يكتبه فقد جاء مبيناً في الصحيحين عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت قال رسول
الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى
متمن ويقول قائل أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر.

ثمّ ساق حديثاً آخر عن البخاري نحو ما سبق ، وأتبعه بثالث عن مسلم عن
عائشة وسئلت من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستخلفاً لو استخلف؟ قالت : أبو بكر. فقيل
لها ثمّ مَن بعد أبي بكر؟ قالت : عمر. قيل لها ثمّ مَن بعد عمر قالت : أبو عبيدة
عامر بن الجرآح ثمّ انتهت إلى هذا. ثمّ قال : وأمّا عمر فأشتبه عليه هل كان قول
النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدة المرض أو كان من أقواله المعروفة ، والمرض جائز على
الأنبياء ولهذا قال : ما له أهجر ، فشك في ذلك ولم يجزم بأنّه هجر ، والشك جائز
على عمر ، فإنه لا معصوم إلّا النبيّ صلّى الله عليه(وآله)وسلّم ، لاسيما وقد شك
بشبهة ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مريضاً فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما
يعرض للمريض ، أو كان من كلامه المعروف الّذي يجب قبوله.

٣٥٦

ولذلك ظن أنّه لم يمت حتى تبين أنّه قد مات ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عزم على أن
يكتب الكتاب الّذي ذكره لعائشة ، فلمّا رأى أنّ الشك قد وقع ، علم أنّ الكتاب لا
يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة.

وعلم أنّ الله يجمعهم على ما عزم عليه ، كما قال : (ويأبى الله والمؤمنون إلّا
أبا بكر).

وقول ابن عباس : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلّى الله عليه
(وآله)وسلّم وبين أن يكتب الكتاب ، يقتضي أنّ هذا الحائل كان رزية ، وهو
رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو أشتبه عليه الأمر ، فإنه لو كان هناك
كتاب لزال هذا الشك.

فأمّا من علم أنّ خلافته حقّ فلا رزية في حقه ولله الحمد.

ومن توهم أنّ هذا الكتاب كان بخلافة عليّ فهو ضال باتفاق عامة الناس
من علماء السنّة والشيعة(؟). أمّا أهل السنّة فمتفقون على تفضيل أبي بكر
وتقديمه.

وأمّا الشيعة القائلون بأنّ عليّاً كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنّه قد
نُص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً ، وحينئذ فلم يكن يحتاج
إلى كتاب.

وإن قيل : إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره
طائفة قليلة أولى وأحرى.

وأيضاً فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ، ولا يجوز له
ترك الكتاب لشك من شك ، فلو كان ما يكتبه في الكتاب ممّا يجب بيانه وكتابته

٣٥٧

لكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبيّنه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنّه أطوع الخلق له ، فعلم
أنّه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته
حينئذٍ ، إذ لو وجب لفعله.

ولو أنّ عمر اشتبه عليه أمر ثمّ تبين له أو شك في بعض الأمور فليس
هو أعظم ممّن يفتي ويقضي بأمور ، ويكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حكم بخلافها
مجتهداً في ذلك ، ولا يكون قد علم حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ الشك في الحقّ
أخف من الجزم بنقيضه ، وكلّ هذا باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من
الخطأ الّذي رفع المؤاخذة به (1) إلى آخر ما ذكره من تهويش وتشويش
لا يسمن ولا يغني.

مع ابن تيمية :

وفي كلامه مواقع كثيرة للنظر نشير إلى بعضها :

أوّلاً : زعمه فضل عمر على الأمة بعد أبي بكر وانه كان محدّثاً ملهما؟ وهذا
منطق علماء التبرير في كلّ زمان ، ولكن لنا أن نسأل أين يغيب عنه ذلك الفضل
والإلهام حين تعتاص عليه الأمور ، فلا يجد مخرجاً إلّا عند الآخرين ، فيلجأ إلى
الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وما أكثر المواطن الّتي قال فيها : « لولا عليّ لهلك
عمر » ، و « لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن »؟

وأين يكون ذلك الفضل المزعوم والإلهام الموهوم حين تطرأ عليه العضل
وهو لا يعرف لها مخرجاً ، فيدعو ابن عباس فيقول له : « قد طرأت علينا عضل
أقصية أنت لها ولأمثالها »؟

_______________________

(1)منهاج السنّة 3 / 134 ـ 135 ط أفست بولاق سنة 1322 ه‍.

٣٥٨

وخلّ عنك عليّاً وابن عباس فالأوّل باب مدينة علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثاني حبر
الأمة ، ولا غضاضة عليه لو رجع إليهما. ولكن كيف يفضل على جميع الأمة عدا
أبي بكر ، وهو دون مستوى الكثير الكثير من الصحابة وقد مرّت بنا أقواله الّتي
قالها : « كلّ الناس أفقه منك يا عمر » (1) . وقوله الآخر : « كلّ أحد أفقه من
عمر » (2) . لكن علماء التبرير يأبون ذلك لا عن حجة ولكن دفعاً بالصدر.

ثانياً : زعمه أنّ الّذي أراد أن يكتبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو خلافة أبي بكر ، وهذا قد
مرّ مثله عند ابن حزم وغيره ، فلا حاجة إلى الوقفة عنده طويلاً سوى إنّا نود أن
نسأل ابن تيمية الّذي استدل بثلاثة أحاديث كلّها عن عائشة فالأوّل عن
الصحيحين ثمّ الثاني عن البخاري وحده وهذا ما استدل به غيره أيضاً ومرّ ما
عندنا فيهما ، ولكن ما رأي علماء التبرير وابن تيمية منهم في الحديث الثالث
الّذي رواه عن مسلم. وفيه ترشيح أبي عبيدة للخلافة من بعد عمر؟ فأين كان
الرواة عنه يوم السقيفة لحسم النزاع بين المهاجرين والأنصار وأحسبه لم يختلق
بعد ، بل أحسبه من الموضوعات أيام النفرة بينها وبين عثمان حين كانت تقول :
« اقتلوا نعثلاً فقد كفر » (3) ، ولو كان له أدنى نصيب من الصحة لذكر فيه عثمان
بعد عمر لأنّه الّذي تولى الخلافة ، وعلماء السلطان يروون في ترتيبهم ما ينسبونه
إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مثل ذلك.

ثالثاً : زعمه أنّ عمر أشتبه عليه الأمر ، لماذا ذلك وهو صاحب الإلهام
المزعوم وأنّه لو كان من المحدّثين أحد في هذه الأمة لكان هو؟

_______________________

(1)كشف الخفاء للعجلوني 1 / 466 و 2 / 153 و 155 ط مؤسسة الرسالة بيروت.

(2)سنن سعيد بن منصور 1 / 195 ط دار العصيمي بالرياض ، وكتاب الزهد لابن أبي عاصم
1 / 114 ط دار الريان للتراث بالقاهرة.

(3)شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 97 و 114 ط الأولى بمصر.

٣٥٩

ثمّ كيف يشتبه عليه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل كان من شدة المرض أو كان من
أقواله المعروفة؟ فهل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال مبهِماً ومتمتِماً؟ أو لم يقلها كلمة
صريحة فصيحة (إئتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً )؟
أين الكلام الّذي يوجب الاشتباه؟

ثمّ لماذا لم يشتبه ذلك على غير عمر ممّن حضر عنده؟ ولماذا أحصر
عمر عندما اشتبه عليه الحال إلّا أن يقول : « إنّ النبيّ ليهجر »؟

نعم كلّ ما يهدف إليه ابن تيمية هو تبرئة عمر من وزر الكلمة وإن تم
ذلك على حساب قدسية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكرامته. ولكن الإعتذار باشتباه عمر لا يرفع
عنه الوزر ما دام هو يقرّ لابن عباس بأنه عرف مراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب
وأنّه أراد أن يكتب لابن عمه فمنع منه وفيما تقدم في الصورتين الثالثة والرابعة
من صور الحديث ما يؤكد منعه عن معرفة بالمراد ، وكان المنع منه عن سبق
إصرار وعناد فراجع.

رابعاً : زعمه أنّ قول ابن عباس : « الرزية كلّ الرزية » إنّما هو في حقّ من
شك في خلافة أبي بكر أو أشتبه عليه الأمر ، فأمّا من علم أنّ خلافته حقّ فلا
رزية في حقّه؟

ولنا أن نسأل ابن تيمية عن ابن عباس صاحب الكلمة هل كان شاكاً أو
مشتبهاً عليه الأمر؟ أو كان عالماً بحقيقة خلافة أبي بكر؟ والثاني منفي لأنّه هو
صاحب الكلمة وهو يتحدث عن نفسه ويعبر عن شعوره ، إذن هو من الشاكين
أو المشتبه عليهم الأمر في تحديد ابن تيمية. وإذا كان كذلك ، فابن عباس غير
مؤمن بحكم ما يرويه البخاري عن عائشة من حديث ارادة أستخلاف أبي بكر

٣٦٠

مؤلّفات الشريف الرضي ( ت ٤٠٦ هـ )

(٣٦) نهج البلاغة

الحديث :

ومن خطبة له ( عليه السلام ) : « عباد الله ، إنّ من أحبّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه ، فأين تذهبون وأنّى تؤفكون ، أيّها الناس ، خذوها عن خاتم النبيّين ( صلى الله عليه وآله ) : إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ في ما تنكرون ، واعذروا من لا حجّة لكم عليه ـ وهو أنا ـ ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر ، وأترك فيكم الثقل الأصغر ، قد ركزت فيكم راية الإيمان(١) .

محمّد بن الحسين بن موسى ( الرضي ) :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد ابن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) أبو الحسن ، الرضي ، نقيب العلويّين ببغداد أخو المرتضى ، كان شاعراً مبرزاً ، ثمّ قال : توفّي في السادس من المحرّم سنة ستّ وأربع مائة(٢) .

____________

١ ـ نهج البلاغة : ١٣٨ ، خطبة ( ٨٧ ).

٢ ـ رجال النجاشي : ٣٩٨ [ ١٠٦٥ ].

٣٦١

قال العلاّمة ( ت ٧٢٦ هـ ) : كان شاعراً ، مبرزاً ، فاضلاً ، عالماً ورعاً ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، له حكايات في شرف النفس ، وتوفّي في السادس من المحرّم سنة ستّ وأربعمائة(١) .

وقال ابن داود ( ت ٧٠٧ هـ ) في رجاله : حاله أشهر من أن يخفى ، وتوفّي في السادس من المحرّم سنة ستّ وأربعمائة [ جش ](٢) .

ومن هذا يظهر وجه ما قاله السيّد التفرشي ( القرن الحادي عشر ) : وأمره في الثقة والجلالة أشهر من أن يذكر(٣) .

فعلى هذا يكون زمان وفاته ( رحمه الله ) معلوماً وهو ٤٠٦ هـ.

أمّا ما قيل من أنّ وفاته كانت في سنة ٤٠٤(٤) ، فقد عبّر عنه العلاّمة التستري ( ت ١٤١٥ هـ ) بأنّه وهم(٥) .

كتاب نهج البلاغة :

نسبه إليه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في رجاله(٦) ، وابن شهر آشوب

____________

١ ـ خلاصة الأقوال : ٢٧٠ [ ٩٧٤ ].

٢ ـ رجال ابن داود : ١٧٠ [ ١٣٦٠ ].

٣ ـ نقد الرجال ٤ : ١٨٨ [ ٤٦٢٠ ] وانظر : معالم العلماء : ٥١ [ ٣٣٦ ] ، حاوي الأقوال ٢ : ٢١٩ [ ٥٧٤ ] ، مجمع الرجال ٥ : ١٩٩ ، أمل الآمل ٢ : ٢٦١ [ ٧٧٩ ] ، الوجيزة ( رجال المجلسي ) : ٢٩٩ [ ١٦٢٩ ] ، جامع الرواة ٢ : ٩٩ ، رياض العلماء ٥ : ٧٩ ، منتهى المقال ٦ : ٢٨ ، روضات الجنّات ٦ : ١٩٠ [ ٥٧٨ ] ، بهجة الآمال ٦ : ٤٠٥ ، تنقيح المقال ٣ : ١٠٧ ، معجم رجال الحديث ١٧ : ٢٣ [ ١٠٦١٦ ] ، قاموس الرجال ٩ : ٢٢٧ [ ٦٦٤٤ ]. طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس ) : ١٦٤ ، الدرجات الرفيعة : ٤٦٦ ، بلغة المحدّثين : ٤٠٧ ، الكنى والألقاب ٢ : ٢٧٢ ، شرح نهج البلاغة ١ : ٣١.

٤ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٤٠.

٥ ـ قاموس الرجال ٩ : ٢٢٧ [ ٦٦٤٤ ].

٦ ـ رجال النجاشي : ٣٩٨ [ ١٠٦٥ ].

٣٦٢

( ت ٥٨٨ هـ ) في معالم العلماء(١) ، وغيرهما ممّن ترجم له(٢) ، وذكره الحرّ ( ت ١١٠٤ هـ ) في ضمن مصادره(٣) ، وذكر طريقه إليه ، وهو من مصادر البحار أيضاً(٤) .

قال ابن أبي الحديد ( ت ٦٥٥ هـ ) : وأنت إذا تأمّلت « نهج البلاغة » وجدته كلّه ماءً واحداً ، ونفساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط ، ولو كان بعض « نهج البلاغة » منحولاً وبعضه صحيحاً ، لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، واعلم أنّ قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل به ; لأنّا متى فتحنا هذا الباب ، وسلّطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو ، لم نثق بصحّة كلام منقول عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبداً(٥) .

وأوّل من نقل عنه أنّه يطعن بنسبة نهج البلاغة إلى الشريف الرضيّ هو ابن خلّكان المتوفّى سنة ٦٨١ هـ في كتابه وفيات الأعيان(٦) ، ولكن لم تصب طعنته مقتلا ولا نال مناه مع كلّ من تابعه على هواه ، وأجابه السيّد عبد الزهراء الخطيب على ما افتراه ، قائلاً : إنّ ممّا لا يختلف فيه اثنان أنّ ( المجازات النبويّة ) أو ( مجازات الآثار النبويّة ) كما يسمّى أحياناً و ( حقائق التأويل ) و ( خصائص الأئمّة ) من مؤلّفات الشريف الرضي ، وإليك إشارات الرضي في هذه الكتب أنّ ( نهج البلاغة ) من جمعه.

____________

١ ـ معالم العلماء : ٥١ [ ٣٣٦ ].

٢ ـ راجع ما قدّمنا ذكره من المصادر في الهامش رقم (٤) من الصفحة السابقة.

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ ، الفائدة الرابعة.

٤ ـ البحار ١ : ١١.

٥ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ : ١٢٨.

٦ ـ وفيات الأعيان ٣ : ٢٧٣ [ ٤٤٣ ].

٣٦٣

ثمّ يذكر الإشارات واحدة تِلوَ الأُخرى(١) .

ولله درّهما من كاتب وكتاب ، فقد أخرسا الألسن وردّا الشبهات على نهج البلاغة واحدة بعد واحدة(٢) .

قال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) : وقد طبع النهج بتبريز ١٢٤٧ ، ومصر ١٢٩٢ ، وبيروت ١٣٠٢ ، ثمّ كرّر طبعها في كثير من البلدان ، رأيت نسخة منها بخطّ الحسن بن محمّد بن عبد الله بن علي الجعفري الحسيني سبط أبي الرضا الراوندي عام ٦٣١ في مكتبة ( الحفيد اليزدي ) وبعض عناوينها والبسملة مكتوب بالخطّ الكوفي ، ونسخة كتابتها ٥١٢ عند ( المحيط ) بطهران ، ونسخة كتابتها ٥٢٥ عند السيّد محسن الكشميري الكتبي ببغداد ، ونسخة خطّ السيّد نجم الدين الحسين بن أردشير بن محمّد الطبري أبداراودي فرغ من كتابتها السبت أواخر صفر سنة سبع وستّين وستمائة ، وكتابتها قابلة لأن تقرأ ٦٧٧ كما قرأها صاحب الرياض ، وذكر خصوصيّاتها في ترجمة الكاتب في « رياض العلماء »(٣) ، وقد رأيت هذه النسخة عند السماوي ، وانتقلت بعد وفاته إلى مكتبة السيّد الحكيم العامّة في المسجد الهندي بالنجف(٤) .

____________

١ ـ مصادر نهج البلاغة وأسانيده ١ : ١٠٣.

٢ ـ مصادر نهج البلاغة وأسانيده تأليف : السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، وانظر أيضاً : رياض العلماء ٤ : ٢٧ ، ٥٥.

٣ ـ رياض العلماء ٢ : ٣٦.

٤ ـ الذريعة ٢٤ : ٤١٣ [ ٢١٧٣ ].

٣٦٤

(٣٧) كتاب : المجازات النبويّة

الحديث :

في حديثه عن المجازات التي استعملها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال :

ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الكلام الذي تكلّم به يوم الغدير : « وأسألكم عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما » ، فقيل له : وما الثقلان يا رسول الله؟

فقال : « الأكبر منهما كتاب الله ، سبب طرف منه بيد الله ، وطرف بأيدكم » ، هذه رواية زيد بن أرقم ، وفي رواية أبي سعيد الخدري : « حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، والأصغر منهما عترتي أهل بيتي ، إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، وفي رواية أُخرى : « حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض » ، فإنّ الكلام يعود على الثقلين ، وهذه استعارة(١) .

المجازات النبويّة أو مجازات الآثار النبويّة :

نسبه إليه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في رجاله(٢) ، وابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في معالمه(٣) ، وغيرهما(٤) .

____________

١ ـ المجازات النبويّة : ٢٠٥ [ ١٧٨ ].

٢ ـ رجال النجاشي : ٣٩٨ [ ١٠٦٥ ].

٣ ـ معالم العلماء : ٥١ [ ٣٣٦ ].

٤ ـ انظر ما قدمنا ذكره من مصادر في ترجمة الشريف الرضي.

٣٦٥

وجعله المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) من مصادر البحار(١) ، وذكره الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) في ضمن مصادر الوسائل ، وذكر طريقه إليه(٢) .

قال الميرزا عبد الله الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) : ورأيت المجازات النبويّة في ناحية عبد العظيم عند المدرس(٣) .

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) : مجازات الآثار النبويّة للسيّد الشريف الرضي ، وطبع « المجازات » طبعاً ، غير خال عن الغلط في ١٣٢٨ ، وأُعيد طبعه في مصر صحيحاً ، ويخفّف فيقال « المجازات النبويّة »(٤) .

____________

١ ـ البحار ١ : ١١ ، ٣٠.

٢ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٦ ، ١٨٢.

٣ ـ رياض العلماء ٥ : ١٨٤.

٤ ـ الذريعة ١٩ : ٣٥١ [ ١٥٦٨ ].

٣٦٦

(٣٨) مائة منقبة ( من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) )

لأبي الحسن محمّد بن أحمد بن علي القمّي المعروف

بـ ( ابن شاذان ) ( كان حيّاً سنة ٤١٢ هـ )

الحديث :

حدَّثنا أبو محمّد عبد الله بن يوسف بن بابويه الأصبهاني بنيشابور ، قال : حدَّثني حامد بن محمّد الهروي ، قال : حدَّثني علي بن محمّد بن عيسى ، قال : حدَّثني محمّد بن عكاشة ، قال : حدَّثني محمّد بن الحسن ، قال : حدَّثني محمّد بن سلمة ( عن ) خصيف ، عن مجاهد ، قال : قيل لابن عبّاس : ما تقول في عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام )؟.

فقال : ذكرت ـ والله ـ أحد الثقلين ، سبق بالشهادتين ، وصلّى القبلتين(١) .

ورواه عن ابن شاذان ، الخوارزمي ( ت ٥٦٨ هـ ) في مقتل الحسين(٢) ،

____________

١ ـ مائة منقبة : ١٣٠ ، المنقبة الخامسة والسبعون.

وإيراد قول ابن عبّاس هنا لوضوح أنّ قوله : أحد الثقلين إشارة إلى قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك تحديده لمحلّ النزاع في الثقل الثاني بعد أن اتّفقوا على أنّ الثقل الأوّل هو القرآن الكريم ، وعنه في البرهان ١ : ٢٧ ح ١٤.

٢ ـ مقتل الحسين ١ : ٨٠ ح ٣٤ ، في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).

وفيه : وذكر ابن شاذان هذا ، أخبرنا عبد الله بن يوسف ، عن حامد بن محمّد الهروي ، عن علي بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عكاشة ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن سلمة ، عن خصيف عن مجاهد .

٣٦٧

والمناقب(١) .

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن علي القمّي ( ابن شاذان ) :

ترحّم عليه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) عندما ذكر كتابي أبيه : زاد المسافر وكتاب الأمالي ، وقال : أخبرنا بهما ابنه أبو الحسن رحمهما الله(٢) .

فهو ثقة باعتباره من شيوخ النجاشي الذين استفاد العلماء من كلماته توثيقهم.

وقال البهبهاني ( ت ١٢٠٥ هـ ) في التعليقة : محمّد بن أحمد بن علي ابن الحسن بن شاذان الفامي أبو الحسن ، مضى في أبيه ما يظهر منه حسن حاله حيث جعل معرّفاً لأبيه الجليل ، وترحّم عليه النجاشي(٣) .

وقد أُعترض عليه بأنّ النجاشي لم يجعله معرّفاً لأبيه(٤) .

وقال المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) ـ بعد أن ذكر ما في تعليقة الوحيد البهبهاني ـ : وحكى في التكملة عن خطّ المجلسي ( رحمه الله ) أنّ محمّد بن أحمد ابن علي بن الحسن بن شاذان القمّي يروي عنه أبو الفتح الكراجكي ويثني عليه ، له مائة حديث في المناقب وغيره ، وقال في مواضع : حدَّثني الشيخ

____________

١ ـ المناقب للخوارزمي : ٣٢٩ ح ٣٤٩ ، في فضائل له شتّى.

وذكر هنا سنده إلى ابن شاذان ، هكذا : وأنبأني الإمام الحافظ صدر الحفّاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطّار الهمداني ، والإمام الأجلّ نجم الدين أبو منصور محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي ، قالا : أنبأنا الشريف الإمام الأجلّ نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمّد بن علي الزينبي ، عن الإمام محمّد بن أحمد بن علي ابن الحسن بن شاذان ، حدَّثنا أبو محمّد عبد الله بن يوسف بن بابويه الإصبهاني ، وعن الخوارزمي البحراني في غاية المرام ٢ : ٣١٢ ح ٢٤ ، الباب [ ٢٨ ] ، و ٦ : ٢٠٢ ح ٧ ، الباب [ ٩١ ] ، وينابيع المودّة ١ : ٤١٩ ح ٧ ، الباب [ ٤٧ ].

٢ ـ رجال النجاشي : ٨٤ [ ٢٠٤ ] ، أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان.

٣ ـ منهج المقال : ٢٨٠ ، تعليقة البهبهاني.

٤ ـ انظر : معجم رجال الحديث ١٦ : ١٧ ، قاموس الرجال ٩ : ٧٢.

٣٦٨

الفقيه ، انتهى ، قلت : لا شبهة في كونه إماميّاً ، فكونه فقيهاً مدح يدرجه في الحسان(١) .

وذكره ابن شهرآشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في معالم العلماء(٢) .

كتاب المائة منقبة :

ذكر الكتاب المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) في ضمن مصادر البحار ، وقال : وكتاب المناقب للشيخ الجليل أبي الحسن محمّد بن أحمد بن علي ابن الحسن بن شاذان القمّي أستاد أبي الفتح الكراجكي ، ويثني عليه كثيراً في كنزه ، وذكره ابن شهرآشوب في المعالم(٣) .

وذكره الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) في أمل الآمل ، قال : فاضل جليل ، له كتاب مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مائة منقبة من طرق العامّة ، روى عنه الكراجكي ، ويروي هو عن ابن بابويه ، وكتابه المذكور عندنا(٤) .

وقد ذكره في الفائدة العاشرة من مقدّمة إثبات الهداة في الكتب التي رآها : كتاب المناقب لمحمّد بن أحمد بن شاذان(٥) ، وذكر كتابه ( إيضاح دفائن النواصب ) في الكتب التي نقل منها ولم يرها ، في نفس الفائدة ، وقال : كتاب إيضاح دفائن النواصب لمحمّد بن أحمد بن علي بن شاذان القمّي(٦) ، ممّا يدلّ على أنّهما كتابان عنده.

____________

١ ـ تنقيح المقال ٢ : ٧٣ ، من أبواب الميم.

٢ ـ معالم العلماء : ١١٧ ، وانظر : منتهى المقال ٥ : ٣٢٩ ، الكنى والألقاب ١ : ٣٢٣ ، سفينة البحار ٢ : ٨١٨ ، أعيان الشيعة ٩ : ١٠١ ، روضات الجنّات ٦ : ١٧٩ [ ٥٧٧ ] ، رياض العلماء ٥ : ٢٦.

٣ ـ البحار ١ : ١٨.

٤ ـ أمل الآمل ٢ : ٢٤١ [ ٧١٢ ].

٥ ـ إثبات الهداة ١ : ٥٨ ، الفائدة العاشرة.

٦ ـ إثبات الهداة ١ : ٦٢ ، الفائدة العاشرة ، وانظر : رياض العلماء ٥ : ٢٦.

٣٦٩

ولكن الشيخ النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) ذكر في خاتمة مستدركه أنّهما كتاب واحد ، وجاء على ذلك بعدّة قرائن من كلام الكراجكي في كتبه ، واعترض على صاحب الروضات ; لأنّه عدّهما كتابين(١) .

وكذا فعل كلّ من محمّد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم في حاشيتهما على رجال السيّد بحر العلوم(٢) .

ولكن تلميذ صاحب المستدرك العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) عدّهما كتابين ، وذكر أنّ كتاب المائة منقبة يحتوي على مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهو غير ( إيضاح الدفائن ) الذي هو في أعمال الرؤساء المتقدّمين ولا سيّما الأوّلين ومخالفة عهدهم وبيان نفاقهم وبدعهم وتكذيب مارووه من الموضوعات في حقّهم ، وليست فيه رواية في المناقب ولو واحدة ، ثمّ ذكر عدّة نسخ له(٣) .

ومنشأ الاشتباه هو قول الكراجكي ( ت ٤٤٩ هـ ) : إنّ إيضاح دفائن النواصب هو المائة منقبة ، قال الطهراني في الذريعة : قال الكراجكي في تصانيفه : الاستبصار وكنز الفوائد وإيضاح المماثلة : « إنّ إيضاح دفائن النواصب هو في ماية منقبة من مناقب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) » ، فهو ما يأتي في حرف الميم بعنوان المائة منقبة ، وأنّه لأُستاذه المذكور ، وهو الذي قرأه على شيخه المؤلّف له بمكّة في المسجد الحرام سنة ٤١٢ هـ.

وقوّى شيخنا في خاتمة المستدرك قول الكراجكي ، واعترض على صاحب الروضات بما يعود إلى تصحيف في طبعه ، ولكن رأيت بخطّ الشيخ العلاّمة الماهر الحاجّ ميرزا يحيى ابن ميرزا محمّد شفيع المستوفي الإصفهاني صاحب التصانيف البالغة إلى الثلاثين والمتوفّى بعد سنة ١٣٢٥

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ٣ : ١٣٨ ، الفائدة الثالثة ، وانظر : روضات الجنّات ٦ : ١٧٩ [ ٥٧٧ ].

٢ ـ الفوائد الرجالية ٣ : ٣٠٥ ، الهامش (١).

٣ ـ الذريعة ١٩ : ٢.

٣٧٠

ما كتبه على أواخر كتاب ( إيضاح المماثلة ) بين طريقي إثبات النبوّة والإمامة تأليف العلاّمة الكراجكي عند قول الكراجكي : إنّ إيضاح الدفائن هو الماية منقبة ، بما ملخّصه أنّ إيضاح الدفائن غير الماية منقبة ، وهما موجودان عندي ، فالثاني ممحّض في المناقب ولذا يقال له الفضائل ، وأمّا الأوّل فلم يوجد فيه ولا حديث واحد في الفضائل ، بل هو ممحّض في المثالب على ما دلّت عليه الأدلّة العقليّة والآيات الشريفة والأحاديث الصحيحة ، كما يدلّ عليه ظاهر العنوان.

وأمّا قول الكراجكي في تصانيفه : إنّ إيضاح الدفائن هو الماية منقبة ، فوجهه أنّ الكراجكي عند قراءته الماية منقبة على شيخه بمكّة سأله عمّا بلغه من كتاب شيخه الموسوم بـ ( إيضاح الدفائن ) ولم ير الشيخ ذلك الوقت والمجلس مقتضياً لبيان موضوعه ، فأجابه بأنّ إيضاح الدفائن هو هذا الكتاب ، قاصداً به بيان اتّحاد الغرض منه ومن هذا الكتاب ، وهو كشف الحقائق والواقعيّات وإثبات الحقّ وتعيين أهله ، ولم يرد اتّحاد شخص الكتابين ، والكراجكي لخلوّ ذهنه عن مقتضى المقام حمل جواب شيخه على ظاهره ، ولم يتّفق له بعد ذلك رؤية إيضاح الدفائن ، فأخبر في كتبه باتّحادهما ، لكنّ الكتابين متعدّدان موجودان عندي ، انتهى ملخّص ما رأيته بخطّ الحاجّ ميرزا يحيى(١) .

ونبّه العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) على ذلك أيضاً في كتابه طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس )(٢) .

وقال الميرزا يحيى بن محمّد شفيع ( ت ١٣٢٥ هـ ) في حاشيته على مستدرك الوسائل : وأقول : بعد ما رأيت ما نقله المصنّف ( رحمه الله )(٣) عن

____________

١ ـ الذريعة ٢ : ٤٩٤ [ ١٩٤٢ ].

٢ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس ) ٢ : ١٥٠.

٣ ـ هو صاحب المستدرك الميرزا حسين النوري.

٣٧١

الكراجكي ـ تلميذ الشيخ الجليل ابن شاذان ـ تصريحه في كتابه في الإمامة باتّحاد كتاب الإيضاح مع كتاب المائة منقبة لمولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وتحقّقت ذلك بالرجوع إلى نفس تلك الرسالة فوجدته كما نقله وتحيّرت من ذلك ، وقلت : لا يلزم من رواية الكراجكي عن ابن شاذان كونه تلميذاً له ، عرّيفاً بجميع مصنّفاته ، بل سافر إلى حجّ بيت الله ، فاتّفق أن لاقى في مكّة ابن شاذان وروى عنه كتاب المائة منقبة ، وأجازه روايتها ، ولم يعثر بكتابه الإيضاح ، لمّا فات إظهاره في مسجد الحرام ، لما فيه من مطاعن الخلفاء ومثالبهم ، فظنّ الكراجكي اتّحاد الكتابين ، وليس كذلك قطعاً كما بذلك عليه تسميته بإيضاح دقائق النواصب ، فإنّ هذا الاسم لدينا يسمّى المناقب المرويّة لأمير المؤمنين ، خصوصاً من طرقهم ، ومع ذلك كلّه غريب جدّاً ، ورسالة الكراجكي في الإمامة التي فيها هذه العبارة.

ثمّ قال : طلبت نسخة كتاب الإيضاح ـ وكان أمانة عند بعض العلماء ـ فوجدته كتاباً قريباً من خمسين ورقة ، إلاّ أنّ في بعض المواضع منه بياضاً بقدر صفحة أو ورق ، وذكر ناسخه أنّ هذه البياضات كانت في النسخة التي استنسخ منها ونقلها كما كانت.

ثمّ ذكر أوّل خطبة الكتاب.

أقول : وهي تختلف عن خطبة كتاب المائة منقبة ، بل تنطبق على خطبة الإيضاح المنسوب إلى الفضل بن شاذان النيشابوري ( ت ٢٦٠ هـ ) الذي مرّ سابقاً ، وبعض ما جاء فيه ، وأنّه ليس فيه أي منقبة لأمير المؤمنين وخاتمة الكتاب.

ثمّ قال : ولا شكّ أنّ هذا هو كتاب إيضاح دفائن النواصب ، كما لا شكّ أنّه غير كتاب المائة منقبة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) بأسانيد المخالفين ، فإنّه ليس في هذا الكتاب منقبة مسندة له ( عليه السلام ) ، إلاّ بعض المناقب التي انجرّ

٣٧٢

الكلام إليها وذكرها ضمناً.

ثمّ ذكر أنّه قارن بين كتاب الكراجكي في الإمامة وكتاب إيضاح الدفائن ، وأنّه لم يجد أيّاً من الروايات التي رواها الكراجكي عن ابن شاذان في كتاب الإيضاح ، وقال : فزاد تعجّبي من ذلك ، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً(١) .

وعدّهما في أعيان الشيعة كتابين(٢) .

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ٣ : ١٣٨ ، الهامش (٣) ، وفي أوّله ، هكذا : جاء في الهامش المخطوط ، وأقول . ، إلى آخره ، و ١٤٠ ، الهامش (٢) ، وفي آخر الهامش ، هكذا : لمحرّره يحيى بن محمّد شفيع عفي عنهما في الدارين.

وقد ذكر المحقّقون في مقدّمة التحقيق أنّ في أحد نسخ خاتمة مستدرك الوسائل توجد حاشية ليحيى بن محمّد شفيع.

٢ ـ أعيان الشيعة ٩ : ١٠١.

٣٧٣
٣٧٤

مؤلّفات الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان

المفيد ( ت ٤١٣ هـ )

(٣٩) كتاب : الأمالي

الحديث :

الأوّل : قال : أخبرني أبو حفص عمر بن محمّد بن علي الصيرفي ، قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد الحسني ، قال : حدَّثنا عيسى بن مهران ، قال : أخبرنا يونس بن محمّد ، قال : حدَّثنا عبد الرحمن بن الغسيل ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن خلاّد الأنصاري ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال : إنّ عليّ بن أبي طالب والعبّاس بن عبد المطّلب والفضل بن العبّاس دخلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرضه الذي قبض فيه ، فقالوا : يا رسول الله ، هذه الأنصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها عليك ، فقال : « وما يبكيهم؟ »

قالوا : يخافون أن تموت ، فقال : « أعطوني أيديكم » فخرج في ملحفة وعصابة حتّى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

« أمّا بعد ، أيّها الناس فما تنكرون من موت نبيّكم؟ ألم أنع إليكم وتنع إليكم أنفسكم؟ لو خلّد أحد قبلي ثمّ بعث إليه لخلّدت فيكم ، إلاّ أنّي لاحق بربّي ، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله تعالى

٣٧٥

بين أظهركم ، تقرؤونه صباحاً ومساءً ، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ، وكونوا إخواناً كما أمركم الله ، وقد خلّفت فيكم عترتي أهل بيتي ، وأنا أُوصيكم بهم ، ثمّ أُوصيكم بهذا الحيّ من الأنصار ، فقد عرفتم بلاهم عند الله عزّ وجلّ وعند رسوله وعند المؤمنين ، ألم يوسّعوا في الديار ويشاطروا الثمار ، ويؤثروا وبهم الخصاصة؟ فمن ولي منكم أمراً يضرّ فيه أحد أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار وليتجاوز عن مسيئهم » ، وكان آخر مجلس جلسه حتّى لقي الله عزّ وجلّ(١) .

الثاني : قال : أخبرني أبو الحسن علي بن محمّد الكاتب ، قال : حدَّثنا الحسن بن علي الزعفراني ، قال : حدَّثنا إبراهيم بن محمّد الثقفي ، قال : حدَّثني أبو عمر وحفص بن عمر الفرّاء ، قال : حدَّثنا زيد بن الحسن الأنماطي ، عن معروف بن خربوذ ، قال : سمعت أبا عبيد الله مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن علي ( عليهما السلام ) ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول الله ( عليه السلام ) ، لخطبة خطبنا في مرضه الذي توفّي فيه ، خرج متوكّئاً على علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وميمونة مولاته ، فجلس على المنبر ، ثمّ قال : « يا أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم الثقلين » ، وسكت ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، ما هذان الثقلان؟ فغضب حتّى احمرّ وجهه ثمّ سكن ، وقال : « ما ذكرتهما إلاّ وأنا أُريد أن أُخبركم بهما ، ولكن ربوت فلم أستطع ، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم ، تعملون فيه كذا وكذا ، ألا وهو القرآن ، والثقل الأصغر أهل بيتي » ، ثمّ قال : « وأيم الله إنّي لأقول لكم هذا ورجال في أصلاب أهل الشرك أرجى عندي من كثير منكم » ، ثمّ قال : « والله لا يحبّهم عبد إلاّ أعطاه الله نوراً يوم القيامة ، حتّى

____________

١ ـ الأمالي : ٤٥ ح ٦ المجلس السادس ، وعنه في إثبات الهداة ١ : ٦٣٤ ح ٧٤٠ ، فصل (٤١) ، وغاية المرام ٢ : ٣٦٥ ح ٧٨ ، الباب [ ٢٩ ] ، والبحار ٢٢ : ٤٧٤ ح ٢٣.

٣٧٦

يرد على الحوض ، ولا يبغضهم عبد إلاّ احتجب الله عنه يوم القيامة » ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « إنّ أبا عبيد الله يأتينا بما يعرف »(١) .

الثالث : قال : حدَّثنا أبو القاسم إسماعيل بن محمّد الأنباري الكاتب ، قال : حدَّثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد الأزدي ، قال : حدَّثنا شعيب بن أيّوب ، قال : حدَّثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن هشام بن حسّان ، قال : سمعت أبا محمّد الحسن بن علي ( عليهما السلام ) يخطب الناس بعد البيعة له بالأمر ، فقال : « نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أُمّته ، والتالي كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمعوّل علينا في تفسيره ، لا نتظنّي تأويله ، بل نتيقّن حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ; إذ كانت بطاعة الله عزّ وجلّ ورسوله مقرونة ، قال الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) ،( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ، الحديث(٢) .

ورواه عن المفيد الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في أماليه(٣) ، وسيأتي في

____________

١ ـ الأمالي : ١٣٤ ح ٣ ، المجلس السادس عشر ، وعنه في البرهان ١ : ١١ ح ١٠ ، وغاية المرام ٢ : ٣٥٩ ح ٥٧ ، الباب (٢٩) ، والبحار ٢٢ : ٤٧٥ ح ٢٥.

٢ ـ الأمالي : ٣٤٨ ح ٤ ، المجلس الحادي والأربعون ، وعنه في غاية المرام ٢ : ٣٦٥ ح ٧٧ ، الباب [ ٢٩ ] و ٣ : ١١٥ ح ١٣ ، الباب [ ٥٩ ] ، والبحار ٣٤ : ٣٥٩ ، الباب [ ١٧ ].

٣ ـ أمالي الطوسي : ١٢١ ح ١٨٨ ، المجلس الخامس ، وفيه : والثاني كتاب الله ، وسيأتي في ما سنذكره عن أمالي الطوسي ، الحديث الأوّل.

وفيه : المفيد عن إسماعيل بن محمّد الأنباري ، عن إبراهيم بن محمّد الأزدي ، عن شعيب بن أيّوب ، عن معاوية بن هشام بن سفيان ، عن هشام بن حسّان ، قال : سمعت الخ.

٣٧٧

بشارة المصطفى للطبري ( القرن السادس )(١) .

محمّد بن محمّد بن النعمان « المفيد » :

قال النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) : محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن ياسر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس ابن سعيد بن سنان بن عبد الدار بن الريّان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عُلة بن خلد بن مالك بن أُدَد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، شيخنا وأُستاذنا ( رضي الله عنه ) ، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

ثمّ قال :

مات ( رحمه الله ) ليلة الجمعة لثلاث [ ليال [ خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربع مائة ، وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة ، وصلّى عليه الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بميدان الأُشنان ، وحاق على الناس مع كبره ، ودفن في داره سنين ، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيّد أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وقيل : مولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة(٢) .

وقال الشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) في رجاله : محمّد بن محمّد بن النعمان ، جليل ، ثقة(٣) .

____________

١ ـ بشارة المصطفى : ١٧٠ ح ١٣٩ ، الجزء الثاني ، وسيأتي في ما سنذكره عن بشارة المصطفى للطبري ، الحديث الرابع.

٢ ـ رجال النجاشي : ٣٩٩ [ ١٠٦٧ ].

٣ ـ رجال الطوسي : ٤٤٩ [ ٦٣٧٥ ].

٣٧٨

وقال في الفهرست : محمّد بن محمّد بن النعمان ، يكنّى أبا عبد الله ، المعروف بابن المعلّم ، من جلّة متكلّمي الإماميّة ، انتهت رئاسة الإماميّة في وقته إليه في العلم ، وكان مقدّماً في صناعة الكلام ، وكان فقيهاً متقدّماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب.

وله قريب من مائتي مصنّف ، كبار وصغار ، وفهرست كتبه معروف ، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وتوفّي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ، وكان يوم وفاته لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه ، وكثرة البكاء من المخالف له والمؤالف(١) .

وقد نقل في ترجمته أنّ له ثلاث توقيعات من صاحب الأمر ( عج )(٢) ، وكذا سبب تسميته بالمفيد(٣) ، اكتفينا عن ذكرها بإيراد مصادر ترجمته فهو أشهر من نار على علم.

____________

١ ـ فهرست الطوسي : ٤٤٤ [ ٧١١ ]. وانظر : معالم العلماء : ١١٢ [ ٧٦٥ ] ، خلاصة الأقوال : ٢٤٨ [ ٨٤٤ ] ، رجال ابن داود : ١٨٣ [ ١٤٩٥ ] ، إيضاح الاشتباه : ٢٩٤ [ ٦٨٣ ] ، الوجيزة ( رجال المجلسي ) : ٣١٣ [ ١٧٧٢ ] ، لؤلؤة البحرين : ٣٥٦ [ ١٢٠ ] ، بلغة المحدّثين : ٤١٤ ، أمل الآمل ٢ : ٣٠٤ [ ٩٢١ ] ، جامع الرواة ٢ : ١٨٩ ، الكنى والألقاب ٣ : ١٩٧ ، هداية المحدّثين : ٢٥٢ ، نقد الرجال ٤ : ٣١٥ [ ٥٠٥١ ] ، منتهى المقال ٦ : ١٨٥ [ ٢٨٦٠ ] ، حاوي الأقوال ٢ : ٢٦٦ ، مجمع الرجال ٦ : ٣٣ ، رياض العلماء ٥ : ١٧٦ ، روضات الجنّات ٦ : ١٥٣ [ ٥٧٦ ] ، بهجة الآمال ٦ : ٥٨٦ ، تنقيح المقال ٣ : ١٨٠ ، قاموس رجال ٩ : ٥٥٢ [ ٧٢٤٤ ] ، فهرست ابن النديم : ٢٢٦ و ٢٤٧ ، معجم رجال الحديث ١٨ : ٢١٣ [ ١١٧٤٤ ] ، الكامل في التاريخ ٩ : ١٧٨ ، ٢٠٨ ، ٣٠٧ ، ٣٢٩ ، سير أعلام النبلاء ١٧ : ٣٤٤ [ ٢١٣ ] ، المنتظم ٩ : ٤٤٠٨ ، البداية والنهاية ١٢ : ١٥ ، طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس ) : ١٨٦ مقالات مؤتمر الشيخ المفيد ، (١) حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته.

٢ ـ الاحتجاج ٢ : ٥٩٦ [ ٣٥٩ ].

٣ ـ السرائر ٣ : ٦٤٨.

٣٧٩

كتاب الأمالي :

نسبه إليه النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) في رجاله(١) باسم ( كتاب الأمالي المتفرّقات ) ، وجعله العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) أحد مصادر كتابه ، مسمّياً له بكتاب المجالس ، قال : وكتاب المجالس ، وجدنا منه نسخاً عتيقة والقرائن تدلّ على صحّته(٢) .

ومثله الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) في الوسائل ، وذكر طرقه إلى المفيد أيضاً(٣) .

وقال السيّد الموسوي الخوانساري ( ت ١٣١٣ هـ ) : ويظهر من مقدّمات بحار مولانا المجلسي ( رحمه الله ) أنّ جملة ما كان يوجد عنده من مصنّفات الرجل حين تأليفه « البحار » ثمانية عشر كتاباً منها : كتاب « الإرشاد » ، كتاب « المجالس » ، كتاب « الاختصاص » ، أقول : وغالب هذه الكتب موجودة في هذه الأزمنة ـ أيضاً ـ كثيراً ، وخصوصاً الثلاثة الأُول منها(٤) .

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) : وعبّر عنه النجاشي بالأمالي المتفرّقات ، ولعلّ وجهه أنّه أملاه في مجالس في سنين متفرّقة أوّلها سنة ٤٠٤ وآخرها سنة ٤١١ ، إلى أن قال : ورأيت منه نسخة في خزانة كتب الشيخ ميرزا محمّد الطهراني ، وهي بخطّ محمّد هادي بن علي رضا التنكابني سنة ١١٠١(٥) .

وذكره مرّة أُخرى بعنوان المجالس(٦) .

____________

١ ـ رجال النجاشي : ٣٩٩ [ ١٠٦٧ ].

٢ ـ البحار ١ : ٧ ، ٢٧ ، توثيق المصادر ، وانظر : رياض العلماء ٥ : ١٧٦.

٣ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٧ ، ١٧٩.

٤ ـ روضات الجنّات ٦ : ١٥٥.

٥ ـ الذريعة ٢ : ٣١٥ [ ١٢٥٢ ].

٦ ـ الذريعة ١٩ : ٣٦٧ [ ١٦٤٠ ] ، وانظر : فهرست التراث ١ : ٤٧١ ، وما ذكره العلاّمة

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619