في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة8%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66184 / تحميل: 4618
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثالثها: الخضوع للمخلوق والتذلل له بأمر من اللّه و إرشاده، كما في الخضوع للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لاَوصيائه الطاهرين عليهم السَّلام بل الخضوع لكلّموَمن ، أو كلّما له إضافة إلى اللّه توجب له المنزلة و الحرمة، كالمسجد الحرام، و القرآن والحجر الاَسود وما سواها من الشعائر الاِلهية. و هذا القسم من الخضوع محبوب للّه فقد قال تعالى:( فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُوَْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ ) (المائدة|٥٤).

بل هو لدى الحقيقة خضوع للّه، و إظهار للعبودية له فمن اعتقد بالوحدانية الخالصة للّه، و اعتقد أنّ الاِحياء والاِماتة والخلق والرزق والقبض والبسط والمغفرة و العقوبة كلّها بيده، ثمّاعتقد بأنّالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أوصياءه الكرام عليهم السَّلام( عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَولِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (الاَنبياء|٢٦ـ٢٧) فعظّمهم و خضع لهم ، تجليلاً لشأنهم و تعظيماً لمقامهم، لم يخرج بذلك عن حدّالاِيمان، ولم يعبد غير اللّه.

ولقد علم كلّمسلم أنّرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقبّل الحجر الاَسود، و يستلمه بيده إجلالاً لشأنه و تعظيماًلاَمره.(١)

السوَال الرابع : دواعي العبادة للّه سبحانه

العبادة فعل اختياري للاِنسان لابدّ لصدوره من الاِنسان من داعٍ وباعثٍ فما هو الداعي الصحيح لها؟

الجواب: العبادة فعل اختياري للاِنسان لابدّ من وجود داع إليه و يمكن أن يكون الباعث أحد الاَُمور الثلاثة التالية:

١و٢ـ الطمع في إنعامه و الخوف من عقابه

وهذا هو الداعي العام في غالب الناس وقد أُشير إليهما في مجموعة منالآيات:

قال سبحانه:( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبُّهُمْ خَوفاً وَطَمعاً ) (السجدة|١٦) وقال عزّمن قائل:( وَادْعُوهُ خَوفاً وَطَمعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ ) (الاَعراف|٥٦).

____________

(١) السيد الخوئي: البيان: ٤٦٨ـ ٤٦٩.

٦١

وقال عزّ من قائل:( أُولئِك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً ) (الاِسراء|٥٧).

ومع هذه النصوص الرائعة الصريحة في تجويز عبادة اللّه بهذين الداعيين، نرى أنّ بعض المتكلّمين يرفضون هذا النوع من الداعي، و يُصرّون على لزوم خلوص العبادة من أيّ داع نفساني من غير فرق بين الطمع في رحمته، أو الخوف من ناره و يبطلون العبادة إذا كانت ناشئة عن هذين المبدئين.

لا شكّ أنّ العبادة لاَجل كمال المعبود وجماله من أفضل العبادات، و لكنّها غاية لا يصل إليها إلاّ من ارتاض في ميدان العبادة حتى ينسى نفسه ولا يرى إلاّمعبوده، و أين تلك الاَُمنية من متناول أغلبية الناس الذين تهمهم أنفسهم لاغير، و إن أطاعوه فلاَجل الخوف.

وإليك حديثين رائعين عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام :

قال أمير الموَمنينعليه‌السلام : إنّقوماً عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و إنّ قوماً عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إنّ قوماً عبدوا اللّه شكراً فتلك عبادة الاَحرار.(١)

وقال الاِمام الصادقعليه‌السلام : العبادة ثلاثة، قوم عبدوا اللّه عزّو جلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاَُجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ حبّاً له فتلك عبادة الاَحرار، وهي أفضل العبادة.(٢)

٣ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة

أن يعبد اللّه بما أنّه أهل لاَن يُعبد، لكونه جامعاً لصفات الكمال و الجمال، و هذا النوع من الداعي يختص بالمخلصين من عباده الّذين لا يرون لاَنفسهم إنّية، و لا لذواتهم أمام خالقهم شخصية، إندكت أنفسهم في ذات اللّه فلا ينظرون إلى شيء إلاّ و يرون اللّه قبله و معه و بعده، فهم المخلَصون الّذين لا يطمع الشيطان في إغوائهم قال سبحانه حاكياً عن إبليس:( وَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (الحجر|١٩ـ٤٠) قال سيد الموحدين عليعليه‌السلام :«ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك و لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتُك.(٣)

____________

(١) نهج البلاغة، قسم الحكم برقم ٢٣٧.

(٢) الحر العاملي: وسائل الشيعة ج١|٤٤، ب ٨ من أبواب المقدمة ، الحديث ٨.

(٣) المجلسي: مرآة العقول ، ج٨، ص٨٩: باب النيّة.

٦٢

خاتمة المطاف

الفوضى في التطبيق بين الاِمام و المأموم

لقد ترك الاِهمال في تفسير العبادة تفسيراً منطقياً، فوضى كبيرة في مقام التطبيق بين الاِمام و المأموم فنرى أنّإمام الحنابلة أحمد بن حنبل (١٦٤ـ ٢٤١هـ) صدر عن فطرة سليمة في تفسير العبادة ، وأفتى بجواز مسِّ منبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرّك به و بقبره و تقبيلهما عند ما سأله ولده عبد اللّه بن أحمد، و قال: سألته عن الرجل يمسُّ منبرَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يتبرّك بمسِّه، و يُقَبّله، ويفعل بالقبر مثل ذلك، يريد بذلك التقرّب إلى اللّه عزّ وجلّ؟ فقال: «لا بأس بذلك».(١)

هذه هي فتوى الاِمام ـ الذي يفتخر بمنهجه أحمد بن تيمية، وبعده محمّد بن عبد الوهاب ـ و لم ير بأساً بذلك، لما عرفت من أنّ العبادة ليست مجرّد الخضوع، فلا يكون مجرّد التوجّه إلى الاَجسام و الجمادات عبادة، بل هي عبارة عن الخضوع نحو الشيء، باعتبار أنّه إله أو ربّ، أو بيده مصير الخاضع في عاجله و آجله، وأمّا مسّ المنبر أو القبر و تقبيلهما لغاية التكريم و التعظيم لنبيّ التوحيد، فلايوصف بالعبادة و لايتجاوز التبرّك به في المقام عن تبرّك يعقوب بقميص ابنه يوسف، و لم يخطر بخلد أحد من المسلمين إلى اليوم الذي جاء فيه ابن تيمية بالبدع الجديدة، أنّها عبادة لصاحب القميص و المنبر و القبر أو لنفس تلك الاَشياء.

و لمّا كانت فتوى الاِمام ثقيلة على محقّق الكتاب، أو من علق عليه لاَنّها تتناقض مع ما عليه الوهابية و تبطل أحلام ابن تيمية، و من لفَّ لفَّه، حاول ذلك الكاتب أن يوفّق بين جواب الاِمام و ما عليه الوهابية في العصر الحاضر، فقال: «أمّا مسّمنبر النبيّ فقد أثبت الاِمام ابن تيمية في الجواب الباهر (ص ٤١) فعله عن ابن عمر دون غيره من الصحابة، روى أبوبكر بن أبي شيبة في المصنف (٤|١٢١) عن زيد بن الحباب قال: حدّثني أبو مودود قال: حدّثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال: رأيت نفراً من أصحاب النبيّإذا خلا لهم المسجد قاموا إلى زمانة المنبر القرعاء فمسحوها، ودعوا قال: و رأيت يزيد يفعل ذلك.

____________

(١) أحمد بن حنبل، العلل و معرفة الرجال ٢: ٤٩٢، برقم :٣٢٤٣، تحقيق الدكتور وصي اللّه عباس، ط بيروت ١٤٠٨.

٦٣

وهذا لما كان منبره الذي لامس جسمه الشريف، أمّا الآن بعد ما تغيّر لايقال بمشروعية مسحه تبركاً به».

ويلاحظ على هذا الكلام: بعد وجود التناقض بين ما نقل عن ابن تيمية من تخصيص المسّ بمنبر النبيّبابن عمر، و ما نقله عن المصنف لابن أبي شيبة من مسح نفر من أصحاب النبيّ زمانة المنبر:

أوّلاً: لو كان جواز المسّ مختصّاً بالمنبر الذي لامسه جسم النبي الشريف دون ما لم يلامسه كان على الاِمام المفتي أن يذكر القيدَ، ولا يُطلق كلامَه، حتى ولو افترضنا أنّالمنبر الموجود في المسجد النبوي في عصره كان نفسَ المنبر الذي لامسَه جسمُ النبيّ الاَكرم، و هذا لا يغيب عن ذهن المفتي، إذ لو كان تقبيل أحد المنبرين نفس التوحيد، و تقبيل المنبر الآخر عينَ الشرك، لما جاز للمفتي أن يُغفل التقسيم و التصنيف.

وثانياً: أنّ ما يفسده هذا التحليل أكثر ممّا يصلحه، وذلك لاَنّ معناه أنّلجسمه الشريف تأثيراً على المنبر و من تبرّك به، و هذا يناقض التوحيد الربوبي من أنّه لا موَثّر في الكون إلاّاللّه سبحانه، فكيف يعترف الوهابي بأنّ لجمسه الشريف في الجسم الجامد تأثيراً و أنّه يجوز للمسلمين أن يتبرّكوا به عبر القرون.

ثمّ إنّ المعلّق استثنى مسح قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرك به، ومنعهما و قال في وجهه:

«وأمّا جواز مسّ قبر النبيّ و التبرّك به فهذا القول غريب جدّاً لم أر أحداً نقله عن الاِمام، وقال ابن تيمية في الجواب الباهر لزوار المقابر (ص ٣١): اتّفق الاَئمّة على أنّه لا يمسّ قبر النبيّ و لا يقبله، وهذا كلّه محافظة على التوحيد، فإنّ من أُصول الشرك باللّه اتّخاذ القبور مساجد».(١)

لكن يلاحظ عليه: كيف يقول: لم أجد أحداً نقله عن الاِمام، أو ليس ولده أبو عبد اللّه راويةَ أبيه و وعاء علمه و هو يروي هذه الفتوى و ثقة عند الحنابلة.

____________

(١) تعليقة المحقّق، نفس الصفحة.

٦٤

وأمّا التفريق بين مسّ المنبر والقبر بجعل الاَوّل نفس التوحيد، و الثاني أساس الشرك، فمن غرائب الاَُمور، لاَنّ الاَمرين يشتركان في التوجّه إلى غير اللّه سبحانه، فلو كان هذا محور الشرك، فالموضوعان سيّان، و إن فرّق بينهما بأنّ الماسّ، ينتفع بالاَوّل دون الثاني لعدم مسّ جسده بالثاني فلازمه كون الاَوّل نافعاً والثاني أمراً باطلاً دون أن يكون شركاً على أنّ تجويز الاَوّل يرجع إلى القول بأنّ لبدنه تأثيراً فيما يقصد لاَجله التبرّك و هو عين الشرك عند القوم فما هذا التناقض في المنهج يا ترى. و لو رجع المحقّق إلى الصحاح و المسانيد وكتب السيرة والتاريخ، لوقف على أنّ التبرّك بالقبر و مسّه، كان أمراً رائجاً بين المسلمين في عصر الصحابة و التابعين، و لاَجل إيقاف القارىَ على صحّة ما نقول نذكر نموذجين من ذلك:

١ـ إنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام سيدة نساء العالمين بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضرت عند قبر أبيها و أخذت قبضة من تراب القبر تشمّه و تبكي و تقول:

ما ذا على من شـمّتربة أحمد

ألاّيشـمّ مدى الزمان غوالـياً

صُبَّتْ عليَّ مصـائب لو أنّها

صُبَّتْ على الاَيّام صِرنَ ليالياً (١)

إنّ هذا التصرّف من السيدة الزهراء المعصومةعليها‌السلام يدل على جواز التبرّك بقبر رسول اللّه و تربته الطاهرة.

٢ـ إنّ بلالاً ـ موَّذّن رسول اللّه ـ أقام في الشام في عهد عمر بن الخطاب فرأى في منامه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يقول: «ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آنَ لك أن تزورني يا بلال؟».

فانتبه حزيناً وَجِلاً خائفاً، فركب راحلته و قصد المدينة فأتى قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل يبكي عنده و يمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن و الحسينعليهما‌السلام فجعل يضمّهما و يقبّلهما... إلى آخر الخبر.(٢)

____________

(١) لقد ذكر هذه القضية جمع كثير من الموَرخين، منهم السمهودي في وفاء الوفا ٢:٤٤٤ ـ و الخالدي في صلح الاخوان: ٥٧، و غيرهما.

(٢) ابن ا لاَثير : أُسد الغابة١: ٢٨، و غيره من المصادر.

٦٥

والحقّ انّ الاِختلاف بين السلف الصالح، و الخلف!! غير مختص بهذا المورد بل هناك موارد كان السلف يراها نفس التوحيد، و يراها الوهابيون عين الشرك و إن كنت في شكّ فلاحظ ما يلي:

١ـ قال ابن حبّان : «في شأن الاِمام عليّ بن موسى الرضا عليمها السَّلام : «قد زرته مراراً ، و ماحلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات اللّه على جدّه و عليه، و دعوت اللّه ازالتها عني إلاّ استجيب و زالت عني تلك الشدة، و هذا شيء جرّبته مراراً فوجدته كذلك.(١)

٢ـ نقل ابن حجر العسقلاني عن الحاكم النيسابوري أنّه قال: «سمعت أبا بكر محمد بن الموَمل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة، وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاكمتوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام بطوس قال: فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة تواضعه لها و تضرعه عندها ما تحيرنا». (٢)

٣ـ وقال أحمد بن يحيى ألونشريسى المتوفى بفاس عام٩١٤ في كتابه القيم: «المعيار المعرب» سئل سيدي قاسم العقباني عمّن جرت عادته بزيارة قبر الصالحين فيدعو هناك و يتوسل بالنبيّعليه‌السلام وبغيره من الاَنبياء صلوات اللّه على جميعهم، و يتوسل بالاَولياء والصالحين و يتوسل بفضل ذلك الولي الّذي يكون عند قبره على التعيين، فهل يسوغ له هذا و يتوسل إلى اللّه في حوائجه بالولي على التعيين؟ وهل يجوز التوسل بعمّ نبيّنا أم لا؟

____________

(١) ابن حبان: كتاب الثقات، ج٨، ص ٤٥٧.

(٢) ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج٧| ٣٨٨.

٦٦

فأجاب يجوز التوسل إلى مولانا العظيم الكريم بأحبائه من النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين. وقد توسل عمر بالعباس رضي اللّه عنهما، و كان ذلك بمشهد عظيم من الصحابة والتابعين، و قَبِلَ مولانا وسيلتهم و قضى حاجتهم و سقاهم. ومازال هذا يتكرر في الّذين يُقتدى بهم فلا ينكرونه، وما زالت تظهر العجائب في هذه التوسلات بهوَلاء السادات نفعنا اللّه بهم و أفاض علينا من بركاتهم. و ورد في بعض الاَخبار انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّم بعض الناس الدعاء فقال في أوّله قل: اللّهمّ انّي أُقسم عليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة. فقال الاِمام الاَوحد عزّ الدين بن عبد السّلام: هذا الخبر إن صحّ يحتمل أن يكون مقصوراً على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانّه سيّد ولد آدم، ولا يُقسم على اللّه تعالى بغيره من الاَنبياء والملائكة والاَولياء، لانّهم ليسوا في درجته ، وأن يكون هذا إنّما خصّ به نبيّنا على علوّ درجته و مرتبته انتهى.(١)

ترى انّ السلف الصالح يتلقى هذه الاَُمور، بفطرتهم السليمة أُموراً مشروعة، غيرمخالفة للتوحيد، بينما الوهابيين يدّعون انّهذه الاَُمور، تنافي التوحيد و تقارن الشرك، من دون أن يقيموا دليلاً على مخالفتها للتوحيد، إلاّ الاعتماد على أقوال ابن تيمية و آرائه مكان الاعتماد على الكتاب والسنّة و سيرة السلف الصالح، فهم مقلده أقوال الرجال، و قدسيطرت على عقولهم، مكان استنطاق الذكر الحكيم والسنة النبوية.

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم

أنّ موقف الكاتب أبي الاَعلى المودودي من الوهابية موقف الدعم والتأييد و قد صب نزعاته في كتابه «المصطلحات الاَربعة» فقد ألف ذلك الكتاب لغاية دعم المبادىَ الوهابية تحت غطاء تفسير المصطلحات الاَربعة و مع ذلك كلّه فقد صدرت منه عن «لاوعى» كلمة حق لو كان سائراً على ضوئها لاصاب الحقيقة قال: «و صفوة القول أنّ التصور الذي لاَجله يدعو الاِنسان الاِله و يستغيثه و يتضرع إليه هو لا جرم تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعية و للقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة».

____________

(١) المعيار المعرب عن فتاوى علماء افريقية والاَندلس والمغرب، ج١|٣١٧ـ ٣٢٢.

٦٧

هذا كلامه و هو تعبير عن عقائد الوثنيين الذين لايصدرون في توسلاتهم و استغاثاتهم إلاّ عن هذا المبدء و أين ذلك من توسل المسلمين الذي يتوسلون بالنبي و آله ، لاَجل أنّهم عباد صالحون« لا يعصون اللّه في ما أمرهم و هم بأمره يعملون» فالحافز على التوسل والاستغاثة ليس إلاّذلك لا انّهم أصحاب السلطة على قوانين الطبيعة مع الاعتراف بانّهم عباد لا يملكون لاَنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

تصور خاطىَ:

انّ الكاتب مع أنّه نطق بالحقّ و الحقّ ينطق به المنصف والعنود، أراد اضفاء الشرك على التوسلات الدارجة بين المسلمين فذكر انّ السبب لها ليس إلاّاعتقاد المتوسل أنّللنبي مثلاً نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم.

وكذلك من يخاف أحداً يرى انّ سخطه يجرّ عليه الضرر و مرضاته تجلب له المنفعة فلا يكون مصدر اعتقاده ذلك و عمله إلاّما يكون في ذهنه من تصوّر أنّ له نوعاً من السلطة على هذا الكون فلا يبعثه عليه إلاّاعتقاده فيه انّ له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الاَُلوهية.(١)

أنّ ما ذكره من مبدأ التوسل و انّه الاعتقاد بأنّ للمتوسل به نوعاً من السلطة على هذا الكون، إنّما ينطبق على توسل المشركين بأصنامهم و أوثانهم فقد كانو معتقدين بمالكيتها لبعض الشوَون الاِلهية و لا أقلّسلطنتها على الغفران والشفاعة النافذة و أين ذلك من توسل المسلمين بأحباء اللّه بما انّهم عباده الصالحون لو دَعوا لاجيبوا بتفضل منه سبحانه لا الزاماً و ايجابا ـ والدليل على ذلك انّه سبحانه دعى في غير واحدة من الآيات إلى التوسل بالنّبي فقال سبحانه:( وَ لَو اَنّهم إذْ ظَلَموا أنفُسَهم جاوَُكَ فَاسْتغفَروا اللّهَ وَ اسْتَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُول لَوَجَدوا اللّهَ تَواباً رَحِيماً ) (النساء|٦٤) حتى انّه سبحانه ذمّ المنافقين لاَجل اعراضهم عن النبي و عدم طلبهم استغفاره قال سبحانه:( وإذا قِيل لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّه لَووا رُوَسهم وَ رأيتَهُمْ يَسُدّونَ و هُم مُسْتكبِرون ) (المنافقون|٥).

____________

(١) المودودي: المصطلحات الاَربعة|١٨ـ١٩.

٦٨

و من يتوسل من المسلمين بعد رحيل نبيهم الاَكرم فإنّما يتوسل بنفس ذلك الملاك الموجود في زمن حياته لا بملاك انّه مسيطر على العالم، و اختصاص الآية ـ على زعمهم ـ بحياة النبيّ لا يضر بالاستدلال، لانّالهدف هو انّالداعي للتوسل في كلتا الفترتين أمر و احد سواء اختصت الآية بفترة الحياة أم لا.

انّ الكاتب المودودي أخذ البرىء بجرم المعتدى فنسب عقيدة الوثنيّين إلى المسلمين و جعل الدعوتين من باب واحد و صادرتين من منشأ فارد و ليس هذا إلاّ قضاءً بالباطل و لا تزر وازرة وزر أُخرى.

الفصل الرابع : في حصر الاستعانة في اللّه

إنّ التوسل بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إن كان استعانة به لكنّه لاينافي حصر الاِستعانة باللّه تبارك وتعالى وذلك أنّ المسلمين في أقطار العالم يَحصرون الاستعانة في اللّه سبحانه و مع ذلك يستعينون بالاَسباب العادية، جرياً على القاعدة السائدة بين العقلاء، ولا يرونه مخالفاً للحصر، كما أنّ المتوسّلين بأرواح الاَنبياء يستعينون بهم في مشاهدهم و مزاراتهم ولايرونه معارضاً لحصر الاستعانة باللّه سبحانه، و ذلك لاَنّ الاستعانة بغير اللّه يمكن أن تتحقق بصورتين:

١ـ أن نستعين بعامل ـ سواء أكان طبيعياً أم غير طبيعي ـ مع الاعتقاد بأنّ عمله مستند إلى اللّه، بمعنى أنه قادر على أن يعين العباد و يزيل مشاكلهم بقدرته المكتسبة من اللّه و إذنه.

وهذا النوع من الاستعانة ـ في الحقيقة ـ لا ينفك في الواقع عن الاستعانة باللّه ذاته، لاَنّه ينطوي على الاعتراف بأنّه هو الذي منح تلك العوامل، ذلك الاَثر، وأذن لها، و إن شاء سلبها وجرّدها منه.

فإذا استعان الزارع بعوامل طبيعية كالشمس و الماء وحرث الاَرض، فقد استعان باللّه ـ في الحقيقة ـ لاَنّه تعالى هو الّذي منح هذه العوامل: القدرة على إنماء ما أودع في بطن الاَرض من بذر و من ثمّ إنباته و الوصول به إلى حدّ الكمال.

٢ـ أن يستعين بإنسان حىّ او ميّت أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنّه مستقلّفي وجوده، أو في فعله عن اللّه، فلا شكّ أنّ ذلك الاعتقاد شرك و الاستعانة به عبادة.

٦٩

فإذا استعان زارع بالعوامل المذكورة و هو يعتقد بأنّها مستقلّة في تأثيرها أو أنّها مستقلّة في وجودها ومادتها كما في فعلها وقدرتها، فالاعتقاد شرك والطلب عبادة للمستعان به.

وبذلك يظهر أنّ الاستعانة المنحصرة في اللّه المنصوص عليها في قوله تعالى:"و إيّاكَ نَسْتَعينُ" هي الاستعانة بالمعونة المستقلّة النابعة من ذات المستعان به، غير المتوقّفة على شيء، فهذا هو المنحصر في اللّه تعالى، وأمّا الاستعانة بالاِنسان الذي لا يقوم بشيء إلاّ بحول اللّه و قوّته و إذنه و مشيئته، فهي غير منحصرة باللّه سبحانه، بل إنّ الحياة قائمة على هذا الاَساس ، فإنّالحياة البشرية مليئة بالاستعانة بالاَسباب التي توَثّر و تعمل بإذن اللّه تعالى.

وعلى ذلك لا مانع من حصر الاستعانة في اللّه سبحانه بمعنى، و تجويز الاِستعانة بغيره بمعنى آخر و كم له نظير في الكتاب العزيز.

و لاِيقاف القارىَ على هذه الحقيقة نلفت نظره إلى آيات تحصر جملة من الاَفعال الكونية في اللّه تارة، مع أنّها تنسب نفس الاَفعال في آيات أُخرى إلى غير اللّه أيضاً، و ما هذا إلاّ لعدم التنافي بين النسبتين لاختلاف نوعيّتهما فهي محصورة في اللّه سبحانه مع قيد الاستقلال، و تنسب إلى غير اللّه مع قيد التبعية و العرضية.

الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى اللّه و إلى غيره:

١ـ يقول سبحانه:( و إذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (الشعراء|٨٠). بينما يقول سبحانه فيه (أي في العسل):( شِفاءٌ لِلنّاسِ ) (النحل|٦٩).

٢ـ يقول سبحانه:( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ) (الذاريات|٥٨) بينما يقول تعالى:( وَارْزُقُ وهُمْ فِيها ) (النساء|٥).

٣ـ يقول سبحانه:( ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) (الواقعة|٦٤). بينما يقول سبحانه:( يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّارَ ) (الفتح|٢٩).

٤ـ يقول تعالى:( وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (النساء|٨١). بينما يقول سبحانه:( بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (الزخرف|٨٠).

٥ـ يقول تعالى:( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاََمْرَ ) (يونس|٣). بينما يقول سبحانه:( فَالمُدَبِّراتِ أَمْراً ) (النازعات|٥).

٧٠

٦ـ يقول سبحانه:( اللّهُ يَتَوفَّى الاََنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (الزمر|٤٢). بينما يقول تعالى:( الَّذِينَ تَتَوفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبينَ ) (النحل|٣٢).

إلى غير ذلك من الآيات التي تنسب الظواهر الكونية تارة إلى اللّه تعالى، و أخرى إلى غيره.

والحل أن يقال: إنّالمحصور باللّه تعالى هو انتساب هذه الاَُمور على نحو الاستقلال، وأمّا المنسوب إلى غيره فهو على نحو التبعية، و بإذنه تعالى، ولا تعارض بين النسبتين ولا بين الاعتقاد بكليهما.

فمن اعتقد بأنّ هذه الظواهر الكونية مستندة إلى غير اللّه على وجه التبعية لا الاستقلال لم يكن مخطئاً ولا مشركاً، و كذا من استعان بالنبيّ أو الاِمام على هذا الوجه.

هذا مضافاً إلى أنّه تعالى الّذي يعلّمنا أن نستعين به فنقول:( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ ) و يحثُّنا في آية أُخرى على الاستعانة بالصبر والصلاة فيقول:( وَاسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (البقرة|٤٥) و ليس الصبر والصلاة إلاّ فعل الاِنسان نفسه.

حصيلة البحث:

إنّ الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين:

الصنف الاَوّل: يحصر الاستعانة في اللّه فقط و يعتبره الناصر والمعين الوحيد دون سواه.

والصنف الثاني: يدعونا إلى سلسلة من الاَُمور المعيّنة (غير اللّه) و يعتبرها ناصرة و معينة، إلى جانب اللّه.

أقول: اتّضح من البيان السابق وجه الجمع بين هذين النوعين من الآيات، و تبيّن أنّه لا تعارض بين الصنفين مطلقاً، إلاّ أنّفريقاًنجدهم يتمسّكون بالصنف الاَوّل من الآيات فيخطِّئون أيّ نوع من الاستعانة بغير اللّه، ثم يضطرّون إلى إخراج (الاستعانة بالقدرة الاِنسانية و الاَسباب المادية) من عموم تلك الآيات الحاصرة للاستعانة باللّه بنحو التخصيص ، بمعنى أنّهم يقولون:

إنّ الاستعانة لا تجوز إلاّباللّه في الموارد التي أذن اللّه بها، وأجاز أن يستعان فيها بغيره، فتكون الاستعانة بالقدرة الاِنسانية والعوامل الطبيعية ـ مع أنّها استعانة بغير اللّه ـ جائزة و مشروعة على وجه التخصيص. و لكن هذا ممّا لايرتضيه الموحّد.

في حين أنّ هدف الآيات هو غير هذا تماماً، فإنّ مجموع الآيات يدعو إلى أمر واحد و هو : عدم جواز الاستعانة بغير اللّه مطلقاً، وأنّ الاستعانة بالعوامل الاَُخرى يجب أن تكون بنحو لا يتنافى مع حصر الاستعانة في اللّه بل تكون بحيث تعدّ استعانة باللّه لا استعانة بغيره.

٧١

وبتعبير آخر: إنّالآيات تريد أن تقول بأنّالمعين و الناصر الوحيد والذي يستمدّ منه كلّمعين و ناصر، قدرته و تأثيره، ليس إلاّاللّه سبحانه، و لكنّه ـ مع ذلك ـ أقام هذا الكون على سلسلة من الاَسباب و العلل التي تعمل بقدرته و أمر باستمداد الفرع من الاَصل، و لذلك تكون الاستعانة به كالاستعانة باللّه، ذلك لاَنّ الاستعانة بالفرع استعانة بالاَصل.

و إليك فيما يلي إشارة إلى بعض الآيات من الصنفين:

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزيزِ الْحَكيمِ ) (آل عمران|١٢٦).

( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ ) (الحمد|٥).

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّمِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكيمٌ ) (الاَنفال|١٠).

هذه الآيات نماذج من الصنف الاَوّل و إليك فيما يأتي نماذج من النصف الآخر الذي يدعونا إلى الاستعانة بغير اللّه من العوامل والاَسباب.

( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (البقرة|٤٥).

( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (المائدة|٢).

( ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعينُونِي بِقُوَّةٍ ) (الكهف|٩٥).

( وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) (الاَنفال|٧٢).

و مفتاح حلّالتعارض بين هذين الصنفين من الآيات هو ما ذكرناه وملخّصه:

إنّ في الكون موَثراً تاماً، و مستقلاً واحداً، غير معتمد على غيره لا في وجوده و لا في فعله و هو اللّه سبحانه:

وأمّا العوامل الاَُخر فجميعها مفتقرة ـ في وجودها وفعلها ـ إليه و هي توَدي ما توَدي بإذنه و مشيئته و قدرته، ولو لم يعط سبحانه تلك العوامل ما أعطاها من القدرة و لم تجر مشيئته على الاستعانة بها لما، كانت لها أيّة قدرة على شيء.

٧٢

فالمعين الحقيقي في كلّالمراحل ـ على هذا النحو تماماً ـ هو اللّه فلا يمكن الاستعانة بأحد باعتباره معيناً مستقلاً. و لهذه الجهة حصر هنا الاستعانة في اللّه وحده، و لكن هذا لا يمنع بتاتاً من الاستعانة بغير اللّه باعتباره غير مستقلّ (أي باعتباره معيناً بالاعتماد على القدرة الاِلهية) و معلوم أنّ استعانة ـ كهذه ـ لا تنافي حصر الاستعانة في اللّه سبحانه لسببين:

أوّلاً: لاَنّ الاستعانة المخصوصة باللّه هي غير الاستعانة بالعوامل الاَُخرى، فالاستعانة المخصوصة باللّه هي: (ما تكون باعتقاد أنّه قادر على إعانتنا بالذات، و بدون الاعتماد على غيره، في حين أنّ الاستعانة بغير اللّه سبحانه على نحو آخر، أي مع الاعتقاد بأنّالمستعان قادر على الاِعانة مستنداً على القدرة الاِلهية، لا بالذات، و بنحو الاستقلال، فإذا كانت الاستعانة ـ على النحو الاَوّل ـ خاصّة باللّه تعالى فإنّ ذلك لا يدل على أنّالاستعانة بصورتها الثانية مخصوصة به أيضاً.

ثانياً: إنّاستعانة ـ كهذه ـ غير منفكّة عن الاستعانة باللّه بل هي عين الاستعانة به تعالى ، و ليس في نظر الموحّد (الذي يرى أنّ الكون كلّه مستند إليه و الكلّ قائم به) مناص من هذا.

وأخيراً نذكّر القارىَ الكريم بأنّموَلّف المنار حيث إنّه لم يتصوّر للاستعانة بالاَرواح إلاّصورة واحدة لذلك اعتبرها ملازمة للشرك فقال:

«ومن هنا تعلمون: إنّالذين يستعينون بأصحاب الاَضرحة و القبور على قضاء حوائجهم و تيسير أُمورهم و شفاء أمراضهم ونماء حرثهم و زرعهم، وهلاك أعدائهم وغير ذلك من المصالح هم عن صراط التوحيد ناكبون، و عن ذكر اللّه معرضون».(١)

يلاحظ عليه: بأنّ الاستعانة بغير اللّه (كالاستعانة بالعوامل الطبيعية) على صورتين:

إحداهما عين التوحيد، و الاَُخرى موجبة للشرك، إحداهما مذكّرة باللّه، و الاَُخرى مبعدة عن اللّه.

إنّ حدّ التوحيد والشرك ليس هو كون الاَسباب ظاهرية أو غير ظاهرية و إنّما هو استقلال المعين وعدم استقلاله، و بعبارة أُخرى المقياس، هو الغنى والفقر، و الاَصالة وعدم الاَصالة.

____________

(١) المنار ١:٥٩.

٧٣

إنّ الاستعانة بالعوامل غير المستقلّة المستندة إلى اللّه، التي لا تعمل و لاتوَثر إلاّبإذنه تعالى غير موجبة للغفلة عن اللّه، بل هي خير موجّه إلى اللّه، ومذكّربه، إذ معناها : انقطاع كلّالاَسباب وانتهاء كلّالعلل إليه.

و مع هذا كيف يقول صاحب المنار: «أُولئك عن ذكر اللّه معرضون» و لو كان هذا النوع من الاستعانة موجباً لنسيان اللّه والغفلة عنه للزم أن تكون الاستعانة بالاَسباب المادية الطبيعية هي أيضاً موجبة للغفلة عنه.

على أنّالاَعجب من ذلك رأي شيخ الاَزهر الشيخ محمود شلتوت الذي نقل ـ في هذا المجال ـ نصّكلمات عبده دون زيادة و نقصان، و ختم المسألة بذلك، وأخذ بالحصر في "إِيّاكَ نَسْتَعين " غافلاً عن حقيقة الآية و عن الآيات الاَُخرى المتعرّضة لمسألة الاستعانة.(١)

إجابة على سوَال

إذا كانت الاستعانة بالغير على النحو الذي بيّناه جائزة فهي تستلزم نداء أولياء اللّه و الاستغاثة بهم في الشدائد و المكاره، وهي غير جائزة و ذلك لاَنّ نداء غير اللّه في المصائب و الحوائج تشريك الغير مع اللّه، يقول سبحانه:( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ للّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً ) (الجن|١٨) و يقول تعالى:( وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) (الاَعراف|١٩٧) و يقول عزّمن قائل :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) (فاطر|١٣). إلى غير ذلك من الآيات التي تخص الدعاء باللّه و لاتسيغ دعوة غيره.

____________

(١) راجع تفسير شلتوت: ٣٦ـ٣٩.

٧٤

و قد طرح هذا السوَال الشيخ الصنعاني حيث قال: وقد سمّى اللّه الدعاء عبادة بقوله:( أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي ) (غافر|٦٠)فمن هتف باسم نبيّ أو صالح بشيء فقد دعا النبي و الصالح، و الدعاء عبادة بل مخّها فقد عبد غير اللّه و صار مشركاً.(١)

الجواب:

إنّ النقطة الحاسمة في الموضوع تكمن في تفسير الدعاء وهل أنّ كلّ دعاء عبادة و النسبة بينهما هي التساوي؟ حتى يصح لنا أن نقول كلّ دعاء عبادة، وكلّ عبادة دعاء، أو أنّ الدعاء أعمّ من العبادة و أنّقسماً من الدعاء عبادة و قسماًمنه ليس كذلك؟ و الكتاب العزيز يوافق الثاني لا الاَوّل، وإليك التوضيح:

لقد استعمل القرآن لفظ الدعاء في مواضع عديدة ولا يصحّ وضع لفظ العبادة مكانه، يقول سبحانه حاكياً عن نوح:( رَبِّ إِنِّي دَعَوتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً ) (نوح|٥) وقال سبحانه حاكياً عن لسان إبليس في خطابه للمذنبين يوم القيامة:( وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّأَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) (إبراهيم|٢٢) إلى غيرهما من الآيات التي ورد فيها لفظ الدعاء، أفيصح القول بأنّنوحاً دعا قومه أي عبدهم، أو أنّ الشيطان دعا المذنبين أي عبدهم؟ كلّذلك يحفزنا إلى أن نقف في تفسير الدعاء وقفة تمعّن حتى نميّز الدعاء الذي هو عبادة عمّا ليس كذلك.

والاِمعان فيما تقدّم في تفسير العبادة يميِّز بين القسمين فلو كان الداعي و المستعين بالغير معتقداً بأُلوهية المستعان ولو أُلوهية صغيرة كان دعاوَه عبادة و لاَجل ذلك كان دعاء عبدة الاَصنام عبادة لاعتقادهم بأُلوهيتها، قال سبحانه:( فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ) (هود|١٠١).

____________

(١) الصنعاني، تنزيه الاعتقاد كما في كشف الارتياب:٢٨٤.

٧٥

و ما ورد من الآيات في السوَال كلّها من هذا القبيل فانّها وردت في حقّ المشركين القائلين بأُلوهية أصنامهم و أوثانهم باعتقاد استقلالهم في التصرف والشفاعة و تفويض الاَُمور إليهم و لو في بعض الشوَون. ففي هذا المجال يعود كلّدعاء عبادة، و يفسر الدعاء في الآيات الماضية والتالية بالعبادة، قال تعالى:

( إِنَّ الّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) (الاَعراف|١٩٤).( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْويلاً * أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) (الاِسراء|٥٦ـ ٥٧).( وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لايَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ ) (يونس|١٠٦). "إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ ) (فاطر|١٤). و ما ورد في الاَثر من أنّ الدعاء مُخّ العبادة، أُريد منه دعاء اللّه أو دعاء الآلهة لا مطلق الدعاء و إن كان المدعوّ غير إله لا حقيقة أو اعتقاداً.

وفي روايات أئمّة أهل البيت إلماع إلى ذلك، يقول الاِمام زين العابدين في ضمن دعائه:«...فسمّيت دعاءك عبادة و تركه استكباراً و توعّدت على تركه دخول جهنّم داخرين» (١) و هو يشير في كلامه هذا إلى قوله سبحانه:( وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ ) (غافر٦٠)

هذا هو الدعاء المساوي للعبادة و هناك قسم آخر منه لا صلة بينه و بين العبادة و هو فيما إذا دعا شخصاًبما أنّه إنسان وعبد من عباد اللّه غير أنّه قادر على إنجاز طلبه بإقدار منه تعالى و إذن منه، فليس مثل هذه الدعوة عبادة بل سنّة من السنن الاِلهية في الكون، هذا هو ذو القرنين يواجه قوماً مضطهدين يطلبون منه أن يجعل بينهم و بين يأجوج و مأجوج سداً فعند ذلك يخاطبهم ذو القرنين بقوله:( ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعينُوني بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً ) (الكهف|٩٥) وها هو الذي كان من شيعة موسى يستغيث به ، يقول سبحانه:( فَاسْتَغاثَهُ الّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ) (القصص|١٥)

____________

(١) الصحيفة السجادية، دعاوَه برقم ٤٥.

٧٦

و هذا هو النبيّ الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو قومه للذبّ عن الاِسلام في غزوة أُحد و قد تولّوا عنه، قال سبحانه:( إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخراكُمْ ) (آل عمران|١٥٣) فهذا النوع من الدعاء قامت عليه الحياة البشرية، فليس هو عبادة و إنّما هو توسل بالاَسباب، فإن كان السبب قادراًعلى إنجاز المطلوب كان الدعاء أمراً عقلائياًو إلاّ يكون لغواً وعبثاً.

ثمّ إنّ القائلين بأنّ دعاء الصالحين عبادة، عند مواجهتهم لهذا القسم من الآيات و ما تقتضيه الحياة الاجتماعية، يتشبثون بكلّطحلب حتى ينجيهم من الغرق و يقولون إنّ هذه الآيات تعود إلى الاَحياء و لا صلة لها بدعاء الاَموات، فكون القسم الاَوّل جائزاً و أنّه غير عبادة؛ لا يلازم جواز القسم الثاني و كونه غير عبادة.

ولكن عزب عن هوَلاء إنّ الحياة و الموت ليسا حدين للتوحيد و الشرك و لا ملاكين لهما، بل هما حدّان لكون الدعاء مفيداًأو لا، و بتعبير آخر ملاكان للجدوائية و عدمها.

فلو كان الصالح المدعو غير قادر لاَجل موته مثلاً تكون الدعوة أمراً غير مفيد لا عبادة له، و من الغريب أن يكون طلب شيء من الحيّ نفس التوحيد و من الميت نفس الشرك.

كلّ ذلك يوقفنا على أنّ القوم لم يدرسوا ملاكات التوحيد و الشرك بل لم يدرسوا الآيات الواردة في النهي عن دعاء غيره، فأخذوا بحرفية الآيات من دون تدبّر مع أنّه سبحانه يقول:( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الاََلْباب ) (ص ٢٩).

ثمّ إنّ الكلام في أنّدعاء الصالحين بعد انتقالهم إلى رحمة اللّه مفيد أو لا، يتطلب مجالاً آخراً و سوف نستوفي الكلام عنه في رسالة خاصة حول وجود الصلة بين الحياتين : المادّية و البرزخيّة بإذن منه سبحانه.

جعفر السبحاني

تحريراً في ٢٧ صفر المظفر ١٤١٦هـ

٧٧

الفهرست

الفصل الاَوّل : الاِله في اللغة و القرآن الكريم. ٤

الاِله في اللغة ٤

مفهوم الاِله في القرآن. ٨

الفصل الثاني : الربّ في اللغة و الذكر الحكيم. ١١

خاتمة المطاف.. ٢٠

الاَُولى: التوحيد في الذات.. ٢٠

الثانية: التوحيد في الخالقية ٢١

الثالثة: التوحيد في الربوبية و التدبير. ٢٢

الرابعة: التوحيد في التشريع و التقنين. ٢٢

الخامسة: التوحيد في الطاعة ٢٤

السادسة: التوحيد في الحاكمية ٢٤

السابعة: التوحيد في العبادة ٢٥

الفصل الثالث : في تحديد مفهوم العبادة ٢٦

العبادة في المعاجم و التفاسير. ٢٧

توجيه غير سديد. ٣٢

١ـ نظرية صاحب المنار في تفسير العبادة ٣٢

٢ـ نظرية الشيخ شلتوت، زعيم الاَزهر ٣٣

٣ـ تعريف ابن تيمية ٣٣

عبادة ٣٤

عقيدة المشركين في آلهتهم. ٣٦

حكم التاريخ في عقيدة المشركين. ٣٦

يقول الآلوسي عند البحث عن عبادة الشمس: ٣٨

قضاء الكتاب في عقيدة المشركين. ٣٩

٧٨

التعريف المنطقي لمفهوم العبادة ٤٢

الاَوّل: التمعن في عبادة الموحّدين و المشركين. ٤٣

الثانية: الاِمعان في الآيات الداعية إلى عبادة اللّه، الناهية عن عبادة الغير. ٤٤

التعاريف الثلاثة للعبادة ٤٧

ثمرات البحث.. ٤٧

١ـ التوسل بالاَنبياء والاَولياء في قضاء الحوائج. ٤٨

٢ـ طلب الشفاعة من الصالحين. ٤٨

٣ـ التعظيم لاَولياء اللّه و قبورهم و تخليد ذكرياتهم. ٤٩

٤ـ الاستعانة بالاَولياء: ٤٩

أسئلة و أجوبة ٥٠

السوَال الاَوّل : هل هناك من يفسّر العبادة على غرار ما مضى؟ ٥٠

السوَال الثاني : ما هوالمراد من العبادة في هذه الآيات؟ ٥٧

السوَال الثالث : ما هو حكم إطاعة غير اللّه و الخضوع له ؟ ٥٩

السوَال الرابع : دواعي العبادة للّه سبحانه ٦١

١و٢ـ الطمع في إنعامه و الخوف من عقابه ٦١

٣ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة ٦٢

الفوضى في التطبيق بين الاِمام و المأموم ٦٣

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم. ٦٧

الفصل الرابع : في حصر الاستعانة في اللّه ٦٩

الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى اللّه و إلى غيره: ٧٠

إنّ الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين: ٧١

إجابة على سوَال. ٧٤

٧٩

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

.........................................

____________________________________

فقلت : أصلحك الله ، كيف كان يكون شريكه فيه؟

قال : لم يعلّم الله محمّداً صلى الله عليه وآله علماً إلاّ وأمره أن يعلّمه عليّاً»(١) .

٢ ـ حديث الإحتجاج للطبرسي رحمه الله عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وفيه : «وألزمهم الحجّة ، بأن خاطبهم خطاباً يدلّ على انفراده وتوحيده ، وبأنّ له أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله وعرّف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ ) (الآية). قال السائل : مَن هؤلاء الحجج؟

قال : هم رسول الله صلى الله عليه وآله ومن حلّ محلّه من أصفياء الله الذين قال :( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) الذين قرنهم الله بنفسه ، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه»(٢) .

٣ ـ حديث الخرائج والجرائح المتقدّم : روى محمّد بن الفضل الهاشمي ، عن الرضا عليه السلام أنّه نظر إلى ابن هذّاب فقال : ن أنا أخبرتك أنّك مبتلى في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك أكنت مصدّقاً لي؟

قال : لا ، فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله.

قال : أو ليس يقول :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) ؟! فرسول الله صلى الله عليه وآله عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذل الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة» (الحديث)(٣) .

٤ ـ حديث كتاب الخصال في مناقب علي عليه السلام وتعدادها : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «وأمّا الثالثة والثلاثون ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله التقم اُذني فعلّمني ما كان وما يكون إلى

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٦٣ ح ١.

(٢) الاحتجاج : ج ١ ص ٢٥٢.

(٣) الخرائج والجرائح : ج ١ ص ٢٤٣ ح ١.

٢٦١

.........................................

____________________________________

يوم القيامة ، فساق الله ذلك إليّ على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله»(١) .

ولا يخفى أنّ علمهم بالغيب لا ينافي قوله تعالى :( لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) (٢) .

وذلك لأنّ علمهم بالغيب ليس ذاتياً كعلم الله بالغيب ، بل هو بإذن الله وإعلامه وتعليمه ، ورضاه ومشيئته كما عرفت ذلك من بعض الأحاديث المتقدّمة ، وبالوراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ، والإستفادة من كتاب الله كما في مثل :

أـ حديث سيف التمّار الذي ورد فيه : «وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة»(٣) .

ب ـ حديث الخثعمي الذي ورد فيه : «علمت ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ»(٤) .

ج ـ حديث ابن هذّاب الذي ورد فيه : «نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة»(٥) .

فيكون علمهم بالغيب باعلام الله ، ومن كتاب الله ، وعن رسول الله ، ومن المعلوم أنّ هذا لا ينافي كون الغيب لا يعلمه إلاّ الله.

ثمّ لا يقال : إنّهم بعد علمهم بالغيب كيف يصحّ لهم الإقدام على أسباب الشهادة التي يعلمونها؟

لأنّه يجاب : بعدم المحذور في ذلك لأجل ما يلي :

أوّلاً : من أجل أنّهم يخيّرهم الله تعالى في الشهادة ، ويأذن لهم في نيل الكرامة والسعادة ، ويرضى لهم الوصول إلى الدرجات العالية بالتضحية كما يستفاد من

__________________

(١) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ٤٨٩.

(٢) سورة النمل : الآية ٦٥.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٦١ ح ١.

(٤) الكافي : ج ١ ص ٢٦١ ح ٢.

(٥) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ٤٩٣ ، الخرائج والجرائح : ج ١ ص ٣٤١ ح ٦ ، بحار الأنوار : ج ٤٩ ص ٧٣ ب ٤ ح ١.

٢٦٢

.........................................

____________________________________

أحاديثها(١) .

وكما يتّضح ذلك من خطبة الإمام الحسين عليه السلام عند المسير إلى كربلاء المتقدّسة جاء فيها : «وخيّر لي مصرع أنا لاقيه»(٢) .

فإذا أذن الله تعالى في الشهادة لم تحرم ، حتّى يكون إقدامهم عليها إقداماً على الحرام.

ثانياً : أنّ التكاليف منوطة بالعلم العادي البَشَري الظاهري ، لا بعلم الغيب حتّى يكون وجود العلم الغيبي بالشهادة موجباً لتكليف حرمة الإقدام عليها.

فليس الأئمّة عليهم السلام مكلّفون بترتيب الآثار على علم الغيب حتّى لا يصحّ إقدامهم على الشهادة التي أذن الله لهم فيها.

فلا محذور في إقدامهم على الشهادة المعلومة غيباً ، المأذون فيها شرعاً ، كعدم المحذور لمن عَلِم وجداناً بوصوله قطعاًَ إلى درجة الشادة ، عند الجهاد بإذن المعصوم عليه السلام ، وأقدم عليها تحصيلاً لكرامتها ، فهل في ذلك بأس؟!

ثمّ إنّه لا يقال : إنّ علم الغيب غير مختصّ بهم حتّى يكون فضيلة لهم لأنّه يمكن معرفة المرتاضين للغيب أيضاً.

فإنّه يجاب : بأنّ ذلك إن صحّ كونه غيباً فهو غيب شيطاني تدليسي ، يقع فيه التخلّف كثيراً ، ولا يكون في نفسه جامعاً ولا في جميعه صادقاً.

بخلاف غيبهم عليهم السلام الذي هو غيب رحماني مأخوذ من الله تعالى كما ترى في نسبته إليه في قوله : «وارتضاكم لغيبه» ولم يقل للغيب.

والغيب الرحماني علم يقيني صادق ، جامع لكلّ الأشياء ، ليس فيه خلف أو تخلّف مأخوذ من مصدر وحي الرحمن لا إيحاء الشيطان ، وكم بينهما من فرق.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٥٩ ح ٤ و ٥ و ٨ ، وص ٢٦١ ح ٤.

(٢) إبصار العين : ص ٦ ، كشف الغمّة : ج ٢ ص ٢٠١.

٢٦٣

وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ (١)

____________________________________

(١) ـ السرّ في اللغة بمعنى ما يُكتم ، ومنه (هذا من سرّ آل محمّد) أي من مكتومهم ، الذي لا يظهر لكلّ أحد(١) .

وسرُّ الله تعالى هي العلوم والمكاشفات والحقائق التي لا يجوز إظهارها إلاّ لمن هو أهل لها من الكُمّلين ، فإنّه لا يتحمّلها إلاّ ملك مُقرّب ، أو نبي مرسل ، أو عبد إمتحن الله تعالى قلبه للإيمان.

وقد مرّ بيانه في الفقرة الشريفة المتقدّمة «وحفظة سرّ الله».

وأهل البيت عليهم السلام إختارهم الله لسرّه ، وائتمنهم على مكتوم علمه ، كما تلاحظه في حديث أبي الجارود ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال :

«إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله دعا عليّاً عليه السلام في المرض الذي توفّي فيه فقال : يا علي اُدنُ منّي حتّى أسرّ إليك ما أسرّ الله إليّ ، وائتمنك على ما ائتمنني الله عليه ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي ، وفعله علي بالحسن ، وفعله الحسن بالحسين ، وفعله الحسين عليه السلام بأبي ، وفعله أبي بي ، صلوات الله عليهم أجمعين»(٢) .

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة سَرَرَ ص ٢٦٦.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٣٧٧ ب ٣ ح ١.

٢٦٤

وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الاجتباء : هو الاختيار والاصطفاء ، وفي الأخبار الكثيرة : «إنّ الله اجتبى محمّداً بالرسالة ، وعليّاً والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام بالوصاية والإمامة» أي إختارهم وإصطفاهم لذلك(١) .

وهذه الفقرة الشريفة تبيّن أنّ الله تعالى اجتبى أهل البيت عليهم السلام بقدرته ، وفي ذلك معنيان كما أفاده العلاّة المجلسي قدس سره(٢) وهما :

١ / أن تكون بمعنى أنّ نفس إختيار هذه الصفوة الطيّبة للإمامة هي من مظاهر قدرة الله وحسن إنتخابه الواقع في اليق محلّه فتكون إشارة إلى علوّ مرتبة إجتبائهم.

وقد مرّ ذلك مفصّلاً في فقرة «المصطفون» وفقرة «وإصطفاكم بعلمه».

٢ / أن تكون بمعنى أنّ الله اجتباهم واصطفاهم بإعطائهم قدرته العجيبة ، فأظهر منهم فوق طاقة البشر ، وه صاحب القدرة الكاملة ، كما ترى في القُدُرات الفائقة التي ظهرت من أهل البيت عليهم السلام في حياتهم ، وبعد حياتهم ، ممّا اعترف بها الخاصّ والعام والصديق والعدو ، خصوصاً مفاخر ومآثر سيّد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الشجاعة العلويّة والقوّة الحيدرية ، التي تجلّت منه في قمّة الاشتهار ، واستبانت كالشمس في رابعة النهار ، في جميع حرويه وغزواته ، وأخصّ بالذكر منها فتح خيبر الذي روى عنه قوله فيه :

«والله ما قلعت باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوّة جسديّة ولا حركة غذائية ، لكن اُيّدتُ بقوّة ملكوتية ، ونفس بنور ربّها مضيئة ، وأنا من

__________________

(١) مشكاة الأنوار : ص ٨١.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٣٧.

٢٦٥

.........................................

____________________________________

أحمد كالضوء من الضوء ، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت ...»(١) .

وتلاحظ مظاهر هذه القدرة الربّانية في أحاديث سيرته(٢) .

من ذلك ما حكاه في البحار عن الفائق جاء فيه :

كانت لعلي عليه السلام ضربتان : إذا تطاول قدّ ، وإذا تقاصر قطّ. وقالوا : كانت ضرباته أبكاراً ، إذا اعتلى قدّ وإذا اعترض قطّ ، وإذا أتى حصناً هدّ ، وقالوا : كانت ضرباته مبتكرات لا عوناً يقال : ضربة بكر أي قاطعة لا تثنّى ، والعون التي وقعت مختلسة فأحوجت إلى المعاودة.

ويقال : إنّه عليه السلام كان يوقعها على شدّة في الشدّة لم يسبقه إلى مثلها بطل ، زعمت الفرس أنّ اُصول الضرب ستّة وكلّها مأخوذة عنه وهي علويّة ، وسفليّة ، وغلبة ، وماله ، وحاله ، وجر وهام

وله ليلة الهرير ثلاث مائة تكبيرة ، أسقط بكلّ تكبيرة عدوّاً ، وفي رواية : خمسمائة وثلاثة وعشرون ، رواه الأعثم ، وفي رواية سبعمائة.

ولم يكن لدرعه ظهر ، ولا لمركوبه كرّ وفرّ. وحمل على المشركين فما زالوا يبقّطون ـ يعني تعادوا إلى الجبال منهزمين ـ.

وكانت قريش إذا رأوه في الحرب تواصت خوفاً منه.

وقد نظر إليه رجل وقد شقّ العسكر فقال : علمت بأنّ ملك الموت في الجانب الذي فيه علي.

وقد سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله كرّاراً غير فرّار في حديث خيبر ، وكان النبي صلى الله عليه وآله يهدّد الكفّار به عليه السلام(٣) .

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ٤٦١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤١ ب ١١٣ ص ٢٧٩ ، وج ٤٢ ص ٣٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٦٧ ـ ٦٨.

٢٦٦

وَاَعَزَّكُمْ بِهُداهُ (١)

____________________________________

(١) ـ العِزّ : خلاف الذُلّ ، ويكون في الشيء القيّم الثمين المرغوب ، فيكون عزيزاً. والعزّة في الأصل هي القوّة والغلبة.

وأهل البيت عليهم السلام جعلهم الله أعزّاء الخلق بواسطة اهتدائهم بالله ، وهدايتهم للناس ؛ فكانوا هم المستضيئون بالهداية الربّانية الخاصّة ، والرعاية الإلهية المخصوصة ، كما تقدّم في الفقرة الشريفة «والقادة الهداة». مع الإستدلال له بقوله عزّ إسمه :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (١) .

وقد جعل الله العزّة الشامخة لآل محمّد عليهم السلام بهاتين المزيّتين.

والعزّة الإلهية لا تزول ولا تُزال كالإعتبارات الدنيوية ، بل هي الدرجة الباقية العليا التي لا تصل إليها عزّة اُخرى.

وفي الحديث العلوي الجامع : «وإليه الإشارة بقوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (٢) والمؤمنون علي وعترته.

فالعزّة للنبي والعترة ، والنبي والعترة لا يفترقان في العزّة إلى آخر الدهر ...»(٣) .

__________________

(١) أمالي الصدوق ص ٤٦١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤١ ب ١١٣ ص ٢٧٩ وج ٤٢ ص ٣٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٦٧ ـ ٦٨.

٢٦٧

وَخَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ (١) وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ (٢)

____________________________________

(١) ـ البُرهان : هي الحجّة والبيان ، والدليل العيان ، وهو ملازم للصدق.

وأهل البيت عليهم السلام خصّهم الله تعالى بين الخلق بأتمّ الأدلّة وأكمل البراهين وهي عبارة عن القرآن الكريم ، والإعجاز العظيم ، والآيات الباهرة ، والدلائل الظاهرة التي أدركها الوجدان ، واعترف بها الفريقان ، ودليل ذلك في حديث صفات الإمام عليه السلام(١) .

ففي الخصال بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «عشر خصال من صفات الإمام : العصمة ، والنصوص ، وأن يكون أعلم الناس ، وأتقاهم لله ، وأعلمهم بكتاب الله ، وأن يكون صاحب الوصيّة الظاهرة ، ويكون له المعجز والدليل ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يكون له فيء ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه»(٢) .

(٢) ـ الانتجاب : هو الإختيار والاصطفاء.

وأهل البيت عليهم السلام إصطفاهم الله تعالى بنوره ، بأحد معنيين كما أفاده السيّد شبّر أعلى الله درجته(٣) وهما :

١ / أن يكون المعنى أنّ الله إصطفاهم للهداية بنوره المقدّس ، فكانوا هادين للناس بالأنوار الربّانية ، والهداية الإلهية ، والعلوم القرآنية فهم مع القرآن والقرآن معهم ، وهذا واضح.

٢ / أن تكون الباء بمعنى «من» أي إنتجبكم من نوره ، وخلقكم من نور

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٤٠ ب ٤ ح ١٢.

(٢) الخصال : ص ٤٢٧ باب العشرة ح ٥.

(٣) الأنوار اللامعة : ص ١١٩.

٢٦٨

.........................................

____________________________________

عظمته ، كما يشهد له حديث محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه السلام : «إنّ الله خلقنا من نور عظمته ...»(١) .

وفي نسخة الزيارة المباركة في عيون أخبار الرضا عليه السلام : «وانتجبكم لنوره» ويحتمل فيه أن يكون بمعنى اصطفاكم لنور القرآن أو لنور الولاية ، كما تلاحظ هذين المعنيين في تفسير قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (٢) ـ(٣) .

وقد عقد ثقة الإسلام الكليني باباً في أنّهم عليهم نور الله عزّ وجلّ ، وقد إشتمل على أحاديث عديدة منها حديث أبي خالد الكابلي المتقدّم(٤) .

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ٢٠ ب ١٠ ح ٣ ، بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٣ ب ١ ح ٢٦.

(٢) سورة النساء : الآية ١٧٤.

(٣) كنز الدقائق : ج ٣ ص ٥٩٨.

(٤) الكافي : ج ١ ص ١٩٤ ح ١.

٢٦٩

وَاَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الرُوح : بضمّ الراء ، وجمعه أرواح في اصل اللغة هي النفس التي يحيى بها البدن(١) .

وفسّره في القاموس بما به حياة النفس ، ثمّ ذكر أنّه يؤنّث(٢) .

لكن قوله بتأنيثه فقط خطأً ظاهراً لقول ابن منظور في اللسان : إنّ الروح مذكّر ، والنفس مؤنّثه عند العرب ، والروح يذكّر ويؤنّث(٣) .

وحقيقه الروح هو جسم رقيق ، وشيء لطيف ، مجانس للريح ، كما يستفاد من أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام مثل :

حديث الاحتجاج في قوله عليه السلام : «والروح جسم رقيق قد اُلبس قالباً كثيفاً الروح بمنزلة الريح في الزق»(٤) .

وحديث السفينة في قوله عليه السلام : «إنّ الروح متحرّك كالريح ، وإنّما سمّي روحاً لأنّه اشتقّ إسمه من الريح ، وإنّما أخرجه على لفظة الريح لأنّ الروح مجانس للريح»(٥) .

فليس هو مجرّداً غير جسم ، كما قيل(٦) . بل هو جسم لطيف كالهواء.

ثمّ إنّ المستفاد من الأحاديث الشريفة أنّ الأرواح خمسة :

روح القُدُس ، وروح الإيمان ، وروح القوّة ، وروح الشهوة ، وروح البدن المعبّر عنه بروح الحياة

وبالترتيب الأرواح الخمسة تجتمع في النبي والإمام والأربعة الأخيرة تكون

__________________

(١) ترتيب العين : ج ١ ص ٧٢٥ ، والمحيط : ج ٣ ص ١٩٧.

(٢) القاموس : ج ١ ص ٢٢٤.

(٣) لسان العرب : ج ٢ ص ٤٦٢.

(٤) الاحتجاج : ج ٢ ص ٩٦.

(٥) سفينة البحار : ج ٣ ص ٤١٣.

(٦)مجمع البحرين : مادّة رَوَح ص ١٧٥.

٢٧٠

.........................................

____________________________________

في المؤمن ، والثلاثة الأخيرة تكون في غيرهم كما نقله الطريحي(١) .

وروح القُدُس هو الروح النوري الملكوتي المقدّس ، الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ مع الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، فهم مؤيّدون به. فاتّضح أنّ معنى «وأيّدكم بروحه» أيّدكم الله تعالى بروح القدس.

وهذا الروح لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو.

وهذا الروح يسدّدهم ، وقد عرفوا به ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ، وقد دلّت عليه الأحاديث المستفيضة(٢) مثل :

١ ـ حديث جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن علم العالم؟ فقال لي : «يا جابر! إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ، وروح الإيمان وروح الحياة ، وروح القوّة ، وروح الشهوة.

فبروح القدس يا جابر! عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى.

ثمّ قال : يا جابر! إنّ هذا الأربعة أرواح يصيبها الحدثان إلاّ روح القدس ، فإنّها لا تلهو ولا تلعب»(٣) .

٢ ـ حديث أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله الله تبارك وتعالى :( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ) (٤) .

قال : «خلقً من خلق الله عزّ وجلّ أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يُخبره ويسدّده ، وهو مع الأئمّة من بعده»(٥) .

٣ ـ حديث أبي بصير الآخر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :

__________________

(١) مجمع البحرين : مادّة رَوَح ص ١٧٦.

(٢) مشكاة الأنوار : ص ٩٦.

(٣) الكافي ج ١ ص ٢٧٢ ح ٢.

(٤) سورة الشورى : الآية ٥٢.

(٥) الكافي : ج ١ ص ٢٧٣ ح ١.

٢٧١

.........................................

____________________________________

( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (١) .

قال : «خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو مع الأئمّة وهو من الملكوت»(٢) .

فأهل البيت عليهم السلام يؤيّدهم الله تعالى منه بهذه الروح العظيمة القدسيّة كما في هذه الفقرة : «وأيّدكم بروحه».

وما أجمل التعبير الأوحدي في الحديث العلوي : «... والإمام يا طارق بشر ملكي ، وجسد سماوي ، وأمر إلهي ، وروح قدسي ...»(٣) .

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ٨٥.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٢٧٣ ح ٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٧٢ ب ٤ ح ٣٨.

٢٧٢

وَرَضِيَكُمْ خُلَفاء فى اَرْضِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الخلفاء : جمع خليفة ، وهو في اللغة من يقوم مقام الشخص ويسدّ مسدّه ، والتاء فيه للمبالغة(١) .

والخليفة : هو المدبّر للاُمور من قِبَلِ غيره بدلاً من تدبيره ، وفلان خليفة الله في أرضه معناه أنّه جعل الله إليه تدبير عباده بأمره(٢) .

وفي العرف يراد بالخليفة معنيان : كونه خَلَفاً لمن قبلَه ، أو مدبّراً للاُمور من قِبَل غيره(٣) .

وهذه الخلافة والنيابة إن كانت من قِبَل الله تعالى فهي تشريف للخليفة ، كما في مثل :( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) (٤) ـ(٥) .

وحقيقة الخلافة من الله تعالى هي النيابة عنه عزّ إسمه.

لذلك يلزم أن تكون بجعلٍ من حضرته ، ونصبٍ من جنابه ، ورضىً من مقامه ، فإنّه لا تصحّ نيابة بدون إستنابة ، ولا تُعقل خلافة بدون استخلاف.

وإمامه آل محمّد صلوات الله عليهم هي خلافة الله ، وخلافة الرسول ، ومقام أمير المؤمنين ، وميراث أبنائه المعصومين ، كما في حديث الإمام الرضا عليه السلام(٦) .

وأهل البيت سلام الله عليهم رضى بهم الله تعالى خلفاء في أرضه ، ونصبهم مستخلَفين على بريّته ، كما تضمّنته هذه الفقرة الشريفة من الزيارة الجامعة ، فكانت خلافةً إلهية حقّة.

__________________

(١) مشكاة الأنوار : ص ٩٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ص ٤٧٣.

(٣) مجمع البحرين : مادّة خَلَف ص ٤٠٥.

(٤) سورة ص : الآية ٢٦.

(٥) مفردات غريب القرآن : ص ١٥٦.

(٦) الكافي : ج ١ ص ١٩٩.

٢٧٣

.........................................

____________________________________

بل تواترت بخلافتهم أحاديث الفريقين من الخاصّة في (٥٢) حديثاً ، ومن العامّة في (٦٦) حديثاً جاءت في بابين خاصّين مفصّلين في تنصيص رسول الله على علي بن أبي طالب وبنيه الأحد عشر عليهم السلام أنّهم الأئمّة من بعده وخلفاؤه وأوصياؤه فراجع(١) .

وبهم عليهم السلام فُسّر قوله تعالى :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) (٢) .

كما تراه في الكافي في بابه الخاصّ ، من ذلك :

حديث عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله جلّ جلاله :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) ؟

قال : هم الأئمّة عليهم السلام.

وحديث الجعفري ، عن الإمام الرضا عليه السلام : «الأئمّة خلفاء الله عزّ وجلّ في أرضه»(٣) .

وقد جاء من العامّة في تفسير أبي عبيدة(٤) ، وكذا عن ابن حيّان في حياة النبي ، والحسكاني في شواهد التنزيل كما في الإحقاق(٥) . ومن الخاصّة في أحد عشر حديثاً(٦) .

فالمستخلفون من الله تعالى في كتابه الكريم هم الأئمّة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين ، ومعلوم أنّ كمال الأمر والتمكّن لهم يكون في زمان الدولة الحقّة للإمام المهدي ارواحنا فداه ، كما تلاحظ بيانه في الأحاديث المبيّنة لخصائص تلك

__________________

(١) غاية المرام : ص ٣٢ ـ ٥٦.

(٢) سورة النور : الآية ٥٥.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٩٣ ح ١.

(٤) غاية المرام : ص ٣٧٦.

(٥) إحقاق الحقّ : ج ١٤ ص ٤٧٣.

(٦) غاية المرام : ص ٣٧٦.

٢٧٤

.........................................

____________________________________

الحكومة المحقّة(١) ، ويأتي ذكرها في فقرة «مرتقب لدولتكم».

فخلافة الله تعالى الثابتة بنصّه وتنصيصه ، في أرضه وبريّته ، التي هي الخلافة الشرعية ، إنّما ثبتت بعد الأنبياء لنبي الإسلام وآله الأوصياء ، وتدوم إلى يوم القيامة واللقاء ، لبقاء دينه واستمرار شريعته.

خلافة إلهيّة ثابتة من الله تعالى الذي هو الجاعل في الأرض خليفة ، كما تلاحظ تفصيله في أحاديثنا الشريفة(٢) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٣٠٩ ب ٢٧ الأحاديث.

(٢) كنز الدقائق : ج ١ ص ٣٢٩.

٢٧٥

وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ مرّ أنّ حجج جمع حجّة مثل غُرَف جمع غرفة ، وهي في اللغة بمعنى الدليل والبرهان.

وحجج الله ، هم الذين يحتجّ بهم الله على خلقه ، وأتمّ الله حجّته البالغة بما جعل لهم من المعجزات الباهرات ، والدلائل الواضحات.

والبريّة بمعنى الخليفة : من برأ الله الخلق ، أي خلقهم.

وأهل البيت سلام الله عليهم حجج الله البالغة على خلقه أجمعين ، ورضى بهم الله تعالى حججاً على العالمين.

دلّت على ذلك أحاديث باب أنّهم الحجّة على جميع العوالم والمخلوقات(١) .

وفي الحديث الرضوي الشريف : «إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حتّى يعرف»(٢) .

لذلك ورد في زياراتهم التسليم عليهم بذلك ، ففي زيارة الإمام الصادق عليه السلام : «السلام عليك أيّها الحجّة على الخلق أجمعين ...».

وفي زيارة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه : «السلام عليك يا حجّة الله على من في الأرض والسماء».

وقد تقدّم مفصّل البيان والدليل في فقرة «وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى».

وفي نسخة الكفعمي : «وجعلكم حججاً على بريّته».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٤١ ب ١٥ ح ٧ ، ولاحظ ما سبق من ولايتهم التكوينية وسلطنتهم على جميع الأشياء الثابتة كتاباً وسنّة في فقرة «والسادة الولاة».

(٢) الكافي : ج ١ ص ١٧٧ ح ٣.

٢٧٦

وَاَنْصاراً لِدينِهِ (١)

____________________________________

(١) ـ الأنصار : جمع ناصر ، مأخوذ من النصرة بمعنى الإعانة وحسن المعونة ، كما وإنّ الانتصار هو الإنتقام.

ودينه : بمعنى دين الله ، وهو دين الإسلام كما صرّح به القرآن الكريم في قوله تعالى :( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) (١) .

علماً بأنّ دين الإسلام يشتمل على التوحيد والرسالة والولاية ، ولاية آل محمّد عليهم السلام.

فإنّ دين الله المقبول لا يتحقّق إلاّ بمعرفتهم ، ومن جهلهم جهل الدين ، ومات ميتةً جاهلية.

والدين مع معرفتهم هو الذي اصطفاه الله تعالى لعباده بقوله عزّ إسمه :( يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (٢) كما وردت به الأحاديث الشريفة المفسّرة(٣) .

وأهل البيت عليهم السلام هم خير الأنصار وأحسن الأعوان لدين الإسلام الشريف.

إذ هم الذين الذين بذلوا مهجهم وقدّموا نفوسهم لإعلاء كلمة الدين ، ولنصرة شريعة سيّد المرسلين ، كما صبروا على غليظ المِحَن وسجون الضغن ، في سبيل الله العظيم ودينه القويم.

فآل محمّد صلوات الله عليهم في أعلى مراتب نصرة الدين وتأييده ، وفي أعظم مراحل الانتصار للدين والدفاع عنه.

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ١٩.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٣٢.

(٣) تفسير البرهان : ج ١ ص ١٠٠.

٢٧٧

.........................................

____________________________________

جرى فيهم هذا من سيّدهم الأمير عليه السلام الذي ما استقام الدين إلاّ بسيفه(١) ، إلى خاتمهم الحجّة المهدي عليه السلام الذي لا يظهر الدين على الأرض كلّه إلاّ بدولته.

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) ـ(٣) .

وقد تقدّم في الحديث القدسي : «المهدي أنتصر به لديني»(٤) .

وكلّهم كانوا أنصار دين الله والذابّين عنه ، بل كان السبط الشهيد عليه السلام هو المحيي للدين والمبقي لشريعة سيّد المرسلين.

ففي الصلاة عليه بعد الزيارة : «وقام بين يديك يهدم الجور بالصواب ويحيي السنّة بالكتاب»(٥) .

وفي زيارته عليه السلام : «كنت لله طائعاً وللإسلام عاصماً ، تنصر الدين وتظهره»(٦) ، وقال فيه جدّه الأمين : «حسين منّي وأنا من حسين»(٧) إذ نصر دين جدّه بنفسه وأولاده ، وأهله وعياله ، وأصحابه وأحبّائه ، فكانت الشريعة الغرّاء حسينيّ البقاء.

والحقيقة سجّلت الانتصار في النتيجة له لا لعدوّه ، وسيكون هو المنتصر عند رجعته ، وقيام دولته(٨) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٦ ص ١٨٠ ب ٣٩ ح ١٧٤ ، شجرة طوبى : ج ٢ ص ٢٣٣.

(٢) سورة التوبة : الآية ٣٣.

(٣) تفسير الصافي : ج ٢ ص ٣٣٨.

(٤) مشكاة الأنوار : ص ٢٠٨.

(٥) مصباح الزائر : ص ٢٤٨.

(٦) مصباح الزائر : ص ٢٣١.

(٧) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٢٧١ ح ٣٦.

(٨) بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٣٩ ب ٢٩ الأحاديث.

٢٧٨

وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ (١)

____________________________________

(١) ـ أي ورضيكم حفظه لسرّه ، وقد تقدّم في الفقرة الشريفة : «وحفظة سرّ الله» بيان المعنى والدليل بما حاصله : الحفظة جمع حافظ ، من الحفظ بمعنى الرعاية والمواظبة والإعتناء.

وسرّ الله تعالى هو ما يلزم أن يكتم ، ولا يجوز إطهارها إلاّ لمن يتحمّلها من الكُمّلين كالملك المقرّب ، والنبي المرسل ، والعبد الممتحن.

وأهل البيت عليهم السلام هم الحافظون للأسرار الإلهية المكنونة ، وعلوم الغيب المخزونة ، وحِكَم الكائنات ، وحكمة المخلوقات.

وتضيف هذه الفقرة من الزيارة المباركة أنّ الله تعالى رَضِىَ بهم حفظة لتلك الأسرار ، وحافظين لتلك الآثار.

حيث عَلِمَ تعالى فيهم كمال القابلية ، ومنتهى التحمّل ، ورآهم المثل الأعلى والقمّة العليا لأسرار عالَم المُلك والملكوت ، وعرفهم الصفةة اللائقة لتحمّل غيب السماوات والأرضين.

وتعرف حافظيّتهم وتحمّلهم للأسرار والغيوب الإلهية من خلال دراسة سيرتهم وحياتهم وعشرتهم وكلماتهم ، التي توجب العلم بكونهم خزنة مكنون الأسرار ، والمرضيين ذلك من قبل الله القهّار.

وقد عرفت حديث سيف التمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام : «لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما ، ولأنبئتهما بما ليس في أيديهما»(١) .

وفي حديث زياد بن المنذر ، عن الإمام الباقر عليه السلام : «أنا شجرة النبوّة وموضع

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٢٦٠ ح ١.

٢٧٩

.........................................

____________________________________

سرّ الله ووديعته»(١) .

وفي حديث النعمان بن سعد ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : «وأنا المؤتمن على سرّ الله»(٢) .

وجاء في حديث حمران بن أعين ، عن الإمام الصادق عليه السلام : «لم يُعلّم الله محمّداً صلى الله عليه وآله علماً إلاّ وأمره أن يعلّمه عليّاً عليه السلام»(٣) .

وفي نسخة الكفعمي : «وحفظة لحكمته».

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٢٤٥ ب ١٣ ح ١٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٣٣٥ ب ٩٠ ح ١.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٢٦٣ ح ١.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698