مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252422
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252422 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٦ - ابن الأثير الجزري، في اُسد الغابة: ٤/٢٢.

٧ - جلال الدين السيوطي، في تاريخ الخلفاء: ٦٦.

٨ - ابن عبد البرّ القرطبي، في الاستيعاب: ٢/٤٧٤.

٩ - عبدالمؤمن الشبلنجي، في نور الأبصار: ٧٣.

١٠ - شهاب الدين العجيلي، في «ذخيرة المآل».

١١ - الشيخ محمد الصبّان، في إسعاف الراغبين: ١٥٢.

١٢ - ابن الصبّاغ المالكي، في الفصول المهمّة: ١٨.

١٣ - نور الدين السمهودي، في جواهر العقدين.

١٤ - ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١/١٨ ط دار إحياء التراث العربي(١) .

١٥ - العلّامة القوشجي، في شرح التجريد: ٤٠٧.

١٦ - الخطيب الخوارزمي المكّي، في المناقب ٤٨/٦٠.

١٧ - محمد بن طلحة القرشي الشافعي، في مطالب السؤول: ٨٢ الفصل السادس ط دار الكتب.

١٨ - الإمام أحمد بن حنبل، في المسند والفضائل.

١٩ - سبط ابن الجوزي، في التذكرة: ٨٥ و٨٧.

٢٠ - الامام الثعلبي، في تفسيره «كشف البيان».

____________________

١) قال ابن أبي الحديد: وأمّا عمر فقد عرف كلُّ أحد رجوعه إليه (عليعليه‌السلام ).

في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وقوله غير مرّة: لولا عليٌّ لهلك عمر. وقوله: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن. وقوله: لا يفتينّ أحد في المسجد وعليٌّ حاضر إلى آخره.

«المترجم»

٤٠١

٢١ - ابن القيّم، في الطرق الحكيمة - ضمن نقله بعض قضاياهُعليه‌السلام - : ٤١ - ٥٣.

٢٢ - محمد بن يوسف القرشي الكنجي، في «كفاية الطالب» الباب السابع والخمسين.

٢٣ - ابن ماجة القزويني، في سننه.

٢٤ - ابن المغازلي، في كتابه «مناقب علي بن أبي طالب».

٢٥ - شيخ الاسلام الحمويني، في فرائد السمطين.

٢٦ - الحكيم الترمذي، في شرح «الفتح المبين».

٢٧ - الديلمي، في «فردوس الأخبار».

٢٨ - الحافظ سليمان القندوزي الحنفي، في «ينابيع المودّة» الباب الرابع عشر.

٢٩ - الحافظ أبو نعيم، في «حلية الأولياء» وفي كتابه الآخر المسمّى «ما نزل من القرآن في عليّ».

٣٠ - والفضل بن روزبهان، في كتابه المسمّى بـ: «إبطال الباطل»(١) .

____________________

١) ومنهم: محب الدين الطبري، في ذخائر العقبى: ٨٢، فإنّه قال بعد نقله مراجعة عمر إلى

عليّعليه‌السلام في قضاياه المشكلة وذكر حكم المرأة التي ولدت لستّة أشهر..

قال عمر: اللهمّ لاتنزلن بي شديدة إلّا وأبو الحسن إلى جنبي!

وذكر أيضاً عن يحيى بن عقيل، قال: كان عمر يقول لعليٍّعليه‌السلام إذا سأله ففرّج عنه: لاأبقاني الله بعدك يا عليّ!

قال: وعن أبي سعيد الخدري، أنّه سمع عمر يقول لعليٍّ - وقد سأله عن شيء فأجابه: أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن!

ومنهم: أبو المظفّر يوسف بن قزاغلي الحنفي، في كتابه«تذكرة خواصّ الأئمّة»: ٨٧ =

٤٠٢

هؤلاء وكثير غيرهم وكلّهم من أجلّة علمائكم وأعلامكم رووا أنّ عمر كان يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن!

ويقول: كاد يهلك ابن الخطّاب، لولا عليّ بن أبي طالب!

ويقول: لولا عليٌّ لهلك عمر!

ويقول: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن!

وغيرها من العبارات المتقاربة من العبارات المذكورة.

النّواب: نرجو من سماحتكم أن تحدّثونا عن بعض القضايا المعضلة التي حكم فيها سيّدنا عليٌّ كرم الله وجهه، وكذلك عن المسائل المشكلة التي حلّها وأجاب عنها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قلت: من جملة القضايا قضية رواها جمع من علمائكم..

روى ابن الجوزي في كتابه الأذكياء: ١٨، وفي كتابه الآخر أخبار الظرّاف: ١٩.

وروى محبّ الدين الطبري، في كتابه الرياض النضرة: ٢/١٩٧، وفي كتابه الآخر ذخائر العقبى: ٨٠.

____________________

= ط إيران. فقد ذكر قضيّة المرأة التي ولدت لستّة أشهر، فأمر عمر برجمها، فمنعهم من ذلك عليّ بن أبي طالب بعدما بيّن سببه، فقال عمر: اللهمّ لاتبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب!

ومنهم: المتّقي الحنفي، في كنز العمال ٣/٥٣. فإنّه بعد ذِكر القضيّة قال: قال عمر: اللهمّ لا تنزل بي شدّة إلّا وأبو الحسن إلى جنبي.

«المترجم»

٤٠٣

وروى الخطيب الخوارزمي، في المناقب: ٦٠.

وروى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ: ٨٧، قالوا:

عن حنش بن المعتمر، قال: إنّ رجلين أتيا امرأةً من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا: لا تدفعيها إلى أحد منّا دون صاحبه حتى نجتمع.

فلبثا حولاً، ثمّ جاء أحدهما إليها وقال: إنّ صاحبي قد مات فادفعي إليّ الدنانير، فأبت، فثقّل عليها بأهلها، فلم يزالوا بها حتّى دفعتها إليه.

ثمّ لبثت حولاً آخر فجاء الآخر فقال: ادفعي إليَّ الدنانير!

فقالت: إنّ صاحبك جاءني وزعم أنّك قد مُتَّ فدفعتها إليه.

فاختصما إلى عمر، فأراد أن يقضي عليها وقال لها: ما أراكِ إلا ضامنة.

فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا، وارفعنا إلى عليّ بن أبي طالب.

فرفعها إلى عليٍّعليه‌السلام وعرف أنّهما قد مكرا بها.

فقال: أليس قلتما، لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟

قال: بلى.

قال: فإنّ مالك عندنا، اذهب فجىء بصاحبك حتّى ندفعها إليكما.

فبلغ ذلك عمر فقال: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب!

ومن جملة المسائل والقضايا المشكلة التي تحيّر فيها عمر، وحلّها الإمام عليعليه‌السلام ، مسائل كانت بين عمر وحذيفة بن اليمان، رواها

٤٠٤

العلّامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي في كتابه «كفاية الطالب» الباب السابع والخمسين، بإسناده عن حذيفة بن اليمان، أنّه لقى عمر ابن الخطّاب، فقال له عمر: كيف أصبحت يا ابن اليمان؟

فقال: كيف تريدني اُصبح؟! أصبحت والله أكره الحقّ، واُحبّ الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير المخلوق، وأصلِّي على غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء!!

فغضب عمر لقوله، وانصرف من فوره وقد أعجله أمر، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.

فبينا هو في الطريق إذ مرّ بعليّ بن أبي طالب، فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك يا عمر؟!

فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟

فقال: أصبحت أكره الحقّ!

فقالعليه‌السلام : صدق، فإنّه يكره الموت وهو الحقّ.

فقال: يقول: واُحبّ الفتنة!

قالعليه‌السلام : صدق، فإنّه يحب المال والولد، وقد قال تعالى:( ...أَنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَ أَوْلاَدُکُمْ فِتْنَةٌ ) (١) .

فقال: يا عليّ! يقول: وأشهد بما لم أره!

فقال: صدق، يشهد لله بالوحدانية، ويشهد بالموت، والبعث، والقيامة، والجنّة، والنار، والصراط، وهو لم ير ذلك كلّه.

فقال: يا عليّ! وقد قال: إنّني أحفظ غير المخلوق!

____________________

١) سورة الأنفال، الآية ٢٨

٤٠٥

قالعليه‌السلام : صدق، إنّه يحفظ كتاب الله تعالى - القرآن - وهو غير مخلوق.

قال: ويقول: اُصلّي على غير وضوء!

فقال: صدق، يصلّي على ابن عمّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على غير وضوء.

فقال: يا أبا الحسن! قد قال أكبر من ذلك!

فقالعليه‌السلام : وما هو؟!

قال: قال: إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء!

قال: صدق، له زوجة، وتعالى الله عن الزوجة والولد.

فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطّاب لولا عليّ بن أبي طالب!

قال العلّامة الكنجي بعد نقله للخبر بطوله:

قلت: هذا ثابت عند أهل النقل، ذكره غير واحد من أهل السِيَر.

فهذا عمر في المجال العلمي عاجز جاهل، وساكت خامل، ولكن نرى الإمام عليّاًعليه‌السلام يصول ويقول، فيردّ شبهات الفضول، ويقنع ذوي العقول.

وأمّا في المجال الثاني، وهو الحرب والضرب،والجهاد والجلاد، في سبيل الله والمستضعفين من العباد، فإنا لا نرى أيضاً لعمر بن الخطّاب موقفاً مشرّفاً، ولا نعرف له صولة أو جولة، وشجاعة أو بطولة.

بل يحدّثنا التاريخ أنّه لم يثبت أمام الكفّار والمشركين، وكان سبب انهزام وانكسار المسلمين!

الحافظ: لا نسمح لك أن تتفوّه بهذا الكلام، ولا نسمح أن تحطّ من شأن عمر (رض) الذي هو أحد مفاخر الإسلام، ولا ينكر أحد من

٤٠٦

الأعلام والمؤرّخين العظام، أنّ الفتوحات التي حصلت في الإسلام، أكثرها أهمّها كانت في عهد سيّدنا عمر وبأمره وسياسته وحسن قيادته، وأنت تقول إنّه كان فرّاراً من الحروب، وإنّه سبّب هزيمة المسلمين وانكسارهم!

أتظن أنّنا نسمع هذه الإساءة والإهانة بخليفة سيّد الأنام وأحد زعماء الإسلام ونسكت؟!

نحن لا نتحمّل هذا الكلام، فإما أن تأتي بالدليل والبرهان، أو تستغفر الله سبحانه وتعالى من الإساءة والإهانة في الحديث والبيان.

قلت: وهل تكلّمتُ بكلام في طول حوارنا وبحثنا في الليالي الماضية من غير دليل وبرهان؟!

أو هل رويت حديثاً من غير أن أذكر له مصدراً وسنداً من كتبكم المعتبرة ومصادركم الموثّقة؟!

أما عرفتم أنّي لا أتكلّم عن جهل وتعصّب، ولا أنحاز إلّا إلى الحقّ، وأنّ مدحي وقدحي لا يكون إلا بسبب مقبول عند ذوي العقول؟!

وأظنّ إنّما صدرت منكم هذه الزبرة والزفرة والنفرة! حين سمعتم الكلام من رجل شيعي، فحسبتموه إساءة وإهانة، وذلك لأنّكم تسيئون الظنّ بنا، والله عز وجلّ يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (١) .

فإنّكم تظنّون أنّ الشيعة يحرّفون التاريخ، ويضعون الأحاديث ليذمّوا رجالاً ويمدحوا آخرين، بينما نحن لا نزيد على الواقع شيئاً، ولا نتكلّم إلّا نقلاً من كتب علمائكم ومحدّثيكم.

____________________

١) سورة الحجرات، الآية ١٢.

٤٠٧

فلا داعي لتغيّر الحال والغضب، وشدّة المقال والعتب، أو أن تنسب إليَّ الإساءة باللسان، والإهانة في البيان! بل من حقّك أن تطالبني بالدليل والبرهان.

وإن أردت منّي ذلك فأقول:

ذكر كثير من علمائكم ومؤرّخيكم، أنّ القتال الذي لم يحضره الإمام عليّعليه‌السلام لم ينتصر فيه المسلمون، والذي حضره سُجّل النصر والانتصار للدين، وأهمّها غزوة خيبر، فإنّ عليّاًعليه‌السلام غاب عن المعسكر لرمد أصابه في عينه فأعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الراية لأبي بكر، فرجع منكسراً، فأعطاها لعمر بن الخطّاب، فرجع وهو يجبّن المسلمين وهم يجبّنونه!

الحافظ - وهو غضبان -: هذا الكلام من أباطيلكم، وإلّا فالمشهور بين المسلمين أنّ الشيخين كانا شجاعين، وكلّ منهما كان يحمل في صدره قلباً قويّاً ليس فيه موضع للخوف والجبن.

قلت: ذكرت لكم كراراً، أنّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام لا يكذبون ولا يَفترون، لأنّهم يتّبعون الأئمّة الصادقينعليهم‌السلام ، وهم يحسبون الكذب من الذنوب الكبائر، والافتراء أكبر منه خسائر.

ونحن كما قلت مِراراً، لسنا بحاجة لإثبات عقائدنا وأحقّيّة مذهبنا، أن نضع الأحاديث ونتمسّك بالأباطيل.

فإنّ غزوة خيبر من أهمّ الغزوات التي سجّلها التاريخ من يومها إلى هذا اليوم، وجميع مؤرّخيكم ذكروها باختصار أو بتفصيل، منهم: الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ١/٦٢، ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول:٤٠ وابن هشام في السيرة النبوية، ومحمد بن يوسف الكنجي في الباب الرابع عشر من «كفاية الطالب» وغير هؤلاء

٤٠٨

من الأعلام، ولا يقتضي المجلس أن أذكرهم جميعاً، ولكن أهمّهم الشيخين، البخاري في صحيحه ٢/١٠٠ ط. مصر سنة ١٣٢٠ هجرية، ومسلم في صحيحه ٢/٣٢٤ ط. مصر سنة ١٣٢٠ هجرية.

فإنّهما كتبا بالصراحة هذه العبارة: «فرجع أيضاً منهزماً» أي: عمر.

ومن الدلائل الواضحة على هذه القضية الفاضحة، أشعار ابن أبي الحديد، فإنّه قال ضمن علوياته السبع المشهورة:

ألم تخبر الأخبار في فتح خيبر

ففيها لذي اللب الملبّ أعاجيبُ

وما أَنْسَ لا أنْسَ اللذين تقدّما

وفرّهما و الفرّ قد علما حوبُ

وللراية العظمى وقد ذهبا بها

ملابس ذلّ فوقها و جلابيبُ

يشلهما من آل موسى شمردل

طويل نجاد السيف أجيد يعبوبُ

يمجّ منوناً سيفه وسنانه

ويلهب ناراً غمده والأنابيبُ

احضرهما ام حضّرا خرج خاضب

وذانهما أم ناعم الخدّ مخضوبُ

عذرتكما، إنّ الحمام لمبغض

وإنّ بقاء النفس للنفس محبوبُ

ليكره طعم الموت والموت طالب

فكيف يلذّ الموت والموت مطلوبُ؟!

٤٠٩

فنحن لا نريد إهانة أحد الصحابة، وإنّما ننقل لكم ما حكاه التاريخ ورواه المؤرّخون عنهم، وبعد هذا عرفنا أن عمر ما كان صاحب صولة وجولة، وشدّة وحدّة، في الحروب والغزوات التي كانت بين المسلمين وبين أعدائهم، فكيف نؤوِّل الجملة من الآية الكريمة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ ) بعمر ونطبّقها عليه؟!

ولكن إذا راجعنا تاريخ الاسلام ودرسنا سيرة الإمام عليّعليه‌السلام وطالعنا تاريخه المبارك، نجده أشدّ المسلمين على الكفّار في المجال العلمي والمجال الحربي، والله تعالى يشير إليه بقوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْکَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَ لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ) (١) .

الحافظ: إنّك تريد أن تحصر الآية الكريمة التي تصف عامّة المؤمنين في شأن عليّ كرم الله وجهه؟!

قلت: لقد أثبتُّ لكم أنّي لا أتكلّم بغير دليل، ودليلي على هذا، أنّ الآية إذا كانت تصف جميع المؤمنين، لمـّا فرّوا في بعض الغزوات من الميادين!

الحافظ: هل هذا الكلام من الإنصاف إذ تصف صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذين جاهدوا ذلك الجهاد العظيم، وفتحوا تلك الفتوحات العظيمة، وتقول: إنّهم فروا؟!

أليس قولك هذا إهانة لصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

____________________

١) سورة المائدة، الآية ٥٤.

٤١٠

قلت: أوّلاً: أشهد الله سبحانه أنّي لم أقصد إهانة أيّ فرد من الصحابة وغيرهم، وإنّما الحوار والنقاش يقتضي هذا الكلام.

ثانياً: أنا ما أنسب إليهم الفرار، ولكنّ التاريخ هكذا يحكم ويقول: إنّ في غزوة اُحد، فرّ الصحابة حتّى كبارهم، وتركوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طعمة لسيوف المشركين والكفّار، كما يذكر الطبري والمؤرّخون الكبار، فماذا تقولون حول الآية الكريمة التي تشمل اُولئك الّذين ولّوا الدبر وفرّوا من الجهاد وخالفوا أمر الله عزّ وجلّ إذ يقول:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله وَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١) .

ثالثاً: لقد وافَقَنا في قولنا بأنّ الآية نزلت في شأن الإمام عليّعليه‌السلام كثير من أعلامكم وكبار علمائكم، منهم: أبو إسحاق الثعلبي - الذي تحسبوه إمام أصحاب الحديث في تفسير القرآن - قال في تفسير «كشف البيان» في ذيل الآية الكريمة ٥٤ من سورة المائدة: إنما نزلت في شأن الإمام عليٍّعليه‌السلام ، لأنّ الذي يجمع كلّ المواصفات المذكورة في الآية لم يكن أحد غيره.

ولم يذكر أحد من المؤرّخين من المسلمين وغيرهم، بأنَّ الإمام عليّاًعليه‌السلام فرّ من الميدان، حتّى ولو مرّة، أو أنّه تقاعد وتقاعس في حروب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وغزواته مع الكفّار، ولو في غزوة واحدة.

بل ذكر المؤرّخون أنّه في معركة اُحد حينما انهزم المسلمون، حتّى كبار الصحابة، ثبت الامام عليّعليه‌السلام واستقام واستمرّ في الجهاد

____________________

١) سورة الأنفال، الآيات ١٥ و ١٦.

٤١١

ومقاتلة المشركين الأوغاد، وهم أكثر من خمسة آلاف مقاتل بين راكب وراجل، وعليٌّعليه‌السلام يضرب بالسيف خراطيمهم ويحصد رؤوسهم، فذبّ عن الإسلام، ودفع الطغام، عن محمّد سيّد الأنام، حتّى سُمع النِّداء من السماء: لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ(١) .

____________________

١) لقد ذكر هذه الفضيلة الإلهية، والمنقبة السماوية، لأسد الله الغالب، علي بن أبي طالبعليه‌السلام كثير من العلماء الأعلام ومشايخ الإسلام، منهم:

ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣/٢٩٣ عن شيخه أبي جعفر، قال: وما كان منه - أي: عليعليه‌السلام - من المحاماة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد فر الناس وأسلموه، فتصمد له كتيبة من قريش، فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ! اكفني هذه. فيحمل عليها فيهزمها ويقتل عميدها، حتّى سمع المسلمون والمشركون صوتاً من قبل السماء: لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي.

ومنهم:

العلّامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» في الباب التاسع والستين، فقد خصّصه بنداء مَلَك من السماء: «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ» إلّا أنّه يروي أنّ ذلك كان يوم بدر، فراجع.

وأمّا روايته في اُحد فقد قال في الباب السابع والستّين، بإسناده عن أبي رافع، قال: لمـّا كان يوم أحد نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى نفر من قريش، فقال لعليّعليه‌السلام : إحمل عليهم؛ فحَمَل عليهم فقتل هاشم بن اُميّة المخزومي وفرّق جماعتهم.

ثمّ نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جماعة من قريش، فقال لعليّعليه‌السلام : إحمل عليهم؛ فحمل عليهم وفرّق جماعتهم وقتل فلاناً الجمحي.

ثمّ نظر إلى نفر من قريش، فقال لعليٍّعليه‌السلام : إحمل عليهم؛ فحمل عليهم وفرّق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي.

فقال له جبرائيل: هذه المواساة!

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه منّي وأنا منه.

فقال جبرائيل: وأنا منكم يا رسول الله. =

٤١٢

وقد اُصيب في جسمه يوم اُحد بتسعين إصابة غير قابلة للعلاج، فعالجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعدما انتهت المعركة عن طريق الإعجاز، إذ مسح عليها بريقه المبارك الذي جعل الله فيه بلسم كلّ جرح، ودواء كل داء.

الحافظ: ما كنت أظنّ أن تفتري على كبار الصحابة إلى هذا الحدّ وتنسبهم إلى الفرار! وهم المجاهدون في سبيل الله وخاصّة الشيخان (رض) فإنّهما ثبتا ودافعا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر لحظة حتّى انتهت المعركة.

قلت: إنّي لست بمفترٍ، ولكنّكم ما قرأتم تاريخ الإسلام، وليس لكم فيه تحقيق وإلمام، حتّى نطقتم بهذا الكلام!

لقد ذكر المؤرّخون وأصحاب السير: أنّ المسلمين انهزموا في غزوة اُحد وخيبر وحنين، أمّا خبر خيبر فقد ذكرته لكم عن صحيح البخاري ومسلم وغيرهما(١) .

____________________

= رواهُ أيضاً عن ابن عساكر بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، والحافظ الخطيب البغدادي في ما خرّجه من الفوائد للشريف النسيب - كذا - انتهى.

وقال ابن أبي الحديد في مقدّمته على « شرح نهج البلاغة»: المشهور المرويّ أنّه سُمع من السماء يوم اُحد:

لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي.

«المترجم»

١) لقد ذكر فرار الشيخين وهزيمتهما في معركة خيبر، كثير من أعلام وعلماء السُنّة، منهم: الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ١٢٤، والحاكم في المستدرك ٣/٣٧، وفي تلخيص المستدرك ٣/٣٧، قالوا: عن ابن عبّاس أنّه قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى =

٤١٣

وأمّا الخبر عن غزوة حنين وفرار المسلمين فيها، فراجع الجمع بين الصحيحين للحميدي والسيرة الحلبية: ٣/١٢٣.

وأمّا فرارهم في غزوة اُحد، فحدّث ولا حرج! فقد ذكره عامّة المؤرّخين، منهم: ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الاسكافي في شرح النهج ١٣/ ٢٧٨ ط دار إحياء التراث العربي، قال: فرّ المسلمون بأجمعهم ولم يبق معه[ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ] إلّا أربعة: علي والزبير وطلحة وأبو دجانة(١) .

____________________

= خيبر، أحسبه قال: أبا بكر - والترديد من الراوي - فرجع منهزماً ومن معه، فلمّا كان من الغد بعث عمر، فرجع منهزماً يجبن أصحابه ويجبّنه أصحابه.

ورَوَى الحافظ أحمد بن شعيب بن سنان النسائي، أحد أصحاب الصحاح الستّة، المتوفّي سنة ٣٠٣ هج، في كتابه «خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام » ط مطبعة التقدّم بالقاهرة، ص ٥، عن عليعليه‌السلام قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر وعقد له لواءً فرجع، وبعث عمر وعقد له لواءً فرجع، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لاُعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ليس بفرّار؛ فأرسل إليَّ وأنا أرمد إلى آخره.

وروى عن بريدة يقول: حاصرنا خيبر فأخذ الراية أبو بكر ولم يفتح له، فأخذه من الغد عمر فانصرف ولم يفتح له ...إلى آخره.

ورواه عن طريق آخر عن بريدة الأسلمي، قال: لمـّا كان يوم خيبر، نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحصن أهل خيبر، أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللواء عمر، فنهض فيه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا ....إلى آخر.

«المترجم»

١) لقد ذكر كثير من أعلام السُنّة هزيمة عمر في اُحد، منهم:

الفخر الرازي في كتابه مفاتيح الغيب ٩/٥٢، قال: ومن المنهزمين عمر =

٤١٤

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤: ٢٥١، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: ٣٤، وغيرهما من الأعلام، قالوا: وسُمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء، لا يُرى شخص الصارخ به، ينادي مراراً: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي!

فسُئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه، فقال: هذا جبرائيل - و النصّ لابن أبي الحديد -.

____________________

= ثمّ قال: ومنهم عثمان، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما: سعد وعقبة، انهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام.

والآلوسي في روح المعاني ٤/٩٩، قال: وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل، وعمر بن الخطّاب كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير.

وقال النيسابوري في تفسير غرائب القرآن: بهامش تفسير الطبري ٤/١١٢ - ١١٣: الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أنّ نفراً قليلاً تولّوا وأبعدوا فمنهم من دخل المدينة ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب ....ومن المنهزمين عمر.

السيوطي في الدرّ المنثور ٢/٨٨ و ٨٩، وتفسير جامع البيان - للطبري - ٤/٩٥ و ٩٦، قال عمر: لمـّا كان يوم اُحد هزمناهم، ففررت حتّى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزوا كأنّني أروى!

ثمّ قال السيوطي: أخرج عبد بن حميد عن عكرمة، قال: كان الّذين ولّوا الدبر يومئذ عثمان بن عفّان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان أخوان من الأنصار من بني زريق.

وأمّا هزيمة عمر في حنين قال البخاري في صحيحه، باب قوله تعالى:( ...وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ ) ( سورة التوبة، الآية ٢٥) روى بسنده عن أبي محمد مولى أبي قتادة، أنّ أبا قتادة قال: لمـّا كان يوم حنين نظرت إلى وانهزم المسلمون وانهزمتُ معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس ...البخاري ٣/٦٧ ط عيسى البابي الحلبي بمصر.

«المترجم»

٤١٥

فكان عليّعليه‌السلام في كلّ الحروب التي خاضها مؤيّداً من عند الله ومنصوراً بالملائك.

روى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في كتابه «كفاية الطالب» في الباب السابع والعشرين، بإسناده عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بُعث عليٌّ في سريّة إلّا رأيتُ جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والسحابة تظلّه حتّى يرزقه الله الظفر.

وروى الإمام الحافظ النسائي في كتابه خصائص الإمام عليعليه‌السلام ، ص ٨ ط مطبعة التقدّم بالقاهرة، بسنده عن هبيرة بن هديم، قال: جمع الناس الحسن بن عليّعليه‌السلام وعليه عمامة سوداء لمـّا قُتل أبوه، فقال: قد كان قتلتم بالأمس رجلاً ما سبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون، وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثمّ لا ترد رايته حتّى يفتح الله عليه إلى آخره.

نعم، كان النصر معقوداً براية الإمام عليّعليه‌السلام وسيفه، وكان الظفر ينزل على المسلمين في كلّ ميدان ينزل فيه عليّعليه‌السلام ، حتّى قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما قام الدين وما استقام إلّا بسيف عليّعليه‌السلام .

عليّعليه‌السلام حبيب الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله

رابعاً: الآية الكريمة في سورة المائدة، تصرّح أنّ المقصودين هم الموصوفون فيها، يحبّهم الله ويحبّونه.. وهذه فضيلة ثابتة للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ولم تثبت في حقّ غيره، وإن كان كثير من المؤمنين

٤١٦

والصحابة هم أيضاً يحبّهم الله ويحبّونه ولكن غير معنيِّينَ، أمّا عليّعليه‌السلام فهو معنيٌّ بهذه الفضيلة كما قال ذلك كثير من الأعلام، منهم:

العلّامة الكنجي الشافعي في الباب السابع من كتابه «كفاية الطالب» روى بإسناده عن ابن عباس، أنّه قال: كنت أنا وأبي - العبّاس جالسين عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل عليّ بن أبي طالب، وسلّمَ، فردَّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبش وقام إليه واعتنقه، وقبّل ما بين عينيه، وأجلسه عن يمينه؛ فقال العبّاس: أتحبّ هذا يا رسول الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّ رسول الله! واللهِ، اللهُ أشدّ حبّاً له منّي.

وروى في الباب الثالث والثلاثين؛ بإسناده عن أنس بن مالك، قال: اُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طائر وكان يعجبه أكله، فقال: اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر.

فجاء عليّ بن أبي طالب.

فقال: استَأْذِنْ على رسول الله.

قال: قلت: ما عليه إذن.

وكنت اُحبّ أن يكون رجلاً من الأنصار.

فذهب ثمّ رجع فقال: استَأْذِنْ لي عليه.

فسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه، فقال: اُدخل يا عليّ؛ ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ وإليَّ، اللهمّ وإليَّ - أي هو أحبّ الخلق إليَّ أيضاً -.

وذكرنا لكم في المجالس الماضية مصادر هذا الخبر الذي تلقّاه العلماء كلّهم بالصحّة والقبول، وهو دليلٌ قاطع، وبرهان ساطع، على أنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤١٧

إعطاؤه الراية يوم خيبر

ومن أهمّ الدلائل على أنّ عليّاًعليه‌السلام هو المقصود بالآية الكريمة( فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ ) حديث الراية لفتح خيبر، وقد نقله كبار علمائكم، ومشاهير أعلامكم، منهم:

البخاري في صحيحه ج ٢ كتاب الجهاد، باب دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و ج ٣ كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ومسلم في صحيحه ٢/٣٢٤، والإمام النسائي في «خصائص أمير الؤمنينعليه‌السلام ، والترمذي في السنن، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ٢/٥٠٨، وابن عساكر في تاريخه، وأحمد بن حنبل في مسنده، وابن ماجة في السنن، والشيخ الحافظ سليمان في «ينابيع المودّة» الباب السادس، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي، في «كفاية الطالب» الباب الرابع عشر، ومحمد بن طلحة في «مطالب السؤول» الفصل الخامس، والحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» والطبراني في الأوسط، والراغب الإصفهاني في محاضرات الاُدباء ٢/٢١٢.

ولا أظنّ أنّ أحداً من المؤرّخين أهمل الموضوع أو أحداً من المحدّثين أنكره، حتّى إنّ الحاكم - بعد نقله له - يقول: هذا حديث دخل في حدّ التواتر؛ والطبراني يقول: فتح عليّعليه‌السلام لخيبر ثبت بالتواتر.

وخلاصة ما نقله الجمهور، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاصَر مع المسلمين قلاع اليهود ومنها قلعة خيبر، عدة أيّام، فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر مع الجيش وناوله الراية وأمره أن يفتح، ولكنّه رجع منكسراً

٤١٨

عاجزاً عن الفتح،فأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الراية وأعطاها لعمر بن الخطّاب وأرسله مع الجيش ليفتح خيبر، ولكنّه رجع منهزماً يجبّن المسلمين وهم يجبّنونه.

فلمّا رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خور أصحابه وتخاذلهم وانهزامهم أمام ثلّة من اليهود، غضب منهم وأخذ الراية فقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرَّاراً غير فرّارا، لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه.

- ولا يخفى تعريض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلامه بالفارّين -.

فبات المسلمون ليلتهم يفكّرون في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومَن يكون مقصوده ومراده؟!

فلمّا أصبح الصباح اجتمعوا حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والراية بيده المباركة، فتطاولت أعناق القوم طمعاً منهم بها أو ظنّاً بأنّه سيناولهم الراية، لكنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أجال بصره في الناس حوله وافتقد أخاه ومراده عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: أين ابن عمّي عليّ؟

فارتفعت الأصوات من كلّ جانب: إنّه أرمد يا رسول الله!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عَلَيَّ به.

فجاؤا بالإمام عليّعليه‌السلام وهو لا يبصر موضع قدمه، فسلّم وردّ النبيّ عليه وسأله: ما تشتكي يا عليّ؟ فقالعليه‌السلام : صداعٌ في رأسي، ورمد في عيني.

فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً من ريقه المبارك ومسح به على جبين الإمام عليٍهعليه‌السلام وقال: اللهمّ قِهِ الحرّ والبرد؛ ودعا له بالشفاء، فارتدّ بصيراً.

وإلى هذه المنقبة يَشَير حسّان في شعره فيقول:

٤١٩

وكان عليٌّ أرمد العين يبتغي

دواءً فلمّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيّاً وبورك راقيا

وقال ساُعطي الراية اليوم فارساً

كميّاً شجاعاً في الحروب محاميا

يحبّ الإلهَ والإلهُ يحبّه

به يفتح الله الحصونَ الأوابيا

فخَصّ بها دون البريّة كلّها

عليّاً وسمّاه الوصيَّ المؤاخيا

فأعطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الراية لعليّعليه‌السلام وقال: خذ الراية! جبرائيل عن يمينك، وميكائيل عن يسارك، والنصر أمامك، والرعب مبثوث في قلوب القوم، فإذا وصلت إليهم فعرِّف نفسكَ وقُلْ: أنا عليُّ بن أبي طالب، فإنّهم قرأوا في صحفهم أنّ الذي يدمّر عليهم الحصون ويفتحها اسمه إيليا، وهو أنت يا عليّ!

فأخذ عليّعليه‌السلام الراية وهرول بها نحو القلاع حتّى وصل إلى باب خيبر وهو أهم تلك الحصون والقلاع، فطلب المبارز، فخرج إليه مرحب مع جماعة من أبطال اليهود، فهزمهم عليٌّعليه‌السلام مرتّين، وفي المرّة الثالثة لمـّا برزوا وحمل عليهم عليٌّعليه‌السلام ضرب بالسيف على رأس مرحب فوصل إلى أضراس مرحب وسقط على الأرض صَريعاً،

٤٢٠