مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252312
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252312 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الرابع من كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام .

وجلال الدين السيوطي في كتابه «رسالة الأزهار».

والحافظ أبو سعيد الخر گ وشي في «شرف المصطفى ».

والحافظ أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.

والحافظ جمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين.

والحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في علي.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين / باب ١٢.

والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.

وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص /٢٠.

والعلّامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الأول.

وغير هؤلاء الأعلام من علماء العامة ومؤرّخيهم ذكروا عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أنّ حسان بن ثابت قام بعدما فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خطابه يوم الغدير، فقال: يا رسول الله! أتأذن لي أن أقول أبياتاً؟

فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل على بركة الله تعالى.

فصعد على مرتفع من الأرض وارتجل بهذه الأبيات:

يناديهم يوم الغدير نبيُّهم

بخمٍّ فاسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم و وليّكم؟

فقالوا: و لم يبدوا هناك التّعاميا

إلهك مولانا و أنت وليُّنا

ولم تلف منّا في ولاية عاصيا

فقال له: قم يا عليُ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً و هاديا

من كنتُ مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

و كن للذي عادى علياً معاديا

٧٠١

فيتّضح لكلّ منصف من هذه الأبيات: أنّ الأصحاب والحاضرين في يوم الغدير فهموا من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وخطابه وعمله أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصب علياًعليه‌السلام إماماً وخليفة على الناس، وأن رسول الله لم يقصد من كلمة المولى سوى الولاية الأولوية والتصرّف في شئون العامّة. فلذا صرَّح بذلك حسّان في شعره بمسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومرأىً:

فقال له قم يا علي فانّني

رضيتك من بعدي إماماً و هاديا(١)

____________________

١) نجد لغير حسان أيضاً من الصحابة أبياتاً تتضمّن هذا المعنى منهم الصحابي الجليل سيّد الخزرج قيس بن سعد الخزرجي الأنصاري، كما ذكر أبيات شعره سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة / ٢٠/ فقال: إنّ قيس أنشدها بين يدي عليّعليه‌السلام في صفين:

قلتُ لمـّا بغى العدوُّ علينا:

حسبنا ربّنا ونعم الوكيل

حسبنا ربنا الذي فتح البصر

ة بالأمس والحديث طويل

ويقول فيها:

وعلي إمامُنا وإمامٌ

لسوانا أتى به التنزيلُ

يوم قال النبي: من كنت مولا

ه فهذا مولاه خطبٌ جليل

إنما قاله النبيُ على الأمة

حتمٌ ما فيه قالٌ وقيل

ومنهم عمرو بن العاص مع ما كان يحمله من البغضاء والعداء على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لكنه حينما تشاجر مع معاوية حول ولاية مصر وخراجه ردّ على كتاب معاوية بقصيدة معروفة بالجلجلية، ولكي تعرف مصادرها من كتب العامّة راجع كتاب الغدير للعلامة الكبير والحبر الخبير الأميني قدس سره: ج ٢ ص ١١٤ وما بعد. قال فيها:

نصرناك من جهلنا يا ابن هند

على النبأ الأعظم الأفضل

وحيث رفعناك فوق الرؤوس

نزلنا إلى أسفل الأسفل

=

٧٠٢

. . . . .

____________________

=

وكم قد سمعنا من المصطفى

وصايا مخصَّصةً في علي؟

وفي يوم «خمّ» رقى منبراً

يُبلّغ والركبُ لم يرحَل

وفي كفّهِ كَفّهُ معلناً

يُنادي بأمر العزيز العلي

ألستُ بكم منكم في النفوس

بأولى؟ فقالوا: بلى فافعل

فأنْحَلَه إمَرة المؤمنين

مِن الله مُستخلفِ المنحل

وقال: من كنت مولىً له

فهذا له اليوم نِعَم الولي

فوال مواليه يا ذا الجلال

وعاد معادي أخ المرسَل

ولا تَنْقُضوا العهد من عترتي

فَقاطِعُهم بيَ لم يوصَل

وقال وليكم فاحفظوه

فمَدْخَلُه فيكم مُدْخلي

فبخبخ شيخك لمـا رأى

عُرى عَقْدِ حيْدَرَ لم تحلّل

إلى آخر قصيدته التي يقول فيها مخاطباً لمعاوية:

فأنّك في إمرة المؤمنين

ودعوى الخلافة في معزل

وما لك فيها ولا ذرّة

ولا لجدودك بالأوَّل

فإنْ كان بينكم نسبةً

فأين الحسام من المنجل؟!

وأين الحصى من نجوم السما؟

وأين معاوية من علي؟!

أيها القارئ الكريم فكر في معنى البيتين وأنصف!

فأنحله إمرة المؤمنين

من الله مستخلف المنحل

وقال وليكم فاحفظوه

فمدخله فيكم مدخلي

هكذا فهم عمرو بن العاص حديث النبي وخطابه في الغدير.

«المترجم»

٧٠٣

ولو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقصد غير ما قاله حسّان لأمر بتغير شعره ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّد شعر حسّان وقال له: لا تزال مؤيّداً بروح القدس. وفي بعض الأخبار: لقد نطق روح القدس على لسانك! وهذا البيت يؤيّد ويصدّق ما رواه الطبري في كتابه الولاية من خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الغدير فقال فيما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

اسمعوا وأطيعوا فإنّ الله مولاكم وعليٌّ إمامكم ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة.

معاشر الناس هذا أخي ووصيّي و واعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي.

الذين نقضوا العهد

على أيّ تقدير، سواءً تفسِّرون حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما نفسره نحن الشيعة، أو بتفسيركم أنتم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد من قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» أي المحب والناصر، فممّا لاشك فيه أنّ الأصحاب خالفوا علياًعليه‌السلام بعد رسول الله في قضية الخلافة وخذلوه ولم ينصروه، فنقضوا العهد الذي أخذه منه نبيهم في الإمام عليعليه‌السلام ، وهذا لا ينكره أحدٌ من أهل العلم والإطّلاع من الفريقين.

فعلى تقدير معنى المولى وتفسيره بالمحب والناصر، وأنّ النبي يوم الغدير أمر أصحابه أن يحبوا علياً وينصروه. فهل هجومهم على باب داره وإتيانهم النار، وتهديدهم بحرق الدّار ومَن فيها، وترويعهم أهل البيت الشريف، وإيذاؤهم فاطمة وأبناءها، وإخراجهم علياً من البيت

٧٠٤

كُرْهاً مُصْلتين سيوفهم عليه، يهدّدونه بالقتل إنْ لم يبايع أبا بكر، وضَرْبهم حبيبة رسول الله وبضعته الزهراء حتّى أسقطوا جنينها المحسن!!

فهل هذه الجرائم والجنيات التي ارتكبها كثيرٌ من الصحابة كان امتثالاً لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير؟! أم كان خلافاً له وهل كل ما فعلوه من حين السقيفة وبعدها إلى السيدة فاطمة الزهراءعليه‌السلام ، يوافق ما فسّرتموه من معنى المولى؟ أم انبعثت وكشفت عن البغضاء والشحناء؟!

وهل هذه الأعمال الوحشية، كانت المودّة التي فرضها الله على المسلمين لقُربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ومَنْ أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من فاطمة؟!

والله سبحانه يقول:( قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) .

وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بصلة أقربائه وأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يَصِلوا أقرباءه ولا يقطعوهم كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم، وذَكره الحمويني أيضاً عن عكرمة عن ابن عباس كما نقله عنهما الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الثالث والأربعون.

ونقله عن حلية الأولياء ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٩ / ١٧٠ / الخبر الثاني عشر / ط. دار إحياء التراث العربي:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرَّه أن يحيا حياتي، و يموت مماتي، و يسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي، فليوال علياً من بعدي و ليوال وليَّه و ليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خُلقوا من طينتي و رُزقوا فهماً

____________________

١) سورة الشورى، الآية ٢٣.

٧٠٥

و علماً، فويل للمكذبين من أمتي القاطعين فيهم صِلَتي، لا أنالهمُ الله شفاعتي.

وكلهم عاهدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على مودّة أهل بيته ولكنهم نقضوا العهد، وكأنّهم ما سمعوا ولم يقرءوا كتاب الله العزيز حيث يقول:( وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (١) .

فاتركوا التعصب واتبعوا الحق تسعدوا!

الحافظ: لا نسمح لكم أن تنسبوا صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى نقض العهد والميثاق، وهم المجاهدون في سبيل الله والصابرون في سوح القتال والمتحمِّلون ضربات السيوف وطعنات الرماح!!

كيف تجيزون أنفسكم أن تنسبوا أولئك المؤمنين والمجاهدين إلى نقض العهد والميثاق؟!

إنّ تهجّمكم على الصحابة الكرام وتجرّاكم عليهم بنسبة ما لا يليق إليهم سببٌ لتكفيركم عند أكثر أهل السُنّة.

قلت: إنْ كان هذا الأمر سبب تكفيرنا، فالصحابة كلهم كافرون! وعلماؤكم وأعلامكم أكثرهم كافرون! لأنّنا ننقل عنهم، ولا نقول شيءً بغير دليل، وإنما دائماً نذكر مصادر ما نقوله فيهم من كتبكم ومسانيدكم وهذا واضح للحاضرين في ما تحدثنا وناقشناه في المجالس السالفة.

ولكننا نمتاز بأننا نضع النقاط على الحروف ونلفت أنظار المسلمين إلى أفعال الصحابة وأفعالهم، فنمدح محسنهم ونؤيّد حسناته ليرغب

____________________

١) سورة الرعد، الآية ٢٥.

٧٠٦

المؤمنون بالتأسّي والاقتداء بهم، ويحبّونهم لحب الله وحبّ الخير والحق والاحسان.

ونقدح بالمسيء من الصحابة ونذمّهم لسيئاتهم ومنكراته وما عملوا من الباطل، حتّى يتبرّأ المؤمنون منهم، ويستنكروا أفعالهم المنافية للإيمان والوجدان وللسنّة والقرآن!! لكي لا يرتكبوها ولا يكرّروها بحجّة الاقتداء بالصحابة، فإنّ منهم الصاحون ومنهم الطالحون.

ملخص الكلام: نحن إنّما ننشر فضائل المحسنين وفضائح المسيئين من الصحابة، من باب نشر المعروف وإنكار المنكر، ولكي نعطي كل ذي حقٍّ حقّه.

فإنْ تنكرون علينا هذا الأمر وتكفِّرونا من أجله، فالأحرى أن تنكروا على صحابة الرسول وتكفّروهم حتى الشيخين! لأنهم كانوا ينتقدون بعضهم بعضاً ويطعن بعضهم في بعض وكانوا يتسابون ويتقاتلون!! وإنّ أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار فاطمةعليه‌السلام وأحداث قتل عثمان وحرب الجمل وصفّين أدلّ دليل على ذلك.

وأنتم إمّا تجهلون الحقائق أو تتجاهلون، أو أنّ محبّتكم للصحابة وصلت إلى حدّ المثل الشائع:

«حبُّ الشيء يعمي ويصم» ، لذلك حينما تسمع مني بأنّ الصحابة بعضهم نقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتغضب وتتعصّب للصحابة وتنكر الخبر!! ومقتضى الحال أن تطالبني بالدليل قبل أنْ تغضب وتتعصب.

الحافظ: الآن أطالبك بدليلك، فأت به إن كنت من الصادقين!

٧٠٧

أكثرهم نقضوا العهد

أولاً: ثبتَ عند كل عالم ذي وجدان وصاحب ضمير، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير أخذ العهد والميثاق من أصحابه على حب عليَّ ونصرته وموالاته وطاعته، فيا تُرى هل نصروه في أحداث السقيفة وما بعدها أم خذلوه؟ ونقضوا عهد الله وميثاقه الذي أخذه عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغدير وخالفوه؟!

ثانياً: قد صدر منهم في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نَقْض العهد أيضاً، فإنهم بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعاهدوه على أن يقاتلوا دونه ولا يتركوه في المعركة ولا يولّوا الدّبر للأعداء، بل يقابلوهم وجهاً لوجه حتى ينالوا إحدى الحسنيين. ولقد حذَّرهم الله سبحانه من الفرار والهزيمة في القتال والجهاد فقال:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله وَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١) .

وقد ذكر كثيرٌ من محدثيكم ومؤرخيكم أنّ كثيراً من الأصحاب انهزموا وفرّوا يوم حنين، وأجمعوا أنّ جُلهم فروا يوم أحد وفي خيبر ومنهم الشيخان وعثمان:

أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٥ / ٢٤ / طبع دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال: و كان ممن وَلّى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزية و سعد

____________________

١) سورة الأنفال، الآية ١٥ و ١٦.

٧٠٨

بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عمر و لقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب و تقول لبعضهم: هاك المِغزَل فاغزل به!!

و احتجّ مَن قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحُديبية قال: قال عمر يومئذٍ: يا رسول الله، أ لم تكن حدّثتنا أنك ستدخل المسجدَ الحرام و تأخذ مفتاح الكعبة و تُعرِّف مع المعرّفين و هَدينا لم يَصلْ إلى البيت و لا نُحر؟!! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أ قلْتُ لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنكم ستدخلونه و آخذُ مفتاح الكعبة و أحلق رأسي و رؤسكم ببطن مكة و أعرِّف مع المعرّفين، ثم أقبلصلى‌الله‌عليه‌وآله على عمر و قال: أ نسيتم يوم اُحدُ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ ) (١) و أنا أدعوكم في أُخراكم!

أ نسيتم يوم الأحزاب( إِذْ جَاءُوکُمْ مِنْ فَوْقِکُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْکُمْ وَ إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا ) (٢) !

أ نسيتم يوم كذا! و جعلصلى‌الله‌عليه‌وآله يذكِّرهم أموراً.

أ نسيتم يوم كذا!

فقال المسلمون صدق اللهُ وصدق رسولُه، أنتَ يا رسول الله أعلمُ بالله منا.

فلمّا دخل عام القضيّة و حلق رأسه قال: هذا الذي كنتُ وعدتُكم به، فلما كان يوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اُدعوا اليَّ عمر بن الخطاب، فجاء فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا الذي كنتُ قلتُ لكم.

قالوا: فلو لم يكن فرَّ يومَ أُحُد لما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله له: أ نسيتم يوم أُحُد

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ١٥٣.

٢) سورة الأحزاب، الآية ١٠.

٧٠٩

( إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لاَ تَلْوُونَ ) (١) .

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ١٥٣.

قال الله سبحانه في سورة التوبة الآية ٢٥:( وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْکُمْ شَيْئاً وَ ضَاقَتْ عَلَيْکُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ) .

فيا ترى من هؤلاء الذين ولّو مدبرين؟

أخرج البخاري في: ج ٣ / ٦٧ / طبع عيسى البابي الحلبي بمصر:

عن أبي محمد مولى أبي قتادة قال: لما كان يوم حنين نظرتُ إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعتُ إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها وانهمزمت معهم فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس! فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله

وقال سبحانه وتعالى:( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْکُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا کَسَبُوا ) آل عمران / ١٥٥.

اتفق المفسرون أنّ الآية تشير إلى الفارّين يوم أحد وكان منهم عمر وعثمان.

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١٥ / ٢٠ / طبعة دار إحياء التراث العربي عن الواقدي قال: و بايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين ، و خمسة من الأنصار ، فأمّا المهاجرون فعليّعليه‌السلام و طلحة و زبير؛ و أمّا الأنصار فأبو دجانة و الحارثُ بن الصمّة و الحُباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهلُ بن حُنيف، و لم يُقتل منهم ذلك اليوم أحد و أمّا باقي المسلمين ففرّوا و رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوهم في أخراهم.

قال ابن أبي الحديد: قلت قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذٍ أم لا ؟ مع اتفاق الرواة كافّة على أنّ عثمان لم يثبت، فالواقدي ذكر أنّه [ أي عمر ] لم يثبت الخ.

وقال الفخر الرازي في مفاتيح الغيب: ج ٩ / ٥٢: ومن المنهزمين: عمر، إلا أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين ومنهم عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال =

٧١٠

. . . . .

____________________

= لهما: سعد وعقبة انهزموا حتى بلغوا موضعاً بعيداً، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام!

وقال الآلوسي في تفسيره روح المعاني: ج ٤ / ٩٩: فقد ذكر أبو القاسم البلخي أنّه لم يبق مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أُحدُ إلا ثلاثة عشر نفساً، خمسة من المهاجرين: أبو بكر وعليٌّ وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص، والباقون من الأنصار وأمّا سائر المنهزمين فقد اجتمعوا على الجبل، وعمر بن الخطاب (رض) كان من هذا االصنف كما في خبر ابن جرير.

وقال النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن: ج ٤ /١١٢ - ١١٣ بهامش تفسير الطبري الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أنّ نفراً قليلاً تولّوا، وابعدوا فمنهم مَن دخل المدينة ومنهم مَن ذهب إلى سائر الجوانب ومن المنهزمين عمر.

وقال السيوطي في تفسيره الدرُّ المنثور: ج ٢/ ٨٨ - ٨٩: قال: [ أي عمر ]: لما كان يوم أحد هزمناهم، فَفَرَرْتُ حتى صَعْدتُ الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى.

ثم قال السيوطي: أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان الذين ولوا الدبر يومئذ: عثمان بن عفّان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان من الأنصار من بني زريق.

أقول: وأخرجه الطبري أيضاً في تفسيره جامع البيان: ج ٤/ ٩٥ - ٩٦.

قال الزمخشري: استزلّهم، طلب منهم الزلل، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم.

فمعناه الذين فرّوا يوم أحد إنما أطاعوا الشيطان إذ دعاهم إلى نفسه بالفرار من الجهاد في سبيل الله، ففرّوا من الله سبحانه إلى حيث أمرهم الشيطان!!

وقال السيوطي في الدر المنثور: ج ٢ / ٨٨ - ٨٩: عن سعيد بن جبير: إن الذين تولّوا منكم، يعني: انصرفوا عن القتال منهزمين يوم التقى الجمعان، يوم أحد حين التقى جمع المسلمين وجمع المشركين، فانهزم المسلمون عن النبي (صلى ‌الله‌ عليه‌ =

٧١١

. . . . .

____________________

= [و آله] و سلّم ) وبقي في ثمانية عشر رجلاً، إنّما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، يعني: تركوا المركز.

أقول: وقد اشتهر بين المحدثين والمؤرخين فرار الشيخين في أحد، فكما قرأت أقوالهم عن فرار عمر وعثمان هلمّ معي إلى ما نقلوه عن أبي بكر.

قال المتقي الهندي في كنز العمال: ج ٥ / ٢٧٤: عن عائشة قالت: كان أبو بكر اذا ذكر اُحُد بكى - إلى أن قالت - ثم أَنشأَ - يُحدِّث، قال: كنت أوّل مَن فاء يوم أُحد (الحديث).

أقول: الفئ الرجوع، ومع الواضح أنه لا رجوع الّا بعد الهزيمة والفرار.

قال في كنز العمال: أخرجه الطيالسي وابن سعد وابن السني والشاشي والبزّار والطبراني في الأوسط وابن حبّان والدار قطني في الإفراد و أبو نعيم في المعرفة وابن عساكر والضياء المقدسي، انتهى.

أقول: ونقل كثير من أعلام السنة روايات في فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر، فقد أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي في مجمع الزوائد: ج ٩/ ١٢٤ / عن ابن عباس أنه قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خيبر ، أحسبه قال: أبا بكر، فرجع منهزماً و من معه، فلما كان من الغد بعث عمر فرجع منهزماً يُجِبّنُ أصحابه و يجبّنهُ أصحابه الخ.

و في كنز العمال: ج٦/٣٩٤/ أخرج بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر - يعني يوم خيبر - فسار بالناس، فانهزم حتي رجع عليه و بعث عمر فانهزم بالناس، حتى انتهى إليه الخ. قال في كنز العمال: أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وابن ماجه والبزار وابن جرير وصححه والطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي. =

٧١٢

. . . . .

____________________

= وفي مستدرك الصحيحين: ج ٣ / ٣٨: روى بسنده عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يُجبِّنُ أصحابه ويُجبِّنونَه، قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

أقول: لقد أفتى كثير من العلماء وفقهاء الفريقين، أنّ الفرار من الزحف، من الذنوب الكبيرة التي لا كفّارة لها. كالشرك. مستندين إلى ما رواه المحدثون: « خمسٌ ليس لهنّ كفّارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق - إلى أن قال - والفرار من الزحف. أخرجه المناوي في فيض القدير: ج ٣ ص ٤٥٨ في شرح الجامع الصغير للسيوطي.

قال: أخرجه أحمد بن حنبل في المسند و أبو الشيخ في التوبيخ عن أبي هريرة (وقال في الشرح) ورواه عنه الديلمي.

أقول: أيها القارئ الكريم بالله عليك! أنصف!! أين هؤلاء الفارون من حيدرة الكرّار؟! الذي روى في حقه ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١٤ ص ٢٥٠ - ٢٥١ / طبع دار إحياء التراث العربي قال:

وسُمع ذلك اليوم - أي يوم أحد - صوتٌ من قِبَل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مراراً:

لا سيف إلّا ذو الفقار

ولا فتى إلّا علي

فسُئل عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه، فقال: هذا جبرائيل.

وبعد نقله الخبر قال ابن أبي الحديد: و قد روى هذا الخبر جماعة من المحدِّثين و هو من الأخبار المشهورة و وقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، و سألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة عن هذا الخبر فقال: خبر صحيح، فقلت : فما بالُ الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: أو كلّ ما كان صحيحاً تشتملُ عليه كتب الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة! =

٧١٣

هذا الخبر حينما ينقله ابن أبي الحديد وغيره فلا بأس عليه، ولكن نحن الشيعة إذا نقلناه، فأنتم علماء العامّة تتعصّبون وتتهجّمون علينا وتحرّكون الجهلة والعوام وتقولون بأنّ الرافضة يهينون الصحابة وينالون من الشيخين!! هذا لأنكم تسيئون بنا الظنون وعلى حدّ قول الشاعر:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكنّ عين السخط تُبدي المساويا

ولذلك فلنا معكم موقف عسير في يوم القيامة إذا شكوناكم إلى الله العدل الحكيم ليحكم بيننا ويأخذ منكم حقّنا ويعاقبكم على ظلمكم إذ تفتون علينا بالكفر! وتؤيِّدون الذين ظلموا، ومن رضي بعمل قومٍ حُشر معهم،( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) .

الحافظ: نحن ما ظلمناكم ولا نؤيد الظالمين، وهذا افتراء علينا.

قلت: الظلم الذي جرى علينا كثير، ولو تغاضينا وعفونا عن بعضها فلا نعفو عن هجومهم على بيت أمّي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وإيذائها وغصبهم حقها، فإنّي من ذراريها ويحقّ لي أن أقيم الدعوى

____________________

=أقول: وأما فتح خيبر على يد الإمام عليعليه‌السلام فهو «نار على عَلَم» وليس له منكرٌ في العالمين.

فأين هذا المجاهد الفاتح والصابر الناجح عن أولئك المنهزمين الجبناء.

فإن يكُ بينهما نسبة فأين الحسام من المنجَل؟

وأين الحصى من نجوم السماء؟ وأين أولئكمُ من عليعليه‌السلام ؟

«المترجم»

١) سورة الشعراء، الآية ٢٢٧.

٧١٤

على مَن ظلمها وضربها وأسقطَ جنينها واغتصب فدكها!!

الحافظ: نحن ما كنّا في ذلك الزمان حتّى نعرف الحقائق وهذه الدعاوى تحتاج إلى الإثبات.

قلت: نعم نحن ما كنّا في ذلك الزمان، ولكن الروايات والأحاديث التي نقلها المؤرخون والمحدثون تكون بمثابة شهود القضية والواقعة، لا سيما إذا كان الرواة والمؤرخون من أعلامكم.

فدك وما يدور حولها

فدك وعوالي سبع قرى زراعيّة حوالي المدينة المنورة كانت تمتد من سفح الجبال إلى سيف البحر ومن العريش إلى دومة الجندل.

قال ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان في كتابه الآخر فتوح البلدان: ج ٦/٣٤٣.

واحمد البلاذري في تاريخه.

وابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١٦ / ٢١٠ / واللفظ للأخير: عن كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده عن الزهري قال: بقيتْ بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا فسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يحقنَ دماءهم و يُسيِّرهم، ففعل، فسمع ذلك أهلُ فدك فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خاصَّة، لأنّه لم يُوجف عليها بخيلٍ و لا ركاب.

قال أبو بكر: و رَوى محمد بن إسحاق أيضاً، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى

٧١٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصالحوه على النصف من فدك، فقدِمَت عليه رسلُهم بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما أقام بالمدينة فقَبِل ذلك منهم، و كانت فدك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خالصةً له، لأنّه لم يوجف عليها بخيلٍ و لا ركاب. قال: و قد روى أنّه صالحهم عليها كلها، الله أعلم أيّ الأمرين كان! انتهى كلام الجواهري.

وما نقله الطبري في تاريخه قريب من كلام الجوهري بل كلام كل المؤرخين والمحدثين عن فدك يقارب كلام الجوهري.

فدك حق فاطمةعليها‌السلام

بعدما رجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة المنوّرة نزل جبرئيل من عند الرب الجليل بالآية الكريمة:( وَ آتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَ الْمِسْکِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ) (١) .

فانشغل فكر النبي بذي القربى، مَن هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرائيل ثانياً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: إنّ الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكاً لفاطمةعليه‌السلام فطلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته فاطمةعليه‌السلام وقال: إنّ الله تعالى أمرني أنْ أدفع إليك فدكاً، فمنحها وتَصرَّفَتْ هي فيها وأَخذت حاصلها فكانت تُنفقها على المساكين.

الحافظ: هل هذا الحديث في تفسير الآية الكريمة موجودٌ في كتب علمائنا أيضاً؟ أم يخصّ تفاسيركم؟

قلت: لقد صرّح بهذا التفسير كبار مفسريكم وأعلامكم منهم:

____________________

١) سورة الاسراء، الآية ٢٦.

٧١٦

الثعلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور: ج ٤ رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى عام ٣٥٢، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمّال وابن كثير الدّمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة / باب ٣٩ نقلاً عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنّه لما نزلت:( وَ آتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دَعَا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فأعطاها فدك الكبير.

فكانت فدك في يد فاطمةعليه‌السلام يَعمل عليها عُمّالها، ويأتون إليها بحاصلها في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي كانت تتصرّف فيها كيفما شاءت، تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق بها على الفقراء والمعوزين.

ولكن بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمّال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرّفوا فيها تصرّفاً عدوانياً!

الحافظ: حاشا أبو بكر أن يتصرّف في ملك فاطمة تصرّفاً عدوانياً، وإنما كان سمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة ». وقد استند إلى هذا الحديث الشريف وأخذ فدك.

هل الأنبياء لا يورّثون؟

قلت: أولاً : نحن نقول: بأنّ فدك كانت نحلة وهبة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمةعليه‌السلام وهي استلمتها وتصرَّفَتْ فيها فهيعليه‌السلام كانت متصرّفة في فدك حين أخذها أبو بكر. وما كانت إرثاً.

٧١٧

ثانياً: الحديث الذي استند عليه أبو بكر مردود غير مقبول لأنه حديث موضوع لوجود اشكالات فيه.

الحافظ: ما هي اشكالاتكم؟ ولماذا يكون مردوداً؟

قلت: أولاً: واضع الحديث عندما وضع على لسانه بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث» قد غفل عن آيات المواريث التي جاءت في القرآن الحكيم، في توريث الأنبياء، ولو كان يقول: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أنا لا أورِّث لكان له مخلصٌ من آيات توريث الأنبياء في القرآن فالصيغة الأولى: نحن معاشر الأنبياء لا نورث تعارض نصّ القرآن الحكيم، فتكذيب أبا بكر وردّه أولى من نسبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما يخالف كتاب الله عزّ وجلّ.

كما أنّ فاطمة الزهراءعليه‌السلام أيضاً احتجّت على أبي بكر وردّته وردّت حديثه بالاستناد إلى القرآن الحكيم فإنه أقوى حجة وأدلّ دليل واكبر برهان.

استدلال الزهراءعليها‌السلام وخطبتها

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ٦ /٢١١ / طبع دار إحياء التراث العربي، عن أبي بكر الجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراءعليه‌السلام وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيهعليه‌السلام وإلى الإمام الباقر بن جعفر - محمد بن علي -عليه‌السلام وإلى عبد الله بن الحسن المثنى بن الامام الحسن السبطعليه‌السلام قالوا جميعاً: لمـّا بلغ فاطمةَعليه‌السلام إجماعُ أبي بكر على منعها فدكاً، لاثت خمارَها، و أقبلت في لُمّةٍ من حَفَدَتِها و نساءِ قومها تطأ في ذيولها،

٧١٨

ما تخرم مِشيتها مِشيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى دخلت على أبي بكر و قد حَشد الناس من المهاجرين و الأنصار، فضُرب بينها و بينهم ريطةً بيضاء - و قال بعضهم: قِبطيّة، و قالوا قُبْطية بالكسر و الضم - ثمّ أنتْ أنَّةً أجهشَ لها القوم بالبكاء ثمّ أمهلت طويلاً حتى سَكَنوا من فَوْرَتهم، ثم قالت: ابتدىءُ بحمد مَنْ هو أوْلى بالحمد و الطَّوْلِ و المـْجد، الحمد لله على ما أنعَم و له الشكر بما ألهَم.

و ذكر خطبةً طويلةً جيدةً قالت في آخرها: فاتّقوا الله حقَّ تُقاته، و أطيعوه فيما أمركم به، فإنّما يخشَى الله من عباده العلماءُ، و احمدوا اللهَ الذي لعَظَمته ونوره يبتغي مَن في السمواتِ والأرض إليه الوسيلة.ونحن وسيلتُه في خلقه، و نحن خاصّته و محل قدسه، و نحن حجّته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه.

ثم قالت: أنا فاطمة اِبنة محمد، أقول عَوْداً على بدء، و ما أقول ذلك سَرَفاً و لا شَطَطاً، فاسمعوا باسماعٍ واعية و قلوب راعيةَ! ثمّ قالت:( لَقَدْ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْکُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‌ ) (١) فاِنْ تعزوهُ ابي دون آبائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم ثم ذكرت كلاماً طويلاً تقول في آخره: ثم أنتم تزعمون انْ لا إرث لي!

( أَ فَحُکْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُکْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٢) ؟ إيهاً معاشر المسلمين! أُبتزُّ ارث أبي!

يا بن أبي قحافة! أفي كتاب اللهُ أنْ ترث أباك و لا أَرث أبي!! لقد جئت شيئاً فريّا!! إلى آخر خطبتها(٣) .

____________________

١) سورة التوبة، الآية ١٢٨.

٢) سورة المائدة، الآية ٥٠.

٣)أقول: وروى ابن أبي الحديد هذه الخطبة عن طريق عروة عن عائشة، في شرح =

٧١٩

وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري وغيره، أنها قالت في خطبتها:

أَفَعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم!

إذ يقول الله جلّ ثناؤه:( وَ وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (١) .

واختص من خبر يحيى وزكريّا إذ قال:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْکَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ) (٢) .

وقال تبارك وتعالى:( يُوصِيکُمُ الله فِي أَوْلاَدِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ

____________________

= النهج ١٦/٢٥١ لا / طبع دار إحياء التراث العربي، فقد روت عائشة خطبة فاطمة مشابهة لما مرّ وفيها قالت فاطمة: حتّى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ظهرت حسيكةُ النّفاق و شَمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين أطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين و لقربه متلاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خِفافاً و أحمشكم فألفاكم غضاباً فوسمتُم غير إبلكم و وردتم غير شِربْكم هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لمـّا يندمل إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْکَافِرِينَ‌ ) فهيهات! و أنّى بكم و أنّى تؤفَكون!! و كتاب الله بين أظهركم زواجرُه بَيّنة و شواهدُهُ لائحة و أوامره واضحة أَرَغْبَةً عنه تريدون أم لغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بَدَلا !( وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ‌ ) ثم لم تلبثوا إلّا رَيثَ أنْ تسكن نفرتْها تُسرّونَ حسواً في ارتغاء و نحن نصبر منكم على مثل حزّ المـُدى و أنتم الآن تزعمون أنْ لا اِرث لنا،( أَ فَحُکْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُکْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )

يا ابن أبي قحافة! أ تَرثُ أباك و لا أرثُ أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّا! فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنِعمَ الحكم الله و الزعيمُ محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون إلى آخر الخبر.

«المترجم»

١) سورة النمل، الآية ١٦.

٢) سورة مريم، الآية ٦.

٧٢٠