موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

موسوعة حديث الثقلين9%

موسوعة حديث الثقلين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 978-600-5213-63-8
الصفحات: 619

الجزء ١ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 619 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161086 / تحميل: 4906
الحجم الحجم الحجم
موسوعة حديث الثقلين

موسوعة حديث الثقلين الجزء ١

مؤلف:
الناشر: ستارة
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٦٣-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

نقرأ في حديث عن التاسع من أئمة الإسلام العظام ، الإمام محمد التقي الجوادعليه‌السلام «إيّاك ومصاحبة الشرير ، فإنه كالسيف المسلول ، يحسن منظره ويقبح أثره».(1)

وقال الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أربع يمتن القلب : الذنب على الذنب

ومجالسة الموتى» قيل له : يا رسول الله ، وما الموتى؟ قال : «كل غني مترف».(2)

* * *

__________________

(1) بحار الأنوار ج 74 ص 198.

(2) الخصال ، للصدوق ، طبقا لنقل بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 195.

٢٤١

الآيات

( وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34) )

التّفسير

إلهي ، إنّ الناس قد هجروا القرآن :

كما تناولت الآيات السابقة أنواعا من ذرائع المشركين والكافرين المعاندين ، تتناول الآية الأولى في مورد البحث هنا حزن وشكاية الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين يدي اللهعزوجل من كيفية تعامل هذه الفئة مع القرآن ، فتقول :

٢٤٢

( وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) .(1)

قول الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا ، وشكواه هذه ، مستمران إلى هذا اليوم من فئة عظيمة من المسلمين ، يشكو بين يدي الله أنّهم دفنوا القرآن بيد النسيان ، القرآن الذي هو رمز الحياة ووسيلة النجاة ، القرآن الذي هو سبب الإنتصار والحركة والترقي ، القرآن الممتلئ ببرامج الحياة ، هجروا هذا القرآن فمدّوا يد الاستجداء إلى الآخرين ، حتى في القوانين المدنية والجزائية.

إلى الآن ، لو تأملنا في وضع كثير من البلدان الإسلامية ، خصوصا أولئك الذين يعيشون تحت هيمنة الشرق والغرب الثقافية ، لوجدنا أنّ القرآن بينهم كتاب للمراسم والتشريفات ، يذيعون ألفاظه وحدها بأصوات عذبة عبر محطات البث ، ويستخدمونه في زخرفة المساجد بعنوان الفن المعماري ، ولافتتاح منزل جديد ، أو لحفظ مسافر ، وشفاء مريض ، وعلى الأكثر للتلاوة من أجل الثواب.

ويستدلون بالقرآن ، أحيانا وغايتهم إثبات أحكامهم المسبّقة الخاطئة من خلال الاستعانة بالآيات ، وبالاستفادة من المنهج المنحرف في التّفسير بالرأي.

في بعض البلدان الإسلامية ، هناك مدارس في طول البلاد وعرضها بعنوان : مدارس «تحفيظ القرآن» وفريق عظيم من الأولاد والبنات مشغولون بحفظ القرآن ، في الوقت الذي تؤخذ أفكارهم عن الغرب حينا ، وعن الشرق حينا آخر ، وتؤخذ قوانينهم وقراراتهم من الأجانب ، أمّا القرآن فغطاء لمخالفاتهم فقط.

نعم ، اليوم أيضا يصرخ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) . مهجورا من ناحية لبّه ومحتواه ، متروكا من ناحية الفكر والتأمل ،

__________________

(1) الظاهر أن جملة «قال» فعل ماض ، تدل على أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد ذكر هذا القول على سبيل الشكوى في هذه الدنيا ، وأكثر المفسّرين أيضا على هذا الإعتقاد ، لكن بعضا آخر مثل «العلامة الطباطبائي» في «الميزان» يعتقدون أن هذا القول مرتبط بيوم القيامة ، والفعل الماضي هنا بمعنى المضارع. وذكر العلامة الطبرسي في مجمع البيان أيضا هذا على سبيل الاحتمال ، لكن الآية التي بعدها ، والتي فيها جنبة مواساة للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل على أن التّفسير المشهور هو الأصح.

٢٤٣

ومهملا من ناحية برامجه البناءة.

تقول الآية التي بعدها في مواساة النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث كان يواجه هذا الموقف العدائي للخصوم :( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) .

لست وحدك قد واجهت هذه العداوة الشديدة لهذه الفئة ، فقد مرّ جميع الأنبياء بمثل هذه الظروف ، حيث كان يتصدى لمخالفتهم فريق من (المجرمين) فكانوا يناصبونهم العداء.

ولكن اعلم أنّك لست وحيدا ، وبلا معين( وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً ) .

فلا وساوسهم تستطيع أن تضللك ، لأنّ الله هاديك ، ولا مؤامراتهم تستطيع ، أن تحطمك ، لأن الخالق معينك ، الخالق الذي علمه فوق كل العلوم ، وقدرته أقوى من كل القدرات.

الآية التي بعدها ، تشير أيضا إلى ذريعة أخرى من ذرائع هؤلاء المجرمين المتعللين بالمعاذير ، فتقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) .

أليس القرآن جميعه من قبل الله!؟ أليس من الأفضل أن ينزل جميع محتوى هذا الكتاب دفعة واحدة حتى يقف الناس على عظمته أكثر؟ ولماذا تتنزل هذه الآيات تدريجيا وعلى فواصل زمنية مختلفة؟

وقد يأخذ هذا الإشكال في كيفية نزول القرآن مأخذه من الأفراد السطحيين ، خاصّة إذا كانوا من المتمحلين للأعذار بأن هذا الكتاب السماوي العظيم الذي هو أساس ومصدر كل حياة المسلمين ، ومحور كل قوانينهم السياسية والاجتماعية والحقوقية والعبادية ، لماذا لم ينزل كاملا ودفعة واحدة على نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى يقرأه أتباعه من البداية إلى النهاية فيطلعون على محتواه. وأساسا فقد كان الأفضل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا أن يكون ذا اطلاع على جميع هذا القرآن دفعة واحدة ، كيما يجيب الناس فورا على كل ما يسألونه ويريدون

٢٤٤

منه.

ولكن القرآن في تتمة نفس هذه الآية يجيبهم :( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) . وقد غفل أولئك السطحيون عن هذه الحقيقة ، فلا شك أن نزول القرآن التدريجي له ارتباط وثيق بتثبيت قلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وسيأتي بحث مفصل عن ذلك في نهاية هذه الآيات.

ثمّ للتأكيد أكثر على هذا الجواب يقول تعالى :( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) . أي أنّهم لا يأتون بمثل أو مقولة أو بحث لاضعاف دعوتك ومقابلتها ، إلّا آتيناك بكلام حقّ يقمع كلماتهم الجوفاء وأدلتهم الخاوية بأحسن بيان وأفضل تفسير.

وبما أنّ هؤلاء الأعداء الحاقدين استنتجوا ـ بعد مجموعة من إشكالاتهم ـ أن محمّدا وأصحابه مع صفاتهم هذه وكتابهم هذا وبرامجهم هذه شرّ خلق الله (العياذ بالله) ، ولأنّ ذكر هذا القول لا يتناسب مع فصاحة وبلاغة القرآن ، فإنّ الله سبحانه يتناول الإجابة على هذا القول في الآية الأخيرة مورد البحث دون أن ينقل أصل قولهم ، يقول :

( الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) .

نعم ، تتضح هناك نتيجة منهاهج حياة الناس ، فريق لهم قامات منتصبة كشجر السرور ، ووجوه منيرة كالقمر ، وخطوات واسعة ، يتوجهون بسرعة إلى الجنّة ، في مقابل فريق مطأطئي رؤوسهم إلى الأرض ، تسحبهم ملائكة العذاب إلى جهنّم ، هذا المصير المختلف يكشف عمن كان ضالا وشقيا! ومن كان مهتديا وسعيدا؟!

* * *

بحوث

1 ـ تفسير( جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا ) .

يفهم من هذه الجملة ـ أحيانا ـ أن الله من أجل مواساة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لست

٢٤٥

وحدك لك عدوّ ، بل لقد جعلنا لكل نبي عدوّا ، ولازم هذا القول إسناد وجود أعداء الأنبياء إلى الله تعالى ، الأمر الذي لا يتفق مع حكمته ولا مع أصل حرية وإرادة الإنسان. ذكر المفسّرون أجوبة متعددة على هذا السؤال

قلنا مرارا أن جميع أعمال الإنسان منسوبة إلى الله ، لأنّ جميع متعلقاتنا ، قدرتنا ، قوانا ، عقلنا وفكرنا ، وحتى حريتنا واختيارنا أيضا من عنده ، وعلى هذا فمن الممكن من هذه الناحية نسبة وجود الأعداء للأنبياء إلى الله ، دون أن يستلزم ذلك الجبر وسلب الإختيار ، ولا يرد خدش في مسئوليتهم إزاء أعمالهم (فتأمل)! مضافا إلى أن وجود هؤلاء الأعداء الأشداء ومخالفتهم للأنبياء ، يكون سببا في أن يصبح المؤمنون أقوى في عملهم ، وأثبت قدما ، فيتحقق الامتحان الإلهي بالنسبة إلى الجميع.

هذه الآية في الحقيقة مثل الآية (112) من سورة الأنعام حيث تقول :( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) .

أمام الأزاهير تنمو الأشواك ، وفي قبال المحسنين يوجد المسيئون ، دون أن تنتفي مسئولية أي واحد من هاتين المجموعتين.

وقال البعض : إنّ المقصود من «جعلنا» هي أوامر ونواهي ومناهج الأنبياء البناءة التي تجر بعض الضالين إلى العداوة ، شاؤوا أم أبوا.

وإذا أسند ذلك إلى الله فلأن الأوامر والنواهي من جهتهعزوجل .

التّفسير الآخر : أن هنالك فئة يطبع الله على قلوبهم ويعمي أبصارهم ويصم أسماعهم بسبب الإصرار على الذنب والإفراط في التعصب واللجاجة ، هذه الفئة يصبحون أعداء الأنبياء في نهاية المطاف ، أمّا أسباب ذلك فهي بما قدموا لأنفسهم.

ولا منافاة بين هذه التفاسير الثلاثة ، فمن الممكن أن تجتمع كلها في مفهوم الآية.

٢٤٦

2 ـ الآثار العميقة لنزول القرآن التدريجي

صحيح أنّه كان للقرآن نزولان ، طبقا للرّوايات (بل لظاهر بعض الآيات) : أحدهما: «نزول دفعي» مرّة واحدة في ليلة القدر على قلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والآخر: «نزول تدريجي» في ثلاث وعشرين سنة ، لكن بلا شك أن النّزول المعترف به الذي كان النّبي والناس يتفاعلون معه دائما هو النّزول التدريجي للقرآن.

وهذا النّزول التدريجي بالذات صار سببا لاستفهامات الأعداء : لماذا لم ينزل القرآن مرّة واحدة ويجعل دفعة واحدة بين أيدي الناس ، حتى يكونوا أكثر اطلاعا وتفهما ، فلا يبقى مكان للشك والريبة؟

ولكن ـ كما رأينا ـ فإنّ القرآن أجابهم جوابا قصيرا وجامعا وبليغا من خلال جملة( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ) ، فكلما تأملنا فيها أكثر تتجلى آثار النّزول التدريجي للقرآن أوضح.

1 ـ لا شك أنّ التشريعات إذا كانت تتنزل بشكل تدريجي تبعا للحاجات ، ويكون لكل مسألة شاهد ومصداق عينيّ ، فستكون مؤثرة جدّا من ناحية «تلقي الوحي» وكذلك «إبلاغ الناس».

مبادئ التربية تؤكّد أنّ الشخص أو الأشخاص المراد تربيتهم ينبغي أن يؤخذ بأيديهم خطوة خطوة ، فينظم لهم لكل يوم برنامج ، ويسلكوا من المرحلة الأدنى التي شرعوا منها إلى المراحل الأعلى والبرامج التي تتدرج بهذه الكيفية تكون أكثر مقبولية وأعمق أثرا.

2 ـ إنّ هؤلاء المعترضين غافلون أساسا عن أنّ القرآن ليس كتابا عاديا يبحث في موضوع أو علم معين ، بل هو منهج حياتي للأمة التي تغيرت به ، واستلهمت منه في جميع أبعاد الحياة ولا تزال.

كثير من آيات القرآن نزلت في مناسبات تاريخية مثل معركة (بدر) و (أحد) و (الأحزاب) و (حنين) ، وبذلك سنّت التشريعات والاستنتاجات من هذه

٢٤٧

الحوادث ، ترى هل يصح أن تكتب هذه مرّة واحدة وتعرض على الناس!؟

بعبارة أخرى : القرآن مجموعة من أوامر ونواه ، أحكام وقوانين ، تاريخ وموعظة ، ومجموعة من الخطط ذات المدى الطويل أو القصير في مواجهة الأحداث التي كانت تبرز أمام مسير الأمة الإسلامية ، كتاب ـ كهذا ـ يبيّن وينفذ جميع مناهجه حتى قوانينه الكلية عن طريق الحضور في ميادين حياة الأمة ، لا يمكن أن ينظم ويدوّن دفعة واحدة.

وهذا من قبيل أن يقوم قائد عظيم بكتابه ونشر جميع بياناته وإعلاناته وأوامره ونواهيه ـ التي يصدرها في المناسبات المختلفة ـ دفعة واحدة من أجل تسيير الثورة ، ترى هل يعتبر هذا العمل عقلائيا!؟

3 ـ النّزول التدريجي للقرآن كان سبب ارتباط النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدائم والمستمر بمبدإ الوحي ممّا يجعل قلبه الشريف أقوى وإرادته أشدّ. ومن غير الممكن إنكار تأثيره في المناهج التربوية.

4 ـ من جهة أخرى فإنّ استمرار الوحي دليل على استمرار رسالة وسفارة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسوف لن يترك مجالا لوسوسة الأعداء لكي يقولوا : لقد بعث هذا النّبي ليوم واحد! ثمّ تركه ربه ، كما نقرأ في التأريخ الإسلامي أن هذه الهمهمة ظهرت أثناء تأخر الوحي في بداية الدعوة ، فأنزلت سورة( وَالضُّحى ) لنفي ذلك.

5 ـ لا شك أنّه إذا كان مقررا لمناهج الإسلام أن تنزل جميعها دفعة واحدة ، فقد كان من اللازم أن تطبّق دفعة واحدة أيضا ، لأن النّزول بدون تطبيق يفقد النّزول قيمته ، ومن المعلوم أن تطبيق جميع المناهج أعم من العبادات كالزكاة والجهاد ، ورعاية جميع الواجبات والامتناع عن كل المحرمات دفعة واحدة

عمل ثقيل جدّا قد يؤدي إلى فرار فئة كبيرة من الإسلام.

وبهذا يتبيّن أن النّزول التدريجي وبالتالي التطبيق التدريجي أفضل من جهات كثيرة.

٢٤٨

وبعبارة أخرى : إنّ أيّ واحد من هذه التشريعات في صورة النّزول التدريجي سيتم هضمه واستيعابه بصورة جيدة ، وفي حالة تعرضه لبعض الاستفهامات يمكن طرحها والاجابة عليها.

6 ـ وفائدة أخرى من فوائد النّزول التدريجي هو اتضاح عظمة وإعجاز القرآن ، ذلك لأن في كل واقعة تنزل عدّة آيات كريمة تكون لوحدها دليل العظمة والاعجاز ، وكلما يتكرر تتجلى أكثر هذه العظمة وهذا الإعجاز ، فينفذ في أعماق قلوب الناس.

3 ـ معنى الترتيل في القرآن :

كلمة «ترتيل» من مادة «رتل» (على وزن قمر) بمعنى انتظم واتسق ، لذا فالعرب يقولون «رتل الإنسان» لمن تكون أسنانه جيدة ومنتظمة ومتسقة. وعلى هذا الأساس يطلق الترتيل بمعنى القراءة المتسقة للكلام أو الآيات بموجب نظام وحساب.

وعلى هذا فجملة( وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ آيات القرآن وإن نزلت تدريجا وفي مدة 23 سنة ، لكنّ هذا النّزول كان على أساس نظام وحساب ومنهج بحيث ادى الى رسوخه في الأفكار وغرسه في القلوب.

في تفسير كلمة «ترتيل» نقلت روايات جذابة ، نشير إلى بعضها كما يأتي :

في تفسير «مجمع البيان» «نقل عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه أمر ابن عباس : «إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلا» فسألته : وما الترتيل؟ قال : «بينه تبيينا ولا تنثره نثر الدقل ولا تهزه هزّ الشعر ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولا يكونن همّ أحدكم آخر

٢٤٩

السورة».(1)

وهناك رواية بهذه المضمون رواه الشيخ الكليني في «أصول الكافي» عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .(2)

ونقل أيضا عن الإمام الصادقعليه‌السلام «الترتيل أن تتمكث به وتحسن به صوتك ، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوّذ بالله من النار ، وإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنّة».(3)

4 ـ تفسير( يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ )

أقوال كثيرة بين المفسّرين في ما هو المقصود بحشر هذه الفئة من المجرمين على وجوههم!؟

بعضهم فسّروا ذلك بنفس معناه الحقيقي ، وقالوا : إنّ ملائكة العذاب يسحبونهم إلى جهنم وهم ملقون على وجوههم إلى الأرض ، وهذا علامة على مهانتهم وذلتهم ، لأنّهم كانوا في الدنيا في غاية الكبر والغرور والاستهانة بخلق الله ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى تجسيد لضلالتهم في هذا العالم ، ذلك أن من يسحبونه بهذه الصورة لا يرى ما أمامه بأي شكل ، وغافل عما حوله.

والبعض الآخر أخذوا بمعناه الكنائي ، فقالوا تارة هذه الجملة كناية عن تعلق قلوب أولئك بالدنيا ، فهم يسحبون إلى جهنم لأن وجوه قلوبهم لا زالت مرتبطة بالدنيا.(4)

__________________

(1) مجمع البيان ، ج 7 ، ص 170 ذيل الآية مورد البحث.

(2) أصول الكافي ، ج 2 ، ص 449 (باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن).

(3) مجمع البحرين مادة رتل.

(4) طبقا لهذا التّفسير ، فإنّ عبارة «على وجوههم» أخذت محل العلّة. فيكون مفهوم الجملة هكذا (يحشرون إلى جهنم لتعلق وجوه قلوبهم إلى الدنيا).

٢٥٠

وقالوا تارة اخرى : انها كناية مستعملة في الأدب العربي حيث يقولون : فلان مرّ على وجهه ، يعني أنّه لم يكن يدري أين يذهب.

لكن الواضح أنّنا مع عدم الدليل على المعنى الكنائي ، لا بدّ من حملها على المعنى الأوّل ، وهو المعنى الحقيقي.

* * *

٢٥١

الآيات

( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) )

التّفسير

مع كل هذه الدروس والعبر ، ولكن

أشار القرآن المجيد في هذه الآيات إلى تاريخ الأمم الماضية ومصيرهم المشؤوم مؤكّدا على ست أمم بخاصّة (الفراعنة ، وقوم نوح ، وقوم عاد ، وثمود ، وأصحاب الرّس ، وقوم لوط) وذلك لمواساة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة ، ولتهديد

٢٥٢

المشركين المعاندين الذين مرّ أنموذج من أقوالهم في الآيات السابقة ، من جهة أخرى ويجسد دروس العبرة من مصير هذه الأقوام بشكل مختصر وبليغ تماما.

يقول أوّلا :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً ) .

فقد ألقيت على عاتقيهما لمسؤولية الثقيلة في جهاد الفراعنة ، ويجب عليهما مواصلة هذا العمل الثوري بمساعدة أحدهما الآخر حتى يثمر( فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ) فإنّهم قد كذبوا دلائل الله وآياته التي في الآفاق وفي الأنفس وفي كل عالم الوجود ، وأصروا على طريق الشرك وعبادة الأصنام من جهة ومن جهة أخرى أعرضوا عن تعاليم الأنبياء السابقين وكذبوهم.

ولكن بالرغم من جميع الجهود والمساعي التي بذلها موسى وهارون ، بالرغم من رؤية كل تلك المعجزات العظيمة والبينات المتنوعة ، أصروا أيضا على طريق الكفر والإنكار ، لذا( فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً ) .

كلمة «تدمير» من مادة «دمار» بمعنى الإهلاك بأسلوب يثير العجب ، حيث كان هلاك قوم فرعون في أمواج النيل المتلاطمة بتلك الكيفية المعروفة من عجائب التاريخ حقا.

وكذلك :( وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ، وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً ) .

الملفت للانتباه أنّه تعالى يقول : إنّ أولئك كذبوا الرسل (لا رسولا واحدا فقط) ذلك أنه لا فرق بين أنبياء الله ورسله في أصل الدعوة ، وتكذيب واحد منهم تكذيب لجميعهم ، فضلا عن أنّهم كانوا مخالفين لدعوة جميع أنبياء الله ومنكرين لجميع الأديان.

وكذلك :( وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ) .(1)

__________________

(1) «وعادا وثمودا» عطف على ضمير «هم» في جملة «دمرناهم». واحتمل بعضهم أيضا أن العطف على «هم» في «جعلناهم» ، أو يكون عطفا على محل «الظالمين» لكن الاحتمال الأوّل مناسب أكثر.

٢٥٣

«قوم عاد» هم قوم النّبي «هود» العظيم ، الذي بعث في منطقة (الأحقاف) أو (اليمن).

و «قوم ثمود» قوم نبي الله «صالح» الذي بعث في منطقة وادي القرى (بين المدينة والشام) ، أمّا ما يتعلق بمسألة «أصحاب الرس» فسنبحثها في نهاية هذا البحث.

«قرون» جمع «قرن» وهي في الأصل بمعنى الجماعة الذين يعيشون معا في زمان واحد ، ثمّ أطلقت على الزمان الطويل (أربعين أو مائة سنة).

لكننا لم نجاز أولئك على غفلة أبدا ، بل( وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ ) .

أجبنا على إشكالاتهم ، مثل الإجابة على الإشكالات التي يوردونها عليك ، وبيّنا لهم الأحكام الإلهية وحقائق الدين. أخطرناهم ، أنذرناهم ، كررنا عليهم مصائر وقصص الماضين ، لكن حين لم ينفع أيّ من ذلك أهلكناهم ودمّرناهم تدميرا :( وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً ) .(1) وفي نهاية المطاف ـ في الآية الأخيرة مورد البحث ـ يشير القرآن المجيد إلى خرائب مدن قوم لوط التي تقع على بداية طريق الحجازيين إلى الشام ، وإلى الأثر الحي الناطق عن المصير الأليم لأولئك الملوثين والمشركين ، فيقول تعالى :( وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها ) .

نعم ، لقد كانوا يرون مشهد الخرائب هذه ، لكنّهم لم يأخذوا منها العبرة ، ذلك لأنّهم( بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً ) .

إنّهم يعدون الموت نهاية هذه الحياة ، وإذا كان لهم اعتقاد بحياة ما بعد الموت فهو اعتقاد ضعيف وبلا أساس ، لا يطبع أثرا في أرواحهم ولا ينعكس في مناهج

__________________

(1) «تتبير» من مادة «تبر» (على وزن ضرر ، وعلى وزن صبر) بمعنى الإهلاك التام.

٢٥٤

حياتهم ، ولهذا فهم يأخذون جميع الأشياء مأخذ اللعب ، ولا يفكرون إلّا بأهوائهم السريعة الزوال.

* * *

بحثان

1 ـ من هم «أصحاب الرس»

كلمة «رسّ» في الأصل بمعنى الأثر القليل ، فيقال مثلا «رسّ الحديث في نفسي» (قليل من حديثه في ذاكرتي) أو يقال : وجد رسّا من حمى» (يعني : وجد قليلا من الحمّى في نفسه).(1)

وجماعة من المفسّرين اعتقدوا بأن «الرسّ» بمعنى البئر.

على أية حال فتسمية هؤلاء القوم بهذا الاسم ، إمّا لأنّ أثرا قليلا جدا بقي منهم ، أو لأنّهم كانت لهم آبار كثيرة ، أو لأنّهم هلكوا وزالوا بسبب جفاف آبارهم.

أمّا من هم هؤلاء القوم؟ هناك أقوال كثيرة بين المؤرخين والمفسّرين :

1 ـ يرى كثيرون أن «أصحاب الرس» كانوا طائفة تعيش في «اليمامة» وبعث لهم نبي اسمه «حنظلة» كذبوه وألقوه في بئر ، وذكروا أيضا : إنّهم ملأوا هذا البئر بالرماح ، وأغلقوا فم البئر بعد إلقاء النّبي فيها بالحجارة حتى استشهد ذلك النبي.(2)

2 ـ البعض الآخر يرى أن «أصحاب الرسّ» إشارة إلى قوم «شعيب» الذين كانوا يعبدون الأصنام ، وكانوا ذوي أغنام كثيرة وآبار ماء ، و «الرسّ» كان اسما لبئر عظيم ، حيث أغاضه الله ، فأهلك أهل ذلك المكان.

3 ـ بعض آخر يعتقد أن «الرسّ» كانت قرية في أرض «اليمامة» حيث كان يعيش فيها جماعة من بقايا قوم ثمود ، فهلكوا نتيجة طغيانهم وغرورهم.

__________________

(1) مفردات الراغب.

(2) أعلام القرآن ص 149.

٢٥٥

4 ـ وذهب آخرون أنّهم كانوا جماعة من العرب الماضين ، يعيشون(1) بين الشام والحجاز.

5 ـ بعض التفاسير يعرّف «أصحاب الرسّ» من بقايا عاد وثمود ، ويعتبر( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) .(2) متعلقة بهم أيضا ، وذكر أن موطنهم في «حضر موت» واعتقد «الثعلبي» في «عرائس البيان» أن هذا القول هو الأكثر اعتبارا.

البعض الآخر من المفسّرين طبقوا «الرس» على «أرس» (في شمال آذربيجان)!

6 ـ العلامة الطبرسي في مجمع البيان ، والفخر الرازي في التّفسير الكبير ، والآلوسي في روح المعاني نقلوا من جملة الاحتمالات ، أنّهم قوم يعيشون في أنطاكية الشام ، وكان نبيهم «حبيب النجار».

7 ـ في عيون أخبار الرضا ، نقل حديث طويل حول «أصحاب الرس» خلاصته: «إنّهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها (شاه درخت) كان يافث بن نوح غرسها بعد الطوفان على شفير عين يقال لها (روشن آب) وكان لهم اثنتا عشرة قرية معمورة على شاطئ نهر يقال له «الرسّ» ، يسمين بأسماء : آبان ، آذر ، دي ، بهمن أسفندار ، فروردين ، أردي بهشت ، خرداد ، مرداد ، تير ، مهر ، شهريور ، ومنها اشتقّ العجم أسماء شهورهم.

وقد غرسوا في كل قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبّة. أجروا عليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة ، وحرّموا شرب مائها على أنفسهم وأنعامهم ، ومن شرب منه قتلوه ، ويقولون : إنّه حياة الآلهة فلا ينبغي لأحد أن ينقص حياتها. وقد جعلوا في كل شهر من السنة يوما ـ في كل قرية ، عيدا ، يخرجون فيه إلى الصنوبرة التي خارج القرية يقربون إليها القرابين ويذبحون الذبائح ثمّ يحرقونها في النار

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 94.

(2) سورة الحج ، الآية 45.

٢٥٦

فيسجدون للشجرة عند ارتفاع دخانها وسطوعه في السماء ويبكون ويتضرعون ، والشيطان يكلمهم من الشجرة. وكان هذا دأبهم في القرى حتى إذا كان يوم عيد قريتهم العظمى التي كان يسكنها ملكهم واسمها (أسفندار) اجتمع إليها أهل القرى جميعا وعيّدوا اثني عشر يوما ، وجاءوا بأكثر ما يستطيعونه من القرابين والعبادات للشجرة ، وكلّمهم إبليس وهو يعدهم ويمنيهم أكثر ممّا كان من الشياطين في سائر الأعياد من سائر الشجر.

ولما طال منهم الكفر بالله وعبادة الشجرة ، بعث الله إليهم رسولا من بني إسرائيل من ولد يهودا ، فدعاهم برهة إلى عبادة الله وترك الشرك ، فلم يؤمنوا ، فدعا على الشجرة فيبست ، فلما رأوا ذلك ساءهم ، فقال بعضهم : إنّ هذا الرجل سحر آلهتنا ، وقال آخرون: إنّ آلهتنا غضبت علينا بذلك لما رأت هذا الرجل يدعونا إلى الكفر بها فتركناه وشأنه من غير أن نغضب لآلهتنا. فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئرا عميقا وألقوه فيها ، وسدّوا فوهتها ، فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات ، فأتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم».(1)

قرائن متعددة تؤيد مضمون هذا الحديث ، لأن مع وجود ذكر «أصحاب الرسّ» في مقابل عاد وثمود يكون احتمال أنّهم جماعة من هاتين الأمتين بعيدا جدا.

كذلك ، فإنّ وجود هؤلاء القوم في الجزيرة العربية والشامات وتلك الحدود ـ وهو الذي احتمله الكثيرون ـ بعيد أيضا ، ذلك لأنّه يجب أن يكون له انعكاس في تاريخ العرب بحسب العادة ، في الوقت الذي لم نر حتى انعكاسا ضئيلا لأصحاب الرس لديهم.

مضافا الى ذلك توافقه مع كثير من التفاسير الأخرى ، من جملتها : أنّ «الرس»

__________________

(1) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، طبقا لنقل وتلخيص تفسير الميزان ، ج 15 ، ص 219 والحديث في العيون بإسناده عن أبي الصلت الهروي عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢٥٧

كان اسما لبئر (البئر التي ألقوا فيها نبيهم) أو أنّهم كانوا أصحاب زراعة ومواشي وأمثال ذلك.

وما ورد في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام : أنّ نساءهم كن منحرفات جنسيا ويمارسن «المساحقة» لا منافاة له مع هذا الحديث أيضا(1) .

ومن عبارة (نهج البلاغة ، الخطبة 180) يستفاد أنه كان لهم أكثر من نبيّ واحد فقط ، لأنّهعليه‌السلام

يقول : «أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيّين ، وأطفأوا سنن المرسلين ، وأحيوا سنن الجبارين!؟».

وكلام أمير المؤمنينعليه‌السلام هذا لا يتنافى مع الرواية أعلاه ، لأنّ من الممكن أن الرواية تشير إلى مقطع من تاريخهم وكان قد بعث نبيّ فيهم.

2 ـ مجموعة من الدروس المؤثرة :

ست فئات في الآيات أعلاه ، ذكرت أسماؤهم : قوم فرعون قوم نوح المتعصبون ، قوم عاد المتجبرون ، ثمود ، أصحاب الرس ، وقوم لوط ، حيث كان كل منهم أسير نوع من الانحراف الفكري والأخلاقي أدّى بهم إلى الهلاك والشقاء.

الفراعنة كانوا ظالمين جائرين ومستعمرين واستثماريين وأنانيين.

قوم نوح كما هو معلوم كانوا معاندين ومتكبرين ومغرورين.

قوم عاد وقوم ثمود كانوا يتكلمون على قدراتهم الذاتية.

وكان أصحاب الرس في دوامة الفساد والشذوذ الجنسي وخاصّة نسائهم ، وكان قوم لوط غارقين في وحل من الفحشاء ، وشذوذ الرجال بخاصّة ، والجميع منحرفون عن جادة التوحيد. حيرى في الضلالات.

وهنا يريد القرآن أن ينذر مشركي عصر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجميع الناس على مدى

__________________

(1) الكافي ، طبقا لنقل تفسير نور الثقلين ، ج 4 ، ص 19.

٢٥٨

التاريخ : ليكن لكم من القدرات والاستطاعة والإمكانات كل شيء ومهما كان لكم من اموال وثروات وحياة مرفّهة ، فإن التلوث بالشرك والظلم والفساد سيستأصل أعماركم ، وإنّ نفس أسباب تفوقكم تلك ستكون أسباب هلاككم!

قوم فرعون : وقوم نوح ، أهلكوا بالماء الذي هو أساس الحياة ، قوم عاد بالعاصفة والرياح التي هي أيضا في ظروف خاصّة أساس الحياة ، قوم ثمود بالسحاب الحامل للصواعق ، وقوم لوط بمطر من الحجارة نزل بعد الصاعقة ، أو انفجار بركان على قول بعضهم ، وأصحاب الرس طبقا لذيل تلك الرواية أعلاه ، أبيدوا بنار تطلع من الأرض ، وبشعلة مهلكة انتشرت من السحاب ، ليؤوب هذا الإنسان المغرور إلى نفسه ، فيتمسك بطريق الله والعدالة والتقوى.

* * *

٢٥٩

الآيات

( وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) )

التّفسير

أضلّ من الأنعام :

الملفت للانتباه أنّ القرآن المجيد لا يورد أقوال المشركين دفعة واحدة في آيات هذه السورة ، بل أورد بعضا منها ، فكان يتناولها بالردّ والموعظة والإنذار ، ثمّ بعد ذلك يواصل تناول بعض آخر بهذا الترتيب.

الآيات الحالية ، تتناول لونا آخر من منطق المشركين وكيفية تعاملهم مع رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته الحقّة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

مؤلّفات القطب الراوندي ( ت ٥٧٣ هـ )

(٦٧) كتاب : فقه القرآن

الحديث :

في كلامه عن حكم فاقد الماء والتراب ، قال :

ومن لا يجد ماءً وتراباً نظيفاً ، وعندنا أنّه يصلي ، فإن قيل : كيف لكم وجه الاحتجاج بالأخبار التي تروونها أنتم عن جعفر بن محمّد وآبائه وابنائه ( عليهم السلام ) على من خالفكم؟

قلنا : إنّ الله تعالى ، قال :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) ، وهذا على العموم ، وقد ثبت بالأدلّة إمامة الصادق ( عليه السلام ) وعصمته ، وأنّ قوله وفعله حجّة

ومن وجه آخر ، وهو أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي » الخبر ، فجعل عترته في باب الحجّة مثل كتاب الله(٢) .

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي :

ذكره الشيخ منتجب الدين ( القرن السادس ) في الفهرست ، قال : الشيخ الإمام قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن

____________

١ ـ النساء : ٥٩.

٢ ـ فقه القرآن ١ : ٦٣.

٥٤١

الراوندي ، فقيه ، عين ، صالح ، ثقة ، له تصانيف ، ثمّ عدّ مجموعة من تصانيفه(١) .

وابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) في معالمه ، قال : شيخي أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي ، له كتب ، ثمّ ذكر بعض كتبه(٢) .

وقال ابن طاووس في كشف المحجّة : إنّني وجدت الشيخ العالم في علوم كثيرة ، قطب الدين الراوندي ، واسمه : سعيد بن هبة الله ( رحمه الله )(٣) .

وذكره الكاظمي ( القرن الثاني عشر ) في هداية المحدّثين مرّتين ، مرّة باسم : سعد بن عبد الله ، مؤلّف قصص الأنبياء ( عليهم السلام ) وكتاب الخرائج والجرائح وكتاب فضائح المعتزلة(٤) ، ومرة باسم : سعيد بن هبة الله بن الحسن ، مؤلّف كتاب الخرائج والجرائح(٥) .

وقد رجّح المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) أنّ اسمه سعد لا سعيد ، وأنّ سعيد من وهم النسّاخ(٦) ، وهو غير صحيح.

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الثقات العيون : سعيد بن هبة الله بن الحسن الشيخ الإمام قطب الدين أبو الحسين الرواندي ، فقيه عين صالح ثقة ، له تصانيف ، كذا ذكره منتجب بن بابويه ، وهكذا رأيته

____________

١ ـ فهرست منتجب الدين : ٨٧ [ ١٨٦ ] ، وانظر : جامع الرواة ١ : ٣٦٤.

٢ ـ معالم العلماء : ٥٥ [ ٣٦٨ ] ، وانظر : أمل الآمل ٢ : ١٢٥ [ ٣٥٦ ] ، لؤلؤة البحرين : ٣٠٤ [ ١٠٣ ] ، منتهى المقال ٣ : ٣٤٨ [ ١٣١٠ ] ، أعلام الزركلي ٣ : ١٠٤ ، الكنى والألقاب ٣ : ٧٢ ، بهجة الآمال ٤ : ٣٧٠ ، أعيان الشيعة ٧ : ٢٦٠ ، معجم رجال الحديث ٩ : ٩٧ ، خاتمة المستدرك ٣ : ٧٩.

٣ ـ كشف المحجّة لثمرة المهجة : ٦٤ ، الفصل الثلاثون.

٤ ـ هداية المحدّثين : ٣٠٤ ، القسم الثالث ، الباب الأوّل : في الكنى.

٥ ـ المصدر السابق : ٣١٤ ، القسم الثالث ، الباب الثاني : في النسب.

٦ ـ تنقيح المقال ٢ : ٢١ و ٣٤ ، أقول : اعتمد في أنّ اسمه سعد على ما في فرج المهموم لابن طاووس والوسائل للحرّ العاملي ، وفي المطبوع منهما سعيد لا سعد.

٥٤٢

بخطّه وإمضائه في آخر إجازته لولده ، وهو نسبة إلى الجدّ ، فهو سعيد بن عبد الله بن الحسين ، كما ذكر في الرياض(١) .

وما ذكره غير موجود في الرياض المطبوع ، وأعتقده من أخطاء الطبع ، فقد ذكر الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) بعد العنوان بأسطر : وقد ينسب إلى جدّه كثيراً اختصاراً ، فيقال : سعيد بن هبة الله الراوندي ، فلا تظنن المغايرة بينهما(٢) ، وهو يدلّ على أنّه ذكر اسم أبيه في العنوان.

وفي هامش فهرست منتجب الدين المطبوع في آخر البحار بخطّ العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) ( قدس سره ) : أقول : وجدت بخطّ الشيخ الزاهد العالم شمس الدين محمّد جدّ شيخنا البهائي ـ قدّس الله روحهما ـ نقلاً من خطّ الشهيد ـ روّح الله روحه ـ : توفّي الشيخ الإمام السعيد أبو الحسين قطب الملّة والدين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي ( رحمه الله ) ضحوة يوم الأربعاء الرابع عشر من شوّال سنة ثلث وسبعين وخمسمائة م ق ر عفى عنه(٣) ، وأورده أيضاً في الفائدة الثالثة من كتاب الإجازات(٤) .

كتاب فقه القرآن :

قال المصنّف في أوّله : فرأيت أن أُؤلّف كتاباً في فقه القرآن(٥) .

ونسبه إليه الشيخ منتجب الدين ( القرن السادس ) في الفهرست(٦) ، ونقل منه ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في سعد السعود(٧) ، ورآه الشيخ الحرّ

____________

١ ـ طبقات أعلام الشيعة ( القرن السادس ) : ١٢٤.

٢ ـ رياض العلماء ٢ : ٤١٩.

٣ ـ البحار ١٠٥ : ٢٣٥.

٤ ـ البحار ١٠٧ : ١٩ ، الفائدة الثالثة.

٥ ـ فقه القرآن ١ : ٤ ، مقدّمة المؤلّف.

٦ ـ فهرست منتجب الدين : ٨٧ [ ١٨٦ ].

٧ ـ سعد السعود : ٢٤.

٥٤٣

العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) كما صرّح بهذا في أمل الآمل ، وقال : وشرح آيات الأحكام وهو فقه القرآن(١) .

وجعله العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) أحد مصادر كتابه البحار(٢) ، وقال في توثيقه : وكتابا الخرائج وفقه القرآن معلوما الانتساب إلى مؤلّفهما الذي هو من أفاضل الأصحاب وثقاتهم ، والكتابان مذكوران في فهارس العلماء ، ونقل الأصحاب عنهما(٣) .

وقال الميرزا الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) : أقول : كتاب فقه القرآن المزبور كتاب معروف داخل في فهرس البحار للأُستاد المذكور أيضاً ، وقد رأيت نسخة عتيقة منه في أردبيل ، ولكن لم يصرّح في تلك النسخة باسم المؤلّف ، وإنّما كتب على ظهره واشتهر به(٤) .

وقال في موضع آخر : وأمّا آيات الأحكام فقد رأيت نسخة عتيقة جدّاً منه في بحرين ، وأُخرى بنيمجان من بلاد جيلان ، وكان تاريخ الكتابة سنة سبع وثمانمائة ، وتاريخ التأليف في محرّم سنة اثنين وستّين وخمسمائة ، وقد قوبل بنسخة الأصل ، ولكن يظهر من الديباجة أنّه بعينه كتاب فقه القرآن ، ولم يظهر منه المغايرة ، فلاحظ ، وتلك النسخة كانت أوّلا من كتب خالي « قدّس سرّه »(٥) .

وقال أيضاً : وقد رأيت بخطّ بعض أفاضل المعاصرين على ظهر كتاب شرح آيات الأحكام المعروف بفقه القرآن للقطب الرواندي هذا ، فهرس مؤلّفات القطب ، هكذا : شرح آيات الأحكام(٦) .

____________

١ ـ آمل الآمل ٢ : ١٢٥ [ ٢٥٦ ] ، وانظر : لؤلؤة البحرين : ٣٠٦.

٢ ـ البحار ١ : ١٢ ، مصادر الكتاب.

٣ ـ البحار ١ : ٣٠ ، توثيق المصادر.

٤ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢٣.

٥ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢٤ ، وأيضاً : ٤١٩.

٦ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٣١ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧.

٥٤٤

وحكم العلاّمة النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) باتّحاد ( فقه القرآن ) مع ( شرح آيات الأحكام ) أيضاً ، وقال : كتاب فقه القرآن ، وهو بعينه كتاب آيات الأحكام له أيضاً ، وهو من نفائس الكتب النافعة الجامعة ، الكاشفة عن جلالة قدر مؤلّفها ، وعلوّ مقامه في العلوم الدينيّة ، وقد عثرنا ـ بحمد الله تعالى ـ على نسخة عتيقة منه ، كتب في آخرها : كتبه سعيد بن هبة الله بن الحسن ، في محرّم سنة اثنتين وستّين وخمسمائة ، حامداً لربّه ، ومصلّياً على محمّد وآله ـ إلى هنا كلام المصنّف ( رحمه الله ) ـ ، وتمّ الكتاب على يد العبد الفقير إلى الله تعالى الحسن بن الحسين بن الحسن ( السدّ السوي ) ناقلا عن خطّ المصنّف إلاّ قليلا ، أواسط صفر ، ختم بالخير والظفر ، شهور سنة أربعين وسبعمائة هجريّة ، بمدينة قاشان ، إلى آخره(١) .

ولكن العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) ، قال في الذريعة : فقه القرآن المعروف بالفقه الراوندي ، في بيان آيات أحكام القرآن والأحكام الفقهيّة المستنبطة منها ، وهو غير « شرح آيات الأحكام » له أيضاً كما في ( الأمل ) لا كما صرّح في « الرياض » ، قال : له كتاب « شرح آيات الأحكام » المعروف بفقه القرآن ، ولعلّهما واحد ، بل إنّما كما احتمله صاحب « الرياض » بل محقّقاً(٢) .

أقول : إنّ عبارته ( رحمه الله ) الأخيرة غير واضحة ، ولعلّ فيها تصحيف ، أو هي من إضافات ابنه ( المنزوي ) ، أو من تصحيحاته هو ( رحمه الله ) المتأخّرة ، وإلاّ فهي مناقضة لما في صدر العبارة ، ولما قاله تحت عنوان ( آيات الأحكام )(٣) ، و ( شرح آيات الأحكام )(٤) للراوندي.

____________

١ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٨٤ [ ٣٥ ] ، وانظر : مجلّة تراثنا ( ٣٨ ـ ٣٩ ) : ٢٦٥.

٢ ـ الذريعة ١٦ : ٢٩٥ ، و ١ : ٤١ [ ٢٠٢ ] ، ١٣ : ٥٥ [ ١٧٧ ].

٣ ـ الذريعة ١ : ٤١ [ ٢٠٢ ].

٤ ـ الذريعة ١٣ : ٥٥ [ ١٧٧ ].

٥٤٥

ومع ذلك فإنّ عبارة الشيخ الحرّ لا يظهر منها الاختلاف بين الكتابين ، بل يظهر الاتّحاد ، فإنّه قال : أقول : وقد رأيت له كتاب قصص الأنبياء أيضاً ، كتاب فقه القرآن ، وشرح آيات الأحكام وهو فقه القرآن(١) .

وقد طبع الكتاب بتوسّط المكتبة المرعشيّة في قم ، بتحقيق السيّد أحمد الحسيني على نسختين إحداهما في المكتبة المرعشيّة نفسها ، تاريخ كتابتها يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر شوّال سنة ٧٥٩ هـ ، والأُخرى في مكتبة جامعة طهران(٢) .

____________

١ ـ أمل الآمل ٢ : ١٢٥ [ ٣٥٦ ].

٢ ـ فقه القرآن ١ : ٢٧ ، في طريق التحقيق.

٥٤٦

(٦٨) كتاب : قصص الأنبياء

الحديث :

ما يذكره في أحوال محمّد ( صلى الله عليه وآله ) : في الفصل (١٢) ، قال :

وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من المدينة متوجّهاً إلى الحجّ في السنة العاشرة ، ولمّا قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نسكه وقفل إلى المدينة ، وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خمّ ، نزل عليه جبرائيل بقوله( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) وكان يوماً شديد الحرّ ، فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة فاجتمعوا إليه ، وإنّ أكثرهم ليلفّ رداءه على قدميه من شدّة الرمضاء ، فصعد على تلك الرحال حتّى صار في ذروتها ، ودعا علياً ( عليه السلام ) فرقى معه حتّى قام عن يمينه ، ثمّ خطب ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ونعى إلى الأُمّة نفسه ، فقال : « إنّي دعيت ويوشك أن أُجيب ، فقد حان منّي خفوق من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، ثمّ نادى بأعلى صوته : « ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ »(١)

____________

١ ـ قصص الأنبياء : ٣٥٤ ح ٤٦١ ، الفصل (١٢) ، وعنه في إثبات الهداة ١ : ٦١٥

٥٤٧

كتاب قصص الأنبياء :

نسبه إليه السيّد ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) في فلاح السائل(١) ، وسعد السعود(٢) ، ومهج الدعوات(٣) ، وفرج المهموم(٤) .

وقال الشيخ الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) في أمل الآمل : وقد رأيت له كتاب قصص الأنبياء أيضاً(٥) ، وجعله من مصادر كتابيه إثبات الهداة(٦) والوسائل(٧) ، وذكر طريقه إليه في الوسائل(٨) .

وعدّه العلاّمة المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) أحد مصادر كتابه البحار ، وقال : وكتاب قصص الأنبياء له أيضاً ، على ما يظهر من أسانيد الكتاب واشتهر أيضاً ، ولا يبعد أن يكون تأليف فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي ، كما يظهر من بعض أسانيد السيّد ابن طاووس ، وقد صرّح بكونه منه في رسالة النجوم وكتاب فلاح السائل ، والأمر فيه هيّن ; لأنّه مقصور على القصص ، وأخباره جلّها مأخوذة من كتب الصدوق ( رحمه الله )(٩) ، وقال في فصل توثيق الكتب : وكتاب القصص قد عرفت حاله ، وعرضناه على نسخة كان عليها خطّ الشهيد الثاني ( رحمه الله ) وتصحيحه(١٠) .

____________

ح ٦٣٦ ، فصل (٣٤).

١ ـ فلاح السائل : ٣٤٤ [ ٢٣٠ ].

٢ ـ سعد السعود : ٢٤ و ٢٤٩ ، والظاهر أنّ فيها تصحيف ( سعيد ) إلى ( السعيد ).

٣ ـ مهج الدعوات : ٣٦٧ ، ٣٧٤.

٤ ـ فرج المهموم : ٢٧ و ١١٨.

٥ ـ أمل الآمل ٢ : ١٢٥ [ ٣٥٦ ].

٦ ـ إثبات الهداة ١ : ٢٧.

٧ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٥٧.

٨ ـ خاتمة الوسائل ٣٠ : ١٨٤ ، الطريق السادس والثلاثون.

٩ ـ البحار ١ : ١٢ ، مصادر الكتاب.

١٠ ـ البحار ١ : ٣١ ، توثيق المصادر.

٥٤٨

أقول : قد عرفت أنّ السيّد ابن طاووس قد نسبه إلى سعيد بن هبة الله الراوندي في رسالة النجوم ( فرج المهموم ) وفلاح السائل ، فالظاهر أنّ الضمير في ( منه ) يعود إلى قطب الدين الراوندي لا فضل الله الراوندي.

قال الميرزا الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) ـ بعد أن ذكر كلام المجلسي هذا ـ : وأقول : لكن قد صرّح ابن طاووس نفسه أيضاً في كتاب مهج الدعوات بأنّ كتاب قصص الأنبياء تأليف سعيد بن هبة الله الراوندي ، والقول بأنّ لكلّ منهما كتاباً في هذا المعنى ممكن ، لكن بعيد ، فتأمّل(١) .

وقال أيضاً : ثمّ إنّ قصص الأنبياء في المشهور ينسب إلى القطب الراوندي هذا ، وهو الذي نصّ عليه جماعة ، منهم بعض تلامذة الشيخ الكركي في رسالته المعمولة لذكر أسامي المشايخ بعدما جعل سعيد بن هبة الله الراوندي هذا من جملة مشايخ أصحابنا ، ولكن قد قال بعضهم بأنّه للسيّد فضل الله الراوندي ، فلاحظ(٢) .

وقال العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة : ( قصص الأنبياء الراونديّة ) للشيخ الإمام قطب الدين أبي الحسين بن سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي المتوفّى ٥٧٣ هـ ، إلى أن قال : ونقل صاحب « الرياض » وكذا « البحار » عن كتاب السيّد ابن طاووس « النجوم » و « فلاح السائل » نسبته إلى السيّد الإمام ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي ، تلميذ أبي علي ابن شيخ الطائفة ، ولكن تعدّدهما ممكن ، بتأليف كلّ منهما فيه ، والله العالم(٣) .

وقال أيضاً تحت عنوان ( قصص الانبياء ) للسيّد أبي الرضا فضل الله الراوندي : وهو غير ( القصص ) لقطب الدين أبي الحسين الراوندي ،

____________

١ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢٩.

٢ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٣١ ، و ٤١٩ و ٤٢٦ و ٤٣٥.

٣ ـ الذريعة ١٧ : ١٠٥ [ ٥٧٤ ].

٥٤٩

وذكرهما ابن طاووس ، وكذا قال في البحار : إنّ ابن طاووس صرّح في رسالته في ( النجوم ) وكتاب ( فلاح السائل ) بكون القصص لأبي الرضا الراوندي ، وذكر أنّ جلّ أخباره موجودة في كتب الشيخ الصدوق ، وصرّح في ( الرياض ) بإمكان تعدّد الكتابين باسم واحد.

يوجد نسخة في ( سپهسالار ) بخطّ عزيز بن مطلب بن علاء الدين ابن أحمد الموسوي الحسيني الجزائري ، كتبت بتستر في ٢٢ ذي الحجّة ١٠٨٩ فيه فتاوى من القاضي ابن قريعة وحديث معلّى بن خنيس في النيروز ، وفوائد من الشيخ جواد ، وعليها تملّك خانلر في ١٢٦٢ هـ(١) .

أقول : ولكنّك عرفت أنّ السيّد ابن طاووس نسبه إلى القطب الراوندي في كتابيه المذكورين ، ومرّ بك سابقاً ما حملنا عليه عبارة المجلسي ( قدس سره ) ، وصاحب الرياض نقل كلام المجلسي فقط.

أمّا النسخة التي ذكرها فلقد رآها محقّق الكتاب الميرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني ، وقال عنها ـ بعد أن ذكر ما مكتوب على ظهرها من نسبة الكتاب إلى فضل الله الراوندي ـ : لا اعتبار لتلك النسبة بالكتابة المجهول كاتبها ، والنسخة الموصوفة رأيتها واخذت صورة منها ، على هامش صفحتها الرابعة : كتاب قصص الأنبياء تأليف السيّد فضل الله الراوندي ، جزء كتابخانه شاهزاده خان لرميرزا احتشام الدولة ، وعلى هامش آخر النسخة هكذا : هو الباقي ، قد انتقل بالبيع الشرعي إلى العبد المذنب خانلر بمبلغ خمسة عشر ريال في سنة ١٢٦٢ ، وفي ذيل الكتاب ختمه(٢) .

وقد ذكر المحقّق عند كلامه على كتاب قصص الأنبياء ، الشيوخ الواردين فيه المختصّين بالقطب الراوندي دون السيّد فضل الله الراوندي ،

____________

١ ـ الذريعة ١٧ : ١٠٤ [ ٥٦٩ ].

٢ ـ قصص الأنبياء : ١٠ ، مقدّمة المحقّق.

٥٥٠

وهم عشرة ، وهو دلالة أُخرى على نسبة الكتاب إلى القطب الراوندي لا إلى قرينه(١) .

والكتاب طبع محقّقاً على يد الفاضل المذكور على خمس نسخ إحداها النسخة التي مضى الكلام عليها سابقاً(٢) .

____________

١ ـ قصص الأنبياء : ٣٣ ، مقدّمة المحقّق.

٢ ـ قصص الأنبياء : ١٨ ، مقدّمة المحقّق.

٥٥١
٥٥٢

(٦٩) كتاب : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة

الحديث :

الأوّل : في شرحه لخطبة خطبها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لمّا بويع بالمدينة ، قال : ثمّ أمر بالتزام جادّة الحقّ ، فإنّ يمينها وشمالها مضلّة يضلّ فيها ، وعلى هذه الجادّة إمام معصوم ، هو ما في الكتاب(١) ، وهما « الثقلان : كتاب الله وعترتي » ، الخبر(٢) .

الثاني : وقوله « ألم أعمل فيكم بالثقل الأعظم » يعنى القرآن « وأترك » تقديره : وألم أترك فيكم الثقل الأصغر يعني العترة ، وكلا الاستفهامين على سبيل التقرير ، أي عملت فيما بينكم وفي حقّكم بالقرآن وتركت عترتي وسطكم ، وقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٣) .

كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة :

ذكره في ضمن كتب القطب ، تلميذه الشيخ منتجب الدين ( القرن السادس ) في الفهرست ، قال : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، مجلّدتان(٤) .

____________

١ ـ في نسخة : هو باقي الكتاب.

٢ ـ منهاج البراعة ١ : ١٧٠.

٣ ـ منهاج البراعة ١ : ٣٦٤.

٤ ـ فهرست منتجب الدين : ٨٧ [ ١٨٦ ] ، وانظر : أمل الآمل ٢ : ١٢٦.

٥٥٣

واستمدّ منه ومن شرح البيهقي المسمّى المعارج ، قطب الدين الكيدري في شرحه على النهج المسمّى ( حدائق الحقائق ) ، قال في المقدّمة : هذا ، وقد اقترح عليّ بعض الأشراف ومن يجب في الدين أن يوصل اقتراح مثله بالإسعاف ، أن أشرع في شرح هذا الكتاب مستمدّاً ـ بعد توفيق الله تعالى ـ من كتابي المعارج والمنهاج ، غايصاً على جواهر دررهما(١) .

وعدّه ابن أبي الحديد ( ت ٦٥٦ هـ ) أوّل الشروح على النهج ، قال : ولم يشرح هذا الكتاب قبلي ـ فيما أعلمه ـ إلاّ واحد ، وهو سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه المعروف بالقطب الراوندي ، وكان من فقهاء الإماميّة ، ولم يكن من رجال هذا الكتاب(٢)

وقد عرفت ممّا نقلنا عن الشروح أنّه ليس أوّل شرح على النهج ، وأن يقبل الاعتذار عن ابن أبي الحديد من قوله ( فيما أعلم ).

وقال البحراني ( ت ١١٨٦ هـ ) في اللؤلؤة : وكتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة مجلّدين ، وكثيراً ما ينقل عنه ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة ويعترض عليه(٣) ، وقد أجبنا عنه في مواضع عديدة من كتابنا ( سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد )(٤) .

وفي الرياض : وله من المؤلّفات كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، معروف ، وقد رأيته في استراباد ، والنسخة عتيقة جدّاً ، ولعلّها كتبت في عصر المؤلّف ، وهو الذي شرح أوّلاً هذا الكتاب ، وكثيراً ما يناقش معه ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه عليه ، ويروي هذا الشيخ

____________

١ ـ حدائق الحقائق ١ : ٦٩ ، مقدّمة المؤلّف.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١ : ٥ ، مقدّمة المؤلّف.

٣ ـ انظر مثلاً شرح نهج البلاغة ١ : ٢٠٠.

٤ ـ لؤلؤة البحرين : ٣٠٥ ، وانظر : الذريعة ٢٣ : ١٥٧.

٥٥٤

نهج البلاغة عن مؤلّفه بواسطتين(١) (٢) . فما قاله النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) من أنّ اسمه المعراج ، خطأ(٣) .

وهو داخل في مصادر البحار ، وإن كانت ظاهر عبارته تنسبه إلى فضل الله بن علي الراوندي(٤) ، ولكنّه قال في فصل توثيق مصادره : وشرح النهج مشهور معروف رجع إليه أكثر الشرّاح(٥) ، فإنّ الشرح المشهور والمعروف والذي رجع إليه أكثر الشرّاح هو : شرح القطب الراوندي أيّ منهاج البراعة ، فتأمّل في ظاهر عبارته ، أوّلا.

وذكره أحد تلامذة المجلسي في قائمته للكتب التي يجب أن تلحق بالبحار ، قال : وكتاب اللباب ، وشرح النهج كلاهما لقطب الدين الراوندي(٦) . وقال أيضاً : وشرحا النهج للراونديين ، قد نقلتم عنهما في كتاب الفتن وغيره من كتب البحار(٧) .

وقد نسب صاحب الروضات ( ت ١٣١٣ هـ ) شرحاً آخر للقطب الراوندي ، قال في ترجمة الكيدري : كتب هذا الشرح ، بعد كتاب « المعارج » و « المنهاج » الذي كتبه قطب الدين الراوندي في شرح النهج إلى أن قال : وقد اشتبه من زعم أنّه صاحب شروح ثلاثة على هذا الكتاب ، وكأنّه توهّم أنّ كتابي القطب الراوندي المسمّيين لك ـ أيضاً ـ من تصنيفات هذا الجناب(٨) .

____________

١ ـ انظر : منهاج البراعة ١ : ٤.

٢ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢١.

٣ ـ خاتمة المستدرك ٣ : ٨٠.

٤ ـ البحار ١ : ١٢.

٥ ـ البحار ١ : ٣١.

٦ ـ البحار ١١٠ : ١٦٦.

٧ ـ البحار ١١٠ : ١٦٨.

٨ ـ روضات الجنّات ٦ : ٢٩٥ [ ٥٨٧ ].

٥٥٥

وتبعه في هذا الوهم العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في الذريعة(١) . وقد عرفت ممّا تقدّم أنّ ( المعارج ) من تصنيف البيهقي فريد خراسان.

وأتمّ المصنّف كتابه في سنة ٥٥٦ هـ ، قال في الذريعة : ( منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ) للشيخ الإمام قطب الدين أبي الحسين سعيد ابن هبة الله بن الحسن الراوندي ، إلى أن قال : وفي آخره أنّه فرغ منه المصنّف في أواخر شعبان سنة ست وخمسين وخمسمائة ٥٥٦ هـ ، والنسخة بخطّ محمّد بن ملك محمّد السرابي ، فرغ من كتابتها في شهر رمضان سنة ١٠٩٠(٢) .

وذكر العلاّمة الطباطبائي ست نسخ لهذا الشرح في المكتبات ، إحداها ما ذكره في الذريعة ، ومنها ثلاث أُخر في مكتبة ملك بطهران كتبت بتاريخ ٦٨١ هـ ، ومكتبة المجلس كتبت في ٦٥٢ هـ ، وفي مكتبة جستر بيتي كتبت بتاريخ ٦٠٣ هـ(٣) ، طبع عليها الكتاب محقّقاً بتوسّط مكتبة السيّد المرعشي العامّة مع نسخة رابعة(٤) .

____________

١ ـ الذريعة ٢١ : ١٧٨ [ ٤٥٠١ ] ، و ٢٣ : ١٥٨ ، مع أنّه ذكر ( معارج نهج البلاغة ) لفريد خراسان بعنوان مستقل في ٢١ : ١٨٤ [ ٤٥٢٣ ] ، فلاحظ.

٢ ـ الذريعة ٢٣ : ١٥٧ [ ٨٤٨٣ ] ، و ١٤ : ١٢٦.

٣ ـ مجلّة تراثنا العدد ( ٣٨ ـ ٣٩ ) : ٢٦٤ ، نهج البلاغة عبر القرون.

٤ ـ منهاج البراعة ١ : ٦٧.

٥٥٦

(٧٠) كتاب : لبّ اللباب

منقول عن مستدرك وسائل الشيعة للشيخ النوري(١)

الحديث :

عن النبي ( صلى الله عليه وآله )

وقال : « من أحبّ الله فليحبّني ، ومن أحبّني فليحبّ عترتي ، إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، ومن أحبّ عترتي فليحبّ القرآن ، ومن أحبّ القرآن فليحبّ المساجد ، فإنّها أفنية الله وأبنيته ، أذن في رفعها ، وبارك فيها ، ميمونة ، ميمون أهلها ، مزينة ، مزين أهلها ، محفوظة ، محفوظ أهلها هم في صلاتهم والله في حوائجهم ، هم في مساجدهم والله من ورائهم »(٢) .

كتاب لبّ اللباب ( أو كتاب اللباب المستخرج من فصول عبد الوهّاب ) :

كانت نسخة من هذا الكتاب عند المحدّث النوري(٣) ، ونقل عنه أكثر من ( ٦٠٠ ) حديث في مستدرك الوسائل في مختلف الأبواب ، أغلبها عن

____________

١ ـ لا توجد نسخة معروفة لكتاب لبّ اللباب ، إلاّ بعض الاحتمالات ، وقد كانت نسخة عند الشيخ النوري ، نقل عنها كثيراً في المستدرك ، منها هذا المورد.

٢ ـ مستدرك الوسائل ٣ : ٣٥٥ ح ٢ ، أبواب أحكام المساجد ، الباب الأوّل.

٣ ـ انظر مجلّة تراثنا ( ٣٨ ـ ٣٩ ) : ٢٨٤.

٥٥٧

النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقليلا منها عن الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) ، وقال في خاتمة المستدرك عند تعريفه للكتاب :

كتاب لبّ اللباب ، أو اللباب للشيخ الفقيه ، المحدّث النبيه ، سعيد بن هبة الله ، المدعوّ بالقطب الراوندي صاحب الخرائج ، وشارح النهج ، اختصره من كتاب فصول نور الدين عبد الوهّاب الشعراني العامّي(١) ، لخّصه وألقى ما فيه من الزخارف والأباطيل ، وقد رأيت المجلّد الثاني من الفصول في المشهد الرضوي ( عليه السلام ) يقرب من تمام كتاب اللباب ، وهذا كتاب حسن كثير الفوائد مشتمل على مائة وخمسة وخمسين مجلساً في تفسير مثلها من الآيات على ترتيب القرآن(٢) .

وذكره الأفندي ( ت حدود ١١٣٠ هـ ) في الرياض ، قال : وله كتاب تلخيص فصول عبد الوهّاب في تفسير الآيات والروايات مع ضمّ الفوائد والأخبار من طرق الإماميّة(٣) ، وقد رأيته في بلدة أردبيل ، وهو كتاب حسن ، لكن لم يصرّح في أصل الكتاب بأنّه من مؤلّفاته ، وقد كتب على ظهره واشتهر به أيضاً ، فلاحظ(٤) .

ثمّ قال : قال بعض متأخّري أصحابنا في كتاب المزار : وقال هبة الله الراوندي الذي صنّف الخرائج والجرائح في كتاب اللباب في فضل آية الكرسي : وروى جابر ، فقال : من قرأها حين يخرج من بيته وكّل الله به سبعين ألف ملك يحفظونه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله من الشرور ، فإن مات قبل أن يعود إلى منزله أُعطي ثواب سبعين شهيداً ،

____________

١ ـ ليس هو الشعراني كما سيأتي.

٢ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٨١.

٣ ـ ذكرنا آنفاً أنّ في ما نقله النوري منه بعض الروايات عن الأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) ، فالظاهر أنّها من إضافات الراوندي على فصول عبد الوهّاب.

٤ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢١.

٥٥٨

انتهى ، وأقول : ويظهر من هذا الكلام أنّه تأليف جدّه ، وأنّ الخرائج والجرائح أيضاً من تأليفات جدّه ، وهو لا سيّما الأخير غريب ، فلعلّه اشتبه عليه الاسم واختصر في ذكر اسمه أو الغلط من الناسخ ، فلاحظ ، والحقّ أنّه من قلب النسّاخ حيث قلبوا سعيد بن هبة الله بهبة الله بن سعيد ، وكذا ابن طاووس(١) .

و ( كتاب اللباب في فضل آية الكرسي ) ليس كتاباً مستقلاًّ كما ظنّ عدّة من المحقّقين(٢) ، وإنّما فضل آية الكرسي فصل أو مجلس في الكتاب ، فإنّ اللباب ـ كما عرفت ـ تلخيص لكتاب عبدالوهّاب الذي يحتوي على ١٥٥ مجلساً في تفسير ١٥٥ آية على ترتيب القرآن ، وآية الكرسي أحد الآيات فيه ، وقد روى النوري في المستدرك عدّة روايات تخصّ آية الكرسي من كتاب اللباب ، فقد تكون العبارة : في ( كتاب اللباب ) في فصل آية الكرسي ، أو أنّ صاحب العبارة يقصد ذلك ، أي : كتاب اللباب في فصل أو مجلس أو باب فضل آية الكرسي ، فلاحظ.

ولذا قال الأفندي بعدها : ثمّ الحقّ عندي اتّحاد اللباب مع تلخيص كتاب فصول عبد الوهّاب ، فإنّي رأيت في بعض المواضع المعتبرة ، هكذا : كتاب اللباب المستخرج من فصول عبد الوهّاب ، تصنيف الشيخ سعيد بن هبة الله الراوندي ، نقلا عن الثقات ويروي منها بعض الأخبار(٣) .

ولكنّه في موضع آخر ذكر أنّ الشيخ حسن الطبرسي نسب كتاباً بعنوان نكت الفصول إلى الشيخ منتجب الدين أبي الفتوح ، وقال : لعلّ هذا الكتاب بعينه نكت فصول عبد الوهّاب الذي قد رأيته في أردبيل ، وكان

____________

١ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢٢.

٢ ـ انظر هديّة العارفين ١ : ٣٩٢ ، الذريعة ١٨ : ٢٨٠ ، ٢٩٢ ، مجلّة تراثنا ( ٣٨ ـ ٣٩ ) : ٢٨٥ ، روضات الجنّات ٤ : ٧ ، وإن احتمل اتّحادهما تبعاً لصاحب الرياض.

٣ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢٢.

٥٥٩

ينسب إلى القطب الراوندي(١) .

وذكر المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) هذا الكتاب في مصادره وفي فصل توثيقها ، ولكنّه نسبه على ظاهر عبارته إلى السيّد فضل الله الراوندي(٢) ، وإن كان يمكن تصحيح مراده ، فتأمّل ، وروى عنه مورداً واحداً في البحار على ما وجدته(٣) ، فلا صحّة لما قاله النوري من أنّه غفل عنه فلم ينقل عنه في البحار(٤) .

وذكره بعض تلامذة المجلسي في فهرست الكتب التي ينبغي أن تلحق بالبحار ، قال : وكتاب اللباب وشرح النهج كلاهما لقطب الدين الراوندي(٥) .

ثمّ قال : وشرحا النهج للراونديين قد نقلتم عنهما في كتاب الفتن وغيره من كتب البحار ، وكتاب اللباب للأوّل عند الأمير زين العابدين ابن سيّد المبتدعين عبدالحسيب حشره الله مع جدّه القمقام يوم الدين(٦) .

وذكره العلاّمة الطهراني ( ت ١٣٨٩ هـ ) في عدّة مواضع من الذريعة بعناوين مختلفة(٧) .

وهذا الكتاب غير كتاب لباب الأخبار له أيضاً ، فهو مختصر ذكره الأفندي ، قال : وله كتاب لباب الأخبار ، قد رأيته في استراباد وهو كتاب مختصر في الأخبار(٨) .

____________

١ ـ رياض العلماء ٥ : ٤٨٨ ، وانظر : الذريعة ٢٤ : ٣٠٥.

٢ ـ البحار ١ : ١٢ و ٣١ ، وانظر : خاتمة المستدرك ١ : ١٨٣ ورياض العلماء ٢ : ٤٢٩.

٣ ـ البحار ٥٣ : ٣٢٦.

٤ ـ خاتمة المستدرك ١ : ١٨١.

٥ ـ البحار ١١٠ : ١٦٦.

٦ ـ البحار ١١٠ : ١٦٨.

٧ ـ الذريعة ١٨ : ٢٨١ و ٢٩٢ ، و ٤ : ٤٢٥.

٨ ـ رياض العلماء ٢ : ٤٢٢ ، وانظر : الذريعة ١٨ : ٢٧٥.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619