مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252373
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252373 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كتاب «الجمع بين الصحيحين» نقل عن عمر بن الخطّاب أنّه قال بعد يوم الحديبية: ما شككت في نبوّة محمّد قط كشكّي يوم الحديبية.

فسياق الكلام يقتضي أنّه شكّ في هذا الأمر كراراً، ولكن شكّه يوم الحديبية كان أقوى وأشدّ.

النوّاب: لو سمحت، بيّن لنا ما كان سبب شكّ الفاروق في الحديبية؟ وما الذي جرى هناك حتّى وقع عمر منه في شكّ؟!

قلت: شرح القضية بالتفصيل يحتاج إلى وقت كثير، لكن ملخّصه.

شك عمر في نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في ما يرى النائم، أنّه دخل مكّة مع أصحابه واعتمروا.

فلمّا أصبح حدّث الأصحاب برؤياه، فسأله الأصحاب عن

____________________

= ووجدت مصادر كثيرة لأعلام القوم، تنقل قول عمر، بهذه العبارة التالية أو غيرها: «ما شككت منذ أسلمت إلّا يومئذ إلى آخره» منها تاريخ الطبري ٢/٧٨ و ٧٩، والرياض النضرة ١/٣٧٢، عمر بن الخطّاب - للاُستاذ عبدالكريم الخطيب -: ٦٣، تاريخ الخلفاء للسيوطي -: ٤٣، السيرة النبوية - لابن هشام - ٣/٣٣١، الإمام علي - لعبد الفتاح عبد المقصود - ١/١٦٥، تفسير الخازن ٤/١٥٧، تفسير ابن كثير ٤/١٩٦، السيرة الحلبية ٣/١٩، الملل والنحل - للشهرستاني - ١/٥٧، صحيح البخاري - مشكول - ٣/١٩٠، عيون الأثر ٢/١١٩، تاريخ الاسلام السياسي ١/٢٤٦، كنز العمّال ٢/٥٢٧.

«المترجم»

٤٨١

تأويلها وتعبيرها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ندخل مكّة إن شاء الله ونعتمر» ولم يعيّن وقتاً للدخول إليها.

ثمّ تهيّأ مع الأصحاب للسفر إلى مكّة وأداء العمرة، فلما وصل الحديبية - وهي بئر بالقرب من مكّة على حدود الحرم -، علمت قريش بمجيء النبيّ والمسلمين، فخرجوا مسلّحين ليمنعوهم من الدخول.

والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يقصد من سفره إلّا زيارة البيت الحرام وأداء العمرة ولم ينو الحرب والقتال، لذلك لمـّا بعث المشركون من قريش وفداً للمفاوضة، استقبلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاوضهم وكتب معهم صلحاً اشتهر بصلح الحديبية، على أن يرجع النبيّ والمسلمون في ذلك العام ثمّ يأتون في العام القابل، ليؤدّوا مناسكهم ويعتمروا، من غير مانع إلى آخر الشروط.

فلما وقّع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك شكّ عمر بن الخطّاب في نبوّة سيّد المرسلين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: النبيّ لا يكذب، أما قُلْتَ: ندخل مكة ونأتي بالمناسك معتمرين؟! فلماذا صالحتهم على الرجوع ولم تدخل مكة؟!

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : لكنّي ما عيّنت وقتاً، فهل قلت، ندخل مكّة في هذا العام؟!

قال عمر: لا.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقول مؤكّداً: ندخل مكّة إن شاء الله، ورؤياي تتحقّق بإذن الله تعالى.

فنزل جبرئيل بالآية الكريمة مؤكّداً أيضاً:( لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَکُمْ

٤٨٢

وَ مُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ ) إلى آخرها(١) .

فهذا ملخّص صلح الحديبية وكيفيّة شكّ عمر بن الخطّاب بنبوّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان هذا الأمر امتحاناً للمسلمين ليمتاز الثابت عن المتزلزل، والمتيقّن عن الشاكّ والمرتاب.

هل يستمر الحوار؟

لمـّا وصل الحديث إلى هنا، نظر بعض العلماء إلى ساعته وقال: أخذنا الحديث كلّ مأخذ، وانقضى من الليل نصفه أو أكثر، لذا نترك متابعة الموضوع والحديث إلى الليلة القابلة إن شاء الله.

الحافظ: لقد سررنا بلقياكم، وفرحنا بمجالسكم، وانجذبنا إلى حديثكم، فانقادت مسامعنا بل قلوبنا أيضاً إلى كلامكم القويم، وبيانكم الرصين، وبقي عندنا كلام كثير ما أبديناه لضيق الوقت، وعدم المجال، فتؤجّله إلى وقت آخر، وسفر آخر إن شاء الله، فإنّنا نريد أن رجع إلى الوطن [أفغانستان] فإنّ لنا هناك أعمالاً وأشغالاً كثيرة قد تعطّلت وأموراً تأخّرت، وإنّ لنا هناك مهامّاً تفوتنا إنْ لم نحضر.

لذا أرجو أن تتفضّل علينا وتأتي إلى بلادنا، فنقوم بضيافتكم، ونستمرّ في البحث والحوار معكم، لعلّنا نصل إلى نتيجة فيها رضا الله سبحانه.

النوَّاب - متوجهاً إلى الحافظ قائلاً -: نحن لا ندعك أن ترجع

____________________

١) سورة الفتح، الآية ٢٧.

٤٨٣

إلى بلادك حتّى نصل إلى نتيجة قطعية مع السيد المبجَّل، لأنّكم كنتم تقولون لنا إنّ الرفضة [الشيعة] ليسوا أهل بحث ومناقشة، ولا أهل عقل ومنطق، لأنّهم لا يملكون أدلّة وبراهين في إثبات عقائدهم، وإذا جلسوا معنا على طاولة النقاش والحوار سوف يتنازلون لدلائلنا وبراهيننا القاطعة.

ولكنّا على عكس ذلك، رأيناكم خاضعين أمام براهين السيد، مستسلمين لأدلته، ونحن كلّنا شهود.

فالرجاء منكم، أن تبقوا عندنا، وتستمرّوا في المناظرة والحوار حتّى يتبين الحقّ وتظهر الحقيقة، فحينئذ نختار لأنفسنا المذهب الحقّ الثابت بدلائل القرآن الحكيم والعقل السليم.

الحافظ: نحن ما خضعنا ولا استسلمنا لأدلّة السيد، وإنّما سكتنا لنستفيد من بيانه العذب وحديثه الطيّب فإنّه خطيب عجيب، ذو سحر في البيان، وطلاقة في اللسان، فاستمعنا حلاوة كلامه، وذُهِلنا لسحر بيانه، وانجذبنا لعذوبة لسانه، فقد راعينا الأدب في حقّه، وما أردنا أن يتأذّى ضيفنا العزيز، وإلّا فإنّا بَعدُ لم ندخل في صلب المواضيع الأساسية، وإذا أردنا أن نقيم الدليل والبرهان، لَثبتَ لكم أنّ الحقّ معنا.

النوّاب: أمّا نحن فإلى هذه الساعة لم نسمع منكم كلاماً مستدلاً وحديثاً مستنداً إلى العقل السليم والقرآن الكريم.

وأمّا كلام مولانا السيد فكلّه مستند إلى كتاب الله وأحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المرويّة في كتب علمائنا.

فإذا كانت عندكم أدلّة وبراهين تنقض كلام مولانا السيد فأتوا

٤٨٤

بها، وإلّا فإنّي أقول لكم بصراحة: إنّ هذه المحاورات والمناظرات قد انتشرت في الصحف والمجلّات، وأوقعت الشكّ والترديد في نفوس أكثر أهل السُنّة والجماعة، في هذا البلد.

فإذا لم تظهروا الحقّ، ولم تعلنوا الحقيقة التي يريدها الله تعالى من عباده، فإنّكم مسؤولون أما الله سبحانه وأما صاحب الشريعة المقدّسة، النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

على أثر هذا الكلام امتقع لون الحافظ وتغيّر وجهه، وقد ظهر أثر الفشل والخجل على وجوه علماء القوم، فكان الحافظ ينظر إليَّ تارة وينظر إلى الأرض اُخرى، ثمّ توجّه إلى النَّواب قائلاً:

أرجو أن تراعوا جانب الضيف الكريم فإنّه كان يريد السفر إلى خراسان لزيارة علي بن موسى الرضا، ولكنّه تفضّل علينا بتأخير سفره، فلا يجوز لنا أن نأخّره أكثر من هذا.

قلت: إنّني أشكر ألطافكم وإحساسكم، صحيح أنّي كنت عازماً على السفر والزيارة، وأخّرت سفري لأجلكم، ولكنّي فرحت بتأخير سفري، إذ عملت بواجبي، وخدمت الدين والمجتمع في كشف الحقيقة وإثبات الحقّ من خلال مناظرتي وحواري معكم، وفي حضور هؤلاء الطيّبين الكرام، فعرفوا الحقّ أحسن من ذي قبل.

وإنّني مستعدّ لأبقى معكم وأستفيد من مجالستكم سنة أو أكثر حتّى ينكشف الحقّ.

ولكنّي خجل من مضيّفي الكريم الأستاذ الميرزا يعقوب علي خان، فقد أتعبتُهُ في هذه المدّة كثيراً.

وإذا بالميرزا يعقوب علي خان وإخوانه - ذي الفقار علي خان،

٤٨٥

وعدالت علي خان، وكلّهم من شخصيات قزلباش - أجابوا قائلين: يا مولانا السيد ما كنّا نتوقّع منكم هذا الكلام، فإنّ بيوتنا كلّها بيوتك، ونحن نفتخر بخدمتك، ونتشرف بإقامتك عندنا.

ثمّ تقدّم السيد محمد شاه - وهو من أشراف «پيشاور» وأعيانها - وكذلك السيّد عديل أختر - وهو من علماء الشيعة في «پيشاور» - فقالوا: نحن نرجو من سماحتكم أن ينتقل هذا المجلس إلى بيوتنا حتّى نحظى بخدمتكم ونتشرّف ونفتخر بوجودكم عندنا.

فقال الميرزا يعقوب علي خان: لا يمكن ذلك أبداً، بل مادام مولانا في «بيشاور»، وهذا المجلس مستمرّ في الانعقاد، فبيتي محلّه ومستقره.

قلت: أشكر الجميع، وبالأخصّ صاحب البيت الاُستاذ الكريم الميرزا يعقوب علي خان المحترم.

الحافظ - بعدما هدأ المجلس - قال: وأنا أنزل عند رغبة الاُستاذ النَّواب والإخوة الحاضرين واُؤجّل سفري وإنْ كانت عندي مهامٌّ وأعمالٌ معطّلة في أفغانستان، ولكن أرجو أن ينتقل مجلسنا هذا في الليالي القابلة إلى البيت الذي نحن فيه، مراعاةً للعدالة، ورعايةً لأهل هذا البيت الكريم، فإنّهم تعبوا كثيراً، وأثقلنا عليهم كثيراً.

قلت: لا مانع لديّ من ذلك، ولا اُصرّ على أن يكون المجلس في هذا البيت فقط، إلّا أنّ هذا البيت فقط، إلّا أنّ هذا البيت واسع بحيث يضم الجمع الغفير الذي يحضر كلّ ليلة، وإنّ وسائل الضيافة والتكريم متوفّرة عندهم، فالإختيار إليكم، وأمّا أنا فأينما يتعقد المجلس أحضر إن شاءَ الله تعالى.

٤٨٦

الميرزا يعقوب علي خان: أظنّ أنّ الحافظ لا يعرف عادات ورسوم قبيلة قزلباش، ولكن أهل البلد يعرفون ويعلمون بأنّ قبيلتنا يحبّون الضيف ويفرحون به، ويفتخرون بخدمته وخاصّة إذا كان الضيوف علماء ومشايخ وسادة، مثل فضيلة مولانا السيد سلطان الواعظين، ومثل سماحة الحافظ، وحضرات العلماء الحاضرين، والإخوة الأعزّة المحترمين من كلّ الطبقات والأصناف، فأهلاً بكم ومرحباً في كلّ يوم.

الحافظ: أشكركم جميعاً وأستودعكم الله، وإلى اللقاء في الليلة الآتية إن شاء الله تعالى.

٤٨٧

٤٨٨

المجلس السابع

ليلة الخميس ٢٩/ رجب / ١٣٤٥ هجرية

في أوّل الليل حضر القوم مع علمائهم وبعد السلام والترحيب استقرّوا في مجلسهم وشربوا الشاي افتتح السيّد عبد الحيّ الحديث، فقال: سيدنا الجليل! في مجلسٍ سابق تحدّثتَ عن موضوعٍ، ولمـّا طالبك فضيلة الحافظ محمد رشيد بالدليل، ذهبت بالكلام إلى موضوع آخر وتناسيت طلب الحافظ.

قلت: أرجو أن تتفضّلوا بتوضيح الموضوع، حتّى أبيّن لكم الدليل.

السيّد عبد الحيّ: لقد سبق أن قلتم بأنّ سيّدنا علياً (كرم الله وجهه) كان في اتّحادٍ نفسيّ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهذا تعتقدون بأنّ الإمام عليّاً أفضل من جميع الأنبياء سوى النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت: نعم، هذا معتقدنا.

السيّد عبد الحيّ: ما هو دليلكم على هذا المعتقد؟

وكيف يمكن اتّحاد شخصين حتى يصبحا نفساً واحدة؟!!

٤٨٩

هذا ما طلبه منكم، فضيلة الحافظ، ولم تجيبوا عنه بشيء.

قلت: نحن لا نعتقد بشيء من غير دليل، وقد قلت كراراً: نحن أبناء الدليل حيثما ما مال نميل، سأبين لكم دلائلنا من القرآن والحديث الشريف.

ولكن قبل ذلك أودّ أن أصرِّح بأنّ كلامكم (بأنّي تناسيت طلب الحافظ محمد رشيد، وذهبت بالكلام إلى موضوع آخر) ما هو إلّا سوء الظنّ منكم بالنسبة إليَّ، وإلّا كلّنا يعلم بأنّ البحث أحياناً يأخذ بزماننا ويجرّنا إلى موضوع آخر، كما قيل قديماً: الكلام يجرّ الكلام.

السيّد عبد الحيّ: إنّني أعتذر من سوء التعبير، وأرجو العفو والسماح.

عليعليه‌السلام نفسَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قلت: اتّحاد شخصين بالمعنى الحقيقي غير ممكن ومحال عقلاً، ونحن إنّما نقول باتّحاد نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفس الإمام عليّعليه‌السلام مجازاً.

وبيان ذلك: إن المحبّة والمودّة بين شخصين إذا وصلت أعلى مراتبها بحيث تصبح رغباتهم واحد، وجميع الأمور المتعلّقة بالنفس والصادرة عنها تصبح واحدة أو متشابهة ومتماثلة، يعبّر عن النفسين بالنفس الواحدة مجازاً(١) .

____________________

١) لقد نقل أبي الحديد شرح نهج البلاغة: ١٠/٢٢١ ط دار إحياء التراث العربي - بيروت، نقل كلاماً لأبي جعفر النقيب، وقد رأيته مناسباً للمقام فأنقله هنا تعميماً للفائدة:< =

٤٩٠

وجاء هذا المعنى في كلمات بعض الأولياء، وفي أشعار بعض الفصحاء والبلغاء.

____________________

= قال في تشابه أخلاق الإمام عليّعليه‌السلام بأخلاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انظروا إلى أخلاقها وخصائصهما، هذا شجاع وهذا شجاع، هذا فصيح وهذا فصيح، هذا سخي جواد وهذا سخي جواد، هذا عالم بالشرائع والأمور الإلهية وهذا عالم بالفقه والشريعة والأمور الإلهية الدقيقة الغامضة، هذا زاهد في الدنيا غير نَهم ولا مستكثر منها، وهذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتّع بلذّاتها، هذا مذيب نفسه في الصلاة والعبادة، وهذا مثله، وهذا غير محبَّب إليه شيء من الأمور العاجلة إلّا النساء وهذا مثله، وهذا ابن عبد المطّلب بن هاشم وهذا في قعدده (القعدد: القريب الآباء من الجدّ الأعلى) وأبواهما أخوان لأمّ ولأب واحد دون غيرهما من بني عبد المطّلب.

ورُبّيَ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر والد هذا، وهذا أبو طالب فكان جارياً عنده مجرى أحد أولاده،ن ثمّ لمـّا شبّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكبر استخلصه من بني أبي طالب وهو غلام، فربّاه في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به، فامتزج الخُلُقان وتماثلت السجيّتان.

وإذا كان القرين مقتدياً بالقرين، فما ظنُّكَ بالتربية والتثقيف الدائم؟!

فواجب أن تكون أخلاق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كأخلاق أبي طالب، وتكون أخلاق عليٍّعليه‌السلام كأخلاق أبي طالب أبيه ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله مربّيه، وأن يكون الكلّ شيمة واحدة وسوساً (سوساً واحداً: أصلاً واحداً) واحداً وطينة مشتركة، ونفساً غير منقسمة ولا متجزّئة، وألّا يكون بين بعضِ هؤلاء وبعضٍ فرقٌ ولا فضل، لولا أنّ الله تعالى اختصّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله برسالته واصطفاه لوحيه، لمـّا يعلمه من مصالح البريّة في ذلك، ومن أنّ اللطف به أكمل، والنفع بمكانه أتمّ وأعمّ، فامتاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك عمّن سواه وبقي ما عدا الرسالة على أمر الإتحاد، وإلى هذا المعنى أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي» فأبان نفسه منه النبوّة، وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركاً بينهما.

«المترجم»

١) القعدد: القريب الآباء من الجدّ الأعلى.

٢) سوساً واحداً: أصلاً واحداً.

٤٩١

كما نجد في الديوان المنسوب إلى الإمام عليّعليه‌السلام :

هموم الرجال في أمور كثيرة

وهمّي في الدنيا صديقٌ مساعدُ

يكون كروح بين جسمين قُسّمت

فجسمهما جسمان والروح واحدُ

ولبعض الشعراء:

أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا

نحنُ روحان حللنا بَدَنا

فإذا أبْصَرْتَني أبْصَرْتَه

وإذا أبْصَرَتَه كان أنا

روحُهُ روحي وروحي روحُه

مَن رأى روحيْن حلّا بدنا؟!

فاتّحاد نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وتعبيرنا بذلك إنّما كان مجازاً لا حقيقة، والمراد أنّ رغبتهما كانت واحدة ونفسيّاتهما كانت متماثلة، وكانا متشابهين في الفضائل النفسية والكمالات الروحية، إلّا ما خرج بالنصّ والدليل.

الحافظ: إذاً أنتم تقولون بأنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّاً (كرم الله وجهه) كانا نبيّين، ولعلّكم تعتقدون بأنّ الوحي نزل عليهما معاً!!

قلت: هذه مغالطة بيّنة منكم، ونحن الشيعة لا نعتقد بهذا، وما كنت أتوقّع منكم أن تكرّروا ما طرحتم من قبل، حتّى أكرّر جوابي، فيصبح مجلس التفاهم والحوار مجلس جدل وتكرار، فيضيع وقت الحاضرين الّذين جاؤا ليستفيدوا من حديثنا وحوارنا، ويعرفوا الحقّ فيتّبعوه.

وقد قلتُ: بأنّا نعتقد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و الإمام عليّاًعليه‌السلام متّحدان، أي متشابهان في جميع الفضائل النفسية، ومتمثلان في الكمالات

٤٩٢

الروحيّة، إلّا ما خرج بالنصّ والدليل، وهو مقام النبوّة الخاصّة وشرائطها، التي منها نزل الوحي عليه، فإنّ الوحي النبويّ خاصّ بحمّد المصطفى دون عليٍّ المرتضى، وقد بيّنا ذلك بالتفصيل ضمن حديثنا في الليالي الماضية، وإذا كنتم قد نسيتم ذلك فراجعوا الصحف التي نشرت تلك المحاورات!

لقد أثبتنا ضمن تفسير حديث المنزلة، أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام كان في مقام النبوّة [ وليس بنبي ] لكن كان تابعاً لشريعة سيّد المرسلين، ومطيعاً لخاتم النبيّين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا لم ينزل عليه وحيٌ بل نزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أنّ هارون كان نبيّاً في زمن موسى بن عمران إلّا أنّه كان تابعاً ومطيعاً لأخيه موسىعليه‌السلام .

الحافظ: لما كنتم تعتقدون بأنّ عليّاً يساوي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الفضائل والكمالات، فالنبوّة وشرائطها لازمة لتلك المساواة؟!

قلت: ربّما يتصوّر الإنسان ذلك من معنى المساواة؛ ولكن إذا فكّر بدقّة في التوضيح الذي قلناه يعرف أنّ الحق غير ما يتصوّره بادىء الأمر، وقد أوضحنا الموضوع في الليالي السابقة وبرهنّا عليه من القرآن الحكيم، فإنّ الله سبحانه يقول:( تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) (١) .

ولا شك أن أفضلهم هو أكملهم وخاتمهم الذي قال تعالى في شأنه:( مَا کَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِکُمْ وَ لٰکِنْ رَسُولَ الله وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٢) .

____________________

١) سورة البقرة، الآية ٢٥٣.

٢) سورة الأحزاب، الآية ٤٠.

٤٩٣

فالكمال الخاصّ بنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كان السبب في أنّ الله سبحانه يختم به النبوّة ورسالة السماء، وهذا الكمال الخاصٌّ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشاركه ولا يساويه فيه أحد، إلّا أنّ سائر كمالاته النفسية وفضائله الروحية قابلة للمشاركة والمشابهة، وكان عليٌّعليه‌السلام يشاركه ويماثله فيها.

السيّد عبد الحيّ: هل لكم دليل على ذلك من القرآن الكريم؟

الاستدلال بآية المباهلة

قلت: دليلنا من القرآن الكريم قوله تعالى:( فَمَنْ حَاجَّکَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَکُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَکُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ الله عَلَى الْکَاذِبِينَ‌ ) (١) .

إنّ كبار علمائكم، وأعلامكم من المحدّثين والمفسّرين، أمثال:

الإمام الفخر الرازي، في «التفسير الكبير».

و الإمام أبي إسحاق الثعلبي، في تفسير «كشف البيان».

وجلال الدين السيوطي، في «الدر المنثور».

والقاضي البيضاوي، في «أنوار التنزيل».

وجار الله الزمخشري، في تفسير «الكشّاف».

ومسلم بن الحجّاج في صحيحه.

وأبي الحسن، الفقيه الشافعي، المعروف بابن المغازلي في المناقب.

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ٦١.

٤٩٤

والحافظ أبي نعيم في «حلية الأولياء».

ونور الدين ابن الصبّاغ المالكي، في «الفصول المهمّة».

وشيخ الإسلام الحمويني، في «فرائد السمطين».

وأبي المؤيّد الموفّق الخوارزمي، في المناقب.

والشيخ سليمان الحنفي القندوزي، في «ينابيع المودة».

وسبط ابن الجوزي، في التذكرة.

ومحمد بن طلحة في «مطالب السؤول».

ومحمّد بن يوسف الكنجي القرشي الشافعي، في «كفاية الطالب».

وابن حجر المكّي، في «الصواعق المحرقة».

هؤلاء وغيرهم ذكروا مع اختلاف يسير في الألفاظ، والمعنى واحد، قالوا: إنّ الآية الكريمة نزلت يوم المباهلة وهو ٢٤ أو ٢٥ من ذي الحجّة الحرام.

تفصيل المباهلة

قالوا: دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصارى نجران إلى الإسلام، فأقبلت شخصيّاتهم وأعلامهم وعلماؤهم، وكان عددهم يربو على السبعين، ولمـّا وصلوا المدينة المنوّرة التقوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجالسوه كراراً وتناظروا معه، فسمعوا حديثه ودلائله على ما يدعوا إليه من التوحيد والنبوّة وسائر أحكام الإسلام، وما كان عندهم ردّ وجواب، ولكن حَلِيَت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، وخافوا إن أسلموا يفقدوا مقامهم ورئاستهم على قومهم.

٤٩٥

فلما رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لجاجهم وعنادهم، دعاهم إلى المباهلة حتّى يحكم الله بينهم ويفضح المعاند الكاذب، فقبلوا ولما جاءوا إلى الميعاد، وهو مكان في سفح جبل، وكان النصارى أكثر من سبعين، من علمائهم وساداتهم وكبرائهم، فنظروا وإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقبل مع رجل وامرأة وطفلين، فسألوا عنهم بعض الحاضرين، فلمّا عرفوا أنّ الرجل الذي مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صهره وابن عمّه علي بن أبي طالب، وهو وزيره، وأحبّ أهله إليه، والمرأة ابنتُهُ فاطمة الزهراء، والطفلين هما سبطاه الحسن والحسين.

قال لهم أكبر علمائهم: انظروا إلى محمّد! لقد جاء بصفوة أهله وأعزّهم عليه ليباهلنا بهم، وهذا إنّما يدلّ على يقينه واطمئنانه بحقّانيّته ورسالته السماوية، فليس من صالحنا أن نباهله، بل نصالحه بما يريد من الأموال ولولا خوفنا من قومنا ومن قيصر الروم، ولآمنّا بمحمّد وبدينه.

فوافقه قومه وقالوا: أنت سيّدنا المطاع.

فبعثوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم لا يباهلونه، بل يريدون المصالحة معه، فرضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمصالحة وأمر عليّاًعليه‌السلام فكتب كتاب الصلح بإملاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فصالحهمصلى‌الله‌عليه‌وآله على ألفَي حلّة فاخرة، ثمن الواحدة أربعون درهماً، وألف مثقال ذهب، وذكر بنوداً اُخرى.

فوقّع الطرفان على كتاب الصلح.

ولما اعترض النصارى على الأسقف الأعظم ومصالحته مع نبيّ الإسلام، أجابهم قائلاً: والله ما باهل نبيٌّ أهل ملّة إلّا نزل عليهم

٤٩٦

العذاب وماتوا عن آخرهم، وإنّي نظرت إلى وجوه أولئك الخمسة: محمّد وأهل بيته، فوجدت وجوهاً لو دعوا الله عز وجلّ باقتلاع الجبال وزوالها لانقلعت وانزالت.

الحافظ: هذا الخبر صحيح، ومنقول في كتبنا المعتبرة، ولا منكر له بين علمائنا، ولكن ما هو ارتباطه بسؤالنا عن دليل اتّحاد نفس عليّ (كرم الله وجهه) مع نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

قلت: ارتباط الخبر بالسؤال كلمة( أَنْفُسَنَا ) في الآية الكريمة.

أولاً: الآية تدلّ على أنّ علياً وفاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام هم أفضل الخلق وأشرفهم بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الله تبارك وتعالى، وهذا ما وصل إليه وصرّح به كثير من علمائكم، حتّى المتعصّبين منهم، مثل الزمخشري في تفسيره لآية المباهلة، فقد ذكر شرحاً وافياً عن الخمسة الطيّبين وكشف حقائق ودقائق مفيدة عن فضلهم ومقامهم عند الله سبحانه، حتى قال: إنّ هذه الآية الكريمة أكبر دليل وأقوى برهان على أفضليّة أصحاب الكساء على مَن سواهم.

ورأى البيضاوي والفخر الرازي في تفسير الآية قريب من رأي الزمخشري.

ثانياً: نستنبط من الآية الكريمة أنّ مولانا عليّ بن أبي طالب هو أفضل الخلق وأشرفهم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الله تعالى جعله نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا إنّ كلمة( أَنْفُسَنَا ) لا تعني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الدعوة منه لا تصحّ لنفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما الدعوة من الإنسان لغيره، فالمقصود من( أَنْفُسَنَا ) في الآية الكريمة هو سيّدنا وإمامنا عليّعليه‌السلام ، فكان بمنزلة نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولذا دعاه وجاء به إلى المباهلة، وذلك بأمر الله سبحانه.

٤٩٧

هذا جواب سؤالكم وارتباط الآية الكريمة بالموضوع.

فعليٌّعليه‌السلام هو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتعبير القرآن الكريم، وهو تعبير مجازي واتّحاد اعتباري لا حقيقي.

وقد قال الأصوليّون: حمل اللفظ على المعنى المجازي الأقرب أوْلى من حمله على الأبعد.

وفي ما نحن فيه، أقرب المعاني المجازيّة لاتّحاد النفسيْن تساويهما في جميع الأمور النفسية، وتماثلهما في جميع الصفات الكمالية اللازمة لها إلّا ما خرج بالدليل.

وقلنا: إنّ الخارج بالدليل والإجماع، عدم نزول الوحي على الإمام عليّعليه‌السلام ، وعدم تساويه مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في النبوّة الخاصة بهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الحافظ: لنا أن نقول بأنّ تعبير الآية:( نَدْعُو أَنْفُسَنَا ) تعبير مجازي، وادّعاؤكم في الاتّحاد النفسي المجازي لم يكن أوْلى و أقوى ممّا نقول نحن!

قلت: أرجوكم أن تتركوا المراء والجدال، ولا تضيّعوا وقت المجلس بالقيل والقال، فإنّ العلماء والعقلاء اتّفقوا على أنّ الأخذ بالمجاز الشائع أوْلى وأقوى من الأخذ بالمجاز غير الشائع.

والمجاز الذي نقول فيه بالموضوع هو المعنى الشائع له عند العرب والعجم، فكم من قائل لصاحبه: أنت روحي وأنت كنفسي! ولكي تطمئنّ قلوبكم لهذا المعنى، فإنّي أنقل لكم بعض الأحاديث النبويّة فيه

٤٩٨

شواهد من الأحاديث

الأخبار المرويّة والأحاديث النبويّة في هذا المعنى المجازي كثيرة ننقل نماذج منها:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ منّي وأنا منه، من أحبّه فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله.

أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في «المسند» وابن المغازلي في المناقب، والموفّق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، وآخرون غيرهم.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ منّي وأنا من عليّ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ.

أخرجه جماعة، منهم:ابن ماجه في السنن ١/٩٢، والترمذي في صحيحه، وابن حجر في الحديث السادس من الأربعين حديثاً التي رواها في مناقب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في كتابه (الصواعق) وقال: رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.

و الإمام أحمد في المسند ٤/١٦٤، و محمد بن يوسف الكنجي في الباب ٦٧ من «كفاية الطالب» نقله عن مسند ابن سماك، و «المعجم الكبير» للطبراني.

وأخرجه الإمام عبد الرحمن النسائي في كتابه «خصائص الإمام عليّعليه‌السلام ».

وأخرجه الشيخ سليمان القندوزي في الباب السابع من «ينابيع المودّة».

٤٩٩

وروى الأخير أيضا في الباب السابع عن عبد الله بن أحمد بن حنبل مسنداً، عن ابن عبّاس: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأمّ سلمة رضي الله عنها: عليٌّ منّي وأنا من عليّ، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، يا أمّ سلمة اسمعي واشهدي! هذا عليٌّ سيّد المسلمين.

وأخرج الحميدي في الجمع بين الصحيحين، وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليٌّ منّي وأنا منه، وعليٌ منّي بمنزلة الرأس من البدن، من أطاعه فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله.

وأخرج الطبري في تفسيره، والمير السيّد علي الهمداني الفقيه الشافعي في المودّة الثامنة من كتابه «مودّة القربى» إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إن الله تبارك وتعالى أيد هذا الدين بعليٍّ، وإنّه منّي وأنا منه، وفيه أنزل:( أَ فَمَنْ کَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ) (١) .

وخصّص الشيخ سليمان القندوزي في كتابه «ينابيع المودّة» باباً بعنوان:

الباب السابع: في بيان أنّ عليّاً (كرّم الله وجهه) كنفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديث: عليٌ منّي وأنا منه.

وأخرج فيه أربعة وعشرين حديثاً مسنداً - بطرق شتّى وألفاظ مختلفة لكن متّحدة المعنى - عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: عليٌّ منّي بمنزلة نفسي.

وفي أواخر الباب ينقل عن «المناقب» حديثاً يرويه عن جابر، أنّه

____________________

١) سورة هود، الآية ١٧.

٥٠٠