في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة5%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68460 / تحميل: 5241
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

................................ ____________________________________

فحمّلهم العلم والدين.

ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي ، واُمنائي في خلقي ، وهم المسؤولون.

ثمّ قال لبني آدم : أقرّوا لله بالربوبية ، ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة.

فقالوا : نعم ، ربّنا أقررنا.

فقال الله للملائكة : اشهدوا.

قال الملائكة : شهدنا.

قال : على ان لا يقولوا غداً :( ... إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا )(١) .

يا داود ، ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق(٢) .

٢ ـ حديث بكير بن أعين ، عن الإمام الباقر عليه السلام : «إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا ، وهم ذرّ ، يوم أخذ الميثاق على الذرّ. بالإقرار له بالربوبية ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله بالنبوّة.

وعرض الله عزّ وجلّ على محمّد اُمّته في الطين ، وهم أظلّة ، وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم ، وخلق الله ارواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام ، وعرضهم عليهم وعرّفهم

رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعرّفهم عليّاً ، ونحن نعرفهم في لحن القول»(٣) .

٣ ـ حديث صالح بن سهل ، عن الإمام الصادق عليه السلام : إنّ بعض قريش قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : بأي شيء سبقت الأنبياء ، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟

قال : إنّي كنت أوّل من آمن بربّي ، وأوّل من أجاب حين أخذ الله ميثاق النبيّين( ... وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) فكنت أنا أوّل نبيٍ قال : بلى ،

__________________

(١) سورة الأعراف : الآية ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٣٠.

(٣) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٣١.

١٤١

.........................................

____________________________________

فسبقتهم بالإقرار بالله»(١) .

٤ ـ حديث ابن مسكان ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ...) قلت : معاينة كان هذا؟

قال : «نعم ، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذرّ ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله :( ... فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ) »(٢) .

٥ ـ حديث حبيب ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «ما تقول في الأرواح إنّها جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟

قال : فقلت : إنّا نقول ذلك.

قال : فإنّه كذلك ، إنّ الله عزّ وجلّ أخذ من العباد ميثاقهم وهم أظلّة قبل الميلاد وهو قوله عزّ وجلّ :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) إلى آخر الآية.

قال : فمن أقرّ له يومئذ جاءت اُلفته ها هنا ومن أنكره يومئذٍ جاء خلافه ها هنا»(٣) .

وفي الحديث السابع والخمسين من الباب أنّه سئل عليه السلام كيف أجابوا وهم ذرّ؟

قال عليه السلام : «جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه»(٤) .

__________________

(١) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٣١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٣٧ ب ١٠ ح ١٤. والآية في سورة الأعراف : الآية ١٠١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٤١ ب ١٠ ح ٢٦.

(٤) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٥٧ ب ١٠ ح ٥٧.

١٤٢

الفصل الثالث

اَلسَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ محالّ جمع محلّ ، وهو المكان والموضع.

والمعرفة هي إدراك الشيء.

ومعرفة الله تعالى هي ـ كما قيل ـ : الإطّلاع على صفاته الجمالية الثبوتية والجلالية أي السلبية ، بقدر الطاقة البشرية ، وأمّا الإطّلاع على الذات المقدّسة فممّا لا مطمع فيه لأحد(١) .

وأهل البيت سلام الله عليهم وُصفوا في هذا التسليم الثالث من هذه الزيارة المباركة بأنّهم محالّ ومواضع معرفة الله تعالى وإدراكه ، وذلك بمعنيين :

المعنى الأوّل : أنّه لا يَعرِف الله تعالى حقّ معرفته إلاّ هم سلام الله عليهم ، فهم أعرف الناس بالله والتامّين في معرفته.

ويشهد لهذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : «يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري»(٢) .

وقد بلغوا أقصى غاية المعرفة الإلهية بحيث قال سيّدهم الأمير عليه السلام : «لو

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة عرف ص ٤١٥.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٨٤.

١٤٣

................................ ____________________________________

كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً»(١) .

وفي حديث الأصبغ بن نباتة أنّه قام إليه رجل يقال له : ذِعلب فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك؟

فقال : «ويلك يا ذِعلب لم أكن بالذي أعبد ربّاً لم أره».

قال : فكيف رأيته؟ صفه لنا.

قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان(٢) .

وللعلم ضمناً بأدنى ما يجزي من المعرفة لاحظ أحاديث المعارف خصوصاً حديث سيّدنا عبد العظيم الحسني سلام الله عليه(٣) .

المعنى الثاني : أنّه لا يُعرف الله تعالى إلاّ بهم ومن طريقهم ، ولا يُتوصّل إلى المعرفة الحقّة إلاّ بتعريفهم ، فتعود المعرفة الصادقة إليهم سلام الله عليهم.

كما يدلّ على ذلك مثل حديث عبد الله بن أبي يعفور ، عن الإمام الصادق عليه السلام الذي جاء فيه : «بنا عُرف الله وبنا عُبد الله ونحن الأدلاّء على الله ولولانا ما عُبد الله»(٤) .

وكذلك حديث نصر العطّار أنّه قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : «ثلاث اُقسم أنّهنّ حقّ : إنّك والأوصياء من بعدك عرفاء لا يُعرف الله إلاّ بسبيل معرفتكم ...»(٥) .

وهكذا حديث الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام الذي ورد فيه : «نحن الأعراف الذين لا يُعرف الله إلاّ بسبيل معرفتنا»(٦) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ١٥٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤ ص ٢٧ ب ٥ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣ ص ٢٦٨ ب ١٠ ح ٣.

(٤) التوحيد ، للصدوق : ص ١٥٢ ب ١٢ ح ٩.

(٥) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٩٩ ب ٩ ح ٢ ـ ٨.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢٤٨ ب ٦٢ ح ٢.

١٤٤

.........................................

____________________________________

فطلب المعارف يكون من طريقهم وبمعرفتهم وهو الإيمان ، وفي مقابله يكون سلوك طريق غيرهم هو الكفر والعصيان.

فإن رجعنا إليهم إهتدينا ، وإن أعرضنا عنهم أو رجعنا إلى غيرهم غوينا.

ويكفي شاهداً وجدانيّاً على معرفتهم التامّة بالله تعالى كلامهم وحديثهم الجميل الذي تلاحظه في روايات التوحيد ، وما ورد عنهم في بيان صفات الله تعالى الذي تلاحظه في مثل خطبة أمير المؤمنين عليه السلام(١) .

وكذلك ما أثر عنهم في أدعيتهم الشريفة المربّية كدعاء الإمام الحسين عليه السلام المعروف يوم عرفة الذي أورده الكفعمي في البلد الأمين ، والسيّد ابن طاووس في الإقبال ، والشيخ المجلسي في زاد المعاد.

وكذلك ما اختصّ بهم من تعليم مواليهم وتهذيب شيعتهم والكمّلين من أصحابهم مثل كميل بن زياد ، وميثم التمّار ، ورشيد الهجري ، وحبيب بن مظاهر وغيرهم.

__________________

(١) نهج البلاغة : ج ٢ ص ١٤٢ رقم الخطبة ١٨١ من الطبعة المصرية.

١٤٥

وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المساکن جمع مسکن بفتح الکاف وکسره ، هو محلّ النزول والسكون والإستقرار.

والبركة هي كثرة النعمة والخير والكرم ، وزيادة التشريف والكرامة ، والنماء والسعادة.

وأهل البيت سلام الله عليهم أجمعين هم محلّ الفيوضات الإلهية ، ومستقرّ البركات الربّانية ، وبهم يبارك الله تعالى على الخلائق بالأرزاق المادّية والمعنوية ، وبوسيلتهم يتفضّل الله الكريم على خلقه بالعطايا الجزيلة والمنائح الجميلة ، وبواسطتهم يهب الله العظيم العقل والمعرفة ، ويهدي إلى المعارف الحقّة.

فإنّه بيُمنهم رُزِقَ الورى ، وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء.

ويدلّ على ذلك مضافاً إلى وجدان بركاتهم ، المشهودة في كراماتهم ، الأدلّة المتواترة مثل :

١ ـ حديث الإمام السجّاد عليه السلام : «وبنا يُنزّل الغيث ، وتُنشر الرحمة ، وتخرج بركات الأرض ، ولو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها»(١) .

٢ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام : «بنا أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار ، وجرت الأنهار ، وبنا اُنزل غيث السماء ، ونبت عشب الأرض»(٢) .

٣ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى :( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (٣) : «نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألّف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءً ، وبنا

__________________

(١) إكمال الدين : ج ١ ص ٢٠٧ ح ٢٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٩٧ ب ٥٢ ح ٢٤.

(٣) سورة التكاثر : الآية ٨.

١٤٦

.........................................

____________________________________

هداهم الله للإسلام ، وهي النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم به عليهم ، وهو النبيصلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام»(١) .

٤ ـ الزيارة الرجبية المعروفة : «فَبِكُم يُجبرُ المهيض ويُشفى المريض».

٥ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام : «نحن أهل بيت الرحمة وبيت النعمة وبيت البركة»(٢) .

ولقد بارك الله تعالى في آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين بأنواع البركات.

وجعل سيّدتهم الصدّيقة الطاهرة الكوثر والخير الكثير ، وسمّاها المباركة(٣) .

وبارك فيهم وفي نسلهم وفي شيعتهم وفي محبّيهم وحتّى في تربتهم التي تضمّنتهم ، والمشاهد الشامخة التي تشرّفت بهم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٤٩ ب ٢٩ الآيات ، كنز الدقائق : ج ١٤ ص ٤٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٥٤ ب ٤ ح ٢٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ١٠ ب ٢ ح ١.

١٤٧

وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المعادن جمع مَعدِن بكسر الدال بمعنى محلّ إستقرار الجواهر وإفاضتها ، وهو مركز كلِّ شيء وأصله ومبدؤه.

والحكمة في اللغة هي : العلم الذي يرفع الإنسان ويمنعه عن فعل القبيح مستعارٌ من حكمة اللجام وهي ما أحاط بحنك الدابّة ، ويمنعها عن الخروج والمخالفة (١). ويكون هذا المنع للإصلاح(٢) .

وعُرّفت الحكمة بأنّها هي : العلوم الحقيقيّة الإلهية(٣) .

وقد وردت كلمة الحكمة في الكتاب المبين ، وفُسّرت في كلمات الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، بما نستغني معها عن تفاسير الآخرين.

فقد قال الله تعالى :( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) (٤) .

وقال عزّ إسمه :( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) (٥) .

وفسّرها المعصومون عليهم السلام بضياء المعرفة ، وطاعة الله تعالى ، ومعرفة الإمام عليه السلام ، واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار والعقاب ، والتفقّه في الدين ، والعقل والفهم(٦) .

وأهل البيت سلام الله عليهم هم معادن أنوار الحكمة الإلهية ، واُصول المعارف الربّانية ، وأسمي المراتب العقلانيّة.

وهم أتمّ الناس في هذه المزايا ، ومعلّموا الخلق في هذه العطايا ، كما تلمسه في كلماتهم الصريحة ، وبياناتهم المليحة ، وفي نصوصهم وتنصيص سيّدهم

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة حكم ص ٥١١.

(٢) مفردات الراغب : ص ١٢٦.

(٣) الأنوار اللامعة : ص ٧٧.

(٤) سورة البقرة : الآية ٢٦٩.

(٥) سورة لقمان : الآية ١٢.

(٦) تفسير البرهان : ج ١ ص ١٥٨ ، وج ٢ ص ٨١٨ ، كنز الدقائق : ج ٢ ص ٤٤٣.

١٤٨

.........................................

____________________________________

الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فلاحظ مثل :

١ ـ حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله آخذاً بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول : «... أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب»(١) .

٢ ـ خطبة أمير المؤمنين عليه السلام : «أيّها الناس نحن أبواب الحكمة ، ومفاتيح الرحمة ، وسادة الأئمّة ، واُمناء الكتاب ، وفصل الخطاب وإنّا أهل بيت خصّنا بالرحمة والحكمة والنبوّة والعصمة ...»(٢) .

٣ ـ حديث يونس بن ظبيان ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له : «يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فخذ عن أهل البيت فإنّا روينا واُوتينا شرح الحكمة وفصل الخطاب ، إنّ الله إصطفانا وآتانا ما لم يؤت أحداً من العالمين»(٣) .

وفي البلد الأمين بعد هذه الفقرة زيادة : «وخزنة علم الله» فجميع العلوم الإلهية مخزونة عندهم ، محفوظة لديهم ، وقد مرّ بيان ذلك مفصلّلاً في الفقرة الشريفة المتقدّمة «خزّان العلم» فلاحظ.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ٢٠١ ب ٩٤ ح ٣ و ٩ و ١١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٠ ب ٤ ح ٣٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٥٨ ب ١١ ح ٥.

١٤٩

وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ حفظة : جمع حافظ ، يقال : حَفَظَ المال والسرّ أي رعاه ، والمحافظة على الشيء هي المواظبة عليه ، والمراقبة له ، والإعتناء به كما يستفاد من كتب اللغة(١) .

والسِرّ : جمعه أسرار ، هو في اللغة بمعنى ما يُكتم ، ومنه (هذا من سرّ آل محمّد) أي من مكتومهم عليهم السلام الذي لا يظهر لكلّ أحد(٢) .

وأسرار الله تعالى هي العلوم التي لا يجوز إظهارها وإفشاؤها إلاّ لمن هو أهلٌ لها من الكمّلين والمتحمّلين مثل سلمان وكميل(٣) .

فمعنى حفظة سرّ الله أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الحافظون المراعون للأسرار الإلهية المودعة عندهم ، اللازم كتمانها ، ولا يظهرونها إلاّ لمن يتحمّلها ، ولا يظهرون منها إلاّ ما يُتحمّل ، فإنّ إلقاء السرّ إلى من لا يتحمّله تضييع للسرّ ، وإرهاق للمُلقى إليه ، وهو خلاف الحكمة.

وليس كلّ أحد قابلاً لأن يُستودع السرّ ، فكيف بأن يكون صاحب أسرار الله الحكيم في هذا العالم العظيم ، المُلك والملكوت.

فإنّ الأسرار الإلهية لا يتحمّلها إلاّ مَلَكٌ مُقرّب أو نبيٌّ مرسل أو عبدٌ إمتحن الله قلبه للإيمان كما جاء في أحاديث كثيرة(٤) .

وقد فسّرت الأحاديث الصعبة المستصعبة في إحدى تفاسيرها بأسرار الله المخزونة عندهم ، المكنونة لديهم(٥) .

بل في بعض الأحاديث لا يتحمّلها لا مَلَك مقرّب ولا نبي مرسل ولا مؤمن

__________________

(١) لسان العرب : ج ٧ ص ٤٤١.

(٢) مجمع البحرين : مادّة سرر ص ٢٦٦.

(٣) الأنوار اللامعة : ص ٧٨.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٤٠١ ح ٢.

(٥) مصابيح الأنوار : ج ١ ص ٣٤٤.

١٥٠

.........................................

____________________________________

إمتحن الله قلبه للإيمان إلاّ أهل البيت أو من شاء أهل البيت سلام الله عليهم كما تلاحظه في حديث أبي بصير(١) .

فعدم التحمّل يدعو إلى حفظ السرّ وعدم إفشاءه كما في بعض قضايا من لم يتحمّل الإسم الأعظم.

بل حتّى بعض أهل التحمّل يجيش العلم والسرّ في صدورهم ويضيق بهم ذرعاً كما تلاحظه في حديث جابر الجعفي(٢) .

ومثل النبي الكليم موسى عليه السلام إذا لم يتحمّل بعض الأسرار فما ظنّك بالآخرين فلاحظ أحاديثه الشريفة في قضايا موسى والخضر عليهما السلام الواردة في القرآن الكريم في أحاديث التفسير القويم(٣) .

إلاّ أنّ أهل البيت سلام الله عليهم هم المثل الأعلى والقمّة العليا لأسرار الله تعالى كما تلاحظه في مثل :

١ ـ حديث إسحاق بن غالب ، عن الإمام الصادق عليه السلام في خطبته الشريفة التي يذكر فيها حال الأئمّة عليهم السلام : «استودعه سرّه ، واستحفظه علمه ، واستخباه حكمته ، واسترعاه لدينه ، وانتدبه لعظيم أمره»(٤) .

٢ ـ حديث سيف التمّار ، عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه : «لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما إنّي أعلم منهما ، ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما ، لأنّ موسى والخضر عليهما السلام اُعطيا علم ما كان ، ولم يُعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم الساعة ، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثةً»(٥) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٥.

(٢) رجال الكشّي : ص ١٧١.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٢٧٨ الأحاديث.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٤ ح ٢.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٦١ ح ١.

١٥١

وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ حملة جمع حامل وهو من يحمل الشي.

وكتاب الله هو القرآن الكريم.

وفسّر حامل كتاب الله بمن يكون عنده جميع القرآن ، الذي فيه تبيان كلّ شيء ، على ما نَزَل من عند الله ، من غير نقصٍ ولا تغيير ، مع حفظ جميع ألفاظه بجميع المعاني ، بما فيها من ظاهر وباطن ، وتأويلٍ وتفسير ، وناسخ ومنسوخ ، وعامٍ وخاصّ ، ومطلق ومقيّد ، ومكان النزول وزمانه وشأن النزول وبيانه.

ومحمّد وآله الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين هم الحاملون لعلوم القرآن ومعارفه وأسراره , والواقفون على معانيه وأبعاده وأغواره.

مضافاً إلى حفظهم ألفاظ القرآن من دون زيادةٍ ولا نقصان.

ودليل ذلك أحاديث كثيرة مثل :

١ ـ حديث محمّد بن فضيل قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ :( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (١) .

قال : «هم الأئمّة عليهم السلام خاصّة»(٢) .

٢ ـ حديث جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما اُنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهم السلام»(٣) .

٣ ـ حديث عبد الأعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره كأنّه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر

__________________

(١) سورة العنكبوت : الآية ٤٩.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢١٤ ح ٥.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٢٨ ح ١.

١٥٢

.........................................

____________________________________

الأرض ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، قال الله عزّ وجلّ :( تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (١) »(٢) .

٤ ـ حديث عبد الرحمن بن كثير ، عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه : «... ففرّج أبو عبد الله عليه السلام بين أصابعه فوضعها على صدره ، ثمّ قال : وعندنا والله علم الكتاب كلّه»(٣) .

ولاحظ أحاديث باب أنّهم الذكر وأهل الذكر(٤) .

__________________

(١) سورة النحل : الآية ٨٩.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٢٩ ح ٤.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٢٩ ح ٥.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ١٧٢ ب ٩ الأحاديث.

١٥٣

وَاَوْصِياءِ نَبِىِّ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أوصياء : جمع وصيّ وهو لغة مأخوذ من الوصيّة على وزن فعيلة ، من وصى يصي : إذا وصل الشيء بغيره ، لأنّ الموصي يوصل تصرّفته بعد الموت بما قبله. والوصاية : هي إستنابة الموصي غيره بعد موته في التصرّف فيما كان له التصرّف فيه(١) ، و: (أوصى الرجل ووصّاه أي عهد إليه)(٢) .

وهذه الوصاية كانت ثابتة مستمرّة من النبي آدم عليه السلام إلى الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله.

وأوصياء نبي الله صلى الله عليه وآله هم الذين أوصى إليهم الرسول بأمر ربّه ، وجعلهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم كنفسه ، ونصبهم حججاً على خلقه ، وأئمّة على بريّته ، وخلفاء في أرضه.

وهم كرسول الله عليه وآله صلوات الله إلاّ في النبوّة فهو نبي وهم أئمّة.

وهؤلاء الأوصياء هم الأئمّة الإثنى عشر ، أوّلهم أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب ، وآخرهم الوصي الغائب والنجم الثاقب الحجّة بن الحسن المنتظر أرواحنا فداهم الذين ثبتت وصايتهم بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات , والنصوص المتواترات.

فقد تواترت الأحاديث الصريحة بالألسنة الفصيحة على وصايتهم وخلافتهم من طرق الخاصّة والعامّة ممّا جمعها في غاية المرام(٣) من الخاصّة في ١١٩ حديثاً ، ومن العامّة في ١٣٥ حديثاً.

ومنها ما رواها العامّة عن النبي صلى الله عليه وآله في صحاحهم فقط بما يزيد على ستّين

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة وصا ص ٩٣.

(٢) لسان العرب : ج ١٥ ص ٣٩٤.

(٣) غاية المرام : ص ٣٢ ـ ٢٧ ب ١٢ ـ ١٣ ، وص ١٥٢ ـ ١٦٨ ب ٢٢ ـ ٢٣.

١٥٤

.........................................

____________________________________

حديثاً بطرق عديدة(١) ممّا صرّحت بوصاية الأئمّة الإثنى عشر عليهم السلام.

وفي بعضها التنصيص على أسمائهم إلى الإمام المهدي عليه السلام ، مع ذكر سيّدة النساء فطامة الزهراء سلام الله عليها بالنصّ الجلي.

ففي حديث الزمخشري والحمويني والقندوزي وابن حسنويه الحنفي : «فاطمة قلبي ، وإناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمّة من ولدها أمارتي وحبلي الممدود ، فمن إعتصم بهم نجى ، ومن تخلّف عنهم هوى»(٢) .

هذا إلى جانب ما تواتر من الأحاديث الشريفة من طرق الخاصّة المعتبرة الواردة في اُصولهم الأصلية.

ويكفيك في ذلك حديث لوح فاطمة سلام الله عليها الذي أهداه الله تعالى إلى رسوله وأعطاه رسول الله للزهراء عليها السلام بمناسبة ميلاد الإمام الحسين عليه السلام ليسرّها بذلك ويبشّرها بالأوصياء والأزكياء الذين يكونون من ولدها.

والحديث من طرائف الحكمة ننقله للإنتفاع والبركة.

روى جماعة من الأعلام منهم ثقة الإسلام الكليني عن محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الله ، عن عبد الله بن جعفر ، عن الحسن بن ظريف وعلي بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن بكر بن صالح ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري : إنّ لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك فأساً لك عنها.

فقال له جابر : أي الأوقات أحببته ، فخلا به في بعض الأيّام.

فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد اُمّي فاطمة عليهما السلام بنت

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ١٣ ص ١ ـ ٨٦.

(٢) إحقاق الحقّ : ج ١٣ ص ٧٩.

١٥٥

.........................................

____________________________________

رسول الله صلى الله عليه وآله وما أخبرتك به اُمّي أنّه في ذلك اللوح مكتوب؟

فقال جابر : أشهد بالله أنّي دخلت على اُمّك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فهنّيتها بولادة الحسين عليه السلام ورأيت في يديها لوحاً أخضر ، ظننت أنّه من زمرّد ورأيت فيه كتاباً أبيض ، شبه لون الشمس.

فقلت لها : بأبي واُمّي يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا اللوح؟

فقالت : هذا لوح أهداه الله إلى رسوله صلى الله عليه وآله فيه إسم أبي واس بعلي واسم إبنيّ واسم الأوصياء من ولدي ، وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك.

قال جابر : فأعطتنيه اُمّك فاطمة عليها السلام فقرأته واستنسخته.

فقال له أبي فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟

قال : نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رقّ.

فقال : يا جابر اُنظر في كتابك لأقرأ أنا عليك ، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً ، فقال جابر : فأشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوباً :

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ونوره وسفيره وحجابه ودليله ، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين ، عظِّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبّارين ، ومُديل المظلومين ، وديّان الدِّين ، إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا ، فمن رجا غير فضلي ، أو خاف غير عدلي ، عذّبته عذاباً لا اُعذّب به أحداً من العالمين ، فإيّاي فاعبد وعلىّ فتوكّل ، إنّي لم أبعث نبيّاً فاُكملت أيّامه وإنقضت مدّته إلاّ جعلت له وصيّاً ، وإنّي فضّلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد إنقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي

١٥٦

.........................................

____________________________________

وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من إستشهد وأرفع الشهداء درجةً ، جعلت كلمتي التامّة معه وحجّتي البالغة عنده ، بعترته اُثيب واُعاقب ، أوّلهم علي سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وإبنه شبه جدّه المحمود محمّد الباقر علمي والمعدن لحكمتي ، سيهلك المرتابون في جعفر ، الرادُّ عليه كالرادّ عليّ ، حقّ القول منّي لأكرمنّ مثوى جعفر ولاُسرّنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، اُتيحت بعد موسى فتنة عمياء حندس لأنّ خيط فرضي لا ينقطع وحجّتي لا تخفى وأنّ أوليائي يسقون بالكأس الأوفى ، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ ، ويل للمفترين الجاحدين عند إنقضاء مدّة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة وأمتحنه بالإضطّلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلقي ، حقّ القول منّي لاُسرّنّه بمحمّد إبنه وخليفته من بعده ووارث علمه ، فهو معدن عليمي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي ، لا يؤمن عبد بن إلاّ جعلت الجنّة مثواه وشفّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار ، وأختم بالسعادة لإبنه علي وليّي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي ، اُخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن ، واُكمّل ذلك بإبنه «م ح م د» رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيّوب ، فيذلّ أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيُقتلون ويُحرقون ، ويكونون خائفين ، مرعوبين ، وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشوا الويل والرنّة في نسائهم ، اُولئك أوليائي حقّاً ، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل ، وأدفع الآصار والأغلال ، اُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، واُولئك هم المهتدون.

١٥٧

.........................................

____________________________________

قال عبد الرحمن بن سالم : قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك ، إلاّ هذا الحديث لكفاك ، فصُنه إلاّ عن أهله(١) .

هؤلاء خلفاء الله تعالى في أرضه ، وأوصياء الرسول في بريّته ، ووسائل الخير إلى يوم القيامة وما بعد يوم القيامة.

وتتمثّل الخلافة والوصاية هذا اليوم في خاتمهم وقائمهم ومهديّهم المنتظر عليه السلام الذي هو المحور الأساسي لفلك الوجود ، والوسيط الرئيسي لفيض كلّ موجود ؛ فينتفع بوجوده ، ويستضاء بنور ولايته في غيبته كما ينتفع بالشمس وإن جلّلها السحاب ، كما بيّنه الرسول الناطق صلى الله عليه وآله في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري(٢) ، ثمّ ولده الإمام الصادق عليه السلام في حديث سليمان بن مهران الأعمش(٣) ، ثمّ نفس الإمام المهدي عليه السلام في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب(٤) .

__________________

(١) الكافي ، للكليني : ج ١ ص ٥٢٧ ، إكمال الدين ، للصدوق : ص ٣٠٨ ، الإختصاص ، للشيخ المفيد : ص ٢١٠ ، إعلام الورى ، لأمين الإسلام : ص ٢٢٥ ، الإحتجاج ، للطبرسي : ج ١ ص ٤١ ، بحار الأنوار ، للمجلسي : ج ٣٦ ص ١٩٦.

(٢) إعلام الورى : ص ٣٧٦.

(٣) أمالي الصدوق : ص ١٦٤.

(٤) الغيبة ، للشيخ الطوسي : ص ١٧٧.

١٥٨

وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (١) وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.

____________________________________

(١) ـ ذرّية على وزن فُعليّة ، وجمعها ذرّيّات وذراري.

هي في اللغة اسم لجميع نسل الإنسان من ذكرٍ واُنثى(١) .

وذرّية الرجل : ولده(٢) .

مأخوذة من الذرّ بمعنى البثّ والنشر والتفريق(٣) .

فسمّي نسل الإنسان بالذرّية لأنّ الله تعالى ذرّهم ونشرهم في الأرض حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام في عالم الذرّ(٤) .

وكان القياس في نسبته أن يقال : ذَرّية بالفتح ، لكنّها لم تجيء إلاّ مضمومة الأول(٥) .

وذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله هم أهل البيت سلام الله عليهم بدليل القرآن والسنّة ، ثمّ اللغة.

وتشمل الذرّية أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو أخ الرسول لا ولده بالتغليب كما أفاده العلاّمة المجلسي قدس سره(٦) .

والتغليب باب شائع في اللغة وهو إيثار أحد اللفظين على الآخر ، إذا كان بين مدلوليهما عُلقة وإختلاط(٧) .

وتشمل أيضاً الصدّيقة الطاهرة سيّدة الذريّة المطهّرة وبضعة النبي بالنصّ الجليّ ، وليس ذلك بخفي.

وتشمل السيّدين الإمامين الحسنين ثمّ أولاد الإمام الحسين عليهما السلام بالنصّ القرآني والروائي ، فهم ذرّية الرسول وأبناؤه.

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة ذرر ص ٢٦١.

(٢) المصباح المنير : مادّة ذرّ.

(٣) المحيط في اللغة : ج ١٠ ص ٥٥.

(٤) مرآة الأنوار : ص ١٠٢.

(٥) لسان العرب : ج ٤ ص ٣٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٣٦.

(٧) المعجم الوسيط : ج ٢ ص ٦٥٨.

١٥٩

.........................................

____________________________________

والدليل من نصّ الكتاب :

١ ـ أنّ الله تعالى سمّاهم أبناء الرسول في آية المباهلة :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) .

ومن المتّفق عليه من الفريقين أنّه لم يكن مع الرسول من الرجال إلاّ علي ابن أبي طالب ، ومن النساء إلاّ فاطمة الزهراء ، ومن الأبناء إلاّ الحسن والحسين عليهم السلام رويت في طرق الخاصّة بخمسة عشر حديثاً ، وفي طرق العامّة بتسعة عشر حديثاً(٢) .

٢ ـ أنّ الله تعالى أطلق عليهم الذرّية في كتابه الكريم :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (٣) .

فقد نزلت في الرسول والأمير والزهراء والأبناء عليهم السلام في تفسير ابن عبّاس(٤) بل في حديث التفسير(٥) .

والدليل من نصوص السنّة أحاديث كثيرة ، في أبواب كثار ممّا صرّحت ونصّت على الإمامين الهامين الحسن والحسين بالذرّية ، وجعلتهما إبنا رسول الله ، وجعلت الذرّية النبوية من صلبه وصلب علي بن أبي طالب عليهم السلام»(٦) .

من ذلك حديث أبي الجارود ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال :

«يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين؟

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٦١.

(٢) غاية المرام : ص ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

(٣) سورة الطور : الآية ٢١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٤١ ح ٢٢.

(٥) كنز الدقائق : ج ١٢ ص ٤٥٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٤١ ، وج ٤٣ ص ٢٢٩ ب ٩ الأحاديث ، وص ٢٧٠ ح ٣٠ ، وص ٢٨٤ ح ٥٠.

١٦٠

.........................................

____________________________________

قلت : ينكرون علينا أنّهما إبنا رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال : فبأي شيء احتججتم عليهم؟

قلت : بقول الله في عيسى بن مريم :( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ ـ إلى قوله : ـ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) (١) فجعل عليسى من ذرّية إبراهيم ، واحتججنا عليهم بقوله تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) (٢) .

قال : فأي شيء قالوا؟

قال : قلت : قد يكون ولد البنت من الولد ولا يكون من الصلب.

قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : والله يا ابا الجارود لاُعطينّكها من كتاب الله آية تسمّي لصلب رسول الله صلى الله عليه وآله لا يردّها إلاّ كافر.

قال : قلت : جعلت فداك وأين؟

قال : حيث قال الله :( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ـ إلى قوله : ـ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ) (٣) فسلهم يا أبا الجارود هل يحلّ لرسول الله صلى الله عليه وآله نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا : نعم فكذبوا والله ، وإن قالوا : لا ، فهما والله إبنا رسول الله لصلبه ، وما حرّمت عليه إلاّ للصلب»(٤) .

هذا مضافاً إلى دليل اللغة وتصريح أهلها بتفسير الذرّية بالأولاد الشامل للذكور والإناث كما تقدّم.

ومضافاً إلى أنّه قد اُطلق على الحسنين عليهما السلام الإبن ، والأصل في الإستعمال الحقيقة.

ولإبن أبي الحديد كلام شافٍ وإعتراف وافٍ قال فيه :

فإن قلت : أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما : أبناء رسول الله وولد

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ٨٤ و ٨٥.

(٢) سورة آل عمران : الآية ٦١.

(٣) سورة النساء : الآية ٢٣.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٢٣٢ ب ٩ ح ٨.

١٦١

.........................................

____________________________________

رسول الله ، وذرّية رسول الله ، ونسل رسول الله؟

قلت : نعم ؛ لأنّ الله تعالى سمّاهم «أبناءه» في قوله تعالى :( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) ، وإنّما عنى الحسن والحسين ، ولو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات ، وسمّى الله تعالى عيسى ذرّية إبراهيم في قوله :( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ) إلى أن قال :( وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) ؛ ولم يختلف أهل اللغة في أنّ ولد البنات من نسل الرجل.

فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى :( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) (١) ؟

قلت : أسألك عن اُبوّته لإبراهيم بن مارية ؛ فكما تجيب به عن ذلك ؛ فهو جواب عن الحسن والحسين عليهما السلام.

والجواب الشامل للجميع أنّه عنى زيد بن حارثة لأنّ العرب كانت تقول : «زيد بن محمّد» على عادتهم في تبنّي العبيد ، فأبطل الله تعالى ذلك ، ونهى عن سنّة الجاهلية ، وقال : إنّ محمّداً عليه السلام ليس أباً لواحد من الرجال البالغين المعروفين بينكم ليعتزي إليه بالنبوّة ، وذلك لا ينفي كونه أباً لأطفال ، لم تطلق عليهم لفظة الرجال ، كإبراهيم وحسن وحسين عليهم السلام.

فإن قلت : أتقول إنّ ابن البنت ابن على الحقيقة الأصلية أم على سبيل المجاز؟

قلت : لذاهب أن يذهب إلى أنّه حقيقة أصلية ؛ لأنّ أصل الإطلاق الحقيقة ، وقد يكون اللفظ مشتركاً بين مفهومين وهو في أحدهما أشهر ، ولا يلزم من كونه أشهر في أحدهما ألاّ يكون حقيقة في الآخر.

ولذاهب أن يذهب إلى أنّه حقيقة عرفية ، وهي التي كثر إستعمالها ؛ وهي في الأكثر مجاز ؛ حتّى صارت حقيقة في العرف ، كالرواية للمزَادة ، والسماء للمطر.

ولذاهب ان يذهب إلى كونه مجازاً قد إستعمله الشارع ، فجاز إطلاقه في كلّ حال ؛ وإستعماله كسائر المجازات المستعملة(٢) .

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٤٠.

(٢) شرح نهج البلاغة : ج ١١ ص ٢٦.

١٦٢

الفصل الرابع

اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ جاء في ابتداء السلام الرابع في هذه الزيارة المباركة التسليم على أهل البيت صلوات الله عليهم بوصف أنّهم الدعاة إلى الله تعالى.

والدعاة : جمع الداعي كقضاة جمع قاضٍ ، مشتقّ من الدعوة بمعنى الطلب.

والدعوة إلى الله تعالى هي الدعوة إلى معرفته ، وإطاعته ، وعبادته ، ودينه ، وشريعته.

وآل محمّد سلام الله عليهم داعون إلى الله كجدّهم الرسول الأعظم الذي كان داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، إذ هم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وبمنزلته كما تلاحظه في حديث محمّد بن مسلم(١) .

وهم يدعون الخلق إلى معرفة الله تعالى ، ويطلبون منهم الإلتزام بطاعته ، ويهدونهم إلى عبادته ، ويرشدونهم إلى التخلّق بأخلاقه ، ويسلكون بهم مسالك التقوى وطرق الجنّة ، يهدونهم إلى ذلك ويدعونهم إليها ، ببياناتهم الوافية ، ومواعظهم الشافية.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٥٠ ب ١٨ ح ٢.

١٦٣

.........................................

____________________________________

لا بالقول فحسب بل بالقول والعمل ، بل نفس وجودهم دعوة إلى الله ، وتذكرة بالله ، فهم الاُسوة والقدوة بأقوالهم وأفعالهم ، كما إعترف بذلك الصديق والعدوّ ، بل أقرّ بذلك ألدّ أعدائهم كمعاوية عليه الهاوية في مثل حديث عدي بن حاتم الطائي(١) .

والدليل على دعوتهم إلى الله تعالى ومنصبهم في ذلك :

أوّلاً : من الكتاب قوله تعالى :( قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (٢) فقد ورد تفسيره بأنّ من اتّبعني هو أمير المؤمنين والأوصياء من بعده عليهم السلام(٣) .

ثانياً : من السنّة الأحاديث الكثيرة الناصّة على ذلك كحديث عبد العزيز بن مسلم ، عن الإمام الرضا عليه السلام ورد فيه : «الإمام أمين الله في خلقه : وحجّته على عباده وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذابّ عن حُرُم الله»(٤) .

وهم صلوات الله عليهم أعلى مُثُل الدعوة الحقّة إلى الله ، وأتمّ مصاديق الدعاة الحقيقيين إلى الربّ ، بل لا يدانيهم أحدٌ فيها ، لأنّها دعوة بأمر الله وإذنه ، وإلى رضا الله ومرضاته.

وقد بيّنت هذه الزيارة الشريفة مميّزات دعوتهم التي تختصّ بهم ويمتازون بها عن غيرهم في الفقرات التالية : «الأدلاّء على مرضات الله» ثمّ قوله : «عباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون».

__________________

(١) سفينة البحار ج ٦ ص ١٨٤.

(٢) سورة يوسف : الآية ١٠٨.

(٣) تفسير البرهان : ج ١ ص ٥١٥ ، كنز الدقائق : ج ٦ ص ٣٩٦.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

١٦٤

وَالأَدِلاّءِ عَلى مَرْضات اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أدلاّء جمع دليل ، كأعزّاء جمع عزيز وأخلاّء جمع خليل ، والدليل هو الذي يدلّ ويرشد ويهدي.

والمرضات مصدر ميمي من الرضا ـ أي رضا الله عزّ إسمه ـ.

وأهل البيت عليهم السلام هم الذين يدلّون الناس على المعارف الإلهية ، والأحكام الشرعية ، وسبل الهداية ، وطريق الجنّة ، التي توجب رضا الله تعالى والقرب إليه.

وقد بذلوا في مرضات الله النفس والنفيس كما يشهد به القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ) (١) . حيث نزلت في سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليه السلام(٢) واتّفقت عليها أحاديث الفريقين(٣) .

ويدلّ على أنّهم عليه السلام هم الأدلاّء ، الأحاديث المتظافرة مثل :

١ ـ حديث عبد العزيز بن مسلم المبيّن لصفات الإمام عليه السلام عن مولانا الرضا سلام الله عليه قال : «الإمام الماءُ العذب على الظمأ ، والدالّ على الهدى ، والمنجي من الردي»(٤) .

٢ ـ حديث الكفعمي عن الإمام الباقر عليه السلام : «إنّ الأئمّة الدعاة إلى الجنّة والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة»(٥) .

٣ ـ حديث كتاب المعراج عنه عليه السلام : «نحن الدليل الواضح لمن اهتدى»(٦) .

٤ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام : «بنا عُرِف الله وبنا عُبِد الله ، نحن الأدلاّء على الله»(٧) .

٥ ـ دعاء العهد الشريف : «وكما جعلتهم السبب إليك ، والسبيل إلى طاعتك

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٠٧.

(٢) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٣٠٥.

(٣) غاية المرام : ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

(٥) مرآة الأنوار : ص ١٠٠.

(١ و ٦) مرآة الأنوار : ص ١٠٠.

() بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٠ ب ٢ ح ٣٨.

١٦٥

.........................................

____________________________________

والوسيلة إلى جنّتك ، والأدلاّء على طرقك»(١) .

واعلم أنّ في نسخة البلد الأمين هنا زيادة : «والمؤدّين عن الله ، والقائمين بحقّ الله ، والناطقين عن الله».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨٩ ص ٣٤١ ب ٩٧ ح ٣.

١٦٦

وَالْمُسْتَقِرّينَ فِي اَمْرِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المستقرّين : جمع المستقرّ بمعنى الثابت ، من الاستقرار بمعنى الثبوت.

والاستقرار في أمر الله بمعنى ثبوت العمل بأوامر الله تعالى وإطاعته ، أو أمر الخلافة والإمامة.

وأهل البيت سلام الله عليهم في أتمّ العمل والقيام بأوامر الله تعالى واجبة كانت أو مندوبة ، عبادة أو غير عبادة.

وهم المستقرّون الثابتون في أمر الإمامة والخلافة ، والقائمون بها أحسن قيام(١) .

وكلا المعنيين صادق فيهم سلام الله عليهم.

أمّا بالمعنى الأوّل فهم أطوع الناس لله تعالى ، وامتثال أوامره ، والثبوت في طاعته ، كما تلاحظ ذلك في سيرتهم الغرّاء التي لم يأخذهم فيها لومة لائم ، حتّى كانوا من طاعة الله في الدرجات العلى والعصمة الكبرى ، كما تشهد به آية التطهير(٢) .

فهم الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، كما يأتي في آخر السلام الخامس بيانه ودليله.

وأمّا بالمعنى الثاني فهم القائمون بأمر الله ، الثابتون في خلافة الله والمصطفون لولاية الأمر عن الله ، كما تشهد به آية الإطاعة(٣) وتلاحظ أحاديثه في التفسير(٤) .

والعقل والنقل دالاّن على استقرارهم في أمر الله.

أمّا العقل فلأنّه يحكم بلزوم أفضليّة الإمام من سائر الخلق في جميع الجهات ، وفي محاسن الصفات ، حتّى لا يلزم تقديم المفضول على الفاضل ، ومن تلك الجهات الحسنة التي يلزم أفضلية الإمام فيها استقراره في أمر الله تعالى.

__________________

(١) والمنقول عن بعض النسخ : (المستوفرين) من الوفور بمعنى الكثرة ، أي العاملين بأوامر الله تعالى أكثر من سائر الخلق.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٢.

(٣) سورة النساء : الآية ٥٩.

(٤) كنز الدقائق : ج ٣ ص ٤٣٧.

١٦٧

.........................................

____________________________________

وأمّا النقل فمثل حديث عبد العزيز بن مسلم المتقدّم(١) الذي جاء فيه : «الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير مضطلع بالإمامة قائم بأمر الله عزّ وجلّ».

ويشهد لثبوتهم وثباتهم في أمر الله ، وعدم ضعفهم فيه ، وعدم استكانتهم في الامتثال ، ما ذكره أديب عصره ابن دأب في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبة السبعين التي ليس لأحد فيها نصيب.

فذكر في أوّل كتابه أنّه لم تجتمع هذه الخصال إلاّ في علي بن أبي طالب ، ولذلك حسدوه عليها حسداً انغلّ القلوب وأحبط الأعمال ، قال في جملة ذلك :

(ثمّ ترك الوهن والاستكانة ، أنّه انصرف من اُحد وبه ثمانون جراحة ، يدخل الفتائل من موضع ويخرج من موضع ، فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله عائداً وهو مثل المُضغة على نطع(٢) .

فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله بكى فقال له : «إنّ رجلاً يصيبه هذا في الله لحقّ على الله أن يفعل به ويفعل.

فقال مجيباً له وبكى : بأبي أنت وأُمّي الحمد الله الذي لم يرني ولّيت عنك ولا فررت ، بأبي واُمّي كيف حرمت الشهادة؟

قال : إنّها من ورائك إن شاء الله.

قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الأسد.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ح ١.

(٢) النطع ـ بكسر النون وفتحها وسكون الطاء ومحرّكة وبكسر النون وفتح الطاء ـ : بساط من الجلد.

١٦٨

.........................................

____________________________________

فقال : بأبي أنت واُمّي والله لو حُملت على أيدي الرجال ما تخلّفت عنك.

قال : فنزل القرآن :( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) (١) ونزلت الآية فيه قبلها :( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) (٢) ».

ثمّ ترك الشكاية في ألم الجراحة شكت المرأتان(٣) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما يلقى وقالتا : يا رسول الله قد خشينا عليه ممّا تدخل الفتائل في موضع الجراحات ، من موضع إلى موضع ، وكتمانه ما يجد من الألم.

قال : فعُدّ ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات الله عليه)(٤) .

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٤٦.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٤٥.

(٣) إحداهما نسيبة الجرّاحة ، والاُخرى امرأة غيرها تتصدّيان معالجة الجرحى في الغزوات.

(٤) الاختصاص : ص ١٥٨.

١٦٩

وَالتّامّينَ فى مَحَبَّةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ يقال : أتممتُ الشيء اي أكملته ـ فمعنى التامّين ـ أي الكاملين.

وتمّ في محبّة الله تعالى : أي بلغ أعلى مراتب محبّته.

في المحيط : المحبّة مأخوذة من الحبّ ضدّ البغض(١) .

وفي المفردات : الحبّ بالضمّ معناه الوداد(٢) .

والمحبّة هي تلك الصفة النفسانية والعُلقة الوجدانية المعروفة ، المعبّر عنها بميل النفس ، نقيض كُرة النفس.

ومحبّة العبد لله تعالى حالة يجدها العبد في قلبه ، يحصل منها التعظيم لله ، وإيثار رضاه ، والاستئناس بذكره(٣) .

ويأتي مزيد بيان المحبّة في آخر هذه الفقرة إن شاء الله.

وأهل البيت سلام الله عليهم حازوا أعلى المراتب في حبّ الله عزّ شأنه ، لأنّهم عرفوا الله بأعلى درجات المعرفة ، وكلّما كانت المعرفة أرقى كانت المحبّة أقوى ، وكلّما كانت المحبّة أقوى كانت الطاعة أسنى ، فإذا ازداد المخلوق حبّاً لله ازداد توجّهه إلى الله حتّى يبلغ درجة الإنقطاع إليه.

لذلك كان أهل البيت النبوي عليهم السلام أطوع لله تعالى من جميع الخلق ، حتّى انقطعوا إلى الله ، واشتغلوا عن غير الله.

وقد بلغ المعصومون عليهم السلام في محبّة الله تعالى هذه الدرجة القصوى ، فترى أنّه جاء في دعاء الصحيفة السجّادية المباركة قول الإمام زين العابدين عليه السلام : «اللهمّ إنّي أخلصت بانقطاعي إليك ، وأقبلتُ بكُلّي عليك»(٤) .

__________________

(١) المحيط : ج ١ ص ٣٢١.

(٢) المفردات : ص ١٠٥.

(٣) مجمع البحرين : ص ١٠٩.

(٤) الصحيفة السجّادية : الدعاء ٢٨.

١٧٠

.........................................

____________________________________

وأهل البيت عليهم السلام كملوا في خصوصية حبّ الله والمحبّة التامّة لله كما يدلّ عليه القرآن الكريم بأحاديث تفسيره بآل محمّد سلام الله عليهم مثل :

١ ـ قوله تعالى :( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (١) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ) (٢) .

وأفاد العلاّمة المجلسي هنا أنّ في بعض النسخ القديمة (والنّامين) من النموّ ، أي نشأوا في بدو سنّهم في محبّة الله تعالى ، أو أنّ في كلّ آنٍ وزمان يزدادون حبّاً لله تعالى ، وكلا المعنيين يصدق على أهل البيت عليهم السلام كما هو واضح.

ثمّ ما هي معنى المحبّة؟ هذا ما يحسن تفصيل بيانه فنقول :

وقعت كلمة المحبّة في القرآن الكريم ، فلنقتبس من نوره في استفادة بيانه من أحاديث أهله.

في المجمع بعد ذكر قوله تعالى :( ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) قيل : محبّة الله للعباد إنعامه عليهم ، وأن يوفّقهم لطاعته ، ويهديهم لدينه الذي إرتضاه ، وحبّ العباد لله أن يطيعوه ولا يعصوه

ثمّ ذكر : (إنّ المحبّة حالة يجدها المحبّ في قلبه يحصل منها طاعة المحبوب ، وتعظيمه ، وإيثار رضاه ، والاستئناس بذكره ...)(٣) .

والأحاديث المباركة بيّنت محبّة الله وآثارها التي منها الطاعة فلاحظ مثل :

١ ـ حديث المفضّل الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «كان فيما ناجى

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٥٤ ، لاحظ تفسيره بأهل البيت عليهم السلام في كنز الدقائق : ج ٤ ص ١٤١.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٦٥ ، لاحظ تفسيره بأهل البيت عليهم السلام في تفسير العياشي : ج ١ ص ٧٢.

(٣) مجمع البحرين : مادّة حبب ص ١٠٩.

١٧١

.........................................

____________________________________

الله عزّ وجلّ به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له :

يابن عمران! كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عنّي ، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه؟

ها أنا ذا يابن عمران مطّلع على أحبّائي إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم من قلوبهم ، ومثّلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلّموني عن الحضور.

يابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينك الدموع في ظلم الليل ، وادعني فإنّك تجدني قريباً مجيباً»(١) .

٢ ـ حديث ابن أبي عمير عمّن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : ما أحبّ الله عزّ وجلّ من عصاه ثمّ تمثّل فقال :

تعصي الإله وأنت تُظهر حبّه

هذا محالٌ في الفعال بديعُ

لو كان حبّك صادقاً لأطعتَه

إنّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ»(٢)

٣ ـ حديث سليمان بن داود باسناده قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله : يا رسول الله علّمني شيئاً إذا أنا فعلته أحبّني الله من السماء وأحبّني الناس من الأرض.

فقال له : «أرغب فيما عند الله عزّ وجلّ يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس»(٣) .

٤ ـ حديث نوح بن درّاج ، عن الإمام الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «أوحى الله عزّ وجلّ إلى نجيّه موسى : احببني وحبّبني إلى خلقي!

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧٠ ص ١٤ ب ٤٣ ح ٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٧٠ ص ١٤ ب ٤٣ ح ٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧٠ ص ١٤ ب ٤٣ ح ٤.

١٧٢

.........................................

____________________________________

قال : يا ربّ هذا اُحبّك فكيف اُحبّبك إلى خلقك؟

قال : اذكر لهم نعماي عليهم ، وبلاي عندهم ، فإنّهم لا يذكرون أو لا يعرفون منّي إلاّ كلّ الخير»(١) .

٥ ـ حديث حنّان بن سدير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله : «ما تحبّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه ، وإنّه ليتحبّب إليّ بالنافلة حتّى اُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته ، وما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في موت المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته»(٢) .

وفي نسخة البلد الأمين هنا : «والمخلصين في توحيد الله ، والصادعين بأمر الله ، الثابتين في محبّة الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين الخ».

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة حبب ص ١٠٩.

(٢) مجمع البحرين : مادّة حبب ص ١٠٩.

١٧٣

وَالْمخْلِصينَ في تَوْحيدِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الخلوص هو : الصفاء والخلوّ من كل شوب ، والخالص في اللغة هو : كلّما صفا وتخلّص ولم يمتزج بغيره.

والعمل الخالص في العرف هو ما كان لوجه الله ، وكان قصد القربة فيه مجرّداً عن جميع الشوائب ، ولا تريد أن يحمدك عليه إلاّ الله ؛ وهذا التجريد هو الإخلاص.

والمخلصين ، يُقرأ بكسر اللام وفتحه ، فبالكسر معناه : الذين أخلصوا في توحيد الله تعالى وكان اعتقادهم بالتوحيد خالصاً من كلّ شوب وريب.

وقد بلغ أهل البيت المرتبة العليا في هذا الإخلاص.

بدليل قوله صلى الله عليه وآله : «يا علي ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري»(١) .

وبالفتح معناه : الذين إختارهم الله وأخلصهم لتوحيده ، بمعنى أنّهم هم المختارون الذين عرّفوا الله تعالى بأقصى مراتب التوحيد ، وبسبيلهم عرف التوحيد.

وقد بلغ أهل البيت عليهم السلام مرتبة أن خصّهم الله بهذه الدرجة ، بدليل قول الإمام الباقر عليه السلام في حديث جابر : «بنا عُرف الله وبنا وُحّد الله وبنا عُبِد الله»(٢) .

بل إنحصرت معرفة الله بمعرفتهم كما في حديث مِقرن ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله عزّ وجلّ إلاّ بسبيل معرفتنا»(٣) .

بل هم المعيار في معرفة الله والإيمان به كما في حديث الفضيل بن يسار ، عن

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٨٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٠ ب ١ ح ٣١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢٥٣ ب ٦٢ ح ١٤.

١٧٤

.........................................

____________________________________

أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ الله عزّ وجلّ نصب علياً عليه السلام عَلَماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاً ، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة»(١) .

والخير كلّ الخير في الإخلاص ، والنجاة كلّ النجاة يكون بالخلوص ، والثمر في العمل يكون للمخلصين ، فلاحظ أحاديث باب الإخلاص مثل :

١ ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله : «من أخلص لله أربعين يوماً فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(٢) .

٢ ـ حديث الإمام الرضا عليه السلام : «إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول : طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ، ولم ينس ذكر الله بما تسمع اُذناه ، ولم يحزن صدره بما اُعطي غيره»(٣) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٤٣٧ ح ٧.

(٢) سفينة البحار : ج ٢ ص ٦٦٨.

(٣) الكافي : ج ٢ ص ١٦ ح ٣ و ٥ و ٦.

١٧٥

وَالْمُظْهِرينَ لأَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المظهرين جمع المُظِهر ، اسم فاعل من الظهور : بمعنى وضوح الشيء ، وبروزه ، وتبيّنه.

يقال : ظهر الشيء : إذا بان وبرز بعد الخفاء.

وأهل البيت النبوي هم خزنة علم الله وورثة علم الرسول ، فكانوا هم العالمون بأوامر الله ونواهيه ، والمظهرون لأمر الله ونهيه كما تلاحظه في حديث خطبة الإمام الصادق عليه السلام في شأن ألأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجميعن جاء فيه : «آتاه علمه ، وأنبأه فصل بيانه وانتدبه لعظيم أمره وأحيا به مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده»(١) .

وهم العين الصافية ، والمعدن الفيّاض بالأحكام الشرعية والمعالم الربّانية ، وجميع الموضوعات المأمورة والمنهيّة كما تلاحظه في حديث عبد العزيز بن مسلم عن الإمام الرضا عليه السلام : «بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف الإمام يحلّ حلال الله ، ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله»(٢) .

وبالعيان والوجدان نجد ما ظهر من بياناتهم الشريفة في أحاديثهم المنيفة ، المبيّنة لحلال الله وحرامه ، وأموامره ونواهيه ، وسننه وأحكامه ، ممّا حُرّرت في كتب أصحابهم ورواتهم حتّى أنّه جمعت أحاديثهم الشريفة في الكتب الكثيرة فبلغت (٦٦٠٠) كتاباً كما أفاده المحدّث الحرّ العاملي(٣) .

منها أربعمائة كتاب لأربعمائة مصنّف ، سمّيت بالاُصول الأربعمائة فصّلنا بيانها

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٣ ح ٢.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ج ٢٠ ص ٤٩.

١٧٦

.........................................

____________________________________

في محلّه(١) . وقد أخذ منها محدّثونا الكبار الكتب الشريفة الجوامع :

١ / الكافي ويشتمل على (١٦١٩٩) حديثاً.

٢ / الفقيه ويشتمل على (٥٩٦٣) حديثاً.

٣ / مدينة العلم وهو أكثر من أحاديث الفقيه.

٤ / التهذيب ويشتمل على (١٣٥٩٠) حديثاً.

٥ / الاستبصار ويشتمل على (٥٥١١) حديثاً.

وقد بلغ كبار أصحابهم عليهم السلام في الحديث أن كان لجابر الجعفي (٧٠٠٠٠) حديثاً ولأبان بن تغلب (٣٠٠٠٠) حديثاً ، ولكثير منهم كثيراً منها.

__________________

(١) الفوائد الرجالية : ص ٢٨ الفائده الثالثة.

١٧٧

وَعِبادِهِ الْمُكْرَمينَ الَّذينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (١) وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

____________________________________

(١) ـ عباده : اُضيفت العبودية إلى الضمير العائد إلى الله تعالى في قوله عباده لمزيد الاختصاص والتشريف.

والمكرمين : بالتخفيف وفي نسخة بالتشديد أي الذين أكرمهم الله تعالى بالعصمة والطهارة والمعرفة.

الذين لا يسبقونه بالقول : أي لا يقولون بقول إلاّ بأمر الله تعالى ، بل كلامهم كلام الله العزيز كجدّهم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.

وهم بأمره يعملون : أي في جميع أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.

وقد أبانت هذه الفقرة الصفات الكريمة في أهل البيت عليهم السلام من حيث شرافتهم بالعبادة ، ثمّ كرامتهم عند الله ، ثمّ أدبهم أمام الله ، ثمّ إطاعتهم لله تعالى.

وقد فسّر بهم قوله تعالى :( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) .

فعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه أومأ بيده إلى صدره وقال :( لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٢) .

وجميع ما فعلوه وهم أهل بيت العصمة كان بعهد من الله تعالى.

وقد عقد ثقة الإسلام الكليني في الكافي باباً في أنّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عزّ وجلّ وأمر منه لا يتجاوزونه(٣) .

__________________

(١) سورة الأنبياء : الآية ٢٦ و ٢٧.

(٢) تفسير البرهان : ج ٢ ص ٦٨٦ ، كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٠٤.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٨١ الأحاديث خصوصاً الحديث ٤.

١٧٨

الفصل الخامس

اَلسَّلامُ عَلَى الاْئِمَّةِ الدُّعاةِ (١)

____________________________________

(١) ـ جاء في هذا التسليم الخامس والأخير من هذه الزيارة المباركة السلام على أهل البيت عليهم السلام بأوصافهم الجليلة الفائقة ، ومقاماتهم الربّانية الرائعة بأنّهم : الأئمّة الدُعاة

والأئمّة جمع إمام مثل أكسية جمع كساء ، والإمام هو المقتدى الذي يأتمّ به الناس ، فيتّبعونه ويأتمّون به ويأخذون عنه ؛ وهو ذلك المقام الشامخ للحجّة الذي لا يكون إلاّ بجعل من الله تعالى كما قال عزّ إسمه :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (١) .

وقال أيضاً :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) .

عن أمير المؤمنين عليه السلام : «سُمّي الإمام إماماً لأنّه قدوة للناس ، منصوب من قبل الله تعالى ذكره ، مفترض الطاعة على العباد»(٣) .

والأئمّة هم المحور للصفات الجليلة والمزايا النبيلة ، من ذلك كونهم : الدعاة إلى الله تعالى.

والدعاة : جمع داعي مثل قضاة وقاضي ، مأخوذ من الدعوة بمعنى الطلب (فراخواندن) بمعنى الدعوة إلى الله تعالى ، وإلى معرفته وطاعته ، وإلى تقواه وجنّته ،

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤.

(٢) سورة الأنبياء : الآية ٧٣.

(٣) معاني الأخبار : ص ٦٤ ح ١٧.

١٧٩

.........................................

____________________________________

وإلى هداه وعبادته.

وأهل البيت سلام الله عليهم هم الأئمّة الحقّ الذين يدعون إلى الله تعالى بالدعوة الحسنى ، كما مرّ بيانه مفصّلاً في الفقرة الشريفة «السلام على الدعاة إلى الله» مع الإستدلال له بالكتاب والسنّة فلاحظ.

ويكفينا دليلاً على عظيم شأن الإمام والإمامة ـ مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة ـ حديث طارق بن شهاب المروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو حديث جامع بليغ ، نذكره لعظيم نفعه وفائدته وهذا نصّه :

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «يا طارق الإمام كلمة الله ، وحجّة الله ، ووجه الله ، ونور الله ، وحجاب الله ، وآية الله ، يختاره الله ، ويجعل فيه ما يشاء ، ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه.

فهو وليّه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدّم عليه كفر بالله من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء.

ويكتب على عضده :( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ) (١) فهو الصدق والعدل.

وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء ، يرى فيه أعمال العباد ، ويلبس اهيبة وعلم الضمير ، ويطّلع على الغيب ، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطى منطق الطير عند ولايته.

فهذا الذي يختاره الله لوحيه ، ويرتضيه لغيبه ، ويؤيّده بكلمته ، ويلقّنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيّته ، وينادي له بالسلطنة ، ويذعن له بالإمرة(٢) ويحكم له بالطاعة.

وذلك لأنّ الإمامة ميراث الأنبياء ، ومنزلة الأصفياء ، وخلافة الله ، وخلافة رسل

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ١١٥.

(٢) الإمرة بالكسر : الإمارة والولاية.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698