في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة5%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66210 / تحميل: 4620
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

.........................................

____________________________________

قلت : ينكرون علينا أنّهما إبنا رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال : فبأي شيء احتججتم عليهم؟

قلت : بقول الله في عيسى بن مريم :( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ ـ إلى قوله : ـ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) (١) فجعل عليسى من ذرّية إبراهيم ، واحتججنا عليهم بقوله تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) (٢) .

قال : فأي شيء قالوا؟

قال : قلت : قد يكون ولد البنت من الولد ولا يكون من الصلب.

قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : والله يا ابا الجارود لاُعطينّكها من كتاب الله آية تسمّي لصلب رسول الله صلى الله عليه وآله لا يردّها إلاّ كافر.

قال : قلت : جعلت فداك وأين؟

قال : حيث قال الله :( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ـ إلى قوله : ـ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ) (٣) فسلهم يا أبا الجارود هل يحلّ لرسول الله صلى الله عليه وآله نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا : نعم فكذبوا والله ، وإن قالوا : لا ، فهما والله إبنا رسول الله لصلبه ، وما حرّمت عليه إلاّ للصلب»(٤) .

هذا مضافاً إلى دليل اللغة وتصريح أهلها بتفسير الذرّية بالأولاد الشامل للذكور والإناث كما تقدّم.

ومضافاً إلى أنّه قد اُطلق على الحسنين عليهما السلام الإبن ، والأصل في الإستعمال الحقيقة.

ولإبن أبي الحديد كلام شافٍ وإعتراف وافٍ قال فيه :

فإن قلت : أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما : أبناء رسول الله وولد

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ٨٤ و ٨٥.

(٢) سورة آل عمران : الآية ٦١.

(٣) سورة النساء : الآية ٢٣.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٢٣٢ ب ٩ ح ٨.

١٦١

.........................................

____________________________________

رسول الله ، وذرّية رسول الله ، ونسل رسول الله؟

قلت : نعم ؛ لأنّ الله تعالى سمّاهم «أبناءه» في قوله تعالى :( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) ، وإنّما عنى الحسن والحسين ، ولو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات ، وسمّى الله تعالى عيسى ذرّية إبراهيم في قوله :( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ) إلى أن قال :( وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) ؛ ولم يختلف أهل اللغة في أنّ ولد البنات من نسل الرجل.

فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى :( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) (١) ؟

قلت : أسألك عن اُبوّته لإبراهيم بن مارية ؛ فكما تجيب به عن ذلك ؛ فهو جواب عن الحسن والحسين عليهما السلام.

والجواب الشامل للجميع أنّه عنى زيد بن حارثة لأنّ العرب كانت تقول : «زيد بن محمّد» على عادتهم في تبنّي العبيد ، فأبطل الله تعالى ذلك ، ونهى عن سنّة الجاهلية ، وقال : إنّ محمّداً عليه السلام ليس أباً لواحد من الرجال البالغين المعروفين بينكم ليعتزي إليه بالنبوّة ، وذلك لا ينفي كونه أباً لأطفال ، لم تطلق عليهم لفظة الرجال ، كإبراهيم وحسن وحسين عليهم السلام.

فإن قلت : أتقول إنّ ابن البنت ابن على الحقيقة الأصلية أم على سبيل المجاز؟

قلت : لذاهب أن يذهب إلى أنّه حقيقة أصلية ؛ لأنّ أصل الإطلاق الحقيقة ، وقد يكون اللفظ مشتركاً بين مفهومين وهو في أحدهما أشهر ، ولا يلزم من كونه أشهر في أحدهما ألاّ يكون حقيقة في الآخر.

ولذاهب أن يذهب إلى أنّه حقيقة عرفية ، وهي التي كثر إستعمالها ؛ وهي في الأكثر مجاز ؛ حتّى صارت حقيقة في العرف ، كالرواية للمزَادة ، والسماء للمطر.

ولذاهب ان يذهب إلى كونه مجازاً قد إستعمله الشارع ، فجاز إطلاقه في كلّ حال ؛ وإستعماله كسائر المجازات المستعملة(٢) .

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٤٠.

(٢) شرح نهج البلاغة : ج ١١ ص ٢٦.

١٦٢

الفصل الرابع

اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ جاء في ابتداء السلام الرابع في هذه الزيارة المباركة التسليم على أهل البيت صلوات الله عليهم بوصف أنّهم الدعاة إلى الله تعالى.

والدعاة : جمع الداعي كقضاة جمع قاضٍ ، مشتقّ من الدعوة بمعنى الطلب.

والدعوة إلى الله تعالى هي الدعوة إلى معرفته ، وإطاعته ، وعبادته ، ودينه ، وشريعته.

وآل محمّد سلام الله عليهم داعون إلى الله كجدّهم الرسول الأعظم الذي كان داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، إذ هم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وبمنزلته كما تلاحظه في حديث محمّد بن مسلم(١) .

وهم يدعون الخلق إلى معرفة الله تعالى ، ويطلبون منهم الإلتزام بطاعته ، ويهدونهم إلى عبادته ، ويرشدونهم إلى التخلّق بأخلاقه ، ويسلكون بهم مسالك التقوى وطرق الجنّة ، يهدونهم إلى ذلك ويدعونهم إليها ، ببياناتهم الوافية ، ومواعظهم الشافية.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٥٠ ب ١٨ ح ٢.

١٦٣

.........................................

____________________________________

لا بالقول فحسب بل بالقول والعمل ، بل نفس وجودهم دعوة إلى الله ، وتذكرة بالله ، فهم الاُسوة والقدوة بأقوالهم وأفعالهم ، كما إعترف بذلك الصديق والعدوّ ، بل أقرّ بذلك ألدّ أعدائهم كمعاوية عليه الهاوية في مثل حديث عدي بن حاتم الطائي(١) .

والدليل على دعوتهم إلى الله تعالى ومنصبهم في ذلك :

أوّلاً : من الكتاب قوله تعالى :( قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (٢) فقد ورد تفسيره بأنّ من اتّبعني هو أمير المؤمنين والأوصياء من بعده عليهم السلام(٣) .

ثانياً : من السنّة الأحاديث الكثيرة الناصّة على ذلك كحديث عبد العزيز بن مسلم ، عن الإمام الرضا عليه السلام ورد فيه : «الإمام أمين الله في خلقه : وحجّته على عباده وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذابّ عن حُرُم الله»(٤) .

وهم صلوات الله عليهم أعلى مُثُل الدعوة الحقّة إلى الله ، وأتمّ مصاديق الدعاة الحقيقيين إلى الربّ ، بل لا يدانيهم أحدٌ فيها ، لأنّها دعوة بأمر الله وإذنه ، وإلى رضا الله ومرضاته.

وقد بيّنت هذه الزيارة الشريفة مميّزات دعوتهم التي تختصّ بهم ويمتازون بها عن غيرهم في الفقرات التالية : «الأدلاّء على مرضات الله» ثمّ قوله : «عباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون».

__________________

(١) سفينة البحار ج ٦ ص ١٨٤.

(٢) سورة يوسف : الآية ١٠٨.

(٣) تفسير البرهان : ج ١ ص ٥١٥ ، كنز الدقائق : ج ٦ ص ٣٩٦.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

١٦٤

وَالأَدِلاّءِ عَلى مَرْضات اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أدلاّء جمع دليل ، كأعزّاء جمع عزيز وأخلاّء جمع خليل ، والدليل هو الذي يدلّ ويرشد ويهدي.

والمرضات مصدر ميمي من الرضا ـ أي رضا الله عزّ إسمه ـ.

وأهل البيت عليهم السلام هم الذين يدلّون الناس على المعارف الإلهية ، والأحكام الشرعية ، وسبل الهداية ، وطريق الجنّة ، التي توجب رضا الله تعالى والقرب إليه.

وقد بذلوا في مرضات الله النفس والنفيس كما يشهد به القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ) (١) . حيث نزلت في سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليه السلام(٢) واتّفقت عليها أحاديث الفريقين(٣) .

ويدلّ على أنّهم عليه السلام هم الأدلاّء ، الأحاديث المتظافرة مثل :

١ ـ حديث عبد العزيز بن مسلم المبيّن لصفات الإمام عليه السلام عن مولانا الرضا سلام الله عليه قال : «الإمام الماءُ العذب على الظمأ ، والدالّ على الهدى ، والمنجي من الردي»(٤) .

٢ ـ حديث الكفعمي عن الإمام الباقر عليه السلام : «إنّ الأئمّة الدعاة إلى الجنّة والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة»(٥) .

٣ ـ حديث كتاب المعراج عنه عليه السلام : «نحن الدليل الواضح لمن اهتدى»(٦) .

٤ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام : «بنا عُرِف الله وبنا عُبِد الله ، نحن الأدلاّء على الله»(٧) .

٥ ـ دعاء العهد الشريف : «وكما جعلتهم السبب إليك ، والسبيل إلى طاعتك

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٠٧.

(٢) كنز الدقائق : ج ٢ ص ٣٠٥.

(٣) غاية المرام : ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

(٥) مرآة الأنوار : ص ١٠٠.

(١ و ٦) مرآة الأنوار : ص ١٠٠.

() بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٠ ب ٢ ح ٣٨.

١٦٥

.........................................

____________________________________

والوسيلة إلى جنّتك ، والأدلاّء على طرقك»(١) .

واعلم أنّ في نسخة البلد الأمين هنا زيادة : «والمؤدّين عن الله ، والقائمين بحقّ الله ، والناطقين عن الله».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨٩ ص ٣٤١ ب ٩٧ ح ٣.

١٦٦

وَالْمُسْتَقِرّينَ فِي اَمْرِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المستقرّين : جمع المستقرّ بمعنى الثابت ، من الاستقرار بمعنى الثبوت.

والاستقرار في أمر الله بمعنى ثبوت العمل بأوامر الله تعالى وإطاعته ، أو أمر الخلافة والإمامة.

وأهل البيت سلام الله عليهم في أتمّ العمل والقيام بأوامر الله تعالى واجبة كانت أو مندوبة ، عبادة أو غير عبادة.

وهم المستقرّون الثابتون في أمر الإمامة والخلافة ، والقائمون بها أحسن قيام(١) .

وكلا المعنيين صادق فيهم سلام الله عليهم.

أمّا بالمعنى الأوّل فهم أطوع الناس لله تعالى ، وامتثال أوامره ، والثبوت في طاعته ، كما تلاحظ ذلك في سيرتهم الغرّاء التي لم يأخذهم فيها لومة لائم ، حتّى كانوا من طاعة الله في الدرجات العلى والعصمة الكبرى ، كما تشهد به آية التطهير(٢) .

فهم الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، كما يأتي في آخر السلام الخامس بيانه ودليله.

وأمّا بالمعنى الثاني فهم القائمون بأمر الله ، الثابتون في خلافة الله والمصطفون لولاية الأمر عن الله ، كما تشهد به آية الإطاعة(٣) وتلاحظ أحاديثه في التفسير(٤) .

والعقل والنقل دالاّن على استقرارهم في أمر الله.

أمّا العقل فلأنّه يحكم بلزوم أفضليّة الإمام من سائر الخلق في جميع الجهات ، وفي محاسن الصفات ، حتّى لا يلزم تقديم المفضول على الفاضل ، ومن تلك الجهات الحسنة التي يلزم أفضلية الإمام فيها استقراره في أمر الله تعالى.

__________________

(١) والمنقول عن بعض النسخ : (المستوفرين) من الوفور بمعنى الكثرة ، أي العاملين بأوامر الله تعالى أكثر من سائر الخلق.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٢.

(٣) سورة النساء : الآية ٥٩.

(٤) كنز الدقائق : ج ٣ ص ٤٣٧.

١٦٧

.........................................

____________________________________

وأمّا النقل فمثل حديث عبد العزيز بن مسلم المتقدّم(١) الذي جاء فيه : «الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير مضطلع بالإمامة قائم بأمر الله عزّ وجلّ».

ويشهد لثبوتهم وثباتهم في أمر الله ، وعدم ضعفهم فيه ، وعدم استكانتهم في الامتثال ، ما ذكره أديب عصره ابن دأب في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبة السبعين التي ليس لأحد فيها نصيب.

فذكر في أوّل كتابه أنّه لم تجتمع هذه الخصال إلاّ في علي بن أبي طالب ، ولذلك حسدوه عليها حسداً انغلّ القلوب وأحبط الأعمال ، قال في جملة ذلك :

(ثمّ ترك الوهن والاستكانة ، أنّه انصرف من اُحد وبه ثمانون جراحة ، يدخل الفتائل من موضع ويخرج من موضع ، فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله عائداً وهو مثل المُضغة على نطع(٢) .

فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله بكى فقال له : «إنّ رجلاً يصيبه هذا في الله لحقّ على الله أن يفعل به ويفعل.

فقال مجيباً له وبكى : بأبي أنت وأُمّي الحمد الله الذي لم يرني ولّيت عنك ولا فررت ، بأبي واُمّي كيف حرمت الشهادة؟

قال : إنّها من ورائك إن شاء الله.

قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الأسد.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ح ١.

(٢) النطع ـ بكسر النون وفتحها وسكون الطاء ومحرّكة وبكسر النون وفتح الطاء ـ : بساط من الجلد.

١٦٨

.........................................

____________________________________

فقال : بأبي أنت واُمّي والله لو حُملت على أيدي الرجال ما تخلّفت عنك.

قال : فنزل القرآن :( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) (١) ونزلت الآية فيه قبلها :( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) (٢) ».

ثمّ ترك الشكاية في ألم الجراحة شكت المرأتان(٣) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما يلقى وقالتا : يا رسول الله قد خشينا عليه ممّا تدخل الفتائل في موضع الجراحات ، من موضع إلى موضع ، وكتمانه ما يجد من الألم.

قال : فعُدّ ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات الله عليه)(٤) .

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٤٦.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٤٥.

(٣) إحداهما نسيبة الجرّاحة ، والاُخرى امرأة غيرها تتصدّيان معالجة الجرحى في الغزوات.

(٤) الاختصاص : ص ١٥٨.

١٦٩

وَالتّامّينَ فى مَحَبَّةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ يقال : أتممتُ الشيء اي أكملته ـ فمعنى التامّين ـ أي الكاملين.

وتمّ في محبّة الله تعالى : أي بلغ أعلى مراتب محبّته.

في المحيط : المحبّة مأخوذة من الحبّ ضدّ البغض(١) .

وفي المفردات : الحبّ بالضمّ معناه الوداد(٢) .

والمحبّة هي تلك الصفة النفسانية والعُلقة الوجدانية المعروفة ، المعبّر عنها بميل النفس ، نقيض كُرة النفس.

ومحبّة العبد لله تعالى حالة يجدها العبد في قلبه ، يحصل منها التعظيم لله ، وإيثار رضاه ، والاستئناس بذكره(٣) .

ويأتي مزيد بيان المحبّة في آخر هذه الفقرة إن شاء الله.

وأهل البيت سلام الله عليهم حازوا أعلى المراتب في حبّ الله عزّ شأنه ، لأنّهم عرفوا الله بأعلى درجات المعرفة ، وكلّما كانت المعرفة أرقى كانت المحبّة أقوى ، وكلّما كانت المحبّة أقوى كانت الطاعة أسنى ، فإذا ازداد المخلوق حبّاً لله ازداد توجّهه إلى الله حتّى يبلغ درجة الإنقطاع إليه.

لذلك كان أهل البيت النبوي عليهم السلام أطوع لله تعالى من جميع الخلق ، حتّى انقطعوا إلى الله ، واشتغلوا عن غير الله.

وقد بلغ المعصومون عليهم السلام في محبّة الله تعالى هذه الدرجة القصوى ، فترى أنّه جاء في دعاء الصحيفة السجّادية المباركة قول الإمام زين العابدين عليه السلام : «اللهمّ إنّي أخلصت بانقطاعي إليك ، وأقبلتُ بكُلّي عليك»(٤) .

__________________

(١) المحيط : ج ١ ص ٣٢١.

(٢) المفردات : ص ١٠٥.

(٣) مجمع البحرين : ص ١٠٩.

(٤) الصحيفة السجّادية : الدعاء ٢٨.

١٧٠

.........................................

____________________________________

وأهل البيت عليهم السلام كملوا في خصوصية حبّ الله والمحبّة التامّة لله كما يدلّ عليه القرآن الكريم بأحاديث تفسيره بآل محمّد سلام الله عليهم مثل :

١ ـ قوله تعالى :( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (١) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ) (٢) .

وأفاد العلاّمة المجلسي هنا أنّ في بعض النسخ القديمة (والنّامين) من النموّ ، أي نشأوا في بدو سنّهم في محبّة الله تعالى ، أو أنّ في كلّ آنٍ وزمان يزدادون حبّاً لله تعالى ، وكلا المعنيين يصدق على أهل البيت عليهم السلام كما هو واضح.

ثمّ ما هي معنى المحبّة؟ هذا ما يحسن تفصيل بيانه فنقول :

وقعت كلمة المحبّة في القرآن الكريم ، فلنقتبس من نوره في استفادة بيانه من أحاديث أهله.

في المجمع بعد ذكر قوله تعالى :( ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) قيل : محبّة الله للعباد إنعامه عليهم ، وأن يوفّقهم لطاعته ، ويهديهم لدينه الذي إرتضاه ، وحبّ العباد لله أن يطيعوه ولا يعصوه

ثمّ ذكر : (إنّ المحبّة حالة يجدها المحبّ في قلبه يحصل منها طاعة المحبوب ، وتعظيمه ، وإيثار رضاه ، والاستئناس بذكره ...)(٣) .

والأحاديث المباركة بيّنت محبّة الله وآثارها التي منها الطاعة فلاحظ مثل :

١ ـ حديث المفضّل الجعفي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «كان فيما ناجى

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٥٤ ، لاحظ تفسيره بأهل البيت عليهم السلام في كنز الدقائق : ج ٤ ص ١٤١.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٦٥ ، لاحظ تفسيره بأهل البيت عليهم السلام في تفسير العياشي : ج ١ ص ٧٢.

(٣) مجمع البحرين : مادّة حبب ص ١٠٩.

١٧١

.........................................

____________________________________

الله عزّ وجلّ به موسى بن عمران عليه السلام أن قال له :

يابن عمران! كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عنّي ، أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه؟

ها أنا ذا يابن عمران مطّلع على أحبّائي إذا جنّهم الليل حوّلت أبصارهم من قلوبهم ، ومثّلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلّموني عن الحضور.

يابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينك الدموع في ظلم الليل ، وادعني فإنّك تجدني قريباً مجيباً»(١) .

٢ ـ حديث ابن أبي عمير عمّن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : ما أحبّ الله عزّ وجلّ من عصاه ثمّ تمثّل فقال :

تعصي الإله وأنت تُظهر حبّه

هذا محالٌ في الفعال بديعُ

لو كان حبّك صادقاً لأطعتَه

إنّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ»(٢)

٣ ـ حديث سليمان بن داود باسناده قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله : يا رسول الله علّمني شيئاً إذا أنا فعلته أحبّني الله من السماء وأحبّني الناس من الأرض.

فقال له : «أرغب فيما عند الله عزّ وجلّ يحبّك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس»(٣) .

٤ ـ حديث نوح بن درّاج ، عن الإمام الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «أوحى الله عزّ وجلّ إلى نجيّه موسى : احببني وحبّبني إلى خلقي!

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧٠ ص ١٤ ب ٤٣ ح ٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٧٠ ص ١٤ ب ٤٣ ح ٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧٠ ص ١٤ ب ٤٣ ح ٤.

١٧٢

.........................................

____________________________________

قال : يا ربّ هذا اُحبّك فكيف اُحبّبك إلى خلقك؟

قال : اذكر لهم نعماي عليهم ، وبلاي عندهم ، فإنّهم لا يذكرون أو لا يعرفون منّي إلاّ كلّ الخير»(١) .

٥ ـ حديث حنّان بن سدير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله : «ما تحبّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه ، وإنّه ليتحبّب إليّ بالنافلة حتّى اُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته ، وما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في موت المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته»(٢) .

وفي نسخة البلد الأمين هنا : «والمخلصين في توحيد الله ، والصادعين بأمر الله ، الثابتين في محبّة الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين الخ».

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة حبب ص ١٠٩.

(٢) مجمع البحرين : مادّة حبب ص ١٠٩.

١٧٣

وَالْمخْلِصينَ في تَوْحيدِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الخلوص هو : الصفاء والخلوّ من كل شوب ، والخالص في اللغة هو : كلّما صفا وتخلّص ولم يمتزج بغيره.

والعمل الخالص في العرف هو ما كان لوجه الله ، وكان قصد القربة فيه مجرّداً عن جميع الشوائب ، ولا تريد أن يحمدك عليه إلاّ الله ؛ وهذا التجريد هو الإخلاص.

والمخلصين ، يُقرأ بكسر اللام وفتحه ، فبالكسر معناه : الذين أخلصوا في توحيد الله تعالى وكان اعتقادهم بالتوحيد خالصاً من كلّ شوب وريب.

وقد بلغ أهل البيت المرتبة العليا في هذا الإخلاص.

بدليل قوله صلى الله عليه وآله : «يا علي ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري»(١) .

وبالفتح معناه : الذين إختارهم الله وأخلصهم لتوحيده ، بمعنى أنّهم هم المختارون الذين عرّفوا الله تعالى بأقصى مراتب التوحيد ، وبسبيلهم عرف التوحيد.

وقد بلغ أهل البيت عليهم السلام مرتبة أن خصّهم الله بهذه الدرجة ، بدليل قول الإمام الباقر عليه السلام في حديث جابر : «بنا عُرف الله وبنا وُحّد الله وبنا عُبِد الله»(٢) .

بل إنحصرت معرفة الله بمعرفتهم كما في حديث مِقرن ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله عزّ وجلّ إلاّ بسبيل معرفتنا»(٣) .

بل هم المعيار في معرفة الله والإيمان به كما في حديث الفضيل بن يسار ، عن

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٨٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٠ ب ١ ح ٣١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢٥٣ ب ٦٢ ح ١٤.

١٧٤

.........................................

____________________________________

أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ الله عزّ وجلّ نصب علياً عليه السلام عَلَماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاً ، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة»(١) .

والخير كلّ الخير في الإخلاص ، والنجاة كلّ النجاة يكون بالخلوص ، والثمر في العمل يكون للمخلصين ، فلاحظ أحاديث باب الإخلاص مثل :

١ ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله : «من أخلص لله أربعين يوماً فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(٢) .

٢ ـ حديث الإمام الرضا عليه السلام : «إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول : طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ، ولم ينس ذكر الله بما تسمع اُذناه ، ولم يحزن صدره بما اُعطي غيره»(٣) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٤٣٧ ح ٧.

(٢) سفينة البحار : ج ٢ ص ٦٦٨.

(٣) الكافي : ج ٢ ص ١٦ ح ٣ و ٥ و ٦.

١٧٥

وَالْمُظْهِرينَ لأَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ المظهرين جمع المُظِهر ، اسم فاعل من الظهور : بمعنى وضوح الشيء ، وبروزه ، وتبيّنه.

يقال : ظهر الشيء : إذا بان وبرز بعد الخفاء.

وأهل البيت النبوي هم خزنة علم الله وورثة علم الرسول ، فكانوا هم العالمون بأوامر الله ونواهيه ، والمظهرون لأمر الله ونهيه كما تلاحظه في حديث خطبة الإمام الصادق عليه السلام في شأن ألأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجميعن جاء فيه : «آتاه علمه ، وأنبأه فصل بيانه وانتدبه لعظيم أمره وأحيا به مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده»(١) .

وهم العين الصافية ، والمعدن الفيّاض بالأحكام الشرعية والمعالم الربّانية ، وجميع الموضوعات المأمورة والمنهيّة كما تلاحظه في حديث عبد العزيز بن مسلم عن الإمام الرضا عليه السلام : «بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف الإمام يحلّ حلال الله ، ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله»(٢) .

وبالعيان والوجدان نجد ما ظهر من بياناتهم الشريفة في أحاديثهم المنيفة ، المبيّنة لحلال الله وحرامه ، وأموامره ونواهيه ، وسننه وأحكامه ، ممّا حُرّرت في كتب أصحابهم ورواتهم حتّى أنّه جمعت أحاديثهم الشريفة في الكتب الكثيرة فبلغت (٦٦٠٠) كتاباً كما أفاده المحدّث الحرّ العاملي(٣) .

منها أربعمائة كتاب لأربعمائة مصنّف ، سمّيت بالاُصول الأربعمائة فصّلنا بيانها

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٠٣ ح ٢.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ج ٢٠ ص ٤٩.

١٧٦

.........................................

____________________________________

في محلّه(١) . وقد أخذ منها محدّثونا الكبار الكتب الشريفة الجوامع :

١ / الكافي ويشتمل على (١٦١٩٩) حديثاً.

٢ / الفقيه ويشتمل على (٥٩٦٣) حديثاً.

٣ / مدينة العلم وهو أكثر من أحاديث الفقيه.

٤ / التهذيب ويشتمل على (١٣٥٩٠) حديثاً.

٥ / الاستبصار ويشتمل على (٥٥١١) حديثاً.

وقد بلغ كبار أصحابهم عليهم السلام في الحديث أن كان لجابر الجعفي (٧٠٠٠٠) حديثاً ولأبان بن تغلب (٣٠٠٠٠) حديثاً ، ولكثير منهم كثيراً منها.

__________________

(١) الفوائد الرجالية : ص ٢٨ الفائده الثالثة.

١٧٧

وَعِبادِهِ الْمُكْرَمينَ الَّذينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (١) وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

____________________________________

(١) ـ عباده : اُضيفت العبودية إلى الضمير العائد إلى الله تعالى في قوله عباده لمزيد الاختصاص والتشريف.

والمكرمين : بالتخفيف وفي نسخة بالتشديد أي الذين أكرمهم الله تعالى بالعصمة والطهارة والمعرفة.

الذين لا يسبقونه بالقول : أي لا يقولون بقول إلاّ بأمر الله تعالى ، بل كلامهم كلام الله العزيز كجدّهم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.

وهم بأمره يعملون : أي في جميع أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.

وقد أبانت هذه الفقرة الصفات الكريمة في أهل البيت عليهم السلام من حيث شرافتهم بالعبادة ، ثمّ كرامتهم عند الله ، ثمّ أدبهم أمام الله ، ثمّ إطاعتهم لله تعالى.

وقد فسّر بهم قوله تعالى :( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) .

فعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه أومأ بيده إلى صدره وقال :( لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٢) .

وجميع ما فعلوه وهم أهل بيت العصمة كان بعهد من الله تعالى.

وقد عقد ثقة الإسلام الكليني في الكافي باباً في أنّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله عزّ وجلّ وأمر منه لا يتجاوزونه(٣) .

__________________

(١) سورة الأنبياء : الآية ٢٦ و ٢٧.

(٢) تفسير البرهان : ج ٢ ص ٦٨٦ ، كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٠٤.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٨١ الأحاديث خصوصاً الحديث ٤.

١٧٨

الفصل الخامس

اَلسَّلامُ عَلَى الاْئِمَّةِ الدُّعاةِ (١)

____________________________________

(١) ـ جاء في هذا التسليم الخامس والأخير من هذه الزيارة المباركة السلام على أهل البيت عليهم السلام بأوصافهم الجليلة الفائقة ، ومقاماتهم الربّانية الرائعة بأنّهم : الأئمّة الدُعاة

والأئمّة جمع إمام مثل أكسية جمع كساء ، والإمام هو المقتدى الذي يأتمّ به الناس ، فيتّبعونه ويأتمّون به ويأخذون عنه ؛ وهو ذلك المقام الشامخ للحجّة الذي لا يكون إلاّ بجعل من الله تعالى كما قال عزّ إسمه :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (١) .

وقال أيضاً :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) .

عن أمير المؤمنين عليه السلام : «سُمّي الإمام إماماً لأنّه قدوة للناس ، منصوب من قبل الله تعالى ذكره ، مفترض الطاعة على العباد»(٣) .

والأئمّة هم المحور للصفات الجليلة والمزايا النبيلة ، من ذلك كونهم : الدعاة إلى الله تعالى.

والدعاة : جمع داعي مثل قضاة وقاضي ، مأخوذ من الدعوة بمعنى الطلب (فراخواندن) بمعنى الدعوة إلى الله تعالى ، وإلى معرفته وطاعته ، وإلى تقواه وجنّته ،

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤.

(٢) سورة الأنبياء : الآية ٧٣.

(٣) معاني الأخبار : ص ٦٤ ح ١٧.

١٧٩

.........................................

____________________________________

وإلى هداه وعبادته.

وأهل البيت سلام الله عليهم هم الأئمّة الحقّ الذين يدعون إلى الله تعالى بالدعوة الحسنى ، كما مرّ بيانه مفصّلاً في الفقرة الشريفة «السلام على الدعاة إلى الله» مع الإستدلال له بالكتاب والسنّة فلاحظ.

ويكفينا دليلاً على عظيم شأن الإمام والإمامة ـ مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة ـ حديث طارق بن شهاب المروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو حديث جامع بليغ ، نذكره لعظيم نفعه وفائدته وهذا نصّه :

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «يا طارق الإمام كلمة الله ، وحجّة الله ، ووجه الله ، ونور الله ، وحجاب الله ، وآية الله ، يختاره الله ، ويجعل فيه ما يشاء ، ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه.

فهو وليّه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدّم عليه كفر بالله من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء.

ويكتب على عضده :( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ) (١) فهو الصدق والعدل.

وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء ، يرى فيه أعمال العباد ، ويلبس اهيبة وعلم الضمير ، ويطّلع على الغيب ، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطى منطق الطير عند ولايته.

فهذا الذي يختاره الله لوحيه ، ويرتضيه لغيبه ، ويؤيّده بكلمته ، ويلقّنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيّته ، وينادي له بالسلطنة ، ويذعن له بالإمرة(٢) ويحكم له بالطاعة.

وذلك لأنّ الإمامة ميراث الأنبياء ، ومنزلة الأصفياء ، وخلافة الله ، وخلافة رسل

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ١١٥.

(٢) الإمرة بالكسر : الإمارة والولاية.

١٨٠

.........................................

____________________________________

الله ، فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية ، وإنّه تمام الدين ورجح الموازين.

الإمام دليل للقاصدين ، ومنار للمهتدين ، وسبيل السالكين ، وشمس مشرقة في قلوب العارفين ، ولايته سبب للنجاة ، وطاعته مفترضة في الحياة ، وعدّة(١) بعد الممات ، وعزّ المؤمنين ، وشفاعة المذنبين ، ونجاة المحبّين ، وفوز التابعين ، لأنّها رأس الإسلام ، وكمال الإيمان ، ومعرفة الحدود والأحكام ، وتبيين الحلال(٢) من الحرام ، فهي مرتبة لا ينالها إلاّ من اختاره الله وقدّمه وولاّه وحكّمه.

فالولاية هي حفظ الثغور وتدبير الاُمور ، وتعديد الأيّام والشهور(٣) .

الإمام الماء العذب على الظمأ ، والدالّ على الهدى ، الإمام المطهّر من الذنوب ، المطّلع على الغيوب ، الإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار ، فلا تناله الأيدي والأبصار.

وإليه الإشارة بقوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (٤) والمؤمنون علي وعترته ، فالعزّة للنبي وللعترة ، والنبي والعترة لا يفترقان في العزّة إلى آخر الدهر.

فهم رأس دائرة الإيمان ، وقطب الوجود ، وسماء الجود ، وشرف الموجود وضوء شمس الشرف ونور قمره ، وأصل العزّ والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه ، فالإمام هو السراج الوهّاج ، والسبيل والمنهاج ، والماء الثجّاج ، والبحر العجّاج والبدر المشرق ، والغدير المغدق ، والمنهج الواضح المسالك ، والدليل إذا عمّت

__________________

(١) العدّة : ما أعددته لحوادث الدهر من مال وسلاح.

(٢) في نسخة : وسنن الحلال.

(٣) في نسخة : [وهي بعدد الأيّام والشهور] ولعلّه مصحّف : وهي بعدد الشهور كما في حاشية البحار.

(٤) سورة المنافقون : (الآية ٨).

١٨١

.........................................

____________________________________

المهالك ، والسحاب الهاطل ، والغيث الهامل(١) والبدر الكامل ، والدليل الفاضل والسماء الظليلة ، والنعمة الجليلة ، والبحر الذي لا ينزف ، والشرف الذي لا يوصف والعين الغزيرة ، والروضة المطيرة ، والزهر الأريج ، والبدر البهيج(٢) والنيّر اللائح ، والطيب الفائح ، والعمل الصالح ، والمتجر الرابح ، والمنهج الواضح ، والطيّب الرفيق(٣) والأب الشفيق ، مفزع العباد في الدواهي(٤) ، والحاكم والآمر والناهي.

مهيمن(٥) الله على الخلائق ، وأمينه على الحقائق ، حجّة الله على عباده ومحجّته في أرضه وبلاده ، مطهّر من الذنوب ، مبرّأ من العيوب ، مطّلع على الغيوب ، ظاهره أمر لا يملك ، وباطنه غيب لا يدرك ، واحد دهره ، وخليفة الله في نهيه وأمره.

لا يوجد له مثيل ولا يقوم له بديل.

فمن ذا ينال معرفتنا ، أو يعرف درجتنا ، أو يشهد كرامتنا أو يدرك منزلتنا؟ حارت () الألباب والعقول ، وتاهت الأفهام فيما أقول.

تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء ، وكلّت الشعراء ، وخرست البلغاء ولكنت الخطباء ، وعجزت الفصحاء ، وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأولياء.

وهل يُعرف أو يوصف أو يعلم أو يفهم أو يدرك أو يملك من هو شعاع جلال

__________________

(١) الوهّاج : شديد الاتّقاد. والثجّاج : سيّال شديد الانصباب. والعجاج : الصياح. والمغدق : من غدق عين الماء ، غزرت وعذبت ، ويقال : هطل المطر أي نزل متتابعاً متفرّقاً. عظيم القطر. ويقال هملت عينه أي فاضت دموعاً. والسماء : دام مطرها في سكون.

(٢) البهيج : الحسن.

(٣) لعلّه مصحّف والطبيب الرفيق.

(٤) الدواهي : المصائب والنوائب والشدائد.

(٥) المهيمن : بمعنى المؤتمن والشاهد ، والقائم على الخلق بأعمالهم وأرزاقهم.

(٦) حار : وتحيّر وتاه : تحيّر وضلّ.

١٨٢

.........................................

____________________________________

الكبرياء ، وشرف الأرض والسماء؟

جلّ مقام آل محمّد صلى الله عليه وآله عن وصف الواصفين ، ونعت الناعتين ، وأن يقاس بهم أحد من العالمين ، كيف وهم الكلمة العلياء ، والتسمية البيضاء ، والوحدانية الكبرى ، التي أعرض عنها من أدبر وتولّى ، وحجاب الله الأعظم الأعلى.

فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول من هذا؟ ومن ذا عرف أو وصف من وصفت؟

ظنّوا أنّ ذلك في غير آل محمّد كذبوا وزلّت أقدامهم ، اتّخذوا العجل ربّاً ، والشياطين حزباً ، كلّ ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة ، وحسداً لمعدن الرسالة والحكمة ، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم ، فتبّاً لهم وسحقاً(١) ، كيف اختاروا إماماً جاهلاً عابداً للأصنام ، جباناً يوم الزحام؟

والإمام يحب أن يكون عالماً لا يجهل ، وشجاعاً لا ينكل ، لا يعلو عليه حسب ، ولا يدانيه نسب ، فهو في الذروة من قريش ، والشرف من هاشم ، والبقيّة من إبراهيم ، والنهج من النبع الكريم ، والنفس من الرسول ، والرضى من الله ، والقول عن الله.

فهو شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، عالم بالسياسة ، قائم الرياسة ، مفترض الطاعة إلى يوم الساعة ، أودع الله قلبه سرّه ، وأطلق به لسانه ، فهو معصوم موفّق ليس بجبان ولا جاهل ، فتركوه يا طارق واتّبعوا أهواءهم( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ) ؟

والإمام يا طارق بشر ملكيّ ، وجسد سماويّ ، وأمر إلهي ، وروح قدسي ، ومقام عليّ ، ونور جليّ ، وسرّ خفي.

فهو ملك الذات ، إلهيّ الصفات ، زائد الحسنات ، عالم بالمغيبات ، خصّاً من ربّ

__________________

(١) تبّاً له أي ألزمه الله خسراناً وهلاكاً.

١٨٣

.........................................

____________________________________

العالمين ، ونصّاً من الصادق الأمين.

وهذا كلّه لآل محمّد ، لا يشاركهم فيه مشارك ، لأنّهم معدن التنزيل ، ومعنى التأويل ، وخاصّة الربّ الجليل ،ومهبط الأمين جبرئيل ، صفوة الله وسرّه وكلمته ، شجرة النبوّة ، ومعدن الصفوة ، عين المقالة ، ومنتهى الدلالة ، ومحكم الرسالة ، ونور الجلالة ، جنب الله ووديعته ، وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته ، ومصابيح رحمة وينابيع نعمته ، السبيل إلى الله والسلسلبيل ، والقسطاس المستقيم ، والمنهاج القويم والذكر الحكيم ، والوجه الكريم ، والنور القديم ، أهل التشريف والتقويم والتقديم والتعظيم والتفضيل ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم(١) واُمناء العلي العظيم ، ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم.

السنام الأعظم ، والطريق الأقوم ، من عرفهم وأخذ عنهم فهو منهم ، وإليه الإشارة بقوله :( فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٢) .

خلقهم الله من نور عظمته ، وولاّهم أمر مملكته ، فهم سرّ الله المخزون وأولياؤه ، المقرّبون ، وأمره بين الكاف والنون(٣) ، إلى الله يدعون ، وعنه يقولون وبأمره يعملون.

علم الأنبياء في علمهم ، وسرّ الأوصياء في سرّهم ، وعزّ الأولياء في عزّهم كالقطرة في البحر ، والذرّة في القفر.

والسماوات والأرض عند الإمام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم برّها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ، لأنّ الله علّم نبيّه علم ما كان وما يكون ،

__________________

(١) المراد به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الذي وصف بذلك في قوله تعالى :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) سورة التوبة : الآية ١٢٨.

(٢) سورة إبراهيم : الآية ٣٦.

(٣) زاد في المصدر لا بل هم الكاف والنون.

١٨٤

.........................................

____________________________________

ووَرِثَ ذلك السرّ المصون الأوصياء المنتجبون ، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون يلعنه الله ويلعنه اللاعنون.

وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض؟

وإنّ الكلمة من آل محمّد تنصرف إلى سبعين وجهاً.

وكلّ ما في الذكر الحكيم والكتاب الكريم والكلام القديم من آية تذكر فيها العين والوجه واليد والجنب فالمراد منها الولي ، لأنّه جنب الله ، ووجه الله ، يعني حقّ الله ، وعلم الله ، وعين الله ، ويد الله ، فهم الجنب العلي ، والوجه الرضي ، والمنهل الرويّ والصراط السوي والوسيلة إلى الله ، والوصلة إلى عفوه ورضاه.

سرّ الواحد والأحد ، فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصّة الله وخالصته ، وسرّ الديّان وكلمته ، وباب الإيمان وكعبته ، وحجّة الله ومحجّته وأعلام الهدى ورايته ، وفضل الله ورحمته ، وعين اليقين وحقيقته ، وصراط الحقّ وعصمته ، ومبدأ الوجود وغايته ، وقدرة الربّ ومشيّته ، واُمّ الكتاب وخاتمته ، وفصل الخطاب ودلالته ، وخزنة الوحي وحفظته ، وآية الذكر وتراجمته ، ومعدن التنزيل ونهايته.

فهم الكواكب العُلوية ، والأنوار العَلَوية ، المشرقة من شمس العصمة الفاطمية ، في سماء العظمة المحمّدية ، والأغصان النبوية النابتة في الدوحة الأحمدية ، والأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، والذرّية الزكية ، والعترة الهاشمية ، الهادية المهدية ، اُولئك هم خير البريّة.

فهم الأئمّة الطاهرون ، والعترة المعصومون ، والذرّية الأكرمون ، والخلفاء الراشدون ، والكبراء الصدّيقون ، والأوصياء المنتجبون ، والأسباط المرضيّون والهداة المهديّون ، والغرّ الميامين من آل طه وياسين ، وحجج الله على الأوّلين والآخرين.

إسمهم مكتوب على الأحجار ، وعلى أوراق الأشجار ، وعلى أجنحة الأطيار ،

١٨٥

.........................................

____________________________________

وعلى أبواب الجنّة والنار ، وعلى العرش والأفلاك ، وعلى أجنحة الأملاك وعلى حجب الجلال ، وسرادقات العزّ والجمال ، وبإسمهم تسبّح الأطيار ، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار.

وإنّ الله لم يخلق أحداً إلاّ وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية والولاية للذرّية الزكية والبراءة من أعدائهم.

إنّ العرش لم يستقرّ حتّى كتب عليه بالنور : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علي ولي الله»(١) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٦٩ ب ٤ ح ٣٨ ، عن مشارق الأنوار : ص ١١٤ ـ ١١٨.

١٨٦

وَالْقادَةِ الْهُداةِ (١)

____________________________________

(١) ـ القادة : جمع قائد ، وهو الأمير والرئيس ومن يقود ، يقال : (قوّاد أهل الجنّة) بمعنى الذين يسبقونهم ويقودونهم ويجرّونهم إلى الجنّة(١) .

والهداة : جمع هادي ، فاعل الهداية ، وهي الدلالة والبيان والإرشاد.

وآل الرسول سلام الله عليهم هم القادة الهداة الذين يقودون شيعتهم إلى روضات الجنّات ، وأعلى الدرجات ، ويهدونهم إلى صراط الله ، وطريق النجاة.

وقد قال الله تعالى فيهم :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) كما تلاحظ تفسيرها بالأئمّة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين في أحاديث البرهان(٣) .

وهم المعنيّون بقوله تعالى :( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) كما تلاحظه في حديث عبد الرحيم القصير(٥) .

وتدلّ عليه الأحاديث المتظافرة ، من ذلك :

حديث الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : «آل محمّد صلى الله عليه وآله أبواب الله وسبيله ، والدعاة إلى الجنّة ، والقادة إليها ، والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة»(٦) .

__________________

(١) لاحظ مجمع البحرين : ص ٢٢٤.

(٢) سورة الأنبياء : الآية ٧٣.

(٣) تفسير البرهان : ج ٢ ص ٦٩٤ ، تفسير كنز الدقائق : ج ٨ ص ٤٤١.

(٤) سورة الرعد : الآية ٧.

(٥) الكافي : ج ١ ص ١٩٢ ح ٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢ ص ١٠٤ ب ١٤ ح ٦٠.

١٨٧

وَالسّادَةِ الْوُلاةِ (١)

____________________________________

(١) ـ السادة : جمع السيّد ، مأخوذ من ساد يسود سيادةً ، والاسم : السؤدد يعني المجد الشرف.

والسيّد في اللغة هو الرئيس ، الكبير في قومه المطاع في عشيرته ، ويطلق على الذي يفوق في الخير ، والمالك ، والشريف ، والفاضل ، والكريم ، والحليم ، والمتحمّل أذى قومه ، والمقدَّم.

من ذلك حديث النبي صلى الله عليه وآله : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر».

وفي حديث الحسنين عليهما السلام : «أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة»(١) .

وأهل البيت عليهم السلام حائزون هذه السيادة المثلى على جميع أهل الدنيا ، كما يدلّ عليه :

حديث الإمام الرضا عليه السلام : «نحن سادة في الدنيا ، وملوك في الآخرة»(٢) .

والولاة : جمع الوالي ، وهو الأولى بالتصرّف ، والأحقّ ، والذي يلي التدبير كما هو معناه الشائع الحقيقي المعهود ، وتظافر نقله في أصل اللغة.

وأهل البيت عليهم السلام الذين هم السادة بجميع معنى الكلمة هم أولياء الله ، والولاة من قِبَلِه ، والأولى بالخلق من أنفسهم بنصّ الكتاب الأعظم ، وتنصيص الرسول الأكرم في آيات عديدة ، وأحاديث متواترة ، متّفق عليها بين الفريقين ، ذكرنا تفصيل الإستدلال بها من الأدلّة الأربعة في مبحث الإمامة(٣) .

قال تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة سَيَد ص ٢١٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٦٢ ح ٤٤.

(٣) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى ص ٢٩١.

١٨٨

.........................................

____________________________________

الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) .

ونَصَّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في حديث الغدير الشريف بقوله : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

وأهل البيت عليهم السلام لهم ـ بإذن الله تعالى ـ الولاية الإلهية المطلقة على جميع الكائنات ، من الذروة إلى الذرّة ، تكوينية وتشريعية بالبيان التالي :

أمّا الولاية التشريعية فهي الولاية الإلهية الثابتة لهم في عالم التشريع ، وأولويتهم بالناس من أنفسهم في كلّ شيء ، ومنصبهم الشرعي في التصدّي لجميع الاُمور الشرعية.

وهي التي أشرنا إليها آنفاً ، الثابتة بالأدلّة الأربعة.

وأمّا الولاية التكوينية فهي السلطنة الثابتة لهم عليهم السلام ـ بإذن الله وحوله وقوّته ـ على جميع الموجودات ، فجميعها تابعة وخاضعة ومسخّرة لهم عليهم السلام ، فيتصرّفون في عالم الكون تصرّفاً تكوينياً وهذه الولاية هي التي تراها في معاجزهم الثابتة بالأدلّة المتواترة والتي هي من مظاهر ولايتهم التكوينية.

وقد دلّ على هذه الولاية في أهل البيت عليهم السلام الدليل العلمي المتواتر مثل :

١ ـ حديث يونس الذي يبيّن الطاعة العملية الكونية لهم عليهم السلام ، عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «اجتمعوا أربعة عشر رجلاً أصحاب العقبة ليلة أربع عشرة منن ذي الحجّة ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله : ما من نبي إلاّ وله آية ، فما آيتك في ليلتك هذه؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله : ما الذي تريدون؟

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٥٥.

١٨٩

.........................................

____________________________________

فقالوا : إن يكن لك عند ربّك قدر فأمر القمر أن ينقطع قطعتين.

فهبط جبرئيل فقال : يا محمّد إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك : إنّي قد أمرت كلّ شيء بطاعتك.

فرفع رأسه فأمر القمر أن ينقطع قطعتين ، فانقطع قطعتين ، فسجد النبي صلى الله عليه وآله شكراً لله وسجد شيعتنا ، ثمّ رفع النبي صلى الله عليه وآله رأسته ورفعوا رؤوسهم.

فقالوا : تعيده كما كان. فعاد كما كان.

ثمّ قالوا : ينشقّ رأسه فأمره فانشقّ ، فسجد النبي صلى الله عليه وآله شكراً لله وسجد شيعتنا»(١) .

٢ ـ حديث هشام ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام :( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) (٢) ما ذلك الملك العظيم؟

قال : «فرض الطاعة ومن ذلك طاعة جهنّم لهم يوم القيامة يا هشام»(٣) .

٣ ـ حديث سلمان وأبي ذرّ ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : يا سلمان ويا جندب.

قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك.

قال عليه السلام : «أنا اُحيي واُميت بإذن ربّي ، وأنا اُنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم بإذن ربّي ، وأنا عالم بضمائر قلوبكم ، والأئمّة من أولادي عليهم السلام يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبّوا وأرادوا لأنّا كلّنا واحد ، أوّلنا محمّد وآخرنا محمّد وأوسطنا محمّد وكلّنا محمّد فلا تفرّقوا بيننا ، ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله.

__________________

(١) كنز الدقائق : ج ١٢ ص ٥٢٩.

(٢) سورة النساء : الآية ٥٤.

(٣) بصائر الدرجات : ص ٣٥ ب ١٧ ح ١.

١٩٠

.........................................

____________________________________

الويل كلّ الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيّتنا وما أعطانا الله ربّنا ، لأنّ من أنكر شيئاً ممّا أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عزّ وجلّ ومشيّته فينا».

يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك.

قال عليه السلام : «لقد أعطانا الله ربّنا ما هو أجلّ وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كلّه».

قلنا : يا أمير المؤمنين ما الذي أعطاكم ما هو أعظم وأجلّ من هذا كلّه؟

قال : «قد أعطانا ربّنا عزّ وجلّ علمنا للإسم الأعظم ، الذي لو شئنا خرقت السماوات والأرض والجنّة والنار ، ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ، ونغرّب ونشرّق وننتهي به إلى العرش فنجلس(١) عليه بين يدي الله عزّ وجلّ ، ويطيعنا كلّ شيء حتّى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنّة والنار ، أعطانا الله ذلك كلّه بالاسم الأعظم الذي علّمنا وخصّنا به ، ومع هذا كلّه نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ، ونعمل هذه الأشياء بأمر ربّنا ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

وجعلنا معصومين مطهّرين وفضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، فنحن نقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله وحقّت كلمة العذاب على الكافرين ، أعني الجاحدين بكلّ ما أعطانا الله من الفضل والإحسان ، يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانية فتمسّك بها راشداً فإنّه لا يبلغ أحد من شيعتنا حدّ الإستبصار حتّى يعرفني بالنورانية ، فإذا عرفني بها كان مستبصراً بالغاً كاملاً قد خاض بحراً من العلم ، وارتقى درجة من الفضل ، واطّلع على سرّ من سرّ الله ،

__________________

(١) في الهامش : هذا كناية عن شدّة قربهم وعظم منزلتهم عند الله ، أو كناية عن إحاطتهم العلمية باُمور السماوات والأرضين بإضافة الله تعالى إيّاهم ، أو قدرتهم عليها واطاعتها لهم عليهم السلام.

١٩١

.........................................

____________________________________

ومكنون خزائنه»(١) .

٤ ـ حديث جابر ، عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال : «... اخترَعَنا من نور ذاته وفوّض إلينا اُمور عباده ، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ، ونحن إذا شئنا شاء الله ، وإذا أردنا أراد الله ونحن أحلّنا الله عزّ وجلّ هذا المحلّ ، واصطفانا من بين عباده ، وجعلنا حجّته في بلاده.

فمن أنكر شيئاً وردّه فقد ردّ على الله جلّ إسمه وكفر بآياته وأنبيائه ورسله يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد»(٢) .

٥ ـ حديث زرارة ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يحدّث عن آبائه عليهم السلام أنّ مريضاً شديد الحمّى عاده الحسين عليه السلام فلمّا دخل باب الدار طارت الحمّى عن الرجل ، فقال له : رضيت بما اُوتيتم به حقّاً حقّاً ، والحمّى تهرب عنكم.

فقال له الحسين عليه السلام : «والله ما خلق الله شيئاً إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا» الحديث(٣) .

٦ ـ حديث ابن فضّال ، عن الإمام الصادق عليه السلام في وفد خراسان جاء فيه : «سبحان الذي سخّر للإمام كلّ شيء ، وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله في خلقه ويقيم فيهم حدوده ، كما تقدّم إليه ليثبت حجّة الله على خلقه ، فإنّ الإمام حجّة الله تعالى في خلقه»(٤) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٦ ـ ٧ ب ١ ح ١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٤ ب ١ ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤٤ ص ١٨٣ ب ٢٥ ح ٨.

(٤) الثاقب في المناقب : ص ٤١٨ ح ٢.

١٩٢

.........................................

____________________________________

٧ ـ حديث سليمان بن خالد المتقدّم عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «ما من شيء ولا من آدمي ، ولا إنسي ولا جنّي ، ولا ملك في السماوات إلاّ ونحن الحجج عليهم ، وما خلق الله خلقاً إلاّ وقد عرض ولايتنا عليه ، واحتجّ بنا عليه ، فمؤمن بنا وكافر جاحد حتّى السماوات والأرض والجبال ...»(١) .

٨ ـ حديث محمّد بن سنان ، عن الإمام الجواد عليه السلام أنّه قال له : «يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيته ثمّ خلق محمّداً وعلياً وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ، ثمّ خلق جميع الأشياء ، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض اُمورها إليهم ، فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرّمون ما يشاؤون ، ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالى.

ثمّ قال : يا محمّد هذه الديانة التي من تقدّمها مَرَق ومن تخلّف عنها محق ومن لزمها لحق ، خذها إليك يا محمّد»(٢) .

٩ ـ حديث الثمالي ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «أوحى الله تعالى إلى محمّد صلى الله عليه وآله إنّي خلقتك ولم تك شيئاً ، ونفخت فيك من روحي كرامة منّي أكرمتك بها حين اُوجبت لك الطاعة على خلقي جميعاً ، فمن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني ، وأوجبت ذاك في علي وفي نسله ممّن اختصصته منهم لنفسي»(٣) .

١٠ ـ حديث يونس ، عن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة الإمام الحسين عليه السلام قلت : جعلت فداك إنّي اُريد أن أزوره فكيف أقول وكيف أصنع؟

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ج ٣ ص ٥٧٥.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٤٤١ ح ٥.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٤٤٠ ح ٤.

١٩٣

.........................................

____________________________________

قال : إذا أتيت أبا عبد الله عليه السلام فاغتسل على شاطيء الفرات ، ثمّ البس ثيابك الطاهرة ، ثمّ امش حافياً فإنّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والتعظيم لله عزّ وجلّ كثيراً ، والصلاة على محمّد وأهل بيته ، حتّى تصير إلى باب الحير ، ثمّ تقول :

السلام عليك يا حجّة الله وابن حجّته من أراد الله بدأ بكم ، بكم يبيّن الله الكذب وبكم يباعد الزمان الكَلِب ، وبكم فتح الله ، وبكم يختم الله وبكم يمحو الله ما يشاء وبكم يثبت ، وبكم يفكّ الذلّ من رقابنا ، وبكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن يطلب بها وبكم تنبت الأرض أشجارها ، وبكم تخرج الأشجار أثمارها ، وبكم تنزّل السماء قطرها ورزقها ، وبكم يكشف الله الكرب ، وبكم ينزّل الله الغيث ، وبكم تسيخ الأرض(١) التي تحمل أبدانكم ، وتستقرّ جبالها عن مراسيها.

إرادة الربّ في مقادير اُموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم ، والصادر عمّا فصل من أحكام العباد»(٢) .

__________________

(١) «وبكم تسيخ» ـ بالسين المهملة والياء المثنّاة التحتانية والخاء المعجمة ـ أي تستقرّ وتثبت الأرض بكم لكونها حاملة لأبدانكم الشريفة أحياءً وأمواتاً ، وفي بعض النسخ بالباء الموحّدة والهاء المهملة يعني تسبّح فيمكن أن يقرأ على بناء المفعول أي تُقدّس وتُنزّه وتُذكر بالخير بيوتكم وضرائحكم ومواضع آثاركم ، كما في مرآة العقول.

(٢) الكافي : ج ٤ ص ٥٧٦ ـ ٥٧٧ ح ٢.

١٩٤

وَالذّادَةِ الْحُماةِ (١)

____________________________________

(١) ـ الذادة : جمع الذائد مأخوذ من الذّود وهو دفع الضرر والضارّ ، مثل الذبّ بمعنى المنع والدفع ، أي الذين يدفعون عن دين الله تعالى ، ويُبَعّدون الناس عمّا يهلكهم ويردّون كيد الكائدين كما في حديث ابن وهب(١) .

وفي الحديث الجامع لصفات الإمام عليه السلام «يَذُبّ عن دين الله» و«الذابّ عن حُرَمِ الله»(٢) .

وصرّح بها حديث جابر : «نحن الكفاة والولاة والحماة»(٣) .

والحماة : جمع الحامي من الحماية ، يقال : حمى الطبيبُ المريضَ أي منعه وجنّبه عمّا يضرّه ، وحمى الضعيف أي ساعَدَه ، وأهل البيت سلام الله عليهم يحمون شيعتهم عن الذاهب الفاسدة ، والمهالك الكبيرة في الدنيا والآخرة ، بعناياتهم وبركاتهم وشفاعتهم.

وقد وردت بذلك الأخبار المتواترة ، والأدلّة المتظافرة وعرفه الوجدان ، وأقرّ به كلّ ذي إيمان كما تلاحظه في أحاديث الاستشفاع(٤) وأحاديث الشفاعة(٥) .

وتلاحظ لطفهم عليهم السلام في عدم إهمال ذكرنا ومراعاتنا في توقيع الناحية المقدّسة للشيخ المفيد قدس سره. جاء في التوقيع الأوّل : «إنّا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء».

وجاء في التوقيع الثاني : «لأنّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء ، فليطمئن بذلك من أولياءنا القلوب ، وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب ، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب»(٦) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٥٤ ح ٥.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٠٠ ح ١.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٢٢ ب ١ ح ٣٨.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣١٩ ب ٧ الأحاديث.

(٥) بحار الأنوار : ج ٨ ص ٢٩ ب ٢١ ح ٤٢ و ٣١ و ٥٩.

(٦) الاحتجاج : ج ٢ ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

١٩٥

وَاَهْلِ الذِّكْرِ (١)

____________________________________

(١) ـ إشارة إلى أنّ أهل بيت العصمة سلام الله عليهم هم أهل الذكر الذين أمر الله تعالى بمسألتهم في القرآن الكريم حيث قال :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )(١) .

كما ورد تفسيره بهم في الأخبار المتواترة (٢١) حديثاً من طرق الخاصّة ، و(٢٣) حديثاً من طرق العامّة(٢) .

والذِّكر في اللغة هو المذكِّر.

وهو إمّا عبارة عن القرآن الكريم الذي لا يزال يُذكِّر ويُذَكّرُ به بدليل قوله تعالى :( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) (٣) .

وأمّا عبارة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الذي هو أعظم مذكّر بالله إلى يوم القيامة ، بدليل قوله عزّ إسمه :( قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ ) (٤) .

وبكلا المعنيين يكون المعصومون أهل الذكر ، إذ هم أهل بيت الوحي القرآني ، وأهل البيت النبوي ، كما تلاحظه في أحاديثه الوافرة(٥) من ذلك :

١ ـ حديث محمّد بن مسلم ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : «إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول الله عزّ وجلّ :( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) أنّهم اليهود والنصارى.

قال : إذاً يدعونكم إلى دينهم ، قال : ـ قال بيده إلى صدره ـ : نحن أهل الذكر

__________________

(١) سورة النحل : الآية ٤٣.

(٢) غاية المرام : ص ٢٤٠.

(٣) سورة الزخرف : الآية ٤٤.

(٤) سورة الطلاق : الآية ١٠ ـ ١١.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢١٠ الأحاديث التسعة ، وبحار الأنوار : ج ٢٣ ص ١٧٣ ب ٩ ، ٦٥ حديثاً.

١٩٦

.........................................

____________________________________

ونحن المسؤولون»(١) .

٢ ـ حديث الفضل ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله الله تبارك وتعالى :( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) .

قال : «الذكر القرآن ونحن قومه ونحن المسؤولون»(٢) .

٣ ـ حديث عبد الله بن عجلان ، عن الإمام الباقر عليه السلام : في قول الله عزّ وجلّ :( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «الذكر أنا ، والأئمّة أهل الذكر»(٣) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢١١ ح ٧.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢١١ ح ٥.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢١٠ ح ١.

١٩٧

وَاُولِى الاْمْرِ (١)

____________________________________

(١) ـ تقدّم أنّ اُولي جمع لا واحد له من لفظه ، ويستعمل ذو مكان مفرده ، واُولو بمعنى أصحاب. واُولو الأمر أي الذين هم أولياء الأمر وولاة التدبير.

والأمر تقدّم معناه في فقرة «والمستقرّين في أمر الله».

وهذا إشارة إلى أنّ أهل البيت سلام الله عليهم هم الذين أمر الله بإطاعتهم في قوله عزّ إسمه :( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) .

وقد وردت الأخبار المتواترة أيضاً من طرق الفريقين بتفسيرها بالآل الكرام صلوات الله عليهم (١٤) حديثاً من الخاصّة ، و(١١) حديثاً من العامّة(٢) .

فمن الخاصّة مثل حديث الشيخ الصدوق باسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال : سألت النبي صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) عرفنا الله ورسوله فمن اُولوا الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟

قال صلى الله عليه وآله : «هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي أوّلهم علي بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في ارضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذلك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ...»(٣) .

ومن العامّة مثل حديث الحاكم الحسكاني بسنده عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٩.

(٢) غاية المرام : ص ٢٦٣ ، إحقاق الحقّ : ج ٣ ص ٤٢٤ ، وج ١٤ ص ٣٤٨.

(٣) غاية المرام : ص ٢٦٧ ح ١٠.

١٩٨

.........................................

____________________________________

«شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم :( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) الآية ، فإن خفتم تنازعاً في أمر فأرجعوه إلى الله والرسول واُولي الأمر.

قلت : يا نبي الله مَن هم؟

قال : أنت أوّلهم»(١) .

فهم أصحاب ولاية الأمر المقترنة ولا يتهم مع ولاية الله والرسول ، بل إنحصرت بهم الولاية العظمى في قوله عزّ إسمه :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) .

فقد فسّرت بأهل البيت عليهم السلام من طرق الخاصّة في (١٩) حديثاً ومن طرق العامّة في (٢٤) حديثاً(٣) . واعترف به العامّة في (٦٦) كتاباً من مصادرهم(٤) ، وقد فصّلنا بيان الإستدلال به في كتاب العقائد(٥) .

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ج ١٣ ص ٣٤٨.

(٢) سورة المائدة : الآية ٥٥.

(٣) غاية المرام : ص ١٠٣.

(٤) الغدير : ج ٣ ص ١٥٦.

(٥) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى : ص ٢٩١.

١٩٩

وَبَقِيَّةِ اللهِ (١)

____________________________________

(١) ـ بقيّة : جمعها بقايا وبقيّات مثل عطيّة التي جمعها عطايا وعطيّات ، هي ما يُبقى ويدّخر ، وهي تكون طبعاً ممّا هي نفيسة في ذاتها وينتفع بها في بقائها.

وبقيّة الله هم من أبقاهم الله رحمة لعباده ، وحججاً على خلقه.

وهي إشارة إلى الآية المباركة قوله تعالى :( بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (١) .

فقد فُسّرت بأهل البيت الذين هم بقيّة خلفاء الله وحججه في الأرض من الأنبياء والأوصياء ، فهم الذين أبقاهم الله ويبقيهم إلى آخر الدنيا حججاً لهداية الخلق إلى الله ، ولا يخلو منهم عصر.

هذا وتاتي البقيّة أيضاً بمعنى الرحمة فهم رحمة الله التي مَنّ بها على عباده كرسول الله الذي كان رحمةً للعالمين.

والآية الشريفة هذه وإن كان تنزيلها في النبي شعيب عليه السلام ، إلاّ أنّ تأويلها في المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

وقد تمثّل بها المعصومون عليهم السلام ووُصفوا بها في عدّة موارد وأحاديث :

١ ـ تمثّل بها الإمام الباقر عليه السلام في حديث سفره إلى الشام ننقله بتفصيله لجزيل فائدته :

ذكر السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب أمان الأخطار ناقلاً عن كتاب دلائل الإمامة تصنيف محمّد بن جرير الطبري الإمامي ، من أخبار معجزات مولانا محمّد بن علي الباقر عليهما السلام. ذكره باسناده عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

__________________

(١) سورة هود : الآية ٨٦.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698