مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252488
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252488 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فيحصل من هذه الكلمات والجملات أنّهعليه‌السلام قعَد عن حقه وسكت، رعايةً لما هو أهم، إذ أنّه كان يعلم بأنّ المنافقين وأعداء الدين يترصدون ويتربّصون ليوقعوا بالمسلمين ويقضوا على الدين، وإذا كان الإمام عليعليه‌السلام يقوم بمطالبة حقه ويجرّد الصمصام، لأغتنم المنافقون واليهود والنصارى الفرصة وقضوا على الإسلام. لذلك صبر وتحمّل وسكت على حقه وتنازل. بعدما احتجّ عليهم وأثبتَ حقَّه في الأشهر الست التي ما بايع فيها كما في كتب أعلامكم، فكانعليه‌السلام يتكلّم مع رؤوس المهاجرين والأنصار ويستدلّ على حقوقه المغصوبة بالآيات البيّنات والسنن الواضحات والأمور الظاهرات، فبعد ما بيَّن لهم الحق وأتمَّ عليهم الحجج بايع مُكرَهاً لا طائعاً فصبر على أمَرَّ من العلقم وأحرّ من الجمر، كما أشار إلى حاله في الخطبة الشقشقية المرويّة في نهج البلاغة وهي معروفة قالعليه‌السلام :

أَمَا وَ الله لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًى، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً ، حتّى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن خطّاب بعده الخ.

ولا أطيل عليكم أكثر من هذا، إنّما ذكرت لكم بعض كلماته وخطبهعليه‌السلام لنعرف آلامه القلبيّة من تلك الأحداث ثم نعرف علل قعوده وسكوته عن حقه.

١٠٠١

هل الخطبة الشّقشقية للإمام عليعليه‌السلام

الشيخ عبد السلام: أوّلاً: ليس في هذه الخطبة ما يدلّ على تألمات سيدنا عليّ كرّم الله وجهه.

ثانياً: المشهور أنّ هذه الخطبة من إنشاء الشريف الرضي، ألحقها بخطب أمير المؤمنين وليست من إنشاء سيدنا عليّ، وقد ثبت في التاريخ أنه ما كان ناقماً على خلافة الخلفاء الراشدين قبله بل كان راضياً منهم ومن منجزاتهم.

قلت: كلام الشيخ ينبعث من إفراطه في حبّ الخلفاء والتعصُّب لهم، وإلّا فإنّ تألّمات الإمام عليّعليه‌السلام واضحة في غير الخطبة الشقشقيّة أيضاً وهى لا تخفى على كلِّ من تابَعَ الأحداث والقضايا التي وقعت وحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا سيّما على المتتِّبع لخطب الإمام وكتبه وكلماته واحتجاجاته مع مناوئيه وخصمائه.

وأما كلامك بأنّ هذه الخطبة من إنشاء السيد الرضي (رضوان الله تعالى عليه)، فهو افتراء منك على ذلك السيد الزاهد العابد الورع التقيّ، فإنّه أجلّ وأورع من أنْ يضع خطبةً وينسبها إلى سيد الأوصياءعليه‌السلام ، فإنّ هذا الكلام بعيد عن الإنصاف، وبعيد من أهل التحقيق، ولقد تَبعْتَ أسلافَكَ، وهم تُبعوا المعاندين المتعصّبين، وإلّا لو كُنْتَ تطالع كتب أعلامكم وتُحقِّق عن الخطبة في تصانيف علمائكم لوجدتَ اعترافهم وتصريحهم بأنّها من خُطبِ الإمام عليعليه‌السلام لا محالة.

والشارحون لنهج البلاغة من علمائكم مثل ابن أبي الحديد،

١٠٠٢

والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصريّة، والشيخ محمد الخضرمي في كتاب محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية صفحة ٢٧ وغيرهم قد صرَّحوا أنّ الخطبة الشقشقية من بيان الإمام عليّعليه‌السلام وردُّوا القائلين بأنّها من إنشاء الشريف الرضي، وهم بعض المعاندين والمتعصّبين من المتأخّرين، وإلّا فأكثر من أربعين عالم من الفريقين الشيعة والسنّة شرحوا كتاب نهج البلاغة وكلهم أذْعَنوا بأن الخطبة الشقشقية أيضاً من كلام الإمام عليعليه‌السلام لأنها على نسق خُطبه الأخرى، إذ بيانهعليه‌السلام يمتاز ببلاغة منفردة تخصُّه ولا يمكن لأحد أن يشابهه ويقلِّده فيها حتى الشريف الرضي على ما كان يتمتع به من الأدب الرفيع والفصاحة والبلاغة في التكلم والكتابة، فهو عاجزٌ أنْ ينسج مثل الخطبة الشقشقيّة، وهذا ليس كلامي وإنما هو كلام علمائكم الكبار مثل الشيخ محمد عبده والعلّامة ابن أبي الحديد فإنّه نقل في آخر شرحه على الخطبة الشقشقيّة في الجزء الأول، عن المصدَّق بن شبيب أنّه قال لابن الخشّاب وهو من اساتيذ هذا الفن: إنّ كثيراً من الناس يقولون إن خطبة الشقشقيّة من كلام الرضيّ رحمه الله تعالى، فقال: أنّى للرضي و لغير الرضيّ هذا النَفَس و هذا الأسلوب! قد وقفنا على رسائل الرضيّ و عرفنا طريقته و فنّه في الكلام المنثور، و ما يقع مع هذا الكلام في خَلّ و لا خمر.

الخطبة الشقشقيّة كانت قبل مولد الرضيّ

وبغَضَّ النظر عن البلاغة الخاصة بكلام الإمام عليّعليه‌السلام والمقايسات التي أشار إليها ابن الخشّاب وغيره، فإنّ كثيراً من علماء

١٠٠٣

الفريقين قالوا: إنّهم وجدوا هذه الخطبة في الكتب المنشرة قبل أنْ يولد الشريف الرضيّ وقبل أنْ يولد أبوه أبو أحمد النقيب - نقيب الطالبيين -، فقد نقل ابن أبي الحديد في آخر شرحه للخطبة، عن الشيخ عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب أنّه قال: والله لقد وقفتُ على هذه الخطبة في كتب صنِّفَتْ قبل أن يُخلَق الرضيّ بمائتي سنة، و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب قبل أن يُخلق النقيب أبو أحمد والد الرضيّ.

ثم قال ابن أبي الحديد: و قد وجدتُ أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة و كان في دولة المقتدر قبل أنْ يُخلَق الرضي بمدة طويلة و وجدتُ أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قِبة - أحد متكلمي الإماميّة - و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب «الإنصاف» و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى و مات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيّ رحمه الله تعالى موجوداً. انتهى.

وقال كمال الدين ابن ميثم البحراني الحكيم المحقّق في كتابه شرح نهج البلاغة في الخطبة: إنّي وجدتُ هذه الخطبة في كتاب الإنصاف لابن قِبه، وهو متوفى قبل أنْ يولد الشريف الرضيّ.

ووجدتها أيضاً بخطّ الوزير ابن فرات، كان قد كتبها في ميلاد الرضيّ بستّين سنة.

فالدلائل والبيّنات قائمة على أنّ الخطبة كانت في الكتب والمصنّفات قبل أنْ يولد الشريف الرضيّ رحمه الله تعالى. ولكنّ المعاندين المتعصّبين خلقوا هذه الفرية بأنّ الشقشقية من كلام الشريف

١٠٠٤

الرضي، حتّى يجدوا لأنفسهم مفرّاً من الجواب.

وعلى فرض صحّة كلامهم، فلو فَرّوا وأعرضوا عن قبول الخطبة ومحتواها من هذا الطريق، فما يصنعون مع سائر الخطب التي تعرّض فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً إلى الحوادث والوقائع التي أحدثوها في الاسلام، فيشكو فيها الإمام عليعليه‌السلام ، وبيدي ظلامته، ويفشي مكنون صدره وآلام قلبه من سوء سلوك القوم وظلمهم له ولأهل بيت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وقد أشرنا إلى بعضها في المجالس السالفة، ومع ذلك فالشيخ عبد السلام - سلّمه الله - يقول: ما كان عليٌ ناقماً من خلافة الراشدين قبله، وكان راضياً على ما أنجزوا، ولا أعلم كيف عرف رضاه وهوعليه‌السلام كان في كل فرصة ومناسبة يُعرب عن سخطه من عمل القوم؟ ويقول: إنّهم أخّروه عن مقامه وهو أولى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من غيره، كما في الخطبة المرقمة ١٩٠ في شرح ابن أبي الحديد. قال: وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى الله وَ لا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ الأقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِيَ اللهُ بِهَا.

وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي، وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُصلى‌الله‌عليه‌وآله وَ الْمَلائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الأفْنِيَةُ مَلأ يَهْبِطُ وَ مَلأ يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَ مَيِّتاً؟!

ثم قال: فَوَالَّذِي لا إِلَهَ إِلّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ

١٠٠٥

لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ.

ليت شعري ما يقول الشيخ وأتباعه في هذه الخطبة وأمثالها؟ وبأيّ بيان تريدون أن يُفشي الإمام عليّعليه‌السلام سخطه وعدم رضاه في خلافة أبي بكر والذين تقدّموا عليه وأخّروه؟

فحق الإمام عليعليه‌السلام واضح ولائح، وفضله وعلوّه على غيره ظاهر باهر، ولا يمكن إخفاؤه بالكلمات( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ‌ ) (١) .

الشيخ عبد السلام: إنّي أؤجّل جوابي إلى الليلة المقبلة إن شاء الله والآن نختم المجلس فقد طال بنا وتعب الحاضرون.

فتواعدنا وخرجوا.

____________________

١) سورة التوبة، الآية ٣٢.

١٠٠٦

المجلس العاشر

ليلة الأحد - الثالث من شعبان المعظم

اجتمع القوم أوّل الليل - وكان صاحب البيت قد استعدّ للإحتفال بذكرى ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يصادف ذلك اليوم فهيّأ الفواكه والحلويّات، وبعدَ تناولها، بدأ حضرة النوّاب عبد القيوم خان وقال:

أيها العلماء! إسمحوا لي بطرح سؤال قبل أنْ تدخلوا في موضوع الليلة الماضية، والسؤال موجَّه لسماحة السيد وأطلب منه الجواب.

قلت: أنا على أتَمّ الإستعداد لذلك.

سؤالٌ: حول علم عمر

النوّاب: اجتمع في بيتي صباح هذا اليوم كثيرٌ من الأصدقاء والأقرباء، وكان بعضهم ممن لازمَ حضور مجالس البحث والحوار في كلّ الليالي الماضية، وشرعوا بالحديث عن المناقشات والموضوعات التي طُرحت فيها، وأَبْدَوا آراءَهم في النتائج الحاصلة منها، وكانت الصحف والمجلّات التي نقلت تلك الأبحاث والمناظرات موجودة

١٠٠٧

عندهم يراجعونها عند الضرورة، وكان كلام الحاضرين يدور حول المواضيع المطروحة. وإذا بولدي (عبدالعزيز) - وهو طالب في إحدى المدارس الإسلاميّة - يقول: إنّ أستاذنا المعلِّم - قبل أيّام - تكلم خلال الدرس عن الصحابة الذين برزوا وامتازوا في علم الفقه فذكر الخليفة عمر، والإمام علي كرّم الله وجهه، وعبدالله بن عبّاس، وعبدالله بن مسعود، وعكرمة، وزيد بن ثابت (رضي الله عنهم) وقال بأن عمر بن الخطاب كان أبرزهم في علم الدين وأفقههم في أحكام الشرع المبين. حتى أنّ عليَّ بن أبي طالب الذي اشتهر بعلمه وفقهه كان في بعض المسائل يتحيَّر فيراجع الفاروق عمر بن الخطاب ويحصل على الجواب.

قال النواب: والجدير بالذكر أنّ أهل مجلسنا الحاضرين في داري كلهم أيّدوا ما نقله ولدي عن معلِّمه، وقالوا بأنّ علماءنا أيضاً يقولون بذلك، وهو ثابتٌ عند كلّ المسلمين.

ولكنّي بقيتُ ساكتاً متوقفاً في الموضوع، لأني جاهلٌ وليس لي علمٌ بالتاريخ والسيرة حتى أعرف صحّة مقال المعلم أو خطئه. لذلك وعدتُ ولدي والحاضرين أنْ أطرح هذا الموضوع هذه الليلة في مجلسنا هذا، لكي نستفيد من محضر العلماء الحاضرين لاسيّما سماحة السيّد المعظّم.

أفيدونا! جزاكم الله خير جزاء المحسنين.

قلت: كلام هذا المعلِّم يثير تعجّبي، ولكن العوام لا يؤاخذون في مثل هذه الأمور، لأنّهم غالباً يسلكون طريق الإفراط والتفريط، وهذا المعلم الجاهل سلك سبيل الغلوِّ والإفراط، لأنّه ادَّعى ما لم يقله أحدٌ من علمائكم، حتى أنّ ابن حزم لمـّا ذكر في بعض مقالاته هذا الأمر

١٠٠٨

المخالف للواقع، خطّأه كبار علمائكم وردّوا عليه مقالته، والجدير بالذكر أنّ عمر بن الخطّاب هو أيضاً ما ادّعى هذا الأمر في حياته، وربما لم يرض من أحدٍ أن يقول ذلك.

نعم ذكر أكثر المؤرِّخين سياسة عمر، وإرادته وفطنته، ولكنهم لم يذكروا فقهه وعلمه بأحكام الدين، بل ذكروا أنّه جَهل كثيراً من المسائل التي طُرحت عليه وعجز عن الجواب، فراجع فيها ابن مسعود أو الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالمدينة المنورة.

وقد قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أنّ عبدالله بن مسعود كان من فقهاء المدينة، وكان عمر بن الخطّاب يصحبه معه ولا يفارقه ليرجع إلى رأيه في المسائل الفقهيّة.

الشيخ عبدالسلام: كأنّك تريد أن تقول بأنّ عمر الفاروق (رض) ما كان يعلم المسائل الفقهيّة والأحكام الشرعيّة فيحتاج الى ابن مسعود أو الإمام عليّ (رضي الله عنهما)، وهذا ما لم نسمعه من قبل اليوم.

قلت: أيها الشيخ لا تهرِّج ولا تغالط، فإنّي ما قلت بأنّ عمر ما كان يعلم المسائل الفقهيّة، وإنّما قلت إنّه في كثير من المسائل كان يراجع الإمام عليّعليه‌السلام أو ابن مسعود أو ابن عباس، لأنّه كان يجهلها.

نعم أقول ولا أنكر ما قلت: أنّ عمر بن الخطاب كان يجهل كثيراً من المسائل والأحكام الدينيّة، وهذا ليس من عندي بل ذكره كبار أعلامكم، والجدير بالذكر ما رواه علماؤكم في الكتب المعتبرة والمصادر المنتشرة، عن اعتراف الخليفة بذلك في قضايا جديرة ومناسبات كثيرة.

الشيخ عبدالسلام: لو سمحت ...اذكر لنا من تلك القضايا

١٠٠٩

حتى نعرفها.

كلّ الناس افقه من عمر حتى ربّات الحجال

لقد ذكر كثير من علمائكم وأعلام محدثيكم ومفسريكم بطرق شتى وألفاظ مختلفة والمعنى واحد، أن الخليفة عمر صعد المنبر في المسجد وخطب فقال: لا يبلغني أنّ امرأة تجاوز صداقُها صداق نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ارتجعت ذلك منها، فردّت عليه امرأة قائلة: ما جعل الله لك ذلك، إنّه تعالى قال في سورة النساء:( وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَکَانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) (١) ؟

فقال عمر: كل الناس أفقهُ من عمر، حتى ربّات الحجال! ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟!

هذا نصّ ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١ / ١٨٢، ط إحياء الكتب العربية، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج ٢ /١٣٣ وابن كثير في تفسيره: ج ١ / ٣٦٨، والزمخشري في تفسير الكشّاف: ج ١/ ٣٥٧، والنيسابوري في غرائب القرآن: ج ١ / في تفسير الآية الكريمة، والقرطبي في تفسيره: ج ٥ / ٩٩، وابن ماجه في السنن: ج ١، والسندي في حاشية السنن: ج ١/٥٨٣، والبيهقي في السنن: ج ٧ / ٢٣٣، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج ٨ / ٥٧، والمتّقي في كنز العمال: ج ٨ ٢٩٨، والحاكم النيسابوري في المستدرك: ج ٢ /١٧٧، والباقلاني في التمهيد/١٩٩، والعجلوني

____________________

١) سورة النساء، الآية ٢٠.

١٠١٠

في كشف الخفاء: ج ١ / ٢٧٠، والشوكاني في فتح القدير: ج ١ / ٤٠٧، والذهبي في تلخيص المستدرك، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، وابن الأثير في النهاية، وغيرهم رووا بأسانيدهم عن طرق متعددة هذا الخبر وإن كانت ألفاظ بعضهم مختلفة، ولكنّهم متفقون في المعنى.

فتحصَّل من الخبر أنّ عمر كان جاهلاً حتّى بالأحكام المنصوصة في القرآن الحكيم.

الشيخ عبدالسلام: كلامكم مردود، فإنّ الخليفة عمر(رض) كان عارفاً بكتاب الله العزيز وكان حافظاً لكثير من القرآن. وإنّما أراد من كلامه حمل الناس على العمل والإلتزام بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت: يا شيخ لقد اجتهد الخليفة فأخطأ، وقد اعترف بخطئه، وتراجع عن قوله، وإنّ إصرارك لتصحيح خطأ الخليفة ذنبٌ لا يغفر لأنّ الخليفة قد أخطأ جاهلاً بالآية الكريمة، ولمـّا رَدَّت عليه المرأة، قَبِلَ منها، وتريد أنت تصحيح الخطأ بعد ما علمت أنّه مخالفٌ لكتاب الله عزّ وجلّ.

ولا يخفى أنّ جهل الخليفة بكلام الله عزّ وجلّ لم ينحصر في هذا المورد، بل هناك موردٌ آخر،

نقله أيضاً كبار أعلامكم، ورواه كل المؤرخين من غير استثناء.

إنكار عمر موتَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا تُوفّي أنكر عمر موته، وكان يحلفُ بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما مات ولا يموت، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه، ما أنكر موت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله

١٠١١

تعالى:( إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ‌ ) (١) وقوله سبحانه:( فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ ) (٢) .

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٢ / ٤٠، ط دار إحياء الكتب العربية:

وروى جميع أصحاب السيرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا توفي كان أبو بكر في منزله في السُّنْح، فقام عمر بن الخطّاب فقال: ما مات رسول الله صلى الله عليه ولا يموت حتّى يظهر دينُه على الدين كلّه، وليرجعنّ فليقطّعنَّ أيديَ رجال وأرجلهم ممّن أرجفَ بموته، لا أسمع رجلاً يقول: مات رسول الله إلّا ضربته بسيفي.

فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: بأبي و أٌميّ! طبتَ حيّاً وميِّتاً، ثم خرج والناس حول عمر، وهو يقول لهم: إنّه لم يَمُتَ ويحلف، فقال له: أيها الحالف، على رِسْلك! ثم قال: من كان يعبدُ محمداً فإنّ محمداً قد مات. ومَن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لايموت.قال الله تعالى:( إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ‌ ) (٣) .

وقال عزّ وجلّ:( فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ ) (٤) .

قال عمر: فوالله ما ملكتُ نفسي حيث سمعتُها أنْ سَقَطْتُ إلى الأرض، وعلمتُ أنّ رسول الله صلى الله عليه قد مات.

فإذا كان عمر تالياً لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار، عارفاً لرموز القرآن وتعاليمه، ما أنكر موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جازماً بحيث يحلف عليه ويهدِّد من خالفه في معتقده بالسيف!!

____________________

١) سورة الزمر، الآية ٣٠.

٢) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.

٣) سورة الزمر، الآية ٣٠.

٤) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.

١٠١٢

وأمّا جهلُهُ وعدم معرفته بأحكام الله سبحانه فمذكور أيضاً في كتب أعلامكم. ولقد اشتهر عنه في ذلك قضايا كثيرة لم ينكرها أحد من علمائكم، وأنا أذكر بعضها لينكشف الواقع للحاضرين.

لولا عليّعليه‌السلام لهلكَ عمر

(١)

قضية الزناة الخمسة

روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين قال: في خلافة عمر بن الخطّاب، جاؤا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك. فأمر الخليفة برجمهم جميعاً. فأخذوهم لتنفيذ الحكم، فلقيهم الإمام علي بن أبي طالب وأمَر بردّهم، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمَرتَ برجمهم جميعاً؟ فقال عمر: نعم فقد ثبت عليهم الزنا، فالذنب الواحد يقتضي حكماً واحداً.

فقال عليٌّ: ولكن حكم كل واحدٍ من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه.

قال عمر: فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليٌّ أعلمكم، وعليٌّ أقضاكم.

فحكم الإمام عليّعليه‌السلام بضرب عنق أحدهم، ورجم الآخر، وحدِّ الثالث وضربَ الرابع نصف الحدّ، وعزَّرَ الخامس.

فتعجّب عمر واستغرب فقال: كيف ذلك يا أبا الحسن؟!

فقال الإمام عليّ: أمّا الأوّل: فكان ذميّاً، زنى بمسلمة فخرج عن ذمّته، والثاني: محصَن فرجمناه، وأمّا الثالث: فغير محصن فضربناه

١٠١٣

الحدّ، والرابع: عبدٌ مملوك فحدّه نصف، وأمّا الخامس: فمغلوبٌ على عقله فعزّرناه.

فقال عمر: لولا عليٌ لَهَلَك عمر، لا عشتُ في أُمّةٍ لستَ فيها يا أبا الحسن!

(٢)

قضية الزانية الحامل

ذكر كثير من أعلامكم منهم: أحمد في المسند، والبخاري في الصحيح، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، والقندوزي في الينابيع / باب الرابع عشر / عن مناقب الخوارزمي، والفخر الرازي في الأربعين/ ٤٦٦، والمحب الطبري في الرياض ج ٢/ ١٩٦ وفي ذخائر العقبى/ ٨٠، والخطيب الخوارزمي في المناقب / ٤٨، ومحمد بن طلحة العدوي النصيبي في مطالب السئول / الفصل السادس، والعلّامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / آخر باب ٥٩ - والنصّ للأخير - قال: رُوى إنّ امرأةً أقرَّت بالزنا، وكانت حاملاً فأمر عمر برجمها، فقال عليٌّعليه‌السلام إنْ كان لك سلطانٌ عليها فلا سلطان لك على ما في بطنها. فترك عمر رجمها(١) .

____________________

١) وأخرج الكنجي في الباب قبل هذه القضيّة، قضيّة أخرى قال: رُوىَ أنّ عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة اشهر، فرفع ذلك إلى عليّعليه‌السلام ، فنهاهم عن رجمها وقال: أقَلُّ مدّة الحمل ستة أشهر. فأنكروا ذلك. فقال: هو في كتاب الله تعالى، قوله عزّ اسمه:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) ثم بيّن مدّة إرضاع الصغير بقوله:( وَ الْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ کَامِلَيْنِ ) ، فتبيّن من مجموع الآيتين أنّ أقلّ مدة الحَمل ستة أشهر، فقال عمر: لولا عليٌ لهلك عمر.

أقول: لقد اشتهر هذا القول من عمر في حق الإمام عليّعليه‌السلام في كتب أعلام =

١٠١٤

(٣)

المجنونة التي زَنَت

وكذلك روى أحمد في المسند، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / ٨١ وفي الرياض / ١٩٦، والقندوزي في الينابيع / باب ١٤، وابن حجر في فتح الباري: ج ١٢ /١٠١، وأبو داود في السنن: ج ٢ /٢٢٧، وسبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان [ فصل في قول عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن]، وابن ماجه في السنن: ج ٢ /٢٢٧، والمناوي في فيض القدير: ج ٤/ ٣٥٧، والحاكم في المستدرك: ج ٢ /٥٩، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج ١٠/٩، والبيهقي في السنن: ج ٦ / ٢٦٤، والبخاري في صحيحه باب لا يُرجم المجنون والمجنونة، هؤلاء وغيرهم من كبار أعلامكم رووا بأسانيدهم من طرق شتى قالوا: أُتى عمر (رض) بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا ليرجموها فرآهم الإمام عليّعليه‌السلام في الطريق، فقال: ما شأن هذه؟ فأخبروه فأخلى سبيلها، ثم جاء إلى عمر فقال له: لم رددتها؟ فقالعليه‌السلام : لأنّها معتوهةُ آل فلان، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

= العامّة حتى كاد أن يكون من المتواترات المسلَّم صدورها منه، حتى أنّ سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص فتح فصلاً بعنوان: (فصل في قول عمر: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وما ورد في هذا المعنى) ثم نقل قضايا كثيرة حكَم فيها الإمام عليعليه‌السلام ، كان عمر يجهلها ولذا كرّر قوله: لولا عليٌ لهلك عمر أو ما بمعناه.

«المترجم»

١٠١٥

رُفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ والصبي حتّى يحتلم والمجنون حتّى يفيق. فقال عمر: لولا عليٌ لهلك عمر(١) .

ولقد ذكر ابن السّمَّان في كتابه «الموافقة» روايات كثيرة من هذا القبيل فيها قد أخطأ عمر في الحكم، حتّى وجدتُ في بعض الكتب قريباً من مائة قضيّة من هذا القبيل، ولكن ما نقلناه من كتب الأعلام يكفي لإثبات المرام.

وإنّما نقلت هذه الروايات، تبياناً للحق وكشفاً للحقيقة، حتّى يعرف حضرة النوّاب وابنه عبدالعزيز وذلك المعلّم الذي زعم كِذْباً وادّعى باطلاً، ويعرف الذين أيَّدوا مقال المعلم الجاهل وصدّقوه عن جهلهم، ويعرف الحاضرون أجمع، بأنّ الخليفة عمر بن الخطّاب ربّما كان عارفاً بالسياسة وإدارة البلاد وتسيير العباد، ولكن ما كان عالماً بالفقه والأحكام الدينيّة وما كان عارفاً بدقائق كلام الله العزيز وحقائق كتابه المجيد(٢) .

____________________

١) ذكر هذه القضيّة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٢ /٢٠٥، ط إحياء الكتب العربي ذكرها ضمن المطاعن الواردة على عمر، قال: الطعن الثالث، خبر المجنونة التي أَمَرَ برجمها. فنبّهه أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال: إنّ القلم مرفوعٌ عن المجنون حتى يفيق. فقال عمر: لولا علي لهلك عمر. وذكر بحثاً طويلاً في الموضوع، فراجع.

«المترجم»

٢) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١ / ١٨١، دار إحياء الكتب العربية: وكان عمر يُفتي كثيراً بالحكم ثم ينقضه. ويُفتي بضدّه وخلافه.

وروى في ج ١٢ قضايا تدل على عدم فهمه لدقائق القرآن. فقال في صفحة ١٥: مرّ عمر بشاب من الأنصار وهو ظمآن فاستسقاه، فخاض له عسلاً، =

١٠١٦

. . . . .

____________________

= فردّه ولم يشرب وقال: إنّي سمعت الله سبحانه يقول:( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِکُمْ فِي حَيَاتِکُمُ الدُّنْيَا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) الأحقاف: ٢٠، فقال الفتى: إنها والله ليستْ لك، فاقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها:( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ کَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِکُمْ فِي حَيَاتِکُمُ الدُّنْيَا.. ) الخ، أفَنحن منهم! فشرب وقال: كل الناس أفقه من عمر!

وروى في صفحة ١٧ قال: وكان يَعُسُّ ليلةً فمرّ بدارٍ سمع فيها صوتاً، فارتاب وتسوّر، فرأى رجلاً عند امرأة وزقّ خمر، فقال: يا عدوّ الله، أظننتَ أنّ الله يسترك وأنت على معصيّة! فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنتُ اخطأتُ في واحدة فقد أخطأت [أنتَ] في ثلاث: قال الله تعالى:( وَ لاَ تَجَسَّسُوا ) الحجرات: ١٢،وقد تجسست.

وقال:( وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) البقرة: ١٨٩. وقد تجسَّستَ.

وقال:( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ) النور: ٦١. وما سلَّمتَ. فقال: هل عندك من خير إنْ عفوتُ عنك؟ قال: نعم، والله لا أعود. فقال: إذهب فقد عفوتُ عنك.

وروى في صفحة ٣٣ قال: خرج عمر يوماً إلى المسجد وعليه قميص في ظهره أربع رقاع، فقرأ «سورة عبس» حتى انتهى إلى قوله:( وفاكهة وأبّاً ) فقال ما الأب؟ ثمّ قال: إن هذا لهو التكلف! وما عليك يابن الخطّاب ألّا تدري ما الأب؟!

وقال في صفحة ٦٩: أسلَم غيلان بن سلمة الثقفي عن عشر نسوة، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : اِختَر منهنّ أربعاً وطلِّق ستاً، فلمّا كان على عهد عمر طلّق نساءه الأربع،وقسّم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فأحضره فقال له: إنّي لأظنّ الشيطان فيما يسترق من السمع، سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلّك لا تمكث إلّا قليلاً! وأيْمُ الله لتراجعنُ نساءك، ولترجعنّ في مالك، أو لأُورّثنهنّ منك، ولآمرنّ بقبرك فيُرجمَ، كما رُجِم قبر أبي رِغال. =

١٠١٧

ولقد اتّفق جُلّ علماء الإسلام أو كلّهم، وثبتَ بالدَلائل الواضحة والشواهد اللائحة أنّ أمير المؤمنين علياًعليه‌السلام أعلم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقضاهم وأعرفهم بالفقه وأحكام الدين. وصرّح بهذا الرأي كثيرٌ من علماء السّنّة وأعلامهم، منهم: العلّامة نور الدين بن صبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة / الفصل الثالث في ذكر شيءٍ من

____________________

=

أقول: لا أدري بأيّ دليل من القرآن والسُّنة أصدر هذا الحكم؟! ولا يخفى أنّ حكمه مخالفٌ لحكم الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونقل في صفحة ١٠٢ قال: وجاء رجلٌ إلى عمر. فقال: إنّ ضُبَيعاً التميمي لَقِيَنا فجعَلَ يسألنا عن تفسير حروف من القرآن. فقال: اللهم أمكنّي منه، فبينا عمر يوماً جالسٌ يغدِّي الناس إذْ جاءَه الضُبَيع وعليه ثياب وعمامة، فتقدَّم فأكل، حتّى إذا فرغ، قال: يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى:( وَ الذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً ) ؟ سورة الذاريات: ١ و٢.

قال: ويحك أنت هو فقام إليه فحسَر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتّى سقطت عمامته، فإذا له ضفيرتان، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسَك، ثم أمر به فجعل في بيت [أي حبسه] ثم كان يُخرجه كلَّ يوم فيضربه مائة، فإذا أبرأ أخرجه فضربه مائة اُخرى، ثمّ حمله على قَتَبٍ وسَيَّرهُ إلى البصرة، وكتب إلى أبي موسى يأمره أنْ يحرِّم على الناس مجالستَه، وأنْ يقوم في الناس خَطيباً، ثم يقول: إنّ ضُبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه وعند الناس حتّى هلك، وقد كان من قَبْلُ سيِّدَ قومه.

أقول: ليت شعري بأيّ حق عامل الرجل بهذه القسوة!! وبأيّ مستندٍ شرعيّ أو عرفيّ حكمَ على الضُبيع بالنفي من بلده وقومه؟! وذلله بعد أنْ كان سيّداً عزيزاً، أكان يحق لعمر ذلك؟ أكان الضبيع يستحق ذلك الضرب والهتك والتبعيد و ...؟!!

«المترجم»

١٠١٨

علومه قال: فمنها علم الفقه الذي وهو مرجع الأنام ومنبع الحلال والحرام، فقد كان عليٌّ مطَّلعاً على غوامض أحكام الإسلام، منقاداً له جامحه بزمامه، مشهوداً له فيه بعلوّ محلّه ومقامه. ولهذا خصَّهُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعلم القضاء، كما نقله الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمة الله عليه في كتابه المصابيح، مرويّاً عن أنَس بن مالك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا خصَّص جماعةً من الصحابة كلُّ واحدٍ بفضيلة خصَّصَ علياً بعلم القضاء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأقضاهم عليٌّعليه‌السلام .

ورَوى هذا الحديث أيضاً محمد بن طلحة العدوي في كتابه مطالب السئول / الفصل السادس / قال: ومن ذلك - أي الأحاديث الواردة في علم الإمام علي - ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين ابن مسعود البغوي: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خصَّص جماعةً من الصحابة كل واحدٍ بفضيلة وخصَّصَ عليّاً بعلم القضاء. فقال: وأقضاهم عليٌّعليه‌السلام .

قال محمد بن طلحة: وقد صَدَع بالحديث بمنطوقه وصرّح بمفهومه أنّ أنواع العلم وأقسامه قد جمعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام دون غيره. وبعد تفصيل الحديث والخبر قال في أواخر الصفحة: فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر بثبوت هذه الصِّفة العالية لعليّعليه‌السلام مع زيادة فيها على غيره بصيغة (أفعل التفضيل) ولا يتّصف بها إلّا بعد أن يكون كامل العقل، صحيح التمييز، جيّد الفِطنة، بعيداً عن السهو والغفلة،يتوصّل بفطنتهِ إلى وضوح ماأشكَل وفصل ماأعضَل،ذاعدالة تحجزه أنْ يحومَ حول حِمى المحارم، ومروّةٍ تحملُهُ على محاسن الشِّيَم ومجانبة

١٠١٩

الدنايا، صادق اللهجة ظاهر الأمانة، عفيفاً على المحظورات، مأموناً في السخط والرِّضا، عارفاً بالكتاب والسّنة، و الاتّفاق والاختلاف، والقياس ولغة العرب بحيث يُقدِّم المحْكَم على المتشابه والخاص على العام والمبيَّن على المجمل والناسخ على المنسوخ وبعد تفصيل وشرح مبسَّط للعلوم اللازمة للقضاء، قال: فظهر لك أيَّدك الله تعالى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وصف علياًعليه‌السلام بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلاً فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوّعة الأقسام فرعاً وأصلاً، وكفى بذلك دلالة لمن خصّ بهديّة الهداية قولاً وفعلاً على ارتقاء عليّعليه‌السلام في مناهج معارج العلوم إلى المقام الأعلى الخ.

والجدير بالذكر أنّ عمر بن الخطاب - الذي يحسبه الجاهلون المتعصّبون أمثال ذاك المعلم ومؤيّديه بأنّه أفقه وأعلم من الإمام عليعليه‌السلام قد أعلن كرّات ومرّات وقال: لولا عليٌ لَهلك عمر، أو بعبارات اُخرى تتضمّن نفس المعنى، حتى أنّ كبار علمائكم قالوا: أنّ عمر في سبعين موضع حينما عجز عن الفصل والقضاء راجع علي بن أبي طالب، ولمـّا حكم في القضيّة وبيَّنَ الدلائل الشرعيّة والعقليّة في حكمه وقضائه، قال عمر: لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن.

ولقد قال أحمد بن حنبل في المسند، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى كما نقل عنهما الحافظ القندوزي في ينابيع المودّة / باب ٥٦، وكذلك في كتاب الرياض النضرة للطبري أيضاً: ج ٢/١٩٥، رَوَوا أنّ معاوية قال: إنّ عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيءٌ أخذ من علي بن أبي طالب.

١٠٢٠