في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة8%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66170 / تحميل: 4616
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

__________________

( اللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ بُقْعَةٌ طَهَّرْتَهَا وَعَقْوَةٌ شَرَّفْتَهَا وَمَعَالِمُ زَكَّيْتَهَا حَيْثُ أَظْهَرْتَ فِيهَا أَدِلَّةَ التَّوْحِيدِ وَأَشْبَاحَ الْعَرْشِ الْمَجِيدِ الَّذِينَ اصْطَفَيْتَهُمْ مُلُوكاً لِحِفْظِ النِّظَامِ‏ وَاخْتَرْتَهُمْ رُؤَسَاءَ لِجَمِيعِ الْأَنَامِ وَبَعَثْتَهُمْ لِقِيَامِ الْقِسْطِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُجُودِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِاسْتِنَابَةِ أَنْبِيَائِكَ لِحِفْظِ شَرَائِعِكَ وَأَحْكَامِكَ‏ فَأَكْمَلْتَ بِاسْتِخْلاَفِهِمْ رِسَالَةَ الْمُنْذِرِينَ كَمَا أَوْجَبْتَ رِئَاسَتَهُمْ فِي فِطَرِ الْمُكَلَّفِينَ‏ فَسُبْحَانَكَ مِنْ إِلَهٍ مَا أَرْأَفَكَ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ مِنْ مَلِكٍ مَا أَعْدَلَكَ‏ حَيْثُ طَابَقَ صُنْعُكَ مَا فَطَرْتَ عَلَيْهِ الْعُقُولَ وَوَافَقَ حُكْمُكَ مَا قَرَّرْتَهُ فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ‏ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى تَقْدِيرِكَ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ وَلَكَ الشُّكْرُ عَلَى قَضَائِكَ الْمُعَلَّلِ بِأَكْمَلِ التَّعْلِيلِ‏ فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يُسْأَلُ عَنْ فَعْلِهِ وَلاَ يُنَازَعُ فِي أَمْرِهِ‏ وَسُبْحَانَ مَنْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قَبْلَ ابْتِدَاءِ خَلْقِهِ‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِحُكَّامٍ يَقُومُونَ مَقَامَهُ لَوْ كَانَ حَاضِراً فِي الْمَكَانِ‏ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الَّذِي شَرَّفَنَا بِأَوْصِيَاءَ يَحْفَظُونَ الشَّرَائِعَ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ‏ وَاللَّهُ أَكْبَرُ الَّذِي أَظْهَرَهُمْ لَنَا بِمُعْجِزَاتٍ يَعْجِزُ عَنْهَا الثَّقَلاَنِ‏ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الَّذِي أَجْرَانَا عَلَى عَوَائِدِهِ الْجَمِيلَةِ فِي الْأُمَمِ السَّالِفِينَ‏ اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ الْعَلِيُّ كَمَا وَجَبَ لِوَجْهِكَ الْبَقَاءُ السَّرْمَدِيُ‏ وَكَمَا جَعَلْتَ نَبِيَّنَا خَيْرَ النَّبِيِّينَ وَمُلُوكَنَا أَفْضَلَ الْمَخْلُوقِينَ وَاخْتَرْتَهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ‏ وَفِّقْنَا لِلسَّعْيِ إِلَى أَبْوَابِهِمُ الْعَامِرَةِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَاجْعَلْ أَرْوَاحَنَا تَحِنُّ إِلَى مَوْطِئِ أَقْدَامِهِمْ‏ وَنُفُوسَنَا تَهْوِي النَّظَرَ إِلَى مَجَالِسِهِمْ وَعَرَصَاتِهِمْ حَتَّى كَأَنَّنَا نُخَاطِبُهُمْ فِي حُضُورِ أَشْخَاصِهِمْ‏ فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سَادَةٍ غَائِبِينَ وَمِنْ سُلاَلَةٍ طَاهِرِينِ وَمِنْ أَئِمَّةٍ مَعْصُومِينَ‏ اللَّهُمَّ فَأْذَنْ لَنَا بِدُخُولِ هَذِهِ الْعَرَصَاتِ الَّتِي اسْتَعْبَدْتَ بِزِيَارَتِهَا أَهْلَ الْأَرَضِينَ وَالسَّمَاوَاتِ‏ وَأَرْسِلْ دُمُوعَنَا بِخُشُوعِ الْمَهَابَةِ وَذَلِّلْ جَوَارِحَنَا بِذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَفَرْضِ الطَّاعَةِ حَتَّى نُقِرَّ بِمَا يَجِبُ لَهُمْ مِنَ الْأَوْصَافِ‏ وَنَعْتَرِفَ بِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ الْخَلاَئِقِ إِذَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ فِي يَوْمِ الْأَعْرَافِ‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ ‏) .

ثمّ قبّل وادخل وأنت خاشعٌ باكٍ ، فذلك إذن منهم (صلوات الله عليهم أجمعين في الدخول).

٢١

فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : الله أكبر ثلاثين مرّة ، ثمّ إمشِ قليلاً وعليك السكينة والوقار(١) ، وقارب بين خطاك(٢) ، ثمّ قف وكبّر الله عزّ وجلّ ثلاثين ، ثمّ اُذنُ من القبر وكبّر الله أربعين مرّة تمام مائة تكبيرة(٣) ، ثمّ قل(٤) :

__________________

(١) السكينة عبارة عن إطمئنان القلب بذكر عظمة الله وعظمة أوليائه ، والوقار عبارة عن اطمئنان البدن.

(٢) المقاربة بين الخطوات في المشي أمّا لحصول حالة الوقار ، أو هي مع تحصيل كثرة الثواب الذي يعطى لكلّ خطوة في زيارتهم.

(٣) اُقيد أنّ التكبير للدلالة على أنّ العظمة والكبرياء لله تعالى ، ولتزول الوحشة عن الداخل إلى محلّ كبريائهم.

وقيل : لعلّها للإحتراز عمّا قد تورثه هذه المضامين من الغلوّ أو الغفلة عن عظمة الله سبحانه.

لكن لا يمكن المساعدة على هذا الوجه الأخير ، لأنّ المضامين الواردة في الزيارة حقّ محض لا توجب الغلو أصلاً ، بل توجب المعرفة قطعاً ، ومعرفتهم لا توجب الغفلة عن عئمة الله تعالى ، بل تزيد في معرفة الله والقرب إليه.

فلعلّ الصحيح أن يقال : إنّها تكبيرات التعظيم ، لأجل عظمة هذه الزيارة ، فإنّه وإن كانت الزيارات جميعها مهمّة إلاّ إنّ بعضها ذات أهميّة خاصّة ، ولأجلها ورد التكبير في أوّله ، نظير زيارة عاشوراء النازلة من العرش ، المخصوصة بأعظم المصائب ، كما ذكر التكبير لها السيّد الفقيه اليزدي قدس سره ، ونظير زيارة الإمام الحسين عليه السلام المخصوصة في أوّل رجب المشتملة على تلبية الزائر لاستنصار الإمام الحسين عليه السلام عند قوله : «لبّيك داعي الله إن كان لم يُحبك بدني عند إستغاثتك ، ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري». وهذه الزيارة الجامعة من هذا القبيل حائزة لأهميّةٍ فائقة باشتمالها على أشرف المضامين المنتقاة ، وأعلى منازل الهداة ، فناسبها تكبير التعظيم.

(٤) اعلم أنّ هذه الزيارة الشريفة مشتملة على خمس تسليمات فتكون فصولها خمسة ، ثمّ تليها ثلاث شهادات بيّناها باُصولها الحقّة ، ثمّ تتّصل بذكر الفضائل العلياء والمناقب الشمّاء المتمثّلة في أهل البيت عليهم السلام.

٢٢

نصّ الزيارة الجامعة

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ، وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ ، وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ ، وَمَهْبِطَ الْوَحْىِ ، وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ ، وَخُزّانَ الْعِلْمِ ، وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ ، وَاُصُولَ الْكَرَمِ ، وَقادَةَ الاْمَمِ ، وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ ، وَعَناصِرَ الاْبْرارِ ، وَدَعائِمَ الاْخْيارِ ، وَساسَةَ الْعِبادِ ، وَاَرْكانَ الْبِلادِ ، وَاَبْوابَ الاْيمانِ ، وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ ، وَسُلالَةَ النَّبِيّينَ ، وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلينَ ، وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعالَمينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

اَلسَّلامُ عَلى اَئِمَّةِ الْهُدى ، وَمَصابيحِ الدُّجى ، وَاَعْلامِ التُّقى ، وَذَوِى النُّهى ، وَاُولِى الْحِجى ، وَكَهْفِ الْوَرى ، وَوَرَثَةِ الاْنْبِياءِ ، وَالْمَثَلِ الاْعْلى ، وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى ، وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَالاْولى(١) وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

اَلسَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ ، وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ، وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ ، وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ ، وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ ، وَاَوْصِياءِ نَبِىِّ اللهِ ، وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.

اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ ، وَالأَدِلاّءِ عَلى مَرْضات اللهِ ،

__________________

(١) في العيون : (على أهلِ الآخرة ِ والاُولى).

٢٣

وَالْمُسْتَقِرّينَ(١) فِي اَمْرِ اللهِ(٢) ، وَالتّامّينَ فى مَحَبَّةِ اللهِ ، وَالْمخْلِصينَ في تَوْحيدِ اللهِ ، وَالْمُظْهِرينَ لأَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ ، وَعِبادِهِ الْمُكْرَمينَ الَّذينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

اَلسَّلامُ عَلَى الاْئِمَّةِ الدُّعاةِ ، وَالْقادَةِ الْهُداةِ ، وَالسّادَةِ الْوُلاةِ ، وَالذّادَةِ الْحُماةِ ، وَاَهْلِ الذِّكْرِ وَاُولِى الاْمْرِ ، وَبَقِيَّةِ اللهِ وَخِيَرَتِهِ وَحِزْبِهِ وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ وَحُجَّتِهِ وَصِراطِهِ وَنُورِهِ وَبُرْهانِهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

اَشْهَدُ اَنْ لا اِلهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ ، لا اِلهَ اِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ.

وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ الْمُنْتَجَبُ(٣) ، وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضى ، اَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الاْئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ الْمَعْصُومُونَ الْمُكَرَّمُونَ الْمُقَرَّبُونَ الْمُتَّقُونَ الصّادِقُونَ الْمُصْطَفَوْنَ الْمُطيعُونَ للهِ ، الْقَوّامُونَ بِاَمْرِهِ ، الْعامِلُونَ بِاِرادَتِهِ ، الْفائِزُونَ بِكَرامَتِهِ ، اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ ، وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ ، وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ ، وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ ، وَاَعَزَّكُمْ بِهُداهُ ، وَخَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ ، وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ(٤) ، وَاَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ ، وَرَضِيَكُمْ خُلَفاء فى اَرْضِهِ ، وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ ، وَاَنْصاراً لِدينِهِ ، وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ ، وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ ، وَمُسْتَوْدَعاً

__________________

(١) في التهذيب : (والمستَوْفرِينَ).

(٢) في العيون إضافة : (ونَهْيه).

(٣) في العيون بدل المنتجب : (المُصطَفى).

(٤) في الفقيه : (بنُورِه).

٢٤

لِحِكْمَتِهِ ، وَتَراجِمَةً لِوَحْيِهِ ، وَاَرْكاناً لِتَوْحيدِهِ ، وَشُهَداءَ عَلى خَلْقِهِ ، وَاَعْلاماً لِعِبادِهِ ، وَمَناراً فى بِلادِهِ ، وَاَدِلاّءَ عَلى صِراطِهِ.

عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ ، وَآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ ، وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ ، وَاَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ(١) وَطَهَّرَكُمْ تَطْهيراً ، فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ ، وَاَكْبَرْتُمْ(٢) شَأْنَهُ ، وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ ، وَاَدَمْتُمْ(٣) ذِكْرَهُ ، وَوَكَّدْتُمْ(٤) ميثاقَهُ ، وَاَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ ، وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِى السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ ، وَدَعَوْتُمْ اِلى سَبيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَبَذَلْتُمْ اَنْفُسَكُمْ فى مَرْضاتِهِ، وَصَبَرْتُمْ عَلى ما اَصابَكُمْ فى جَنْبِهِ(٥) ، وَاَقَمْتُمُ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ ، وَاَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَجاهَدْتُمْ فِى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى اَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ ، وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ ، وَاَقَمْتُمْ حُدُودَهُ ، وَنَشَرْتُمْ(٦) شَرايِعَ اَحْكامِهِ ، وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ ، وَصِرْتُمْ في ذلِكَ مِنْهُ اِلَى الرِّضا ، وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ ، وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى ، فَالرّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ ، وَاللاّزِمُ لَكُمْ لاحِقٌ ، وَالْمُقَصِّرُ فى حَقِّكُمْ زاهِقٌ ، وَالْحَقُّ مَعَكُمْ وَفيكُمْ وَمِنْكُمْ وَاِلَيْكُمْ وَاَنْتُمْ اَهْلُهُ وَمَعْدِنُهُ ، وَميراثُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ، وَاِيابُ الْخَلْقِ اِلَيْكُمْ ، وَحِسابُهُمْ(٧) عَلَيْكُمْ ، وَفَصْلُ الْخِطابِ عِنْدَكُمْ ، وَآياتُ اللهِ لَدَيْكُمْ ، وَعَزائِمُهُ فيكُمْ ، وَنُورُهُ وَبُرْهانُهُ

__________________

(١) في بعض نسخ الفقيه إضافة (اأهلَ البَيت).

(٢) في العيون (وكبّرتم).

(٣) في العيون والفقيه والتهذيب (وأدْمَنْتُم).

(٤) في بعض نسخ الفقيه (وذكّرتُم).

(٥) في بعض نسخ الفقيه (حُبّه).

(٦) في بعض نسخ الفقيه (وفَسَّرتُم).

(٧) في الفقيه (وحسابُهُ).

٢٥

عِنْدَكُمْ ، وَاَمْرُهُ اِلَيْكُمْ ، مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والَى اللهَ وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ ـ وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ ـ وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ.

اَنْتُمُ السَبِيلُ الأَعْظَمُ والصِّراطُ الاْقْوَمُ(١) وَشُهَداءُ دارِ الْفَناءِ ، وَشُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ ، وَالرَّحْمَةُ الْمَوْصُولَةُ ، وَالآيَةُ الْمخْزُونَةُ ، وَالاْمانَةُ الْمحْفُوظَةُ ، وَالْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ ، مَنْ اَتاكُمْ نَجا وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ اِلَى اللهِ تَدْعُونَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ وَبِهِ تُؤْمِنُونَ وَلَهُ تُسَلِّمُونَ وَبِاَمْرِهِ تَعْمَلُونَ وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُونَ وَبِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ ، سَعَدَ(٢) مَنْ والاكُمْ وَهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ ، وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ ، وَاَمِنَ مَنْ لَجَأ اِلَيْكُمْ ، وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ ، وَهُدِىَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ ، مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأواهُ ، وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ مَثْواهُ ، وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ ، وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ(٣) في اَسْفَلِ دَرْك مِنَ الْجَحيمِ ، اَشْهَدُ اَنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ فيما مَضى وَجارٍ لَكُمْ فيما بَقِىَ وَاَنَّ اَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطينَتَكُمْ واحِدَةٌ ، طابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْض ، خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ ، فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ ، وَجَعَلَ صَلاَتَنا(٤) عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طِيباً

__________________

(١) في العيون (أنتُمُ السَّبيلُ والصِّراطُ الأقْوَمُ).

(٢) في العيون (سَعَدَ واللهِ مَن والاكُمْ).

(٣) في العيون إضافة (فهُوَ).

(٤) في العيون والفقيه : (صَلَواتِنا).

٢٦

لِخَلْقِنا، وَطَهارَةً لاِنْفُسِنا وَتَزْكِيَةً(١) لَنا وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمينَ بِفَضْلِكُمْ وَمَعْرُوفينَ بِتَصْديقِنا اِيّاكُمْ ، فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ اَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ ، وَاَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبينَ ، وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلينَ ، حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ، وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ وَلا يَطْمَعُ فى اِدْراكِهِ طامِعٌ ، حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ ، وَلا صِدّيقٌ وَلا شَهيدٌ ، وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ ، وَلا دَنِىٌّ وَلا فاضِلٌ ، وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ ، وَلا فِاجِرٌ طالِحٌ ، وَلاجَبّارٌ عَنيدٌ ، وَلا شَيْطانٌ مَريدٌ ، وَلا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ اِلاّ عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ اَمْرِكُمْ ، وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ ، وَكِبَرَ شَأنِكُمْ وَتَمامَ نُورِكُمْ ، وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ ، وَثَباتَ مَقامِكُمْ ، وَشَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ ، وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ ، وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ ، وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ.

بِاَبى اَنْتُمْ وَاُمّى وَاَهْلى وَمالى وَاُسْرَتى ، اُشْهِدُ اللهَ وَاُشْهِدُكُمْ اَنّى مُؤْمِنٌ بِكُمْ وَبِما آمَنْتُمْ بِهِ ، كافِرٌ بَعَدُوِّكُمْ وَبِما كَفَرْتُمْ بِهِ ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَأنِكُمْ وَبِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُمْ ، مُوالٍ لَكُمْ وَلاِوْلِيائِكُمْ ، مُبْغِضٌ لاِعْدائِكُمْ وَمُعادٍ لَهُمْ ، سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقْتُمْ ، مُبْطِلٌ لِما اَبْطَلْتُمْ ، مُطيعٌ لَكُمْ ، عارِفٌ بِحَقِّكُمْ ، مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ ـ مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ ـ مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ ، مُعْتَرِفٌ بِكُمْ ، مُؤْمِنٌ بِاِيابِكُمْ ، مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ ، مُنْتَظِرٌ لاِمْرِكُمْ ، مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ ، آخِذٌ بِقَوْلِكُمْ ، عامِلٌ بِاَمْرِكُمْ ، مُسْتَجيرٌ بِكُمْ زائِرٌ

__________________

(١) في التهذيب (وبَرَكَةً).

٢٧

لَكُمْ ، لائِذٌ عائِذٌ بِقُبُورِكُمْ(١) ، مُسْتَشْفِعٌ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ ، وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ ، وَمُقَدِّمُكُمْ اَمامَ طَلِبَتى وَحَوائِجى وَاِرادَتى فى كُلِّ اَحْوالي وَاُمُورى ، مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ وَشاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ وَاَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ ، وَمُفَوِّضٌ فى ذلِكَ كُلِّهِ اِلَيْكُمْ وَمُسَلِّمٌ فيهِ مَعَكُمْ ، وَقَلْبى لَكُمْ مُسَلِّمٌ(٢) ، وَرَأيى لَكُمْ تَبَعٌ ، وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يُحْيِىَ اللهُ ـ تَعالى ـ دينَهُ بِكُمْ ، وَيَرُدَّكُمْ في اَيّامِهِ ، وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ، وَيُمَكِّنَكُمْ في اَرْضِهِ ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ غَيْرِكُمْ(٣) آمَنْتُ بِكُمْ وَتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ اَوَّلَكُمْ ، وَبَرِئْتُ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ مِنْ اَعْدائِكُمْ وَمِنَ الْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَالشَّياطينِ وَحِزْبِهِمُ الظّالِمينَ لَكُمُ ، الْجاحِدينَ(٤) لِحَقِّكُمْ وَالْمارِقينَ مِنْ وِلايَتِكُمْ وَالْغاصِبينَ لاِرْثِكُمُ الشّاكّينَ فيكُمُ(٥) الْمُنْحَرِفينَ عَنْكُمْ(٦) وَمِنْ كُلِّ وَليجَةٍ دُونَكُمْ وَكُلِّ مُطاعٍ سِواكُمْ ، وَمِنَ الاْئِمَّةِ الَّذينَ يَدْعُونَ اِلَى النّارِ فَثَبَّتَنِىَ اللهُ اَبَداً ما حَييتُ عَلى مُوالاتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَدينِكُمْ ، وَوَفَّقَنى لِطاعَتِكُمْ ، وَرَزَقَنى شَفاعَتَكُمْ ، وَجَعَلَنى مِنْ خِيارِ مَواليكُمْ التّابِعينَ لِما دَعَوْتُمْ اِلَيْهِ ، وَجَعَلَنى مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثارَكُمْ ، وَيَسْلُكُ سَبيلَكُمْ ، وَيَهْتَدي

__________________

(١) هكذا في الفقيه لكن في العيون (عائذٌ بكمُ لائذٌ بقُبورِكُم).

(٢) في بعض نسخ الفقيه (سَلْمٌ) وفي العيون (مؤمنٌ).

(٣) في العيون وبعض نسخ الفقيه (عدوِّكم).

(٤) في العيون (والجاحِدينَ).

(٥) في البحار (والشاكّينَ فيكُم).

(٦) في البحار (والمنحرفينَ عنكُم).

٢٨

بِهُداكُمْ ، وَيُحْشَرُ فى زُمْرَتِكُمْ ، وَيَكِرُّ فى رَجْعَتِكُمْ ، وَيُمَلَّكُ فى دَوْلَتِكُمْ ، وَيُشَرَّفُ فى عافِيَتِكُمْ ، وَيُمَكَّنُ فى اَيّامِكُمْ ، وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَداً بِرُؤْيَتِكُمْ.

بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي وَاَهْلي وَمالي(١) ، مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ ، مَوالِيَّ لا اُحْصي ثَناءَكُمْ وَلا اَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ ، وَاَنْتُمْ نُورُ الاْخْيارِ وَهُداةُ الاْبْرارِ وَحُجَجُ الْجَبّارِ ، بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ ـ اللهُ ـ وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ اِلاّ بِاِذْنِهِ ، وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ ، وَعِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ ، وَهَبَطَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ وَاِلى جَدِّكُمْ.

وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين عليه السلام فعوض (وَاِلى جَدِّكُمْ) قُل : (وَاِلى اَخيكَ).

بُعِثَ الرُّوحُ الاْمينُ ، آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمينَ طَأطَاَ كُلُّ شَريفٍ لِشَرَفِكُمْ ، وَنَجَعَ(٢) كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُمْ ، وَخَضَعَ كُلُّ جَبّارٍ لِفَضْلِكُمْ ، وَذَلَّ كُلُّ شَىْءٍ لَكُمْ ، وَاَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِكُمْ، وَفازَ الْفائِزُونَ بِوِلايَتِكُمْ ، بِكُمْ يُسْلَكُ اِلَى الرِّضْوانِ ، وَعَلى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ.

بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفسي وَاَهْلي وَمالي ، ذِكْرُكُمْ فِى الذّاكِرينَ ، وَاَسْماؤُكُمْ فِى الاْسْماءِ ، وَاَجْسادُكُمْ فِى الاْجْسادِ، وَاَرْواحُكُمْ فِى اْلاَرْواحِ ،

__________________

(١) في التهذيب إضافة (واُسّرَتي).

(٢) في العيون والفقيه (نَجَعَ) وفي التهذيب (بَخَعَ).

٢٩

وَاَنْفُسُكُمْ فِى النُّفُوسِ ، وَآثارُكُمْ فِى الاْثارِ ، وَقُبُورُكُمْ فِى الْقُبُورِ ، فَما اَحْلى اَسْمائَكُمْ ، وَاَكْرَمَ اَنْفُسَكُمْ، وَاَعْظَمَ شَأنَكُمْ ، وَاَجَلَّ خَطَرَكُمْ ، وَاَوْفى عَهْدَكُمْ ـ وَاَصْدَقَ وَعْدَكُمْ ـ(١) كَلامُكُمْ نُورٌ ، وَاَمْرُكُمْ رُشْدٌ ، وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى ، وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ ، وَعادَتُكُمُ الاْحْسانُ ، وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ ، وَشَأنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ ، وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ ، وَرَأيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ ، اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ وَاَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأواهُ وَمُنْتَهاهُ.

بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي(٢) كَيْفَ اَصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ ، وَاُحْصي(٣) جَميلَ بَلائِكُمْ ، وَبِكُمْ اَخْرَجَنَا اللهُ مِنَ الذُّلِّ وَفَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الْكُرُوبِ ، وَاَنْقَذَنا مِنْ شَفا جُرُفِ الْهَلَكاتِ وَمِنَ النّارِ.

بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنا ، وَاَصْلَحَ ماكانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا ، وَبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ ، وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ ، وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ ، وَبِمُوالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ ، وَلَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْواجِبَةُ ، وَالدَّرَجاتُ الرَّفيعَةُ ، وَالْمَقامُ الْمحْمُودُ ، وَالْمَكانُ الْمَعْلُومُ(٤) عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ(٥) ، وَالْجاهُ الْعَظيمُ ، وَالشَّأنُ الْكَرِيمُ(٦) وَالشَّفاعَةُ الْمَقْبُولَةُ.

__________________

(١) هذا موجود في التهذيب.

(٢) في العيون إضافة (وأهلي ومالي).

(٣) في العيون (وكيف اُحصي).

(٤) في العيون (والمقامُ المحْمُود عندَ اللهِ تعالى والمكانُ المعلومُ) وفي التهذيب (والمكانُ المَحمودُ والمقامُ المعلومُ).

(٥) في العيون بدل عزّ وجلّ (تعالى).

(٦) في العيون بدل الكبير (الرَّفيعُ).

٣٠

رَبَّنا آمَنّا بِما اَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ رَبَّنا لا تُزِ غْ قُلُوبَنا بَعْدَ اِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً اِنَّكَ اَنْتَ الْوَهّابُ، سُبْحانَ رَبِّنا اِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً.

يا وَلِىَّ اللهِ اِنَّ بَيْنى وَبيْنَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ ذُنُوباً لا يَأتى عَلَيْها اِلاّ رِضاكُمْ ، فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرِّهِ وَاسْتَرْعاكُمْ اَمْرَ خَلْقِهِ وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ ، لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبى وَكُنْتُمْ شُفَعائى ، فَاِنّي لَكُمْ مُطيعٌ ، مَنْ اَطاعَكُمْ فَقَدْ اَطاعَ اللهَ ، وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ ، وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ ، وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ.

اَللّهُمَّ اِنّى لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ اَقْرَبَ اِلَيْكَ مِنْ مُحَمِّدٍ وَاَهْلِ بَيْتِهِ الاْخْيارِ الاْئِمَّةِ الاْبْرارِ لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائي ، فَبِحَقِّهِمُ الَّذى اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ اَسْاَلُكَ اَنْ تُدْخِلَنى فى جُمْلَةِ الْعارِفينَ بِهِمْ وَبِحَقِّهِمْ ، وَفى زُمْرَةِ الْمَرْحُومينَ بِشَفاعَتِهِمْ ، اِنَّكَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرينَ وَسَلَّمَ تَسْليماً كَثيراً ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ(١) .

__________________

(١) هكذا في الفقيه ، لكن في العيون (وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِه حسبُنا اللهُ ونعمَ الوكيل).

٣١
٣٢

شرح الزيارة الجامعة

الفصل الأوّل

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ السلام نوع من التحيّة ، بل هو تحيّة أهل الجنّة ، قال تعالى( وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ) :(١) .

ومعنى السلام اختلف فيه على وجوه تالية :

فذكر أنّه دعاء بمعنى سَلُمْتَ عن المكاره.

وقيل : أنّ المقصود به معناه ، أي السلامة عليكم

وقيل : يُراد من السلام اسم الله تعالى فالمعنى اسم الله عليكم ؛ يعني أنت في حفظه وأمانه ببركة إسمه ، نظير أن يقال : الله معك ، وخاصّية هذا الإسم الشريف الرحمة والسلامة ، فيكون حاصل المعنى : إنّ رحمة الله وسلامته علكم أهل البيت.

ولعلّ الأنسب هو المعنى الأخير يعني تفسيره : «باسم الله تعالى» أي اسم الله عليكم ، ويتمّمه آخر الفصل يعني ورحمة الله وبركاته.

أفاد السيّد شبّر قدس سره(٢) : أنّه اختار الشارع لفظ السلام وجعله تحيّة الإسلام لما

__________________

(١) سورة إبراهيم : الآية ٢٣.

(٢) الأنوار اللامعة : ص ٣٩.

٣٣

.........................................

____________________________________

فيه من المعاني الجامعة ، أو لأنّه مطابق لإسم الله تيمّناً وتبرّكاً ، ويجري هذا المعنى في التسليمات الآتية أيضاً.

واعلم أنّه يجوز الإتيان بالسلام منكّراً ومعرّفاً ، تبعاً للكتاب الكريم في قوله تعالى :( وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ) (١) وقوله سبحانه :( وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ ) (٢) ولعلّ المعرّف أزين لفظاً وأبلغ معنىً.

__________________

(١) سورة النمل : الآية ٥٩.

(٢) سورة طه : الآية ٤٧.

٣٤

يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ (١)

____________________________________

(١) ـ أهل بيت النبي هم الأئمّة الطاهرون وفاطمة الزهراء سيّدة النساة عليهم السلام ، كما يستفاد من حديث الإجتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام الوارد في تفسير قوله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(١) جاء في هذا الحديث : «فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله كساءً خيبريّاً ، فضمّني فيه وفاطمة والحسن والحسين. ثمّ قال : يا ربّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»(٢) ـ(٣) .

وروى الصدوق قدس سره أنّه سُئل الصادق عليه السلام مَن آل محمّد؟

فقال : ذرّيته.

فقيل : ومَن أهل بيته؟

قال : الأئمّة.

قيل : ومَن عترته؟

قال : أصحاب العباء.

قيل : فمن اُمّته؟

قال : المؤمنون(٤) .

والنبوّة في الأصل : أمّا مأخوذة من مادّة (نبا) أي إرتفع ، ويُسمّى النبي نبيّاً لإرتفاعه وشرفه على سائر الخلق.

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٣.

(٢) تفسير البرهان : ج ٢ ص ٨٤٤.

(٣) وتلاحظ نزول هذه الآية في رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وبنيه التسعة الأئمّة عليهم السلام من طريق الخاصّة في أربعة وثلاثين حديثاً ، ومن طريق العامّة في أحد وأربعين حديثاً جاءت في غاية المرام : ص ٢٨٧ ب ١٩٢.

(٤) معاني الأخبار : ص ٩٤ ح ٣.

٣٥

.........................................

____________________________________

أو مأخوذة من مادّة (النبأ) بالهمزة ، بمعنى الخبر ، فيكون النبي بمعنى المنبئ ، وهو المخبر عن الله تعالى بغير وساطة بشر بينه وبين الله تعالى ، أعمّ من أن يكون له شريعة كنبيّنا صلى الله عليه وآله ، أو ليس له شريعة كيحيى سلام الله عليه(١) .

ويمكن إجتماع كلا المعنيين في النبي كما تلاحظه في رسول الله صلى الله عليه وآله.

وتلاحظ الفرق بين الرسول والنبي في حديث زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ) (٢) ما الرسول وما النبي؟

قال : النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك ، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك.

قلت : الإمام ما منزلته؟

قال : يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك(٣) .

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٨٦ ، مادّة نبا.

(٢) سورة مريم : الآية ٥١.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٧٦ ح ١.

٣٦

وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي محلّ أسرار أنبياء الله عزّ إسمه ، ومخزن علوم جميع رسل الله تعالى شأنه ، فإنّهم صلوات الله عليهم حملة علوم الرسل خصوصاً علم رسول الله صلى الله عليه وآله كما تلاحظه في حديث سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أنّ ذلك كلّ باطل اَفَترى الناس يكِّبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمّدين ، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟

قال : فأقبل عليَّ فقال : قد سألت فافهم الجواب : إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعامّاً وخاصّاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد كُذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتّى قام خطيباً فقال : وحفظاً ووهماً ، وقد كُذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتّى قام خطيباً فقال : «أيّها الناس قد كثرت عليَّ الكذّابة فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار» ، ثمّ كُذب عليه من بعده ، وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :

رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنّع(١) بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمّداً ، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب ، لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزّ وجلّ :( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) (٢) .

__________________

(١) متصنّع بالإسلام اي متكلّف له ومتدلّس به.

(٢) سورة المنافقون : الآية ٤.

٣٧

.........................................

____________________________________

ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدُّعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولّوهم الأعمال ، وحمّلوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهِمَ فيه ولم يتعمّد كذباً فهو في يده ، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فلو علم المسلمون أنّه وَهِمَ لم يقبلوه ولو علم هو أنّه وَهِمَ لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فإنّ أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاصّ وعام ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول الله ة الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاصّ مثل القرآن وقال الله عزّ وجلّ في كتابه :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وليس كلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتّى يسمعوا.

__________________

(١) سورة الحشر : الآية ٧.

٣٨

.........................................

____________________________________

وقد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كلّ يوم دخلةً وكلّ ليلة دخلةً فيخلّيني فيها أدور معه حيث دار وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من ذلك في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نسائه فلا يبقى عنده غيري وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحدٌ من بنيّ ، وكنت إذا سالته أجابني وإذا سكتُّ عنه وفُنِيَت مسائلي ابتدأني ، فما نَزَلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملأها عليَّ فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملأه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال وحرام ، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزلٍ على أحد قبله من طاعة أو معصية إلاّ علّمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفاً واحداً ، ثمّ وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً فقلت : يانبيّ الله بأبي أنت واُمّي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفُتني شيء لم أكتبه ، أفتتخوّف عليَّ النسيان فيما بعد؟

فقال : لا لست أتخوّف عليك النسيان والجهل(١) .

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٦٢ ح ١.

٣٩

وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي محلّ إختلاف الملائكة ، يعني تردّدهم ونزولهم وعروجهم للخدمة ، أو لإكتساب العلوم الإلهية والمعارف الربّانية والأسرار الملكوتية ، أو للتبرّك بهم والتشرّف بصحبتهم والتحظّي بزيارتهم ، أو لكون الملائكة تنزل عليهم وتحدّثهم وتخبرهم من جانب الله ، إذ الأئمّة محدَّثون وهم وسائط معرفة الله تعالى : ومعرفة الملائكة لله تعالى بواسطتهم ، أو نزولهم لمهام ليلة القدر في بيان الاُمور وتنفيذ المقادير كما تلاحظ ذلك في مثل :

١ ـ حديث ابي الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : «والله إنّ في السماء لسبعين صفّاً من الملائكة ، لو إجتمع أهل الأرض كلّهم يحصون عدد كلّ صفّ منهم ما أحصوهم وأنّهم ليدينون بولايتنا»(١) .

٢ ـ مسمع كردين البصري قال : كنت لا أزيد على أكلة بالليل والنهار ، فربما استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام وأجد المائدة قد رفعت لعلّي لا أراها بين يديه (أي أتعمّد الإستئذان عليه بعد رفع المائدة لئلاّ يُلزمني عليه السلام الأكل) ، فإذا دخلت دعا بها فاُصيب معه من الطعام ولا أتأذّى بذلك ، وإذا عقّبت بالطعام عند غيره لم أقدر على أن أقرّ ولم أنم من النفخة ، فشكوت ذلك إليه ، وأخبرته بأنّي إذا أكلت عنده لم أتأذّ به ، فقال : «يا أبا سيّار! إنّك تأكل طعام قوم صالحين ، تصافحهم الملائكة على فرشهم».

قال : قلت : ويظهرون لكم؟

قال : «فمسح يده على بعض صبيانه ، فقال : هم ألطف بصبياننا منّا بهم»(٢) .

٣ ـ أبو حمزة الثمالي قال : دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام فاحتبست في

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٤٣٧ ح ٥.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٣٩٣ ح ١.

٤٠

التدريجي وقبول الانقسام والتجزّي - لكان مادّيّاً متغيّراً وقابلاً للانقسام، وليس كذلك، فإنّ كلّ أحدٍ إذا رجع إلى هذه المشاهدة النفسانيّة اللاّزمة لنفسه، وذكر ما كان يجده من هذه المشاهدة منذ أوّل شعوره بنفسه ؛ وجده معنىً مشهوداً واحداً باقياً على حاله من غير أدنى تعدّدٍ وتغيّر، كما يجد بدنه وأجزاء بدنه، والخواصّ الموجودة معها متغيّرة متبدّلة من كلّ جهةٍ في مادّتها وشكلها وسائر أحوالها وصورها، وكذا وجده معنىً بسيطاً غير قابلٍ للانقسام والتجزّي، كما يجد البدن وأجزائه وخواصّه - وكلّ مادّة وأمرٍ مادّيٍّ كذلك - ؛ فليست النفس هي البدن ولا جزءاً من أجزائه، ولا خاصّة من خواصّه، سواء أدركناه بشيءٍ من الحواسّ، أو بنحوٍ من الاستدلال، أو لم ندرك ؛ فإنّها جميعاً مادّية كيفما فُرضت، ومن حكم المّادة التغيّر وقبول الانقسام، والمفروض أنْ ليس في مشهودنا المسمّى بالنفس شيء من هذه الأحكام ؛ فليست النفس بمادّيّة بوجه.

وأيضاً، هذا الذي نشاهده، نشاهده أمراً واحداً بسيطاً، ليس فيه كثرة من الأجزاء، ولا خليط من خارج، بل هو واحد صِرْف، فكلّ إنسانٍ يشاهد ذلك من نفسه، ويرى أنّه هو وليس بغيره، فهذا المشهود أمرٌ مستقلٌّ في نفسه، لا ينطبق عليه حدّ المادّة، ولا يوجد فيه شيء من أحكامها اللاّزمة، فهو جوهر مجرّد عن المادّة متعلّق بالبدن نحو تعلّق يوجب اتحاداً ما له بالبدن، وهو التعلّق التدبيري ؛ وهو المطلوب.

وقد أنكر تجرّد النفس جميع المادّيّين، وجمعٌ من الإلهيّين من المتكلّمين والظاهريّين من المحدثين، واستدلّوا على ذلك، وردّوا ما ذُكر من البرهان بما لا يخلو عن تكلّف من غير طائل.

قال المادّيّون: إنّ الأبحاث العلميّة على تقدّمها وبلوغها اليوم إلى غاية

٤١

الدقّة في فحصها وتجسّسها، لم تجد خاصّة من الخواصّ البدنيّة إلاّ وجدت علّتها المادّيّة، ولم تجد أثراً روحيّاً لا يقبل الانطباق على قوانين المادّة حتّى تحكم بسببها بوجود روح مجرّدة.

قالوا: وسلسلة الأعصاب تؤدّي الإدراكات إلى العضو المركزي وهو الجزء الدماغي، على التوالي وفي نهاية السرعة، ففيه مجموعة متّحدة ذات وضع واحد لا يتميّز أجزائها ولا يُدرك بطلان بعضها وقيام الآخر مقامه، وهذا الواحد المتحصّل هو نفسنا التي نشاهدها ونحكي عنها ب-: أنا.

فالذي نرى أنّه غير جميع أعضائنا صحيح، إلاّ أنّه لا يثبت أنّه غير البدن وغير خواصّه، بل هو مجموعة متّحدة من جهة التوالي والتوارد لا نغفل عنه، فإنّ لازم الغفلة عنه - على ما تبيّن - بطلان الأعصاب، ووقوفها عن أفعالها وهو الموت، والذي نرى أنّه ثابت صحيح لكنّه لا من جهة ثباته وعدم تغيّره في نفسه بل الأمر مشتبه على المشاهدة من جهة توالي الواردات الإدراكيّة وسرعة ورودها، كالحوض الذي يرد عليه الماء من جانب ويخرج من جانب بما يساويه وهو مملوء دائماً، فما فيه من الماء يجده الحسّ واحداً ثابتاً، وهو بحسب الواقع لا واحدٌ ولا ثابت، وكذا يجد عكس الإنسان، أو الشجر أو غيرهما فيه واحداً ثابتا، وليس واحداً ثابتاً بل هو كثيرٌ متغيّر تدريجاً بالجريان التدريجي الذي لأجزاء الماء فيه، وعلى هذا النحو وجود الثبات والوحدة والشخصيّة التي نرى في النفس.

قالوا: فالنفس التي يُقام البرهان على تجرّدها من طريق المشاهدة الباطنيّة، هي في الحقيقة مجموعة من خواصّ طبيعيّة، وهي: الإدراكات العصبيّة، التي هي نتائج حاصلة من التأثير والتأثّر المتقابلين بين جزء المادّة الخارجيّة وجزء المركّب العصبي، ووحدتها وحدة اجتماعيّة لا وحدة واقعيّة حقيقيّة.

٤٢

أقول : أمّا قولهم: ( إنّ الأبحاث العلميّة المبتنية على الحسّ والتجربة، لم تظفر في سيرها الدقيق بالروح، ولا وجدت حكماً من الأحكام غير قابل التعليل إلاّ بها )، فهو كلام حقٍّ لا ريب فيه، لكنّه لا ينتج انتفاء النفس المجرّدة التي أُقيم البرهان على وجودها، فإنّ العلوم الطبيعيّة الباحثة عن أحكام الطبيعة، وخواص المادّة، إنّما تقدر على تحصيل خواصّ موضوعها الذي هو المادّة، وإثبات ما هو من سنخها، وكذا الخواص والأدوات المادّيّة، التي نستعملها لتتميم التجارب المادّيّة، إنّما لها أن تحكم في الأُمور المادّيّة، وأمّا ما وراء المادّة والطبيعة فليس لها أن تحكم فيها نفياً ولا إثباتاً، وغاية ما يشعر البحث المادّي به هو عدم الوجدان، وعدم الوجدان غير عدم الوجود، وليس من شأنه - كما عرفت - أن يجد ما بين المادّة التي هي موضوعها ولا بين أحكام المادّة وخواصّها، التي هي نتائج بحثها، أمراً مجرّداً خارجاً عن سنخ المادّة، وحكم الطبيعة.

والذي جرّأهم على هذا النفي ؛ زعمهم أنّ المثبتين لهذه النفس المجرّدة، إنّما أثبتوها لعثورهم إلى أحكام حيويّة من وظائف الأعضاء، ولم يقدروا على تعليلها العلمي، فأثبتوا النفس المجرّدة لتكون موضوعاً مُبْدئاً لهذه الأفاعيل، فلمّا حصل العلم اليوم على عللها الطبيعيّة لم يبق وجهٌ للقول بها. ونظير هذا الزعم ما زعموه في باب إثبات الصانع.

وهو اشتباهٌ فاسدٌ، فإنّ المثبتين لوجود هذه النفس لم يثبتوها لذلك، ولم يسندوا بعض الأفاعيل البدنيّة إلى البدن، فيما علله ظاهرة، وبعضها إلى النفس فيما علله مجهولة، بل أسندوا الجميع إلى العلل البدنيّة بلا واسطة وإلى النفس بواسطتها، وإنّما أسندوا إلى النفس ما لا يمكن إسناده إلى البدن ألبتّة، وهو علم الإنسان بنفسه ومشاهدته ذاته، كما مرّ.

٤٣

وأمّا قولهم: ( إنّ الإنيّة المشهودة للإنسان على صفة الوحدة، هي عدّة من الإدراكات العصبيّة الواردة على المركز، على التوالي، وفي نهاية السرعة - ولها وحدة اجتماعية - ) فكلام لا محصّل له، ولا ينطبق عليه الشهود النفساني ألبتّة، وكأنّهم ذهلوا عن شهودهم النفساني ؛ فعدلوا عنه إلى ورود المشهودات الحسّيّة إلى الدماغ، واشتغلوا بالبحث عمّا يلزم ذلك من الآثار التالية، وليت شعري، إذا فرض أنّ هناك أُموراً كثيرة بحسب الواقع لا وحدة لها ألبتّة، وهذه الأُمور الكثيرة التي هي الإدراكات أُمور مادّيّة ليس ورائها شيء آخر إلاّ نفسها، وأنّ الأمر المشهود الذي هو النفس الواحدة هو عين هذه الإدراكات الكثيرة، فمِن أين حصل هذا الواحد الذي لا نشاهد غيره ؟!

ومن أين حصلت هذه الوحدة المشهودة فيها عياناً ؟!

والذي ذكروه من وحدتها الاجتماعية كلام أشبه بالهزل منه بالجد ؛ فإنّ الواحد الاجتماعي هو كثير في الواقع من غير وحدة، وإنّما وحدتها في الحسّ أو الخيال - كالدار الواحد والخطّ الواحد مثلاً - لا في نفسه، والمفروض، في محلّ كلامنا، أنّ الإدراكات والشعورات الكثيرة في نفسها هي شعور واحد عند نفسها، فلازم قولهم:

إنّ هذه الإدراكات في نفسها كثيرة لا ترجع إلى وحدة أصلاً، وهي بعينها شعور واحد نفساني واقعاً، وليس هناك أمر آخر له هذه الإدراكات الكثيرة فيدركها على نعت الوحدة، كما يدرك الحاسّة أو الخيال المحسوسات، أو المخيّلات الكثيرة المجتمعة على وصف الوحدة الاجتماعية، فإنّ المفروض أنّ مجموع الإدراكات الكثيرة في نفسها، نفس الإدراك النفساني الواحد في نفسه، ولو قيل: إنّ المُدْرك هاهنا الجزء الدماغي، يدرك الإدراكات الكثيرة على نعت الوحدة ؛ كان الإشكال بحاله، فإنّ المفروض: أنّ إدراك الجزء الدماغي نفس هذه الإدراكات الكثيرة

٤٤

المتعاقبة بعينها، لا أنّ للجزء الدماغي قوّة إدراك تتعلّق بهذه الإدراكات، كتعلّق القوى الحسيّة بمعلوماتها الخارجيّة وانتزاعها منها صوراً حسّيّة، فافهم ذلك.

والكلام في كيفيّة حصول الثبات والبساطة في هذا المشهود، الذي هو متغيّر متجزّئ في نفسه كالكلام في حصول وحدته، مع أنّ هذا الفرض أيضاً - أعني أن تكون الإدراكات الكثيرة المتوالية المتعاقبة مشعورةً بشعورٍ دماغيٍّ على نعت الوحدة - نفسه فرض غير صحيح، فما شأن الدماغ والقوّة التي فيه، والشعور الذي لها، والمعلوم الذي عندها ؟!

وهي جميعاً أُمورٌ مادّيّةٌ، ومن شأن المادّة والمادّي الكثرة والتغيّر وقبول الانقسام، وليس في هذه الصورة العلميّة شيء من هذه الأوصاف والنعوت، وليس غير المادة والمادي هناك شيء.

وقولهم: ( إنّ الأمر يشتبه على الحسّ أو القوّة المُدْرِكة، فيدرك الكثير المتجزّي المتغيّر واحداً بسيطاً ثابتاً ) غلط واضح، فإنّ الغلط والاشتباه من الأُمور النسبيّة التي تحصل بالمقايسة والنسبة، لا من الأُمور النفسيّة، مثال ذلك أنّا نشاهد الأجرام العظيمة السماويّة صغيرة كالنقاط البيض، ونغلط في مشاهدتنا هذه على ما تبيّنه البراهين العلميّة، وكثير من مشاهدات حواسّنا، إلاّ أنّ هذه الأغلاط، إنّما تحصل وتوجد إذا قايسنا ما عند الحسّ ممّا في الخارج من واقع هذه المشهودات، وأمّا ما عند الحسّ في نفسه، فهو أمرٌ واقعيٌّ كنقطة بيضاء لا معنى لكونه غلطاً ألبتّة.

والأمر فيما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ حواسّنا وقوانا المُدْرِكة إذا وجدت الأُمور الكثيرة المتغيِّرة المتجزّية على صفة الوحدة والثبات والبساطة ؛ كانت القوى المُدْرِكة غالطة في إدراكها، مشتبهة في معلومها

٤٥

بالقياس إلى المعلوم الذي في الخارج، وأمّا هذه الصورة العلميّة الموجودة عند القوّة فهي واحدة ثابتة بسيطة في نفسها ألبتّة، ولا يمكن أن يُقال للأمر الذي هذا شأنه: إنّه مادّي لفقده أوصاف المادّة العامّة.

فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ الحجّة التي أوردها المادّيون من طريق الحسّ والتجربة إنّما ينتج عدم الوجدان، وقد وقعوا في المغالطة بأخذ عدم الوجود ( وهو مدَّعاهم ) مكان عدم الوجدان، وما صوّروه لتقرير الشهود النفساني - المثبت لوجود أمرٍ واحدٍ بسيطٍ ثابتٍ - تصوير فاسد، لا يوافق لا الأُصول المادّيّة المسلِّمة بالحسّ والتجربة، ولا واقع الأمر الذي هو عليه في نفسه.

وأمّا ما افترضه الباحثون في علم النفس الجديد، في أمر النفس، وهو أنّه الحالة المتّحدة الحاصلة من تفاعل الحالات الروحيّة من الإدراك والإرادة والرضا والحب وغيرها، المنتجة لحالة متّحدة مؤلّفة، فلا كلام لنا فيه، فإن لكلّ باحثٍ أنّ يفترض موضوعاً، ويضعه موضوعاً لبحثه، وإنّما الكلام فيه من حيث وجوده وعدمه في الخارج والواقع، مع قطع النظر عن فرض الفارض وعدمه، وهو البحث الفلسفي، كما هو ظاهر على الخبير بجهات البحث.

وقال قوم آخرون من نُفاة تجرّد النفس من الملِّيّين: إنّ الذي يتحصّل من الأُمور المربوطة بحياة الإنسان: كالتشريح والفيزيولوجي، إنّ هذه الخواص الروحيّة الحيويّة تستند إلى جراثيم الحياة والسلولات التي هي الأُصول في حياة الإنسان، وسائر الحيوان، وتتعلّق بها، فالروح خاصّة، وأثر مخصوص فيها لكلّ واحدٍ منها أرواح متعدّدة، فالذي يسمّيه الإنسان روحاً لنفسه، ويحكي عنه ب-: أنا: مجموعة متكوّنة من أرواح غير محصورة على نعت الاتحاد

٤٦

والاجتماع، ومن المعلوم أنّ هذه الكيفيّات الحيويّة، والخواصّ الروحيّة، تبطل بموت الجراثيم والسلولات، وتفسد بفسادها، فلا معنى للروح الواحدة المجرّدة الباقية بعد فناء التركيب البدني، غاية الأمر أنّ الأُصول المادّيّة المكتشَفة بالبحث العلمي لمّا لم تفِ بكشف رموز الحياة ؛ كان لنا أن نقول: إنّ العلل الطبيعيّة لا تفي بإيجاد الروح، فهي معلولة لموجود آخر وراء الطبيعة، وأمّا الاستدلال على تجرّد النفس من جهة العقل محضاً فشيء لا يقبله ولا يصغي إليه العلم اليوم، لعدم اعتمادها على غير الحسّ والتجربة، هذا.

أقول : وأنت خبير بأنّ جميع ما أوردناه على حجّة الماديّين وارد على هذه الحجّة المختلَقة من غير فرق، ونزيدها أنّها مخدوشة:

أوّلاً : بأنّ عدم وفاء الأُصول العلميّة المكتَشَفة إلى اليوم ببيان حقيقة الروح والحياة، لا ينتج عدم وفائها أبداً، ولا عدم انتهاء هذه الخواص إلى العلل المادّيّة في نفس الأمر على جهلٍ منّا، فهل هذا إلاّ مغالطة وُضع فيها العلم بالعدم مكان عدم العلم ؟!

وثانياً : بأنّ استناد بعض حوادث العالم - وهي الحوادث المادّيّة - إلى المادّة وبعضها الآخر - وهي الحوادث الحيويّة - إلى أمر وراء المادّة - وهو الصانع - قول بأصلين في الإيجاد، ولا يرتضيه المادّي ولا الإلهي، وجميع أدلّة التوحيد تُبطله.

وهنا إشكالات أُخر أوردوها على تجرّد النفس، مذكورة في الكتب الفلسفيّة والكلاميّة، غير أنّ جميعها ناشئة عن عدم التأمّل والإمعان فيما مرّ من البرهان، وعدم التثبّت في تعقّل الغرض منه ؛ ولذلك أضربنا عن إيرادها، والكلام

٤٧

عليها، فمَن أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى مظانّها، والله الهادي(١) انتهى كلامه.

وأمّا الكلام في الجهة الثانية - وهي دلالة القرآن والسنّة على أنّ للإنسان روحاً ونفساً غير البدن، فنقتصر فيه على نقل جملةٍ من الآيات الكريمة:

١ -( وَ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ‌ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‌ ) (آل عمران ١٦٩ - ١٧١ ).

٢ -( وَ لاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَ لٰکِنْ لاَ تَشْعُرُونَ‌ ) ( البقرة ١٥٤ ).

٣ - (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غُدُوّاً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة أدْخِلُوا آل فروعون أشدّ العذاب ) ( المؤمن ٤٥ - ٤٦ ).

واعلم أنّ هذه الآيات الثلاث تدلّ على أمرين:

أوّلهما : الحياة البرزخيّة للشهداء وأئمّة الكفر فقط دون غيرهما، أي لا يُستفاد منها عموم الحياة البرزخيّة للجميع، والاستدلال عليه بآيات أُخر لا يخلو عن منع وإشكال.

ثانيهما : أنّ للإنسان شيئاً آخر وراء البدن لا يموت بموت البدن وفنائه، وهو المستحقّ للثواب والعذاب، وهو الذي يُسمّى بالروح والنفس.

٤ -( فَلَوْ لاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‌ ) ( الواقعة ٨٣ ).

___________________

(١) ص ٣٦٤ إلى ٣٧٠ ج١ تفسير الميزان.

٤٨

٥ -( کَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي ) ( القيامة ٢٦ ).

٦ -( إِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ کَافِرُونَ‌ * قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ‌ ) ( السجدة ١٠ ).

أقول : ملك الموت لا يتوفّى الجسم الذي يُدفن في الأرض ويضلّ فيها، بل يتوفّى النفس.

٧ -( وَ لَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلاَئِکَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَکُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ.. ) ( الأنعام ٩٣ ).

٨ -( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِکُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذٰلِکَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَکَّرُونَ‌ ) ( الزمر ٤٢)(١) .

___________________

(١) وقد يُقال أنّ قوله تعالى( هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاکُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُکُمْ فِيهِ ) ( الأنعام ٦٠ )، يدلّ على موت الإنسان في المنام، والحال أنّه حيّ نائم.

وقد يُجاب عنه بأنّ الموت والنوم يشتركان في انقطاع تصرّف النفس في البدن، كما أنّ البعث بمعنى الإيقاظ بعد النوم يشارك البعث بمعنى الإحياء بعد الموت في عود النفس إلى تصرّفها في البدن بعد الانقطاع، فلأجله عُدت الإنامة توفياً، وإن شئت فقل إنّ التوفّي على قسمين: توفّي مؤقّت وهو الإنامة، وتوفّي يستمر وهو الإماتة كما يُستفاد من قوله تعالى:

( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِکُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى... ) ( الزمر آية ٤٢).

ويقول بعض الأطبّاء: إنّ حياة النوم ليست بها حسّ ولا وعي ولا حركة.

ويجب أن نعرف أنّ للنوم درجات، والدرجات السطحيّة منه يخالطها بعض اليقظة، وبعض الحسّ والحركة من تقليب وخلافه.

وأمّا الدرجات العميقة فلا، ونفس الشيء يحدث في التخدير وفقد الوعي المؤقّت، وفقد الوعي الدائم كتلف قشرة المخّ الكامل ( ص ٣٤٤ الحياة الإنسانيّة ).

أقول : وبعد فقد بقى الفرق العلمي بين الموت والنوم، وأخواته المشار إليها، وكذا الجنون وبيانه على عهدة العلوم.

وسيأتي في الفصل الثاني من المسألة التاسعة

=

٤٩

( البحث الرابع ) : النفس والروح مفهومان لحقيقةٍ واحدةٍ، فهما موجود واحد قطعاً، ومهما قيل في الفرق بينهما فهو بلحاظ الاعتبارات والمراتب لا غير، فإنّ كلّ إنسان يُدرك من ضميره أنّه واحد لا اثنان !

وتخيّل التعدّد من أوهام العوام، ومَن بحكمهم من مدّعي العلم المبتلين بالجهل المركّب.

ويناسب هنا أنْ نرجع إلى الكتاب والسنّة ؛ لنرى رأيهما في حقّهما وما يتعلّق بهما من خصوصياتهما.

أمّا الروح فقد استُعملت في القرآن في معانٍ مختلفةٍ غير ما به حياة الإنسان وشخصيّته، بل ليس فيه أنّ آدمعليه‌السلام أعطاه الله روحاً، وإنّما فيه أنّه تعالى نفخ في آدم من روحه ( الحجر ٢٩ - ص٧٢ ) كما ورد ( مثله ) في حقّ عيسىعليه‌السلام ، فلعلّ المراد من النفخ هو الإحياء فقط لا أنّ آدم وعيسى صاحبا روح(١) .

وأمّا قوله تعالى:( ويسئلونك عن الرُّوح قُلِ الرُّوح من أمر ربّي ) فالمراد بها مجهول، ويُحتمل أنّها الروح الأمين، أو روح القُدُس(٢) ، أو أُريد به ما أُريد بقوله تعالى:( تَنَزَّلُ الْمَلاَئِکَةُ وَ الرُّوحُ ) ، وبقوله:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلاَئِکَةُ صَفّاً ) ، أو روح الإنسان. لكن في الأحاديث أنّه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل...(٣) .

وأمّا قوله تعالى:( أُولٰئِکَ کَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ( المجادلة ٢٢ ) فهي الروح المؤيّدة للمؤمنين - رزقنا الله بفضله -

___________________

=

عشرة حول النسيج الشبكي ما ينفع للمقام، وكذا في الفصل الرابع في جواب الإشكال السابع.

(١) نعم الأحاديث تدلّ على أن للإنسان روحاً كما تأتي.

(٢) بناءً على أنّه غير الروح الأعلين أي جبرئيل وفيه بحث.

(٣) لاحظ ج١٨ وغيره من بحار الأنوار.

٥٠

وليست بروح تنشأ منها الحياة الإنسانية، كما لا يخفى.

وأما النفس والأنفس فقد وردت في القرآن كثيراً، وإليك بعض ما يتعلّق بها:

١ - النفس هي المسؤولة عن أعمال الإنسان كقوله تعالى:( ثُمَّ تُوَفَّى کُلُّ نَفْسٍ مَا کَسَبَتْ ) ( البقرة ٢٨١ )، وقوله:

( وَ وُفِّيَتْ کُلُّ نَفْسٍ مَا کَسَبَتْ وَ هُمْ لاَ يُظْلَمُونَ‌ ) (١) .

والآيات الدالّة عليه كثيرة(٢) .

٢ - أنّها تذوق الموت وإليها أُسند القتل، كقوله تعالى:( کُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) ( آل عمران ١٨٠ )، ( الأنبياء ٢٥ )، ( العنكبوت ٥٧ ).

٣ - أنّها تُلْهَم فجورها وتقواها.

٤ - أنّها المكلّفة:( لاَ يُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) ( البقرة ٢٨٦ )، ولاحظ سورة الأنعام ١٥٢، والأعراف ٤٢، والمؤمنون ٦٢، والطلاق ٧.

٥ - أنّها أمّارة بالسوء، وأنّها لوّامة، ومطمئنة وترجع إلى ربّها راضيةً مرضيّة.

٦ - أنّها متنعّمة في الجنّة، ( الزخرف ٧١ - فُصّلت ٣١ )(٣) .

وأمّا الأحاديث المعتَبَرة الواردة في المقام فقد استوفيناها في موسوعتنا الحديثيّة( معجم الأحاديث المعتبرة ) وذكرنا بعضها في سائر كتبنا ( گوناگون ج١ - عقايد براى همه وغيرها )، وإليك جملة منها:

١ - صحيح أبي ولاّد المروي في الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر

___________________

(١) آل عمران أية ٢٥.

(٢) البقرة ٤٨، ١٢٣، ٢٨١، آل عمران ٢٥..

(٣) ونسب إلى النفس - أيضاً - زائداً على ما في المتن: الإيمان والتفريط في جنب الله، والوسوسة، والتسويل، والشّحّ، والاشتهاء، والهوى، والأكنان، والحرج، والإخفاء، والاستيقان في آيات أُخر.

٥١

حول العرش، فقال: ( لا، المؤمن أكرم على الله مِن أن يجعل روحه في حوصلة طير ( و ) لكن في أبدان كأبدانهم )(١) .

٢ - صحيح محمّد بن قيس المروي في الخصال عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: سأل الشامي... عن العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ؟ فقال: ( هي عينٌ يُقال لها سلمى )(٢) .

٣ - صحيح الكناسي المروي في الكافي، عن الباقرعليه‌السلام ...: ( إنّ لله جنّة خلقها الله في المغرب... وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كلّ مساء... وإنّ لله ناراً في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار... )(٣) .

٤ - صحيح الأحول المروي فيه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الروح التي في آدم قوله:( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (٤) ، قال: ( هذه روح مخلوقة، والروح في عيسى مخلوقة)(٥) .

٥ - حسنة حمران، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:( وَرُوحٌ مِنْهُ ) (٦) قال: ( هي روح الله مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى )(٧) .

٦ - صحيح أبي بصير المروي في الكافي، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:( وَ يَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (٨) ،

___________________

(١) ص ٢٦٨ ج٦ بحار الأنوار.

(٢) ص ٢٧٤ نفس المصدر.

(٣) ص ٢٩٠ المصدر.

(٤) الحجر آية ٢٩.

(٥) ص ١٣٣ ج١ الكافي.

(٦) النساء آية ١٧١.

(٧) الكافي ١: ١٣٣.

(٨) الإسراء آية ٨٥.

٥٢

قال: ( خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل(١) ... )

٧ - معتبرة ابن أبي يعفور المرويّة في العلل عن الصادقعليه‌السلام :

( إنّ الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف ههنا، وما تناكر منها في الميثاق اختلف ههنا )(٢) .

أقول : هذا المضمون وارد في عدّة من الأحاديث، لكنّ أكثرها ضعيفة سنداً فتكون مؤيّدة لها.

٨ - موثّقة ابن بكير، عن الباقرعليه‌السلام : (... وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفَي عام)(٣) .

أقول : خلقة الأرواح قبل الأبدان بألفي عام وردت في جملة من الأحاديث(٤) ، ولا يبعد حصول الاطمئنان بصدور بعضها عن الأئمّةعليهم‌السلام ، والظاهر أنّها تنافي قول بعض الفلاسفة: إنّ الروح جسمانيّة الحدوث روحانيّة البقاء، ولذا أوّله في الأسفار تأويلاً باطلاً.

واعلم أنّ الروح لا تُطلق على الإنسان المركّب منها ومن البدن، بل يطلق على نفسها فقط، بخلاف النفس، فإنّها تطلق على خصوص معناها، كما تُطلق على معنىً يُعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة ( خود، خودتان، خودما )، أي: على مجموع الإنسان، كقوله تعالى:( فسلِّموا على أنفُسِكُم ) (٥) ، بل ربّما على ما استحال البدن والنفس فيه ؛ كما في حقّه تعالى:( وَ يُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) (٦) .

___________________

(١) الكافي ١: ٢٧٣، نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص ١٣٩ ص ٥٨ البحار.

(٣) ص ١٣٨ ج ١ الكافي.

(٤) النور آية ٦١.

(٥) لاحظ ج٥٨ وغيره من بحار الأنوار.

(٦) آل عمران آية ٢٨ و ٣٠.

٥٣

بقي شيء وهو: أنّ عوام المسلمين يزعمون أنّ الروح لا تأمر بالشرّ بل تأمر بالخير دائماً، وأمّا النفس، فهي تأمر بالخير والشرّ، ولعلّ وجه هذا الزعم أنّ القرآن أسند الشرّ إلى النفس ولم يسنده إلى الروح، لكنّ القرآن لم يفصّل القول في الروح الإنسانيّة، كما عرفت، وما تقدّم من الأحاديث المعتبرة يكفي في ضعف الزعم المذكور.

وبالجملة : هما مفهومان لمصداقٍ واحدٍ كما عرفت.

وأمّا الكلام في الجهة الثالثة - وهي دلالة العلم على وجود الروح - فهو طويل نقتصر فيه هنا على كلام بعض الفضلاء فقط ؛ حتى لا يطول بنا المقام:

والمادّة التي يتكوّن منها الدماغ، هي عين المادّة التي تنشأ منها بقيّة أعضاء الجسد، ونوع الحياة الذي يتسبّب في نشوء الجميع واحد. فإنّ أصل الجنين خليّة واحدة ثمّ تتكثّر، وعليه، يلزم أن تكون الوظائف التي تقوم بها مختلف أعضاء الجسم من جنسٍ واحدٍ دون اختلاف تخصّصاتها، وهي وظائف غير إراديّة ولا فكريّة، لأنّها اللاّرادة، ويستحيل بحسب سنن الكون وموجوداته أن يتولّد - بصورة آليّة - المريد من غير المريد والمفكِّر من غير المفكِّر.

وماقيل من أنّ: الإرادة، والفكر، والشعور، وغيرها من الأنشطة الإنسانيّة الاختياريّة، إنّما تنشأ من الدماغ نتيجة تفاعلات كيميائية وفيزيائية، غير صحيح ؛ فإنّ كلّ تفاعلٍ لابُدّ له من عامل، فهو إن كان خارجيّاً يلزم استناد إرادته وأفكاره ومشاعره المختلفة غير اختياريّة له، مع أن المادّيّين لم يستطيعوا - ولن يستطيعوا - ولا مرّة واحدة أن يضعوا العناصر والمركّبات في أنابيب الاختبار، ثمّ يدفعونها بالتأشيرات المعنويّة بدلاً من العوامل المادّيّة المعهودة.

٥٤

وإن كان داخليّاً فما هو ؟

هل هو مجرد احتكاك الخلايا والأعصاب، أم هو مجرد وصول الدماء إلى عروق الدماغ، أم هو شيءٌ آخر ؟

فليكن أيّ شيء فلماذا تتحدّد وتختلف نتائج ذلك التفاعل الكيميائي المزعوم، باختلاف الأشخاص من جهة، وباختلاف الأزمان والساعات والأحوال في الشخص الواحد من جهةٍ أُخرى ؟

إنّ محتويات الأدمغة واحدة في الأشخاص والأزمان، وأنشطتهما المادّيّة واحدة، فلماذا تتعدّد إذن نتائج التفاعلات التي تحدث فيها ؟

فتتعدّد الأفكار، وتتعدّد المشاعر والأحاسيس، وتعدّد الاكتشافات، وتتعدّد المواهب عند الأشخاص، بل وتعدّد عند الشخص الواحد في ساعتين...، أقول : ولا تفسير له سوى الإقرار بوجود الروح...(١) . انتهى ما أردنا نقله.

واعلم أنّ الاعتقاد بوجود الروح، لا ينقص من أهميّة المخّ وعظم عمله، فلا تغفل، ويقول طبيب مسلم: إنّ كثيراً من العلماء، ذكروا أنّ المظاهر النفسيّة: كالوعي، والإدراك، والانفعال، والذاكرة، والقدرة على التعلّم، والإحساس النهائي للّذّة والألم، وكلّ هذه المظاهر النفسيّة لم يثبت علميّاً - إلى الآن - أنّ مراكزها النهائيّة موجودة في خلايا المخّ.

والحقيقة أنّنا نتعلّم الطبّ حسب المدرسة الغربيّة، التي ينفصل عندها العلم عن الدين، فهي ترى: أنّ المظاهر النفسيّة عبارة عن تفاعلات كيمياوية معقّدة تحدث داخل خلايا المخّ، وهذا أمر لم يثبت علميّاً للآن(٢) .

أقول : ولتأثير الروح والمخّ وأهمّيّة كلتيهما لنضرب مثلاً، ونشبّه

___________________

(١) ص ١٢٧ إلى ص١٣١ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة، نقلنا عنها بعض القليل مع الاختصار.

(٢) ص٨٦ نفس المصدر.

٥٥

الروح بالمصوِّر، وخلايا المخّ بجهاز التصوير، والصورة كما تحتاج إلى المصوِّر تحتاج إلى آلة التصوير ولا يغني أحدهما عن الآخر في إنتاج الصورة.

( البحث الخامس ) في بدء حياة الإنسان.

المتدبّر في البحثين الأخيرين، يقتنع بسهولة أنّ الحياة الإنسانيّة إنّما هي بتعلّق الروح بالبدن، كما أنّ موت الإنسان بانقطاع هذا التعلّق نهائياً، ولا ربط لحياة الخلايا بحياة الإنسان، ولا موته بموتها، وهذا الذي اعتقده علماء الإسلام، هو الصحيح المطابق للبراهين العقليّة أيضاً.

وإنْ شئت فقل: إنّ قوام إنسانيّة الإنسان بروحه لا ببدنه، وإنّ فُرض موجوداً تامّاً في الخارج وكان جميع خلاياه حيّة، فالجنين مهما تكامل وتنامى فهو - قبل تعلّق الروح - جنين الإنسان، وما يؤل إلى الإنسان وليس بإنسان نفسه.

متى تتعلّق الروح بالبدن ؟

هذا هو السؤال المهمّ في المقام، ولا يصلح علم الطب وعلم الأجنّة، وسائر العلوم للإجابة عليه، لحدّ الآن، ولا أظنّ اهتداء العقل إليه أيضاً، فلا بُدّ من الرجوع إلى الدين فيه، لكنّ القرآن الكريم - وحسب فهمي - ليس فيه ما يدلّ على توقيت تعلّق الروح بالبدن، سوى قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‌ ) (١) ، ولا بُعد في إرادة تعلّق الروح بالجنين من هذه الآية، إذ إنشاء الجنين مخلوقاً آخر لا يناسب إلاّ صيرورته ذات روح، ويؤكِّده قوله:( فَتَبَارَکَ اللَّهُ... ) ، بل يدلّ على إرادة التعلّق المذكور بعض الروايات المعتبرة الآتية، لكن لا يُستفاد أنّ تعلق الروح

___________________

(١) المؤمنون آية ١٤.

٥٦

بالجنين في أيّ شهرٍ من شهور الحمل، وإنّما يُستفاد من الآية المذكورة أنّه بعد كسوة العظام لحماً. وإن قدّر الطب بشكلٍ دقيقٍ محسوسٍ على تعيين زمن كسوتها لحماً لم يقدر على زمان تعلّق الروح بالجنين، إذ لا دليل على أنّه بعدها بلا فصل، بل ظاهر قوله:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ ) ، الفصل بينهما، فلا يبقى أمامنا للحصول على جواب السؤال المذكور سوى الأحاديث، فنقول:

١ - الصحيح المرويّ في التهذيب عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(... فإذا أُنشئ فيه خلقٌ آخر، وهو الروح، فهو حينئذٍ نفس، ألف دينار كاملة إن كان ذكراً، وإن كان أُنثى فخمسمئة دينار )(١) .

٢ - صحيح محمّد بن مسلم المرويّ في الكافي، قال:

سألت أبا جعفرعليه‌السلام ... قلت: فما صفة النطفة التي تُعرف بها ؟

فقال: ( النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة، فتمكث في الرحم إذا صارت أربعين يوماً، ثمّ تصير إلى علقة.

قلت: فما صفة خلقة العلقة التي تُعرف بها ؟

فقال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغة.

قلت: فما صفة المضغة وخلقتها التي تُعرف بها ؟

قال: هي مضغة لحمٍ حمراءَ فيها عروقٌ خضرٌ مشتبكة، ثمّ تصير إلى عظم.

قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظماً ؟

فقال: إذا كان عظماً شقّ له السمع والبصر، ورُتّبت جوارحه، فإذا كان كذلك فإنّ فيه الديّة كاملة )(٢) ، ورواه الشيخ في تهذيبه بتفاوت(٣) .

أقول : لم يذكر في هذا الصحيح توقيت المضغة بأربعين يوماً، ولا

___________________

(١) ص ٢٨٥ ج ١٠ نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص ٣٤٥ ج ٧ الكافي.

(٣) ص ٤٧٥ ج ٢٦ جامع الأحاديث.

٥٧

يضر، فإنّه مذكور في صحيح زرارة وغيره، الآتية في مسألة الإجهاض(١) . ولم يذكر تعلّق الروح بالجنين أيضاً.

أقول : لا يُفهم من هذه الأحاديث مع الآية أنّ بدء الحياة الإنسانيّة، في أوّل الشهر الخامس من الحمل، أي في اليوم ١٢١ من الحمل، بل يُحتمل نفخ الروح بأطول من ذلك، كما لا يخفى، بل في رواية أبي شبل:

( هيهاتَ يا أبا شبل، إذا مضت الخمسة الأشهر فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الديّة)(٢) ، ولعلّه اشتباه ومحرّف الأربعة الأشهر، لكنّه محتمل، إذ لا يخالفه نصٌّ معتبر، سوى معتبرة ابن الجهم الآتية(٣) ، ولا بُدّ لك أن تُلاحظ ما يأتي من الآية والأحاديث في المسألة الآتية، مع هذه الأحاديث جمعاً.

ومقتضى النظر الدقيق، أنّ جميع الأحاديث لا تدلّ على أنّ نفخ الروح يكون في أوّل الشهر الخامس من الحمل، حتّى معتبرة ابن الجهم في المطلب الأوّل من المسألة الآتية، وإنْ كانت مشعرة بها، نعم مدلولها نفخ الروح في الجنين بعد أربعة أشهر، فلاحظ وتأمّل جيّداً، والله العالم.

ولعلّه لأجل ما ذكرنا ؛ قال صاحب الجواهرقدس‌سره في باب الدية ( ص٣٦٥ ج٤٣ ): بل عن ظاهر الأصحاب عدم اعتبار مضيّ الأربعة أشهر في الحكم بحياته على وجه يترتّب عليه الديّة، وإن قال الصادقعليه‌السلام في خبر زرارة:

( السّقط إذا تمّ له أربعة أشهر غُسِّل )(٤) .

وأفتى الأصحاب بمضمونه، إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي تحقّق العنوان في المقام.

أقول : أي حياة الجنين لوجوب الدية الكاملة.

___________________

(١) لاحظ ص ٦٤ هذا الكتاب.

(٢) جامع الأحاديث ٢٦ / ٤٨١.

(٣) الكافي ٧: ٣٤٦، نسخة الكومبيوتر.

(٤) الكافي ٣: ٢٠٦.

٥٨

المسألة السادسة

حول إجهاض الجنين(١)

الإجهاض: إلقاء حَمْلٍ ناقص الخَلْق بغير تمام، سواء من المرأة أو من غيرها، وكثيراً ما يُعبّر عن الإجهاض بالإسقاط، أو الطرح أو الإلقاء، وفي المقام مطالب ننقلها عن الأطبّاء:

١ - الثابت في علم الأجنّة أنّ الحياة موجودة في الحيوان المنوي قبل التلقيح، وموجودة في البويضة قبل الالتقاء، وقد يلتقي الحيوان المنوي والبويضة ويُسفر عن ذلك حمل عنقود وليس إنساناً، والحمل العنقودي ليس جنيناً، وإنّما مجرد خلايا لا تكون في مجموعها أي شكل من الأشكال، وإنّما شكلها شكل عنقود العنب، وبعد فترةٍ من الزمن يتقلّص الرحم ويطرد هذا المحتوى، ولكن ليس فيه ما يدلّ على الإنسان، أو على صورة الإنسان، أو على الحياة، وهو - أيضاً - نتيجة التقاء الحيوان المنوي بالبويضة(٢) .

٢ - فترة الإنشاء - يعني به قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) (٣) -

___________________

(١) الإجهاض - كما في معاجم اللُّغة واستعمال الفقهاء - هو إلقاء الحمْل ناقص الخَلْق، أو ناقص المدّة.

وقد أطلق مجمع اللُّغة العربية كلمة الإجهاض: على خروج الجنين قبل الشهر الرابع، وكلمة الإسقاط على إلقائه ما بين الشهر الرابع والسابع. هكذا قيل.

(٢) قال بعض الأطباء: إنّ البويضة المخصبة من ناحية خلويّة بالتأكيد هي ليست الجنين، إنّ جزءً يسيراً منها يتكوّن منه الجنين، وهذا يحدث في اليوم العاشر بعد العلوق، وقد لا يحدث فتكون بويضةً فاسدةً لا ينتج عنها جنين، وقد يحدث منها حمل عنقودي، وقد يحدث توأم... ص٦٧٧، الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبّيّة.

(٣) المؤمنون آية ١٤.

٥٩

حسبما رأيناه في الفيلم: أنّه في الأُسبوع السادس أو السابع بعد الفترة من الأُسبوع الأوّل إلى الأُسبوع السادس كانت مجموعة من الأنسجة لم تظهر بالفيلم، وإنّما ظهر لنا من بعد الأُسبوع السادس، وبعد الأربعين يوماً بدأ يتخلّق، بدأ يظهر الرأس وتظهر الأطراف، بدء خَلْقٍ آخر... ( و) من بعد الأُسبوع السادس ما هو إلاّ نموٌّ وليس تكويناً جديداً(١) .

٣ - إنّ الجنين يتحرّك ويتحرّك من قبل نهاية الشهر الرابع بزمن ٍطويل، ولكنّ السيّدة لا تحس به ؛ لأنّ الكيس المائي الذي يسبح فيه يكون في البداية كبيراً فسيحاً بالنسبة لجسمه الصغير، ويمرّ زمن حتّى يكبر الجنين، فتستطيع لكماته وركلاته أنْ تطال جدار الرحم ؛ فتشعر بها السيّدة بعد أربعة أشهر من الحمل، بل إنّ لدينا الآن من الأجهزة ما نسمع به دقّات قلب الجنين وهو في الأُسبوع الخامس، ولدينا من الأجهزة ما نرصد به حركة الجنين حتّى مِن قبل ذلك...(٢) .

وقيل: إنّ الحركة متّصلة قبل ذلك ؛ لأنّ الخلايا منذ المراحل الأُولى في حركة، حتّى إنْ لم ترها الأجهزة ؛ لأنّ الخلايا تتحرّك، وترتّب نفسها إلى آخره(٣) .

٤ - مبرِّرات الإجهاض في الغرب قد اتّسعت حتّى بلغت خاتمة المطاف بالإجهاض حسب الطلب !!!

ومن المبرِّرات: الدواعي الطبّيّة، لكن وسع في بعض البلاد مدلولها فبدأت بالخطر على حياة الأُمّ إن استمرّ الحمل، ثمّ الخطر على صحّتها، ثمّ على صحّتها الجسميّة، أو النفسيّة، ثمّ عليها في الحاضر وفي المستقبل المنظور، ثمّ على الصحّة الجسميّة أو

___________________

(١) ص٢٣٤ وص٢٣٥، الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ص٢٥٤ وص٢٥٥، نفس المصدر.

(٣) ص٢٨٢، نفس المصدر.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698