مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252437
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252437 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومن أهمّ علامات الأولياء كما في قوله تعالى:( أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‌ ) (١) .

ولمـّا وصل البحث إلى هذه النقطة، نظر العلماء إلى الساعة وهي تشير إلى أنّ الوقت قد جاوز منتصف الليل.

فأرادوا الانصراف من المجلس، ولكنّ النوّاب قال: ما وصلنا إلى نتيجة حول الآية الكريمة:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَ الَّذِينَ مَعَهُ... ) إلى آخره والسيد بعدُ لم يتمّ كلامه في الموضوع.

فقال الحاضرون: لقد تعب السيد فنترك البحث إلى الليلة المقبلة إن شاء الله تعالى.. فتوادعنا وانصرفوا.

____________________

١) سورة يونس الآية ٦٣.

٣٦١

٣٦٢

المجلس السادس

ليلة الأربعاء ٢٨ رجب ١٣٤٥ هجرية

قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين، وكان تاجراً محترماً من أهل السُنّة، وهو رجل كيّس ورزين، كان يحضر مجلس الحوار في كلّ ليلة.

جاءني وقال: أيها السيّد الجليل إنّما جئتُ في هذا الوقت وقبل مجيء رفاقي، لاُخبرك بأنّك كسبت قلوبنا ونوّرتها بكلامك الحلو وبيانك العذب، فانجذب أكثر الحاضرين نحوك، فقد كشفت لنا ما كان مستوراً وبيّنت لنا الحقّ الذي كان مجهولاً.

واعلم أنّنا حين انصرفنا في الليلة الماضية من المجلس، وقع اختلاف شديد بيننا وبين علمائنا وعاتبناهم عتاباً شديداً على إخفائهم هذه الحقائق عنّا وإغوائنا بالأكاذيب والأباطيل، وكادَ الأمر يؤول من التشاجر إلى التناحر، ولكنّ بعض العقلاء والكبار توسّطوا في البين وأنهوا القضيّة بسلام.

ولمـّا صار وقت المغرب تهيّأتُ وقمتُ للصلاة، واقتدى بي كلّ من

٣٦٣

كان في البيت، وصلّى غلام إمامين أيضاً معنا جماعة.

وبعد إتمامنا الصلاة، جاء العلماء ومعهم الأصحاب والرفاق، فأكرمهم صاحب البيت ورحّب بهم ورحبتُ بهم بدوري، وبعدما شربوا الشاي وتناولوا الحلوى، وجّه الاُستاذ نوّاب عبد القيّوم خان نظرهُ إليَّ واستأذن للسؤال، فأذنتُ له.

فقال: نسألكم أن تتمّوا موضوع الليلة الماضية حول الآية الكريمة:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَ الَّذِينَ مَعَهُ. . )

قلت: إذا أذن لي المشايخ الحاضرون، فلا مانع لديّ.

الحافظ - وكان في حالة غضب -: لا مانع تكلّموا ونحن نستمع.

قلت: لقد بيّنت لكم في الليلة الماضية بعض الإشكالات الأدبية على تأويل الآية وتطبيقها على الخلفاء الراشدين.

وأمّا في هذه الليلة فنبحث فيها من جهات اُخرى حتّى ينكشف الحقّ للحاضرين.

إنّ جناب الشيخ عبد السلام سلّمه الله تعالى أوَّل كلّ صفه من الصفات الأربعة في الآية الكريمة على أحد الراشدين بالترتيب فأقول:

أوّلاً: لم يذكر أحدٌ من المفسّرين في شأن نزول الآية، هذا التأويل.

ثانياً: كلّنا يَعرف أنّ الصفات الأربعة المذكورة إذا اجتمعت كلّها في شخص واحد، فهو المراد من الآية الكريمة.

وأمّا إذا تحقّق بعضها في شخص، فلا يكون ذلك هو مقصود الآية ومرادُها.

٣٦٤

ونحن إذا نظرنا في تاريخ الإسلام نظر تحقيق وتعمّق، ودرسنا حياة الصحابة دراسة تحليلية، ونظرنا في سيرتهم نظرة استقلالية، بعيداً عن الأغراض النفسية والعوارض القلبية، لوجدنا أنّ كلّ الصفات المذكورة في الآية الكريمة ما اجتمعت في واحد من الصحابة سوى مولانا علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

الحافظ: إنّكم معشر الشيعة تغالون في حقّ سيّدنا عليّ كرّم لله وجهه، فكلّما وجدتم آية في وصف المؤمنين والمتّقين والمحسنين والصالحين، تقولون: نزلت في شأن الإمام عليّ!!

قلت: هذا اتّهام وافتراء آخر منكم، نحن الشيعة لا نغالي في حقّ مولانا لإمام عليّعليه‌السلام ، وإنّما نواليه ولا نبغضه، كما أراد الله سبحانه، فلذلك نقول فيه ما هو حقّه، وإنّه لظاهر كالشمس في الضحى.

مَن ينكر فضلك يا حيدر؟

هل ضوء الشمس ضحىً يُنكر؟

وكلّ ما نقوله نحن في أمير المؤمنينعليه‌السلام إنّما هو من كتبكم ومصادركم!

الآيات النازلة في شأن عليّعليه‌السلام

وأمّا الآيات المباركة الكثيرة التي نقول بأنّها نزلت في شأن الإمام عليعليه‌السلام وفضله، إنّما نذكر رواياتها وتفاسيرها من كتبكم المعتبرة ومن تفاسير علمائكم الأعلام.

فإنّ الحافظ أبو نعيم، صاحب كتاب «ما نزل من القرآن في عليّ»

٣٦٥

والحافظ أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب «نزول القرآن في علي» والحاكم الحسكاني، صاحب كتاب «شواهد التنزيل» فهؤلاء من علماء الشيعة أم من علمائكم؟؟

والمفسّرون الكبار، أمثال: الإمام الثعلبي والسيوطي والطبري والفخر الرازي والزمخشري، والعلماء الأعلام، أمثال: ابن كثير ومسلم والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود وأحمد بن حنبل وابن حجر والطبراني والكنجي والقندوزي، وغيرهم، الّذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم، الآيات القرآنية التي نزلت في شأن الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

هل هم من علماء الشيعة أم من أهل السُنّة والجماعة؟؟

ولقد روى الحسكاني، والطبراني، والخطيب البغدادي في تاريخه، وابن عساكر في تاريخه، في ترجمة الإمام عليّعليه‌السلام ، وابن حجر في الصواعق: ٧٦، ونور الأبصار: ٧٣، ومحمد بن يوسف الكنجي في «كفاية الطالب» في أوائل الباب الثاني والستّين، في تخصيص عليعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة، بإسنادهم عن ابن عبّاس، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب ثلاثمائة آية.

وروى العلامة الكنجي في الباب الحادي والثلاثين بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أنزل الله تعالى آية فيها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها.

ورواه عن طريق آخر: إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها وشريفها.

وروى في الباب عن ابن عبّاس أيضاً أنّه قال: ولقد عاتب اللهُ عزّ وجلّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير آيٍ من القرآن وما ذكر عليّاً إلّا بخير.

٣٦٦

فمع هذه الأخبار المتظافرة والروايات المعتبرة الجمّة التي رواها كبار علمائنا ومحدّثيهم، نحن لا نحتاج لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وإثبات فضله وجلالته وخلافته.

فإنّ رفعة مقامه وسموّ شأنه وعلوّ قدره يلوح للمنصفين في سماء العلم والمعرفة، كشمس الضحى في وسط السماء، لا ينكرها إلّا فاقدي البصر أو السفهاء.

وكما يُنسب إلى الإمام محمّد بن إدريس الشافعي - أو غيره من الأعلام - أنّه حين سُئل عن فضل الإمام عليّعليه‌السلام قال: ما أقول في رجل، أخفى أعداؤه فضائله بغضاً وحسداً، وأخفى محبّوه فضائلَه خوفاً ورهباً، وهو بين ذَين وذين قد ملأت فضائله الخافقين(١) .

وأمّا حول الآية الكريمة، فإنّي كلّ ما أقوله فهو من كتبكم وأقوال علمائكم، كما إنّي إلى الآن ما تمسّكت بأقوال الشيعة في محاوراتي معكم، ولا أحتاج أن أتمسّك بها في محاوراتي الآتية أيضاً إنشاء الله تعالى.

وأمّا تطبيق الآية الكريمة:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَ الَّذِينَ مَعَهُ. . ) على مولانا وسيّدنا الإمام عليٍّعليه‌السلام ، فهو ليس قولي فحسب، بل أذكر جيداً أنّ العلّامة محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي، في

____________________

١) وفيه يقول الشاعر:

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّوهم خوفاً وأعداؤهم بغضاً

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السماوات والأرضا

والقول أعلاه لأحمد بن حنبل لا للشافعي!

«المترجم»

٣٦٧

كتابه «كفاية الطالب» في الباب الثالث والعشرين، وبعد روايته للحديث النبويّ الشريف الذي يشبّه فيه الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بالأنبياء والمرسلينعليهم‌السلام .. فيقول العلّامة الكنجي في شرحه للحديث: وشبّهه بنوح في حكمته، وفي رواية في حكمه، وكأنّه أصحّ لأنّ عليّاًعليه‌السلام كان شديداً على الكافرين رؤوفاً بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله:( وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوحعليه‌السلام على الكافرين بقوله:( . .رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِينَ دَيَّاراً ) (١) إلى آخر كلام العلّامة الكنجي.

وأمّا قول الشيخ عبد السّلام: بأنّ( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر لأنّه كان صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار.

فإنّي أجبت بأنّ صحبته كانت من باب الصدفة، ولو سلّمنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذه معه لاعن صدفة، فهل مرافقة أيّام قلائل وصحبة سفر واحد، تساوي مرافقة أكثر العمر وصحبة سنين عديدة هي التي قضاها مولانا الإمام عليّعليه‌السلام تحت رعاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتعلّم عنده وتأدّب بآدابه وتربّى على يده وتحت إشرافه؟!

فلو أنصفتم لقلتم: إنّ عليّاً أخصّ من أبي بكر في هذه الصفة أيضاً، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذه من أبي طالب وربّاه في حجره وعلّمه وأدبّه، فكان أوّل من آمن به وعمره حينذاك عشر سنين، آمن عليّعليه‌السلام حين كان أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم من المسلمين، كفّاراً مشركين، يعبدون الأوثان ويسجدون للأصنام، وعليٌ

____________________

١) سورة نوح، الآية ٢٦.

٣٦٨

ما سجد لصنم قطّ، كما صرّح كثير من علمائكم.

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مربّي علي عليه‌السلام ومعلّمه

لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبيّ عليّاً من الصغر.

منهم ابن الصبّاغ المالكي في كتابه «الفصول المهمّة» فإنه خصّص فصلاً في الموضوع.

ومنهم محمّد بن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السؤول» في الفصل الأوّل.

والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب السادس والخمسين، ص ٢٣٨ المكتبة الحيدرية، نقلاً عن «ذخائر العقبى» للطبري.

والثعلبي في تفسيره عن مجاهد.

وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣/١٩٨ ط دار إحياء الكتب العربية، نقلاً عن الطبري في تاريخه(١) ، روى بإسناده عن مجاهد قال كان من نعمة الله عزّ و جلّ على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام و ما صنع الله له و أراده به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثير.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للعبّاس - و كان من أيسر بني هاشم-: يا عبّاس إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفِّف عنه من عياله آخذ من بيته

____________________

١) تاريخ الطبري: ٢/٣١٣ طبعة المعارف.

٣٦٩

واحداً و تأخذ واحداً فنكفيهما عنه.

فقال العبّاس: نعم.

فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه.

فقال لهما : إن تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً فضمّه إليه و أخذ العبّاس جعفراً (رضي الله عنه) فضمّه إليه ، فلم يزل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بعثه الله نبيّاً فاتّبعه عليٌّعليه‌السلام فآمن به و صدّقه و لم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم و استغنى عنه(١) .

____________________

١) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد: ١٣ /٢٠٠ ط دار إحياء الكتب العربية، قال: و روى الفضل بن عبّاس رحمه الله قال سألت أبي عن وُلد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّهم كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله له أشدَّ حبّاً؟ فقال: علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقلت : سألتك عن بنيه! فقال إنّه كان أحبَ إليه من بنيه جميعاً و أرأف ما رأيناه زايله يوماً من الدهر منذ كان طفلاً إلا أن يكون في سفر لخديجة و ما رأينا أباً أبرّ بابن منه لعليّعليه‌السلام و لا ابناً أطوع لأب من عليٍّعليه‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونقل ابن ابي الحديد في ج ١٠/٢٢١ و٢٢٢ عن ابي جعفر النقيب أنّه كان يقول: انظروا إلى أخلاقهما و خصائصهما - أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام - هذا شجاع و هذا شجاع.

و هذا فصيح و هذا فصيح.

و هذا سخيّ جواد و هذا سخيّ جواد.

و هذا عالم بالشرائع و الأمور الإلهيّة و هذا عالم بالفقه و الشريعة و الأمور الإلهيّة الدقيقة الغامضة.

و هذا زاهد في الدنيا غير نهم و لا مستكثر منها و هذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتّع بلذّاتها =

٣٧٠

وقال ابن الصبّاغ المالكي بعد نقله للرواية: فلم يزل عليّعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بعث الله عزّ وجلّ محمّداً نبيّاً، فاتّبعه عليّعليه‌السلام وآمن به وصدّقه، وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم، وإنّه أوّل من أسلم وآمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الذكور.

____________________

= و هذا مذيب نفسه في الصلاة و العبادة و هذا مثله.

و هذا غير محبّب إليه شيء من الأمور العاجلة إلّا النساء و هذا مثله.

و هذا ابن عبد المطّلب بن هاشم و هذا في قُعْدده و أبواهما أخوان لأب و اُمّ دون غيرهما من بني عبد المطّلب و رُبّيَ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر والد هذا و هذا أبو طالب فكان جارياً عنده مجرى أحد أولاده.

ثمّ لمـّا شبّصلى‌الله‌عليه‌وآله و كبر استخلصه من بني أبي طالب و هو غلام فربّاه في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به.

فامتزج الخُلقان و تماثلت السجيتان و إذا كان القرين مقتدياً بالقرين فما ظنّك بالتربية و التثقيف الدهر الطويل؟!

فواجب أن تكون أخلاق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كأخلاق أبي طالب و تكون أخلاق عليٍّعليه‌السلام كأخلاق أبي طالب أبيه و محمّدعليه‌السلام مربّيه و أن يكون الكلّ شيمة واحدة و سوساً - أي أصلاً - واحداً و طينةً مشتركة و نفساً غير منقسمة و لا متجزئّة و ألا يكون بين بعض هؤلاء و بعض فَرق و لا فضل لو لا أنّ الله تعالى اختصّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله برسالته و اصطفاه لوحيه لمـّا يعلمه من مصالح البريّة في ذلك و من أنّ اللّطف به أكمل و النفع بمكانه أتمّ و أعَمّ فامتاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك عمّن سواه و بقي ما عدا الرسالة على أمر الاتّحاد، فقال له: انت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا انّه لا نبيّ بعدي.

فأبان نفسه منه بالنبوّة وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركاً بينهما.

«المترجم»

٣٧١

عليّعليه‌السلام أوّل من آمن

ثمّ ينقل ابن الصبّاغ المالكي، قول الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة( وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ . ) (١) ، أنّه روى عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمّد بن المنكدر وربيعة المرائي، أنّهم قالوا: أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد خديجة اُمّ المؤمنين، هو علي بن أبي طالب.

وهذا الموضوع الهامّ صرّح به كبار علمائكم الاعلام، مثل: البخاري ومسلم في الصحيح، والإمام أحمد في مسنده، وابن عبد البرّ في الاستيعاب: ٣/٣٢ والإمام النسائي في الخصائص، وسبط ابن الجوزي في التذكرة: ٦٣ والحافظ سليمان القندوزي في الينابيع باب ١٢- نقلاً عن مسلم والترمذي، وابن أبي الحديد في شرح النهج: ١٣/٢٢٤ ط إحياء الكتب العربية، والحمويني في فرائد السمطين، والمير السيّد على الهمداني في مودّة القربى، والترمذي في الجامع:٢/٢١٤، وابن حجر في الصواعق، ومحمد بن طلحة القرشي في مطالب السؤول - الفصل الأوّل - وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم ذكروا بأنّ: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعث يوم الاثنين وآمن به عليٌّ يوم الثلاثاء - وفي رواية: وصلّى عليٌّ يوم الثلاثاء - وقالوا: إنّه أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الذكور.

كما جاء في مطالب السؤول: ولمـّا اُنزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

١) سورة التوبة، الآية ١٠٠.

٣٧٢

وشرّفه الله سبحانه وتعالى بالنبوّة كان عليٌّعليه‌السلام يومئذ لم يبلغ الحلم، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر، وقيل: أقلّ من ذلك، وقيل: أكثر منه، وأكثر الأقوال وأشهرها: أنّه لم يكن بالغاً، فإنّه أول من أسلم وآمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الذكور، وقد ذكرعليه‌السلام ذلك وأشار إليه في أبيات قالها ونقلها عنه الثقات ورواها النَّقلة الاثبات، وهي:

محمد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

وجعفر الذي يُضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن اُمّي

وبنت محمّد سَكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

سبقتكم إلى الإسلام طرّاً

غلاماً ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمِّ

فويل ثمّ ويل ثمّ ويل

لمن يلقى الإله غداً بظلمي(١)

ونقل الطبري في تاريخه: ٢/ ٢٤١ والترمذي في الجامع: ٢ ص ٢١٥ والإمام أحمد في مسنده: ٤/ ٣٦٨ وابن الأثير في تاريخه الكامل: ٢/٢٢ والحاكم في المستدرك: ٤/٣٣٦ ومحمد بن يوسف

____________________

١) قال الحافظ سليمان الحنفي في ينابيع المودّة، الفصل الرابع: ولمـّا وصل إلى عليٍّعليه‌السلام أنّ معاوية افتخر بملك الشام، قال لغلامه: اكتب ما اُملي، فأنشد:

محمّد النبي أخي وصهري

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

إلى آخره

وبعد ذكره الأبيات قال: قال البيهقي:

إنّ هذا الشعر ممّا يجب على كلّ مؤمن أن يحفظه ليعلم مفاخر عليّعليه‌السلام في الإسلام.

«المترجم»

٣٧٣

القرشي الكنجي في كفاية الطالب: الباب الخامس والعشرون، وغيرهم من علمائكم الثقات رووا بإسنادهم عن ابن عبّاس: أوّل من صلّى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

____________________

١) روى العلّامة الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» في الباب الخامس والعشرون بإسناده عن ابن عبّاس، قال: «أوّل من صلّى عليُّعليه‌السلام » ثمّ نقل اختلاف الاقوال في ذلك وخَصَم النزاع بقوله: والمختار من الرويات عندي قول ابن عبّاس، ويدلَ عليه قول عبد الرحمن بن جعل الجمحي حين بويع عليّعليه‌السلام ، قال:

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف موفّقا

عفيفاً عن الفحشاء ابيض ماجداً

صدوقاً وللجبّار قدماً مصدّقا

أبا حسن فارضوا به وتمسّكوا

فليس لمن فيه يرى العيب منطقا

عليٌّ وصيّ المصطفى و ابن عمّه

وأوّل من صلّى لذي العرش و التّقى

وقال الفضل بن العباس في قصيدة له:

وكان وليّ الأمر بعد محمّد

عليٌّ وفي كلّ المواطن صاحبهُ

وصيّ رسول الله حقّاً وصهره

وأوّل من صلّى وما ذُمّ جانبُه

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين:

إذا نحن بايعنا عليّاً فحسبنا

أبو حسن ممّا نخاف من الفتن

وأوّل من صلّى من الناس واحداً

سوى خيرة النسوان والله ذو المنن

يعني: خديجة بنت خويلد، ثمّ يذكر الكنجي روايات في هذا الباب.

ونقل الحافظ سليمان الحنفي في الباب الثاني عشر من «ينابيع المودّة» روايات كثيرة جدّاً في أنّ أوّل من آمن وصلّى عليّ بن أبي طالب، قال: أنشد بعض أهل الكوفة، أيّام صفّين في مدحه:

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان مشتبهاً

جزاك ربّك منّا فيه إحسانا

نفسي فداء لخير الناس كلّهم

بعد النبي عليّ الخير مولانا

أخي النبي و مولى المؤمنين معاً

وأوّل الناس تصديقاً و إيماناً

«المترجم»

٣٧٤

وروى الحاكم الحسكاني في كتابه «شواهد التنزيل» في ذيل الآية( السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ . ) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف، أنّ عشرة من قريش آمنوا وكان أوّلهم عليّ بن أبي طالب.

وروى كثير من علمائكم - منهم الإمام أحمد في مسنده، والخطيب الخوارزمي في «المناقب» والحافظ سليمان الحنفي القندوزي في الباب الثاني عشر من «الينابيع» وغيرهم - بإسنادهم عن أنس بن مالك، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: صلّت الملائكة عليّ وعلى عليٍّ سبع سنين، وذلك أنّه لم ترفع شهادة أن لا إله إلّا الله إلى السماء، إلّا منّي ومن عليّ.

وأمّا ابن أبي الحديد - في شرح نهج البلاغة: ٤/١٢٥ ط دار إحياء الكتب العربية، بعدما نقل روايات كثيرة في سبق عليّعليه‌السلام إلى الإيمان، وأخرى مُخالفة، قال: فدلّ مجموع ما ذكرناه أنّ عليّاًعليه‌السلام أوّل الناس إسلاماً وأنَّ المخالف في ذلك شاذّ، والشاذّ لا يعتدّ به.

وهذا الإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي، صاحب واحد من الصحاح الستّة عندكم، له كتاب «خصائص الإمام عليّعليه‌السلام فإنّه روى أوّل حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: أوّل من صلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي رضي الله عنه.

وابن حجر الهيتمي - مع شدّة تعصبه - يرى أنّ عليّاًعليه‌السلام أوّل من آمن، كما في الفصل الثاني من كتابه «الصواعق المحرقة».

ونقل الحافظ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» في الباب الثاني عشر، نقل واحداً وثلاثين خبراً وروايةً عن الترمذي والحمويني وابن ماجة وأحمد بن حنبل والحافظ أبي نعيم والإمام

٣٧٥

الثعلبي وابن المغازلي وأبي المؤيّد الخوارزمي والديلمي وغيرهم، بعبارات مختلفة والمعنى واحد، وهو أنّ علياًعليه‌السلام أوّل من أسلم وآمن وصلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وينقل روايةً شريفة في آخر الباب، من كتاب المناقب بالإسناد عن أبي زبير المكّي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أنقلها لكم إتماماً للحجّة وإكمالاً للفائدة.

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «إنّ الله تبارك و تعالى اصطفاني و اختارني و جعلني رسولاً، وأنزلَ عَليَّ سيّد الكتب، فقلت: إلهي و سيّدي، إنّك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيراً، يشدّ به عضده و يصدق به قوله و إنّي أسألك يا سيّدي و إلهي، أن تجعل لي من أهلي وزيراً تشدّ به عضدي، فاجعل لي عليّاً وزيراً وأخاً، واجعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوّه، وهو أول من آمن بي و صدّقني و أوّل من وحّد الله معي.

و إنّي سألت ذلك ربّي عزّ و جلّ فأعطانيه، فهو سيّد الأوصياء، اللحوقُ به سعادة، و الموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصدّيقة الكبرى ابنتي. و ابناه سيّدا شباب أهل الجنة إبناي، وهو وهما والأئمة بعدهم حجج الله على خلقه بعد النّبيين، وهم أبواب العلم في اُمّتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هُدي إلى صراط مستقيم، لم يهب الله محبّتهم لعبد إلّا أدخله الله الجنّة».

فهذا قليل من كثير ممّا نقله حملة الأخبار، من علمائكم الكبار، في هذا المضمار، ولو نقلتها كلّها لطال بنا المجلس في موضوع واحد

٣٧٦

إلى النهار، ولكن أكتفي بهذه النماذج التي ذكرتها لكي يعرف العلماء والحاضرون أنّ الإمام عليّعليه‌السلام كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ صغره وقبل أن يبعث.

وحينما بُعثصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة، آمن به عليٌّعليه‌السلام ولازمه ولم يفارقه أبداً.

فهو أولى وأجلى لمصداق الآية:( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) مِن الذي صاحَبَ النبيّ وكان معه في سفر واحد.

شبهة على الموضوع وردّها

الحافظ: نحن كلّنا نقول بما تقولون، ونقرّ بأنّ عليّاً كرّم الله وجهه أوّل من آمن، وأنّ أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن، ولكن إيمان اُولئك يفرق عن إيمان عليّ بن أبي طالب إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة، ويحسبون إيمان اُولئك المتأخّرين عنه فضيلة!

لأنّ عليّاً كرم الله وجهه، آمن وهو صبيّ لم يبلغ الحلم، واُولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك.

ومن الواضح أنّ إيمان شيخ محنّك ومجرّب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم.

وأضف على هذا أنّ إيمان سيّدنا عليّ تقليداً وإيمانهم كان تحقيقاً وهو أفضل من الإيمان التقليدي.

قلت: إنّي أتعجّب من هذا الكلام، وأنتم علماء القوم! أنا لا

٣٧٧

أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصّب، ولكن أقول: إنّكم تفوّهتم من غير تفكّر، وتكلّمتم من غير تدبّر، تبعاً لأسلافكم الّذي قلّدوا بني اُميّة وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية!

والآن، لكي يتّضح لكم الأمر، أجيبوا على سؤالي:

هل إنّ علياًعليه‌السلام حين آمن صبياً، كان إيمانه بدعوة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أم من عند نفسه؟!

الحافظ: أوّلاً: لماذا تنزعجون من طرح الشبهة وتتضجّرون من إيراد الإشكال، فإذا لم نطرح ما يختلج في صدورنا من الشبهات، ولا نستشكل على كلامكم، فلن يصدق على مجلسنا اسم الحوار والمناظرة، فقد اجتمعنا هنا لنعرف الحقّ، وهذا يقتضي أن نطرح كلّ ما يكون في أذهاننا من الشبهات والإشكالات حول مذهبكم وعقائدكم، فإن دفعتم الشبهات ورفعتم الإشكالات وأوضحتم الحقّ، يلزم علينا أن نصدّقكم ونعتنق مذهبكم، وإذا لم تتمكّنوا من ذلك فيلزم عليكم تصديق مذهبنا وترك مذهبكم.

ثانياً: وأما جواب سؤالكم، أقول: من الواضح أنّ عليّاً كرم الله وجهه إنّما آمن بدعوة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا من عند نفسه.

قلت: هل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا عليّاًعليه‌السلام إلى الايمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا؟!

إذا قلتم: ما كان يعلم! فقد نسبتم الجهل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لا يجوز، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مدينة العلم، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام.

وإذا قلتم: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا علياًعليه‌السلام وهو صبيّ إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته، فيلزم من

٣٧٨

قولكم إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قام بعمل لغو وعبث، والقول بهذا في حدّ الكفر بالله سبحانه!

لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيّد بالعصمة، ومسدّد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث، وقد قال عزّ وجلّ في شأنه:

( وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَى ) (١) .

فضيلة سبق عليّعليه‌السلام إلى الإيمان

لقد ثبت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليّاًعليه‌السلام إلى الإيمان، فاستجاب وآمن بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد العقلاء والحكماء، ولا يصدر منه عمل اللغو والعبث، فلابُدّ أنّه رأى عليّاًعليه‌السلام أهلاً وكفواً، فدعاه الى الإيمان صبيّاً. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على قابلية الإمام عليعليه‌السلام ولياقته وكماله وفضله وتميّزه و وفور عقله.

وصغر السنّ لا ينافي الكمال العقلي، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف، فإنّ هناك من بلغ الحلم ولم يكلّف - لقصر عقله وسفهه - وبالعكس، نجد من لم يبلغ الحلم، لكن الله كلفه بأعظم التكاليف، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحيعليه‌السلام :( وَ آتَيْنَاهُ الْحُکْمَ صَبِيّاً ) (٢) .

وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم:( إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ

____________________

١) سورة النجم، الآية ٣،٤.

٢) سورة مريم، الآية ١٢

٣٧٩

الْکِتَابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيّاً ) (١) .

قال هذه الجملة، وهو صبيّ في المهد، فالحكم المأتيّ ليحيى إنّما كان تكليفاً من الله تعالى ليحييعليه‌السلام ، والنبوّة كذلك تكليف من عند الله عزّ وجلّ لعيسى بن مريمعليه‌السلام ، وهذان التكليفان لهذين الصبيّين، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما و وفور عقلهما.

وإيمان الإمام عليّعليه‌السلام بدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هو تكليف موجّه من هذا القبيل، وهو على فضله وكماله أكبر دليل!

وقد أشار سيّد الشعراء إسماعيل الحميري - المتوفي سنة ١٧٩ هجرية - إلى هذه الفضيلة قائلاً:

وصيّ محمد وأبو بنيه

و وارثه وفارسه الوفيّا

وقد اُوتي الهدى والحكم طفلاً

كيحيى يوم اُوتيه صبيّا

كما كان الإمام عليٌّعليه‌السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها كما مرّ في أشعاره:

سبقتكم إلى الاسلام طفلاً

صغيراً ما بلغت أوان حلمي(٢)

____________________

١) سورة مريم، الآية ٣٠.

٢) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤/١٢٢، ط دار إحياء التراث أو الكتاب العربي: ومن الشعر المروي عنهعليه‌السلام في هذا المعنى الأبيات التي أوّلها:

محمّد النبيّ أخي وصهري

وحمزة سيّد الشهداء عمّي

ومن جملتها:

سبقتكم إلى الإسلام طرّاً

غلاماً مابلغت أوان حلمي

«المترجم»

٣٨٠