مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252316
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252316 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشافعي، و مسند أحمد، عن أنس بن مالك، قال:

اُتى النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر فقال: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي.

فجاء عليعليه‌السلام فحجبته مرّتين، فجاء في الثالثة فأذنت له.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ! ما حبسك؟!

قال: هذه ثلاث مرّات قد جئتها فحبسني أنس.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لِمَ يا أنس؟! قال: قلت: سمعتُ دعوتَك يا رسول الله، فأحببتُ أن يكون رجلاً من قومي.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الرجل يحبّ قومه.

فاسألُ الشيخ عبد السلام وأقول: هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أم لا؟!

الشيخ عبد السلام: نعم، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة؟!

وهو سبحانه يعلم أنّ النبيّ لا يدعوه ولا يطلب منه حاجةً إلّا في محلّها. فلذلك كانت دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجابة في كلّ وقت.

قلت: على هذا فعليٌّعليه‌السلام هو أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ.

كما إنّ كبار علمائكم صرّحوا بذلك، مثل العلّامة محمد بن طلحة الشافعي، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأوّل من كتابه «مطالب السؤول» بمناسبة حديث الراية وحديث الطير، فقد أثبت أنّ عليّاًعليه‌السلام كان أحبّ الخلق إلى الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ يقول: أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يُحقّق للناس ثبوت هذه المنقبة السَنِيّة والصفة العليّة، التي هي أعلى درجات المتّقين، لعليٍّعليه‌السلام إلى آخره.

٣٤١

والعلّامة الكنجي الشافعي، فقيه الحرمين ومحدّث الشام وصدر الحفّاظ، في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٣٣، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق، عن أنس وسفينة خادميَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: وفيه دلالة واضحة على أن عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ما دعا به، وقد وعد الله تعالى مَن دعاه بالإجابة، حيث قال عزّوجلّ:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَکُمْ... ) (١) .

فأمر بالدعاء ووعد بالإجابة، وهو عزّ وجلّ لا يخلف الميعاد. وما كان الله عزّ وجلّ ليخلف وعده رسله، ولا يردّ دعاء رسوله لأحبّ الخلق إليه، و مَن هو أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبّته ومحبّة من يحبّ لحبّه.

وبعد هذا يقول: وحديث أنس الذي صدّرته في أوّل الباب، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستّة وثمانين رجلاً، كلّهم رووه عن أنس، ثمّ يذكر أسماءهم(٢) .

____________________

١) سورة غافر الآية ٦٠.

٢) وإليك الحديث كما نقله العلاّمة الكنجي الشافعي في أول الباب ٣٣ من كتاب «كفاية الطالب» وأسماء رواته كما يلي:

أخبرنا منصور بن محمد أبو غالب المراتبي، أخبرنا أبو الفرج بن أبي الحسين الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد السدّي، أخبرنا عليّ بن عمر بن محمد السكّري، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن السرّاج المصري، حدّثنا أبو محمد فهد بن سليمان النحّاس، حدّثنا أحمد بن يزيد، حدّثنا زهير، حدّثنا عثمان الطويل، عن أنس بن مالك:

أهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر وكان يعجبه أكله، فقال: ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر. =

٣٤٢

. . . . .

____________________

= فجاء عليّ بن أبي طالب فقال: استأذن لي على رسول الله. قال فقلت: ما عليه إذن، وكنت اُحبّ أن يكون رجلاً من الأنصار.

فذهب ثمّ رجع فقال: استأذن لي عليه، فسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه، فقال: اُدخل يا عليّ، ثمّ قال: اللهمّ وإليَّ، اللهمّ وإليَّ - أي: هو أحبّ الناس إليَّ أيضاً -.

وأمّا أسماء رواة هذا الحديث عن أنس كما ذكرهم العلّامة الكنجي الشافعي نقلاً عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ النيسابوري، وهم ستّة وثمانون رجلاً، ذكرهم في آخر الباب ٣٣ بترتيب حروف المعجم، كما يلي:

[إ] إبراهيم بن هديّة أبو هديّة، وإبراهيم بن مهاجر أبو إسحاق البجلي، وإسماعيل ابن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدّي، وإسماعيل بن سليمان بن المغيرة الأزرق، وإسماعيل بن وردان، وإسماعيل بن سليمان، وإسماعيل غير منسوب من أهل الكوفة، وإسماعيل بن سليمان التيمي، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وأبان بن أبي عيّاش أبو إسماعيل.

[ب] بسّام الصيرفي الكوفي، وبرذعة بن عبد الرحمن.

[ث] ثابت بن أسلم البنانيان، وثمامة بن عبد الله بن أنس.

[ج] جعفر بن سليمان النجعي.

[ح] حسن بن أبي الحسن اليصري، وحسن بن الحكم البجلي، وحميد بن التيرويه الطويل.

[خ] خالد بن عبيد أبو عاصم.

[ز] زبير بن عديّ، وزياد بن محمد الثقفي، و زياد بن شزوان.

[س] سعيد بن المسيّب، وسعيد بن ميسرة البكري، وسليمان بن طرخان التيمي، وسليمان بن مهران الأعمش، وسليمان بن عامر بن عبدالله بن عبّاس، وسليمان بن الحجّاج الطائفي.

[ش] شقيق بن أبي عبد الله. =

٣٤٣

. . . . . ____________________

= [ع] عبد الله بن أنس بن مالك، وعبد الملك بن عمير، وعبد الملك بن أبي سليمان، وعبد العزيز بن زياد، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعمر بن أبي حفص الثقفي، وعمر بن سليم البجلي، وعمر بن يعلى القفي، وعثمان الطويل، وعلي بن أبي رافع، وعامر بن شراحيل الشعبي، وعمران بن مسلم الطائي، وعمران بن هيثم، وعطيّة بن سعد العوفي، وعبّاد بن عبد الصمد، وعيسى بن طهمان، وعمّار بن أبي معاوية الدهني.

[ف] فضيل بن غزوان.

[ق] قتادة بن دعامة.

[ك] كلثوم بن جبر.

[م] محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الباقرعليه‌السلام ، ومحمد بن مسلم الزهري، ومحمد بن عمر بن علقمة، ومحمد بن عبد الرحمن أبو الرجال، ومحمد بن خالد بن المنتصر الثقفي، ومحمد بن سليم، ومحمد بن مالك الثقفي، ومحمد بن جحادة، ومطيّر بن خالد، معلّى بن هلال، وميمون غير منسوب، ومسلم الملائي، ومطر بن طهمان الورّاق، وميمون بن مهران، ومسلم بن كيسان، وميمون بن جابر السلمي، وموسى بن عبد الله الجهني، ومصعب بن سليمان الأنصاري.

[ن] نافع مولى عبد الله بن عمر ، و نافع أبو هرمز.

[هـ] هلال بن سويد.

[ي] يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن هانىء، ويوسف بن إبراهيم، ويوسف أبو شيبة - وقيل هما واحد -، ويزيد بن سفيان، ويعلى بن مرّة، ونعيم بن سالم.

[ابو] أبو الهندي، وأبو مليح، وأبو داود السبيعي، وأبو حمزة الواسطي، وأبو حذيفة العقيلي، ورجل من آل عقيل، وشيخ غير منسوب.

انتهى ما أردنا نقله من كتاب «كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن =

٣٤٤

فأنصفوا أيها المستمعون! هل من الصحيح أن نتمسّك بخبر واحدٍ رواه عمر بن العاص، وهو أحد أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ، والمعلن عليه الحرب، والخارج لقتاله، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدّثيكم؟!

الشيخ عبد السلام: أظنّ أنّكم مصرّون على ردّ كلّ خبر ننقله في فضيلة الشيخين!!

نحن نتّبع الحقّ!

قلت: إنّي أعجبُ من الشيخ إذ يتّهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته؟! حتّى يجابهني بهذا العتاب، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أنّنا نتّبع طريق اللجاج والعناد!!

____________________

= أبي طالبعليه‌السلام » تأليف العلّامة: فقيه الحرمين، ومفتي العراقيين، محدّث الشام وصد الحفّاظ، أبي عبد الله الكنجي الشافعي.

وقد ثبت إجماع المسلمين على صحّة هذا الخبر، فنقلوه بالتواتر في كتبهم ومسانيدهم، كما ثبت أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام احتجّ بهذا الحديث في يوم الدار في اجتماع الّذين أوصاهم عمر بن الخطّاب أن يجتمعوا لتعيين خليفته من بينهم، فقال الإمام عليّعليه‌السلام : أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الكير، فجاء أحد غيري؟!

فقالوا اللهمّ لا فقالعليه‌السلام : اللهمّ اشهد إلى آخره. «المترجم»

٣٤٥

وإنّي أعوذ بالله أن أكون معانداً أو متعصّباً جاهلاً، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيءٌ من الحقد عليكم خصوصاً، وعلى إخواني من أهل السُنّة عموماً.

وإنّي اُشهد الله ربّي وربّكم أنّي ما كنت معانداً وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى، والهنود والمجوس، ومع المادّيّين والوجوديّين، وسائر المذاهب و الفرق والأحزاب المنحرفة، بل كنت دائماً أطلب وجه الله عزّ وجلّ وأبحث عن الحقّ والحقيقة على أساس المنطق والعقل واُصول العلم والبرهان، فكيف أكون معانداً في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين، ونحن وإياكم على دين واحد، وكتاب واحد، ونبي واحد وقبلة واحدة؟!

غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر، والتبس بذلك الحقّ عليكم، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة، نريد أن نتفاهم في القضايا حتّى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى، ويخيّم علينا الاتّحاد والائتلاف، ويتحقّق أمر عزّ وجلّ إذ يقول:( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَ لاَ تَفَرَّقُوا ) (١) .

وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون، ولكن تأثّرتم بكلمات وأكاذيب الاُمويّين المعادين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطيّبين فقلّدتم الناكثين والمارقين المتعصّبين ضدّ الإمام عليّ أمير المؤمنين وشيعته أهل الحقّ واليقين.

فإذا تخلّيتم عن أقاويل اُولئك، وتحرّرتم عن التعصّب والتقليد

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ١٠٣.

٣٤٦

الأعمى، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة، فإنّا نصل إنشاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحقّ المعهود.

الشيخ عبد السلام: نحن قرأنا في الصحف والمجلّات، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور، وعلمنا إفحامكم إيّاهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحقّ، وكنّا نحبّ زيارتكم ونتشوّق لمجالستكم، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإيّاكم على الحقّ.

ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الاُمور الخلافية، وعرض الأخبار والأحاديث المرويّة على كتاب الله سبحانه، فهو الفرقان الأعظم، ولذا قبلنا منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتّم نقاط تعرضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق.

فلذلك أذكر الآن دليلاً من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم، وأنا على يقين بأنّكم ستوافقون عليه ولا تردّونه، لأنّه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى.

قلت: أعوذ بالله العظيم من أن أردّ الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية. ولكن اعلموا أنّي حينما كنت اُحاور الفرق الملحدة مثل الغلاة والخوارج، وغيرهم من الّذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه، كانوا يحتجّون علَيَّ في إثبات ادّعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية! لأنّ بعض آيات الذِكر الحكيم ذو معانٍ متعدّدة ووجوه متشابهة، ولذا لم يسمح النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله لأحد أن يفسّر القرآن برأيه، فقال:

٣٤٧

«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وقد وكّل هذا الأمر الهامّ إلى أهل بيته الكرامعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً».

وقد أجمعت هذه الاُمّة على صحّة هذا الحديث الشريف، فيجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية، وهم أهل بيته الّذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع القرآن ككفّتي ميزان.

والله سبحانه أيضاً أمر الاُمّة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون، فقال:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‌ ) (١) .

والمقصود من أهلَ الذِكر: عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بنيهعليه‌السلام كما روى الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» الباب ٣٩ نقلاً عن تفسير «كشف البيان» للعلّامة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن عليٍّعليه‌السلام ، قال: نحن أهل الذِكر، والذِكر: هو القرآن الحكيم لقوله تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) .

وبتعبير آخر من القرآن الكريم، الذِكر: هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله تعالى:( ...قَدْ أَنْزَلَ الله إِلَيْکُمْ ذِکْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْکُمْ آيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ ) (٣) .

فأهل الذِكر هم آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل القرآن الّذين نزل الوحي في

____________________

١) سورة النحل، الآية ٤٣.

٢) سورة الحجر، الآية ٩.

٣) سورة الطلاق، الآية ١٠ - ١١.

٣٤٨

بيتهم، فهم أهل بيت النبوّة وأهل بيت الوحي.

ولذلك كان عليٌّعليه‌السلام يقول للناس: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليس من آية إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار، وفي سهل أم في جبل، والله ما اُنزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من اُنزلت، وإنّ ربّي وهب لي لساناً طلقاً، وقلباً عقولاً إلى آخره.

ملخص القول: في نظرنا إنّ الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يُطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية، وإلّا إذا كان كلّ إنسان يفسّر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع اختلاف في الكلمة والتشتّت في الآراء، وهذا لا يرضى به الله سبحانه.

والآن وبعد هذه المقدّمة فإنّا نستمع لبيانكم.

الشيخ عبد السلام: لقد أوّل بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى:

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَ رِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) .

قالوا:( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر الصدّيق، فهو كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ مكان حتّى في الغار، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنوّرة.

والمقصود من( أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ ) : هو عمر بن الخطّاب (رض) الذي كان شديداً على الكفّار.

والمراد من( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) : هو عثمان ذو النورين، فإنّه كان

____________________

١) سورة الفتح، الآية ٢٩.

٣٤٩

كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة.

والمعنّي من( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) هو عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فإنّه ما سجد لصنم قطّ.

وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين!

قلتُ: يا شيخ! إنّي أعجب من كلامك وفي حيرة منه! ولا أدري من أين جئت به؟! فإنّي لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة، هذا التفسير، ولو كان هذا الأمر كما تقول، لكان الخلفاء المتقدّمون على الإمام عليّعليه‌السلام احتجّوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيّدة فاطمة الزّهراء والإمام عليٍّعليه‌السلام من البيعة لهم.

ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا التفاسير التي كتبها كبار علمائكم، أمثال: الطبري و الثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي، وغيرهم.

وهذا التأويل والتفسير ما هو إلّا رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية، وإنّ القائل والملتزم به ومَن يقبله يشملهم حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وإذا قلتَ: إنّ ما قلته هو تأويل لا تفسير.

فأقول: إنّ مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقاً، ولا يجوز عند أئمّتكم تأويل القرآن، وأضف على هذا، إنّ في الآية الشريفة نكاتٍ علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم، وهي:

أوّلاً: الضمائر الموجودة في الآية الكريمة.

٣٥٠

وثانياً: صياغة الجُمَل فـ( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله : مبتدأ، و( رَسُولُ الله ) : عطف بيان أو صفة،( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) : عطف على( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله و( أَشِدَّاءُ ) وما بعدها: خبر، ولو قلنا غير هذا فهذا غير معقول وخارج عن قواعد العربية والاُصول.

ولذا فإنّ جميع المفسّرين من الفريقين قالوا: إنّ الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جميعاً.

ولكنّي أقول: إنّ هذه الصفات ما اجتمعت في كلّ فرد فرد من المؤمنين، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين، أي: إنّ بعضهم كانوا( أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ ) وبعضهم كانوا( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) وبعضهم( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) ولم يكن من المؤمنين إلّا رجل واحد جمع كلّ هذه الصفات والميزات الدينية، وهو: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فهو الذي كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أوّل رسالته وبعثته حتّى آخر ساعات حياته المباركة، إذ كان رأس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر وصيّه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا.

الشيخ عبد السّلام: إنك قلت: بأنّي لا اُجادل ولستُ متعصّباً! بينما الآن تظهر التعصّب، وتجادلنا على ما لا ينكره أيّ فرد من أهل العلم!

أما قرأت قوله تعالى:( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ کَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَکِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَ جَعَلَ کَلِمَةَ الَّذِينَ

٣٥١

کَفَرُوا السُّفْلَى وَ کَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَ الله عَزِيزٌ حَکِيمٌ‌ ) (١) .

هذه الآية الكريمة إضافة على أنّها تؤيّد رأينا في تأويل الآية السابقة:( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) فهي تسجّل فضيلة كبرى، ومنقبة عظمى لسيّدنا أبي بكر الصدّيق (رض)، لأنّ مصاحبته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تدلّ على منزلته عنده، ودليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم بعلم الله أنّ أبا بكر يكون خليفته، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة، لذلك أخذه معه حتّى لا يقع في أيدي المشركين، ولم يأخذ النبيُّ أحداً سواه، وهذا أكبر دليل على خلافته.

قلت: إذا أبعدتم عنكم التعصّب، وتركتم تقليد أسلافكم، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق، لو وجدتم أنّها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر، وليس فيها أي دليل على خلافته!

الشيخ عبد السلام: إنّي أتعجّب من قولك هذا، والآية صريحة في ما نقول، ولا ينكره إلّا معاند متعصّب!

قلت: قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تُعرِضوا عن كلامكم، لأنّي أخشى أن يمسَّ ويخدش البحث عواطفكم، فإنّ الكلام يجرّ الكلام، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام، ولا يتحمّله العوامّ، لسوء ما تركّز عندهم في الأفهام.

الشيخ عبد السلام: أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام، بل بيّن لنا كلّ ما عندك من الجواب والردّ على ما قلناه بالتمام، ونحن إنّما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام، ونحن مستعدّون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنّه الحقّ الذي أمر به محمّد سيد الأنام (صلّى الله

____________________

١) سورة التوبة، الآية ٤٠.

٣٥٢

عليه [ وآله ] وسلّم).

قلت: إنّ إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصّب وعناد، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيٍّ وجهل، بل رعاية للأدب والوداد، ولكن إصراركم على رأيكم، وإحساسي بالمسؤولية في كشف الحقّ وإظهار الحقيقة والإرشاد، يفرض علَيَّ الردّ والجواب، حتّى يعرف الحاضرون كلمة الحقّ والسداد، فأقول:

أوّلاً: قولك: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حمل معه أبا بكر، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم أنّه يكون خليفته، فأراد أن يحفظه من شرّ المشركين، كلام غريب..

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حمله لهذا السبب، فلماذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين، الراشدين على حدّ زعمكم؟! عمر وعثمان وعليّ، لأنّهم كانوا في مكّة مهدّدين أيضاً!

فلماذا هذا التبعيض؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليّاً ليبيت على فراش الخطر، ويفدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه!

هل هذا من العدل والإنصاف؟!

ثانياً: بناءً على ما ذكره الطبري في تاريخه، ج ٣: إنّ أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره بأنّه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرآه في الطريق فأخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله معه.

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد، لا كما تقول.

وقال بعض المحقّقين: إنّ أبا بكر بعدما التقى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطريق، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه، لأنّه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة وكان المفروض أن يكون سرّا، كما نوّه

٣٥٣

به الشيخ أبو القاسم بن الصبّاغ، وهو من كبار علمائكم، قال في كتابه «النور والبرهان»:

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر عليّاً فنام على فراشه، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار!

ثالثاً: أسألك أن تبيّن لنا محلّ الشاهد من الآية الكريمة، وتوضّح الفضيلة التي سجّلتها الآية الكريمة لأبي بكر؟!

الشيخ عبد السلام: محلّ الشاهد ظاهر، والفضيلة أظهر، وهي:

أوّلاً: صحبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ الله تعالى يعبر عن الصدّيق (رض) بصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثانياً: جملة:( إِنَّ الله مَعَنَا ) .

ثالثاً: نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيّدنا أبي بكر.

ومجموعها تثبت أفضليّة سيّدنا الصديق وأحقّيّته بالخلافة.

قلت: لا ينكر أحدٌ أنّ أبا بكر كان من كبار الصحابة، ومن شيوخ المسلمين، وأنّه زوّج ابنته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولكنّ هذه الاُمور لا تدلّ على أحقّيّته بالخلافة.

وكذلك كلّ ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر، بل لقائل أن يقول: إنّ صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلاً على البرّ والخير، فكم من كفّار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء، وخاصة في الأسفار.

٣٥٤

الصحبة ليست فضيلة

١- فإنّا نقرأ في سورة يوسف الصدّيقعليه‌السلام أنّه قال:( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) .

لقد اتّفق المفسّرون أنّ صاحبي يوسف الصدّيقعليه‌السلام هما ساقي الملك وطبّاخه، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبيّ يوسف الصدّيقعليه‌السلام ولم يؤمنا بالله، حتّى أنّهما خرجا من السجن كافرين، فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسفعليه‌السلام تعدّ منقبة وفضيلة لهما؟!

٢- ونقرأ في سورة الكهف:( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَ هُوَ يُحَاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَکَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاکَ رَجُلاً ) (٢) .

ذكر المفسّرون: أنّ المؤمن - وكان اسمه: يهودا - قال لصاحبه - واسمه: براطوس - وكان كافراً، وقد نقل المفسّرون - منهم: الفخر الرازي - محاورات هذين الصحابين، ولا مجال لنقلها، فهل صحبة براطوس ليهودا، تُعدّ له فضيلةً أو شرفاً يقدّمه على أقرانه؟!

أم هل تكون دليلاً على إيمان براطوس، مع تصريح الآية:( أَ کَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَکَ مِنْ تُرَابٍ ) (٣) ؟!

فالمصاحبة وحدها لا تدلّ على فضيلة وشرف يميّز صاحبها ويقدّمه على الآخرين.

وأمّا استدلالك على أفضليّة أبي بكر، بالجملة المحكيّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

١) سورة يوسف، الآية ٣٩.

٢) سورة الكهف، الآية ٣٧.

٣) سورة الكهف، الآية ٣٧.

٣٥٥

( إِنَّ الله مَعَنَا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد، لأنّ الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب، بل يكون مع غير المؤمنين أيضاً، لقوله تعالى:( مَا يَکُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إلّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لاَ خَمْسَةٍ إلّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لاَ أَدْنَى مِنْ ذٰلِکَ وَ لاَ أَکْثَرَ إلّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا کَانُوا ) (١) .

فبحكم هذه الآية الكريمة، فإنّ الله عزّ وجلّ يكون المؤمن والكافر والمنافق.

الشيخ عبد السلام: لا شكّ أنّ المراد من الآية الكريمة:( إِنَّ الله مَعَنَا . ) يعني: بما أنّنا مع الله ونعمل لله، فإنّ ألطاف الله تعالى تكون معنا، والعناية الإلهيّة تشملنا.

حقائق لا بُدّ من كشفها

قلت: حتّى لو تنَزّلنا لكم وسلّمنا لقولكم، فلقائل أن يقول: إنّ الجملة مع هذا التفسير أيضاً لا تدلّ على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدّم صاحبها على الآخرين، لأنّ هناك أشخاص شملتهم الألطاف الإلهيّة والعناية الربّانيّة، وما داموا مع الله كان الله معهم، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم، مثل:

١- إبليس - ولا مناقشة في الأمثال - فإنّه عَبَدَ الله تعالى عبادة قلّ نظيرها من الملائكة، وقد شملته الألطاف والعنايات الربّانية، ولكن لمـّا تمرّد عن أمر ربّه تكبّر واتّبع هواه واغترّ، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلاً:( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّکَ رَجِيمٌ‌ * وَ إِنَّ عَلَيْکَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ‌ ) (٢) .

____________________

١) سورة المجادلة، الآية ٧.

٢) سورة الحجر، الآية ٣٤ - ٣٥.

٣٥٦

٢- ومثله في البشر: بلعم بن باعورا، فإنّه كما ذكر المفسّرون في تفسير قوله تعالى:( وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَکَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) (١) قالوا:إنّه تقرّب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواماً كثيرة في الوادي.

ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان، واتّبع الشيطان، وخالف الرحمن، وسلك سبيل البغي والطغيان، وصار من المخلّدين في النيران.

وإذا أحببتم تفصيل قصّته، فراجعوا التاريخ والتفاسير، منها: تفسير الرازي ٤/ ٤٦٣، فإنّه يروي عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.

٣- وبرصيصا.. في بني إسرائيل، كان مجدّاً في عبادة الله سبحانه حتّى أصبح من المقرّبين، وكانت دعوته مستجابة، ولكن عند الامتحان اُصيب بسوء العاقبة فترك عبادة ربّ العالمين، وسجد لإبليس اللعين، وأمسى من الخاسرين، فقال الله تعالى فيه:( کَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِي‌ءٌ مِنْکَ إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالَمِينَ ) (٢) .

فإذا صدر عمل حسن من إنسان، فلا يدلّ على أنّ ذلك الإنسان يكون حسناً إلى آخر عمره وأنّ عاقبة أمره تكون خيراً، ولذا ورد في

____________________

١) سورة الأعراف، الآية ١٧٥.

٢) سورة الحشر، الآية ١٦.

٣٥٧

أدعية أهل البيتعليهم‌السلام : اللهمّ اجعل عواقب اُمورنا خيراً.

إضافة إلى ما قلنا: فإنّكم تعلمون أنّه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان، أنّ التأكيد في الكلام يدلّ على شكّ المخاطَب وعدم بقيته للموضوع، أو توهّمه خلاف ذلك.

والآية مؤكَّدة «بأنّ» فيظهر بأن ّ مخاطَب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو صاحبه في الغار كان شاكّاً في الحقّ، على غير يقين بأنّ الله سبحانه يكون معهما!

الشيخ عبد السلام: - شاط غاضباً - وقال: ليس من الإنصاف أن تمثّل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا!

قلت: أنا في البداية بيّنت أن: «لا مناقشة في الأمثال» ومن المعلوم أنّ في المحاورات إنّما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من الجهات، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة، وهي التي تركّز عليها موضوع الحوار.

وإنّي اُشهد الله! بأنّي ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبداً، بل البحث والحوار يقتضي أحياناً أن أذكر شاهداً لكلامي، واُبيّن مثلاً لتفهيم مقصدي ومرامي.

الشيخ عبد السلام: دليلي على أنّ الآية الكريمة تتضمّن مناقب وفضائل لسيّدنا أبي بكر (رض)، جملة:( فَأَنْزَلَ الله سَکِينَتَهُ عَلَيه ) فإن الضمير في( عَلَيه ) يرجع لأبي بكر الصدّيق، وهذا مقام عظيم.

قلت: الضمير يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس لأبي بكر، بقرينة الجملة التالية في الآية( وأيّده جُنُود لَمْ تَرَوْهَا ) .

٣٥٨

وقد صرّح جميع المفسّرين: أنّ المؤيَّد بجنود الله سبحانه هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الشيخ عبد السلام: ونحن نقول أيضاً: إنّ المؤيَّد بالجنود هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّ أبا بكر كذلك كان مؤيّدا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

السكينة والتأييد من خصوصيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

قلت: إذا كان الأمر كما تقول، لجأت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية، بينما الضمائر كلّها جاءت مفردة، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول: إنّ الألطاف والعنايات الإلهيّة كالنصرة والسكينة شملت أبابكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينحصر القول بأنّها شملت رسول الله دون صاحبه!!

الشيخ عبد السّلام: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في غنىً عن نزول السكينة عليه، لأنّ السكينة الإلهية كانت دائماً معه ولا تفارقه أبداً، ولكن سيّدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسّة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه.

قلت: لماذا تضيّع الوقت بتكرار الكلام، بأيّ دليل تقول: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يحتاج إلا السكينة الإلهية؟! بينما الله سبحانه يقول:( ثُمَّ أَنْزَلَ الله سَکِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا ) (١) وذلك في غزوة حنين.

ويقول سبحانه وتعالى أيضاً:( فَأَنْزَلَ الله سَکِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ

____________________

١) سورة التوبة، الآية ٢٦.

٣٥٩

وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوَى ) (١) وذلك في فتح مكّة المكرّمة.

فكما في الآيتين الكريمتين يذكر اللهُ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويذكر بعده المؤمنين، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الّذين تشملهم السكينة الإلهيّة، لكان الله عزّ وجلّ قد ذكره بعد ذِكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو يقول: فأنزل الله سكينته عليهما.

هذا وقد صرّح كثير من علمائكم: بأنّ ضمير( عَلَيه ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا إلى أبي بكر، راجعوا كتاب «نقض العثمانية» للعلّامة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو اُستاذ ابن أبي الحديد، وقد كتب ذلك الكتاب القيّم في ردّ وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.

إضافة على ما ذكرنا، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم! وهي:( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ ) فالنبيّ ينهى أبا بكر عن الحزن، فهل حزن أبي بكر كان عملاً حسناً أم سيّئاً؟

فإن كان حسناً، فالرسول لا ينهى عن الحسن، وإن كان سيّئاً فنهي النبيّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله من باب النهي عن المنكر بقوله:( لاَ تَحْزَنْ ) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه، بل تكون في ذمّه وقدحه! وصاحب السوء والمنكر، لا تشمله العناية والسكينة الإلهيّة، لأنّهما تختصّان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين، وهم أولياء الله الّذين لا يخشون أحداً إلّا الله سبحانه.

____________________

١) سورة الفتح، الآية ٢٦.

٣٦٠