مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252489
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252489 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وسُجّل النصر للمسلمين(١) .

ونقل ابن الصبّاغ في «الفصول المهمّة» عن صحيح مسلم، وكذلك روى الإمام النسائي في خصائص الإمام عليّ: ٧ ط مطبعة التقدّم بالقاهرة، قال عمر بن الخطّاب: ما أحببت الإمارة إلّا يومئذ ...الخ.

وأخرج السيوطي في «تاريخ الخلفاء» وابن حجر في «الصواعق» والديلمي في «فردوس الأخبار» بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: لقد اُعطي عليُّ بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من أن اُعطى حمر النَّعم، فسُئل: ما هي؟

قال: تزويجه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسكناه المسجد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحلّ له فيه ما يحلّ له، وإعطاؤه الراية يوم خيبر(٢) .

____________________

١) لمـّا رأى اليهود قتل مرحب وهو قائدهم وصاحب رايتهم، انهزموا ودخلوا الحصن وأغلقوا الباب، وبدأوا يرمون المسلمين بالنبال من سطح الحصن، فهجم عليٌّعليه‌السلام على باب الحصن وقلعه من مكانه وجعله ترساً يصدّ به سهام القوم ونبالهم. وكان الباب عظيماً منحوتاً من الصخر؛يقول ابن أبي الحديد في قصائده العلوية مشيراً إلى ذلك الموقف المشرّف:

يا قالع الباب الذي عن هزّه

عجزت أكفٌّ أربعون وأربعُ

أأقولُ فيك سميدع كلاّ ولا

حاشا لمثلك أن يُقال سميدعُ

إلى آخر أبياته.

«المترجم»

٢) لقد اشتهر هذا الخبر عن عمر وذكره كثير من اعلام السُنّة، واضافة إلى مَن ذكرهم المؤلّف فإنّي أذكر بعض من أعرف من العلماء الّذين رووا الخبر عن عمر، منهم عبيد الله الحنفي في «ارجح المطالب» والحاكم في المستدرك ٣/١٢٥، وابن حجر الهيثمي في الصواعق:٧٨، والإمام احمد في «المسند» عن ابن عمر، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٧/٣٤١، والمتّقي الحنفي في كنز العمّال ٦/٣٣٩ <=

٤٢١

فالخبر ثابت لا ينكره إلا المعاندون الجاهلون الّذين ليس لهم اطّلاع على تاريخ الإسلام وغزوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . والآن فقد ثبت للحاضرين، وخاصة العلماء والمشايخ، بأنّي لا أتكلّم من غير دليل، ولم أقصد إهانة الصحابة، بل مقصدي بيان الواقع وكشف الحقائق، التي منها الاستدلال بالتاريخ والحديث والعقل والنقل، بأنّ جملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ ) في الآية الكريمة تنطبق على الإمام عليٍّعليه‌السلام قبل أن تنطبق على غيره كائناً من كان.

وهذا لم يكن قولي أنا فحسب، بل كثير من أعلامكم صرّحوا به، منهم العلّامة الكنجي في «كفاية الطالب» في الباب الثالث والعشرين، فإنّه يروي حديثاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يشبّه فيه عليّاًعليه‌السلام بالأنبياء، وفي تشبيهه بنوحعليه‌السلام يقول العلّامة الكنجي: وشبّه بنوح لأنّ عليّاًعليه‌السلام كان شديداً على الكافرين، رؤوفاً بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله( ...وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (١) . وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوح على الكافرين بقوله:( ....رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) انتهى.

فعليٌّعليه‌السلام هو المصداق الأجلى والأظهر لجملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ ) (٣) .

____________________

= ح ٦٠١٣ - ٦٠١٥، والموفّق بن احمد الخطيب الخوارزمي في المناقب: ٢٣٢. «المترجم»

١) سورة الفتح، الآية ٢٩.

٢) سورة نوح، الآية ٢٦

٣) الّذي يُعرف من الأخبار والتواريخ أنّ عمر بن الخطّاب كان شديداً على المسلمين، <=

٤٢٢

. . . . .

____________________

= ولكي تعرف الحقيقة والواقع أنقل لك بعضها:

قال ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة: ١٩ ط مطبعة الاُمّة بمصر سنة ١٣٢٨ هج: فدخل عليه المهاجرون والانصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر، فقالوا: نوراك استخلفت علينا عمر، وقد عرفته وعلمْتَ بوائقه فينا، وانت بين اظهرنا فكيف اذا ولّيت عنّا؟!

بوائقه: غوائله وشروره. النهاية.

وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء ٨٢:

عن اسماء بنت عميس، انّها قالت: دخل طلحة بن عبيد الله على ابي بكر فقال: استخلفتَ على الناس عمر! وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف إذا خلا بهم وانت لاقٍ ربّك؟!

ونقل الديار بكري في تاريخ الخميس ٢/٢٤١:

قال طلحة لأبي بكر: أتوُلّي علينا فَظّاً غليظاً؟! ما تقول لربّك اذا لقيته؟!

وروى الدياربكري في نفس الصفحة، عن جامع بن شدّاد عن أبيه، أنّه قال:

كان أوّل كلام تكلّم به عمر حين صعد المنبر انْ قال: اللهمّ إنّي شديد فليّنّي، وانّي ضعيف فقوّني، وانّي بخيل فسخّني.

ونقل ابن الاثير في تاريخه الكامل ٣/٥٥، والطبري في تاريخه ٥/١٧، انّ عمر خطب اُمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت: يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابساً، ويخرج عابساً!!

وقال ابن ابي الحديد في شرح النهج ١/١٨٣ ط دار احياء التراث العربي.

وكان في اخلاق عمر وألفاظه جفاء وعُنجُهيّة ظاهرة.

وقال في ج ١٠/١٨١ ط دار احياء التراث العربي:

وانّما الرجل [ عمر] كان مطبوعاً على الشدّة والشراسة والخشونة!

أقول: اظهر شراسته وخشونته وشدّته على آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي هجومه على بيت فاطمة البتول وقرّة عين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من أيّ مكان آخر!! =

٤٢٣

. . . . .

____________________

= قال ابن عبد ربّه الاندلسي في العقد الفريد ٢/٢٠٥ ط المطبعة الازهرية:

الّذين تخلّفوا عن بيعة ابي بكر: عليٌّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة، فأما عليٌّ والعبّاس والزبير في بيت فاطمة حتّى بعث اليهم أبو بكر عمرَ بن الخطّاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إنْ أَبوا فقاتِلْهم.

فَأقْبَلَ بقَبَسٍ من نار، على أن يضرم عليهم الدار!

فلقيته فاطمة، فقالت: يا بن الخطاب! أجئتَ لتحرق دارنا؟!

قال: نعم!

ونَقَلَ الشهرستاني في الملل والنحل ١/٥٧ عن النظّام، قال:

إنّ عمر ضرب بطن فاطمةعليها‌السلام يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها! وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

وقال الصفدي في الوافي بالوفيات ٦/١٧:

إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسِّن من بطنها!

وأخرج البلاذري في أنساب الأشراف ١/٥٨٦، عن سليمان التيمي وعن ابن عون: إنّ أبا بكر أرسل إلى عليّ يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقّته فاطمة على الباب فقالت: يا بن الخطّاب! أتراك محرّقاً عَلَيَّ بابي؟!

قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك!!

أقول: وهل بعد الجملة الاخيرة يقال: إنّ عمر كان مؤمناً؟!!

وقال الاُستاذ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه السقيفة والخلافة: ١٤:

أتى عمر بن الخطّاب منزل عليٍّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجن إلى البيعة.

قال: ثمّ تطالعنا صحائف ما أورد المؤرّخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لا نعدم أن نجد من بينها من عنف عمر ما يصل به إلى الشروع في قتل =

٤٢٤

وأمّا قولكم بأنّ جملة( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) تنطبق على عثمان بن عفّان وهي إشارة إلى مقام الخلافة في المرتبة الثالثة، وأنّ عثمان كان رقيق القلب، بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً..

فنحن لا نرى ذلك من صفات عثمان، بل التاريخ يحدّثنا على عكس ذلك، وأرجو أن لا تسألوني توضيح الموضوع أكثر من هذا، لأنّي أخاف أن تحملوا حديثي على الإساءة والإهانة بمقام الخليفة الثالث ولا اُحبّ أن أزعجكم.

الحافظ: نحن لا نضجر إذا لم يكن حديثك فحشاً، وكان مدعماً بالدليل ومطابقاً للواقع مع ذكر الأسناد والمصادر.

قلت: أوّلاً: إنّي ما كنت ولم أكن فحّاشاً، بل سمعت الفحشَ وأجبتُ بالمنطق والبرهان!

____________________

= عليّ وإحراق بيته على من فيه! فلقد ذكر أنّ أبا بكر أرسل عمر بن الخطّاب ومعه جماعة بالنار والحطب إلى دار عليّ وفاطمة والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيته، فلمّا راجعَ عمر بعضُ الناس قائلين: إنّ في البيت فاطمة! قال: وإنْ!

وقال عمر رضا كحّالة: فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له: يا أبا حفص! إنّ فيها فاطمة! قال: وإنْ.

أقول: لقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ ابراهيم في قصيدة تحت عنوان: عمر وعليّ، مطبوعة في ديوانه ١/٧٥ ط دار الكتب المصرية:

وقولة لعليٍّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقتُ دارَك لا اُبقي بها أحداً

إنْ لم تبايع وبنت المصطفي فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

«المترجم»

٤٢٥

ثانياً: هناك أدلّة كثيرة على خلاف ما ذهبتم في شأن عثمان، فإنّ جملة( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) لا تنطبق عليه أبداً، ولإثبات قولي اُشير إلى بعض الدلائل، وأترك التحكيم والقضاء للحاضرين الأعزّاء.

سيرة عثمان

لقد أجمع المؤرّخون والأعلام، مثل: ابن خلدون، وابن خلّكان، وابن أعثم الكوفي، وأصحاب الصحاح كلّهم، والمسعودي في مروج الذهب ١/٤٣٥، وابن أبي الحديد في شرح النهج، والطبري في تاريخه، وغيرهم من علمائكم، قالوا: إنّ عثمان بن عفّان حينما ولي الخلافة سار على خلاف سُنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة الشيخين، ونقض العهد الذي عاهده عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى حين بايعه على كتاب الله وسُنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة الشيخين، وأن لا يسلّط بني اُميّة على رقاب المسلمين.

ولكن حينما استتبّ له الأمر خالف العهد، وتعلمون بأنّ نقض العهد من كبائر الذنوب، والقرآن الحكيم يصرّح بذلك.

قال تعالى:( ....وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْئُولاً ) (١) .

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ‌ * کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (٢) .

الحافظ: نحن لا نعلم لذي النورين خلافاً، وإنّما هذا قولكم ومن مزاعم الشيعة ولا دليل عليه!

____________________

١) سورة الإسراء، الآية ٣٤.

٢) سورة الصفّ، الآية ٢ و ٣

٤٢٦

قلت: راجعوا شرح النهج - لابن أبي الحديد - ١/١٩٨ ط دار إحياء التراث العربي، فإنَّه قال: وثالث القوم هو عثمان بن عفّان بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له، وصحّت فيه فراسة عمر، فإنّه أوطأ بني اُميّة رقاب الناس، وولاّهم الولايات، وأقطعهم القطائع، وافتتحت أفريقية في أيّامه فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان.

وأعطى عبدالله بن خالد أربعمائة ألف درهم.

وأعاد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة، بعد أن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سيّره - أي: نفاه من المدينة - ثمّ لم يردّه أبو بكر ولا عمر! وأعطاه مائة ألف درهم.

وتصدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بموضع سوق بالمدينة - يُعرف بمهزوز - على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان.

وأقطع مروان فدك، وقد كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلبتها بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله تارةً بالميراث، وتارةً بالنحلة، فدُفعت عنها.

وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلّهم إلّا عن بني اُميّة.

وأعطى عبدالله بن أبي السَّرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقية بالمغرب، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.

وأعطى أبا سفيان بن حرب(١) مائتي ألف من بيت المال، في اليوم

____________________

١) ربّما يتسائل القارىء: من كان أبو سفيان؟ ولماذا يمنحه عثمان هذا المبلغ من بيت مال المسلمين؟ أكان هذا العطاء من أجل خدمة قدّمها للدين؟! =

٤٢٧

الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال، وقد كان زوّجه ابنته اُمّ أبان. فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح، فوضعها بين يدي عثمان وبكى وقال: والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً!

فقال: ألق المفاتيح يابن أرقم، فإنّا سنجد غيرك!

وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة، فقسّمها كلّها في بني اُميّة.

وأنكح الحارث بن الحكم - أخا مروان - ابنتَه عائشة، فأعطاهُ مائة ألف من بيت المال، بعد طرده زيد بن أرقم عن خزانته.

وانضمّ إلى هذه الاُمور، اُمور اُخرى نقمها عليه المسلمون، كتسيير أبي ذرّ رحمه الله تعالى إلى الرّبذة، وضرب عبدالله بن مسعود حتّى كسر أضلاعه، وما أظهر من الحُجّاب، والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود وردّ المظالم وكفّ الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعية!

____________________

=

فأنا أنقل قضيّة تاريخية حتّى يعرف القارىء الكريم جواب ما تساءل عنه:

روى ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩/٥٣ ط دار إحياء التراث العربي، عن الشعبي، أنّه قال:

فلمّا دخل عثمان رحله - بعدما بويع له بالخلافة - دخل إليه بنو اُميّة حتى امتلأت بهم الدار، ثم أغلقوها عليهم، فقال أبو سفيان بن حرب: أعندكم أحد من غيركم؟

قالوا: لا.

قال: يا بني اُميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب، ولا جنّة ولا نار، ولابعث ولاقيامة؟؟

«المترجم»

٤٢٨

وخَتْم ذلك ما وجدوهُ من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين إلى آخره.

هذا كلام ابن أبي الحديد في عثمان بن عفّان.

وذكَرَ المسعودي في مروج الذهب ٢/ ٣٤١ - ٣٤٣:

فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعاً وخططاً في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية، وكانت غلّة طلحة بن عبيدالله(١) من العراق كلّ يوم ألف دينار، وقيل أكثر.

وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مائة فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف شاه، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً.

وحين مات زيد بن ثابت خلّف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلّف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.

ومات يعلي بن منية وخلّف خمسمائة ألف دينار وديوناً وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.

أمّا عثمان نفسه فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢/١٦١ ط دار إحياء التراث العربي:

قال أبو جعفر - الطبري، صاحب التاريخ -: وكان لعثمان على طلحة بن عبيدالله خمسون ألفاً، فقال طلحة له يوماً: قد تهيّأ مالك فاقبضه، فقال: هو لك معونة على مروءتك.

وقال ابن أبي الحديد في ج ٩/٣٥: روى أن عثمان قال: ويلي على ابن الحضرمية - يعني: طلحة - أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً. وهو يروم دمي يحرّض على نفسي.

قال: والبهار: الحِمْل؛ قيل: هو ثلاثمائة رطل بالقبطية.

«المترجم»

٤٢٩

ألف دينار وألف ألف[أي: مليون] درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلّف خيلاً كثيراً وإبلاً.

ثمّ قال المسعودي بعد ذلك: وهذا باب يتّسع ذكره، ويكثر وصفه فيمن تملّك الأموال في أيّامه.

انتهى كلام المسعودي.

هكذا كان عثمان وحاشيته يتسابقون في كنز الذهب والفضة، وجمع الخيل والإبل والمواشي، وامتلاك الاراضي والعقار، في حين كان كثير من المسلمين المؤمنين لا يملكون ما يسدّون به جوعهم ويكسون به أجسامهم.

أكان هذا السلوك يليق بمن يدّعي خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهل كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك؟!

كلاّ وحاشا، ولاشكّ أنّ عثمان خالف طريقة أبي بكر وناقض سيرة عمر أيضاً، وكان هو قد عاهد على أن يسلك سبيلهما.

ذكر المسعودي في مروج الذهب، ج ١، في ذكره سيرة عثمان وأخباره، فقال بالمناسبة: إنّ الخليفة عمر مع ولده عبدالله ذهبا إلى حجّ بيت الله الحرام، فلما رجع إلى المدينة كان ما صرفه في سفره ستّة عشر ديناراً، فقال لابنه: ولدي لقد أسرفنا في سفرنا هذا.

فقايسوا بين تبذير عثمان لأموال المسلمين وكلام عمر بن الخطّاب، وشاهدوا كم الفرق بينهما؟!

توليته بني اُميّة

إنّ عثمان مكّن فسّاق بني اُميّة وفجّارهم من بلاد المسلمين،

٤٣٠

وسلّطهم على رقاب المؤمنين وأموالهم(١) ، فاتّخذوا أموال الله دولاً، وعباده خولاً، وسعوا في الأرض فساداً، منهم: عمّه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان، وهما - كما نجد في التاريخ - طريدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد لعنهما ونفاهما من المدينة إلى الطائف.

الحافظ: ما هو دليلكم على نفي هذين بالخصوص؟

قلت: دليلنا على لعنهما من جهتين، جهة عامة، وجهة خاصّة.

أمّا الجهة العامّة: فهما غصنان من الشجرة الملعونة في القرآن، بقوله تعالى:( ....وَ مَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاکَ إلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) .

وقد فسّرها أعلام المفسّرين وكبار المحدّثين، ببني اُميّة، منهم: الطبري والقرطبي والنيسابوري والسيوطي والشوكاني والآلوسي، وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي وابن مردويه والحاكم المقريزي والبيهقي وغيرهم، فقد رووا في تفسير الآية الكريمة عن ابن عبّاس أنّه

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٩/٢٤ ط دار إحياء التراث العربي:

و روى شيخنا أبو عثمان الجاحظ، عن زيد بن أرقم، قال:

سمعت عثمان و هو يقول لعليّعليه‌السلام أنكرتَ عَلَيَّ استعمال معاوية و أنت تعلم أن عمر استعمله!

قال عليٌّعليه‌السلام نشدتك الله! ألا تعلم أنّ معاوية كان أطوع لعمر من يَرفأ غلامه! إنّ عمر كان إذا استعمل عاملاً وطئ على صماخه و إنّ القوم ركبوك و غلبوك و استبدّوا بالأمر دونك.

فسكت عثمان!

«المترجم»

٢) سورة الإسراء، الآية ٦٠.

٤٣١

قال الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو اُميّة، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى فيما يراه النائم أنّ عدداً من القردة تنزو على منبره وتدخل محرابه، فلمّا استيقظ من نومه نزل عليه جبرئيل وأخبره: أنّ القردة التي رأيتها في رؤياك إنّما هي بنو اُميّة، وهم يغصبون الخلافة والمحراب والمنبر طيلة ألف شهر(١) .

وأمّا الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عبّاس: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسمّي من بني اُميّة الحكم بن أبي العاص ويخصّه باللعن.

وأمّا الجهة الخاصّة في لعنهما، فالروايات من الفريقين كثيرة:

أمّا روايات الشيعة فلا أذكرها، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدّثيكم، منهم: الحاكم النيسابوري في المستدرك ٤/٤٨٧، وابن حجر الهيتمي المكّي في «الصواعق» قال: وصحّحه الحاكم، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي من اُمّتي قتلاً وتشريداً، وإنّ أشدّ

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩/٢٢٠ ط دار إحياء التراث العربي قال في تفسير قوله تعالى:( وَ مَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاکَ إلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ... ) فإنّ المفسّرين قالوا: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرؤيا بني اُميّه ينزون على منبره نزو القردة - هذا لفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي فسّر لهم الآية - فَسَاءَهُ ذلك ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :الشجرة الملعونة بنو اُميّة و بنو المغيرة.

و نحوه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً.

ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذمِّهم الكثير من المشهور، نحو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبغض الأسماء إلى الله: الحكم وهشام والوليد.

وفي خبر آخر: إسمان يبغضهما الله: مروان والمغيرة

هذا ما أردنا نقله من ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٤٣٢

قومنا لنا بغضاً بنو اُميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم.

قال: ومروان بن الحكم كان طفلاً، قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو الوزغ بن الوزغ، والملعون بن الملعون.

و روى ابن حجر أيضاً، و الحلبي في السيرة الحلبيّة ١/٣٣٧، و البلاذري في أنساب الأشرف ٥/١٢٦، و الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» و الحاكم في المستدرك ٤/٤٨١، و الدميري في حياة الحيوان ٢/٢٩٩، و ابن عسكر في تاريخه، و محبّ الذين الطبري في «ذخائر العقبى» و غير هؤلاء، كلهم رووا عن عمر بن مرّة الجهني : أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله فعرف صوته. فقال: ائذنوا له، عليه لعنة الله و على من يخرج من صلبه، إلّا المؤمن منهم و قليل ماهم.

ونقل الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير، في ذيل الآية:( وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ ) أنّ عائشة كانت تقول لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه. فأنت بعض من لعنه الله!

والمسعودي في مروج الذهب ١/٤٣٥ يقول: مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أخرجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفاه من المدينة.

إنّ أبا بكر وعمر لم يأذنا له بالرجوع إلى المدينة، ولكنّ عثمان خالف النبيّ والشيخين، فأجاز مروان بالإقامة في المدينة، وزوّجه ابنته اُمّ أبان، ومنحه الأموال، وفسح له المجال حتّى أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدولة(١) .

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/١٢ نقلاً عن قاضي القضاة عبد الجبّار: حتّى <=

٤٣٣

وقال ابن أبي الحديد - نقلاً عن بعض أعلام عصره - إنّ عثمان سلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم.

النوّاب: مَن كان الحكم بن أبي العاص؟ ولماذا لعنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفاه من المدينة؟

قلت: هو عمّ الخليفة عثمان، وقد ذكر الطبري وابن الأثير في التاريخ والبلاذري في أنساب الأشراف ٥/١٧: أنّ الحكم بن أبي العاص كان في الجاهلية جاراً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان كثيراً ما يؤذي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في مكّة، ثمّ جاء إلى المدينة بعد عام الفتح، وأسلم في الظاهر، ولكنّه كان يسعى لأن يحقّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويحاول أن يحطّ من شأنه بين الناس. وكان يمشي خلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويبدي من نفسه

____________________

=

كان من أمر مروان وتسلّطه عليه [عثمان] وعلى اُموره ما قُتل بسببه وذلك ظاهر لا يمكن دفعه.

وقال في ج ١٠/٢٢٢ نقلاً عن أبي جعفر النقيب أنه كان يقول في عثمان: إنّ الدولة في أيّامه كانت على إقبالها و علوّ جدّها، بل كانت الفتوح في أيّامه أكثر و الغنائم أعظم، لو لا أنّه لم يراع ناموسَ الشيخين و لم يستطع أن يسلك مسلكهما و كان مضَعَّفاً في أصل القاعدة مغلوباً عليه و كثير الحبّ لأهله و اُتيح له من مروان وزير سوء أفسد القلوب عليه و حمل الناس على خلعه و قتله.

وقال ابن ابي الحديد أيضاً في شرح النهج ٩/٢٥ و٢٦ ط دار إحياء التراث العربي،نقلاً عن جعفر بن مكّي الحاجب، عن محمّد بن سليمان حاجب الحجّاب: و كان عثمان مستضعَفاً في نفسه، رخواً، قليل الحزم، واهي العقيدة و سلّم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء،الخلافة له في المعنى و لعثمان في الإسم

«المترجم»

٤٣٤

حركات وإشارات يستهزئ بها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويجرّئ على السخرية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

فدعا عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبقى على الحالة التي كان عليها، فبقي على حالة غريبة تشبه الجنون، وصار الناس يستهزئون به ويسخرون منه.

فذهب يوماً إلى بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أعلم ما صدر منه، إلّا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج وقال: لا يشفّع أحدٌ للحكم!

ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفيه مع أولاده وعياله، فأخرجه المسلمون من المدينة، فأقام في الطائف.

ولمـّا ولي أبو بكر الخلافة شفع له عثمان عند الخليفة ليأذن له بالرجوع إلى المدينة، ولكنّه رفض، وبعده شفع له عثمان عند عمر، فرفض، وقتلا: هو طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا نعيده ولا نأذن له أن يقيم في المدينة.

فلمّا آل الأمر إليه وأصبح هو الخليفة بعد عمر، أعاد الحكم مع أولاده الى المدينة وأحسن إليهم كثيراً ولم يعبأ بمخالفة الصحابة واعتراض المؤمنين، بل منحهم أموال بيت المال، ونصب مروان بن الحكم وزيراً واتخذه مشيراً، فجمع حوله أشرار بني اُميّة وأسند إليهم الأمور والولايات.

فجور واليه في الكوفة

فولّى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو أخو عثمان لأمِّه، وأسمها أروى، وقد صرّح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه من أهل النار! كما في

٤٣٥

رواية المسعودي في مروج الذهب، ج ١، في أخبار عثمان، وكان فاسقاً متجاهراً بالشرور، ومتظاهراً بالفجور.

وذكر أبو الفداء في تاريخه، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني ٤/١٧٨، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: ١٠٤، الإمام أحمد في المسند ١/١٤٤، والطبري في تاريخه ٥/٦٠، والبيهقي في سننه ٨/٣١٨، وابن الأثير في اُسد الغابة ٥/٩١، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/١٨ ط. دار احياءً التراث العربي.

هؤلاء وغيرهم من أعلام السّنة ذكروا: أنّ الوليد بن عقبة - والي الكوفة من قِبَل عثمان - شرب الخمر ودخل المحراب سكراناً وصلّى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم: إنْ شئتم أزيدكم!!

وبعضهم ذكر بأنّه تقيّأ في المحراب، فشمّ الناس منه رائحة الخمر، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك، فشكوه إلى عثمان، فهدّد الشهود وأبى أن يجري الحدّ عليه، فضغط عليه الإمام عليٌّعليه‌السلام والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة، حتّى اضطرّ إلى ذلك، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه، وهو لا يقلّ عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور.

وولّى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة، وكان معاوية عاملاً لعمر على دمشق والأردن، فضمّ إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة(١) .

____________________

١) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٤/٧٩ ط. دار إحياء التراث العربي، قال:

وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلّم رحمه الله، عن نصر بن عاصم =

٤٣٦

هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام، وإنّما كانوا متّهمين في دينهم، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآنُ فسقَه كما يحدّثنا المفسِّرون في ذيل الآية

____________________

=

الليثي عن أبيه قال أتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فقلت ما هذا قالوا معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد، فقال رسول الله ص لعن الله التابع و المتبوع ربّ يوم لاُمّتي من معاوية ذي الأستاه - يعني الكبير العجز -.

و قال روى العلاء بن حريز القشيري أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمعاوية لتتّخذنّ يا معاوية البدعةُ سُنّة و القبح حسناً أكلك كثير و ظلمك عظيم.

وفي صفحتي ٨٠ و ٨١ نقل أبي الحديد عن شيخه، قال:

قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه - لاشتهار الخبر به و إطباق الناس عليه - أنّ الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط كان يبغض عليّاً و يشتمه و أنّه هو الذي لاحاهُ في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و نابذه و قال له أنا أثبت منك جَناناً و أحدّ سِناناً فقال له عليٌّعليه‌السلام اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى فيهما:( أَ فَمَنْ کَانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ ) السجدة /١٨.

و سمّي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفاسق فكان لا يُعرف إلا بالوليد الفاسق.

قال: و سمّاه الله تعالى فاسقاً في آية اُخرى و هو قوله تعالى:( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) سورة الحجرات / ٦ و سبب نزولها مشهور.

قال: و كان الوليد مذموماً معيباً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشنؤه و يُعرِض عنه و كان الوليد يبغض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و يشنؤه أيضاً،و أبوه عقبة بن أبي معيط هو العدَوّ الأزرق بمكّة و الذي كان يؤذي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نفسه و أهله و فلمّا ظفرصلى‌الله‌عليه‌وآله به يوم بدر ضرب عنقه و ورث ابنه الوليد الشنآن و البِغضة لمحمّد و أهله، فلم يزل عليهما إلى أن مات.

«المترجم»

٤٣٧

الكريمة:( أَ فَمَنْ کَانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ‌ ) (١) .

فالمؤمن عليٌّعليه‌السلام والفاسق الوليد.

وقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (٢) ، وقال المفسّرون في شأن نزولها: إنّ الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وادّعى أنّهم منعوه الصدقة، ولو قصصنا مخازيه ومساوئه لطال بها الشرح.

وكان المسلمون - أعيانهم وعامّتهم - يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم، ولا يسمع فيهم شكاية كارهاً، وربّما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!

أسباب الثورة

إنّ من أهمّ أسباب الثورة على عثمان، سيرته المخالفة لسير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة الشيخين، فلو كان يسعى ليغيّر سيرته الخاطئة ويصلح الاُمور ويعمل بنصيحة الناصحين، أمثال الامام عليّعليه‌السلام وابن عبّاس، لكان الناس يهدؤون والمياه ترجع إلى مجاريها الطبيعية(٣) ، ولكنّه اغترّ

____________________

١) سورة السجد، الآية ١٨.

٢) سورة الحجرات، الآية ٦.

٣) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢/١٥١ و ١٥٢ نقلاً عن تاريخ الطبري:

و كان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى عليّعليه‌السلام يطلب إليه أن يردّ الناس و يعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتّى تأتيه الأمداد.

فقال إنّهم لا يقبلون التعليل و قد كان منّي في المرّة الاُولى ما كان. <=

٤٣٨

بكلام حاشيته وحزبه من بني اُميّة حتّى قُتل، وقد كان عمر بن الخطّاب تنبّأ بذلك، لأنّه عثمان مدّة طويلة، وعرف أخلاقه وسلوكه كما يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج ١/١٨٦ ط. دار إحياء التراث العربي قال:

في قصّة الشورى فقال عمر: أفلا اُخبركم عن أنفسكم؟!..

ثمّ أقبل على عليٍّعليه‌السلام فقال: لله أنت! لولا دعابة فيك! أما والله

____________________

=

فقال مروان أعطهم ما سألوك و طاولهم ما طاولوك فإنّهم قوم قد بغوا عليك و لا عهد لهم.

فدعا عليّاُعليه‌السلام و قال له قد ترى ما كان من الناس و لستُ آمنهم على دمي، فارددهم عنّي فإنّي أعطيهم ما يُريدون من الحق من نفسي و من غيري.

فقال عليٌّعليه‌السلام : إنّ الناس إلى عدلك أحوجُ منهم إلى قتلك و إنّهم لا يرضون إلا بالرضا، و قد كنت أعطيتهم من قَبْلُ عهداً فلم تفِ به فلا تغرّر في هذه المرّة فإنّي معطيهم عنك الحقّ.

قال أعطهم فو الله لأفِيَنَّ لهم...

فقال عليعليه‌السلام : أمّا ما كان بالمدينة فلا أجل فيه و أمّا ما غاب فأجلهُ وصولُ أمرك.

قال نعم فأجّلني فيما بالمدينة ثلاثة أيّام.

فأجابه إلى ذلك و كتب بينه و بين الناس كتاباً على ردّ كلِّ مظلمة و عزل كلّ عامل كرهوه فكفّ الناس عنه.

و جعل يتأهَّب سرّاً للقتال و يستعدّ بالسلاح و اتّخذ جنداً فلمّا مضت الأيّام الثلاثة و لم يغيّر شيئاً ثار عليه الناس ....إلى آخره.

«المترجم»

٤٣٩

لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح، والمحجّةِ البيضاء.

ثمّ أقبل على عثمان، فقال: هيهاً إليك! كأنّي بك قد قَلَدَتْك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك، فحملتَ بني اُميّة وبني أبي مُعيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحاً إلى آخره.

وقال في ج ٢/١٢٩: وأصحّ ما ذكر في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه، حوادث سنة ٣٣ - ٣٥، وخلاصة ذلك: أنّ عثمان أحدث أحداثاً مشهورة نقمها الناس عليه، من تأمير بني اُميّة، ولا سيّما الفسّاق منهم وأرباب السَّفه وقلّة الدين، وإخراج مال الفيء إليهم، وما جرى في أمر عمّار بن ياسر وأبي ذرّ وعبد الله بن مسعود، وغير من الأمور التي جرت في أواخر خلافته.

وراجعوا التاريخ حول أبي سفيان وبنيه، وهو من زعماء بني اُميّة، وانظروا إلى ما نقله الطبري في تاريخه، فقد قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى أبو سفيان مقبلاً على حماره ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوق بالحمار، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لعن الله الراكب والقائد والسائق».

وبالرغم من ذلك نجد في التاريخ أنّ عثمان أكرمه وأعطاه أموالاً كثيرة، وكان له عند الخليفة مقاماً وجاهاً عالياً، وهو الذي أنكر القيامة والمعاد في مجلس عثمان، فارتدّ عن الإسلام، وكان على الخليفة أن يأمر بقتله، لأنّ المرتدّ جزاؤه القتل، ولكنّه تغاضى عنه واكتفى بإخراجه!

فأنصفوا وفكّروا! لماذا كان عثمان يكرم أبا سفيان المرتدّ، ويؤوي

٤٤٠