في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة0%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف: السيد علي الحسيني الصدر
الناشر: دار الغدير
تصنيف:

ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698
المشاهدات: 63492
تحميل: 4047

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63492 / تحميل: 4047
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: 964-7165-40-4
العربية

وَبُرْهانِهِ (١) وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

____________________________________

(١) ـ البُرْهان بضمّ الباء وسكون الراء هي الحجّة والبيان كما في اللغة.

والبرهان هو الشاهد بالحقّ(١) ، وبرهانكم أي حجّتكم ، وسمّيت الحجّة برهاناً لبيانها ووضوحها(٢) ، والبرهان أوكد الأدلّة ، وهو يقتضي الصدق أبداً لا محالة(٣) .

وأهل البيت عليهم السلام براهين الله الصادقة ، وحججه الناطقة ، وآيات الله البيّنة ، ودلائله الظاهرة.

لذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «ما لله عزّ وجلّ آية هي أكبر منّي ، ولا له من نبأ أعظم منّي»(٤) .

وبحقٍّ كان صلوات الله عليه الآية العظمى ، والدلالة الكبرى لله عزّ إسمه كما تلاحظ ذلك في أحواله(٥) ، وقد مرّ شيء من ذلك في الفقرة الشريفة «والمثل الأعلى».

هذا تمام الكلمة في التسليمات الخمسة.

ويتلوه ذكر الشهادات الثلاثة : التوحيد ، والرسالة ، والإمامة.

ثمّ المناقب الفاخرة لأهل بيت العصمة عليهم السلام.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ص ١٤٧.

(٢) مجمع البحرين : ص ٥٤٩.

(٣) المفردات : ص ٤٥.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٠٧ ح ٣.

(٥) بحار الأنوار : ج ٤١ ـ ٤٢ الأبواب الكثيرة فيه ، ولاحظ ج ٤١ ص ٢٧٨ ح ٤ ، وج ٤١ ص ٥٣.

٢٢١
٢٢٢

الشهادات الثلاثة

اَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ (١)

____________________________________

(١) ـ بعد تكميل السلام وأداء تحيّة الإسلام إبتدأ عليه السلام في هذه الزيارة الشريفة الجامعة بأداء شهادة التوحيد الكامل ، والتصديق الشامل الذي هو حصن النجاة ، في الحياة والممات ، يعني الشهادة بأركانها الثلاثة :

التوحيد والرسالة والإمامة.

فإنّ الموحِّد الحقّ هو من يوحّد الله بما أراده الله تعالى ، لا بما يريده هو نفسه.

والذي أراده الله من التوحيد هو التوحيد بشرطه وشروطه وولاية الأئمّة من شروط كما تلاحظه في الأحاديث المتواترة ، نتبرّك بذكر بعضها تيمّناً وتبرّكاً مثل :

١ ـ حديث المفضّل قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى ضمن للمؤمن ضماناً.

قال : قلت : وما هو؟

قال : ضمن له إن هو أقرّ له بالربوبية ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله بالنبوّة ، ولعلي عليه السلام بالإمامة ، وأدّى ما افترضه عليه أن يسكنه في جواره.

قال : قلت : فهذه والله هي الكرامة التي لا يشبهها كرامة الآدميين.

٢٢٣

.........................................

____________________________________

قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : اعملوا قليلاً تتنعّموا كثيراً»(١) .

٢ ـ حديث معتّب مولى أبي عبد الله عليه السلام ، عنه ، عن أبيه عليهما السلام قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله هل للجنّة من ثمن؟

قال : نعم.

قال : ما ثمنها؟

قال : لا إله إلاّ الله ، يقولها العبد مخلصاً بها.

قال : وما إخلاصها؟

قال : العمل بما بعثت به في حقّه وحبّ أهل بيتي.

قال : فداك أبي واُمّي وإنّ حبّ أهل البيت لمن حقّها؟

قال : إنّ حبّهم لأعظم حقّها»(٢) .

٣ ـ حديث إسحاق بن راهويه قال : لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور واراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له : يا بن رسول الله ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟

وكان قد قعد في العمارية فأطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول : سمعت أبي محمّد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : سمعت الله عزّ وجلّ يقول : «لا إله إلاّ الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي» ، قال فلمّا مرّت الراحلة نادانا : «بشروطها وأنا من شروطها»(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣ ص ٣ ح ٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣ ص ١٣ ب ١ ح ٣٠.

(٣) عيون الأخبار : ج ٢ ص ١٣٤ ح ٤.

٢٢٤

.........................................

____________________________________

والأساس العمدة في كلّ عمل هو هذا الاعتقاد الإسلامي الصحيح ، وبدونه لا يُقبل دين ولا يرفع عملٌ ولا ينفع شيء.

قال الله تعالى :( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (١) .

وقد جاءت هذه الشهادات الثلاثة الأركان في هذه الزيارة المباركة التي هي من مفاهيم الإيمان.

(الشهادة الاُولى) : الشهادة بوحدانية الله تعالى.

والشهادة هي الإخبار الجازم بالشيء عن مشاهدةٍ أو ما يقوم مقام المشاهدة من الدلالات الواضحة ، والحجج اللائحة(٢) .

وبمعنى الحضور مع المشاهدة أمّا بالبصر أو بالبصيرة(٣) .

ومعناها الإخبار القاطع(٤) .

فالشهادة بالتوحيد إذاً لابدّ وأن تكون قطعيّة علميّة ، ناشئة من دليل علمي قطعي ، كالمعرفة الحاصلة بالأدلّة العلميّة ، والشواهد اليقينيّة الموجودة في جميع مخلوقاته وأدلّة وحدانيّته التي تدلّ على أنّه واحد ، لا شريك له ولا نظير ، ولا شبيه له ولا عديل.

تلك الدلائل التي توجب للإنسان أن يُحسّ بالوجدان ، بل يَرى بالعيان ، ويدرك بالإيمان ، معرفة الله الواحد القادر الحكيم كما أرشد إليه أمير المؤمنين عليه السلام في حديث ذِعْلب «رأته القلوب بحقائق الإيمان»(٥) .

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٨٥.

(٢) تفسير التبيان : ج ٢ ص ٤١٦.

(٣) المفردات : ص ٢٦٧.

(٤) لسان العرب : ج ٣ ص ٢٣٩.

(٥) الكافي : ج ١ ص ١٣٨ ح ٤.

٢٢٥

.........................................

____________________________________

وأدلّة التوحيد كثيرة وفيرة نشير فيها إلى القسمين الكافيين :

١ / الدليل العلمي ، كالأدلّة الثمانية التي تلاحظها في كتاب العقائد(١) .

٢ / الدليل الوجداني ، وهي الآيات النفسية والآفاقية المتجلّية في مثل حديث المفضّل الجعفي(١) وقد جاء البيان في العقائد أيضاً(٣) نحيل القارىء الكريم إليه ، رعايةً للإختصار وعدم التكرار.

وبتلك البراهين الواضحة ، والآيات الشارحة يُعلم علم اليقين بصدق شهادة الصدّيقين ، وأوّلها الشهادة بالتوحيد التي وردت في فقرة الزيارة :

(أشهد أن لا إله) أي لا معبود بحقّ ، فالإله بمعنى المألوه وهو المعبود.

(إلاّ الله) المستجمع لجميع صفات الكمال لذاته ، والمُنزّه عن جميع صفات النقص.

(وحده لا شريك له) تأكيد ، لما تقدّم ، وبيان للتوحيد الذي هو بمعنى نفي الشريك والشبيه ، كما تلاحظه في حديث شريح بن هاني الذي جاء فيه معنى التوحيد الصحيح : «... فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ»(٤) .

__________________

(١) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى : ص ٤٨.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣ ص ٥٤ ـ ١٥١ ب ٤ ح ١.

(٣) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى : ص ٦٨.

(٤) التوحيد للصدوق : ص ٨٣ ب ٣ ح ٣.

٢٢٦

كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ ، لا اِلهَ اِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ (١).

____________________________________

(١) ـ «كما شهد الله لنفسه» إشارة إلى قوله تعالى :( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١) فالتوحيد الحقيقي ليس ممّا تطيقه القدرة البشرية ، لذلك نشهد له نحن بما شهد به هو لنفسه وبما أخبر به ذاته العليمة.

«وشهدت له ملائكته» أي وشده له بتوحيده جميع ملائكته ، وأقرّت به.

«واُولوا العلم من خلقه» أي وشَهِدَ له بتوحيده اُولوا العلم من خلقه ، من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين.

«لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم» كرّر ذلك للتأكيد ، أو للتوصيف بالعزّة والحكمة.

والعزيز هو القاهر الغالب المنيع الذي لا يُغلب ولا يصل أحدٌ إلى كبريائه ، من العزّة بمعنى القوّة والشدّة والغلبة ، ومنه قوله تعالى :( وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) أي غلبني.

وللعزيز معنى ثانٍ وهو المَلِك ، ويشهد له قوله تعالى حكاية عن أخوه يوسف :( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ ) أي يا أيّها الملك(٢) .

والحكيم هو المُحِكم لأفعاله ، والعالِم بالحِكم والمصالح ، ومعنى الإحكام هو إتقان التدبير ، وحسن التصوير والتقدير.

(الشهادة الثانية) : الشهادة برسالة خاتم النبيّين عليه وآله صلوات المصلّين كما تلاحظها في فقرة هذه الزيارة بما يلي :

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٨.

(٢) التوحيد للصدوق : ص ٢٠٦.

٢٢٧

وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ الْمُنْتَجَبُ ، وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضى ، اَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (١).

____________________________________

(١) ـ الأدلّة القطعيّة على نبوّته ورسالته كثيرة منها :

الأول : أنّ القرآن الكريم الذي هو مسلّم الصدور عن الخالق المتعال ، والذين عجز عن الإتيان بمثله جميع البشر أخبر برسالته ، وشهد بنبوّته ، وصدّق كلمته ، في آيات كثيرة مثل :

واحد / قوله تعالى :( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (١) .

إثنين / قوله عزّ إسمه :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (٢) .

هذا مضافاً إلى الكتب السماوية الاُخرى التي بشّرت برسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله ، كما أخبر به تعالى في قوله تعالى :( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ) (٣) .

وفي قوله عزّ إسمه :( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (٤) .

وكفى بالقرآن سنداً قطعيّاً على صدق نبوّة ورسالة خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله.

الثاني : أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أخبر بنبوّة نفسه مقروناً بمعجزاته التي تشهد بصدقه.

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٤٠.

(٢) سورة الفتح : الآية ٢٩.

(٣) سورة الأعراف : الآية ١٥٧.

(٤) سورة الصف : الآية ٦.

٢٢٨

.........................................

____________________________________

إذ المعجز هو الإتيان بما يخرق العادة ، ويعجز عنه البشر ، ويطابق الدعوى ، ويكشف عن أنّ صاحبه مؤيّد من قبل الله تعالى فيكون دليلاً على صدق نبوّته.

وقد ظهر الكثير الكثير من المعجزات الباهرات على يده الشريفة ، واُحصيت منها ألف معجزة فلاحظها في مدينة المعاجز للسيّد البحراني قدس سره ، وأشار إلى بعضها صاحب حقّ اليقين(١) .

الثالث : نفس حقيقة رسالته ، وعلو أحكامه ، وجامعيّة شريعته شاهدة على ربّانيته ، بل نفس أخلاقه وأحواله تشهد بنبوّته ، لذلك يشهد الإنسان جزماً في هذه الزيارة الشريفة :

(أشهد أنّ محمّداً عبدُه) أي عبد الله الذي عَبَدَه حقّ العبادة ، وقام بوظائف العبودية.

(المنتجب) أي إنتجبه الله واختاره من بين النبيين ، واصطفاه من المرسلين على الخلق أجمعين كما تقدّم بيانه في فقرة (صفوة المرسلين).

(ورسوله المرتضى) أي أنّ محمّداً رسول الله ، الذي ارتضاه الله لرسالته وسرّه.

ففي حديث محمّد بن الفضل الهاشمي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه نظر إلى ابن هذّاب فقال : إن أنا أخبرتك أنّك مبتلى في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك أكنت مصدّقاً لي؟

قال : لا ، فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله.

قال : أو ليس يقول :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) (٢) ؟ فرسول الله صلى الله عليه وآله عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه

__________________

(١) حقّ اليقين : ج ١ ص ١١٨.

(٢) سورة الجن : الآية ٢٦ ـ ٢٧.

٢٢٩

.........................................

____________________________________

الله على ما يشاء من غيبه ، فعلّمه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة(١) .

(أرسله بالهدى ودين الحقّ) أي أرسله الله تعالى مقروناً بالهداية فجعله هادياً إلى الله ، وإلى دين الله الحقّ الذي هو دين الإسلام الباقي إلى يوم القيامة.

(ليظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون) أي ليغلبه على الأديان كلّها عند الرجعة الشريفة ، والدولة الحقّة المنيفة ، في زمان حكومة الإمام المهدي أرواحنا فداه.

فإنّه يظهر هذا الدين آنذاك على الشرك كلّه ، ويغلب على جميع المشركين ولا يبقى بيت إلاّّ ويدخله الإسلام.

وهذا إشارة إلى قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) كما تلاحظ تفسير الآية الشريفة بالدولة الحقّة والرجعة في المصادر(٣) ، ويأتي بيان ذلك تفصيلاً إن شاء الله تعالى في الفقرة الآتية «مصدّقً برجعتكم» و«مرتقب لدولتكم».

هذا ما يخصّ الشهادة بالرسالة ، واعلم أنّ في نسخة الكفعمي هنا زيادة كثيرة شريفة وهي :

«فصدع صلى الله عليه وآله بأمر ربّه ، وبلّغ ما حمّله ، ونصح لاُمّته ، وجاهد في سبيل ربّه ، ودعا إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وصبر على ما أصابه في جنبه ، وعبده صادقاً حتّى أتاه اليقين ، فصلّى الله عليه وآله.

وأشهد أنّ الدين كما شرع ، والكتاب كما تلى ، والحلال كما أحلّ ، والحرام كما حرّم ، والفصل ما قضى ، والحقّ ما قال ، والرشد ما أمر.

__________________

(١) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ٤٩٢.

(٢) سورة التوبة : الآية ٣٣.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ص ٢٥ ، كنز الدقائق : ج ٥ ص ٤٤.

٢٣٠

.........................................

____________________________________

وأنّ الذين كذّبوه وخالفوا عليه ، وجحدوا حقّه ، وأنكروا فضله واتّهموه ، وظلموا وصيّه وحلّوا عقده ، ونكثوا بيعته ، واعتدوا عليه ، وغصبوه خلافته ، ونبذوا أمره فيه ، وأسّسوا الجور والعدوان على أهله ، وقتلوهم وتولّوا غيرهم ، ذائقوا العذاب في أسفل درك من نار جهنّم ، لا يُخفّف عنهم من عذابها وهم فيه مبلسون ، ملعونون متعبون ، ناكسوا رؤوسهم ، يعاينون الندامة والخزي الطويل ، مع الأذلّين الأشرار ، قد كبّوا على وجوههم في النار.

وأنّ الذين آمنوا به وصدّقوه ، ونصروه ووقّروه وعزّروه ، واتّبعوا النور الذي اُنزل معه ، اُولئك هم المفلحون في جنّات النعيم ، والفوز العظيم ، والثواب المقيم الكريم ، والغبطة والسرور ، والفوز الكبير ، فجزاه الله عنّا أحسن الجزاء ، وخير ما جزى نبيّاً عن اُمّته ، ورسولاً عمّن اُرسل إليه ، وخصّه بأفضل قسم الفضائل ، وبلّغه أعلى محلّ شرف المكرّمين ، من الدرجات العلى في أعلى علّيين ، في جنّات ونَهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأعطاه حتّى يرضى وزاده بعد الرضى ، وجعله أقرب النبيّين مجلساً ، وأدناهم منزلاً ، وأعظمهم عنده جاهاً ، وأعلام لديه كعباً ، وأحسنهم اتّباعاً ، وأوفر الخلق نصيباً ، وأجزلهم حظّاً في كلّ خير لله قاسمه بينهم ونصيباً ، وأحسن اللهمّ مجازاته عن جميع المؤمنين من الأوّلين والآخرين».

(الشهادة الثالثة) : الشهادة بإمامة أمير المؤمنين وأبنائه الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم أجميعن كما تلاحظها في بيان فقرة الزيارة الشريفة فيما يأتي :

٢٣١

وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الاْئِمَّةُ (١)

____________________________________

(١) ـ الأدلّة القطعيّة على إمام الأئمّة الإثنى عشر سلام الله عليهم كثيرة متظافرة ، وعلميّة متواترة أسلفنا ذكرها في مبحث الإمامة من كتاب العقائد(١) وفصّلنا البحث فيها ، ونشير هنا بالمناسبة إلى خلاصة من أدلّتها من الكتاب والسنّة والعقل والإعجاز بالبيان التالي :

١ / دليل الكتاب : ففي القرآن الكريم الذي هو كتاب الله باتّفاق جميع البشر آيات عديدة نصّت على إمامتهم وولايتهم ، ولزوم طاعتهم ومتابعتهم أحصاها القاضي التستري في المجلّد الثاني من كتاب (إحقاق الحقّ) نشير إلى آية واحدة منها وهي :

قوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) وقد نزلت هذه الآية الشريفة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام باتّفاق أحاديث تفسير الفريقين المتواترة ، من طرق الخاصّة في (١٩) حديثاً ، ومن طرق العامّة في (٢٤) حديثاً(٣) .

وهذه الآية صريحة في إنحصار الولاية بمن إشتملت عليه دون غيرهم بواسطة كلمة (إنّما) المفيدة للحصر(٤) .

على أنّ الاُمّة على اختلافها مجتمعة ، وأخبار الخاصّة والعامّة على كثرتها مطبقة على نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام عند تصدّقه بخاتمه في حال ركوعه كما أفاده الشيخ الطوسي(٥) .

__________________

(١) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى : ص ٢٥٩ ـ ٢٩٠.

(٢) سورة المائدة : الآية ٥٥.

(٣) غاية المرام : ص ١٠٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٣ ص ٢٠٩.

(٥) تلخيص الشافي : ج ٢ ص ١٨.

٢٣٢

.........................................

____________________________________

ومصادر العامّة فقط التي ذكرت نزول هذه الآية المحكمة في أمير المؤمنين عليه السلام تبلغ (٦٦) مصدراً كما أحصاها شيخنا الأميني(١) .

وقد وردت الأحاديث في أنّ المراد بالمؤمنين الذين يعطون الزكاة وهم راكعون جميع الأئمّة الطاهرين عليهم السلام الذين وُفّقوا لمثل هذه الفضيلة في حياتهم كما أفاده العلاّمة المجلسي(٢) .

٢ / دليل السنّة : والأحاديث الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله في التنصيص على إمامة الأئمّة الإثنى عشر عليهم السلام ما أكثرها وأوفرها.

ويكفي منها النصّ الجليّ من شخص النبي صلى الله عليه وآله بأمر الله العلي على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بعد حجّة الوداع على رؤوس الأشهاد ، في حديث الغدير الأغرّ ، المتواتر بين الفريقين.

وقد ورد من طرق الخاصّة في ثلاثة وأربعين حديثاً ، ومن طرق العامّة في تسعة وثمانين حديثاً تلاحظها باسنادها ومتونها في المصادر المعتبرة(٣) .

ونقتطف زهرة اُخرى ، من الأزاهير النبويّة ، في التنصيص على إمامة سادة الإمامية ، وهو الحديث المتواتر بين المسلمين ، ورواه الخاصّة في (٥٠) حديثاً ، والعامّة في (٥٨) حديثاً وهو تصريح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بقوله :

«أنّ علياً وأبنائه الأحد عشر هم أوصيائي والأئمّة من بعدي»(٤) .

٣ / دليل العقل : فإنّ من البديهي عدم استواء مرتبة من يعلم ومن لا يعلم ، وأنّ العقل يحكم بتقديم الأعلم والأفضل على غيره ، فهو الحَسَن وعكسه هو القبيح.

__________________

(١) الغدير : ج ٣ ص ١٥٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٢٠٦.

(٣) غاية المرام : ص ٧٩ ـ ١٠٣.

(٤) غاية المرام : ص ١٩١ لاحظ الحديث ٤٧.

٢٣٣

.........................................

____________________________________

ومن الواضح أنّ الأعلم الأفضل من جميع الاُمّة بحكم العقل وحكومة العقلاء حتّى باعتراف الخصم هو علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وهذا أوضح من الشمس وأبين من الأمس ، فيحكم العقل بتقديمهم وإمامتهم.

وقد تصدّى العلاّمة الحلّي قدس سره إحصاء الأدلّة العقلية على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب (الألفين) بألف دليل عقلي ، والف دليل نقلي.

وسُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي : ما الدليل على أنّ علياً إمام الكل في الكل؟

فأجاب : إحتياج الكل إليه ، واستغنائه عن الكل(١) .

فدليل العقل حاكم بإمامتهم سلام الله عليهم.

٤ / دليل الإعجاز : فإنّهم سلام الله عليهم أخبروا بإمامتهم ووصايتهم وولايتهم عن الله تعالى ، مقروناً بمعجزاتهم الساطعة وبيّناتهم المصدّقة لإمامتهم التي هي شواهد قطعيّة على صدق كلامهم ، ودلائل وجدانية على انتصابهم من قِبَل ربّهم ، وإلاّ لم يكونوا قادرين على إتيان ما لم يقدر عليه إلاّ الله العزيز.

كما كانت المعاجز من أدلّة صدق نبيّنا العظيم ، ومَن قبله من الأنبياء المكرّمين حيث إنّ معاجزهم تنبئ عن صدقهم. فكذلك بالنسبة إلى الأئمّة الإثنى عشر صلوات الله عليهم ، تكون إعجازاتهم بإذن الله تعالى من أدلّة صدقهم في إمامتهم بالإمامة الإلهية ، والولاية الربّانية.

وقد جمع المحدّث الجليل الحرّ العاملي قدس سره معاجزهم في الأجزاء الثلاثة من كتابه (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات) وكذلك السيّد البحراني في (مدينة المعاجز) فلاحظها.

فحياتهم مليئة بالمعجزات الباهرات منذ ولادتهم إلى شهادتهم وبعد شهادتهم ،

__________________

(١) تنقيح المقال : ج ١ ص ٤٠٣.

٢٣٤

.........................................

____________________________________

ومقرونة بشهادات الصدق على إمامتهم ووصايتهم.

وقد شهدت لهم الكائنات بأوثق البيّنات ويكفينا واحدة منها منقولة من طرق الفريقين وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : «يا أبا الحسن كلّم الشمس فإنّها تكلّمك.

قال علي عليه السلام : السلام عليك أيّها العبد المطيع لله.

فقالت الشمس : وعليك السلام يا أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، يا علي أنت وشيعتك في الجنّة ، يا علي أوّل من ينشقّ عنه الأرض محمّد ثم أنت ، وأوّل من يحيا محمّد ثمّ أنت ، وأوّل من يكسى محمّد ثمّ أنت.

ثمّ انكبّ علي ساجداً وعيناه تذرقان بالدموع ، فانكبّ عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا أخي وحبيبي ارفع رأسك فقد باهى الله بك أهل سبع سماوات»(١) .

وبهذا يجزم الإنسان بوصايتهم ، ويتّضح له بالعيان إمامتهم ، وينطق بشهادتها المكمّلة للإيمان. والشهادة بالإمامة لا تفارق الشهادة بالرسالة منذ اليوم الأوّل إلى يوم القيامة ، وأمرنا بالإتيان بها ، ولا يستطيع أحد أن يتخلّف عنها كما تلاحظه في أحاديثنا الكثيرة(٢) .

فيلزم الإتيان بها في كلّ مقام بعد الشهادة بالرسالة حتّى في الأذان ، فالشهادة فيه منن شعائر الإيمان ، ومن علائم تشيّع الإنسان ، الموجب للفوز بالجنان.

كلّ ذلك يؤكّد حتميّة الشهادة بالإمامة وعلميّة ما جاء في الزيارة الجامعة : (وأشهد أنّكم الأئمّة).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ١٦٩ ب ١٠٩ ح ٥ المروي بطريق العلاّمة والخوارزمي.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ١ ب ١٠ الأحاديث.

٢٣٥

الرّاشِدُونَ (١)

____________________________________

(١) ـ (الراشدون) أي الذين يُرشدون إلى الدين الحقّ المبين ، ويهدون إلى الصواب باليقين.

من رَشِدَ يرشَدُ رَشَداً فهو راشد ، والرَشَد هي الهداية(١) ، في الاُمور الدنيوية والاُخروية(٢) ، وهو نقيض الغيّ والضلال(٣) .

والرَشَد والرُشْد والرَّشاد واحد وهي الإستقامة على طريق الحقّ ، مع تصلّب فيه(٤) .

وأئمّة أهل البيت عليهم السلام هم الأئمّة الراشدون ، كما نصّ عليه سيّدهم وجدّهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في حديث الصدوق قدس سره باسناده عن زيد بن أرقم قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه :

«أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي لا يستغني عنه العباد ، فإنّ من رغب في التقوى زهد في الدنيا.

واعلموا أنّ الموت سبيل العالمين ومصير الباقين ، يخطف المقيمين ، ولا يعجزه الخلق الهاربون ، يهدم كلّ لذّة ، ويزيل كلّ نعمة ، ويبشع كلّ بهجة ، والدنيا دار الفناء ، ولأهلها منها الجلاء ، وهي حلوة خضرة قد عجلت للطالب ، فارتحلوا عنها يرحمكم الله بخير ما يحضر بكم من الزاد ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ ولا تمدّوا أعينكم منها إلى ما متّع به المترفون.

ألا أنّ الدنيا قد تنكّرت وأدبرت واخلولقت وأذنت بوداع ، وأنّ الآخرة قد رحلت وأقبلت باطّلاع.

معاشر الناس كأنّي على الحوض يرد قوم عليّ منكم وستؤخّر اُناس من دوني ،

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة رشد ص ٢٠٦.

(٢) المفردات : ص ١٩٦.

(٣) المحيط في اللغة : ج ٧ ص ٣٠٠.

(٤) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢٩٤.

٢٣٦

.........................................

____________________________________

فأقول : يا ربّ منّي ومن اُمّتي فيقال : هل شعرت بما عملوا بعدك والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم.

أيّها الناس اُوصيكم في عترتي وأهل بيتي خيراً ، فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم.

وهم الأئمّة الراشدون بعدي والاُمناء المعصومون.

فقال إليه عبد الله بن العبّاس فقال : يا رسول الله كم الأئمّة بعدك؟

قال : عدد نقباء بني اسرائيل وحواري عيسى ، تسعة من صلب الحسين ، ومنهم مهدي هذه الاُمّة»(١) .

فالخلافة الهادية المهديّة الراشدة ، التي ترشد إلى الحقّ ، وتهدي إلى الصواب ، وتستقيم في طريق الحقيقة هي خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين عليهم السلام الذين عرفت أدلّة إمامتهم الراشدة ، وعصمتهم الرشيدة.

فهم خلفاء الرسول الأمين ، والأئمّة القدوة إلى يوم الدين ، دون من سواهم ممّن لم يكن عليهم أدنى تنصيص ، ولم يكن لهم أقلّ لياقة كما تلاحظ حالهم في مثل مجلّدات الفتن والمحن من البحار ، وفيالسبعة من السلف ، وفي حياة الخليفة وغيرها.

والقرآن الكريم مصرّح بأنّ عهد الإمامة لا ينال الظالم ، وهو من تلبّس في حياته بالظلم شركاً أو معصية ومن تعدّى حدود الله تعالى ، فكيف تنال غير أهل البيت ممّن لا عصمة لهم؟!

فقد قال عزّ إسمه :( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) .

__________________

(١) غاية المرام : ص ٢٠٥ ح ٤٨.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٢٤.

٢٣٧

.........................................

____________________________________

وقد فُسّر هذا العهد بالإمامة من قِبَل الخاصّة والعامّة كما أفاده شيخ الطائفة قدس سره(١) .

فالحقّ المحقّق هو رشادة خصوص من اتّفق الفريقان في أحاديثهم المتواترة على أنّه مع الحقّ والحقّ معه يدور الحقّ معه حيثما دار ، ولن يفترقا إلى يوم القرار ، كما تلاحظه في أحاديث الخاصّة في (١٠) طرق ، وأحاديث العامّة في (١٥) طريقاً(٢) .

ثبّتنا الله على ولاية الأئمّة الراشدين ، والبراءة من أعدائهم المعاندين.

__________________

(١) تفسير التبيان : ج ١ ص ٤٤٨.

(٢) غاية المرام : ص ٥٣٩ ، بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٢٦ ب ٥٧ الأحاديث ، إحقاق الحقّ : ج ٤ ص ٢٧ ، وج ٩ ص ٤٧٩.

٢٣٨

الْمَهدِيُّونَ (١)

____________________________________

(١) ـ من الهداية والرشاد ، والإرشاد إلى طريق الحقّ والسداد ، جمع المهدي ، والمهديّ هو من هداه الله تعالى بهدايته الخاصّة.

وأهل البيت سلام الله عليهم هم الذين هداهم الله بهدايته ، وأرشدهم بدلالته وتولاّهم بتربيته ورعايته ، وعصمهم من كلّ خطلة وزلّة ، ثمّ جعلهم أعلام الهدى وأئمّة الهداية.

فكانوا هم المهديّون من الله ، وهم الهادون لخلق الله ، كما ترى أحاديثه المتظافرة في بابه. ففي حديث أبي الجارود ، عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) قال : «هذه الآية لآل محمّد وأشياعهم»(٢) .

وفي حديث حمران عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى :( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ ) (٣) قال : «هم الأئمّة»(٤) .

وفي حديث عبد الله بن جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال :

«ليس في جنّة عدن منزل ـ أشرف ولا ـ أفضل ولا أقرب إلى عرش ربّي من منزلي ، ونحن فيه اربعة عشر إنساناً ، أنا وأخي علي وهو خيرهم وأحبّهم إليّ ، وفاطمة وهي سيّدة نساء أهل الجنّة ، والحسن والحسين ، وتسعة أئمّة من ولد الحسين ، فنحن فيه أربعة عشر إنساناً في منزل واحد أذهب الله عنّا الرجس وطهرّنا

__________________

(١) سورة العنكبوت : الآية ٦٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٤٣ ب ٢٥ ح ٣.

(٣) سورة الأعراف ك الآية ١٨١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ١٤٤ ب ٤٥ ح ٥.

٢٣٩

.........................................

____________________________________

تطهيراً ، هداة مهديين»(١) .

فرسول الله صلى الله عليه وآله هو المنذر ، ولكلّ قومٍ هادٍ إلى يوم القيامة أمير المؤمنين وأولاده المعصومون سلام الله عليهم ، كلّهم هداة مهديون ، إلى أن يبلغ خاتمهم الإمام الثاني عشر الذي هو المهدي وصفاً وإسماً ، والممتاز بهذا الإسم شخصاً.

خصّه الله بهذا الإسم الشريف لأنّه يُهدي إلى أمرٍ خفي ، ويُهدي إلى أمرٍ قد دُثر وضلّ عنه الناس ، كما في حديثي أبي سعيد الخراساني ومحمّد بن عجلان(٢) .

وهذا الإسم المبارك من أحلى أسمائه الكريمة وسماته العظيمة ، التي هي كثيرة ، شأن العظماء الذين تتعدّد أسماؤهم لتعدّد صفاتهم ، وكثرة جوانب عظمتهم وقد فصّلنا البيان في أسماءه الشريفة ، وكنيته المباركة ، وألقابه السامية ، في كتاب الفوائد(٣) .

ويمتاز سلام الله عليه باللقب الشريف (القائم) لقيامه بالحقّ بأعظم قيام إلهي يعرفه التاريخ البشري ، وكلّهم قائمون بالحقّ.

فيلزم تعظيمه بهذا اللقب ، والقيام عنده كما قام له الإمام الرضا عليه السلام ، بل أمر به الإمام الصادق عليه السلام في حديث الزام الناصب(٤) .

وهذا القيام ووضع اليد على الرأس ـ مضافاً إلى التعظيم ـ هو تسليم للإمام عليه السلام وإستعداد لقيامه ، وطلب تعجيل فرجه التي هي من الوظائف الدينيّة ، والمرغّبات الشرعية خصوصاً في عهد الغيبة.

فاللازم على المؤمن :

١ ـ انتظار الفرج مع عدم الاستعجال في ذلك ، فإنّما يهلك المستعجلون كما دلّت

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ج ٢ ص ٨٤٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥١ ص ٢٩ ـ ٣٠ ب ٢ ح ٢ و ٦ ـ ٧.

(٣) الفوائد الرجالية : ص ٢١.

(٤) الزام الناصب : ج ١ ص ٢٧١.

٢٤٠