مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252379
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252379 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والله عزّ وجلّ في تلك السورة أيضاً سلّم على أنبيائه بقوله( سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) (١) ( سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (٢) ( سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَ هَارُونَ‌ ) (٣) ولم يسلّم على آل أحد الأنبياء إلّا آل ياسين، و( يس ) أحد أسماء نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الله تعالى ذكر لنبيّه الكريم في القرآن، الحكيم خمسة أسماء وهي: محمّد وأحمد وعبدالله ونون ويس، فقال( يس * وَ الْقُرْآنِ الْحَکِيمِ‌* إِنَّکَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٤) يا: حرف نداء، و( س ) اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو إشارة إلى تساوي ظاهره وباطنه.

النوّاب: ما هو سبب اختيار حرف «س» من بين الحروف؟!

قلت: لأنّ حرف الـ «س» في حروف التهجّي هو وحده يكون عدد ظاهره وباطنه متساويين، فإنّ لكلّ حرف من حروف التهجّي عند المتخصّصين بعلم الحروف والأعداد زُبَر وبيّنة، وحين تطبيق عدد: زُبِر وبيّنة كلّ حرف يكون عددهما مختلفاً، إلّا حرف «س» فإنّ زبره يساوي بيّنته.

نوّاب: عفواً يا سيّد، أرجو منك التوضيح بشكل نفهمه نحن العوام، ونحن لا نعرف معنى: الزبر والبيّنة، فنرجو توضيحاً أكثر.

قلت: اُوضِّح:

الزُبَر: هو رسم الحرف الذي يخطّ على القرطاس: «س» وهو

____________________

١) سورة الصافات، الآية ٧٩.

٢) سورة الصافات، الآية ١٠٩.

٣) سورة الصافات، الآية ١٢٠.

٤) سورة يس، الآية ١- ٣.

١٢١

حرف واحد، ولكن عند التلفّظ يكون: ثلاثة حروف: س ي ن فكلّ ما زاد على الحرف وخطّه في تلفّظه يكون بيّنته، وعدد «س» عند العلماء: ستون وعدد «ي» عشرة، و«ن» خمسون، فيكون جمعهما ستّون أيضاً، فيتساوى عدد: «س» وعدد: «ين» وهذا هو الحرف الوحيد بين حروف التهجّي يتساوى زبره وبيّنته.

ولذلك فإنّ الله تعالى خاطب نبيّه قائلاً: يس، الياء: حرف نداء، و «س»: إشارة الى اعتدال ظاهره وباطنه.(١)

وكذلك في الآية المباركة قال:( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ‌يَاسِينَ ) .

الحافظ: إنّكم تريدون بسحر كلامكم أن تثبتوا شيئاً لم يقلْهُ أحدٌ من العلماء!

قلت : أرجوك أن لا تتسرّع في نفي ما أقول، بل فكّر وتدّبر ولا تعجل، فإنّ العجلة ندامة، لأنّي أثبتُ كلامي استناداً إلى كتبكم وصحاحكم، وعندها تُحرج أمام الحاضرين وتخجل، وأنا لا اُحبّ لك ذلك.

وإنّكم إمّا غير مطّلعين على كتبكم، أو مطّلعين عليها ولكنّكم تكتمون الحقّ!

أمّا نحن، فمطّلعون على كتبكم وما فيها من الروايات والأحاديث الصحيحة والمدسوسة، فنأخذ الصحيحة ونترك غيرها.

وفي خصوص هذا الموضوع نعرف روايات وأحاديث معتبرة في كثير من كتبكم، منها: في كتاب «الصواعق المحرقة» الآية الثالثة في فضائل أهل البيت.

____________________

(١) هذا الموضوع مبني على ما ذكر في علم الحروف و تحقيق ذلك الموضوع موكول إلى ذلك العلم و الناشر.

١٢٢

قال : إنّ جماعة من المفسّرين رووا عن ابن عبّاس أنّه قالَ: أنّ المراد بـ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ‌يَاسِينَ ) أي: سلام على آل محمّد، قال وكذا قاله الكلبي.

ونقل ابن حجر أيضاً عن الإمام الفخر الرازي أنّه قال: إنّ أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله يساوونه في خمسة أشياء:

١- في السلام، قال السلام عليك أيّها النبيّ، وقال سلام على آل ياسين.

٢- وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهّد.

٣- وفي الطهارة، قال تعالى( طه ) (١) أي: يا طاهر، وقال:( وَ يُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً ) (٢) .

٤- وفي تحريم الصدقة.

٥- وفي المحبّة، قال تعالى:( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْکُمُ الله ) (٣) وقال:( قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٤) .

وذكر السيّد أبو بكر شهاب الدين في كتابه «رشفة الصادي ...» في الباب الأول ص ٢٤: عن جماعة من المفسّرين رووا عن ابن عبّاس، والنقّاش عن الكلبي: سلام على آل ياسين، أي: آل محمّد.

ورواه أيضاً في الباب الثاني: ص ٣٤.

وذكر الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير ج ٧ ص ١٦٣ في

____________________

١) سورة طه، الآية ١.

٢) سورة الأحزاب، الآية ٢٣.

٣) سورة آل عمران، الآية ٣١.

٤) سورة الشورى، الآية ٢٣.

١٢٣

تفسير الآية الكريمة:( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ‌يَاسِينَ ) وجوهاً الوجه الثاني: إنّ آل ياسين هم آل محمّد(١) .

فجواز الصلاة والتسليم على آل محمّد، أمر متّفق عليه بين الفريقين(٢) .

الصلاة والسلام على الآل سُنّة

روى البخاري في صحيحه ج ٣.

ومسلم في صححه ج ١.

والعلّامة القندوزي في ينابيع المودة ص ٢٢٧ نقلاً عن البخاري، وابن حجر في الصواعق المحرقة: في الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية الثانية.

كلّهم رووا عن كعب بن عجرة، قال لمـّا نزلت هذه الآية، قلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلي عليك؟

فقال: قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى وآل محمّد إلى آخره.

____________________

١) ونقل الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» الطبعة السابعة، ص ٦ من مقدّمته ما نصّه: وأخرج أبو نغيم الحافظ وجماعة من المفسّرين، عن مجاهد وأبي صالح، هما عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما)، قال: آل ياسين: آل محمّد، و ياسين: إسم من أسماء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله . «المترجم»

٢) وتطرّق الحافظ سليمان في مقدّمة كتابه «ينابيع المودّة» إلى ذكر كثير من الروايات في الموضوع، ثمّ قال: فمن هذه الآيات والأحاديث عُلم أن لا تكون التصلية والتسليمة على الأنبياء والملائكة مختصّةً لهم - وبعد ذكر أدلته - قال: وإنّما نشأ هذا القول، بأنهما مختصّان للأنبياء والملائكة، من التعصّب بعد افتراق الاُمّة، نسأل اللهِ أن يعصمنا من التعصّب. «المترجم».

١٢٤

قال ابن حجر: وفي رواية الحاكم، فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟

قال: قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد إلى آخره.

قال ابن حجر: فسؤالهم بعد نزول الآية:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وإجابتهم بـ: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد إلى آخره، دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقيّة آله مراد من هذه الآية، ولم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلمّا اُجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به إلى آخر كلامه في «الصواعق» فراجع.

وروى الإمام الفخر الرازي في ج ٦ من تفسيره الكبير ص ٧٩٧: لمـّا سأله الأصحاب: كيف نصلّي عليك؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، بارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

وروى ابن حجر في الصواعق ص ٨٧: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء.

فقالوا: وما الصلاة البتراء؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : تقولون: اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون، بل قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى لآل محمّد(١) .

____________________

١) رواه العلّامة القندوزي في مقدّمة ينابيع المودّة: ص ٦، عن الصواعق المحرقة، وعن جواهر العقدين. «المترجم».

١٢٥

قال: وقد أخرج الديلمي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الدعاء محجوب حتّى يصلّي على محمّد وأهل بيته، اللهمّ صلّ على محمّد وآله.

ولابن حجر بحث مفصّل ينقل آراءَ علمائكم وفقهائكم في وجوبالصلاة والسلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهّد في الصلوات اليومية، ثمّ يقول: وللشافعي رضي الله عنه:

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

وقد بحث الموضوع السيّد أبو بكر بن شهاب الدين في كتابه رشفة الصادي، الباب الثاني: ص ٢٩ - ٣٥، ونقل دلائل في وجوبالصلاة والسلام على آل محمّد في الصلاة اليومية عن النسائي والدار قطني وابن حجر والبهيقي وأبي بكر الطرطوسي وأبي اسحاق المروزي والسمهودي والنووي والشيخ سراج الدين القصيمي.

ونظراً لضيق الوقت ورعاية لحال الحاضرين أكتفي بهذا المقدار، أكتفي بهذا المقادير، وأترك الموضوع للعلماء الحاضرين حتّى يفكِّروا ويراجعوا وجدانهم وضمائرهم، ثمّ يحكموا فيه وينصفوا. وبعد هذا كلّه ستصدّقونني حتماً وتقبلون بأنّالصلاة والسلام على آل محمّد ليست بدعة، وإنّما هي عبادة وسُنّة أمر بها النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا ينكر هذا إلّا الخوارج والنواصب المعاندون، خذلهم الله، حيث دلّسوا على إخواننا العامّة، وألبسوا عليهم الحقّ والحقيقة.

ومن الواضح أنّ الّذين أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تقرَن أسماؤهم مع اسمه الشريف، ويُصلَّي ويُسلَّم عليهم في الصلوات اليومية مقدّمون على غيرهم في الفضل والشرف.

١٢٦

ومن السفاهة والجهل والتعصّب والعناد أن نرجّح الآخرين عليهم.

والآن اُشاهد آثار التعب والنعاس تبدوا على كثير من الإخوان، لذلك اُنهي المجلس وأنتظر قدومكم في الليلة الآتية إن شاء الله.

فقام القوم وانصرفوا وشيّعتهم إلى باب الدار.

١٢٧

١٢٨

المجلس الثالث

ليلة الأحد ٢٥/ رجب / ١٣٤٥ هجرية

حضر مجلس البحث الذي انعقد في أوّل الليل فضيلة الحافظ محمد رشيد مع ثلّة من المشايخ والعلماء، وجمع كبير من أتباعهم، فلمّا استقرّ بهم المجلس وتناولوا الشاي والحلوى

قال الحافظ: في الليلة البارحة لمـّا ذهبتُ من هنا إلى البيت لُمْتُ نفسي كثيراً لعدم تحقيقي ومطالعتي حول المذاهب الاُخرى وعقائدهم وأقوالهم، ولِمَ اكتفيتُ بكتب مخالفيهم وبتعبيركم: المتعصّبين على غيرهم!

وقد ظهر لنا - من جملة كلامكم - في الليلة الماضية: أنّ الشيعة يفترقون على مذاهب وطرق شتّى، فأيّ مذهب على حقّ عندكم؟ بيّنوه حتّى نعرف على أيّ مذهب نحاوركم، ونكون على بيّنة من الأمر في هذا التفاهم الديني والحوار المذهبي!

قلت: إنّي لم أذكر في الليلة الماضية أنّ الشيعة على مذاهب، وإنّما الشيعة مذهب واحد، وهم المطيعون لله وللرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٢٩

والأئمة الإثنى عشرعليه‌السلام .

ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنّها من الشيعة، وتبعهم كثير من الجهّال فاعتقدوا بأباطيلهم وكفريّاتهم، وحسبهم الجاهلون الغافلون بأنّهم من الشيعة، ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.

وأمّا المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمد لأغراض سياسية ودنيوية، فهي أربع مذاهب أوّليّة، وقد اضمحلّ منها مذهبان وبقي مذهبان، تشعبت منها مذاهب اُخرى.

والمذاهب الأربعة هي: الزيدية، الكيسانية، القداحية، الغلاة.

مذهب الزيدية

وبعد وفاة علي بن الحسينعليه‌السلام ساق جماعة من الشيعة الإمامة إلى ابنه زيد وعرف هؤلاء بالزيدية وهم الذين (ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم) إلا أنه جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً واجب الطاعة سواءً كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين(١) .

ولما كان زيد الشهيدعليه‌السلام كذلك، اتخذوه إماماً بعد أبيه فقد خرج ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدفع الظلم عن نفسه وعن المؤمنين، وكان سيداً شريفاً، وعالماً تقياً، وشجاعاً سخياً وقد أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شهادته، فقد روى الإمام الحسينعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وضع يده على ظهري وقال: يا حسين سيخرج من صلبك رجلٌ يقال له زيد يقتل شهيداً، فإذا كان يوم القيامة يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخلون الجنّة.

وقال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام للمأمون وهو يحدثه عن زيد بن

____________________

١) الشهرستاني - الملل والنحل ص ٣٠٢.

١٣٠

علي الشهيد أنه كان من علماء آل محمد غضب في الله فجاهد أعداءه حتّى قتل في سبيله، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول: رحم الله عمي زيداً إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفّى لله، ومن ذلك أنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد(٢) .

روى الخزاز(٣) في حديث طويل عن محمد بن بكير قال: دخلت على زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج إلى العراق فقلت له: يا ابن رسول الله هل عهد إليكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متى يقوم قائمكم؟ قال: يا ابن بكير، إنك لن تلحقه، وأن هذا الأمر تليه ستة من الأوصياء بعد هذا (ويعني الإمام الباقر) ثم يجعل الله خروج قائمنا، فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً.

فقلت : يا ابن رسول الله ألست صاحب هذا الأمر؟

فقال: أنا من العترة، فعُدت فعاد إليّ، فقلت: هذا الذي تقول عنك أو عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال: لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، لا ولكن عهدٌ عَهِدهُ إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الكيسانية

وهم أصحاب كيسان وكان عبداً اشتراه الإمام عليعليه‌السلام فأعتقه، ويقولون بإمامة محمد بن الحنفية بعد إمامة الحسن المجتبى والحسين سيّد الشهداءعليه‌السلام ، ولكن محمداً لم يدّع الإمامة أبداً وهو عندنا سيّد التابعين، ويُعرف بالعلم والزهد والورع والإطاعة للإمام السجادعليه‌السلام زين العابدين.

نعم، نقل بعض المؤرّخين بعض الاختلافات بينهما، وقد اتّخذ الكيسانية تلك الإختلافات دليلاً على ادّعاء محمد بن الحنفية لمقام الإمامة.

____________________

٢) الوسائل كتاب الجهاد

٣) الخزاز - كفاية الأثر - من كتاب الزيدية في موكب التاريخ للشيخ جعفر السبحاني.

١٣١

ولكنّ الحقيقة أنّه أراد أن يوجّه أصحابه إلى عدم صلاحيّته لذلك المقام الرفيع، فكان في الملأ العامّ يخالف رأي الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وكان الإمامعليه‌السلام يجيبه جواباً مقنعاً فيفحمه، فكان محمد يُسلّم للإمام ويطيعه، وأخيراً تحاكما عند الحجر الأسود في أمر الإمامة وأقرّ الحجر بإمامة عليّ بن الحسين السجّاد زين العابدينعليه‌السلام ، فبايع محمد بن الحنفية ابن أخيه الإمام السجّاد، وتبعه أصحابه وعلى رأسهم أبو خالد الكابلي، فبايعوا إلّا قليل منهم بقوا على عقيدتهم الباطلة بحجّة أنّ اعتراف محمد بإمامة زين العابدينعليه‌السلام حدث لمصلحة لا نعرفها!!

ومن بعد موته، قالوا بأنّه لم يمت! وإنّما غاب في شعب جبل رضوى، وهو الغائب المنتظر الذي أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وقد انقسموا على أربع فرق: المختارية، الكربية، الإسحاقية، الحربية، وكلّهم انقرضوا ولا نعرف اليوم أحداً يعتقد بمذهبهم.

القدّاحية

وهم قوم باطنيّون يتظاهرون بالتمسّك ببعض عقائد الشيعة ويبطنون الكفر والزندقة والإلحاد!!

ومؤسّس هذا المذهب الباطل هو: ميمون بن سالم، او ديصان، وكان يُعرف ويُلقَّب بقدّاح، وكان ابتداء هذا المذهب في مصر، وهم فتحوا باب تأويل القرآن والأحاديث حسب رأيهم كيفما شاءوا، وجعلوا للشريعة المقدّسة ظاهراً وباطناً وقالوا: إنّ الله تعالى علّم باطن

١٣٢

الشريعة لنبيّه، وهو علّمه علياً، وعليّعليه‌السلام علم أبناءه، وشيعته المخلصين.

وقالوا: بأنّ الّذين عرفوا باطن الشريعة، تحرّروا وخلصوا من الطاعة والعبودية الظاهرية!!

وقد بنوا مذهبهم على سبعة اُسس، واعتقدوا بسبعة أنبياء وسبعة أئمة، فقالوا في الإمام السابع، وهو موسى بن جعفرعليه‌السلام : بأنّه غاب ولم يمت، وسيظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً!! وهم فرقتان:

١- الناصرية: أي: أصحاب ناصر خسرو العلوي، الذي تمكّن بقلمه وشعره أن يدفع كثيراً من الغافلين في هوّة الكفر والإلحاد، وكان له أتباع في طبرستان.

٢- الصبّاحيّة: وهم أصحاب حسن الصبّاح، وهو من أهل مصر، ثمّ هاجر إلى إيران ونشر دعوته في نواحي قزوين، وكانت واقعة قلعة «الَموت» بسببه، والتي قتل فيها كثير من الناس، والتاريخ يذكرها بالتفصيل ولا مجال لذكرها.

الغلاة

وهم أخسّ الفرق المنسوبة إلى التشيُّع، وهم سبع فرق كلّهم ملحدون: السبأيّة، المنصورية، الغرابية، البزيغية، اليعقوبية، الإسماعيلية، الدرزية.

ولا مجال لشرح أحوالهم وعقائدهم، وإنّما أشرت إليهم وذكرتهم لأقول: نحن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية نبرأ من هذه الطوائف والفرق والمذاهب الباطلة ونحكم عليهم بالكفر والنجاسة،

١٣٣

ووجوب الاجتناب عنهم.

هذا حكم أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام الّذين نقتدي بهم، وقد ذكرت لكم بعض الروايات عن أئمّتناعليهم‌السلام في حقّ اُولئك الزنادقة الملحدين - في الليلة الماضية -.

ومع الأسف أن نرى كثيراً من أصحاب القلم لم يفرّقوا بين الشيعة الإمامية الجعفرية وبين هذه الفرق المنتسبة للشيعة، مع العلم أنّ عددنا يربو على أتباع هذه المذاهب الباطلة بأضعاف مضاعفة، وهم نسبة ضئيلة جداً، وعددنا نحن اليوم أكثر من مائة مليون، وأصحابنا موجودون في كلّ بلاد العالم، ونعلن براءتنا من هذه العقائد الفاسدة والمذاهب الباطلة التي تنسب إلى الشيعة.

خلاصة عقائدنا

والآن أذكر لكم اُصول عقائد الشيعة الإمامية الاثنى عشرية باختصار، وأرجو أن لا تنسبوا إلينا غير ما اُبيّنه لكم.

نعتقد: بوجود الله سبحانه وتعالى، الواجب الوجود، الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ليس له شبيه ولا نظير، ولا جسم ولا صورة، لا يحلّ في جسم، ولا يحدّد بمكان ليس بعَرَض ولا جوهر، بل هو خالق العَرَض والجوهر وخالق كلّ شيء، منزّه عن جميع الصفات التي تُشبِهُهُ بالممكنات، ليس له شريك في الخلق وهو الغني المطلق، والكلّ محتاج إليه على الإطلاق.

أرسل رسله إلى الخلق واصطفاهم من الناس واختارهم فبعثهم إليهم بآياته وأحكامه ليعرفوه ويعبدوه، فجاء كلّ رسول من عند الله

١٣٤

سبحانه ما يقتضيه الحال ويحتاجه الناس، وعدد الأنبياء كثير جدّاً إلّا أنّ أصحاب الشرائع خمسة، وهم اُولو العزم:

١- نوح، نجيّ الله ٢- إبراهيم، خليل الله ٣- موسى، كليم الله ٤- عيسى، روح الله ٥- محمّد، حبيب الله، صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً.

وإنّ سيّدهم وخاتمهم هو: نبيّنا محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي جاء بالإسلام الحنيف وارتضاه الله تعالى لعباده ديناً إلى يوم القيامة.

فحلال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

والناس مُجْزَونْ بأعمالهم يوم الحساب، فالدنيا مزرعة الآخرة، فيحيي الله الخلائق بقدرته، ويردّ الأرواح إلى الأجساد، ويحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ‌ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ‌ ) (١) .

ونعتقد: بالقرآن الحكيم كتاباً، أنزله الله تبارك وتعالى على رسوله الكريم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الذي بين أيدي المسلمين، لم يحرّف ولم يغيّر منه حتّى حرف واحد، فيجب علينا أن نلتزم به ونعمل بما فيه من الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحجّ والجهاد في سبيل الله.

ونلتزم بكلّ ما أمر به الربّ الجليل، وبكلّ الواجبات والنوافل التي بلّغها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصلتنا عن طريقه.

ونمتنع عن ارتكاب المعاصي، صغيرة أو كبيرة، كشرب الخمر ولعب القمار والزنا واللواط والربا وقتل النفس المحترمة والظلم

____________________

١) سورة الزلزلة، الآية ٧ و٨

١٣٥

والسرقة، وغيرها ممّا نهى الله ورسوله عنها.

ونعتقد: أنّ الله عزّ وجلّ هو وحده يبعث الرسل وينزل عليهم الكتاب والشريعة، ولا يحقّ لقوم أن يتّخذوا لأنفسهم ديناً ونبيّاً غير مبعوث من عند الله تعالى، وكذلك هو وحده الذي ينتخب ويختار خلفاء رسوله بالنصّ، والرسول يُعرِّفَهُم للاُمّة.

وكما أنّ جميع الأنبياء عَرَّفُوا أوصياءهم وخلفاءهم لاُممهم كذلك خاتم الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يترك الاُمّة من غير هاد وبلا قائد مرشد من بعده، بل نصب عليّاً وليّاً مرشداً، وعلماً هادياً، وإماماً لأمّته، وخليفةً من بعده في نشر دينه وحفظ شريعته.

وقد نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في كتبكم أيضاً - أنّ خلفاءه من بعده اثنا عشر، عرّفهم بأسمائهم وألقابهم، أوّلهم: سيّد الأوصياء عليّ بن أبى طالبعليه‌السلام ، وبعده ابنه الحسن المجتبى، ثمّ الحسين سيّد الشهداء ثمّ عليّ بن الحسين زين العابدين، ثمّ ابنه محمّد باقر العلوم، ثمّ ابنه جعفر الصادق، ثمّ ابنه موسى الكاظم، ثمّ ابنه عليّ الرضا، ثمّ ابنه محمد التقي، ثمّ ابنه علي النقي، ثمّ ابنه الحسن العسكري، ثمّ ابنه محمد المهديّ، وهو الحجّة القائم المنتظر، الذي غاب عن الأنظار، وسوف يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وقد تواترت الأخبار في كتبكم وعن طرقكم أيضاً، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بظهور المهديّ صاحب الزمان، وهو المصلح العالمي الذي ينتظره جميع أهل العالم، ليمحو الظلم والجور ويقيم العدل والقسط على وجه البسيطة.

وبكلمة واحدة أقول: نحن نعتقد بجميع الأحكام الخمسة - من : الحلال والحرام والمستحبّ والمكروه والمباح - التي أشار إليها القرآن

١٣٦

الكريم، أو جاءت في الروايات والأخبار الصحيحة المعتبرة التي وصلتنا عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

وأنا أشكر الله ربّي إذ وفّقني لاعتقد بكلّ ذلك عن تحقيق ودراسة وعلم واستدلال، لا عن تقليد الآباء والاُمّهات، ولذا فإنّي أفتخر بهذا الدين والمذهب الذي أتمسّك به، واُعلن أنّي مستعد لاُناقش على كلّ صغيرة وكبيرة من عقائدي، وبحول الله وقوّته أثبت حقّانيّتها.

( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهٰذَا وَ مَا کُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لاَ أَنْ هَدَانَا الله ) (١) .

ارتفع صوت المؤذّن لصلاة العشاء، وبعد الفراغ من الصلاة شربوا الشاي وتناولوا شيئاً من الحلوى، ثمّ افتتحَ الحافظ كلامه قائلاً:

نشكركم على التوضيح عن فرق الشيعة، ولكن نرى في الأخبار والأدعية المرويّة في كتبكم وعبارات ظاهرها يدلّ على الكفر!

قلت: أرجو أن تذكروا عبارة واحدة من تلك العبارات حتّى نعرف.

الحافظ: إنّي طالعت أخباراً كثيرة في كتبكم بهذا المعنى ولكن الذي أذكره الآن ويَجولُ في خاطري، عبارة، في «تفسير الصافي»(٢) للفيض الكاشاني الذي هو أحد كبار علمائكم فقد روى: أنّ الحسين شهيد الطفّ وقف يوماً بين أصحابه فقال: أيّها الناس! إنّ الله تعالى جلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة مَن سواه.

قال رجل من أصحابه: بأبي أنت واُمّي يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فما

____________________

١) سورة الاعراف، الآية ٤٣.

٢) مصدر الحديث هو كتاب كنز الفوائد لابي الفتح الكراجكي في رسالةٍ لهُ في وجوب الإمامة: ص ١٥١ - من الطبعة الحجرية.

١٣٧

معرفة الله؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته.

قلت:

أولاً: يجب أن ننظر إلى سند الرواية، هل كان صحيحاً أو موثّقاً، قويّاً أو ضعيفاً، معتبراً أو مردوداً.

ثمّ على فرض صحّة السند فهو خبر واحد، فلا يجوز الاستناد عليه والالتزام به، فمثل هذا الخبر يلغى عندنا لمناقضته للآيات القرآنية والروايات الصريحة المرويّة عن أهل البيتعليهم‌السلام في التوحيد(١) .

ومن أراد أن يعرف نظر الشيعة في التوحيد فليراجع خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في «نهج البلاغة» حول التوحيد وليراجع مناظرات أئمّتناعليهم‌السلام ومناقشاتهم مع المادّيين والدهريّين المنكرين لوجود الله عزّ وجلّ، لتعرفوا كيف ردّوا شبهاتهم، وأثبتوا وجود الخالق وتوحيده على أحسن وجه.

راجعوا كتاب توحيد المفضّل، وتوحيد الصدوق، وكتاب التوحيد من موسوعة «بحار الأنوار» للعلامة المجلسي قدّس الله أسرارهم.

____________________

١) وللشيخ الكراجكي - قدّس سرّه - تعليقٌ دقيق يزيل كل مناقضةٍ عن هذا الحديث الشريف قال:

إعْلَم أنّه لمـّا كانَت معرفةُ اللهِ وطاعتُهُ لا ينفعان مَنْ لم يعرف الإمامَ، ومعرفةُ الإمام وطاعتُهُ لا تنفعان إلّا بعد معرَفة الله [ لمـّا كانت كذلك ] صَحَّ أنْ يُقال: إنّ معرفة الله هي معرفةُ الإمام وطاعتُهُ.

ولمـّا كانت أيضاً المعارف الدينيّة العقلية والسّمعية تحصلُ من جهة الإمام، وكان الإمام آمراً بذلك وداعياً إليه، صَحَّ القولُ بأنّ معرفةً الإمامَ وطاعتُه هي معرفةُ الله سبحانه، كما تقول في المعرفة بالرسول وطاعته: إنّها معرفةُ بالله سبحانه، قال الله عز وجل « من يُطعِ الرسولَ فقد أطاع اَلله » كَنَز الفوائد: ص ١٥١ الطبعة الحجرية.

١٣٨

وطالعوا بدقّة كتاب النكت الاعقادية، والمقالات في المذاهب والمختارات، وهما من تصانيف محمد بن محمد بن نعمان، المعروف بالشيخ المفيد طاب ثراه، وهو من أكبر علمائنا في القرن الرابع الهجري.

طالعوا بإمعان كتاب« الاحتجاج» للشيخ الجليل أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي رحمه الله.

راجعوا هذه الكتب القيّمة حتّى تعرفوا كلام أئمّة الشيعة وعلمائهم في التوحيد.

ولكنّكم لا تريدون معرفة الحقيقة والواقع! وإنّما تبحثون في كتبنا لتجدوا أخباراً متشابهة فتتحاملون بها علينا، وتهرّجون بها ضدّنا.

أتُبصر في العين منّي القذى

وفي عينك الجذع لا تُبصرُ

فكأنّكم لم تطالعوا كتبكم وصحاحكم فتجدوا فيها الأخبار الخرافية والموهومات، بل الكفريّات التي تضحك الثكلى ويأباها العقل السليم، فلو تقرأها بإمعان لمـّا رفعت رأسك خجلاً، ولم تنظر في وجوه الحاضرين حياءً!!

الحافظ: إنّ المضحك المخجل هو كلامكم في تخطئة الكتب العظيمة التي لم يصنّف ولم يُؤَلَّف مثلها في الإسلام، خصوصاً صحيح البخاري وصحيح مسلم اللذان أجمع علماء الإسلام على صحّتهما، وأنّ الأحاديث المرويّة فيها صادرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قطعاً، ولو أنّ أحداً أنكر الصحيحين أو خطّأ بعض الأحاديث المرويّة فيهما فإنّه ينكر وينفي مذهب السُنّة والجماعة، لأنّ مدار عقائد أهل السُّنّة وفقههم بعد القرآن يكون على هذين الكتابين.

كما كتب ابن حجر المكّي، وهو من كبار علماء الإسلام وامام الحرمين، في كتابه «الصواعق المحرقة»: فصل في بيان كيفيّتها - أي:

١٣٩

كيفية خلافة أبي بكر - روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصحّ الكتب بعد القرآن، بإجماع يُعتَدُّ به: فلذلك من البديهي أنّ الأخبار المندرجة في الصحيحين كلّها قطعية الصدور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الاُمّة أجمعت على قبولهما، وكلّ ما أجمعت الاُمّة على قبوله فهو مقطوع به، فكلّ ما في الصحيحين مقطوع بصحته!!

على هذا، كيف يتجرّأ أحد أن يقول: توجد في الصحيحين خرافات وكفريّات وموهومات؟!

ردّ الإجماع المزعوم

قلت: نحن نورد إشكالاً علمياً على الإجماع الذي تدَّعونَهُ على صحّة ما في الصحيحين وإسناد ما فيها الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله !

فقد ناقش كثير من علمائكم روايات الصحيحين ورفضوا كثيراً منها، أضف على اُولئك جميع الشيعة، وهم أكثر من مائة مليون مسلم في العالم.

فإنّ إجماعكم هذا مثل الإجماع الذي زعمتم في الخلافة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

فإنّ كثيراً من علمائكم الكبار، مثل: الدارقطني وابن حجر وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في «إرشاد الساري» والعلّامة أبي الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي في كتاب «الإمتناع في أحكام السماع» والشيخ عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في «الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية» وشيخ الإسلام أبو زكريّا النووي في شرح صحيح مسلم، وشمس الدين العلقمي في «الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير» وابن القيّم في كتاب «زاد المعاد في هدي خير

١٤٠