مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252535
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252535 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكان عمر السيّد الشهيد حينما قطعوا رأسه يتجاوز السبعين عاماً، وقبره إلى يومنا هذا مزار المؤمنين الشيعة، ورأيت مكتوباً على صخرة قبره هذين البيتين:

ظالمي إطفاء نور الله كرد

قرّة العين نبي را سر بريد

سال قتلش حضرت ضامن على

كفت: نور الله سيّد شد شهيد

أي: ظالم أطفأ نور الله، وحزّ رأس قرّة عين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ضامن علي في تاريخ شهادته: إنّ السيّد نور الله أصبح شهيداً.

الحافظ: إنّكم تبالغون في هذه القضايا وتضخّمونها، ونحن لا نرضى بأعمال جهّالنا وعوامّنا، ولكنّ الشيعة بأعمالهم الخاطئة يسبّبون تلك الفجائع.

قلت: ما هي أعمال الشيعة التي توجب قتلهم ونهب أموالهم وهتك أعراضهم؟!

الحافظ: في كلّ يوم يقف آلاف الشيعة أمام قبور الأموات ويطلبون منهم الحاجات، ألم يكن هذا العمل عبادة الأموات؟!

لماذا أنتم العلماء لا تمنعونهم؟! حتّى أنّنا نجد كثيراً منهم يخرّون إلى الأرض ويسجدون لتلك القبور باسم الزيارة، فهم بهذه الأعمال الخاطئة يسبّبون تلك الفجائع، لأنّ عوامّنا لا يتحمّلون هذه البدع باسم الإسلام فيفرطون بالانتقام!!

وبينما كان الحافظ يتكلّم وكلّنا نصغي إليه، كان الشيخ عبد السلام، الفقيه الحنفي، يتصفّح كتاب «هدية الزائرين» ويطالع فيه ليجد إشكالاً فيلقيه، ولمـّا وصل الحافظ إلى هذه الجملة، صاح الشيخ عبد السلام مؤيّداً للحافظ ومخاطباً إيّاي:

٢٠١

تفضّل واقرأ هذه الصفحة حتّى تعرف ما يقول الحافظ.

قلت: اقرأ أنت ونحن نستمع.

فقرأ هذه العبارة: وإذا فرغت من الزيارة فصلّ ركعتين صلاة الزيارة، ثم قال: أليست نيّة القربة شرط في صحّة الصلاة؟! فالصلاة لغير الله سبحانه لا تجوز حتّى للنبيّ والإمام، فالوقوف أمام القبور والصلاة بجانبها شرك بيّن، وهو أكبر دليل على الكفر، وهذا كتابكم سند معتبر وحجّة عليكم!

قلت: حيث طال بنا الجلوس والوقت لا يتّسع للجواب عن شبهاتكم، فلنترك الجواب إلى الليلة المقبلة إنشاء الله تعالى.

لكن أهل المجلس - شيعة وسُنّة - كلّهم قالوا نحن مستعدّون أن نبقى حتّى الصباح لنسمع جوابكم.

قلت: أسألك يا شيخ عبد السلام: هل ذهبت لزيارة أحد أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وهل رأيت بعينك أعمال الشيعة الزائرين لقبور أئمّتهمعليه‌السلام أم لا؟

الشيخ: لا إنّي لم أذهب إلى مزارات الأئمّة، ولم اُشاهد أعمال الشيعة هناك.

قلت : إذاً كيف تقول: بأنّ الشيعة يصلّون متوجِّهين لقبور الأئمّة؟! وتستدلّ به على كفر الشيعة! ثبّت العرش ثمّ انقش.

الشيخ: إنّما قلت هذا نقلاً عن هذا الكتاب الذي بين يديّ، فإنّه يقول: صلّ للإمام صلاة زيارة!

قلت: ناولني الكتاب حتّى أعرف صحّة ما تقول.

فناولني الكتاب مفتوحاً، فرأيت تلك الصفحة تنقل كيفية زيارة

٢٠٢

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقلت أيّها الجمع الحاضر! إنّي أقرأ عليكم مقتطفات وجمل من هذه الزيارة حتّى نصل إلى تلك العبارة التي يذكرها الشيخ، ثمّ أنتم أنصفوا واقضوا بيننا وبين الشيخ عبدالسلام والحافظ محمد رشيد.

في آداب زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام

إذا وصل الزائر إلى خندق الكوفة يقف ويقول:

الله أكبر، الله أكبر أهل الكبرياء والمجد والعظمة، الله أكبر أهل التكبير والتقديس والتسبيح والآلاء، الله أكبر ممّا أخاف وأحذر، الله أكبر عمادي وعليه أتوكّل، الله أكبر رجائي وإليه اُنيب... إلى آخره.

و إذا وصل إلى بوَّابة المدينة (النجف) فليقل:

الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ...إلى آخره.

وإذا وصل إلى الباب الأوّل من الروضة المقدّسة فليقل بعد حمد الله تعالى:

أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلى آخره.

وإذا وصل إلى الباب الثاني فليقل: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلى آخره.

وإذا أراد أن يدخل الروضة المقدّسة يستأذن الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة والملائكة.

وبعد ذلك يستلم القبر الشريف فيسلّم على النبيّ وعلى أمير المؤمنين وعلى آدم ونوح إلى آخره.

٢٠٣

والعبارة التي هي محلّ الشاهد للشيخ عبد السّلام ولنا هي: ثُمَّ صلّ ثلاث صلوات ثنائية، ركعتان هديّة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وركعتان هديّة لآدم أبي البشر، وركعتان هديّة لنوح شيخ الأنبياء، لأنّهما مدفونان عند قبر أبي الحسن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

«صلاة الزيارة والدعاء بعدهما»

هل صلاة الهديّة شرك؟!

ألم ترد روايات في صلاة الهديّة للوالدين وغيرهما من المؤمنين؟!

فإذا نوى الزائر : اُصلي ركعتين هديّة لأمير المؤمنينعليه‌السلام قربة إلى الله تعالى هل هذا شرك؟!

فقد جرت العادة عند الناس وكذلك المؤمنين، أنّ كلّ من يذهب لزيارة أحبابه يأخذ معه هديّة، ونجد في أكثر كتب الأخبار والأحاديث فضلاً في استحباب وثواب هديّة المؤمن لأخيه المؤمن وقبولها منه.

والزائر لمـّا يَصلْ إلى قبر من يحبّه ويعلم أنّ الصلاة أحبّ شيء إلى مزوره، فيصلّي ركعتين قربة إلى الله تعالى ويهدي ثوابها إلى المزور.

والمعترضون لو كانوا يواصلون مطالعتهم و يقرءوا الدعاء بعد صلاة الزيارة لعرفوا خطأهم وتيقَّنوا أنّ عمل الشيعة عند الزيارة أئمّتهمعليهم‌السلام و صلاة ركعتين الزيارة ليس بشرك، بل هو التوحيد وكمال العبادة لله عزّ وجلّ.

واعلموا أنّ الشيعة إنّما يزورون الإمام عليّ والأئمّة من وُلدهعليهم‌السلام ،

٢٠٤

لأنّهم عباد الله الصالحون وأوصياء رسوله الصادقون.

وأمّا عبارة الرواية فهي كما يلي، على خلاف ما قاله الشيخ عبد السلام: «بأن يقف بجانب القبر يصلّي» بل العبارة:

«أن يقف مستقبل القبلة ممّا يلي رأس الإمام عليّعليه‌السلام » فيصبح القبر على يسار المصلّي، فيقول: اللهمّ إنّي صلّيت هاتين الركعتين هديّة منّي إلى سيّدي ومولاي، وليّك وأخي رسولك، أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين، عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله، اللهمّ فصلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّلها منّي وأجزني على ذلك جزاء المحسنين، اللهمّ لك صلّيت ولك ركعت ولك سجدت، وحدك لا شريك لك، لأنّه لا تجوز الصلاة والركوع والسجود إلّا لك، لأنّك أنت الله لا إله إلّا أنت.

بالله عليكم أيّها الحاضرون! أنصفوا، أيّ عمل من هذه الأعمال يستوجب الشرك بالله تعالى؟!

الشيخ عبدالسّلام: عجباً ألا تجد هذه العبارة تقول: ثمّ قَبِّل العتبة وادخل الحرم.

ألم يكن هذا العمل سجوداً لصاحب القبر؟!

والسجود لغير الله شرك.

«تقبيل قبور الأئمّةعليه‌السلام وعتبة روضاتهم المقدّسة»

قلت: إنّ جنابك تغالط في البحث، إذ تفسّر تقبيل العتبة بالسجود، ثمّ تحمل ذلك على الشرك بالله سبحانه!! وإذا كنتم في حضورنا تفسّرون كلامنا هكذا، فلابُدّ في غيابنا وخاصّة أمام أتباعكم

٢٠٥

من العوامّ والجاهلين، تثبتون كفرنا!!

وأمّا الجواب: فإنّ الوارد في هذا الكتاب وغيره من كتب الزيارات يقول: إنّ الزائر تأدّباً يقبّل العتبة ليت شعري بأيّ دليلٍ تفسّرون القُبلة بالسجود؟!

وأينَ ورد نهيٌّ عن تقبيل قبور الأنبياء وأوصيائهم وغيرهم من أولياء الله الصالحين، وتقبيل أعتابهم المقدّسة؟! أفي القرآن الكريم؟! أم في الحديث الشريف؟!

ثمّ بأيّ دليل تعدّون هذا العمل شركاً بالله العظيم؟!

والعجيب أنّ عوامّكم يصنعون بقبر أبي حنيفة والشيخ عبد القادر أكثر ممّا تصنعه الشيعة بقبور أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وإنّي اُشْهِدُ الله العلي العظيم فقد ذهبت يوماً الى قبر أبي حنيفة في بغداد، في محلّة الأعظمية، فرأيت جماعة من أهل السُنّة الهنود، سقطوا على الأرض كالساجدين وقبّلوا التراب!!

وحيث إنّي لم أنظر إليهم بعين الحقد والعداء، ولم يكن عندي دليل على أنّ عملهم كفر وشرك، لم أنقل هذا الموضوع في أيّ مجلس، ولم أنتقد عملهم، بل تلقّيته أمراً عادياً.

لأنّي أعلم أنّهم ما وقعوا على الأرض بنيّة السجود لصاحب القبر، و إنّما صدر ذلك منهم لمحبّتهم لصاحب القبر ، وهذا أمر بديهي.

فاعلم يا شيخ! وليعلم الحاضرون! إنّ أيّ زائر شيعي عالم أو جاهل حاشا أن يسجد لغير الله تعالى، وإنّ كلامكم على الشيعة: بأنّهم يسجدون لأئمّتهم، كذب وافتراء علينا!!

وعلى فرض أنّ الزائر يجعل جبهته على التراب أمام القبر، ولكن

٢٠٦

لمـّا لم يقصد السجود لصاحب القبر وإنّما يريد بذلك احترامه وإظهار محبّته له، لم يكن فيه بأس وإشكال.

الشيخ عبدالسلام: كيف يعقل أن يهوي إنسان إلى الأرض ويجعل جبهته على التراب ومع ذلك لا يكون عمله سجوداً؟!

قلت: لأنّ الأعمال بالنيّات، فإذا فعل أحد ذلك ولم ينوي السجود فلا نحسب عمله سجوداً(١) كما فعل إخوان يوسف الصدّيق له، ولم يمنعهم يوسف ولا أبوهم يعقوب من ذلك، والله سبحانه يخبر بعملهم ويحكيه ولا يقبّحه، فيقول:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قَالَ يَا أَبَتِ هٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) (٢) .

وكم من موضع من الذكر الحكيم يخبر الله عزّ وجلّ فيه عن سجود الملائكة لآدم بأمر منه سبحانه.

فحسب كلامكم، فإنّ إخوة يوسف الصدّيق والملائكة كلّهم مشركون، إلّا إبليس لأنّه لم يسجد!! والحال لم يكن كذلك، وإنّما جعل الله سبحانه اللعن على إبليس وأخرجه من الجنّة.

وأمّا جوابي لجناب الحافظ، وإنْ كان الوقت لا يتسع له، ولكن اُبيّنه باختصار:

____________________

١) بل هذا العمل سجود ولكن لم يكن محرّماً لأنّ الساجد لم ينوِ عبادة المسجود، وإنّما ينوي بذلك احترامه، والقرآن الكريم يصرح ويقول:( وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) ويقول عن الملائكة: كما في سورة البقرة، الآية ٣٤:( فَسَجَدُوا إلّا إِبْلِيسَ ) «المترجم».

٢) سورة يوسف، الآية ١٠٠.

٢٠٧

بقاء الروح بعد الموت

إنّ شبهتكم حول الشيعة بأنّهم لماذا يطلبون حوائجهم عند قبور الأموات؟!

إنّما هو كلام المادّيّين والطبيعيّين، فإنّهم لا يعتقدون بالحياة بعد الموت، والله سبحانه يحكي قولهم في القرآن إذ قالوا:( إِنْ هِيَ إلّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَ نَحْيَا وَ مَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (١) .

وأمّا الاعتقاد بالحياة بعد الموت، وأنّ الجسم يبلي بالموت ولكن الروح باقية، فهو من ضروريّات دين الإسلام، وبالأخصّ حياة الشهداء، فقد صرّح بها القرآن الكريم بقوله:( وَ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ‌ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ ) (٢) إلى آخره

فهل يمكن للميّت الفرح والسرور والارتزاق؟! لا!

ولذلك فإنّ الآية الكريمة تصرّح بأنّهم:( أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) فكما أنّهم يفرحون ويُرزقون، فهم يسمعون الكلام ويجيبون، ولكن حجاب المادّة على مسامعنا مانع من إحساسنا بكلامهم واستماع جوابهم.

وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام في زيارة جدّه سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام قوله: يا أبا عبدالله أشهد أنّك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنّك حيٌّ عند ربّك تُرزق، فأسأل ربّك وربّي في

____________________

١) سورة المؤمنون، الآية ٣٧.

٢) سورة آل عمران، الآية ١٦٩ و ١٧٠.

٢٠٨

قضاء حوائجي.

وجاء في الخطبة ٨٦ من نهج البلاغة عن الإمام عليّعليه‌السلام إذ يعرّف فيها أهلَ البيتعليهم‌السلام ويصفهم، فيقول:

أيّها الناس! خذوها من خاتم النبيّين: إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت، ويبلى من بلى منّا وليس ببالٍ.

قال ابن أبي الحديد والميثمي والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، قالوا في شرح هذه الكلمات ما ملخّصه:

«إنّ أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا في الحقيقة أمواتاً كسائر الناس»(١) فنقف عند قبور أهل البيتعليهم‌السلام والعترة الهادية، ولا نحسبهم أمواتاً بل هم أحياء عند ربّهم، ونحن نتكلّم معهم كما تتكلمون أنتم مع مَن حولكم من الأحياء، فنحن لا نعبد الأموات كما تزعمون وتفترون علينا، بل نعبد الله سبحانه الذي يحفظ أجساد الصالحين من البلى، ويبقي أرواح العالمين بعد ارتحالهم من الدنيا(٢) .

____________________

١) نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ٦ / ٣٧٣/ ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.

٢) أرى من المناسب أن أنقل للقارئ الكريم صورة الاستئذان المكتوبة على أبواب المشاهد المقدّسة عند الدخول إلى روضتهم وزيارة مراقدهم المشرّفة، وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمّ إنّي وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك صلواتك عليه وىله، وقد أمرت الناس أن لا يدخلوا إلّا بإذنه فقلت:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَکُمْ ) وإنّي أعتقد حرمة صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته كما أعتقدها في حضرته، واعلم أنّه حيّ عندك مرزوق، وأنّه يشهد مقامي، ويسمع كلامي ويردّ سلامي، وأنّك حجبت عن سمعي كلامهم، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم، وإني أستأذنك يا ربّ أوّلاً، وأستأذن رسولك صلواتك عليه وآله =

٢٠٩

وأنتم ألا تحسبون عليّاًعليه‌السلام ، وابنه الحسين والّذين استشهدوا بين يديه، وكذلك أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قُتلوا في بدر وحنين وغيرهما من غزواته، شهداء؟!

وهل إنّكم لا تعتقدون أنّ هؤلاء الصفوة ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله وثاروا على ظلم بني اُميّة وكفر يزيد، وأنّهم أنقذوا الدين الحنيف من براثن آل أبي سفيان، وروّوا بدمائهم شجرة التوحيد والنبوّة؟؟

فكما إنّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاضوا المعارك وجاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الدين وكافحوا معارضي النبوة ومخالفي الرسالة لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الحقّ، كذلك الإمام عليّعليه‌السلام وابنه الحسين وأصحابهما فقد جاهدوا في سبيل الله تعالى لإبقاء دينه وإنقاذ الإسلام حتّى قُتلوا واستشهدوا في سبيل الله.

وكلّ مَن عنده أدنى اطّلاع عن تاريخ الإسلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم بأنّ آل أبي سفيان وخاصة يزيد بن معاوية وأعوانه كادوا يقضون على الإسلام ويحرّفوه عن مواضعه الإلهيّة بأعمالهم الإلحادية، وإنّ خطر هؤلاء المنافقين كان أشدّ على الإسلام والمسلمين من الكفّار والمشركين.

____________________

= ثانياً، وأستأذن خليفتك المفروض عليّ طاعته والملائكة المقرّبين الموكّلين بهذه البقعة المباركة ثالثاً.

أ أدخل يا الله، أ أدخل يا رسول الله، أ أدخل يا حجة الله؟ فَأذَن لي يا مولاي بالدخول أفضل ما أذنت لأحد من أوليائك، فإن لم أكن أهلاً لذلك فأنت أهل لذلك. والسلام عليكم يا أهل بيت النبوّة جميعاً ورحمة الله وبركاته.

«المترجم».

٢١٠

والتاريخ يشهد أن لولا نهضة الإمام الحسين سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجهاد أصحابه الكرام مستميتين، لتمكّن يزيد بن معاوية أن يحقّق هدف سلفه المنافقين الفجرة، وهو تشويه الإسلام وتغييره على الكفر والجاهلية الاُولى.

فالحسين السبط وأنصاره وأصحابه الكرامعليهم‌السلام وإنْ سالت دماؤهم واستشهدوا، إلّا أنهم فضحوا يزيد وحزبه وسلفه الفاسقين، وكشفوا عنهم الستار وعرّفوهم للمسلمين.

دفاع الشيخ عبد السلام عن معاوية ويزيد

الشيخ: إنّي أتعجّب منك إذ تصرّح بكفر يزيد وهو خليفة المسلمين المنصوب من قبل معاوية، وهو خال المؤمنين وخليفتهم، وقد جعله عمر الفاروق والخليفة المظلوم عثمان والياً على بلاد الشام في طيلة أيّام خلافتهما.

ولمـّا رأى المسلمون أهليته وكفاءته للحكم بايعوه للخلافة، وهو جعل ابنه يزيد وليّ العهد ليكون خليفته من بعده، ورضي به المسلمون فبايعوه بالخلافة!

فأنت حينما تعلن كفر يزيد وسلفه، فقد أهنت جميع المسلمين الّذين بايعوه بالخلافة، وأهنت خال المؤمنين، بل أهنت الخليفتين الراشدَين اللذَين عيّنا معاوية والياً وممثّلاً عنهما في بلاد الشام!!

ولا نجد في التاريخ عملاً ارتكبه يزيد فيكون سبب كفره وارتداده، فهو كان مؤمناً مصلّياً وعاملاً بالإسلام، إلّا أنّ عامله على العراق، قتل سبط النبيّ وريحانته وسبي حريمه وعياله وأرسلهم إلى

٢١١

يزيد في الشام!! فلمّا وصلوا إلى مجلس يزيد حزن واعتذر من أهل البيت واستغفر الله من أعمال الظالمين.

وإنّ الإمام الغزّالي والدميري أثبتا براءة الخليفة يزيد من دم الحسين بن عليّ وأصحابه، فما تقولون؟!

ولو فرضنا أنّ وقائع عاشوراء الأليمة وفجائع كربلاء كانت بأمر من يزيد بن معاوية، فإنّه تاب بعد ذلك واستغفر الله سبحانه، والله غفور رحيم!!

ردّنا على كلام الشيخ

قلت: ما كنت أظنّ أنّ التعصّب يبلغ بك إلى حدّ الدفاع عن يزيد العنيد!

وأمّا قولك: إنّ الخليفتين نصبا معاوية والياً وهو عيّن ولده يزيد خليفة على المسلمين فتجب طاعته عليهم! فهو كلام مردود عند العقلاء ولا سيّما في هذا العصر عصر الديمقراطية.

ثمّ إنّ هذا الكلام لا يبرّر موقف معاوية وعمل يزيد، بل هو يؤيِّد كلامنا ويدلّ على صحّة معتقدنا بأنّه يلزم أن يكون الخليفة معصوماً ومنصوباً من عند الله سبحانه، حتّى لا تُبتلى الاُمّة برجل كيزيد ونظرائه.

وأمّا قولك: إنّ الإمام الغزّالي أو الدميري وأمثالهما دافعوا عن يزيد وبرّأوا ساحته عن فضائح الأعمال الشنيعة والجرائم القبيحة، لا سيّما قتل سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسينعليه‌السلام !

٢١٢

فأقول: اُولئك أيضاً أعمتهم العصبية مثلكم، وقد قيل: إنّ حُبَّ الشيء يعمي ويصمّ، وإلاّ فأيّ إنسان منصف، وأيّ عاقل عادل يبرّئ ذمّة يزيد العنيد من دم السبط الشهيد وأصحابه الأماجد؟!

وأيّ عالم متديّن ملتزم بالحقّ تسوغ نفسه ويسمح له دينه وعلمه أن يدافع عن مثل يزيد العنيد؟!

وأمّا قولك: إنّ قتل الحسين ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان بأمره، وأنّه اعتذر من أهل البيت وتاب واستغفر عن فعل عامله، فلو كان كذلك فلماذا لم يحاكم ابن زياد ولم يعاقب قتلة الحسينعليه‌السلام ؟!

ولماذا لم يعزل اُولئك المجرمين عن مناصبهم وهم شرطته وجلاوزته وأعوان حكومته؟!

ثم من أين تقولون إنّه تاب واستغفر؟! وكيف تجزمون وتحتّمون بأنّ الله سبحانه وتعالى قبل توبته وغفر له؟!

صحيح، إنّ الله عزّ وجلّ غفور رحيم، ولكن للتوبة شروط:

أوّلها: ردّ حقوق الناس، فهل ردّ يزيد حقوق أهل البيت والعترة الطاهرة.

ثم إنّ فضائح يزيد وقبائحه لم تنحصر في قتل السبط الشهيد وسبي نسائه ونهب أمواله وحرق خيامه إلى آخره، بل إنكاره ضروريات الدين، ومخالفته القرآن الكريم، وتظاهره بالفسق والمعاصي، كلّ واحد منها دليل على كفره وإلحاده.

النوّاب: أرجوك أن تبيّن لنا دلائلكم على كفر يزيد حتّى نعرف الحقيقة ونتّبع الحقّ.

٢١٣

دلائل كفر يزيد العنيد

قلت: من الدلائل الواضحة على كفر يزيد بن معاوية مخالفته لحكم الله سبحانه في حرمة شرب الخمر، فإنّه كان يشرب ويتفاخر بذلك في أشعاره فقد قال وثبت في ديوانه المطبوع:

شميسة كرمُ برجها قعر دنّها

فمشرقها الساقي ومغربها فمي

فإن حرمت يوماً على دين أحمد

فخذها على دين المسيح بن مريمِ

وقال أيضاً كما في ديوانه:

أقول لصحب صمّت الكاس شملهم

وداعي صبابات الهوى يترنّمُ

خذوا بنصيب من نعيمٍ ولذّةٍ

فكل وإنْ طال المدى يتصرّمُ

فهو في هذين البيتين يدعو إلى لذّة الدنيا ونعيمها وينكر الآخرة، ومن شعره في إنكار الآخرة والمعاد، ما نقله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه: «الردّ على المتعصّب العنيد، المانع عن لعن يزيد لعنه الله» وهو:

عليّة هاتي ناولي وترنّمي

حديثك إنّي لا اُحبُّ التناجيا

فإنّ الذي حدّثت عن يوم بعثنا

أحاديث زورٍ تترك القلبَ ساهيا

٢١٤

ومن كفريّاته:

يا معشر الندمان قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام

واتركوا ذكر المعاني

شغلتني نغمة العيدان

عن صوت الأذان

وتعوّضت عن الحور

عجوزاً في الدنان

ومن الدلائل الواضحة على كفر يزيد وارتداده، أشعاره الإلحادية وكفريّاته التي أنشدها بعد مقتل السبط الشهيد سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن عليّعليه‌السلام .

فقد ذكر سبط ابن الجوزي في كتابه - التذكرة: ص ١٤٨ - قال: لمـّا جاءوا بأهل البيت إلى الشام سبايا، كان يزيد جالساً في قصره، مشرفاً على محلّة جيرون، فأنشد قائلاً:

لّما بدت تلك الرؤوس وأشرقت

تلك الشموس على رُبى جيرونِ

نعبالغراب قلت: نُح أو لا تَنُح

فلقد قضيتُ من النبيّ ديوني

ومن الدلائل على كفر يزيد العنيد لعنه الله:

فقد ذكر المؤرّخون كلّهم أنّ يزيد احتفل بقتل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ودعا إلى ذلك المجلس كبار اليهود والنصارى، وجعل رأس السبط الشهيد سيّد شباب أهل الجنّة أمامه، وأنشد أشعار ابن الزبعرى:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وَقْع الأسَلْ

«لأهلّوا واستَهلُّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تشلْ»

٢١٥

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدلْ

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحيٌ نزلْ

لست من خِنْدِفَ إنْ لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعلْ

«قد أخذنا مَنَ عليٍّ ثارنا

وقتلنا الفارس الليث البطلْ»

والظاهر أنّ البيت الثاني والأخير ليزيد نفسه.

وقد كتب بعض علمائكم مثل: أبي الفرج ابن الجوزي، والشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي في كتاب الإتحاف بحب الأشراف: ص ١٨، والخطيب الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه «مقتل الحسين».

صرّحوا: إنّ يزيد لعنه الله كان يضرب ثنايا أبي عبدالله الحسين بمقصرته ويترنّم بهذه الأبيات التي نقلناها.

جواز لعن يزيد

إنّ أكثر علمائكم قالوا بكفر يزيد، منهم: الإمام أحمد بن حنبل، وكثير من علمائكم جوّزوا لعنه، منهم: ابن الجوزي الذي صنّف كتاباً في الموضوع وسمّاه: «الردّ علىّ المتعصّب العنيد المانع عن لعن يزيد لعنه الله» ولنعم ما قال أبو العلاء المعرّي:

أرى الأيّام تفعل كلّ نُكر

فما أنا في العجائب مستزيدُ

أليس قريشكم قتلت حسيناً

وكان على خلافتكم يزيدُ!!

وهناك عدد من علمائكم الّذين أعمتهم العصبية الاُموية، وضربت على عقولهم حجب الجاهلية، أمثال: الغزّالي، فأخذوا جانبَ يزيد وذكروا أعذاراً مضحكة لأعماله الإجرامية!!

٢١٦

ولكن أكثر علمائكم كتبوا عن جنايات يزيد وعدوّه كفراً، وساعياً في محو الإسلام وإطفاء نور الله عزّ وجلّ، وذكروا له أعمالاً منافية للتعاليم الإسلامية والأحكام الإلهيّة.

فقد نقل الدميري في كتابه «حياة الحيوان» والمسعودي في «مروج الذهب» وغيرهما، ذكروا: إنّ يزيد كان يملك قروداً كثيرة وكان يحبها فيلبسها الحرير والذهب ويركبه الخيل، وكذلك كانت له كلاب كثيرة يقلّدها بقلائد من ذهب، وكان يغسلها بيده ويسقيها الماء بأواني من ذهب ثمّ يشرب سؤرها، وكان مدمناً على الخمر!!

وقال المسعودي في مروج الذهب ج ٢: إنّ سيرة يزيد كانت مثل سيرة فرعون، بل كان فرعون أقلّ ظلماً من يزيد في الرعية، وإنّ حكومة يزيد صارت عاراً كبيراً على الإسلام، لأنّه ارتكب أعمالاً شنيعة كشرب الخمر في العلن، وقتل السبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّد شباب أهل الجنّة، ولعن وصيّ خاتم النبيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وقذف الكعبة بالحجارة وهدمها وحرقها، وإباحته مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقعة الحَرَّة، وارتكب من الجنيات والمنكرات والفسق والفجور ما لا يُعدّ و لا يحصى وكل ذلك ينبئ عن أنّه غير مغفور له.

النوّاب: ما هي وقعة الحرّة، وما معنى إباحة المدينة المنوّرة بأمر يزيد؟؟!

قلت: ذكر المؤرّخون كلّهم من غير استثناء، منهم: سبط ابن الجوزي في التذكرة: ٦٣، قال: إنّ جماعة من أهل المدينة في سنة ٦٢ هجرية دخلوا الشام وشاهدوا جرائم يزيد وأعماله القبيحة وعرفوا كفره وإلحاده، فرجعوا إلى المدينة المنورة وأخبروها أهلها بكلّ ما رأوا،

٢١٧

وشهدوا على كفر يزيد وارتداده، فتكلّم عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - وكان معهم فقال:

أيّها الناس! قد قَدِمْنا من الشام من عند يزيد، وهو رجل لا دين له، ينكح الاُمّهات والبنات والأخوات!! ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويقتل أولاد النبيّين!!

فنقض الناسُ بيعتهم ولعنوا يزيد وأخرجوا عامله من المدينة وهو: عثمان بن محمد بن أبي سفيان.

فلمّا وصل الخبر إلى يزيد في الشام بعث مسلم بن عقبة على رأس جيش كبير من أهل الشام، وأمرهم أن يدخلوا المدينة المنوّرة ويقتلوا فيها من شاؤا ويفعلوا كلّ ما أرادوا ثلاثة أيّام.

ذكر ابن الجوزي والمسعودي وغيرهما: إنّهم لمـّا هجموا على مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قتلوا كلّ من وجدوه فيها حتّى سالت الدماء في الأزقّة والطرق، وخاض الناس في الدماء حتّى وصلت الدماء قبر النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وامتلأت الروضة المقدّسة والمسجد بالدم، وسمّيت تلك الوقعة بالحرَّة، وكان ضحيتّها عشرة آلاف من عامة المسلمين وسبعمائة قتيل من وجوه أهل المدينة وأشراف المهاجرين والأنصار!!

وأمّا الأعراض التي هُتكت والنواميس التي سلبت، فإنّي أخجل أن أذكرها، فقد ارتكبوا فضائح وقبائح يندي منها جبين الإنسانية، ولكي تعرفوا شيئاً قليلاً، من تلك الفجائع والشنائع، أنقل لكم جملة واحدة من تذكرة سبط ابن الجوزي: ص ١٦٣، فإنّه روى عن أبي الحسن المدائني أنّه قال: ولدت ألف امرأة بعد وقعت الحرّة من غير زوج!!

نعم، هذه نبذة من جرائم يزيد العنيد، وعلى هذه فقس ما سواها.

٢١٨

الشيخ عبد السلام: كلّ ما ذكرته من أعمال يزيد إنّما يدلّ على فسقه ولا يدلّ على كفره، والفسق عمل خلاف، يغفره الله سبحانه ويعفو عن عامله إذا تاب واستغفر، وإنّ يزيد تاب عن هذه الأعمال حتماً، واستغفر ربّه قطعاً، والله تعالى غفّار توّاب، وقد غفر له كما يغفر لكلّ فاسق وعاصٍ إذا تاب واستغفر، فلماذا أنتم تلعنون يزيد؟!

قلت: إنّ بعض المحامين من أجل المال يدافعون عن موكّليهم الى آخر فرصة حتى عندما يظهر بطلان كلامهم واجرام موكّلهم! ولا أدري ما الذي تناله يا شيخ بهذا الدفاع المرير عن يزيد اللعين الشرير؟! فتكرّر كلامك الواهي من غير دليل وتقول: إنّ يزيد تاب واستغفر، وإنّ الله سبحانه غفر له!

هل جئت من عند الباري عزّ وجلّ فتخبر بأنّه غفر ليزيد المجرم العنيد؟!

من أين تقول إنّه تاب؟! ليس لك دليل إلّا ظنّك، و( إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١) .

وإنّ جرائم يزيد المفجعة وأعماله الشنيعة مسطورة في التاريخ ولا يجحدها إلّا المعاند المتعصّب.

هل في نظركم أنّ إنكار المبدأ والمعاد والوحي والرسالة لا يوجب الكفر؟!

وهل في نظركم انه لا يجوز لعن الظالمين والكافرين؟!

أم هل في نظركم أنّ يزيد ما كان كافراً ولا ظالماً؟!

ولكي تعرف ويعرف الحاضرون حقيقة الأمر، اُسمعكم خبرين

____________________

١) سورة يونس، الآية ٣٦.

٢١٩

من صحاحكم:

١- ذكر البخاري ومسلم في الصحيح، والعلّامة السمهودي في وفاء الوفا وابن الجوزي في «الردّ على المتعصّب العنيد» وسبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواصّ» والإمام أحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم، رووا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً.

٢- وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الله من أخاف مدينتي، أي: أهل مدينتي فهل فاجعة الحرّة، وسفك تلك الدماء، وقتل المسلمين الأبرياء والتعدّي على أعراضهم، وهتك حرماتهم، واغتصاب بناتهم ونسائهم، ونهب أموالهم، ما أخافت أهل المدينة؟!

فعلى هذا فإنّ أكثر علمائكم يلعنون يزيد، وقد كتبوا رسائل وكتباً في جواز لعنه، منهم: العلّامة عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي، فقد ذكر في كتابه الإتحاف بحبّ الأشراف ص ٢٠، قال: لمـّا ذُكر يزيد عند الملاّ سعد الدين التفتازاني قال: لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

وذكروا أنّ العلاّمة السمهودي قال في كتابه «جواهر العقدين»: إنّه اتّفق العلماء على جواز لعن من قتل الحسين (رضي الله عنه) أو أمر بقتله، أو أجازه، أو رضي به من غير تعيين.

وأثبت ابن الجوزي، وكذلك أبو يعلى والصالح بن أحمد بن حنبل، كلّهم أثبتوا لعن يزيد بدليل آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة.

٢٢٠