مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252409
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252409 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ويقرّبهم ويمنحهم الأموال الكثيرة من بيت مال المسلمين، ويسند إليهم وإلى أبنائهم الولايات والإمارات، وهم الّذين لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الملأ العامّ، وقد سمعه المسلمون وهو يفسّر الشجرة الملعونة في القرآن ببني اُميّة؟!

لماذا كان عثمان يتّخذ مروان وأمثاله ونظراءه أولياء من دون الله تعالى ويركن إليهم ويعمل برأيهم، بل أسند إليهم إدارة الدولة حتّى تكون آلة لهم ومطيّة لأغراضهم الإلحادية وأهدافهم الجاهلية؟!

فلقائل أن يقول: إنّما كان عثمان يقصد من وراء أعماله التي ذكرنا طرفاً منها تمهيد السبيل للانقلاب الذي أخبر الله سبحانه في كتابه بقوله:( وَ مَا مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ ) (١) .

موقف عليٍّعليه‌السلام

لقد كان موقف الإمام عليّعليه‌السلام في الفتنة موقف الناصح المصلح، والتاريخ يشكر له مواقفه السليمة، وأنا أنقل لكم الآن بعض كلامه في هذا الشأن من «نهج البلاغة» حتّى تعرفوا نيّاته الطيّبة ومساعيه الخيّرة.

قالوا: لمـّا اجتمع الناس إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشكوا إليه ما نقموه على عثمان، وسألوه مخاطبته واستعتابه لهم،

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.

٤٤١

فدخلعليه‌السلام على عثمان فقال:

إنّ الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم، والله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف شيئاً تجهَله، ولا أدلّك على أمرٍ لا تعرفه!

إنّك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيءٍ فنخبرك عنه، ولا خَلَونا بشيءٍ فنبلّغكه، و قد رأيتَ كما رأينا، و سمعت كما سمعنا، و صحبت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما صحبنا، و ما ابن أبي قحافة و لا ابن الخطّاب بأولى بعمل الحقّ منك، و أنت أقرب إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشيجة رحم منهما، و قد نلت من صهره ما لم ينالا، فاللّه اللّه في نفسك فإنّك و اللّه ما تُبصَّر من عميً و لا تُعلّم من جهل، و إنّ الطّرق لواضحة و إنّ أعلام الدّين لقائمة.

فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هُدي و هدى، فأقام سُنّة معلومة و أمات بدعة مجهولة، و إنّ السُننَ لَنيّرة لها أعلام، و إنّ البدع لظاهرة لها أعلام، و إنّ شرّ النّاس عند اللّه إمام جائر ضَلّ و ضُلّ به، فأمات سُنّة مأخوذة و أحيا بدعة متروكة، و إنّي سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يُؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر فيُلقى في نار جهنّم فيدور فيها كما تدور الرّحى، ثمّ يرتبط في قعرها.

و إنّي أنشدك اللّه أن تكون إمامَ هذه الاُمّة المقتول!

فإنّ كان يقال يقتل في هذه الاُمّة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة، و يُلبس اُمورَها عليها و يبثّ الفتن فيها فلا يبصرون الحقّ من الباطل يموجون فيها مَوْجاً و يمرجون فيها مَرْجاً.

فلا تكونَنَّ لمروان سَيِّقةً حيث شاء بعد جُلال السنّ و تقضّي

٤٤٢

العُمر(١) .

فقال له عثمان كلّم النّاس في أن يؤجّلوني حتّى أخرج إليهم من مظالمهم.

فقالعليه‌السلام : ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، و ما غاب فأجَلهُ وصول أمرك إليه.

ولكنّ عثمان شاور مروان في ما طلبه عليٌّعليه‌السلام من قِبلَ الناس، فأشار عليه بالمخالفة، فخرج عثمان وخطب الناس وقال في ما قال:

فاجترأتم عَلَيَّ، أما والله لأنا أقرب ناصراً، وأعزّ نفراً، وأكثر عوداً، وأحرى إن قلتُ: «هلمّ» أن يجاب صوتي.

ولقد أعددت لكم أقراناً، وكشّرت لكم عن نابي، وأخرجتم منّي خُلقاً لم أكن اُحسنه، ومنطقاً لم أكن أنطق به إلى آخره.

فهاج الناس ولم يرضوا من كلامه، فاشتدّ البلاء حتّى وقع ما وقع.

موقف الصحابة من عثمان

وأمّا صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثرهم تألّبوا على عثمان وقاموا في

____________________

١) ذكره الطبري أيضاً في تاريخه ٤/٣٣٧.

أقول: ونقل، عن أبي الحديد في شرح النهج ٩/٢٣، قال وروي أبو سعد الآبي في كتابه «نثر الدرر في المحاضرات» أنّ عثمان لمـّا نقم الناس عليه ما نقموا، قام متوكِّئاً على مروان فخطب الناس

فذكر بعض ما ذكره الطبري وزاد:

إنِّي لأقرب ناصراً، وأعزّ نفراً، فمالي لا أفعل في فضول الأموال ما أشاء؟!

«المترجم»

٤٤٣

وجهه ينهونه عن أعماله التعسّفية، وتصرّفه بغير حقّ في الأمور المالية وانحيازه لبني اُميّة.

وقد ذكر الطبري(١) : أنّ نفراً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تكاتبوا، فكتب بعضهم إلى بعض أنْ أقدموا، فإنّ الجهاد بالمدينة لا بالروم.

واستطال الناس على عثمان، ونالوا منه، وذلك في سنة أربع وثلاثين، ولم يكن أحدٌ من الصحابة يذبّ عنه ولا ينهى، إلّا نفرٌ منهم: زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسّان بن ثابت.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢/١٣٤ ط. دار احياء التراث العربي:

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى: ثمّ إنّ سعيد بن العاص قدم على عثمان سنة إحدى عشرة من خلافته فلمّا دخل المدينة اجتمع قوم من الصحابة فذكروا سعيداً و أعماله و ذكروا قرابات عثمان و ما سوغهم من مال المسلمين و عابوا أفعال عثمان.

فأرسلوا إليه عامر بن عبد القيس - و كان متألّهاً و اسم أبيه عبد الله و هو من تميم ثمّ من بني العنبر - فدخل على عثمان فقال له: إنّ ناساً من الصحابة اجتمعوا و نظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبتَ اُموراً عظيمة فاتّقِ الله و تب إليه

فقال عثمان: انظروا إلى هذا تزعم الناس أنّه قارئ ثمّ هو يجي ء إليّ فيكلّمني في ما لا يعلمه! و الله ما تدري أين الله!

____________________

١) نفس المصدر.

٤٤٤

فقال عامر: بلى و الله إنّي لأدري إنّ الله لبالمرصاد!

فأخرجه عثمان.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢/١٤٤: و روى أبو جعفر [ الطبري ] قال: كان عمرو بن العاص شديدَ التحريض و التأليب على عثمان.

وقال في صفحة ١٤٩: قال أبو جعفر [ الطبري ]: إنّ عثمان مرّ بجبلة بن عمرو الساعدي، و هو في نادي قومه، و في يده جامعة فسلّم فردّ القوم عليه، فقال جبلة: لِمَ تردّون على رجل فعل كذا و فعل كذا؟! ثمّ قال لعثمان: و الله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه الخبيثة مروان و ابن عامر و ابن أبي السِّرح فمنهم مَن نزل القرآن بذمّه و منهم من أباح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دمَه.

وقال: قيل: إنّه خطب يوماً و بيده عصا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و أبو بكر و عمر يخطبون عليها فأخذها جَهْجَاه الغفاريّ من يده، و كسرها على ركبته فلمّا تكاثرت أحداثه و تكاثر طمعُ الناس فيه كتب جمعٌ من أهل المدينة من الصحابة و غيرهم إلى من بالآفاق إن كنتم تريدون الجهاد فهلمّوا إلينا فإنّ دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أفسده خليفتكم فاخلعوه فاختلفتْ عليه القلوب و جاء المصريون و غيرهم إلى المدينة حتّى حدث ما حدث.

ونقل أبن أبي الحديد في شرح النهج ٢/١٦١: قال أبو جعفر [ الطبري ]: و كان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفاً، فقال طلحة له يوماً: قد تهيأ مالك فاقبضه، فقال: هو لك معونة على مروءتك.

٤٤٥

فلمّا حُصر عثمان، قال عليٌّعليه‌السلام لطلحة: أنشدك الله إلا كففتَ عن عثمان!

فقال: لا و الله حتّى تعطيَ بنو اُميّة الحقّ من أنفسها.

فكان عليٌّعليه‌السلام يقول: لحا الله ابن الصعبة! أعطاه عثمان ما أعطاه و فعل به ما فعل!

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩/٣ عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب «أخبار السقيفة» بسنده عن أبي بن كعب الحارثيّ، في رواية مفصّلة، إلى أن قال في صفحة ٥: فتبعته [ أي: عثمان ] حتّى دخل المسجد، فإذا عمّار جالس إلى سارية، و حوله نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكون، فقال عثمان: يا وثّاب! عَليَّ بالشرط فجاءوا، فقال: فرّقوا بين هؤلاء ففرّقوا بينهم.

ثمّ اُقيمت الصلاة فتقدّم عثمان فصلّى بهم، فلمّا كبّر قالت امرأة من حجرتها: يا أيّها الناس ثمّ تكلّمت و ذكرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و ما بعثه الله به، ثمّ قالت تركتم أمر الله و خالفتم عهده و نحو هذا ثمّ صمتت، و تكلّمت امرأة اُخرى بمثل ذلك فإذا هما عائشة و حفصة.

قال: فسلّم عثمان، ثمّ أقبل على الناس و قال إنّ هاتين لَفتّانتان يحلّ لي سبُّهما و أنا بأصلهما عالم.

فقال له سعد بن أبي وقّاص أ تقول هذا لحبائب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

فقال: و فيمَ أنت و ما هاهنا؟!

ثمّ أقبل نحو سعد عامداً ليضربَه فانسلّ سعد فخرج من المسجد، فاتّبعه عثمان فلقيَ عليّاًعليه‌السلام بباب المسجد، فقال لهعليه‌السلام : أين تريد؟

قال: اُريد هذا الذي كذا و كذا - يعني سعداً يشتمه - فقال له عليٌّعليه‌السلام : أيّها الرجل دع عنك هذا.

٤٤٦

قال: فلم يزل بينهما كلام حتّى غضبا، فقال عثمان أ لست الذي خلّفك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم تبوك؟!

فقال عليٌّعليه‌السلام : أ لستَ الفارّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم اُحد؟!

قال: ثمّ حجز الناس بينهما.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩/٣٥ و ٣٦: و روى الناس الّذين صنّفوا في واقعة الدار أنّ طلحة كان يوم قُتل عثمان مقنّعاً بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام.

و رووا أيضاً انه لمـّا امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة الى دار لبعض الأنصار فأصعدهم الى سطحها و تسوروا منها على عثمان داره فقتلوه.

و رووا أيضاً: أنّ الزبير كان يقول: اقتلوه فقد بدّل دينكم.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/٢٧ و ٢٨: و روى شعبة بن الحجّاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: قلت له: كيف لم يمنع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن عثمان؟!

فقال إنّما قتله أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: و رويَ عن أبي سعيد الخدري، أنّه سُئل عن مقتل عثمان : هل شهده أحدٌ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال: نعم، شهده ثمانمائة!

قال: و هذا عبد الرحمن بن عوف و هو عاقد الأمر لعثمان و جالبه إليه و مصيّره في يده، يقول - على ما رواه الواقدي و قد ذُكر له عثمان في مرضه الذي مات فيه -: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه، فَبلغَ ذلك عثمان، فبعث إلى بئر كان عبد الرحمن يسقي منها نَعَمه فمنع منها و وصّى عبد الرحمن إلّا يصلّي عليه عثمان، فصلّى عليه

٤٤٧

الزبير - أو سعد بن أبي وقّاص - و قد كان حلف لمـّا تتابعت أحداث عثمان إلّا يكلّمه أبداً.

قال: و روى الواقدي، قال: لمـّا توفّي أبو ذرّ بالربذة، تذاكر أميرُ المؤمنينعليه‌السلام وعبد الرحمن فِعلَ عثمان، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام له: هذا عملك! فقال عبد الرحمن: فإذا شئت فخذ سيفك و آخذ سيفي إنّه خالف ما أعطاني.

وقال في شرح النهج ٣/٥٠ و ٥١: و قد روي من طرق مختلفة و بأسانيد كثيرة أنّ عماراً كان يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر و أنا الرابع و أنا شرّ الأربعة( ...وَ مَنْ لَمْ يَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولٰئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ‌ ) (١) و أنا أشهد أنّه قد حكم بغير ما أنزل الله.

وقال: و روي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة أنّه قيل له بأيّ شيءٍ كفَّرتم عثمان؟

فقال: بثلاث: جعل المال دُولة بين الأغنياء و جعل المهاجرين من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة من حارب الله و رسوله و عمل بغير كتاب الله.

موقف عثمان من صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المقرّبين

ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان وقتله، إيذاؤه بعض الصحابة المقرّبين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمكرّمين لديه، وما كان لهم جرم سوى إنّهم كانوا ينهونه عن المنكر ويأمرونه بالمعروف، منهم:

____________________

١) سورة المائدة، الآية ٤٤.

٤٤٨

عبد الله بن مسعود، وهو الحافظ لكتاب الله، والكاتب الضابط للقرآن الكريم على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يحظى عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعند الشيخين باحترام وافر.

وذكر ابن خلدون في تاريخه أنّ عمر بن الخطّاب في أيّام خلافته وحكومته كان يقرّب عبد الله بن مسعود ولا يفارقه أبداً، لأنّه كان ذا اطّلاع كامل على القرآن، وقد روى المحدّثون أحاديث كثيرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه، ذكرها ابن أبى الحديد أيضاً في شرح النهج.

وذكر المؤرّخون: أنّ عثمان لمـّا أراد أن يجمع المصاحف أمر بأخذ النسخ الموجودة عند الأصحاب، ومنها النسخة التي كانت عند عبد الله بن مسعود، اذ كان من كتّاب الوحي ومحلّ ثقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّ ابن مسعود أبا أن يعطيه نسخته، فذهب عثمان بنفسه إلى بيت ابن مسعود وأخذ نسخته قهراً، فلمّا سمع ابن مسعود أنّ نسخته اُحرقت مع سائر النسخ، حزن حزناً شديداً وكان حينذاك بالكوفة، فبدأ يطعن في عثمان، ويكشف السّتار عن أعماله المخالفة لسُنّة النبيّ والقرآن وسيرة الشيخين.

وكان الجواسيس يخبرون الوليد بن عقبة والي الكوفة، فكتب فيه الوليد إلى عثمان، فأمره أن يبعثه إلى المدينة.

وقال ابن أبى الحديد في شرح النهج ٣/٤٣ - عن الواقدي وغيره -: إنّ ابن مسعود دخل المدينة ليلة جمعة، فلمّا علم عثمان بدخوله قال: أيّها الناس إنّه قد طرقكم الليلة دويبة، مَن تمشي على طعامه يقيء و يسلح.

فقال ابن مسعود: لستُ بدويبة، و لكنّي صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٤٩

يوم بدر، و صاحبه يوم اُحد، و صاحبه يوم بيعة الرضوان، و صاحبه يوم الخندق، و صاحبه يوم حنين.

و صاحت عائشة: يا عثمان! أ تقول هذا لصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

فقال عثمان: اسكتي، ثمّ قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود: أخرجه إخراجاً عنيفاً!

فأخذه ابن زمعة، فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد، فضرب به الأرض، فكسر ضلعاً من أضلاعه.

فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان.

و في رواية: أنّ ابن زمعة كان مولىً لعثمان، أسود مسدماً طوّالاً.

وقال ابن أبى الحديد في صفحة ٤٤: وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظيّ: أنّ عثمان ضرب إبن مسعود أربعين سوطاً، لأنّه قام بتجهيز أبي ذرّ الغفاري ودفنه.

قال: وهذه قصّة اُخرى، ثمّ يذكرها بالتفصيل.

أقول: الله أكبر! وهل دفن مؤمن كأبي ذرّ، يستوجب التعزيز والتعذيب؟!

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٤٢ و ٤٣: و لمـّا مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه أتاه عثمان عائداً.

فقال: ما تشتكي؟

فقال: ذنوبي.

قال: ما تشتهي؟

قال: رحمة ربّي.

قال: أ لا أدعو لك طبيباً؟

٤٥٠

قال: الطبيب أمرضني.

قال: أ فلا آمر لك بعطائك؟

قال: منعتنيه و أنا محتاج إليه و تعطينيه و أنا مستغنٍ عنه!

قال: يكون لولدك.

قال: رزقهم على الله تعالى.

قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن.

قال: أسأل الله أن يأخذ لي منك حقّي!

وقال ابن أبي الحديد في صفحة ٤٢: وقد روي عنه أيضاً من طرق لا تحصى كثيرة، أنّه كان يقول: ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب.

قال ابن أبي الحديد: وتعاطي ما روي عنه في هذا الباب يطول، و هو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، و إنّه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة، أن قال لمـّا حضره الموت: من يتقبّل منّي وصيّة اُوصيه بها على ما فيه؟

فسكت القوم و عرفوا الذي يريد.

فأعادها، فقال عمار بن ياسر رحمه الله تعالى: أنا أقبلها.

فقال ابن مسعود: إلّا يصلّي علَيَّ عثمان.

قال: ذلك لك.

فيقال: إنّه لمـّا دفن جاء عثمان منكِراً لذلك، فقال له قائل: إنّ عماراً وَلِيَ الأمر.

فقال لعمار: ما حملك على أنْ لم تُؤذِنّي؟!

فقال: عهد إليَّ إلّا اُؤذنك.

٤٥١

فوقف على قبره و أثنى عليه. ثمّ انصرف و هو يقول: رفعتم و الله أيديكم عن خير من بقي.

فتمثل الزبير بقول الشاعر:

لا ألفِينَّكَ بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي

إيذاؤه عمّار بن ياسر

ومن أعمال عثمان الثابتة عليه، ولم ينكره أحد من المؤرّخين، وهو خلاف العدل والرحمة، وظلم ظاهر، لم يرضَ به المؤمنون، ولو كان أبو بكر وعمر حيّين لأنكرا عليه وانتقما منه:

ضربه وإيذاؤه عمّار بن ياسر، الصحابي الجليل الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عمّار ملئ إيماناً من قرنه إلى قدميه». وشهد له ولأبويه بالجنّة، بل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الجنّة تشتاق إليه.

وكان السبب في ضربه اُموراً، منها كما نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/٥٠ قال: و روى آخرون أنّ السبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: عبد اللّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته، إذ كان المتولّي للصلاة عليه و القيام بشأنه، فعندها وطئ عثمان عمّارا حتّى أصابه الفتق.

قال ابن أبي الحديد في صفحة ٥٠: و روى آخرون، أنّ المقداد و عمّاراً و طلحة و الزبير و عدّة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كتبوا كتاباً، عدّدوا فيه أحداث عثمان و خوّفوه به و أعلموه أنّهم مواثبوه إنْ لم يُقلع.

٤٥٢

فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به، فقرأ منه صدراً ثمّ قال له: أعلَيَّ تقدم من بينهم!

فقال: لأنّي أنصحهم لك.

قال: كذبت يا ابن سميّة!

فقال: أنا و الله ابن سميّة و ابن ياسر.

فأمر عثمان غلماناً له، فمدّوا بيديه و رجليه، ثمّ ضربه عثمان برجليه - و هي في الخفين - على مذاكيره، فأصابه الفتق و كان ضعيفاً كبيراً فغشي عليه.

قال ابن أبي الحديد في صفحة ٤٩: ثمّ اُخرج فحمل حتّى اُتي به منزل أمّ سلمة (رضي الله عنها)، فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق توضّأ وصلّى.

ومَن أحبّ التفصيل، فليراجع مروج الذهب ١/٤٣٧، وشرح النهج - لابن أبي الحديد - الجزء الثالث، طبع دار إحياء التراث العربي.

إيذاؤه أبا ذرّ الغفاري

ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان، إيذاؤه أبا ذرّ ونفيه إلى الشام، لكنّ أبا ذر لم يسكت، بل كان يتكلّم في مظالم عثمان ومآثم معاوية بن أبي سفيان، عامله على الشام، فكتب معاوية إلى عثمان يخبره عن كلام أبي ذرّ، فطلبه عثمان واستردّه إلى المدينة، فلما وصل إليها، نفاه إلى الرَّبذة مع عياله، فبقي هناك حتّى وافاه الأجل، فمات مقهوراً، مغلوباً على أمره، وخلّف ابنته الوحيدة فريدة من غير وال

٤٥٣

وحامٍ في ذلك المكان الموحش.

وذكر إساءة عثمان وإيذاؤه لأبي ذرّ، صحابي رسول الله كثيرٌ من أعلامكم، منهم: ابن سعد في طبقاته ٤/١٦٨، والبخاري في صحيحه في كتاب الزكاة.

وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/٥٤ - ٥٨، واليعقوبي في تاريخه ٢/١٤٨، والمسعودي في مروج الذهب ١/٤٣٨، وغيرهم من المؤرّخين فقد ذكروا تفصيل معاملة عثمان السيّئة، وكذلك عمّاله المجرمين وإساءتهم لأبي ذرّ الطيّب الصادق، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

حتّى إنّ عثمان أهان الإمام عليّاًعليه‌السلام لأنّه شايع أبا ذرّ حين تبعيده إلى الربذة، فخرج لتوديعه مع الحسنينعليه‌السلام ، وذكروا كذلك أنّ عثمان ضرب عبد الله بن مسعود أربعين سوطاً لأنّه تولّى دفنَ أبي ذرّ عليه الرحمة(١) .

____________________

١) قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج ٣/٤٤ ط. بيروت دار إحياء التراث العربي:

و قد روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القُرطي، أنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطاً في دفنه أبا ذرّ! و هذه قصّة أخرى، و ذلك أنّ أبا ذرّ رحمه الله تعالى، لمـّا حضرته الوفاة بالرَّبذة، و ليس معه إلّا امرأته و غلامُه، عَهِد إليهما أن غسِّلاني ثمّ كفّناني، ثمّ ضعاني على قارعة الطريق، فأوّل ركب يمرّون بكم قولا لهم هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأعينونا على دفنه، فلمّا مات فعلا ذلك.

و أقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين، فلم يرعْهُم إلّا الجنازة على قارعة الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فقام إليهم العبد، فقال: هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعينونا على دفنه.

فأنهلّ ابن مسعود باكياً، و قال صدق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال تمشي وحدك، و تموت وحدك، و تُبعث وحدك.

ثمّ نزل هو و أصحابه فواروْه.

«المترجم»

٤٥٤

الحافظ: إيذاء أبي ذرّ عليه الرحمة ونفيه لم يصدر من عثمان، وإنّما كان بأمر بعض عمّاله ومن غير علمه، وإلّا فإنّ عثمان أجلّ من هذه الأعمال، والمشهور أنّه كان رحيماً شفيقاً يحمل بين جنبيه قلباً رقيقاً.

قلت: إنّ كلامك هذا خلاف الواقع، وقد صدر من غير تحقيق، فإنّ التاريخ يؤكِّد أنّ الأوامر الصادرة في تبعيد أبي ذر إنّما كانت من نفس عثمان إلى عماله، وهم قاموا بكلّ ما فعلوا، تنفيذاً لأوامره!

وإذا أردت أن تعرف حقيقة الأمر، فراجع تاريخ اليعقوبي ١/٢٤١، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٣/٥٥، وغيرهما، فقد سجّلوا كتاب عثمان إلى معاوية - وهو عامله على الشام - فقد كتب فيه: أمّا بعد فاحمل جندباً إليَّ على أغلظ مركب وأو عره.

فوجّه به مع مَن سار به الليل والنهار، وحمله على شارف ليس عليها إلّا قتب، حتّى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.

فبالله عليكم أنصفوا! هل هذا معنى الرحمة والرَّأفة مع شيخ كبير طاعن في السنّ كأبي ذرّ رحمة الله تعالى!!(١) .

____________________

١) كان أبو ذرّ عليه الرحمة رجلاً صريحاً يجهر بالحقّ ولا يسكت على الباطل. فكان ينكر على عثمان تصرّفه في بيت المال وإعطاءه أموال المسلمين لمن لا يستحقّ، فكان يتلو قول الله تعالى:( ...وَ الَّذِينَ يَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‌ ) (سورة التوبة، الآية ٣٤) فأرسل عثمان نائلاً مولاه إلى أبي ذرّ: أن انته عمّاً يبلغني عنك!

فقال: أينهاني عثمان عن تلاوة كتاب الله، وعَيْبِ مَن تَرَكَ أمرَ الله! فوالله لئن اُرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أن أسخط اللهَ برضاه. =

٤٥٥

ولا أدري لِمَ استحقّ هذا الرجل الكريم ذلك الظلم العظيم؟!

وكيف نسي عثمان منزلة أبي ذرّ ورتبته السامية عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وكيف نسي حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه حين أعلمَ المسلمين فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله أمرني بحبّ أربعة، وأخبرني أنّه يحبّهم.

قالوا: يا رسول الله! ومَن هم؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ منهم - ثلاثاً - ثمّ قال: وأبو ذرّ ومقداد وسلمان.

ذكر هذا الحديث من أعلامكم، منهم: الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ١/١٧٢، وابن ماجة في السنن ١/٦٦، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة: الباب ٥٩، وابن حجر المكّي في «الصواعق المحرقة» الحديث الخامس من الأربعين حديثاً في فضل الإمام عليّعليه‌السلام عن الترمذي والحاكم، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ٣/٤٥٥،

____________________

=

فأغضب عثمان ذلك، ونفاه إلى الشام، فكان ابوذرّ في الشام، ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذرّ: إنْ كانت هذه من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإنْ كانت صلة فلا حاجة لي فيها، وردّها عليه.

وبنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذرّ: يا معاوية، إنْ كانت هذه من مال الله فهي الخيانة وإنْ كانت من مالك فهو الإسراف.

قال ابن ابي الحديد في ٣/٥٥: و كان أبو ذرّ يقول و الله حدثتْ أعمال ما أعرفها و الله ما هي في كتاب الله و لا سُنّة نبيّه و الله إنّي لأرى حقّا يُطفأ و باطلاً يُحيا و صادقاً مكذّباً و أثرةً بغير تقىً و صالحاً مستأثراً عليه.. إلى آخره.

«المترجم»

٤٥٦

والترمذي في صحيحه ٢/٢١٣، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢/٥٥٧، والحاكم في المستدرك ٣/١٣٠، والسيوطي في «الجامع الصغير» وغير هؤلاء من علماؤكم الموثوقين لديكم.

فهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يعذر عثمان؟! هل يعذره في تلك المعاملات السيّئة التي عامل بها حبيبه وصاحبه أبا ذرّ الذي أمره الله تعالى بحبه؟!!

هل هذه الأعمال البربرية، تصدر من ذي رحمة ورأفة، أم ذي صلابة وقسوة؟!!

الحافظ: إنّما لاقى أبو ذر عقاب أعماله! لأنّه كان في الشام يدعو الناس لعليٍّ كرّم الله وجهه، وكان يقول علانية: بأنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «عليٌّ خليفتي فيكم» فكان يعرّض بعثمان والشيخين، بأنّهم غصبوا الخلافة من عليّ بن أبي طالب، فكان بهذه الكلمات يوقع الخلاف بين المسلمين في الشام، فيشتّت آراءهم بعد أن كانوا على رأي واحد، والخليفة المسؤول على حفظ الدين ووحدة الكلمة واتّحاد المسلمين، ولم يكن بُدٌّ لعثمان من طلب إرجاعه إلى المدينة، ليجعله تحت نظره ويراقب أمره.

قلت:

أوّلاً: كان في المدينة تحت نظره ولكن أبعده إلى الشام ثمّ استردّه إلى المدينة!

ثانياً: وهل الإسلام يخالف بيان الحقّ؟!

وهل من العدل والدين أنّ مَن صدع بالحقّ يجب أن ينفى ويُعذّب حتّى يموت صبراً؟!!

٤٥٧

ثالثاً: وعلى فرض أن يكون من حقّ الخليفة أن يجعل من يحبّ تحت نظره ويراقب أموره، فهل من حقّه أيضاً أن يصدر حكماً قاسياً في حقّ المتّهم، قبل أن يراه ويحاكمه ويسمع كلامه ودفاعه عن نفسه؟!

وهل يسمح الدين القويم والعقل السليم للخليفة، أو لأيّ حاكم، أن يحكم على متّهم - قبل ثبوت الجرم - وهو شيخ كبير مسنّ ضعيف نحيف، بحكم لا يطيقه ولا يتحمّله؟! كما حكم عثمان وأمر في كتابه لمعاوية: أن احمل جندباً - يعني: أبا ذرّ - على أغلظ مركب وأوعره من غير قتب!! فلما وصل المدينة تساقط لحم فخذيه من الجهد.

فهل هذا بحكم العدل والرحمة؟! وهل هذا من المروءة والرأفة؟!!

وإذا كان عثمان يريد وحدة الكلمة واتّحاد المسلمين فقام بتبعيد أبي ذرّ رحمه الله تعالى لكي لا تُشقّ عصا المسلمين، فلماذا اختلف المسلمون على عهده وانشقّت عصاهم، وثاروا على عثمان وقتلوه؟!!

فالمنصف المحقّق يعرف إنّما اختلف المسلمون وثاروا على عثمان وخلعوه، بسبب ارتكابه تلك الأعمال المخالفة للإسلام والعرف!

وإذا كان الخليفة كما تزعمون، حريصاً على وحدة الكلمة واتّحاد المسلمين، فكان يجب عليه أن يُلبِّي طلبات الثائرين، وكلّها كانت اُموراً شرعية وعرفية، ومن أهمّها أنّهم كانوا يطالبوه بعزل بعض عمّاله المفسدين الظالمين، وإبعاد حاشيته، أمثال: مروان طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والوليد بن عقبة الفاسق، ومعاوية الفاجر، الّذين لُعنوا في القرآن الكريم وعلى لسان النبيّ العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الحافظ: من أين نعرف أنّ أبا ذر كان صادقاً، وبالحقّ ناطقاً،

٤٥٨

فنحن نقول: إنّه كان يجعل الأحاديث على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كما أنتم تقولون في أبي هريرة!

أبو ذر أصدق الناس

إنّي أستغرب كلامك، فكأنّك لم تطالع تاريخ أبي ذر رحمه الله ولو لمرّة واحدة، وإلّا ما كنت تتكلّم بهذا الكلام الواهي، فإنّ كلامك هذا يناقض كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويخالف حديثه الشريف في حقّ أبي ذرّ إذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أقلّت الغبراء وما أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

وهذا حديث مشهور، نقله أعلامكم ومحدّثوكم، منهم: محمد بن سعد في طبقاته ٤/١٦٧ و ١٦٨، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ١/٤٨ باب جندب، والترمذي في صحيحه ٢/٢٢١، والحاكم في المستدرك ٣/٣٤٢، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ٣/٦٢٢، والمتّقي الهندي في كنز العمّال ٦/١٦٩، والإمام أحمد في المسند ٢/١٦٣ و ١٧٥، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/٥٦ ط. بيروت - دار إحياء التراث العربي، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، وفي كتاب «لسان العرب» وكتاب «ينابيع المودّة» فقد روَوْهُ بأسانيد كثيرة وطرق عديدة.

بناءً على هذا الحديث الشريف، لا يحقّ لكم أن تنسبوا الكذب لأبي ذرّ رحمه الله تعالى، لأنّ تكذيبه يكون تكذيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو كفر!

ولذلك، فنحن نعتقد أنّ كلّ ما أعلنه أبو ذر صدق محض، وحقّ

٤٥٩

بحت، وليس لنا ولكم إلّا التصديق والقبول.

وبناءً على الحديث الآخر الذي رويته لكم قبل هذا، عن أعلامكم وطرقكم، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنّ الله تعالى أمرني بحبّ أربعة كان أبو ذر أحدهم، ومن الواضح أنّ الله سبحانه لا يأمر نبيّه بحبّ رجل كاذب يجعل الحديث وينسبه الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والعياذ بالله!

ثمّ أقول: لو كانَ لَبانَ، أي: لو كان أبو ذرّ كاذباً لكان علماؤكم بيّنوا أكاذيبه وأعلنوا كذبه، كما بيّنوا أباطيل أبي هريرة وأكاذيبه.

بالله عليكم فكّروا في هذه الحقائق وأنصفوا!

هل من الحقّ والعدل والرحمة والرأفة: أنّ رجلاً من خواصّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن المقرّبين لديه، والذي حبُّه فرض من الله عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أصدق الاُمّة، بل أصدق إنسان على وجه الغبراء وتحت السماء، يُعامَل تلك المعاملة السيّئة، فيعذّب وينفى إلى صحراء قاحلة، فيموت فيها جوعاً وعطشاً!! لأنّه عمل بواجبه فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصدع بالحق وأعلن الحقيقة؟!!

والجدير بالذكر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بابتلائه ومصابه في الله تعالى، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء ١/١٦٢ بإسناده عن أبي ذرّ الغفاري أنّه قال: كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء من بعدي.

قلت: في الله؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : في الله.

قلت: مرحباً بأمر الله.

٤٦٠