مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252345
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252345 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: الأئمة بعدي أو خلفائي بعدي إثنا عشر كلهم من قريش، وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم، وحتى في بعضها عيّنهم بذكر أسماءهم.

ولا نجد حتّى حديثاً واحداً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حول الأئمة الأربعة الذين تمسكتم بهم. ثمّ إنّ الفرق بين الأئمة الإثني عشر الذين نتمسك بهم نحن ونأخذ بأقوالهم وبين أئمتكم الأربعة فرقٌ كبير.

وكما أشرنا في الليالي السّالفة أنّ الأئمة الإثني عشرعليهم‌السلام هم أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد نصّ عليهم بأمرٍ من الله سبحانه فلا يقاس بهم أي فردٍ من الخلفاء والأئمة الذين تمسكتم بهم، فإنّ أئمة المذاهب الأربعة شأنهم شأن غيرهم من فقهاء المسلمين وعلماء الدين، والمسلمون في خيار تامٍ في تقليدهم وتقليد غيرهم من فقهاء الإسلام الذين يملكون قدرة الاستنباط واستخراج الأحكام الدينية من القرآن الحكيم والسّنّة النبويّة الشريفة.

وعلى هذا فنحن الشيعة نقلّد مراجع الدين وهم الفقهاء الذين درسوا وحققوا الأخبار والأحاديث المرويّة عن النبي وأهل بيته الطيبين الراسخين في العلم.

فيحقّقوا ويتقنوا أسنادها وطرقها ويميّزوا بين صحيحها وسقيمها ويستخرجوا منها حكم المسائل المستحدثة والفروع الطارئة في زماننا هذا، ويُبيِّنوا تكليفنا الشرعي على أساس أصول الفقه والقواعد الإلهيّة، يردّون الفرع على الأصل ويستخرجوا حكمه ويبيِّنوه لمقلّديهم، وهؤلاء الفقهاء يتواجدون في كل زمان وهم متعدّدون ولا ينحصر التقليد في واحد منهم، لأنّ الكلّ يأخذون من منهل العترة

٦٢١

الهادية ومنبع أهل البيت الطاهرينعليهم‌السلام .

ولكن الأئمة وإنْ تتلمذوا عند بعض أئمة أهل البيتعليهم‌السلام إلّا أنهم خرجوا من إطارهم وتركوا الأصول الفقهية والقواعد المقبولة لديهم، فعملوا بالقياسات العقلية والإستحسانات النظرية حتى أنّهم ربما اجتهدوا في بعض المسائل وخالفوا النصوص الجليّة فيها، فضلّوا وأضلّوا(١) .

والعجب أنكم تركتم تقليد العترة وأهل بيت الوحي والرسالة الذين عيّنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتابعتم التلامذة الذين لم يبلغوا عشر معشار علوم أهل البيتعليهم‌السلام ولم يقترفوا إلّا غرفة أو رشحة من بحارهم المتلاطمة بشتى العلوم التي آتاهم الله عز وجلّ من لدنه وجعلهم أئمة يهدون بأمره.

فالأئمّة الأربعة استندوا إلى عقولهم النّاقصة في بيان حكم الله عزّ وجل ولم يستندوا إلى الكتاب المبين وسنّة سيد المرسلين.

وقد قال سبحانه وتعالى:( أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَکُمْ کَيْفَ تَحْکُمُونَ‌ ) (٢) .

السيد عبد الحي: وهل عندكم دليل على أنّ الأئمة الأربعة تتلمذواعند أئمتكم؟

____________________

١) مرّ هذا البحث في أوائل المجلس الرابع.

٢) سورة يونس، الآية ٣٥.

٦٢٢

الإمام الصادقعليه‌السلام وموقعه العلمي

قلت: دليلنا هو التاريخ الذي كتبه أعلامكم، فقد ذكر الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمةعليهم‌السلام - فصل حياة الإمام الصادقعليه‌السلام - قال:...

كان جعفر الصادقعليه‌السلام من بين إخوته خليفة أبيه ووصيه والقائم بالإمامة من بعده، برز على جماعة بالفضل وكان أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيتُهُ وذِكْرُه في ساير البلدان ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث، ورَوَى عنه جماعة من أعيان الأمّة مثل يحيى بن سعيد وابن جريح ومالك بن أنس والثوري وأبو عيينة وأبو حنيفة وشعبة وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم الخ.

وقال كمال الدين محمد بن طلحة العدوي القرشي الشافعي، في كتابه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول - الباب السادس في أبي عبد الله جعفر بن الصادقعليه‌السلام -:

هو من عظماء أهل البيت و ساداتهمعليه‌السلام ذو علوم جمَّة، و عبادة موفورة، و أوراد متواصلة، و زهادة بيِّنة، و تلاوة كثيرة، يتّبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره و يستنتج عجائبه، و يُقسّم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليه نفسه. رؤيتُهُ تُذكِّر بالآخرة، و استماع كلامه يزهد في الدّنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنة، نورُ قسماتهِ شاهدٌ أنه من سلالة النبوة، و طهارة أفعاله تصْدَعُ أنه من

٦٢٣

ذرية الرسالة.

نَقَل عنه الحديث و استفاد منه العلم جماعة من الأئمة و أعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري و ابن جريح و مالك بن أنس و الثوري و ابن عيينة و أبي حنيفة و شعبة و أيوب السختياني و غيرهم (رض) و عَدوّا أخذهم عنه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها الخ.

وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السّلمي وهو من أعلامكم في كتابه طبقات المشايخ: إنّ الإمام جعفر الصادق فاق جميع أقرانه، وهو ذو علم غزير في الدين وزُهْد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة الخ(١) .

____________________

١) أقول: ومما يناسب المقام كلام ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه على نهج البلاغة فقد قال: و من العلوم علم الفقه و هوعليه‌السلام - أي الإمام علي - أصلُه و أساسه و كل فقيه في الإسلام فهو عيالٌ عليه و مستفيدٌ من فقهه أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف و محمد و غيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة و أما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضاً إلى أبي حنيفة و أما أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعي فيرجع فقهه أيضاً إلى أبي حنيفة و أبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمدعليه‌السلام - أي الصادق -.

ويقول الالوسي البغدادي وهو من أعلام العامة، في كتابه التحفة الإثنا عشرية ص ٨: هذا أبو حنيفة وهو من أهل السنّة يفتخر ويقول بأفصح لسان: «لولا السنَتان لَهَلك النعمان» يعني السّنَتين اللّتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام الصادق الخ.

وجاء في كتاب مناقب أبي حنيفة للخوارزمي ج ١ /١٧٣ وفي جامع أسانيد أبي حنيفة ج ١ / ٢٢٢.

وفي تذكرة الحفاظ للذهبي: ج ١ /١٥٧. =

٦٢٤

. . . . .

____________________

= قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لمـّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد، فَهَيِّي لَهُ من المسائل الشِّداد.

فَهَيَّأتُ له أربعين مسألة، ثم بعث إليّ أبو جعفر و هو بالحيرة فأتيتُهُ فدخَلْتُ عليه و جعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما أبصرتُ به دَخَلَتْني من الهيبة لجعفر بن محمد ما لم يَدْخُلْني لأبي جعفر [المنصور] فسلّمتُ عليه، وأومأ إليَّ، فجلستُ ثمّ التَفْتُّ إليه، فقال: يا أبا عبد الله أ هذا أبو حنيفة، قال جعفر: نعم، ثم أتبَعَها: قد أتانا، كأنّه كره ما يقول فيه قومٌ أنّه إذا رأى الرجل عرفه.

ثم التفتَ المنصور إليَّ فقال: يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك! فجَعَلْتُ ألقي عليه فيُجيبُني، فيقول: أنتم تقولون كذا و أهل المدينة يقولون كذا و نحن نقول كذا، فربما تابَعَهم و ربما خالفنا جميعاً حتّى أتيتُ على الأربعين مسألة.

ثم قال أبو حنيفة: ألَسنا رُوينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟

وقال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج ٢ /١٠٣ تحت رقم ١٥٦: جعفر بن محمد وروى عنه شعبة والسفيانان ومالك وابن جريح و ابو حنيفة وابنه موسىعليه‌السلام ووهيب بن خالد والقطّان و أبو عاصم وخلق كثير، وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من اقرانه، ويزيد بن الهاد الخ.

وقال الخطيب التبريزي العمري في إكمال الرجال طبع دمشق /٦٢٣.

جعفر الصادق سمع منه الأئمة الاعلام نحو يحيى بن سعيد وابن جريح ومالك بن أنس والثوري وابن عيينة و أبو حنيفة الخ.

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ج ١ /١٦٦ ط حيدر آباد:

جعفر بن محمد... أحد السادة الاعلام وعنه اخذ - مالك والسفيانان وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطّان و أبو عاصم النبيل وخلقٌ كثير... =

٦٢٥

. . . . .

____________________

= وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد الخ.

وقال أبو نعيم في حلية الأولياء ج ٣/١٩٨ ط مصر:

روى عن جعفرعليه‌السلام عدة التابعين، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري و أبو السختياني وابان بن تغلب و أبو عمر بن العلاء ويزيد بن عبدالله بن الهاد.الخ.

وقال محمد بن عبد الغفّار في كتابه أئمة الهدى ص ١١٧ ط القاهرة:

لقد كان الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام بحراً زاخراً في العلم حيث أخذ عنه أربعة آلاف شيخ، فرووا عنه الحديث الشريف ومنهم أعلام العلم، كالإمام الاعظم أبي حنيفة والإمام مالك بن أنس والإمام سفيان الثوري وغيرهم من أجلّة العلماء الخ.

وقال الشبراوي في كتابه الاتحاف بحبّ الأشراف ص ٥٤ ط مصر:

السادس من الأئمة جعفر الصادقعليه‌السلام ذو المناقب الكثيرة والفضائل الشهيرة روى عنه الحديث أئمة كثيرون مثل مالك بن أنس وأبي حنيفة ويحيى بن سعيد وابن جريح والثوري وابن عيينة وشعبة وغيره الخ.

وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة: ص ١٢٠ ط مصر: جعفر الصادقعليه‌السلام نَقَل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيتُهُ في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الاكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وايوب السختياني الخ.

وجاء في كتاب رسائل الجاحظ ص ١٠٦ قوله: جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: أن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب.

وقال جمال الدين أبو المحاسن في كتاب النجوم الزاهرة: ج ٢ ص ٨ جعفر الصادق بن محمد الباقرعليه‌السلام .. حَدَّث عنه أبو حنيفة وابن جريح وشعبة والسفيانان ومالك وغيرهم الخ. =

٦٢٦

ولو نقلتُ لكم ما ذكره علماؤكم وأعلامكم عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ومقامه العلمي، وصفاته الحميدة وأخلاقه المحمودة لَطال بنا المقام، ولتقاصَرَ البيان عن أداء حقّه وتعريفه بما يستحقّه، وكلّ ما يُقال في علمه وخلقه وصفاته الحسنة لا يُبْلغ به معشار وما هو حقّه.

النوّاب: هل تأذن لي بالسؤال؟

قلتُ: أرجو أن يكون سؤالك فيما نحن فيه، وأن لا تخرجنا بسؤالك عن الموضوع.

قال النواب: إنّ مذهبكم يُعرَف بالمذهب الإثني عشري لأنكم تتّبعون إثني عشر إماماً. فلماذا اشتهر هذا المذهب باسم الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه فيُطلق عليكم الجعفرية نسبةً إليه؟

ظهور المذهب الجعفري

قلت: لقد جرت السنّة الإلهية على أنّ كل نبي يعيّن رجلاً وصيّاً لنفسه ليقوم بالأمر من بعده ولكي لا تكون أمّته حائرةً من بعده،

____________________

= وقال الزّركلي في الأعلام ج ١ /١٨٦: جعفر الصادق.. سادس الأئمة الإثنى عشر عند الإمامية، كان من أجلّ التابعين وله منزلة رفيعة في العلم، أخذ عنه جماعة، منهم أبو حنيفة ومالك وجابر بن حيّان، ولُقِّب بالصادق لأنّه لم يُعرَف عنه الكذب قط الخ.

وقال محمود بن وهيب البغدادي في كتاب جواهر الكلام ص ١٣ جعفر الصادق... نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان وروى عنه الأئمة الكبار كيحيى ومالك وأبي حنيفة الخ

«المترجم»

٦٢٧

فيضلوا عن سبيل الله سبحانه، فقد قال عزّ وجلّ:( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (١) . وبيّنا لكم في المجالس السابقة أنّ النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله عَيَّنَ الإمام عليٍّعليه‌السلام وصيّاً وأوصى إليه بأمرٍ من الله سبحانه وعيَّنَهُ خليفةً من بعده ليهديَ أُمَّته إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، ولكن السياسة اقتضت أن يخالفوا وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَدلوا عنه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وقد كانوا يستشيرونَهُ في أكثر الأمور، فكان يشير عليهم بالحق والصواب، وهو الذي كان يواجه علماء الأديان المناوئون للإسلام فيردُّ شبهاتهم ويجيب مسائلهم.

ولمـّا آل الأمر إلى بني أمية واغتصبَ معاوية عرش الخلافة، عاملوه وعاملوا أئمة أهل البيت والعترة الهاديةعليه‌السلام بكل قساوة، فما شاوروهم في أي أمرٍ من الأمور بل خالفوهم وما أذنوا لهم بنشر علومهم وبيان ما أخذوه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فطاردوا شيعتهم ومحبيهم وقتلوهم وسجنوهم وأبعدوهم إلى أن انتهت هذه السياسة الظالمة والسيرة الجائرة الغاشمة بقيامٍ عامٍّ من المسلمين ضدّ بني أمية فأبادوهم، وانتقل الحكم إلى بني العباس وكان ذلك في عصر الإمام الصادقعليه‌السلام الذي اغتنم هذه الفرصة التي أُتيحت له بانشغال الدولتين فَفَتح باب بيته على مصراعيه ليستقبل من روّاد العلم وطلّابه، فوفد نحوه العلماء من كل صَوْب ومن كل مكان ليرتووا من منهله ويستقوا من منبعه العَذْب الصّافي، وقد عَدَّ بعضِ المحققين والمؤرّخين تلاميذه فتجاوز الأربعة آلاف، فالتفّ حوله طلّاب الحق فكشَفَ لهم الحقائق العلمية، وأوضح لهم المسائل الاعتقادية، وبيّنَ لهم المسائل الدينية

____________________

١) سورة الرعد، الآية ٧.

٦٢٨

مستنداً فيها على الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الشريفة التي وصلته عن طريق آبائه الطيبين والأئمة المعصومين من أهل البيتعليهم‌السلام .

وهكذا انتشرت عن طريقه أصول مذهب الشيعة وعقائدهم الحقّة، وقد ألّف بعض أصحابه وتلامذته المقرّبين رسائل في هذا الأمر اشتهرت بالأصول الأربعمائة.

ولم ينحصر علمه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية بل كان بحراً زاخراً في شتى العلوم حتى أنّ جابر بن حيّان أخذ منه علم الكيمياء وألّف في ذلك رسائل عديدة تُدرَّس بعضها إلى يومنا هذا في الجامعات العلمية.

وبعدما تسلَّطَ بنو العباس على الحكم وقويت شوكتهم، منعوه من نشر العلم وتدريسه، ودام المنع على أبنائه الأئمة الطاهرينعليه‌السلام من بعده، فالفرصة التي أتيحت له في فترة قصيرة ما أتيحت لأحد من آبائه ولا لأحد من أبنائه الهداة الطيبين.

فلذلك اشتهر هذا المذهب باسمه وانتسب إليه، فيقال: مذهب جعفر بن محمد أو المذهب الجعفري.

فالإمام الصادقعليه‌السلام كما يعترفُ أعلامكم وكبار علمائكم هو أفقه وأعلم أهل زمانه، وكما أشرنا بأنّ الأئمة وغيرهم من أئمة الفقه أخذوا عنه وتتلمذوا عنده، وكل واحد استفاد من محضره حسب استعداده. وكانعليه‌السلام أفضلهم وأزهدهم و أورعهم ومع ذلك ترك أسلافكم تقليده ومتابعته، حتّى أنّهم أَبَوا أن يجعلوه في عداد الأئمة الأربعة! لماذا هذا الجفاء والبغضاء؟ هل لأنّه من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن عترته الطاهرةعليه‌السلام ؟!

٦٢٩

وقد بالغ بعض محدّثيكم وأعلامكم في البعض والجفاء لأهل البيت إلى حدّ العناد، بحيث أبَوا أن ينقلوا عنهم الحديث الذي يروونه عن جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (مع ما أوصى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم، وتحريضه الأمة على إكرامهم واحترامهم ومتابعتهم).

فهذا البخاري ومسلم لم ينقلا روايات الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام في صحيحهما، بل لم ينقلا عن أبي واحد من علماء أهل البيت وفقهائهم، مثل زيد بن علي الشهيد والمدفون في« فخ» ويحيى ابن عبدالله بن الحسن وأخيه ادريس، ومحمد بن الإمام الصادق ومحمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا ومحمد بن محمد بن زيد وعبدالله بن الحسن وعلي بن جعفر العُرَيضي وغيرهم من أكابر وسادات بني هاشم من المحدثين والفقهاء، فلم ينقلا عنهم. والعجيب أنّ البخاري ينقل ويروي عن أناسٍ ضعفاء في الإيمان والعقيدة، بل ينقل عن عدة من الخوارج والذين نصبوا العداء لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أمثال أبي هريرة وعكرمة وعمران بن حطّان الذي يمدح ابن ملجم المرادي قاتل الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وقد كتب ابن البيّع أنّ البخاري روى في صحيحه عن ألف ومئتين خارجي وناصبي من قبيل عمران بن حطان(١) .

____________________

١) عمران بن حطّان السدوسي البصري المتوفى سنة ٨٤ هـ كان من رؤوس الخوارج والمعلنين عداء الإمام عليعليه‌السلام ، و هو والمادح ابن ملجم المرادي لعنه الله بقوله:

يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها

إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

=

٦٣٠

وإنّي أتعجّب وأتأسّف من رأي بعض أعلامكم إذْ يَرَوْن بأنّ أَتْباع الأئمة الأربعة مسلمين مؤمنين، ولكنّ شيعة آل محمّد وأتّباع الإمام جعفر الصادقصلى‌الله‌عليه‌وآله كفرة ومشركين، فيفترون على طائفة كبيرة من المسلمين وعدداً كثيراً بالكفر والشرك. فلو قسْنا الشيعة بأتباع كلّ مذهب من المذاهب الأربعة من أهل السنّة لوحدهم فالشيعة هم الأكثر،فإن أتباع الإمام الصادقعليه‌السلام ، أكثر عدداً من أتباع مالك بن أنس و شيعة الإمام الصادقعليه‌السلام ، أكثر من أتباع محمد بن إدريس وهكذا لو قسناهم مع أتباع أبي حنيفة لوحدهم وأتباع أحمد بن حنبل لوحدهم، لوجدنا شيعة الإمام الصادقعليه‌السلام أكثر عدداً، وإنّي أعلنُ بأننا نحن الشيعة ندعوا إخواننا السنة إلى التقارب والوحدة ونبرأ إلى

____________________

= مع العلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف ابن ملجم بأنه أشقى الأولين والآخرين.

ويروي البخاري عن أبي الأحمر السائب بن فروخ وكان شاعراً فاسقاً ومبغضاً لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو القائل لأبي عامر بن وائلة الصحابي المعروف بأبي الطفيل من شيعة الإمام عليعليه‌السلام :

لعمرك إنني وأبا الطفيل

لمختلفان واللهُ شهيد

لقد ضلّوا بحبّ أبي ترابٍ

كما ضلّت عن الحق اليهود

مع العلم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: علي مع الحق والحق مع علي.

ويروي أيضاً عن حريز بن عثمان الحمصي، المشهور بالنّصب والمعلن عداءه لعليعليه‌السلام .

ويروي عن إسحاق بن سويد التميمي وعبدالله بن سالم الأشعري وزياد بن علاقة الكوفي، وأمثالهم الذين عرفوا واشتهروا بعدائهم للإمام عليعليه‌السلام .

«المترجم»

٦٣١

الله تعالى من التنافر والتفرقة.

الحافظ: إنّي أؤيّد كثيراً من كلامك وأعترف بأنّ هناك بعض التعصّبات حاكمة على كثير من أهل السنة، ولكن لو تحقّقنا عن الأسباب لعرفناها ترجع إليكم، لأنكم أنتم - علماء الشيعة ومبلغيهم - لا ترشدون عوام الشيعة إلى الحق ولا تنهونهم عن الباطل، فهم يتكلمون بكلمات تنتهي إلى الكفر والشرك.

قلت: أرجوك أن توضّح لي كلامك وتبيّن لي مثالاً من كلام عوام الشيعة الذي ينتهي إلى الكفر!!

مطاعن الشيعة في الصحابة وزوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

الحافظ: مما لاشك فيه أنّ المطاعن التي تروونها على الصحابة المقرّبين لرسول الله وبعض زوجاته الطاهرات رضي الله عنهم كفرٌ صريح، اذ إنّ هؤلاء الصحابة هم الذين جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا الكفار تحت راية النبي وقد قال سبحانه فيهم:( لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (١) فالذين يُعلن الله تعالى رضاه عنهم، ورسول الله يكرمهم ويحترمهم ويحدّث عن فضائلهم، وهو كما قال سبحانه في سورة النجم( وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى‌* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٢) .

فالطعن فيهم إنكارٌ للقرآن والنبي، وهو كفرٌ، والمنكر كافر.

____________________

١) سورة الفتح، الآية ١٨.

٢) سورة النجم، الآية ٣ و ٤.

٦٣٢

قلت: إنّي لا أحب أن يخوض في هكذا مسائل فالرجاء أن تترك هذا السؤال ولا تُطالبني بالجواب في حضور هذا الجمع، بل أجتمع بك وحدك وأعطيك الجواب.

الحافظ: الحقيقة، إنّ هذا السؤال والموضوع مطروح من قِبَل الجماعة الذين معي لأنهم أَلَحُّوا عليَّ وأكَّدوا في الليلة الماضية حينما انتهينا من البحث وخرجنا إلى البيت، على أن أطرح هذا البحث فكلهم يحبّ أن يسمع جوابكم.

النوّاب: صحيح يا مولانا كلنا نحب أن نسمع جواب هذا السؤال.

قلت: إني أتعجّب من جنابكم وما كنت أتوقّع طرح هذا السؤال، مع ما بينّاه في الليالي الماضية وأوضحنا لكم معنى الكفر والشرك وأثبتنا بأنّ الشيعة سائرون في طريق أهل البيتعليهم‌السلام ، وتابعون لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم المؤمنون حقاً.

وأما الموضوع الذي طرحه جناب الحافظ، فهو ذو جهات، وليس موضوعاً واحداً، ولابدّ لي أن أبسطه وأشرحه، حتّى يعرف الحاضرون حقيقة الأمر ويقضوا بالحق، وحتى نزول الشبهات الواقعة في نفوسهم ضد الشيعة.

سبّ الصحابة لا يوجب الكفر

أمّا قول الحافظ: بأنّ سبّ الصحابة والطعن فيهم ولعنهم، ولعن بعض زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قِبَل الشيعة موجبٌ لكفر الشيعة، فهو حكمٌ غريب! ولا أدري بأي دليل من القرآن والسنّة النبوية صَدَّر هذا الحكم؟!!

٦٣٣

فإنّ بيان الطعن وكذلك السب واللعن إذا كان مستنداً إلى دليل وبرهان فلا إشكال فيه(١) .

وإنْ كان من غير دليل وبرهان فهو فسقٌ، حتّى إذا كان على أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وزوجاته(٢) وهذا رأي بعض أعلامكم كابن حزم

____________________

١) انّ الله سبحانه لعن كثيراً من الناس في القرآن الحكيم كقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَکْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَ الْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْکِتَابِ أُولٰئِکَ يَلْعَنُهُمُ الله وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ‌ ) البقرة ١٥٩، وكقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) الأحزاب ٥٧، وكذلك غير اللعن كما في قوله تعالى:( وَ لاَ تُطِعْ کُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‌ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذٰلِکَ زَنِيمٍ‌ ) القلم ١٠ - ١٣.

«المترجم»

٢) لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر» صحيح البخاري ج ٨/١٨ من حديث ابن مسعود.

فالشيعة لا يلعنون مؤمناً وإنما يلعنون الذين كفروا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وارتدّوا بعده، وهم الذين اشار الله سبحانه إليهم في قوله:( وَ مَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئاً وَ سَيَجْزِي الله الشَّاکِرِينَ‌ ) آل عمران /١٤٤، وهؤلاء هم الذين قاتلوا علياًعليه‌السلام وأصحابه المؤمنين، إذ كان هوعليه‌السلام يومئذ خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين الذي بايعه أهل الحل والعقد وأجمعوا على ولايته وخلافته، فالذين خرجوا عليه وخالفوه، شقّوا عَصَى المسلمين وقاتلوا المؤمنين، وأصبحوا بعملهم هذا كافرين.

والعجب أنّكم تُكفّرون الشيعة لسبهم ولعنهم معاوية وعائشة وطلحة وابن العاص وأمثالهم الذين قادوا الناس لقتال المسلمين ومحاربة أمير المؤمنينعليه‌السلام <=

٦٣٤

حيث يقول في كتابه « الفصل ج ٣/٢٥٧ ».

وأمّا مَن سَبَّ أحداً من الصحابة (رض)، فإن كان جاهلاً فمعذور، وإن قامت عليه الحجّة فتمادى غيرَ معاند فهو فاسق، كمن زنى وسرق وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو كافر، وقد قال عمر (رض) بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن حاطب، وحاطب مهاجرٌ بدريٌ: دعني أضرب عنق هذا المنافق!

فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً، بل كان مخطئاً متأوٍّلاً الخ.

وقد أفرط أبو الحسن الأشعري [ وهو إمامكم في مثل هذه المسائل ] فإنه يرى: إنّ من كان في الباطن مؤمناً وتظاهر بالكفر، فهو غير كافر، حتى إذا سب الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير عذر بل حتّى إذا خرج لحرب النبي! [ والعياذ بالله ].

ويستدلّ على ذلك بأن الكفر والإيمان محلهما في القلب وهما من الأمور الخفيّة الباطنيّة، فلا يمكن لأحدٍ أن يطّلع على باطن الإنسان وما في قلبه إلّا الله سبحانه(١) !!

____________________

= ولا تكفرونهم مع وجود هذا النص الصريح والحديث النبوي الصحيح:

سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر / صحيح البخاري ج ٨ /١٨.

«المترجم»

١)أقول: لقد ارتئا إمام الأشاعرة هذا الرأي الباطل ليبرّر ساحة معاوية وأنصاره، وعائشة وجنودها الذين حاربوا الله ورسوله بقتالهم أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام وبسفكهم دماء المؤمنين والمسلمين، وكذلك بسبهم ولعنهم إمام المتقين وسيد =

٦٣٥

فكيف يُكفِر جناب الحافظ وأمثاله، شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لمجرّد سبهم بعض الصحابة وبعض زوجات النبي؟

مع العلم بأنّ كثيراً من علمائكم وأعلامكم السابقين ردّوا هذا الحكم الجائر ونسبوا قائليه إلى الجهل والتعصب. وحكموا بأنّ الشيعة مسلمون مؤمنون.

منهم القاضي عبدالرحمن الإيجي الشافعي في كتابه المواقف، ردّ كل الوجوه التي بيّنها بعض المتعصّبين من أهل السنّة في تكفير الشيعة وأثبت بطلانها.

ومنهم الإمام محمد الغزالي، صرّح بأنّ سب الصحابة لا يوجب الكفر، حتّى سب الشيخين ليس بكفر.

ومنهم سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح العقائد النسفية، تناول هذا البحث بالتفصيل وخرج إلى أنّ سابّ الصحابة ليس بكافر.

ثم إن أكثر مَن كتب مِن أعلامكم في الملل والنحل وكتب في المذاهب الإسلاميّة: عدّ الشيعة من المسلمين وذكرهم في عِداد المذاهب

____________________

= الوصيّين علياًعليه‌السلام ، وهو نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في كتاب الله العزيز في آية المباهلة ولذلك حكم العلماء المحقّقون بكفر من سبَّهعليه‌السلام وقالوا: إنّ سابَّ عليٍّعليه‌السلام سابٌّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أفرد العلّامة الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب - الباب العاشر بعنوان «كفر من سبَّ علياًعليه‌السلام » - روى بسنده عن عبد الله بن عباس: أشهد على رسول الله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سمعته أذناي ووعاه قلبي، يقول لعلي بن أبي طالب من سبَّك فقد سبَّني ومن سبَّني فقد سبَّ الله ومن سبَّ الله أكبَّه على منخريه في النار.

«المترجم»

٦٣٦

الإسلامية الأخرى.

منهم العلّامة بن الأثير الجزري في كتابه جامع الأصول، ومنهم الشهرستاني في كتابه الملل والنِحَل.

وممّا يُذكر في عدم كفر السابّ لبعض صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أبا بكر قد سبّه أحد المسلمين وشتمه فما أمر بقتله، كما جاء في مستدرك الحاكم النيسابوري ج ٤/٣٥٥ أخرج بسنده عن أبي برزة الاسلمي (رض) قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) فقلت: يا خليفة رسول الله ألا أقتله؟! فقال: ليس هذا إلَّا لمن شتم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأخرجه الإمام أحمد في المسند ج ١/٩ بسنده عن ثوية العنبري قال: سمعت أبا سوار القاضي يقول: عن ابن برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق (رض) قال: فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟

قال فانتهره وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله.

ورواه الذهبي في تلخيص المستدرك، والقاضي عيّاض في الشفاء ج ٤/ الباب الأول، والإمام الغزالي في إحياء العلوم ج ٢.

فإذا كان الأمر كذلك، إذ يسمع الخليفة مِن رجل السباب والشتم ولا يحكم بكفر ولا يقتله.

فلماذا أنتم علماء تُغوون أتباعكم العوام وتكفّرون الشيعة عندهم بحجّة أنّهم يسبّون الصحابة ويشتمون الخلفاء، ثمّ تبيحون لهم قتل الشيعة المؤمنين!!

وإذا كان سب صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله موجباً للكفر، فلماذا لا تحكمون بكفر معاوية وأتباعه الذين كانوا يسبّون ويلعنون أفضل

٦٣٧

صحابة رسول الله وأعلمهم وأروعهم، ألا وهو أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟!

وإذا كان سبّ الصحابة يوجب الكفر، فلماذا لا تكفّرون عائشة - أم المؤمنين - إذا كانت تشتم عثمان وتحرِّضُ أبناءها على قتله فتقول: اقتلوا نَعْثَلاً فقد كفر؟!

كيف تحكمون في موضوع واحد بحكمين متناقضيْن؟!

فإذا سبّ أحد الشيعة ولعن عثمان، تُكفّروه وتحكمون بقتله. ولكن عائشة التي كفّرت عثمان وحرّضت المسلمين على قتله تكون عندكم محترمة ومكرَّمة!! فما هذا التهافت والتّناقض؟!

النوّاب: ما معنى نَعْثَل؟ ولماذا كانت أم المؤمنين تسمي عثمان بنعثل؟

قلت: معنى نعثل - كما قال الفيروز آبادي [ وهو من أعلامكم ] في القاموس - معناه: الشيخ المخرف.

وقال العلامة القزويني في شرحه على القاموس: ذكر ابن حجر في كتابه تبصرة المنتبه: انّ نعثل يهودي كان بالمدينة هو رجل لحياني يُشبَّه به عثمان.

نرجع إلى بحثنا، فأقول:

إذا كان سب الصحابة يلزم منه الكفر، فإنّ أول من بدأ بالسبّ هو أبو بكر لما سبّ الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنبر في المسجد، وعليٌ هو أفضل الصحابة وأقربهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأعظمهم قدراً وأكبرهم شأناً عند الله عزّ وجلّ.

ومع ذلك أنتم لا تقبِّحون عمل أبي بكر، بل تكرموه وتعظّموه!!

٦٣٨

الحافظ: هذا افتراءٌ وكذب منكم على الصدّيق، فإن أبا بكر أجلُّ وأكرم من أنْ يسبَّ علياً كرّم الله وجهه، وما سمعنا بهذا إلّا منكم، وأنا على يقين بأنّ الصدّيق بريءٌ من هكذا أفعال وأعمال قبيحة.

قلت: لا تتسرّع في الحكم ولا تتّهمني بالكذب والإفتراء وقد ثبت لديكم بأنّي لا أتكلم بغير دليل وبغير شاهد من كتبكم ولكي تعرف صدق كلامي وتعلم بأنّ أبا بكر ارتكب هذا العمل القبيح فراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٦ /٢١٤ و ٢١٥ ط. إحياء التراث العربي، قال:

فلما سمع أبو بكر خطبتها [ أي خطبة سيدة النساء فاطمةعليه‌السلام ] شقّ عليه مقالتها فصعد المنبر و قال أيها الناس

إنما هو- أي عليٌعليه‌السلام - ثعالة شهيده ذَنَبه، مُربِّ لكل فتنة هو الذي يقول كرّوها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء كأُمِّ طِحال أحبّ أهلها إليها البغي(١) .

____________________

١) قال ابن أبي الحديد: قرأتُ هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري. فقلت له: بمن يعرِّض.؟

فقال بل يصرّح. قلت لو صرّح لم أسألك. فضحك و قال بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قلت أ هذا الكلام كلّه لعليّعليه‌السلام ؟ قال نعم إنّه المـُلْك يا بُني! قلت فما مقالة الأنصار؟

قال هتفوا بذكر عليٍّ، فخاف من اضطراب الأمر عليه فنهاهم. فسألته عن غريبه، فقال: و ثُعالة اسم للثعلب عَلَم غير مصروف و اُمّ طِحال: امرأةُ بغيٌّ في الجاهلية، و يُضرَبُ بها المـَثَل فيقال: اَزنى من اُمِّ طِحال.

«المترجم»

٦٣٩

فإذا حكمتم بكفر من سبّ أحد الصحابة، فيلزم أنْ تحكموا بكفر أبي بكر وبنته وعائشة، وكذلك معاوية وأنصاره وتابعيهم، وإذا لم تحكموا بكفر هؤلاء لسبهم ولعنهم عليّاًعليه‌السلام فيلزم أن تعمِّموا الحكم ولا تُكفِّروا الشيعة الموالين للعترة الهاديةعليه‌السلام لسبّهم بعض الصحابة.

كما أفتى وحكم كثيرٌ من فقهائكم وعلمائكم بأنّ السّاب للصحابة غير كافر ولا يجوز قتله وذلك باستناد الخبر الذي رواه أحمد ابن حنبل في مسنده ج ٣، والقاضي عياض في كتاب الشفاء ج ٤ الباب الأول، وابن سعد في كتاب الطبقات ج ٥ /٢٧٩ أخرج بسنده عن سهيل بن أبي صالح أن عمر بن عبد العزيز قال: لا يُقتَل أحدٌ في سبّ أحد إلّا في سبّ نبي.

واستناداً على ما مرّ من الخبر الذي نقلناه عن الحاكم النيسابوري في مستدركه ج ٤/٣٥٥، وأخرجه أحمد في مسنده ج ١/٩ كلاهما عن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر، فقال أبو برزة: ألا أضرب عنقه؟ فانتهره - أبو بكر - وقال: ما هي لأحدٍ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

احترام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه

وأما قول الحافظ: بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحترم أصحابه ويكرمهم.

فلا ننكر ذلك ولكن العلماء أجمعوا على أنّ احترام النبي للناس كان بسبب أعمالهم حتّى انه كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يقدّر ويحترم عدل كسرى،

٦٤٠