في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة5%

في رحاب الزيارة الجامعة مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-7165-40-4
الصفحات: 698

  • البداية
  • السابق
  • 698 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66203 / تحميل: 4618
الحجم الحجم الحجم
في رحاب الزيارة الجامعة

في رحاب الزيارة الجامعة

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٤٠-٤
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

.........................................

____________________________________

احتمل هذا المعنى الفاضل التفرشي(١) .

الثالث : أن يكون العنى أنّ ذكركم في الذاكرين أي ذاكري الله تعالى لأنّكم سادات الذاكرين ، وكذلك إذا ذُكرت الأسماء الشريفة ، والأجساد الطاهرة ، والأرواح الطيّبة ، والأنفس السليمة ، والآثار الحسنة ، والقبور المقدّسة ، فأسماؤكم وأجسادكم وأرواحكم وأنفسكم وآثاركم وقبوركم داخلة فيها لأنّكم سادة السادات وقادة الهداة وأقدس الموجودات.

احتمل هذا المعنى السيّد شبّر أيضاً(٢) .

وجميع هذه المعاني تعطي تفوّق أهل البيت عليهم السلام على الآخرين ، ورفعتهم في جميع الجهات على الخلق أجمعين.

فذكرهم الشريف ذكر الله الأكبر ، وهو يمتاز حتّى على ذكر الطيّبين.

كما تلاحظه في تفسير قوله تعالى :( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) (٣) ففي حديث سعد الخفّاف عن الإمام الباقر عليه السلام : «نحن ذكر الله ونحن أكبر»(٤) .

وأسماؤهم المباركة هي أسماء الله الحسنى ، فتكون لها المرتبة العليا على جميع الأسماء كما تلاحظه في تفسير قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) (٥) ـ(٦) .

وأجسادهم الشريفة مخلوقة من أعلى علّيين ، كما أنّ أرواحهم السامية مخلوقة من نور عظمة الله العظيم ، فلا يدانيهم أجساد وأرواح العالمين.

وقد عرفت أحاديثه فيما تقدّم من فقرة : «وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة».

__________________

(١) هامش الفقيه : ج ٢ ص ٦١٦.

(٢) الأنوار اللامعة : ص ١٨٨.

(٣) سورة العنكبوت : الآية ٤٥.

(٤) الكافي : ج ٢ ص ٥٩٨ ح ١.

(٥) سورة الأعراف : الآية ١٨٠.

(٦) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٢٥١.

٦٠١

.........................................

____________________________________

وأنفسهم الطيّبة نفوس عالية مطمئنة راضية مرضية ، فلا يقاس بها نفوس الآخرين. تلاحظها في تفسير قوله تعالى :( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) (١) ـ(٢) .

وآثارهم الحسنة تتعالى على كلّ حسنة ، بل هي الهادية إلى الحسنات والموصلة إلى المكرمات.

حيث إنّ من آثارهم الحكم بالحقّ ، والتذكير بالله تعالى ، والدعوة إليه ، والحرص على سعادة الخلق وصلاح شأنهم والرأفة بهم وغير ذلك.

تلاحظ بيان الآيات والروايات لذلك في فصل ضرورة الإمامة(٣) .

وقبورهم الشامخة من البقع التي طهّرها الله تعالى وشرّفها ، بل هي من البيوت التي أذن الله أن ترفُع(٤) .

وقد تقدّم بيانه في فقرة «فجعلكم في بيوتٍ أذن الله أن تُرفع».

فأهل البيت عليهم السلام في جميع شؤونهم السامية لا يقاس بهم أحد من الخلق قاطبة. وفي حديث نهج البلاغة : «لا يقاس بآل محمّد صلى الله عليه وآله من هذه الاُمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً»(٥) .

وكذا في حديث طارق بن شهاب ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : «... فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصّة الله وخالصته ...»(٦) .

__________________

(١) سورة الفجر : الآية ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) كنز الدقائق : ج ٤ ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠.

(٣) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى : ص ٢٦٦.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ١٤١.

(٥) نهج البلاغة : الخطبة رقم ٢ ص ٢٤.

(٦) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ١٧٤ ب ٣ ح ٣٨.

٦٠٢

فَما اَحْلى اَسْمائَكُمْ (١)

____________________________________

(١) ـ ما أحلى : فعل تعجّب من الحلاوة بمعنى الحُسن.

والحلاوة : نقيض المرارة ، وحلا الشيء بعينيْ أي أعجبني وحسُن عندي ، قيل : الحلاوة هي ما تلائم الطبع ويلتذّ به ، ويكون في كلّ شيء بحسبه ، ويستعمل للاُمور الحسّية والمعنوية كلتيهما.

فالمعنى : ما أحسن أسماؤكم الشريفة.

حيث عرفت أنّها أسماء الله تعالى.

٦٠٣

وَاَكْرَمَ اَنْفُسَكُمْ (١) وَاَعْظَمَ شَأنَكُمْ (٢) وَاَجَلَّ خَطَرَكُمْ (٣) وَاَوْفى عَهْدَكُمْ (٤)

____________________________________

(١) ـ أي وما أكرم ، وهو أيضاً فعل تعجّب من الكرم الذي هو ضدّ اللؤم ، والذي هو صفة لكل ما يُرضى ويحمد من الصفات الحسنة والسجايا الطيّبة.

فامعنى : ما أكرم وأحمد وأطيب نفوسكم العالية.

حيث عرفت أنّها النفوس المطمئنة الراضية المرضية.

(٢) ـ الشأن : هو الأمر والحال ، أي ما أعظم شأنكم الرفيع وأمركم المنيع ورتبتكم الشامخة.

حيث إنّهم آتاهم الله تعالى ما لم يؤت أحداً من العالمين ، فكان شأنهم أعظم من الخلق أجمعين.

(٣) ـ الخَطَر : بفتحتين هو القدر والمنزلة ، أي ما أجلّ وأعظم قدركم ومنزلتكم عند الله تعالى.

حيث كانوا أحبّ الخلق إلى الله وأقربهم إليه وأعزّهم عنده ، إذ هم صفوته.

(٤) ـ العهد : ورد في اللغة لمعانٍ منها الوصيّة ، والتقدّم في الأمر في الشيء ، والمَوثِق ، واليمين ، والأمان ، والذمّة والضمان(١) .

أي ما أوفى عهدكم الذي عاهدتم به الله تعالى ، كما تقدّم في فقرة : «ووكّدتم ميثاقه» وكذلك ما أوفى عهودكم مع الناس.

حيث إنّ الوفاء بالعهد من شيمة الصادقين ، وأمثل الصادقين هم الأئمّة الطاهرون.

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ١٥٨.

٦٠٤

وَاَصْدَقَ وَعْدَكُمْ (١) كَلامُكُمْ نُورٌ (٢)

____________________________________

(١) ـ أي وما أصدق وعدكم ، والوعد في الخير.

وقد صدقهم الله تعالى وعده ، وهو أصدق الصادقين.

كما صدقوا هم في وعدهم مع الناس.

حيث إنّهم أهل آية الصادقين. وقد تقدّم بيانه ودليله في فقرة «الصادقون».

(٢) ـ النور : هو الضوء المنتشر ، والكيفية الظاهرة بنفسها المُظهرة لغيرها.

وُصف به كلام أهل البيت عليهم السلام لأنّه علمٌ وهداية نَوَّر القلوب ، ونوّر العالَم ، فكان كلامهم نوراً في نفسه ، ومنوّراً بالهداية لغيره ، ومجلّياً مذهِباً للعمى والظلمة عن الناس.

وذلك لما يلي :

أوّلاً : أنّهم مخلوقون من نور عظمة الله تعالى فكانوا بشراً نورانيين ، ومن الواضح أنّ كلامهم شعاع منهم ، ولا يشعّ من النور إلاّ النور.

وتلاحظ خلقتهم النورية في حديث الإمام الصادق عليه السلام(١) .

وحديث أمير المؤمنين عليه السلام(٢) .

وتفصيل البيان والدليل مرّ في فقرة «خلقكم الله أنواراً».

ثانياً : أنّهم عليهم السلام نور الله عزّ وجلّ ، ومظاهر نوره في السماوات والأرض ، ينوّر الله بهم قلوب المؤمنين ، فكان كلامهم نوراً.

وتلاحظ حديث ذلك في مجامعنا(٣) ومضى البيان والدليل في فقرة «ونوره».

وقد ورد في زيارة الإمام الحجّة عليه السلام : «السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٣٨٩ ح ٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١ ب ١٣ ح ١.

(٣) الكافي : ج ١ ص ١٩٤ ح ١.

٦٠٥

.........................................

____________________________________

المهتدون»(١) .

ثالثاً : أنّ كلامهم عليهم السلام مأخوذ من كلام الله تعالى وقرآنه الذي هو نور منزّلعلى الرسول ، فيكون كلامهم نوراً أيضاً ، بتبعية الجزء للكل والفرع للأصل.

ففي حديث هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : «حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عزّ وجلّ»(٢) .

ويدلّ على نوريّة كلام الله تعالى قوله عزّ إسمه :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (٣) .

وقد برهن الدليل الوجداني حسّاً على نورانية كلام الله تعالى في وقائع عديدة مثل قضية محمّد كاظم الكريمي الساروقي رحمه الله تعالى.

وحاصل قضيّته كما حكى هو أنّه : كان يسكن هذا المؤمن البالغ من العمر (٧٠) سنة في قرية ساروق التابعة لبلدة أراك ، وفي عصر إحدى أيّام الخميس يذهب إلى زيارة حرم بعض أولاد المعصومين عليهم السلام (امامزاده باقر وجعفر) فيرى هناك سيّدين جليلين ، يقولان له : إقرأ هذه الكتيبة القرآنية المكتوبة في أطراف الحرم.

فيجيب : أنا لا أعرف القراءة والكتابة.

فيقولان له : إقرأ ما تتمكّن من القراءة.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٠٢ ص ٢١٥ ب ٥٨.

(٢) وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ٥٨ ح ٢٦.

(٣) سورة النساء : الآية ١٧٤.

٦٠٦

.........................................

____________________________________

فيلتفت الساروقي وتطرأ عليه حالة خاصّة ، يسقط فيها على الأرض في ذلك الحرم إلى عصر يوم غد حين يأتي أهل القرية لزيارة الحرم ، فيفيقونه من حالته.

ومباشرةً يرى الساروقي نفسه حافظاً لجميع القرآن الكريم ويشير إلى الكتيبة الموجودة في الحرم ويقول : إنّها سورة الجمعة فيقرأها ، ويقرأ جميع السور القرآنية بنحو الحفظ وبشكلٍ صحيح. بل يمكنه قراءة كلّ سورة بالعكس من الآخر إلى الأوّل ، ويعرف كلّ آية من كلّ سورة.

وكان يميّز في كلّ كتاب الآية القرآنية عن غيرها وسُئل عن ذلك.

فقال : إنّي أرى الآية القرآنية نوراً ومنيرة ، فاُميّزها عن غيرها(١) .

ويرهن الوجدان أيضاً على نورانية كلام أهل البيت عليهم السلام في مثل مكاشفة العالم الجليل الميرزا مهدي الأصفهاني أعلى ألله مقامه الشريف ، فيما حكاه عنه بعض تلامذته بما حاصله :

أفاد الميرزا قدس سره : إنّي حيث عرفت أنّ طريق القرآن الكريم والأحاديث الشريفة مختلف مع طريق الفلسفة اليونانية والتصوّف العرفاني ، وعلمت أنّ أكبر عالم واُستاذ لهداية الاُمّة إلى حقيقة المعرفة في زماننا هو بقيّة الله الحجّة بن الحسن المهدي عليه السلام التجئت إليه وتضرّعت له وتوسّلت به في مواضع عديدة ، في مسجد السهلة وغيره ، للهداية إلى المعرفة الحقّة.

فتشرّفت يوماً عند النبيَّين هود وصالح في وادي السلام في النجف الأشرف بخدمة الإمام المنتظر سلام الله عليه ، وقرّت عيني به ، رأيته واقفاً وعلى صدره المبارك ورقةً مزيّنة الأطراف بماء الذهب ، وقد كتب في وسطها سطر واحد بخطّ

__________________

(١) داستانهاي شگفت : ص ١٠٠.

٦٠٧

.........................................

____________________________________

نوريّ أخضر : «طلب المعارف من غيرنا أهل البيت مساوق لإنكارنا».

وكتب تحته بخطّ أنعم امضاؤه الشريف :

«وقد أقامني الله وأنا الحجّة بن الحسن».

فأحسست في نفسي نوراً من المعرفة ، وتجسّم في نظري فساد الفلسفة ومخالفتها لمعارف الإسلام(١) .

وأضاف السيّد شبّر في تفسير : «كلامكم نور» إنّ لكلامهم امتياز عن غيره كامتياز النور عن الظلمة ، فإنّ كلامهم دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

ثمّ قال قدس سره : (وما ترى في كثير من الروايات من عدم سلاسة الألفاظ وجزالة المعاني والتكرار ونحو ذلك فإمّا لأنّه نقل بالمعنى ، أو لأنّهم يكلّمون الناس على قدر عقولهم وأفهامهم)(٢)

وأهل البيت عليهم السلام اُمراء الكلام منهم نشبت عروقه ، وعليهم تهدّلت أغصانه ، وهم ورثة رسول الله تعالى الذي كلامه وحي الله ، وهم بمنزلة الرسول في خصائصهم(٣) .

__________________

(١) أبواب الهدى : المقدّمة ص ٤٥.

(٢) الأنوار اللامعة : ص ١٩٠.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ٥٠ ب ١٨ ح ٢.

٦٠٨

وَاَمْرُكُمْ رُشْدٌ (١)

____________________________________

(١) ـ الرُشد : هي الهداية مع إصابة الحقّ(١) . ويكون في الاُمور الدنيوية والاُخروية(٢) . وهي الاستقامة في طريق الحقّ ، مع تصلّب فيه(٣) .

ومن أسماء الله تعالى : (الرشيد) أي الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي هداهم ودلّهم.

ومن أوصاف الأئمّة الأطهار عليهم السلام : (الراشدون) أي الهادون إلى طريق الحقّ والصواب.

ومعنى «أمركم رشد» أنّ ما أمرتم به أنتم يكون مصيباً للحقّ ، وموجباً للهداية ، ومؤدّياً إلى الإستقامة في طريق الحقّ.

فإنّهم عليهم السلام لا يأمرون إلاّ بأمر الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلاّ صلاحاً للعباد في الدنيا والمعاد.

والدليل على ذلك :

١ / أنّهم عليهم السلام مع الحقّ والحقّ معهم ولن يفترقا إلى يوم القرار.

فلا يكون أمرهم إلاّ بما هو حقّ ورشد وصواب كما نصّت على ذلك الأحاديث المتواترة بين الفريقين(٤) .

٢ / أنّهم عليهم السلام هم الأئمّة الراشدون كما نصّ على ذلك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله(٥) فتكون أوامرهم راشدة.

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٢٠٥.

(٢) المفردات : ص ١٩٦.

(٣) القاموس : ج ١ ص ٢٩٤.

(٤) غاية المرام : ص ٥٣٩ من الخاصّة في (١٠) طرق ومن العامّة في (١٥) طريقاً ، وتلاحظها بالتفصيل في بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٢٦ ، إحقاق الحقّ : ج ٤ ص ٢٧ ، وج ٩ ص ٤٧٩.

(٥) غاية المرام : ص ٢٠٥ ح ٤٨.

٦٠٩

.........................................

____________________________________

وبذلك تعرف أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الراشدون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لملازمة الحقّ معهم ، وعصمتهم ، والتنصيص على راشديتهم.

ولا يتّصف بالرشد غيرهم ممّن ادّعى لهم ذلك ، لما تلاحظه من الجهل والزلل الصادر منهم ، ممّا سُجّلت في مصادر نفس العامّة.

وليحكم بعدها ذوو الأنصاف والسداد هل تجتمع هذه الاُمور مع الرشاد؟!

مثل ما في :

١ ـ حديث ابن سعد في طبقاته : لمّا بويع أبو بكر قام خطيباً (فقال :) أمّا بعد فإنّي ولّيت هذا الأمر وأنا له كاره (إلى أن قال :) وإنّما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت فاتّبعوني ، وإن رأيتموني زغت فقوّموني.

واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني (الخطبة) روى هذا الحديث ابن جرير الطبري في تاريخه ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، والهيثمي في المجمع ، والهندي في كنز العمّال(١) .

٢ ـ حديث ابن حجر في كتابه فتح الباري : أنّه عقد أبو طلحة زيد بن سهل مجلس خمر في بيته ودعا عشرة أشخاص من المسلمين ، فشربوا وسكروا ، حتّى أنّ أبا بكر أنشد أشعاراً في رثاء قتلى المشركين في بدر!!! وهم :

١ ـ أبو بكر بن أبي قحافة ٢ ـ عمر بن الخطّاب ٣ ـ أبو عبيدة الجرّاح ٤ ـ اُبيّ ابن كعب ٥ ـ سهل بن بيضاء ٦ ـ أبو أيّوب الأنصاري ٧ ـ أبو طلحة «صاحب البيت» ٨ ـ أبو دحانة سمّاك بن خرشة ٩ ـ أبو بكر بن شغوب ١٠ ـ أنس بن مالك ، وكان عمره يومذاك (١٨) سنة ، فكان يدور في المجلس بأواني الخمر ويسقيهم.

__________________

(١) السبعة من السلف : ص ٩.

٦١٠

.........................................

____________________________________

وروى البيهقي في سننه عن أنس أنّه قال : وكنت أصغرهم سنّاً وكنت الساقي في ذلك المجلس!

وروى هذا الحديث البخاري في صحيحه ، في تفسير الآية الكريمة :( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) (١) .

ومسلم في صحيحه في كتاب الأطعمة والأشربة / باب تحريم الخمر.

والإمام أ؛مد بن حنبل في مسنده ج ٣ / ١٨١ و ٢٢٧.

وابن كثير في تفسيره ج ٢ / ٩٣ و ٩٤.

وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ج ٢ / ٣٢١.

والطبري في تفسيره ج ٧ / ٢٤.

وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج ٤ / ٢٢ ـ وفي فتح الباري ج ١٠ / ٣٠.

وبدر الدين الحنفي في عمدة القاري ج ١٠ / ٨٤.

والبيهقي في سننه ٢٨٦ و ٢٩٠(٢) .

٣ ـ حديث الأبشيهي قال ما نصّه : قد أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات الاُولى : قوله تعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) (٣) الآية فكان من المسلمين من شارب ومن تارك ، إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر ، فنزل قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) (٤) .

فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركها ، حتّى شربها عمر فأخذ بلحى

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٩١.

(٢) ليالي پيشاور : ص ٦٥٦.

(٣) سورة البقرة : الآية ٢١٩.

(٤) سورة النساء : الآية ٤٣.

٦١١

.........................................

____________________________________

بعير وشجّ به رأس عبد الرحمن بن عوف ، ثمّ قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر ويقول :

ألا من مبلغ الرحمن عنّي

بأني تاركٌ شهر الصيام

فقل لله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج مغضباً يجرّ رداءه ، فرفع شيئاً كان في يده فضربه به.

فقال : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.

فأنزل الله تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) .

فقال عمر : انتهينا انتهينا(١) .

٤ ـ حديث جرأة عثمان على رسول الله صلى الله عليه وآله وإيذاءه له فيما حكي عن الحميدي في الجمع بين الصحيحين أنّه قال السدي في تفسير قوله تعالى :( وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ) (٢) أنّه لمّا توفّي أبو سلمة ، وعبد الله بن حذافة وتزوّج النبي صلى الله عليه وآله امرأتيهما : اُمّ سلمة وحفصة.

قال طلحة وعثمان : أينكح محمّد نساءنا إذا متنا ولا تنكح نساؤه إذا مات؟! والله لو قد مات لقد أجلبنا على نسائه بالسهام ، وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد اُمّ سلمة.

فأنزل الله تعالى :( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا * إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ

__________________

(١) المستطرف ك ج ٢ ص ٢٢٩.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٥٣.

٦١٢

.........................................

____________________________________

عَلِيمًا ) (١) ، وأنزل :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٢) ـ(٣) .

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٥٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٣١ ص ٢٣٧ ، وجاء في حديث ابن عبّاس عن رجل في الدرّ المنثور : ج ٥ ص ٢١٥.

٦١٣

وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى (١)

____________________________________

(١) ـ الوصيّة : هو العهد.

والتقوى في اللغة : فرط الصيانة ، وفي العرف : صيانة النفس عمّا يضرّها في الآخرة وقصرها على ما ينفعها فيها ، ولها ثلاث مراتب كما تقدّم بيانه(١) . ، وتقدّم التفصيل في فقرة : «وأعلام التقى».

وقلنا : إنّ أجمع وألطف تفسير للتقوى هو ما في الحديث الصادقي عليه السلام :

«أن لا يفقدك حيث أمرك ، ولا يراك حيث نهاك»(٢) .

وأهل البيت عليهم السلام هم سادة المتّقين ، ولم يزالوا يوصون بالتقوى الخلق أجمعين ، أرشدوا الناس إليها وحثّوهم عليها بالقول والعمل ، فكانوا في ذلك الاُسوة والقدوة ، شهد لهم بذلك الولي والعدوّ.

فقد روى سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس :( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) (٣) علي بن أبي طالب عليه السلام خاف فانتهى عن لمعصية ، ونهى عن الهوى نفسه.

( فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ) (٤) خاصّاً لعلي عليه السلام ومن كان على منهاجه هكذا عامّاً.

وروى قتادة ، عن الحسن ، عن ابن عبّاس في قوله :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ) (٥) هو علي بن أبي طالب عليه السلام سيّد من اتّقى عن ارتكاب الفواحش.

ثمّ ساق التفسير إلى قوله :( جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ ) (٦) لأهل بيتك خاصّاً لهم وللمتّقين عامّاً.

وفي تفسير أبي يوسف : يعقوب بن سفيان ، عن مجاهد وابن عبّاس( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧٠ ص ١٣٦.

(٢) سفينة البحار : ج ٨ ص ٥٥٨.

(٣) سورة النازعات : الآية ٤٠.

(٤) سورة النازعات : الآية ٤١.

(٥) سورة النبأ : الآية ٣١.

(٦) سورة النبأ : الآية ٣٦.

٦١٤

.........................................

____________________________________

فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ) (١) من اتّقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام.

وروى الأصبغ بن نباتة قال علي عليه السلام : «دخلت بلادكم بأشمالي هذه ورحلتي وراحلتي ها هي ، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنّني من الخائنين».

وفي رواية : «يا أهل البصرة ما تنقمون منّي ، إنّ هذا لمن غزل أهلي؟» ـ وأشار إلى قميصه ـ.

وترصّد غداءه عمرو بن حريث ، فأتت فضّة بجراب مختوم ، فأخرج منه خبزاً متغيّراً خشناً.

فقال عمرو : يا فضّة لو نخلت هذا الدقيق وطيّبتيه.

قالت : كنت أفعل فنهاني ، وكنت أضع في جرابه طعاماً طيّباً فختم جرابه.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام فتّه في قصعة ، وصبّ عليه الماء ، ثمّ ذرّ عليه الملح وحسر عن ذراعه ، فلمّا فرغ قال : يا عمرو لقد حانت هذه ـ ومدّ يده إلى محاسنه ـ وخسرت هذه أن اُدخلها النار من أجل الطعام ، وهذا يجزيني.

ورآه عدي بن حاتم وبين يديه شنّة فيها قراح ماء وكسرات من خبز شعير وملح ، فقال : إنّي لا أرى لك يا أمير المؤمنين لتظلّ نهارك طاوياً مجاهداً وبالليل ساهراً مكابداً ، ثمّ يكون هذا فطورك ، فقال عليه السلام :

علّل النفس بالقنوع وإلاّ

طلبت منك فوق ما يكفيها(٢)

هذه سيرتهم في التقوى عملاً ، وقد أوصوا بها قولاً أيضاً.

ففي الرسالة الجليلة للإمام الصادق عليه السلام في جواب النجاشي : «واعلم أنّ

__________________

(١) سورة المرسلات : الآية ٤١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤٠ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٥ ب ٩٨.

٦١٥

.........................................

____________________________________

الخلائق لم يوكّلوا بشيء أعظم من التقوى فإنّه وصيّتنا أهل البيت»(١) .

وقد أكّدو عليهم السلام على التقوى غاية التأكيد ، ويحسن ملاحظة خطبة المتّقين لأمير المؤمنين عليه السلام ، ورسالته إلى عثمان بن حنيف ، وكلام جميع المعصومين عليهم السلام في الوصية بذلك.

وبحقٍ كانوا عليهم السلام سادة المتّقين ، بل أعلام التقى ، والمثل الأعلى في الوصية بالتقوى.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧٧ ص ١٩٤ ب ٧ ح ١١.

٦١٦

وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ (١) وَعادَتُكُمُ الاْحْسانُ (٢) وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ (٣)

____________________________________

(١) ـ الخير : ضدّ الشرّ ، وكلّ شيء لا سوء فيه(١) .

والخيرات هي الأعمال الصالحة ، وفسّر الخير بمكارم الأخلاق(٢) .

والخير هو ما يرغب فيه الكل كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع(٣) .

والمعنى : أنّ ما تفعلونه أهل البيت هو الخير ، فلا يصدر منكم الشرّ أبداً ، فإنّهم عليهم السلام خلفاء الله تعالى الذي هو أصل كلّ خير ، ولا يريد بعباده الشرّ ، فيكون خلفاؤه أيضاً مظاهر فعل الخير.

(٢) ـ العادة : اسم لتكرير الشيء مراراً بحيث يكون تعاطيه سهلاً كالطبع ، لذلك قيل العادة طبيعة ثانية(٤) .

والإحسان : ضدّ الإساءة ، وهو الإنعام على الغير(٥) .

والمعنى : أنّ ما اعتاده أهل البيت عليهم السلام هو الإحسان والإنعام إلى الخلق جميعهم ، صديقهم وعدوّهم وبرّهم وفاجرهم.

فإنّهم خلفاء الله المحسن إلى جميع خلقه فيحسنون.

مضافاً إلى قيام دليل الوجدان على هذا الإحسان.

(٣) ـ السجيّة : هي الغريزة والطبيعة التي جُبل عليها الإنسان(٦) .

والكرم : ضدّ اللؤم ، وهو كلّ ما يُرضى ويحمد ويحسن ، من الجود في العطاء ، وبذل أنواع الخير.

والمعنى : أنّ أهل البيت عليهم السلام طبيعتهم الكرم ، جادوا بالمكارم حتّى صار الكرم

__________________

(١) مرآة الأنوار : ص ٩٤.

(٢) مجمع البحرين : ص ٢٥٨.

(٣) المفردات ص ١٦٠.

(٤) المفردات : ص ٣٥٢.

(٥) المفردات : ص ١١٩.

(٦) مجمع البحرين : ص ٤٣.

٦١٧

.........................................

____________________________________

لهم طبيعة وسجيّة.

فإنّهم خلفاء الله تعالى الذي هو أكرم الأكرمين ، وهم وسائل الفيض الإلهي من ربّ العالمين ، كما تقدّم في الزيارة الشريفة في فقرة «واُصول الكرم».

ويكفيك دليلاً وجدانياً على هذه الصفات الحسنة فيهم ، ملاحظة حياتهم المليئة بالخيرات ، والموسومة بالبركات.

ولقد جادوا بكلّ غالٍ ونفيس في سبيل ربّهم ، وأنفقوا وأحسنوا إلى غيرهم بالرغم من خصاصتهم ، فأنزل الله تعالى فيهم :( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) ـ(٢) .

ولقد آثروا غيرهم على أنفسهم في مواضع عديدة يكفيك منها إيثار المسكين واليتيم والأسير ثلاثة أيّام مع تحمّل الجوع حتّى أنزل الله فيهم :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) (٣) ـ(٤) .

وتظافر الحديث في كرمهم وكراماتهم فيما تلاحظه في سيرتهم(٥) .

ولقد كان معروفهم وفضلهم مبذولاً حتّى في ساعة عسرتهم كما في إنفاق الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء.

وقد شهد بسخائهم وكرمهم حتّى أعداؤهم كما تلاحظه في النقل(٦) .

وأهل البيت عليهم السلام هم المختصّون برحمة الله الواسعة الفيّاضة التي تلاحظ المثل الأعلى منها في حديث الإمام الرضا عليه السلام المتقدّم(٧) .

__________________

(١) سورة الحشر : الآية ٩.

(٢) كنز الدقائق : ج ١٣ ص ١٧٥ ، إحقاق الحقّ : ج ٩ ص ١٤٤.

(٣) سورة الدهر : الآية ٨.

(٤) كنز الدقائق : ج ١٤ ص ٥٢.

(٥) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٢٤ ب ١٠٢ الأحاديث.

(٦) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢١.

(٧) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٢٦ ب ٢٩ ح ٤٤.

٦١٨

وَشَأنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ (١) وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ (٢)

____________________________________

(١) ـ الشأن : هو الأمر والحال.

والحقّ : هو كلّ شيء ثابت محقّق ذو حقيقة ، ضدّ الباطل الذي لا حقيقة له.

والصدق : خلاف الكذب ، وهو مطابقة الخبر لما في نفس الأمر.

والرفق : ضدّ العنف والخرق ، وهو لين الجانب ، وأن يحسن الرجل العمل.

والمعنى : أنّكم أهل البيت شأنكم هو الحقّ في أحوالكم ، والصدق في أقوالكم ، والرفق في أفعالكم ومعاشرتكم.

فإنّهم عليهم السلام حجج الله تعالى على خلقه ، والسائرون فيهم من قِبَله ، ومظاهر صفاته فيكونون متّصفين بالحقّ والصدق والرفق.

وفي نسخة الكفعمي : «وشأنكم الحقّ ، وكلامكم الصدق ، وطبعكم الرفق».

(٢) ـ الحكم : هو العلم والفقه والقضاء بالعدل(١) .

وفسّره والد المجلسي والسيّد شبّر بالحكمة ، التي عرفت بأنّها هي العلوم الحقيقيّة الإلهية.

والحتم : هو المعزوم الذي يجب اتّباعه.

والمعنى : أنّ قولكم أهل البيت هو ما قضاه الله تعالى الذي هو محتوم يجب اتّباعه ، أو حكمة الله التي يجب متابعتها.

وحتميّة اتّباع أقوال أهل البيت عليهم السلام ووجوب طاعتهم ممّا ثبت بصريح الكتاب في قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٥١٢.

(٢) سورة النساء : الآية ٥٩.

٦١٩

وَرَأيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ (١) اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ وَاَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأواهُ وَمُنْتَهاهُ (٢)

____________________________________

(١) ـ الحلم : هو العقل ، وفسّر به قوله تعالى :( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم ) (١) أي عقولهم.

والحزم : ضبط الرجل أمره ، والحذر من فواته ، من قولهم : حزمت الشيء حزماً أي شددته وقوله : أخذت بالحزم أي المتقن المتيقّن(٢) .

فالمعنى : أنّ رأيكم أهل البيت هو علم إلهي وليس برأي ظنّي أو تخميني ، وهو صادر عن عقل سليم لا عن سفه ، وهو مضبوط متقن متيقّن لا شكّ فيه.

فإنّه رأي معصوم عصمه الله من الزلّة ، وأيّده بالروحية القدسيّة ، فلا مجال فيه لسفاهة النظر أو خطل الرأي ، كما تقدّم في فقرة : «عصمكم الله من الزلل».

وفي نسخة الكفعمي : «ورأيكم علم وحلم وكرم ، وأمركم عزم وحزم».

(٢) ـ عرفت فيما تقدّم أنّ الخير هو ما لا سوء فيه ، والعمل الصالح ، ومكارم الأخلاق ، وما يرغب فيه الجميع ، والشيء النافع.

وأهل البيت عليهم السلام مثال الخير الكامل ، وأكمل الخير ، والخير الكثير كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة.

فمن الكتاب سورة الكوثر المباركة. ومن السنّة أحاديث تفسيرها(٣) .

وهم عليهم السلام أوّل الخير فابتداؤه بهم ومنهم وببركتهم ، كما ينبىء عنه حديث لولاك(٤) .

وأصل الخير منهم عليهم السلام فهم المقصودون بالخير أصالة ، ثمّ وصل منهم إلى

__________________

(١) سورة الطور : الآية ٣٢.

(٢) مجمع البحرين : ص ٥١٠.

(٣) كنز الدقائق : ج ١٤ ص ٤٥٩ ، مجمع البيان : ج ١٠ ص ٥٤٩.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٢٨ ب ١ ح ٤٨ ، وفي العوالم : ج ١١ قسم ٢ ص ٤٣.

٦٢٠

.........................................

____________________________________

غيرهم ، وهم أصل الوجود الذي هو مبدأ الخيرات.

وفرع الخير هم عليهم السلام من حيث إنّ وجودهم وخيرهم نشأ من خير الله تعالى وفضله.

وهم عليهم السلام معدن الخير أي محلّ استقراره وإفاضته فإنّهم يفيضون كلّ خير.

وهم عليهم السلام مأوى الخير أي مرجعه إذ لا يوجد الخير إلاّ عندهم ، ولا يصدر إلاّ منهم.

وهم عليهم السلام منتهى الخير أي أنّ كلّ خير صادر من غيرهم يكون راجعاً إليهم ، فيكونون منتهى الخير.

فالخير الأمثل بالوصف الأفضل هو لأهل البيت عليهم السلام لأنّهم سبب الخير ، ووسيلة الفيض ، ومهبط الخيرات الإلهية ، والبركات الربّانية.

ففي الزيارة المطلقة الاُولى للإمام الحسين عليه السلام : «إرادة الربّ في مقادير اُموره تهبط إليكم ، وتصدر من بيوتكم»(١) .

وقد دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالخير الكثير ودعاؤه مستجاب غير مردود(٢) .

وهم الأساس لجميع الخيرات التي أفضلها العبادات التي هي خير الدنيا والآخرة ، ولو لاهم ما عُبد الله تعالى.

وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام :

«نحن أصل كلّ خير ، ومن فروعنا كلّ برّ ، فمن البرّ التوحيد ، والصلاة والصيام وكظم الغيظ ، والعفو عن المسيء ، ورحمة الفقير ، وتعهّد الجار ، والإقرار بالفضل

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ص ٥٧٥ ح ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ٥٩٦ ب ٢ ح ٣١٩٩ ، التهذيب : ج ٦ ص ٥٥ ب ١٦ ح ١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ١٢٠ ب ٥ ح ٢٩.

٦٢١

.........................................

____________________________________

لأهله ، وعدوّنا أصل كلّ شرّ ...»(١) .

وفي نسخة الكفعمي هنا : «إن ذكر الخير كنتم أوّله وآخره ، وأصله وفرعه ، ومعدنه ومأواه ، وإليكم منتهاه».

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٥١٠.

٦٢٢

بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي (١)

____________________________________

(١) ـ مضى أنّ هذه الكلمات موضوعة لإنشاء التحبيب في الخطاب ، وتعظيم المخاطب ، وتكريرها تأكيد وتثبيت لتفدية أعزّ ما يحبّه الإنسان ابيه واُمّه ونفسه لسادته وأئمّته الذين هم سبيل النجاة في المحيا والممات.

٦٢٣

كَيْفَ اَصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ (١) وَاُحْصي جَميلَ * بَلائِكُمْ (٢)

____________________________________

(١) ـ الثناء : هو المدح ، والذكر الحسن ، والكلام الجميل.

وحسن ثنائكم من إضافة الصفة إلى الموصوف ، نظير قولهم كريم الأب ، وأبيّ النفس ، يعني ابوه كريم ، ونفسه أبيّة ، وكذلك هنا بمعنى أنّ ثناؤهم ومدحهم الحسن.

فالمعنى أنّه كيف أقدر على توصيف حسن مدحكم يعني مدحكم الحسن الجميل ، أو حسن ثناءكم وتجميدكم لله تعالى؟ والحال أنّه بكم أخرجنا الله من الذلّ الخ.

فإنّ حسن ثنائهم لا يُتوصّل إلى غايته فكيف يوصف حقّ وصفه.

إذ أنّهم عليهم السلام أهل الثناء من بداية الخلقة إلى يوم القيامة.

(٢) ـ البلاء هنا هي : النعمة ومنه الدعاء : «الحمد لله على ما أبلانا» أي أنعم علينا وتفضّل ، من الإبلاء الذي هو الإحسان والإنعام(١) .

وجميل بلائكم أيضاً من إضافة الصفة إلى الموصوف ، يعني نعمكم الجميلة وإحسانكم الجميل.

فالمعنى : أنّه كيف أقدر أيضاً على إحصاء نعمكم الجميلة التي أنعم الله تعالى بها علينا ، ومنها النعم الآتية يعني الإخراج من الذلّ الخ ، التي هي من أعظم النعم.

وأهل البيت عليهم السلام هم بأنفسهم نعم الله ، وولايتهم أولى النعم ، وبركاتهم سوابغ النعمة ، وقد تقدّم بيانه ودليله في فقرة : «وأولياء النعم».

ونعمهم الجميلة لا تستقصى فلا يمكن أن تحصى.

__________________

(*) في العيون : «وكيفَ اُحصي».

(١) مجمع البحرين : ص ١٣.

٦٢٤

وَبِكُمْ اَخْرَجَنَا اللهُ مِنَ الذُّلِّ (١) وَفَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الْكُرُوبِ (٢) وَاَنْقَذَنا مِنْ شَفا جُرُفِ الْهَلَكاتِ وَمِنَ النّارِ (٣)

____________________________________

(١) ـ أي بسببكم ووجودكم وإمامتكم أخرجنا الله تعالى من ذلّ الكفر والشرك إلى عزّ الإسلام والإيمان ، ومن ذلّ الجهل إلى عزّ العلم ، ومن ذلّ العذاب الدنيوي والاُخروي إلى عزّ الأمن والأمان كما يأتي بيانه.

وفي نسخة الكفعمي هنا زيادة : «وأطلق عنّا رهائن الغلّ».

(٢) ـ الكرب : هو الغمّ الشديد الذي يأخذ بالنفس.

اي وبكم فرّج الله تعالى عنّا شدائد الغموم التي كانت تأخذ بالنفس ، وتنتج من الكفر والظلم والخوف كما يأتي بيانه أيضاً في الفقرة الآتية.

(٣) ـ شفا : على وزن نوى هو طرف الشيء وجانبه.

وجُرُف بضمّتين ، وقد يسكّن الراء تخفيفاً هو : ما جرفته السيول وأكلته من الأرض. وفي نسخة الكفعمي : «ومن عذاب النار».

أي وبكم أنقذنا الله تعالى وخلّصنا ونجّانا من جانب مسيل المهالك ومن عذاب النار ، حيث كنّا مشرفين على مسالك الكفر والضلال ومخاطر النيران والتبعات ، فهدانا الله ببركتكم ، ونجّانا بهدايتكم.

فبرسول الله وأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين عليهم السلام أخرجنا الله تعالى وأخرج آباءنا من الذلّ ، وفرّج عنّا غمرات الكروب ، وأنقذنا من المهالك والنار ، وجعل لنا وسام الشرف والعزّة ، وقد قال تعالى :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

__________________

(١) سورة المنافقين : الآية ٨.

٦٢٥

.........................................

____________________________________

وأتمّ برهان وبيان لهذه الفقرات الثلاثة المتقدّمة خطبة الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام حيث جاء فيها :

«... وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب(١) ونُهزة الطامع(٢) وقبسة العجلان ، وموطىء الأقدام(٣) ، تشربون الطَرَق(٤) ، وتقتاتون القدّ(٥) ، أذلّة خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم.

فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد صلى الله عليه وآله ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم(٦) الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب.

كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان(٧) أو فغرت فاغرة من المشركين(٨) قذف أخاه في لهواتها(٩) ، فلا ينكفىء حتّى يطأ جناحها بأخمصه(١٠) ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله قريباً من

__________________

(١) مذقة الشارب : شربته.

(٢) نهزة الطامع : بالضمّ ـ الفرصة ، أي الفرصة التي ينتهزها الطامع.

(٣) قبسة العجلان : مثل في الاستعجال. وموطىء الأقدام : مثل مشهور في المغلوبية والمذلّة.

(٤) الطرق : بالفتح ماء السماء الذي تبول به الإبل وتبعر فيه.

(٥) القد : ـ بكسر القاف وتشديد الدال ـ سير يُقد من جلد غير مدبوغ ، وفي البحار : وتقتاثون الورق.

(٦) بهم الرجال : شجعانهم.

(٧) نجم : ظهر ، وقرن الشيطان اُمّته وتابعوه.

(٨) فغرفاه : أي فتحه ، والفاغرة من المشركين : الطائفة منهم.

(٩) قذف : رمى ، واللهوات بالتحريك : ـ جمع لهات ـ : وهي اللحمة في أقصى شفة الفمّ.

(١٠) لا يتكفىء : لا يرجع ، والأخمص ما لا يصيب الأرض من باطن القدم ، وفي البحار : حتّى يطأ صماخها بأخمصه.

٦٢٦

.........................................

____________________________________

رسول الله ، سيّداً في أولياء الله ، مشمّراً ، مجدّاً ، كادحاً ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون(١) فاكهون(٢) ...»(٣) .

ودونك شواهد وجدانية على تحقّق العزّ والفوز بأهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم سيّد العترة أمير المؤمنين عليه السلام في السيرة الغرّاء والجهود العصماء التي بذلوها سلام الله عليهم في سبيل الدين وأهله ، ولإنقاذ الناس من الجحيم وذُلّه(٤) .

ففي يوم الخندق لم يبق بيت من بيوت المشركين إلاّ ودخله الوهن ، ولم يبق بين من المسلمين إلاّ ودخله العزّ(٥) .

وقد أقرّ الصديق والعدوّ بذلك ، بل أجمعت الاُمّة على ذلك.

قال ابن دأب : (هدم الله عزّ وجلّ به بيوت المشركين ونصر به الرسول صلى الله عليه وآله واعتزّ به الدين

ثمّ الشجاعة كان منها على أمر لم يسبقه الأوّلون ، ولم يدركه الآخرون من النجدة والبأس ومباركة الأخماس على أمر لم يرَ مثله ، لم يولّ دبراً قطّ ، ولم يبرز إليه أحد قطّ إلاّ قتله ، ولم يكعّ عن أحد قطّ دعاه إلى مبارزته ، ولم يضرب أحداً قطّ في الطول إلاّ قدّه ، ولم يضربه في العرض إلاّ قطعه بنصفين ، وذكروا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله حمله على فرس ، فقال : بأبي أنت واُمّي ما لي وللخيل أنا لا أتبع أحداً ولا

__________________

(١) وادعون : ساكنون.

(٢) فاكهون : ناعمون.

(٣) الاحتجاج : ج ١ ص ١٣٥ ، بحار الأنوار : ج ٢٩ ص ٢٢٤ ، وتلاحظ الشرح في كتاب فاطمة الزهراء : ص ٤٢٣ ، وبهجة قلب المصطفى : ص ٣٣٧ ، وسوگنامه فدك : ص ٥٢٣.

(٤) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٥٩ ب ١٠٦ الأحاديث.

(٥) لاحظ الإمام علي من المهد إلى اللحد : ص ٧٩.

٦٢٧

.........................................

____________________________________

أفرّ من أحد ، وإذا ارتديت سيفي لم أضعه إلاّ للذي أرتدي له)(١) .

وقال ابن أبي الحديد : (وأمّا الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوّه أنّه سيّد المجاهدين وهل الجهاد لأحد من الناس إلاّ له وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه لأنّه من المعلومات الضرورية)(٢) .

فأهل البيت عليهم السلام مثال العزّة لدين الإسلام ووسيلة النجاة للأنام ، وتفريج الكربات والإنقاذ من الهلكات ، وهم نعمة الربّ للمخلوقين ، والحمد لله ربّ العالمين.

روى عن الإمام الصادق عليه السلام : «نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ...»(٣) .

__________________

(١) الاختصاص : ص ١٤٥ ـ ١٤٩.

(٢) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٤٩ ب ٢٩.

٦٢٨

بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي (١) بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنا (٢)

____________________________________

(١) ـ هذه هي التفدية الخامسة والأخيرة في هذه الزيارة المباركة لأنفس خلق الله تعالى صلوات الله وسلامه عليهم.

(٢) ـ الموالاة : هي المتابعة.

ومعالم : جمع معلم مصدر ميمي بمعنى موضع العلم.

فالمعنى أنّ بمتابعتكم أهل البيت علّمنا الله تعالى معالم دين الإسلام.

وبأخباركم وأقوالكم وأفعالكم وآثاركم حصل لنا العلم بمواضع الدين ومعرفة شريعة سيّد المرسلين ، كما عرفت ذلك في فقرة : «ونشرتم شرائع أحكامه».

قال المحدّث الحرّ العاملي عند إحصاء كتب الأحاديث والأخبار للشيعة الأبرار : (إنّ ما نقلوا عنه الأحاديث وذكرت في كتب الرجال يزيد على (٦٦٠٠) كتاباً كما أحصيناه)(١) . كلّها من بركاتهم ويستضاء منها بموالاتهم.

فإنّهم أئمّة المسلمين ، وحملة علم ربّ العالمين ، وعِدل القرآن في ما خلّفه الرسول الأمين ، وبهم يعرف معالم الدين ، الذي ارتضاه ربّ العالمين.

فهم عليهم السلام أخذوا العلم والمعالم من الخالق العليم جلّ جلاله ، كما تقدّم ذلك في باب علم الإمام عليه السلام(٢) .

وهم عليهم السلام علّموا الخلق من ذلك النمير العلمي الصافي ، فتعلّم منهم العلماء والنبلاء وسعد بهم الأصفياء والأولياء ، كما تلاحظ ذلك في شيعتهم وأوليائهم من الصدر الأوّل كسلمان وأبي ذرّ ، إلى الظهور الأزهر كالكمّلين في زمان دولة الإمام المهدي عليه السلام في كمال علمهم وحكمتهم ورشدهم(٣) .

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٢٠ ص ٤٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ١٨ ب ١ الأحاديث.

(٣) الغيبة للنعماني : ص ٢٣٨ ب ١٣ ح ٣٠.

٦٢٩

وَاَصْلَحَ ماكانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا (١)

____________________________________

(١) ـ أي أنّ بمتابعتكم أيضاً أصلح الله تعالى ما كان فسد من اُمور دنيانا فضلاً عن الآخرة.

فإنّ بإتّباع أوامرهم ونواهيهم ، وبالعمل بما رسموه وسنّوه في اُمور الدين من العبادات والمعاملات وأحكام المعاشرات ، تطيب الأموال والأولاد ويصلح نظام العيش والحياة.

ويشهد لذلك ملاحظة ما تكفّلته أحاديثهم الشريفة من بيان السُبل الصالحة الدينية في جميع الجوانب الحياتية ، وفي جميع الجهات الاجتماعية والفرديّة ممّا تجدها في أبوابها العديدة من الأحكام والمواعظ والأخلاق والآداب والإرشاد والتربية والتعليم والحكم وغيرها.

ممّا يحكم الوجدان أنّه لو طُبّبقت تلك المعالم الشرعية ، لكانت الحياة أسعد الحياة الإنسانية.

وفي مقابله لو تركت واُهملت كانت المعيشة عيشة الجاهلية ، ومفسدة الحياة الهمجية.

٦٣٠

وَبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ (١)

____________________________________

(١) ـ يقال : أتممت الشيء بمعنى : أكملته ، ومنه قوله تعالى :( مُتِمُّ نُورِهِ ) (١) أي مكمّله(٢) فتمّت الكلمة تكون بمعنى كملت الكلمة.

وفي الكلمة معنيان :

الأوّل : بمعنى تمّت كلمة التوحيد.

فيكون بموالاتكم التوحيد التامّ الكامل. إشارة إلى حديث سلسلة الذهب المرويّة عن الإمام الرضا عليه السلام وقد تقدّم ذكره في الشهادة الاُولى(٣) .

الثاني : بمعنى تمّت كلمة الإيمان والدين.

فيكون بموالاتكم الإيمان والدين الكامل.

إشارة إلى قوله عزّ إسمه :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٤) ـ(٥) .

فولاية أهل البيت عليهم السلام هو الركن الركين في حقيقة الدين ، والمكمّل لشريعة سيّد المرسلين ، والضمين لإمتداد الإسلام الذي يريده ربّ العالمين.

الإسلام الذي يريده الله تعالى الذي هو الحكيم في تدبيره ، والعليم بالطريق الائح والفرد الصالح للدين القويم.

وينحصر اختيار الطريق الصحيح والفرد الصالح بذاته المقدّسة :( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (٦) .

ولا اختيار لمن لا يعلم ما تخفى الصدور ، وما تكنّ الضمائر كما في حديث سعد

__________________

(١) سورة الصف : الآية ٨.

(٢) مجمع البحرين : ص ٥٠٦.

(٣) عيون الأخبار : ج ٢ ص ١٣٤ ب ٣٧ ح ٤.

(٤) سورة المائدة : الآية ٣.

(٥) كنز الدقائق : ج ٤ ص ٣٢.

(٦) سورة القصص : الآية ٦٨.

٦٣١

.........................................

____________________________________

بن عبد الله الأشعري القمّي ، عن الإمام الحجّة عليه السلام(١) .

وقد اختار الله تعالى الدين المبين ، وجعل تمامه وكماله بولاية أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين عليهم السلام.

كما عرفت ذلك من آية كمال الدين ، والحديث الرضوي المتين.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٦٨ ب ٣ ح ٢.

٦٣٢

وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ (١)

____________________________________

(١) ـ عظم الشيء عِظَماً : أي كَبُر(١) .

أي أنّ بوالاتكم عظمت النعمة علينا ، ونلنا النعمة الكبيرة.

فأهل البيت عليهم السلام هم رحمة الله على خلقه ، وولايتهم هي السعادة الكبرى والنعمة العظمى على خليقته ، وبها كملت وعظمت النعمة على عباده.

كما قال تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٢) .

وتعرف قيمة هذه النعمة العظمى إذا تدبّرت فيها ، وعرفت أنّ وجودها يوجب قبول أعمال الإنسان ثمّ الفوز بالجنان ، وأنّ فقدانها يوجب الخسارة والنيران ، فأي نعمة هي أعظم من نعمة الولاية التي توجب سعادة الدنيا والبرزخ والآخرة ، وتدفع الشقاء والعناء.

ويكفيك في المقام ملاحظة الأحاديث المباركة التي تبيّن قيمة هذه النعمة القيّمة مثل :

١ ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله : «يا علي أبشر وبشّر فليس على شيعتك كرب عند الموت ن ولا وحشة في القبور ، ولا حزن يوم النشور»(٣) .

٢ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام [قال الراوي :] خرجت أنا وأبي ذات يوم فإذا هو باُناس من أصحابنا بين المنبر والقبر فسلّم عليهم ثمّ قال :

أما والله إنّي لاُحبّ ريحكم وأرواحكم ، فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد ، من ائتمّ بعبدٍ فليعمل بعمله.

أنتم شيعة آل محمّد صلى الله عليه وآله وأنتم شُرَطُ الله ، وأنتم أنصار الله ، وأنتم السابقون الأوّلون ، والسابقون الآخرون في الدنيا ، والسابقون في الآخرة إلى الجنّة.

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٥٢٧.

(٢) سورة المائدة : الآية ٣.

(٣) تفسير فرات الكوفي : ص ٣٤٨ ح ٤٧٥.

٦٣٣

.........................................

____________________________________

قد ضمنّا لكم الجنّة بضمان الله تبارك وتعالى وضمان رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته ، أنتم الطيّبون ونساؤكم الطيّبات ، كلّ مؤمنة حوراء وكلّ مؤمن صدّيق.

كم مرّة قد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لقنبر : «يا قنبر أبشر وبشّر واستبشر ، والله لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساخط على جميع اُمّته إلاّ الشيعة.

ألا وإنّ لكلّ شيء شرفاً ، وإنّ شرف الدين الشيعة.

ألا وإنّ لكلّ شيء عروة ، وإنّ عروة الدين الشيعة.

ألا وإنّ لكلّ شيء إماماً ، وإمام الأرض أرض يسكن فيها الشيعة.

ألا وإنّ لكلّ شيء سيّداً ، وسيّد المجالس مجالس الشيعة.

ألا وإنّ لكلّ شيء شهوة ، وإنّ شهوة الدنيا سكنى شيعتنا فيها.

والله لو لا ما في الأرض منكم ما استكمل أهل خلافكم طيّبات ما لهم ، وما لهم في الآخرة من نصيب.

والله إنّ صائمكم ليرعى في رياض الجنّة ، تدعو له الملائكة بالعون حتّى يفطر ، وإنّ حاجّكم ومعتمركم لخاصّ الله تبارك وتعالى ، وإنّكم جميعاً لأهل دعوة الله وأهل إجابته وأهل ولايته ، لا خوف علكم ولا حزن ، كلّكم في الجنّة ، فتنافسوا في فضائل الدرجات.

والله ما من أحد أقرب من عرش الله تبارك وتعالى تقرّباً بعدنا يوم القيامة من شيعتنا ، ما أحسن صنع الله تبارك وتعالى إليكم ، ولو لا أن تُفتنوا فيشمت بكم عدوّكم ويعلم الناس ذلك لسلّمت عليكم الملائكة قبلاً.

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : يخرج يعني أهل ولايتنا من قبورهم يوم القيامة مشرقة وجوههم قرّت أعينهم ، قد اُعطوا الأمان ، يخاف الناس ولا يخافون ، ويحزن الناس ولا يحزنون.

٦٣٤

.........................................

____________________________________

والله ما من عبد منكم يقوم إلى صلاته إلاّ وقد اكتنفته الملائكة من خلفه يصلّون عليه ، ويدعون له حتّى يفرغ من صلاته.

ألا وإنّ لكلّ شيء جوهراً ، وجوهر ولد آدم عليه السلام محمّد صلى الله عليه وآله ونحن وشيعتنا»(١) .

٣ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام أيضاً : «... يا قبيصة إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا علينا فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمّد صلى الله عليه وآله من الله ، وما كان فيما بينهم وبين الناس من المظالم أدّاه محمّد صلى الله عليه وآله عنهم ، وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم حتّى يدخلون الجنّة بغير حساب»(٢) .

كلّ هذا بالإضافة إلى أحاديث ثواب حبّهم ونصرهم وولايتهم عليهم السلام التي تبلغ (١٥٤) حديثاً ، منها ما يلي :

٤ ـ حديث الهروي قال : سمعت الرضا عليه السلام يحدّث ، عن آبائه عليهم السلام ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سمعت الله جلّ جلاله يقول : «علي بن أبي طالب حجّتي على خلقي ، ونوري في بلادي وأميني على علمي ، لا اُدخل النار من عرفه وإن عصاني ، ولا اُدخل الجنّة من أنكره وإن أطاعني»(٣) .

٥ ـ حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «من أراد التوكّل على الله فليحبّ أهل بيتي ، ومن أراد أن ينجو من عذاب القبر فليحبّ أهل بيتي ، ومن أراد الحكمة فليحبّ أهل بيتي ، ومن أراد دخول الجنّة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي ، فوالله ما

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي : ص ٥٤٩ ح ٧٠٥.

(٢) تفسير فرات الكوفي : ص ٥٥٢ ح ٧٠٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ١١٦ ب ٤ ح ٩١.

٦٣٥

.........................................

____________________________________

أحبّهم أحد إلاّ ربح ف الدنيا والآخرة»(١) .

٦ ـ حديث بلال قال : طلع علينا النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم ووجهه مشرق كدارة القمر ، فقام عبد الله بن عوف وقال : يا رسول الله ما هذا النور؟

فقال : «بشارة أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي ، وأنّ الله زوّج علياً بفاطمة وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً يعني صكاكاً بعدد محبّي أهل بيتي ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كلّ ملك صكّاً فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق ، فلا تلقى محبّاً لنا أهل البيت إلاّ دُفعت إليه صكّاً فيه فكاكه من النار.

بأخي وابن عمّي وابنتي فكاك رجال ونساء من اُمّتي من النار»(٢) .

٧ ـ حديث موسى بن سيّار قال كنت مع الرضا عليه السلام وقد أشرف على حيطان طوس ، وسمعت واعية اتّبعتها ، فإذا نحن بجنازة ، فلمّا بصرت بها رأيت سيّدي وقد ثنى رجله عن فرسه ، ثمّ أقبل نحو الجنازة فرفعها ، ثمّ أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة باُمّها ثمّ أقبل عليَّ وقال :

«يا موسى بن سيّار من شيّع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه لا ذنب عليه».

حتّى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيّدي قد أقبل فأفرج الناس عن الجنازة حتّى بدا له الميّت ، فوضع يده على صدره ثمّ قال : يا فلان بن فلان ابشر بالجنّة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة.

فقلت : جعلت فداك هل تعرف الرجل فو الله إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ١١٦ ب ٤ ح ٩٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٧ ص ١١٧ ب ٤ ح ٩٦.

٦٣٦

.........................................

____________________________________

فقال لي : يا موسى بن سيّار أما علمت إنّا معاشر الأئمّة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحاً ومساءً ، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه ، وما كان من العلوّ سألنا الله الشكر لصاحبه»(١) .

٨ ـ حديث تفسير قوله تعالى :( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (٢) عن الإمام الصادق عليه السلام : «النعيم حبّنا أهل البيت وموالاتنا»(٣) .

٩ ـ حديث الإمام الصادق عليه السلام في تفسير :( فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ ) : «هي أعظم نعم الله على خلقه ، وهي ولايتنا»(٤) .

١٠ ـ حديث الإمام أبي الحسن عليه السلام : «كلّ من تقدّم إلى ولايتنا تأخّر عن سقر ، وكلّ من تأخّر عن ولايتنا تقدّم إلى سقر»(٥) .

وفي نسخة الكفعمي زيادة : «وكملت المنّة».

__________________

(١) الأنوار البهيّة : ص ١٠٦.

(٢) سورة التكاثر : الآية ٨.

(٣) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٥٠ ب ٢٩ ح ١.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ ص ٥٩ ب ٢٩ ح ٣٥.

(٥) بحار الأنوار : ج ٨ ص ٢٧٣ ب ٢٤ ح ٢.

٦٣٧

وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ (١)

____________________________________

(١) ـ الائتلاف والاُلفة : ضدّ الاختلاف ، وهو الإلتئام والإجتماع.

والفُرقة : هو التفرّق وإنفصال الأجزاء.

والمعنى : أنّ بموالاتكم ومتابعتكم والرجوع إليكم حصل الإئتلاف والاتّفاق والإلتئام بين الاُمّة.

وارتفعت الفُرقة والتفرّق الحاصل بالآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة ، وطبيعي عدم حصول الفُرقة حتّى بين الاُمم المتعدّدة إذا رجعت إلى زعيم واحد إمام معصوم ، متّصل بربّ السماء ، ويهدي الاُمم بالأنوار العليا.

وفي خطبة الصدّيقة الطاهرة عليها السلام : «وطاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً للفُرقة»(١) .

إذ هم عليهم السلام عدل القرآن الذي يلزم المسّك به مع القرآن ، ولا يحصل بينهما خلاف في أيّ آن ، وولايتهم قطب كلام الرحمن.

ففي حديث الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن ، وقطب جميع الكتب ، عليها يستدير محكم القرآن ، وبها يوهب الكتب ، ويستبين الإيمان ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقتدى بالقرآن وآل محمّد عليهم السلام ، وذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها : إنّي تارك فيكم الثقلين ...»(٢) .

وبهم تأتلف القلوب وتجتمع الفُرقة كما في حديث النوادر عن الإمام الباقر عليه السلام جاء فيه : «فأنتم أهل الله الذين بكم تمّت النعمة ، واجتمعت الفُرقة ، وائتلفت الكلمة»(٣) .

ولقد ائتلفت الفرقة بجّدهم الرسول ثمّ بهم ، ولم يظهر الشقاق والنفاق إلاّ

__________________

(١) الاحتجاج : ج ١ ص ١٣٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٩٢ ص ٢٧ ب ١ ح ٢٩.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥٩ ص ١٩٤ ب ٢٣ ح ٥٨.

٦٣٨

.........................................

____________________________________

بالخلاف معهم عليهم السلام.

وستجتمع الاُمم على كلمة واحدة عند ظهور مهديّهم المنتظر عليه السلام ، قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١) ـ(٢) .

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ٣٣.

(٢) كنز الدقائق : ج ٥ ص ٤٤٤.

٦٣٩

وَبِمُوالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ (١)

____________________________________

(١) ـ المفترضة بصغة اسم المفعول : أي التي اُوجبَتْ وصارت واجبة ، يقال : افترضه الله أي أوجبه.

أي أنّ بموالاتكم أهل البيت تُقبل الطاعات المفترضة ، والفرائض الواجبة ، وبدون ولايتكم لا تكون مقبولة عند الله تعالى.

وإنّما لا تقبل الطاعات والعبادات بدون ولايتهم :

أوّلاً : لأنّها ليست من العبودية والطاعة في شيء لأنّ عبادة الله وطاعته لا تكون إلاّ من حيث أراد الله لا حيث أراد العبد ، والذي ثبت فيما أراده الله هو طاعة أهل البيت عليهم السلام.

ثانياً : أنّ الولاية من الاُصول ، ولا تقبل الطاعات من الفروع بدون الاُصول.

ثالثاً : للأخبار المتواترة في ذلك ومنها :

١ ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام ، يقول : «كلّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ، ولا إمام له من الله ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر ، والله شانىء لأعماله.

(إلى أن قال) : وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق.

واعلم يا محمّد أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله ، قد ضلّوا وأضلّوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ، ذلك هو الضلال البعيد»(١) .

٢ ـ حديث زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال : «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١ ص ٩٠ ب ٢٩ ح ١.

٦٤٠

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698