مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252438
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252438 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في علي بن أبي طالبعليه‌السلام خصالاً لو كانت واحدة منها في رجل كانت تكفي في شرفه وفضله، وهي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه.

وقوله: عليٌ منّي كهارون من موسى.

وقوله: عليٌّ منّي وأنا منه.

وقوله: عليٌّ منّي كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.

وقوله: حرب عليٍّ حرب الله، وسلم علي سلم الله.

وقوله: وليّ عليّ وليّ الله، وعدوّ عليّ عدوّ الله.

وقوله: عليٌّ حجة الله على عباده.

وقوله: حبّ عليّ إيمان وبغضه كفر.

وقوله: حزب عليّ حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله: عليٌّ مع الحقّ والحق معه لا يفترقان.

وقوله: عليٌّ قسيم الجنّة والنار.

وقوله: مَن فارق عليّاً فقد فارقني، ومَن فارقني فقد فارق الله.

وقوله: شيعة عليّ هم الفائزون يوم القيامة.

ويختم الباب بحديث آخر رواه عن المناقب أيضاً، جاء في آخره، أقسم بالله الذي بعثني بالنبوّة، وجعلني خير البريّة، إنّك لحجّة الله على خلقه، وأمينه على سرّه وخليفة الله على عباده.

أمثال هذه الأحاديث الشريفة كثيرة في صحاحكم ومسانيدكم المعتبرة، ولو نظرتم فيها بنظر الإنصاف لأذعنتم أنّها قرائن على المجاز الذي تقوله في اتّحاد نفس المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ المرتضىعليه‌السلام وهي

٥٠١

تؤيّد نظرنا أنّ كلمة( أَنْفُسَنَا ) في آية المباهلة دليل واضح على تقارب نفسَي النبيّ والوصي إلى حدّ التساوي في الكمالات الروحية والتماثل في الصفات النفسية.

فإذا ثبت هذا الأمر، فقد ثبت اعتقادنا بأفضليّة عليّعليه‌السلام وتقدّمه على الرسل والأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله ما عدا خاتم النبيّين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

استدلال آخر

جاء في الحديث النبويّ الشريف: علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل.

أخرجه جماعة من أعلامكم، منهم:

الإمام الغزالي في إحياء العلوم، وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» والفخر الرازي في تفسيره، وجار الله الزمخشري، والبيضاوي، والنيسابوري، في تفاسيرهم.

وجاء في رواية أخرى:

علماء أمّتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل.

فإذا كان علماء المسلمين الّذين أخذوا علمهم من منبع النبوّة ومدرسة الرسالة والقرآن الحكيم كأنبياء بني إسرائيل أو أفضل، فكيف بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي نصّ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: أنا مدينة العلم وعليّ بابها(١) ، وأنا مدينة الحكمة وعليٌّ بابها؟!

____________________

١) ألّف ابن الصدّيق المغربي - وهو من علماء العامة - كتاباً حول هذا الحديث وأسماه بـ «فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي» قال في مقدّمته: <=

٥٠٢

. . . . .

____________________

= وأمّا حديث باب العلم فلم أر مَن أفرده بالتأليف، وجّه إليه العناية بالتصنيف، فأفردت هذا الجزء لجمع طرقه، وترجيح قول من حكم بصحّته..

ورواه جمعٌ غفير من أعلام القوم منهم:

١- تاريخ بغداد: ٢ /٣٧٧ و٤/٣٤٨ و١١/٤٨ و٤٩ و٤٨٠.

٢- المعجم الكبير للطبراني: ١١/٦٥/ح ١١٠٦١.

٣- التدوين بذكر أهل العلم بقزوين:٣/٣.

٤- أحسن التقاسيم:١٢٧.

٥- تاريخ ابن عساكر: في ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام : ح رقم ٩٩٤ و٩٩٥.

٦- تاريخ جرجان: ٢٤ ط حيدر آباد.

٧- شواهد التنزيل:٨١.

٨- المفردات - للراغب -:٦٤.

٩- أُسد الغابة: ٤/٢٢.

١٠- الفائق في غريب الحديث: ١/٢٨.

١١- خصائص العشرة: ٩٨ ط بغداد.

١٢- فرائد السمطين: ١/ ٩٨.

١٣- تذكرة الحفاظ: ٤/٢٨ ط حيدر آباد.

١٤- البداية والنهاية: ٧/ ٣٥٨.

١٥- لباب الألباب في فضائل الخلفاء والأصحاب: فصل الأخبار المسندة في عليعليه‌السلام .

١٦- وسيلة المتعبّدين: ٢/ ١٦٤.

١٧ - بهجة النفوس: ٢/١٧٥ و٤/٢٤٣.

١٨- لمع الأدلّة - لابن الأنباري -:٤٦.

١٩- نهاية الأرب: ٢٠/ ٦.

٢٠- مجمع الزوائد: ٩/ ١١٤. =

٥٠٣

. . . . . ____________________

= ٢١- صبح الأعشى:١٠/٤٢٥.

٢٢- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ٧/ ٦٣١.

٢٣- تمييز الطيّب من الخبيث: ٤١.

٢٤- مناقب الخلفاء - لمقدسي الحنفي -.

٢٥- جمع الفوائد: ٣/٢٢١.

٢٦- سمط النجوم العوالي: ٤٩١.

٢٧- كشف الخفا: ح رقم ٦١٨.

٢٨- إتحاف السادة المتّقين: ٦/ ٢٤٤.

٢٩- الفتوحات الإسلامية ٢/٥١٠.

٣٠- تاريخ آل محمّد:٥٦.

٣١- مقاصد الطالب - للبرزنجي -.

٣٢- الفتح الكبير ٢/١٧٦ -١٧٧.

٣٣- شجرة النور الزكية ٢/٧١.

٣٤- جامع الأحاديث ٣/٢٣٧.

٣٥ - المستدرك - للحاكم -:٣/١٢٦ و١٢٧ و١٢٩.

٣٦- ميزان الاعتدال: ١/ح رقم ١٥٢٥.

٣٧- الجامع الصغير - للسيوطي: ١/٣٦٤ بالرقم ٢٧٠٥.

٣٨- منتخب كنز العمّال:٥/٣٠.

٣٩- ينابيع المودّة: الباب الرابع عشر.

٤٠- مناقب ابن المغازلي: ح رقم ١٢٠ الى ١٢٩.

٤١- وقد خصّص العلّامة الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثامن والخمسين، بعنوان «في تخصيص عليّعليه‌السلام بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» فذكر الحديث بإسناده من طرق شتّى بعبارات متعدّدة إلّا أنّها متّحدة المعنى.=

٥٠٤

وحلّ وقت العشاء، وبعدما صلّوا صلاة العشاء وانعقد المجلس، بدأت بالكلام قائلاً:

الإمام عليٌّعليه‌السلام جامع فضائل الأنبياء

لا شكّ أنّ أنبياء الله سبحانه وهم مَن أرسلهم وبعثهم لهداية عباده كانوا يتخلّقون بأجمل الأخلاق، وكانوا يتّصفون بأحمد الصفات، وكانوا يتزيّنون بأحسن الفضائل والخصال، إلّا أنّ كلاً منهم امتاز بصفة واشتهر بفضيلة حتّى امتاز بها عن الآخرين.

وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام جمع كلّ الفضائل التي امتاز بها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد شهد بذلك سيّد الرسل وخاتم النبيّين محمّد الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما جاء في مناقب الخوارزمي: ٤٩ و٢٤٥، والرياض النضرة ٢/٢١٧، وذخائر العقبى:٩٣ وغيرها، أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله - مع بعض الاختلافات اللفظية -: من أراد أن ينظر على آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى يحيى بن زكريّا في زهده وإلى موسى بن عمران

____________________

وبعده علّق عليه في آخر الباب تعليقاً قيّماً، وختم تعليقه بالسطور التالية:

فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل عليٍّعليه‌السلام ، وزيادة علمه وغزارته، وحدّة فهمه، وفور حكمته، وحسن قضاياه وصحّة فتواه، وقد كان ابو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونهم في الأحكام ويأخذون بقوله في النقض والإبرام، اعترافاً منهم بعلمه و وفور فضله ورجاحة عقله وصحّة حكمه، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير، لأنّ رتبته عند الله وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعند المؤمنين من عباده أجلّ وأعلى من ذلك. انتهى.

«المترجم»

٥٠٥

في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب.

ونقل الشيخ سليمان القندوزي في كتابه «ينابيع المودّة» الباب الأربعين، قال: أخرج أحمد بن حنبل في مسنده وأحمد البيهقي في صحيحه عن ابن الحمراء، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في عزمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

قال القندوزي: وقد نقل هذا الحديث في «شرح المواقف» و «الطريقة المحمّدية».

ونقله ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة: ١٢١ عن البيهقي أيضاً.

ونقله - مع بعض الاختلافات اللفظية - الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير، ذيل آية المباهلة.

ومحيي الدين ابن العربي في كتابه اليواقيت والجواهر، المبحث ٣٢: ١٧٢.

ونقله العلّامة الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» وخصّص له الباب الثالث والعشرين، ثمّ شرحه وعلّق عليه، وإليك ذلك:

روى بإسناده عن ابن عبّاس، قال: بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في جماعة من اصحابه إذ أقبل عليٌعليه‌السلام فلما بَصَرَ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من أراد منكم أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب.

وعلّق العلّامة الكنجي بقوله:

قلت: تشبيهه لعليٍّعليه‌السلام بآدم في علمه، لأنّ الله علّم آدم صفة

٥٠٦

كلّ شيء كما قال عزّ وجلّ:( وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا ) (١) فما من شيء ولا حادثة ولا واقعة إلّا وعند عليٍّعليه‌السلام فيها علم، وله في استنباط معناها فهم.

وشبّهه في نوح بحكمته - أو في رواية: في حكمه، وكأنّه أصحّ - لأنّ عليّاًعليه‌السلام كان شديداً على الكافرين رؤوفاً بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله:( وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (٢) وأخبر عزّ وجلّ عن شدّة نوحعليه‌السلام على الكافرين بقوله:( رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِينَ دَيَّاراً ) (٣) .

وشبّهه في الحلم بإبراهيمعليه‌السلام خليل الرحمن كما وصفه الله عزّ وجلّ بقوله:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ‌ ) (٤) فكانعليه‌السلام متخلّقاً بأخلاق الأنبياء، متّصفاً بصفات الأصفياء. انتهى.

وروى في الرياض النضرة ٢/٢١٨ عن ابن عباس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب.

قال: أخرجه الملّا في سيرته.

والملّا هو عمر بن خضر من كبار علمائكم، توفّي عام ٥٧٠.

وفي الرياض النضرة ٢/٢٠٢ قال: أخرج الملّا في سيرته، قيل: يا رسول الله! كيف يستطيع عليٌّعليه‌السلام أن يحمل لواء الحمد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكيف لا يستطيع ذلك وقد اُعطي خصالاً شتّى: صبراً كصبري، و حُسناً كحُسْنِ يوسف، وقوّةً

____________________

١) سورة البقرة، الآية ٣١.

٢) سورة الفتح، الآية ٢٩.

٣) سورة نوح، الآية ٢٦.

٤) سورة التوبة، الآية ١١٤.

٥٠٧

كقوّة جبريلعليه‌السلام .

وروى السيّد مير علي الهمداني في كتابه «مودّة القربى» المودّة الثامنة، قال: عن جابر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرائيل في جلالته، وإلى آدم في علمه، وإلى نوح في خشيته، وإلى إبراهيم في خُلَّته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيّوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في عبادته، وإلى يونس في ورعه، وإلى محمد في حَسَبِهِ وخُلقه، فلينظر إلى عليّ، فإنّ فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء، جمعها الله فيه ولم يجمعها في أحد غيره.

نقله الشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة ١/٣٠٤ الطبعة السابعة، سنة ١٣٨٤ هجرية ١٩٦٥ ميلادية.

قال: وعدّ ذلك في كتاب «جواهر الأخبار».

وإليك ما رواه كمال الدين القرشي محمد بن طلحة، في كتابه القيّم «مطالب السؤول في مناقب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله » الفصل السادس، ج ١/٦١، ط دار الكتب، قال:

ومن ذلك ما رواه الإمام البيهقي «رض» في كتابه المصنّف في فضائل الصحابة، يرفعه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب.

فقد أثبت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّعليه‌السلام بهذا الحديث، علماً يشبه علم

٥٠٨

آدم، وتقوىً تشبه تقوىً نوح، وحلماً يشبه حلم إبراهيم، وهيبة تشبه هيبة موسى، وعبادة تشبه عبادة عيسى، وفي هذا تصريح لعليّعليه‌السلام بعلمه وتقواه وحلمه وهيبته وعبادته، وتعلو هذه الصفات إلى أوج العُلا حيث شبّهها بهؤلاء الأنبياء المرسلينعليهم‌السلام من الصفات المذكورة والمناقب المعدودة.

مقايسته بالأنبياءعليهم‌السلام

لقد حدّثنا المؤرّخون والمحدّثون أنّهعليه‌السلام في آخر يوم من حياته الكريمة، حينما كان على فراش الموت والشهادة، حضر عنده جماعة من أصحابه لعيادته، وكان ممّن حضر صعصة بن صوحان، وهو من كبار الشيعة في الكوفة، وكان خطيباً بارعاً، ومتكلّماً لامعاً، وهو من الرواة الثقات حتّى عند أصحاب الصحاح الستّة وأصحاب المسانيد عندكم، فإنّهم يروون عنه ما ينقله الإمام عليّعليه‌السلام ، وقد ترجم له كثير من علمائكم مثل ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» وابن سعد في «الطبقات الكبرى» وابن قتيبة في «المعارف» وغيرهم، فكتبوا أنّه كان عالماً صادقاً، وملتزماً بالدين، ومن خاصّة أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام . في ذلك اليوم سأل صعصعةُ الإمامَ عليّاًعليه‌السلام قائلاً:

يا أمير المؤمنين! أخبرني أنت أفضل أم آدمعليه‌السلام ؟

فقال الإمامعليه‌السلام : يا صعصعة! تزكيةُ المرء نفسَه قبيحٌ، ولولا قول الله عزّ وجلّ:( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ‌ ) (١) ما أَجَبْتُ.

يا صعصعةُ! أنا أفضل من آدم، لأن الله تعالى أباحَ لآدم كلّ

____________________

١) سورة الضحى، الآية ١١.

٥٠٩

الطيّبات المتوفّرة في الجنّة ونهاه عن أكل الحنطة فحسب، ولكنّه عصى ربّه وأكل منها!

وأنا لم يمنعني ربّي من الطيّبات، وما نهاني عن أكل الحنطة فأعرضت عنها رغبةً وطوعاً.

[ كلامهعليه‌السلام كناية عن أنّ فضل الإنسان وكرامته عند الله عزّ وجلّ بالزهد في الدنيا وبالورع والتقوى، وأعلى مراتبه أن يجتنب الملاذّ ويُعرض عن الشهوات والطيّبات المباحة - من باب رياضة النفس - حتّى يتمكّن منها، ويمسك زمامها، فيسوقها في طريق الورع والتقوى(١) ].

فقال صعصعة: أنت أفضل أم نوح؟

فقالعليه‌السلام : أنا أفضل من نوح، لأنّه تحمّل ما تحمّل من قومه، ولما رأى منهم العناد دعا عليهم وما صبر على أذاهم، فقال:( رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) .

ولكنّي بعد حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تحمّلتُ أذى قومي وعنادهم، فظلموني كثيراً فصبرت وما دعوت عليهم(٣) .

____________________

١) قالعليه‌السلام في كتابه لعثمان بن حُنيف واليه على البصرة: وإنّما هي نفسي أُروِّضُها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق.

ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل، ولُباب هذا القمح، ونسائج هذا القَزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هوايَ و يقودنَي جَشعَي إلى تخيَّرِ الأطعمة.. إلى آخر مقاله الثمين.

٢) سورة نوح، الآية ٢٦.

٣) في الخطبة المعروفة بالشقشقية والمذكورة في «نهج البلاغة» يصف سلام الله عليه جانباً من الوضع الذي قاساه فصبر، قال:.. =

٥١٠

[ كلامهعليه‌السلام كناية عن أنّ أقربَ الخلق إلى الله سبحانه أصبرُهم على بلائه وأكثرُهم تحمّلاً من جهال زمانه سوءَ تصرفهم، وهو يقابلهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبحسن سلوكه وأخلاقه، قربةً على الله تعالى ].

فقال صعصعة: أنت أفضل أم إبراهيم؟

فقالعليه‌السلام : أنا أفضل، لأنّ إبراهيم قال:( رَبِّ أَرِنِي کَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَ لٰکِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (١) .

ولكنّي قلت وأقول: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً(٢) .

____________________

= وطفقتُ أرتئي بين أنْ أصولَ بيدٍ جذّاء، أو أصبَر على طَخية عمياء، يهرَم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذىّ، وفي الحلق شجاً، أرى تراثيَ نهباً إلى آخر خطبته البليغة.

«المترجم»

١) سورة البقرة، الآية ٢٦٠.

٢) جاء في كتاب «مطالب السؤول» لمحمد بن طلحة القرشي الشافعي ١/٨٩ ط دار الكتب، قال: وقد كان عليٌّعليه‌السلام منطوياً على يقين لا غاية لمداه، ولا نهاية لمنتهاه، وقد صرّح بذلك تصريحاً مبيناً، فقالعليه‌السلام : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً.. إلى آخره.

أقول: إعلم يرحمك الله سبحانه، أنّ اليقين على مراتب: علم اليقين، وحقّ اليقين و، وعين اليقين.

فلو شاهد إنسان دخاناً ولم يشاهد النار، علم يقيناً بوجود النار، فلو شاهد النار بعينه حصل له حقّ اليقين، وليس هذا كالذي يمسّ النار بيده فيحس بحرارتها، فهو في عين اليقين، وكان عليٌّعليه‌السلام في هذه المرتبة من اليقين بالغيب، قال تعالى:( ألم * ذٰلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‌ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) . سورة البقرة، الآية ١-٣.

«المترجم»

٥١١

[ كلامهعليه‌السلام كناية عن أنّ مرتبة العبد عند الله سبحانه تكون بمرتبة يقينه، فكلّما ازداد العبد يقيناً بالله عزّ وجلّ وبالمعتقدات الدينية ازداد قرباً من الله سبحانه وتعالى ].

قال صعصعة: أنت أفضل أم موسى؟

قالعليه‌السلام : أنا أفضل من موسى لأنّ الله تعالى لمـّا أمره أن يذهب إلى فرعون ويبلّغه رسالته( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ‌ ) (١) .

ولكنّي حين أمرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله عزّ وجلّ حتّى أبلّغ أهل مكّة المشركين سورة براءة، وأنا قاتلُ كثيرٍ من رجالهم وأعيانهم! مع ذلك أسرعتُ غير مكترث، وذهبت وحدي بلا خوف ولا وجل، فوقفت في جمعهم رافعاً صوتي، وتلوت آيات من سورة براءة، وهم يسمعون!!

[ كلامه كناية عن أنّ فضل الإنسان عند الله سبحانه بالتوكّل عليه عزّ وجلّ والإقدام في سبيل الله وأن لا يخشى العبدُ أحداً إلّا ربّه تعالى شأنه ].

قال صعصة: أنت أفضل أم عيسى؟

قالعليه‌السلام : أنا أفضل، لأنّ مريم بنت عمران لمـّا أرادت أن تضع عيسى، كانت في البيت المقدّس، جاءها النداء يا مريم اخرجي من البيت! هاهنا محلّ عبادة لا محل ولادة، فخرجت( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) (٢) ولكن اُمّي فاطمة بنت أسد لمـّا قرب مولدي جاءت

____________________

١) سورة القصص، الآية ٣٣.

٢) سورة مريم، الآية ٢٣.

٥١٢

إلى بيت الله الحرام والتجأت إلى الكعبة، وسألت ربّها أن يسهّل عليها الولادة، فانشقّ لها جدار البيت الحرام، وسمعت النداء: يا فاطمةُ ادخلي! فدخلت ورُدّ الجدار على حاله فولدتني في حرم الله وبيته(١) .

____________________

١) اتّفق العلماءُ على أنّهعليه‌السلام وُلد في الكعبة حتّى أنّ الشعراء ذكروا هذه الفضيلة، منهم: إسماعيل الحميري، سيّد الشعراء في القرن الثاني، قال:

ولدته في حرم الإله وأمِنِه

والبيت حيث فناؤه والمسجدُ

بيضاء طاهرة الثياب كريَمَةٍ

طابت وطابَ وليدُها والمولِدُ

وقال محمد بن منصور السرخسي، من شعراء القرن السادس، في قصيدة منها:

ولدته منجبة وكان ولادها

في جوف الكعبة أفضل الأكنانِ

وللمرحوم السيّد ميرزا اسماعيل الشيرازي قصيدة موشّحة في ميلاد الإمام عليّعليه‌السلام فيها:

هذه فاطمة بنت أسدْ

أقبلت تحمل لاهوتَ الأبدْ

فاسجدوا ذلاً له فيمن سجدْ

فله الأملاك خرّت سُجّدا

إذ تجلّى نوره في آدمِ

إنْ يكنْ يُجعلُ الله البنونْ

وتعالى اللهُ عمّا يصفونْ

فوليدُ البيتِ أحرى أنْ يكونْ

لوليِّ البيت حقّاً ولدا

لا عُزيرٌ لا ولا ابنُ مريمِ

سيّدٌ فاق عُلاً كلّ الأنامْ

كان إذْ لا كائنٌ وهو إمامْ

شرّف اللهُ بِه البيتَ الحرامْ

حينَ أضحى لعُلاه مولدا

فوطا تَربتَهُ بالقدمِ

والقصيدة جميلة جدّاً، تحتوي على نكات لطيفة، وهي طويلة اكتفينا منها بما نقلنا.

وإنّ خبر ولادتهعليه‌السلام في الكعبة أمر مشهور، لا ينكره إلّا معاند المتعصّب.

قال الحاكم في المستدرك ٣/٤٨٣: وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة.

وقال الشيخ أحمد الدهلوي الشهير بشاه ولي، وهو والد عبد العزيز الدهلوي، مصنّف «التحفة الإثنا عشرية في الردّ على الشيعة»قال في كتابه «إزالة الخفاء»: <=

٥١٣

[ لا أدري هل هذه المقايسة تنبئ عن أفضلية فاطمة بنت أسد على مريم بنت عمران كما أنّ ابنَها عليّاًعليه‌السلام كان أفضل وأشرف عند الله تعالى من عيسى بن مريمعليه‌السلام ؟! ربّما ].

بالله عليكم فكّروا قليلاً وأنصِفوا، مع وجود هذه الروايات والأحاديث المنقولة في كتبكم، والمرويّة بطرقكم، هل يجوز أن تقدّموا أحداً على الإمام عليٍّعليه‌السلام في الخلافة؟!!

وهل يجوز عند العقلاء والنبلاء تقديم المفضول على الفاضل؟! كما يقول أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٠/٢٢٦: أمّا الذي استقرّ عليه رأي المعتزلة بعد اختلاف كثير بين قدمائهم في التفضيل وغيره، أنّ علياًعليه‌السلام أفضل الجماعة، وأنّهم تركوا الأفضل لمصلحة رأوها!

ويقول في صفحة ٢٢٧: وبالجملة أصحابنا يقولون: إن الأمر

____________________

= تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّاً في جوف الكعبة، فإنّه وُلد يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة، ولم يُولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده.

وقال شهاب الدين الآلوسي، صاحب التفسير الكبير «روح المعاني» في شرح القصيدة العينية لعبد الباقي العمري الموصلي، عند قوله:

أنت العليُّ الذي فوق العُلا رُفِعا

ببطن مكّة وسط البيت إذ وُضِعا

قال: وكون الأمير كرّم الله وجهه وُلد في البيت أمرّ مشهور في الدنيا، وذُكر في كتب الفرقين السُنّة والشيعة - إلى أن قال: - وما أَحْرَى بإمام الأئمة أن يكون وضعه في ما هو قبلة للمؤمنين! وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين.

«المترجم»

٥١٤

كان له [ لعليّ ]عليه‌السلام ، وكان هو المستحق والمتعيَّن!

ويقول في شرح الخطبة الشقشقية في شرح نهج البلاغة ١/١٥٧ ط. دار إحياء التراث العربي: لمـّا كان أميرُ المؤمنينعليه‌السلام هو الأفضل والأحقّ وعُدل عنه إلى مَن لا يساويه في فضل ولا يوازيه في جهاد وعلم، ولا يماثله في سُؤْدَدٍ وشَرَف، ساغَ إطلاقُ هذه الألفاظ إلى آخره.

فلا ينكرُ أحد تفضيل الإمام عليٍّعليه‌السلام على غَيره إلّا عن تعصّبٍ وعناد، وإلا فإنّ أعلامكم المنصفين ذهبوا أيضاً مذهب المعتزلة في ذلك:

فقد روى العلّامة الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين، بسنده عن ابن التيمي، عن أبيه، قال: فُضٍّل عليُّ بن أبي طالب على سائر الصحابة بمائة منقبة وشاركهم في مناقبهم.

وقال العلّامة الكنجي، وابن التيمي هو موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي، ثقة وابن ثقة، أَسند عنه العلماء والأثبات ثم ذكر المائة منقبة بالتفصيل(١) .

____________________

١) منها ما رواه في صفحة ١٢٤ - ١٢٥ ط. مطبعة الغري سنة ١٣٥٦ هجرية بإسناده عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه قال: قال رجل لابن عباس: سبحان الله ما أكثر مناقب عليّ وفضائله!! إنّي لأحسبها ثلاثة آلاف، فقال ابن عبّاس رضي الله عنه: أو لا تقول إنّها إلى ثلاثين ألفاً أقرب؟!

ثمّ قال العلّامة الكنجي: خرّج هذا الأثر جماعة من الحفّاظ في كتبهم.

وروى بعدها بإسناده عن محمد بن منصور الطوسي، قال: سمعت الإمام أحمد =

٥١٥

ونقل الشيخ سليمان القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» الباب الأربعين، قال: أخرَج موفّق بن أحمد، عن محمد بن منصور، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل مثل ما لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وقال أحمد: قال رجل لابن عبّاس سبحان الله! ما أكثر فضائل عليّ بن أبي طالب ومناقبه! إنّي لأحسبها ثلاثة آلاف منقبة. فقال ابن عبّاس: أَوَ لا تقول إنّها ثلاثين ألفاً أقرب؟!(١) .

____________________

= ابن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما جاء لعليّ بن أبي طالب.

ثمّ قال العلّامة الكنجي: قال الحافظ البيهقي: وهو [ عليٌّعليه‌السلام ] أهلُ كلَّ فضيلة ومنقبة، ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحقّ بالخلافة منه.

«المترجم»

١) أرى من المناسب نقل الرواية التالية التي رواها جماعة من أعلام السُنة، منهم: القندوزي في ينابيع المودّة ١/١٤٣ رواها عن الخوارزمي عن ابن عبّاس.

ورواها المير السيّد علي الهمداني الحنفي في المودّة الخامسة من كتابه «مودّة القربى» عن عمر بن الخطّاب.

ورواه موفّق ابن أحمد في المناقب: ١٨.

والعلّامة الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين: ١٢٣.

كلاهما عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ الغياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أَحْصَوا فضائل عليّ بن أبي طالب.

وعن عمر: لو أنّ البحر مداد والرياض أقلام، والإنس كتّاب، والجنّ حُسّاب، ما أَحْصَوا فضائلك يا أبا الحسن قالها النبيّ لعليّ.

«المترجم»

٥١٦

وقال ابن أبي الحديد في مقدّمة شرح نهج البلاغة ١/١٧ ط. دارإحياء التراث العربي: وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله؟! وما أقول في رجل تُعزَى إليه كلّ فضيلة، وتنتهي إليه كلّ فِرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة؟! فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها ومجلّي حَلبتها. كلُّ مَنْ بزغَ فيها بعده فمِنْهُ أَخَذ، ولَهُ أقتفى، وعلى مثاله احتذى.

ويقول في خاتمة المقدّمة: ٣٠: وَجَبَ أن نختصر ونقتصر، فلو أردنا شرحَ مناقبه وخصائصه لاحتجنا إلى كتاب مُفْرَد يماثل حجم هذا، بل يزيد عليه. وبالله التوفيق.

فلا أدري بأيّ عذرٍ أخّروا هذا الرجل الفذّ، والإنسان العبقري، العملاق العظيم، العليّ على البشر بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولماذا لم يستشيروه في أمر الخلافة؟!

وهل لهم دليل على تقديم الآخرين عليه؟!

فأنصفوا ولا تتّبعوا التعصّب والعناد!

الحافظ: وأنتم أيضاً أنصِفوا وانظروا هل يجوز لكم أن تنسبوا لأصحاب النبيّعليه‌السلام المقرّبين، غصب الخلافة ومخالفة أمر الله والرسول؟!

وكيف تعتقدون بأنّ اُمّة الإسلام اجتمعت على الباطل والضلال؟!!

أمَا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجتمع اُمّتي على الخطأ؟!

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجتمع اُمّتي على الضلالة.

٥١٧

فلذلك نحن لا نقلّد أسلافنا تقليد الأعمى، ولا نسير خلفهم سيرالحمقى، بل قلّدناهم وأخذنا مذهبهم إطاعةً لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث صحّح إجماع المسلمين وأيّد كلّ ما أجمعت عليه الصحابة المهتدين.

دعوى: إجماع الأمة على خلافة أبي بكر

قلت: أرجو أن تبيّنوا لنا أدلّتكم على صحّة خلافة أبي بكر؟

الحافظ: إنّ أقوى دليل على إثبات خلافة أبي بكر وصحّتها هو إجماع الأمّة على خلافته.

وأضف على هذا كبر السنّ والشيخوخة، فإن عليّاً (كرّم الله وجه) مع فضله وسوابقه المشرّفة وقُربه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن المسلمين أخّروه لصغر سِنّه.

وأنتم لو فكّرتم قليلاً وأنصفتم لأعطيتم الحقّ للمسلمين، فلا يجوز عقلاً أن يتقدّم في هذا الأمر العظيم شابّ حَدث السنّ مع وجود شيوخ قومه وكبراء أهله..وإنّ تأخَر سيّدنا عليّ لا يكون نقصاً له بل كماله، وإن أفضليّته على أقرانه ثابتة لاننكرها.

ثمّ إنّ المسلمين سمعوا حديثاً رواه عمر بن الخطّاب، قال: لاتجتمع النبوّة والملك في أهل بيت واحد.

ولمـّا كان عليٌّ من أهل بيت النبوّة ما بايعوه..

هذه أسباب تقدُّم أبي بكر وتأخّر عليٍّ في أمر الخلافة.

قلت: إنّ أدلّتكم هذه تضحك الثَّكلَى، وإنّ مثلكم كمثل الذي يغمض عينيه فيصبح كالأعمى، فلا يرى الشمس الطالعة في الضّحى، ويُنكِرُ ضوءَ النهار إذا تجلّى، فافتحوا أعينكم، وانظروا إلى منار

٥١٨

الهدى، واسلكوا طريق الحقّ والتقى، ولاتتّبعوا الهوى، وتَجَنَّبوا المزلق والمهوى، ولا تغرّنّكم الدنيا، فإنّ الآخرة خير وأبقى.

وإنّي أرجوكم أن تقرءوا كتابنا وتدقّقوا النظر في أدلتنا وتعمّقوا الفكر في عقائدنا.

أقول هذا، لأنّي فتّشت أسواق الشام والقاهرة والحجاز والأردن، وغيرها من البلاد الاسلامية التي غالب سكّانها أهل السُنّة أو حكّامها من أهل السُنّة والجماعة، فما وجدت كتب الشيعة في مكتباتها فكأنّكم - مع الأسف - آليتم أن تطالعوا كتب الشيعة، فلا أدري هل حكمتهم عليها بأنّها كتب الضلال فحرّمتم قراءتها؟!!

وإنّي دخلت بيوت كثير من إخواننا أهل السُنّة والجماعة، علمائهم وغير علمائهم، الّذين يهوون مطالعة الكتب ويملكون مكتبات شخصيّة في بيوتهم، فوجدت فيها كتب مختلفة حتّى كتب غير المسلمين من الشرقيّين والغربيّين، ولم أجد كتاباً واحداً من كتب الشيعة!!

بينما نحن في بلادنا نطبع كتبكم وننشرها، وندعو أهل العلم والمثقفين لمطالعتها.

فهذه مدينة النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة في العراق، وهذه مدينة قم ومشهد الإمام الرضاعليه‌السلام في إيران، وهي مراكز الشيعة التي فيها حوزاتنا العلمية ومراجعنا الكرام، وكذلك طهران وشيراز وأصفهان، وغيرها من البلاد التي تسكنها الشيعة، فتحت أبواب مكتباتها لعرض كتبكم وبيعها بدون أيّ مانع ورادع.

ولا أجد مكتبة واحدة من مكتباتنا العامّة أو الشخصية تخلو من

٥١٩

كتبكم وصحاحكم ومسانيدكم وتواريخكم وتفاسيركم، لا لحاجة منّا إليها، لأنّ مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام غنيّة، والأخبار المرويّة عن العترة الطاهرة الهادية تناولت جميع جوانب الحياة وكلّ ما يحتاجه الإنسان في أمر الدين والدنيا.

ولكن نريد أن نحاججكم بكتبكم، ونلزمكم بأقوال علمائكم وآراء أعلامكم، وننقدها نقداً بنّاءً حتّى نصل معكم إلى التفاهم، وكما تجدوني في هذه المحاورات والمناقشات لا أنقل إلّا عن كتبكم ومسانيدكم وصحاحكم وتفاسيركم.

إجماعٌ أم مؤامرة!!

لقد ادّعيتم أنّ إجماع الصحابة هو أقوى دليل على إثبات خلافة أبي بكر وصحّتها. واستدللتم بحديث: لا تجتمع أمّتي على الخطأ، أو لا تجتمع أمّتي على ضلال.

فالأمّة أضيفت إلى ياء المتكلّم، فتفيد العموم كما قال النحويّون، فعلى فرض صحّة الحديث يكون معناه: إنّ أمّتي كلّهم من غير استثناء إذا أجمعوا على أمرٍ فذاك الأمر لا يكون خطأ أو ضلالاً.

وهذا هو الإجماع الذي يتضمّن رأي حجّة الله تعالى في خلقه، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله عزّ وجلّ - كما جاء في روايات الفرقين -.

ثم إنّ هذا الحديث - على فرض صحّته - لا ينخ الأحاديث النبوية والنصوص الجلية في تعريف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خليفَتَه في البريّة.

ولو تنزّلنا وسلمنا برأيكم والتزمنا بهذا المقال، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم

٥٢٠