مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252418
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252418 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أحداً من المؤرّخين ذكرها.

قلت: أسأل الله تعالى أن يهديك إلى الحقّ ويكشف لك الحقيقة، إنّك نسبتنا إلى الكذب، وافتريت علينا جَعْلَ الأخبار غير مرّة، وفي كلّ ذلك اتّضح للحاضرين زيف كلامك وبطلان رأيك، وفي هذه المرّة أيضاً، أذكر مصادر هذه الأخبار التي تنكرها، من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشتهرة، حتّى يعرف الحاضرون صدقنا، وتعترف أنت بأنّ الحقّ معنا.

فاجعة سقط الجنين

١- ذكر المسعودي صاحب تاريخ «مروج الذهب» المتوفّي سنة ٣٤٦ هجرية، وهو مؤرّخ مشهور ينقل عنه كلّ مؤرّخ جاء بعده، قال في كتابه «إثبات الوصيّة» عند شرحه قضايا السقيفة والخلافة: فهجموا عليه [ عليّعليه‌السلام ] وأحرقوا بابه، واستخرجوه كرهاً وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسّناً!!

نعم، إنّ إسقاط جنين فاطمةعليها‌السلام وقتل ولدها «محسّن» عند هجوم القوم لأخذ البيعة من الإمام عليٍّعليه‌السلام ، أمرٌ ثابت، إلّا أنّ أكثر مؤرّخيكم سكتوا عنه ولم ينقلوه، لحبّهم للشيخين، وستراً على سوء فعلهما وهتكهما لبيت الرسالة وحريم العترة، ومع ذلك فقد جرت أقلام بعضهم وسجّلت ما حدث وجرى، لأنّ الله سبحانه يريد أن يتمّ الحجّة عليكم وعلى كلّ المسلمين، ويريد أن يكشف الحقائق للجاهلين والغافلين، فاستمعوا أيّها الحاضرون!

٢- قال الصفدي في كتاب «الوافي بالوفيات ٦/٧٦» في حرف

٥٦١

الألف، عند ذكر إبراهيم بن سيّار، المعروف بالنظّام، ونقل كلماته وعقائده، يقول: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسّن من بطنها!

٣- ونقل أبو الفتح الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ١/٥٧: وقال النظّام(١) : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها. وكان يصيح [عمر]: احرقوا دارها بمَن فيها!!

وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

انتهى كلام الشهرستاني.

٤- ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٤/١٩٣ ط. دار احياء الكتب العربية، بعدما ينقل خبر هبّار بن الأسود وترويعه زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أسقطت جنينها، فأباح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دم هبّار لذلك. قال:

وهذا الخبر أيضاً قرأته على النقيب أبي جعفر رحمه الله فقال: إذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أباح دم هبّار بن الأسود لأنّه روّع زينب فألقت ذا بطنها، فظهر الحال أنّه لو كان حيّاً لأباح دم من روّع فاطمة حتّى ألقت ذا بطنها إلى آخره.

هذه البعض المصادر التي ظفرنا بها في نقل الأخبار التي تنكرونها وتتّهمون الشيعة المؤمنين بجعلها!

الحافظ: في نظرنا أنّ نقل هذه الأخبار لا فائدة فيها سوى التفرقة وتشتّت المسلمين.

____________________

١) توفّي النظّام سنة ٢٣١ هجرية. «المترجم»

٥٦٢

يلزم الدفاع عن المظلوم وإثبات حقّه

قلت:

أوّلاً: قولوا لعلمائكم ومؤرّخيكم لماذا ذكروا هذه الأخبار! ثمّ ردّوا على شاعر النيل قصيدته العُمَريّة وعاتبوه عليها وحاكموه على تلك الأبيات التي يتفاخر فيها ويتباهى بتلك الوقائع الأليمة والفجائع العظيمة ويعدّها من فضائل القوم!!

ثانياً: وأمّا نحن فننقلها عنكم لإقامة الحجّة عليكم( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (١) ولكي لا ينحرف التاريخ، فنعرف الحقّ حقّاً والباطل باطلاً، والمظلوم مظلوماً والظالم ظالماً.

ثالثاً: نحن ننقل هذه الأخبار عندما نواجه هجماتكم وحملات بعض المنسوبين إليكم من أصحاب الأقلام التي ما هي إلّا أجيرة للأعداء لتبث البغضاء والشحناء بين المسلمين، فتتّهم الشيعة الأبرياء والمؤمنين الأوفياء بالكفر والشرك! وتحرّك علينا مشاعر العامة وخاصة الجاهلين والغافلين.

ونحن دفاعاً عن مذهبنا ومعتقدنا، نبيّن الوقائع، ونكشف عن الحقائق، حتّى يعرف الجميع أنّ عليّاًعليه‌السلام مع الحقّ والحقّ معه، ونحن أتباعه وشيعته، نشهد أنّ لا إله إلّا الله جلّ جلاله، وأنّ محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقول في عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك نقلاً من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشهورة، فنشهد بأنّ علياًعليه‌السلام عبد الله، ووليّه، وأخو رسول الله، ووصيّه، وهو خليفته الذي نصّ عليه بأمر الله تعالى.

____________________

١) سورة الأنعام، الآية ١٤٩.

٥٦٣

أمّا في جواب قولكم بأن هذه الأخبار لا فائدة فيها سوى التفرقة وتشتّت المسلمين.

فأقول: أنتم البادئون والعادون والمهاجمون ونحن مدافعون، فانتهوا وامنعوا أصحابكم عن التعرّض وعن الكذب والافتراء علينا، حتّى نسكت عن نقل هذه الأخبار.

الحافظ: أنا لا أوافق الّذين يرمون الشيعة بالكفر والشرك، ولكنّي لا أسكت أيضاً على بعض الأخبار المرويّة في كتبكم، والتي تنسبونها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تفسح مجال العصيان للعباد، فيعملون بالذنوب اتّكالاً على تلك الأخبار والأحاديث.

قلت: رجاءً! بيِّن تلك الأخبار، فربّما نصل معكم إلى حلّ وتفاهم.

شبهات وردود

الحافظ: ذكر العلّامة المجلسي وهو واحد من أكبر علمائكم ومحدّثيكم، في كتابه «بحار الأنوار» راوياً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة.

وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من بكى على الحسين وجبت له الجنّة.

هذه الأخبار ونظائرها كثيرة في كتبكم، وهي تسبّب فساد الأمّة وانتشار الذنوب والمعاصي.

قلت: لو كان الأمر كذلك للزِمَ أن نرى أهل السُنّة والجماعة مبرّئين من الذنوب، وبعيدين عن الحوب، بينما نرى البلاد التي يسكنها أهل السُنّة قد انتشرت فيها الذنوب الكبيرة، وشاعت فيها

٥٦٤

معاصي كثيرة، وكثير منهم يتجاهرون بالفسوق والفجيرة! فهذه عواصمكم مثل بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت وعمّان والجزيرة وغيرها، تتسابق في تأسيس مراكز المعاصي والفجور، ومحلّات القمار، وحانات الخمور.

فهل ترضون أن ننسب هذه المخازي والفسوق إلى مذهبكم وضعف مبادئكم؟!

هل تقبلون منّا لو قلنا: إن السبب في انتشار الفحشاء والفجور، وعدم التحرّج في شرب النبيذ والخمور، هو فتاوى علمائكم؟!!

لأن بعضهم أفتى بطهارة الكلب وأحلّ أكله.

وبعضهم أفتى بطهارة المنيّ والخمر وعرق الجنب من الحرام.

وبعضهم أفتى بجواز اللواط في السفر!

وبعضهم أفتى بنكاح المحارم، الأمّ ومَن دونها، بشرط أن يلفّ القضيب بالحرير!!

هذه الفتاوى وأمثالها تسبّب تجرّؤ العوامّ والجاهلين على ارتكاب المعاصي وعمل الفسق والفجور.

ولذلك فإن علماءَنا يحرّمون تلك الأعمال القبيحة ولا يجيزونها بأيّ حال من الأحوال.

الحافظ: هذه المسائل التي ذكرتها، كلّها أكاذيب، وللأسطورة أقرب منها إلى الحقيقة، وهي من مفتريات الشيعة!

أبيات شعر للعلّامة الزمخشري

قلت: أنت أعرف بحقيقة مقالي والعلماء الحاضرون أيضاً

٥٦٥

يعلمون بصدقي، ولكن يصعب عليكم الإقرار، والخجل يدعوكم إلى الإنكار، وإلّا كيف يمكن لعالم دينيّ - مثلكم - يجهل هذه المسائل التي ذَكَرها وأَفْتى بها بعض علمائكم ثمّ نَقَلها عنهم بعض أعلامكم وانتقدوها؟!

وأذكر لك نموذجاً من كتبكم ليكون دليلاً على كلامنا، راجع تفسير الكشّاف ٣/٣٠١ للعلّامة الكبير جار الله الزمخشري، فإنه يقول:

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه، كتمانُه لي أسلمُ

فإن حنفياً قلت، قالوا بأنّني

أبيح الطّلا وهو الشراب المحرَّمُ

وإنْ مالكياً قلت، قالوا بأنّني

أبيح لهم أكل الكلاب وهم همُ

وإنْ شافعياً قلت، قالوا بأنّني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرمُ

وإنْ حنبلياً قلت، قالوا بأنّني

ثقيل حلولي بغيض مجسّمُ

وإنْ قلت من أهل الحديث وحزبه

يقولون: تيس ليس يدري ويفهُم

تعجّبت من هذا الزمان وأهله

فما أحد من ألسن الناس يسلمُ

وأخّرني دهري وقدّم معشراً

على أنّهم لا يعلمون وأعلمُ

فنرى هذا العالم والمفسّر يخجل أن ينسبَ نفسه إلى أحد المذاهب الأربعة! لوجود تلك الآراء الفاسدة والفتاوى الباطلة فيها، ثمّ إنّكم تريدون منّا أنْ نتّبع تلك المذاهب ونترك مذهب أهل بيت النبوة والعترة والصفوة الطاهرة!

فلنخرج من هذا الإطار ونتابع موضوع الحوار.

فأقول: أمّا الخبر الذي ذكرته من «بحار الأنوار» لم تنفرد الشيعة

٥٦٦

بنقله، فإنّ علمائكم وأعلامكم نقلوه أيضاً ونقلوا أمثاله في كتبهم المعتبرة.

إسناد حديث حبّ عليّعليه‌السلام حسنة

لقد ذكر هذا الحديث كثير من أعلامكم وأيّدوه، منهم:

الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، والخطيب الخوارزمي في آخر الفصل السادس من كتابه «المناقب» والشيخ القندوزي الحنفي في الباب ٤٣ من كتابه «ينابيع المودّة» وأيضاً في الباب ٥٦ نقله عن الديلمي، قال: حبّ عليٍّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة، حب عليٍّ براءة من النار، حبّ عليٍّ يأكل الذنب كما يأكل النار الحطب، حبّ عليٍّ براءة من النفاق.

وفي المناقب السبعين(١) خرّجه عن ابن عبّاس في الحديث رقم ٣٣، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حبّ عليّ بن أبي طالب يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.

وفي الحديث رقم ٥٩، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حبّ عليّ بن أبي طالب حسنة لا تضرّ معها سيّئة، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة.

رواهما صاحب «الفردوس».

ورواه المحدّث والفقيه الشافعي المير السيّد علي الهمداني في كتابه

____________________

١) كتاب «السبعين في مناقب أمير المؤمنين» نقله القندوزي بكامله في «ينابيع المودّة».

«المترجم»

٥٦٧

«مودّة القربى» في المودّة السادسة عن ابن عبّاس، قال: حبّ عليّ يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.

وعنه أيضاً: حبّ عليّ براءة من النار.

ورواه محبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبي» الحديث رقم ٥٩ من الأحاديث السبعين التي رواها في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

ورواه محمد بن طلحة في مطالب السؤول.

والعلّامة الكنجي والشافعي في كتاب «كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن أبي طالب».

ثمّ إن كان عقلكم وعلمكم لا يصل إلى حلّ معنى الحديث كهذا وأمثاله، فأنصحكم ألا تطعنوا فيه ولا تردّوه، بل يجب أن تسألوا عن حلّه ومعناه وتفسيره ممّن هو أعلم، قال تعالى:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (١) .

وطالما أنّ هذا الحديث وأمثاله لا يعارِض كتاب الله سبحانه فليس لأحد من المسلمين إنكاره.

الحافظ: كيف لا يعارض كتابَ الله وهو سبب تجرّؤ الناس على المعاصي!

قلت: لا تعجل حتّى أُبيّن لك كيف لا يعارض الكتاب الكريم، فإن الله تعالى يقسّم الذنوب في القرآن إلى قسمين، صغائر وكبائر.

وهو يعبّر في بعض الآيات عن الصغائر بالسيّئة، في حين يعبّر عن الكبائر بالذنوب، كما في سورة النساء، الآية ٣١، قال تعالى:

( إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَيِّئَاتِکُمْ وَ نُدْخِلْکُمْ

____________________

١) سورة الأنبياء، الآية ٧.

٥٦٨

مُدْخَلاً کَرِيماً ) .

فالآية الكريمة تصرّح بأنّ عبداً لو اجتنب الكبائر وارتكب الصغائر، فإنّ الله عزّ وجلّ يعفو عنه، ويدخله الجنّة، والحديث الذي تنكروه لا يصرّح بأكثر من هذا.

فإنّ حبّ عليٍّعليه‌السلام حسنة عظيمة عند الله سبحانه بحيث لا تضرّ معها السيّئات، يعني الصغائر.

الحافظ: إنّ هذا التفسير والتقسيم لا يكون على أساس علمي(١) .

لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٢) فالعبد العاصي إذا تاب واستغفر الله سبحانه فإنّه يغفر كلّ ذنوبه سواءً أكانت من الكبائر أم الصغائر.

قلت: أظنّك ما دقّقت النظر في الآية الكريمة التي تلوتُها عليك، وإلّا ما كنت تورد إشكالاً على كلامي، لأنّ الذي قسّم المعاصي إلى كبائر وصغائر وفرّق بينهما هو الله تعالى، لا أنا.

ثمّ اعلم بأنّنا نعتقدُ - مثلُكم - بأنّ الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً، فكلّ عبد عاصٍ إذا تاب وندم وعمل بشرائط التوبة، فإنّ الله سبحانه

____________________

١) إنّ بيان «الحافظ» كليل، وليس له دليل، ولا يصدر إلّا من ذي عقل عليل، لأنّه يعارض كلام الربّ الجليل، فقد قال سبحانه:

( وَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ کَبَائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّکَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) سورة النجم: ٣١ - ٣٢.

فاللمم هي المعاصي الصغائر تقابلها كبائر الاثم، كما تجد في الآية الكريمة.

«المترجم»

٢) سورة الزمر، الآية ٥٣.

٥٦٩

يغفر ذنوبه ويعفو عنه، ولكن إذا لم يتب فيعاقبه الله تعالى بعد الموت في عالم البرزخ، فإذا لاقى عقاب ذنوبه قبل يوم الحساب، يُساق إلى الجنّة في يوم المعاد، وإلّا فيقضى عليه فيُلقى في جهنّم ليَرى جزاء عمله هناك.

والعبد المؤمن إذا ارتكب الصغائر ومات من غير توبة فإن كان يحبّ الإمام عليّاًعليه‌السلام يغفر الله تعالى له ويعفو عنه ويدخله الجنّة، قال سبحانه:( وَ نُدْخِلْکُمْ مُدْخَلاً کَرِيماً ) (١) .

فلا أدري لماذا تعتقد بأنّ هذا الحديث الشريف «حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة» يسبّب تجرّؤ الشيعة على المعاصي!!.

هل الحديث يأمر بارتكاب الذنوب؟! لا..

فأثر هذا الحديث في المسلمين كأثر آيات القرآن الحكيم التي تَعِدُ العباد المذنبين بقبول التوبة وغفران ذنوبهم.

فكما إنّ آيات التوبة والمغفرة تبعث الرجاء برحمة الله تعالى في قلوب العباد وتُزيل اليأس عن نفوس العصاة، كذلك هذا الحديث الشريف وأمثاله، فإنّه يوقف المحبّ عند السيّئات ويصدّه عن الكبائر الموبقات، لأنّ إطاعة الحبيب من لوازم الحبّ.

قال الإمام الصادق، وهو إمامنا جعفر بن محمدعليه‌السلام : إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع، فالشيعي يعرف هذا فلذلك لا يرتكب الذنوب والمعاصي اتّكالاً على حبّه للإمام عليٍّعليه‌السلام بل يجتهد في الطاعة إمامه ومتابعته، لإثبات صدقه في الحبّ لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

نعم، هناك بعض المحبّين الّذين يحسبون أنفسهم من الشيعة يرتكبون بعض الذنوب مثل كثير من أهل السُنّة والجماعة فلا يكون

____________________

١) سورة النساء، الآية ٣١.

٥٧٠

عملهم السيّئ بسبب حبّهم أو بسبب حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ الإنسان بطبعه يكون مطيعاً لهواه ومجيباً لنفسه الأمّارة كما قال سبحانه وتعالى حكاية عن يوسف الصدّيق:( وَ مَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ‌ ) (١) .

وأمّا الشيعي هو الذي يعزم على أن يخطو ويسير في الطريق الذي سارَ فيه الأئمّة الهداة من أهل البيتعليهم‌السلام ويلتزم بنهجهم ويعمل برأيهم.

وقد ذكرنا في الليالي السالفة بعض الأحاديث النبوية في حقّهم، حيث بشّرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنّة، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ! أنت وشيعتك الفائزون بالجنّة» وذكرنا مصادر هذا الحديث الشريف وأمثاله من كتبكم المعتبرة وطرقكم المتواترة، وبشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لشيعة عليّعليه‌السلام بالجنّة أمر ثابت لا ينكره إلّا الجاهل المعاند المتعصّب الجاحد.

وإنّ إشكالك على حديث «حبّ عليٍّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة» يردّ على تبشير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شيعةَ عليٍّعليه‌السلام بالجنّة أيضاً.

لأنّ الشيعي إذا عرف أنّه من أهل الجنّة يرتكب الذنوب ولا يبالي، فإشكالك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله موجب للكفر، وهو مردود بالأدلّة التي أقمناها.

ولبّ الكلام: إنّ الشيعي هو الذي يسير على أثر مسير أهل البيتعليهم‌السلام ، فيعمل بما عملوا، ويجتنب عمّا اجتنبوا، ولمـّا لم يكن معصوماً، ربّما ارتكب ذنباً وعمل إثماً ولم يوفَّق للتوبة فمات، فإنّ الله عزّ وجلّ يعفو عن ذنبه ويغفر له كرامةً لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وحبّه

____________________

١) سورة يوسف، الآية ٥٣.

٥٧١

إيّاه، والله غفور رحيم.

البكاء على الحسينعليه‌السلام سُنّة نبويّة

وأمّا الحديث الشريف «من بكى على الحسين وجبت له الجنّة» كلّنا نعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على مصائب ولده الحسينعليه‌السلام قبل أن تقع، فأخبر بها أصحابه وهو يبكي، وقد تواترت بذلك الأخبار المرويّة عن طرقكم والتي نقرأها في كتبكم(١) .

____________________

١) لقد تواترت الروايات وصرّحت الأخبار بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على ولده الحسينعليه‌السلام في أوان ولادته وأخبر بمقتله، وتكرّر منه البكاء في خواصّ أصحابه تارة وفي الملأ العامّ أُخرى، وحدَّث عن مصائب الحسين وما يلاقيه من بني أُميّة الطلقاء، وإليكم بعض تلك الأخبار التي وصلت إلينا من طرق علماء السُنّة وأيّدها أعلامهم:

١- روى الخوارزمي في كتابه «مقتل الحسينعليه‌السلام » بسنده عن أسماء بنت عميس خبراً طويلاً جاء في آخره، قالت أسماء: فلمّا كان بعد حول من مولد الحسن، ولدت [أي فاطمةعليه‌السلام ] الحسين فجاءني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا أسماء هاتي ابني.

فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثمّ وضعه في حجره وبكى!!

قالت أسماء: فقلت فداك أبي وأُمّي ممّ بكاؤك؟!

قال: على ابني هذا!

قلت: إنّه وُلد الساعة!

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أسماء! تقتلهم الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أسماء! لا تخبري فاطمة بهذا، فإنّها قريبة عهد بولادته.

رواه الحمويني في فرائد السمطين ٢/١٠٣، ورواه ابن عساكر أيضاً في تتاريخ دمشق، الحديثين ١٣ و ١٤ من ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ورواه السمهودي في «جواهر العقدين» ورواه آخرون منهم لا مجال لذكرهم. =

٥٧٢

. . . . .

____________________

= ٢- روى الحاكم النيسابوري في المستدرك ٣/١٧٦ في الحديث الأوّل من فضائل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، روى بسنده عن أُمّ الفضل بنت الحارث خبراً جاء في آخره:

فولدت فاطمةُ الحسين فكان في حجري.. فدخلت يوماً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عيْنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تهريقان من الدموع.

قالت: فقلت: يا نبي الله! بأبي أنت وأُمّي مالك؟!

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا!!

فقلت: هذا؟!

قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء!

أقول: ورواه البيهقي أيضاً في كتابه دلائل النبوّة ٦/ ٤٦٨ ط بيروت، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٦/٢٣٠، ورواه جمع آخر من أعلام السُنة لا مجال لذكر أسمائهم.

٣- روى ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى ٨/٤٥ الحديث رقم ٨١ من ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، عن عائشة، قالت: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته عنه، ثمّ قمت لبعض أمري، فدنا منه، فاستيقظصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبكي!

فقلت: ما يبكيك؟!

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ جبرئيل أراني التربة التي يُقتل عليها الحسين، فاشتدّ غضب الله على من يسفك دمه

ورواه ابن عساكر أيضاً في تاريخ دمشق في الحديث رقم ٢٢٩ من ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

ورواه أيضاً ابن حجر في «الصواعق المحرقة» كما حكى عنه القندوزي في أوائل الجزء الثاني من «ينابيع المودة». =

٥٧٣

. . . . .

____________________

= ورواه ابن العديم في كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب ٧/٧٨ في ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

ورواه الدار القطني في كتاب العلل ٥/٨٣.

وحديث التربة رواه جمع كثير من أعلام السُنّة بألفاظ متعدّدة، ويبدو أنّ إتيان جبرئيل بتربة كربلاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان غير مرّة، والأشهر ما روي عن أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها.

روى عمر بن خضر المعروف بـ «ملاّ» وهو من علماء القرن السادس الهجري، في كتابه «وسيلة المتعبّدين» - في أواسط باب معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله -: وعن أُمّ سلمة قالت: سمعت بكاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي فاطّلعت، فإذا الحسين بن عليّ رضي الله عنهما في حجره أو إلى جنبه وهو يمسح رأسه ويبكي!!

قالت: فقلت: يا رسول الله! على مَ بكاؤك؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبرئيل أخبرني أنّ ابني هذا يُقتل بأرض من العراق يقال لها كربلا.

قالت: ثمّ ناولني كفّاً من تراب أحمر وقال: إنّ هذه تربة الأرض التي يقتل بها، فمتى صارت دماً فاعلَمي أنّه قد قُتل.

قالت أُمّ سلمة: فوضعتُ التراب في قارورة عندي وكنت أقول: إنّ يوماً تتحوّلين فيه دماً ليومٌ عظيم.

ورَوى قريباً من هذا المعنى جماعة كبيرة عن أُمّ سلمة رضي الله عنها منهم:

ابن سعد في طبقاته في حديث رقم ٧٩ من ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام في الجزء الثامن والمحبّ الطبري في ذخائر العقبي ١٤٧.

وأبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الفتن من كتاب المصنّف ١٥/١٤ حديث رقم ١٩٢١٣.

وابن حجر في كتاب المطالب العالية ٤/٧٣ ط. دار المعرفة - بيروت. =

٥٧٤

فالبكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام سُنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والالتزام بسُنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوجب دخول الجنّة، بشرطها وشروطها.

فكما إنّ الله تعالى وعد التائبين بالعفو والمغفرة والجنّة ولكن مع شرائط، فلا تُقبل توبة كلّ من قال: أستغفر الله وأتوب إليه إلّا أن يردّ حقوق الناس إليهم، ويقضي ما فاته من الفرائض ومن حقوق الله سبحانه، ويندم على ما ارتكب من المعاصي، ويعزم على أن

____________________

= والطبراني في المعجم الكبير ٣/١٤ ط. بغداد، ورواه بطريق آخر في صفحة ١١٥.

وابن عساكر في تاريخه في الحديث رقم ٢٢٣ من ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام بمناسبة.

ورواه المزّي في كتاب تهذيب الكمال ٦/٤٠٨.

ورواه ابن العديم وعمر بن أحمد في كتابه تاريخ حلب ٧/٥٦ حديث رقم ٨٨ وما بعده من ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/١٩٢.

ورواه الحاكم في المستدرك ٤/٣٨٩ في آخر كتاب تعبير الرؤيا، قال الحاكم - وأقرّه الذهبي -: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.

وراه البيهقي في كتابه دلائل النبوّة ٦/٤٦٨ ط. دار الفكر.

ورواه ابن كثير في كتاب البداية والنهاية ٣/٢٣٠ ط. دار الفكر.

ورواه جمع كثير من محدّثي العامة وأعلامهم لا مجال لذكر أسماءهم.

وإنّ بكاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على مصاب ولده الحسينعليه‌السلام قبل أن يُقتل أمر ثابت مسجّل في المصادر والمسانيد المعتبرة، غير قابلٍ للإنكار، ولا ينكره إلّا معاند جاحد أو شيطان مارد.

أعاذنا الله من الجهل والعناد.

«المترجم»

٥٧٥

لا يعصي.. إلى آخر الشرائط اللازمة المذكورة في الأخبار والروايات.

كذلك: من بكى على الحسينعليه‌السلام - مع الشرائط - وجبت له الجنّة، ومن الشرائط السعي لتحقيق أهداف الحسينعليه‌السلام وتطبيقها في نفسه وفي المجتمع، وإلّا فإنّ المؤرّخين ذكروا أنّ سكينة بنت الحسينعليه‌السلام حينما جلست عند نعش أبيها، تكلّمت بكلمات أبكت والله كلّ عدوّ وصديق.

وقالوا: إنّ الحوراء زينب لمـّا خاطبت عمر بن سعد و قالت له: يا بن سعد! أَيُقتل أبا عبدالله وأنت تنظر إليه؟!! ترقرقت دموعه وسالت على لحيته.

فهل ابن سعد والأعداء الّذين بكوا يوم عاشوراء، وجبت لهم الجنّة؟!

لا، لأنّ الشرائط ما كانت متوفّرة فيهم(١) .

____________________

١) من البديهي أنّ البكاء على الحسينعليه‌السلام الذي يوجب دخوله الجنّة إنّما هو البكاء الذي يكون عن شعور ومعرفة بالحسينعليه‌السلام وتأييداً لأهدافه المقدّسة، ويكون رمزاً وشعاراً في نصرة الحقّ وانتصار المظلوم، لا مطلق البكاء.

إنّ الباكي الممدوح عندنا والذي وعده النبيّ والأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام بالجنّة، هو الباكي الذي جدّ وجاهد، ويسعى ويجتهد بكلّ قدراته وإمكاناته، لتحقيق أهداف أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وتطبيقها، لأنّها ما هي إلّا أهداف الله سبحانه وتعالى وغرضه من رسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعثة الأنبياءعليه‌السلام جميعاً.

فالبكاء على الحسينعليه‌السلام الذي يوجب لصاحبه دخول الجنّة، إنّما هو البكاء الذي ينبثق من قلب ممتلئ حقداً على الظالمين، فيتحوّل صرخةً في وجه الباطل وثورة على الظالم. =

٥٧٦

الحافظ: إذا كان المسلم ملتزماً بأُصول الإسلام وعاملاً بأحكام الدين فهو من أهل الجنّة، سواءَ أَبكى على الحسين أم لم يبكِ، فلا أرى فائدة للمجالس التي تنعقد في بلاد الشيعة وهم يصرفون أموالاً طائلة ليجتمعوا ويبكوا على الحسين! إنّه عمل مخالف للعقل!!

فوائد المجالس الحسينية

قلت:

أوّلاً: الإنسان مهما كان ملتزماً بأصول الإسلام، وعاملاً بالأحكام، فلا يكون معصوماً من الذنوب والآثام، فربّما زلّت به الأقدام، وسقط في مهاوي النفس والشيطان، وخالف أمر الله العزيز المنّان.

فلكي لا ييأس من الله الكريم الرحمن،ويرجو منه اللطف والإحسان، ويسأل منه العفو والغفران، فتح له باب التوبة والإنابة ليشعر بالأمان.

____________________

= هذا النوع من البكاء - لا مطلق البكاء - يكون استمرارا لحركة الإمام أبي عبد الله السبط الشهيدعليه‌السلام واستمراراً لحركة الحوراء زينب وأهل البيتعليهم‌السلام من كربلاء إلى الشام سبايا.

فكما إنّ هاتين الحركتين تركتا أثراً عظيماً في تحريك الإحساس الديني وإيقاظ الشعور الإنساني في المجتمع الإسلامي، بحيث أدّت إلى ثورات، وأسقطت عروش الظلم، وقضت على الظالمين كذلك الأثر في البكاء الذي يكون استمراراً لحركة الإمام الحسين والحوراء زينبعليها‌السلام .

«المترجم»

٥٧٧

وأَمَر الله عزّ وجلّ عباده أن يتوسّلوا إليه في التوبة والاستغفار وقضاء حوائجهم، بقوله تعالى:( وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) ويصف أنبياءه فيقول:( أُولٰئِکَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّکَ کَانَ مَحْذُوراً ) (٢) .

ثم بيَّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الوسائل التي يُتوسّل بها إلى الله سبحانه، منها حبّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومنها البكاء على الحسين ومنها خدمة الوالدين، ومنها الجهاد في سبيل الله، ومنها العطف على الأيتام، وغير ذلك.

فالمؤمن إنْ كان بريئاً من الذنب، فهذه الوسائل تسبّب رفع درجاته في الجنّة، وإنْ كان مرتكباً بعض السيّئات والذنوب فهذه الوسائل تسبّب له المغفرة وتجلب له رضا ربّه عزّ وجلّ.

ثانياً: وأمّا فوائد المجالس الحسينية فهي كثيرة جدّاً، ولكنّك حيث لم تحضرها ولم تكن من المباشرين والعاقدين لها، فلا ترى فوائدها ولا تدرك بركاتها.

ولمـّا كنت بعيداً عنها وجاهلا بفلسفتها، فليس لك أن تقول: إنّه عمل مخالف للعقل! بل العقل السليم يخالف كلامك، والوجدان القويم ينقض بيانك، فقد تسرّعت في الحكم على شيءٍ ما عرفت مغزاه، ولما أدركت منتاه.

فلو كنت تحضر هذه المجالس مع الشيعة، وتستمع إلى كلام

____________________

١) سورة المائدة، الآية ٣٥.

٢) سورة الاسراء، الآية ٥٧.

٥٧٨

خطبائها الكرام، لعرفت فوائدها الجمّة التي منها:

١- هذه المجالس تكون كالمدارس، فإنّ الخطيب يلقي على الحاضرين فيها أحكام الدين، والتاريخ الإسلامي، وتاريخ الأنبياء وأُممهم، ويتناول تفسير القرآن الحكيم، ويتكلّم حول التوحيد والعدل الإلهي والنبوّة والإمامة والمعاد، وأخلاق المسلم وما يجب أن يتّصف به المؤمن، ويبيّن للمستمعين فلسفة الأحكام وعلل الشرائع ومضارّ الذنوب، ويقايس الإسلام بسائر الأديان ويثبت بالدليل والبرهان تفوّقه وامتيازه على المذاهب والأديان.

٢- يشرح الخطيب سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتاريخ حياته وسيرة أهل بيته والعترة الهادية والصحابة والصالحين، فيلفت الخطيب أنظار مستمعيه إلى النقاط المشرقة الهامّة من ذلك التاريخ، فيأخذ الحاضرون دروساً وعبراً منه يطبقونها في حياتهم الشخصية وسيرتهم الاجتماعية.

٣- يتناول الخطيب تاريخ النهضة الحسينية، ويبيّن أسبابها وأهدافها. ويشرح آثارها والدروس التي يجب على المسلم أن يأخذها من تلك النهضة المقدّسة، ويدعو الخطيب المستمعين إلى تطبيق أهداف الحسينعليه‌السلام وإحياء ثورته وتكرارها ضدّ الظلم والظالمين في كلّ زمان ومكان.

٤- في كلّ عام يهتدي كثير من الضالّين والعاصين، فيتوبون إلى الله تعالى، ويسلكون الصراط المستقيم، ويصبحون من الصالحين المهتدين، حتّى إنّ في بعض البلاد التي تسكنها الشيعة والكفّار مثل بلاد الهند والبلاد الأفريقية، أسلم كثير منهم بعدما حضروا في المجالس الحسينية وعرفوا تاريخ الإسلام وأحكامه وسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٥٧٩

وأخلاقه الحميدة.

وهذا جانب من معنى الحديث النبوي الذي نقله علماؤكم أيضاً في الكتب المعتبرة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط(١) .

فمعنى: «وأنا من حسين» لعلّه يكون: إنّ الحسين والمجالس التي تنعقد باسمه ولأجله هو السبب في إحياء ديني وإبقائه، فالحسينعليه‌السلام بنهضته المباركة فضح بني أميّة وكشف واقعهم الإلحادي، وحال بينهم وبين الوصول إلى أهدافهم العدوانيّة ونياتهم الشيطانية التي كانت ستقضي على الدين الحنيف ورسالة خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واليوم يمرّ أكثر من ألف عام على إقامة مجالس عظيمة ومحافل كريمة باسم الحسينعليه‌السلام علانيةً وسرّاً، والناس يحضرون على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم، فيقتبسون النور ويتعرّفون على الإسلام الحقيقي

____________________

١) خرّجه الإمام أحمد في مسنده ٤/١٧٢ بسنده عن يعلى بن مرة الثقفي.

ورواه ابن سعد في طبقاته الكبرى ج ٨ حديث رقم ١٨ من ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

ورواه الحاكم في المستدرك ٣/١٧٧ باب فضائل الحسينعليه‌السلام ، وأقرّ صحّته.

ورواه الذهبي في تلخيصه، وقال هذا حديث صحيح.

ورواه الخطيب الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين ١/١٤٦ الفصل السابع.

ورواه شيخ الاسلام الحمويني في كتابه «فرائد السمطين» في الباب ٣٠.

ورواه البخاري في «الأدب المفرد» صفحة ١٠٠ ط. مصر.

ورواه الترمذي في سننه ١٣/١٩٥ باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام .

ورواه في ابن ماجة في مقدّمة سننه ١/٦٤.

ورواه جمع كثير من أعلام العامّة لا مجال لذِكر أسمائهم جميعاً.

«المترجم»

٥٨٠