مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252518
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252518 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مفهوم الوصاية وأهمّيتها

نعرف مفهوم الوصاية من الروايات والأحاديث التي ذكرناها فالمعنى هو الذي تداعى للنوّاب إذ قال: الخليفة هو الذي يقوم بتنفيذ وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا حاجة إلى آخر.

وصحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً كانوا يفهمون أنّ الوصي هو الذي يقوم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لذلك قام بعض المتعصبين المعاندين من أهل السنّة بإنكار وصاية الإمام علي لأنّهم عرفوا بأنّ الإقرار بذلك يلازم الإقرار بخلافتهعليه‌السلام .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١ / ١٣٩ و١٤٠ / ط دار إحياء التراث العربي: أما الوصيّة فلا ريب عندنا أنّ علياًعليه‌السلام كان وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنْ خالف في ذلك مَن هو منسوبٌ عندنا الى العناد.

ثم نقل في صفحة ١٤٣ وما بعدها أبياتاً وأراجيز في إثبات وصاية عليٍّعليه‌السلام ، منها و قال عبد الله بن العباس حَبر الأُمة:

وصيُّ رسول الله من دون أهله

و فارسُه إنْ قيل هلْ من مُنازل

وقول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين يخاطب عائشة، منها:

وصيّ رسول الله من دون أهله

و أنتِ على ما كان من ذاك شاهِده

و قال أبو الهيثم بن التيهان، الصحابي الجليل:

إنّ الوصي إمامنا و وليّنا

برح الخفاء و باحت الأسرار

وأنا أكتفي بهذا المقدار ومَن رام الإكثار فليراجع شرح النهج حتى

٧٤١

يجد الأراجيز والأشعار في هذا الإطار(١) .

____________________

١) أيها القارىء الرشيد! انظر إلى بعض ما نقله ابن أبي الحديد من الشعر والقول السديد في وصاية الإمام عليعليه‌السلام .

قال: و مما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمّن كونهعليه‌السلام وصيُّ رسول الله قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

و منّا عليٌّ ذاك صاحبُ خيبر

وصاحبُ بدر يوم سالتْ كتائبهُ

وصيُّ النبي المصطفى و بنُ عمِّهِ

فمن ذا يدانيه و مَن ذا يُقاربُه

و قال عبد الرحمن بن جُعَيل:

لَعَمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف مُوفَّقاً

علياً وصيَّ المصطفى و بنَ عمِّهِ

وأوّلَ مَن صلّى أخا الدينِ والتُقى

و قال رجل من الأزد يوم الجمل:

هذا عليٌ و هو الوصيُّ

آخاه يوم النَّجوَةِ النبيُّ

و قال هذا بعديَ الوليُّ

وَعاهُ واعٍ و نَسي الشقيُّ

و خرج يوم الجمل غلام من بني ضبة من عسكر عائشة و هو يقول:

نحنُ بني ضَبّة أعداءُ عليّ

ذاك الذي يُعرَفُ قِدْماً بالوصي

و فارس الخيل على عهد النبي

ما أنا عن فضل عليٍّ بالعَمي الخ

و قال حُجر بن عديّ الكندي في ذلك اليوم أيضاً:

يا ربَّنا سلِّم لنا عليّاً

سلِّم لنا المباركَ المضيّا

المؤمنَ الموحِّدَ التقيّا

لا خَطِلَ الرأي و لا غَويّا

بل هادياً موفَّقاً مهديّا

و احفظهُ ربّي و احفَظِ النبيّا

فيه فقد كان لهُ وليّا

ثم ارتضاه بعده وصيّا

و قال خُزَيْمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين في يوم الجمل:

ليس بين الانصار في جَحمةِ الحر

ب و بين العُداة إلّا الطعانُ

=

٧٤٢

. . . . .

____________________

=

فادعها تستجب فليس من الخز

رج و الأوس يا عليّ جَبانُ

يا وصيَّ النبي قد أجْلَت الحر

بُ الأعادي و سارت الأظعانُ الخ

و قال زَحْر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضا:

أضربكم حتّى تُقرّوا لعلي

خَيْر قريشٍ كلِّها بعد النبي(ص)

مَن زانَهُ اللهُ و سمّاه الوصيّ

إنّ الوليَّ حافظٌ ظهر الولي

و روي عن نصر بن مزاحم: ومن الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس:

أتانا الرسولُ رسولُ الوصيِّ

عليُّ المهذَّب من هاشم

وزير النبي و ذو صهره

و خير البريّة و العالم

و قول جرير بن عبد الله البجلي يصف الامام عليعليه‌السلام :..

وصيّ رسول الله من دون أهله

و فارسه الحامي بِه يُضرَبُ المـَثَل

و قال النعمان بن عجلان الأنصاري:

كيف التفرُّقُ و الوصيُّ إمامُنا

لا كيف إلّا حَيرةً و تخاذلا

و ذروا معاوية الغويَّ و تَابعوا

دينَ الوصيّ لتحمدوه آجلا

و قال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:

يا عُصبةَ الموتِ صبراً لا يهولُكم

جيشُ ابنِ هندٍ فإن الحقَّ قد ظَهَرا

و أيقِنوا أنَ مَن أضحى يُخالفكم

أضحى شقيّاً و أمسى نفسه خَسِرا

فيكم وصيُ رسول الله قائدُكم

وصهُره وكتابُ الله قد نُشِرا

وقال ابن أبي الحديد في نهاية ما نقله من الأشعار والأراجيز:

و الأشعار التي تتضمّن هذه اللفظة - أي كلمة الوصي - كثيرة جدّاً و لكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبَيْن فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر و يعظُمُ عن الإحصاء و العَدْ و لو لا خوفُ الملالة و الإضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقاً كثيرة. انتهى كلام ابن أبي الحديد.

«المترجم»

٧٤٣

الشيخ عبد السلام: إذا كانت هذه الأخبار صحيحة، فلماذا لا نجد في كتب التاريخ والحديث وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّ كرّم الله وجهه كما نقلوا وصيّة أبي بكر وعمر وقت موتهما رضي الله عنهما؟

قلتُ: رَوى أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام عليّعليه‌السلام ، نقلها علماء الشيعة وسجّلوها في كتبهم، ولكنِّي حيث التزمتُ من أول نقاشٍ أن لا أنقل خبراً وحديثاً إلّا من كتب علمائكم وأعلامكم، فأشير في هذا الموضوع أيضاً وأجيب سؤالك من مصادركم الموثّقة وأسانيدكم المحقّقة.

فأقول: لكي يتّضح لكم الأمر وينكشف لكم الحق، راجعوا الكتب الآتية:

١- طبقات ابن سعد: ج ٢ / ٦١ و٦٣.

٢- كنز العمال: ج ٤ / ٥٤ وج ٦ /١٥٥ و٣٩٣ و٤٠٣.

٣- مسند أحمد بن حنبل: ج ٤ /١٦٤.

٤- مستدرك الحاكم: ج ٣ /٥٩ و١١١.

وسنن البيهقي ودلائله، والاستيعاب والجامع الكبير للطبراني، وتاريخ ابن مردويه، وغير هؤلاء رووا عن النبي وصاياه لعلي بعبارات مختلفة وفي مناسبات عديدة، خلاصتها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت أخي ووزيري، تقضي دَيني وتنجز وعدي وتُبري ذمّتي، وأنت تغسّلني وتواريني في حفرتي.

إضافةً إلى ما نقله علماء الحديث في هذا المجال، فقد أجمعوا على أن الذي قام بتغسيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكفينه وباشر دفنه فأنزله في قبره وواراه في لحده، هو الإمام عليّعليه‌السلام .

٧٤٤

وذكر الحافظ عبد الرزاق في كتابه الجامع: أنّه كان على النبي خمسماة ألف درهم، فأدّاهُ عليُّ بنُ أبي طالبعليه‌السلام .

الشيخ عبد السلام: قال الله سبحانه:( کُتِبَ عَلَيْکُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَکَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (١) وبناءً عليها كان يلزم أنْ يوصي النبي عند الاحتضار حينما تيقّن بموته كما أوصى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

قلت: أولاً: لم يكن مراد الآية الكريمة من( إِذَا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ ) أي: حال الاحتضار واللحظات الأخيرة من الحياة. فإنّه في تلك الحالة قلّ مَن يكون في حالة استقرار نفسي وتمهيد روحي بحيث يتمكن من بيان وصاياه، وإنّما المراد من الآية الكريمة، أي إذا ظهرت علامات الموت من الضعف والشيخوخة والمرض وما إلى ذلك فليبيّن وصاياه.

ثانياً: لقد ذكّرني كلامك بأمرٍ فجيع، إذا ذكرتُه هاج حزني وتألّم قلبي وذلك أنّ كلّنا نعلم أنّ رسول الله كثيراً ما كان يؤكّد على المسلمين في أنْ يوصوا ولا يتركوا الوصيّة بحيث إنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن مات بغير وصيّة مات ميتةً الجاهلية.

ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد أن يكتب وصيّته في مرضه الذي توفي فيه، وأراد أن يؤكّد كلّ ما كان طيلة أيام رسالته الشريفة يوصي بها علياًعليه‌السلام في تنفيذ أمور تتضمن هداية الامة واستقامتها وعدم انحرافها وضلالتها، فمنعوه من ذلك وحالوا بينه وبين كتابة وصيّته!!

الشيخ عبد السلام: لا أظنّ أن يكون هذا الخبر صحيحاً والعقل لا يقبله بل يأباه، لأنّ المسلمين كانوا في طاعة رسول الله وذلك لأمر الله

____________________

١) سورة البقرة، الآية ١٨٠.

٧٤٥

سبحانه إذ يقول:( وَ مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) ، ولقوله تعالى:( أَطِيعُوا الله وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٢) .

ولا ريب أنّ مخالفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعاندة رسول الله كفر بالله سبحانه. وكان أصحابه على هذا الاعتقاد. فكيف يخالفوه ويعاندوه؟! فهذا الخبر ليس إلّا كذباً وافتراءً على الصحابة الكرام، وأنا على يقين بأن الملحدين وضعوا هذا الخبر ونشروه حتّى يصغِّروا شأن النبي وينزلوا مقامه بأنّ محمداً ما كان مطاعاً في أمته، وأنّ نبيّاً لا تطيعه أمته لجدير بأن لا يطيعه الآخرون!

خبر إنّ الرجل ليهجر

قلت: هذا ظنّكم( وَ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٣) .

والخبر الذي تقولون: بأنّه كذب وافتراء، رواه أعلامكم وحتى أصحاب الصّحاح لا سيما البخاري ومسلم، وهما عندكم على مكانة عظيمة من الإحتياط في نقل الأحاديث، ولقد كانا يحتاطان أنْ لا يرويا حديثاً يستند إليه الشيعة في طعن الصحابة، وتضعيف خلافة الثلاثة الذين سبقوا علياًعليه‌السلام .

فقد اتفق المحدّثون وأجمعوا على أنّ النبي قال لمن حضر عنده وهو في مرضه الذي تُوفّي فيه: إئتوني بورق ودواة لأكتبَ لكم ما إنْ تمسّكتُم به لن تضلّوا بعدي!!

____________________

١) سورة الحشر، الآية ٧.

٢) سورة النساء، الآية ٥٩.

٣) سورة النجم، الآية ٢٨.

٧٤٦

فعارضه جماعة فقال أحدُهم: إنّ الرجل ليهجر كفانا كتابُ الله!! وعارضه آخرون فقالوا: دعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليوصي.

فكُثُرَ اللغَط، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قوموا عني فإنه لا ينبغي النزاع عند نبي!

الشيخ عبدالسلام: أكاد أن لا أصدّق هذا الخبر! مَنْ كان يتجرّأ من الصحابة أنْ يعارض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقابله بهذا الكلام؟!

وهم يتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار حيث يقول تعالى:( بِسْمِ الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ‌ وَ النَّجْمِ إِذَا هَوَى‌ * مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَ مَا غَوَى * وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‌ ) (١) .

فلا أدري لماذا خالفوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعارضوه أنْ يوصي، علماً أنّ أيَّ مؤمن ومؤمنة لا يحق لهما أن يمنعا أحداً من الوصيّة، وإنّ الوصية حقُّ كلِّ مسلم ومسلمة، فكيف بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي طاعته واجبة على الأمة، ومخالفته عناد كفرٌ وإلحاد؟ فلذلك يصعب عليَّ قبول هذا الخبر وتصديقه!

قلت: نعم إنّه خبر ثقيل على مسامع كل مؤمنين، ومؤلمٌ لقلوب كل المسلمين، وإنّه يثير تعجب كل إنسان و يستغربه كل صاحب وجدان وإيمان!!

فإنّ العقل يأبى أنْ يقبله ويصعب على قلبٍ أن يتحمّله. إذ كيف يروم لجماعةٍ، يدّعون بأنّهم أتباع نبي الله، ثمّ يمنعوه من أن يوصي عند وفاته بشيءٍ يكون سبب سعادتهم، ويضمن لهم هدايتهم ويمنعهم عن الضلال والشقاء بعده أبداً؟! ولكن هذا ما حدث!!

____________________

١) سورة النجم، الآية ١ - ٤.

٧٤٧

تأسّف ابن عباس

إنّه مؤسفٌ لكلّ غيور، فإنّ كل مسلم إذا سمع الخبر يتأسّف ويتألّم كما كان عبد الله بن عباس ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تذكّر ذلك اليوم يتأسف ويبكي.

ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ٢/ ٥٤ و ٥٥ / ط دار احياء الثراث العربي قال: و في الصحيحين، خرّجاه معاً عن ابن عباس أنّه كان يقول: يوم الخميس و ما يوم الخميس! ثم بكى حتى بَلَّ دمعُه الحصى. فقلنا: يا ابن عباس، و ما يوم الخميس؟

قال: اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وَجَعُه، فقال: ائتوني بكتاب أكتبُه لكم لا تضلّوا بعدي أبدا. فتنازعوا، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه لا ينبغي عندي تنازع، فقال قائل: ما شأنه؟ أَ هَجَر؟!(١) .

____________________

١) أظنُّ أن أتباع عمر بن الخطاب ومحبّيه أرادوا أن يصلحوا عبارته فزادوا قبل كلمة «هَجَر» الهمزة الإستفهامية!

ولكن هل يُصلح العطّار ما أفسد الدهر؟!

فإنّ أكثر الروايات صريحة في أنّ عمر نسب الهجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله !

ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فقالوا: هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله / صحيح البخاري: ج ٢ / ١٧٨ بحاشية السندي وج ٦ / ٩ / باب مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورواه مسلم بنفس اللفظ في صحيحه: ج ١١ / ٨٩ - ٩٣ بشرح النووي، وفي ج ٣ / ١٢٥٦ تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فقالوا: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر!! =

٧٤٨

الشيخ عبد السلام: هذه الرواية مبهمة، لا تصرّح بأنّ النزاع لأيّ شيءٍ حدث؟ ثمّ مَنْ هو القائل؟: ما شأنُهُ؟ أَهَجَر؟

قلت: لإنْ كانت هذه الرواية مبهمة فإنّ هناك روايات صريحة على أنّ القائل هو عمر بن الخطاب، وأنّه هو الذي منع بكلامه منْ أنْ يأتوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرطاس والدواة ليوصي!

الشيخ عبدالسلام: هذا بهتان عظيم! نعوذ بالله تعالى من هذا الكلام، وأنا على يقين أنّ هذا البهتان على الخليفة عمر ما هو إلّا من أقاويل الشيعة وأباطيلهم، فأوصيك ان لا تُعِدْها!

قلت: وأنا أوصيك يا شيخ: أنْ لا تفوه بكلمة من غير تفكُّر، فإنّ لسان المؤمن خلف قلبه وقلب المنافق خلف لسانه، يعني ينبغي للمؤمن أن يفكّر قبل أنْ يتكلّم، فإن المنافق يتكلم قبل أنْ يفكر في مقاله ومعنى كلامه، ثمّ ينكشف له بطلانه وزيفه، وكم رميتمُ الشيعة المؤمنين، في هذه المناقشات، ونسبتم كلامنا للأباطيل والأقاويل، ثم انكشف للحاضرين أنّها ما كانت كذلك وانما كان كلامنا من مصادر ومنابع أهل

____________________

= وأخرجه ابن سعد في الطبقات ج ٢ / ٣٧ عن سعيد عن ابن عباس فقالوا: إنما يهجر رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله !، وفي صفحة ٣٦ روى عن ابن عباس فقال بعض من كان عنده: إن نبي الله ليهجر!

وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ج ١ / ٢٢٢ عن سعيد عن ابن عباس فقالوا: ما شأنه يهجر!! قال سفيان يعني: هَذَى!!

وأخرج أيضاً في المسند ج ٣ / ٣٤٦: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها!!

وأخرجه ابن سعد أيضاً في الطبقات ج ٢ / ٣٦.

«المترجم»

٧٤٩

السنّة وعلمائهم وأعلامهم!!

وسَأُثْبتُ لكم أننا لسنا أهل افتراء وبهتان ولا أهل الأقاويل والبطلان، وإنما ذاك غيرنا!!

ولكي يظهر لك الحق ويتضح الأمر، بأنّ القائل: أهَجَر؟ أو يهجُر!

وأنّ المانعين من أنْ يكتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصيّته، هو عمر.

فراجع المصادر التي ساذكرها من علمائكم:

١- صحيح البخاري: ج ٢/ ١١٨.

٢- صحيح مسلم في آخر كتاب الوصيّة.

٣- الحميدي في الجمع بين الصحيحين.

٤- احمد بن حنبل في المسند: ج ١ / ٢٢٢.

٥- و الكرماني في شرح صحيح البخاري.

٦- والنووي في شرح صحيح مسلم، وغيرهم كابن حجر في صواعقه، والقاضي أبو علي، والقاضي روزبهان، والقاضي عياض، والغزالي، وقطب الدين الشافعي، والشهرستاني في الملل والنحل وابن الأثير، والحافظ أبو نعيم، وسبط ابن الجوزي. وجُلُّ علمائكم أو كلّ من كتب من أعلامكم عن وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم والخبر الأليم.

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ٢ / ٥٥ / ط. دار إحياء التراث العربي بيروت قال: و في الصحيحين أيضاً، خرّجاه معاً عن ابن عباس رحمه الله تعالى قال: لما احتُضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و في البيت رجالٌ منهم عمر بن الخطاب، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : هلمّ أكتب لكم كتاباً

٧٥٠

لا تضلّون بعده، فقال عمر: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد غلب عليه الوجَع، و عندكم القرآن، حسبنا كتابُ الله!

فاختلف القوم و اختصموا، فمنهم مَن يقول: قرِّبوا إليه يكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده، و منهم من يقول: القولُ ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عندهعليه‌السلام ، قال لهم: قوموا فقاموا.

فكان ابن عباس يقول: إنّ الرَّزيَّة كلَّ الرَّزيّة: ما حَالَ بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و بين أنْ يكتب لكم ذلك الكتاب.

ونقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / ٦٤ و٦٥ / ط. مؤسسة أهل البيت بيروت، قال: وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب «سر العالمين »: ولما مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال قبل وفاته بيسير: إئتوني بدواةٍ وبياض لأكتب لكم كتاباً لا تختلفوا فيه بعدي، فقال عمر:

دعوا الرجل فإنه يَهْجُر!!

إنّ هذه المخالفة والمعارضة من عمر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كانت أوّل مرّة بل كانت مسبوقة بمثلها كما في صلح الحديبيّة وغيرها ولكن هذه المرة سبَّبت اختلاف المسلمين وتنازعهم في محضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أوّل نزاعٍ وتخاصم وقع بين المسلمين في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودام ذلك حتّى اليوم، فعمر بن الخطاب هو مُسبِّب هذه الإختلافات والضلالات التي أدَّت بالمسلمين إلى القتال والحروب، وسفك الدماء وإزهاق النفوس، لأنه منع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من كتابة ذلك الكتاب الذي كان يتضمن اتحاد المسلمين وعدم ضلالتهم إلى يوم الدين!!

الشيخ عبدالسلام: لا ننتظر من جنابكم هذا التجاسر على مقام

٧٥١

الخليفة الفاروق! وأنت صاحب الخُلُق البديع والأدب الرفيع فكيف لا تراعي الأخلاق والآداب؟!

قلت: بالله عليكم! اتركوا التعصّب! وتجرّدوا عن حب ذا وبغض ذاك! وأنصفوا! هل تجاسر الخليفة على سيد المرسلين وخاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله ومخالفته ومعارضته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الهجر والهذيان أعظم أم تجاسري على الخليفة كما تزعمون؟! ولعمري ما كان تجاسري إلّا كشفَ الواقع وبيان الحقيقة!

وليت شعري أنا لا أراعي الأخلاق والآداب أم عمر بن الخطاب؟ إذ سبّب النزاع والصياح، وتخاصم الأصحاب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى رفعوا أصواتهم وازعجوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث أخرجهم وأبعدهم وغضب عليهم لأنّهم خالفوا الله سبحانه إذ يقول:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَ أَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ‌ ) (١) .

الشيخ عبد السلام: لم يقصد الخليفة من كلمة الهجر معنىً سيّئاً وإنّما قَصَدَ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشرٌ مثلنا، وكما نحن في مثل تلك الحالة نفقد مشاعرنا، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان كذلك! لأنّ الله تعالى يقول:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ ) (٢) فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله إذاً مثلنا في جميع النواحي: في الغرائز والعواطف، ويعرض عليه من العوارض الجسمية كضعف القوى والأعضاء كما يعرض على غيره من البشر، وحالة الهجر والهذيان في حال المرض أيضاً من عوارض

____________________

١) سورة الحجرات، الآية ٢.

٢) سورة الكهف، الآية ١١٠.

٧٥٢

الجسد البشري، فربما يعرض عليه كما يعرض على كل أفراد البشر!!

قلت: أوّلاً: إنّي أتعجّب من انقلابك وأستغرب تبدُّل حالك! إذْ كنْتَ قبل هذا تقول: لا ريب إنّ مخالفة كتاب الله كفر ومعاندة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلحاد، والآن طفقتَ توجّه كلام معانديه وعمل مخالفيه! فما عدا ممّا بدا؟!

ثانياً: أتعجّب أيضاً أنّك لا تتأثّر من كلام عمر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو سيد الأولين والآخرين. وتتغيّر هذا التغيّر الفضيع من كلامي على عمر، وهو إنسان عادي غاية ما هنالك أنّ أحد صحابة رسول الله وكم له في الصحابة من نظير!!

والجدير بالذكر أنّه بعد تلك الصحبة الطويلة ما عرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حق معرفته وكان جاهلاً بمقامه المنيع وشأنه الرفيع فنسب إليه الهجر، وهذا رأي بعض أعلامكم مثل القاضي عياض الشافعي في كتاب الشفاء والكرماني في شرح صحيح البخاري والنووي في شرح صحيح مسلم فإنّهم يعتقدون أنّ من ينسب الهجر والهذيان الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد جهل معنى النبوة والرسالة، ولا يعرف قدر النبي وشأنه، لأنّ الأنبياء العظام كلهم في زمان تبليغ رسالتهم وإرشادهم للناس يكونون معصومين عن الخطأ والزَّلل، لأنّهم يأخذون عن الله تعالى ومتّصلون بعالم الغيب والملكوت، سواءً أكانوا في حال الصحة أم المرض.

فيجب على كل فرد من الناس أن يطيعهم ويمتثل أوامرهم. فمَن خالفَ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في طلبه البياض والدواة ليكتب وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخاصّةً بمثل ذلك الكلام الشنيع: «إنّ رسول الله يهجر »! « إنّما هو يهجر »! «قد غلب عليه الوجع »! وما إلى ذلك من كلام فجيع وبيان فضيع، إنما

٧٥٣

يدلّ على جهل قائله وعدم معرفته لمقام النبي وشخصيته العظيمة!

ثالثاً: أطلبُ من جناب الشيخ أنْ يراجع كتب اللغة في تفسير كلمة «يهجر» حتى يعرف مدى تجاسر قائلها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !! فقد قال اللغويون: الهُجر بالضم = الفُحْش، وبالفتح = الخَلْط والهَذيان، وهو بعيدٌ عن مقام النبوّة وقد عصم الله سبحانه رسوله عن ذلك بقوله عزّ وجلّ:( بِسْمِ الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ‌ وَ النَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَ مَا غَوَى * وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‌ ) (١) لذلك أمَرَ المسلمين بالاطاعة المحضة له من غير ترديد وإشكال، فقال سبحانه:( وَ مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) .

وقال تعالى:( أَطِيعُوا الله وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) .

فمن استشكل في كلام رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو تردَّد في إطاعته وامتثال أمره، فقد خالف الله تعالى وأصبح من الخاسرين.

الشيخ عبد السلام: ولو فرضنا بأنّ عمراً قد أخطأ، فهو خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يقصد بذلك حفظ الدين والشريعة ولكنّه اجتهد فأخطأ فيُعْفى عنه والله خير الغافرين.

قلت: أوّلاً: حينما تكلم عمر بذلك الكلام الخاطىء لم يكن خليفة رسول الله، بل شأنه شأن أحد الناس العاديين.

ثانياً: قد قُلْتَ: إنّه اجتهد فأخطأ! فلَعَمري هل الرأي أو الكلام

____________________

١) سورة النجم، الآية ١ - ٤.

٢) سورة الحشر، الآية ٧.

٣) سورة النساء، الآية ٥٩.

٧٥٤

المخالف لِنَصِّ القرآن، اجتهاد؟ أم ذنب لا يُغفر!

ثالثاً: وقُلْتَ: إنّه كان يقصد حفظ الدين والشريعة.

فمن أين تقول هذا؟ والله من وراء القصد.

ثم هل إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أعرف بحفظ الشريعة أم عمر بن الخطاب؟ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مُوَكّلاً من الله في ذلك وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله حريصاً على الدين وحفظ الشريعة أكثر من غيره، ولأجل ذلك أراد أنْ يُوصي ويكتب كتاباً لا يضلّ المسلمون بعده أبداً.

ولكن عمر منع من ذلك وصار سبباً لضلالة مَن ضلّ إلى يوم القيامة، فأي عفو وغفران يشمل هذا المجتهد الخاطيء!!

الشيخ عبد السلام: ربما الخليفة الفاروق رضي الله عنه كان يعرف الأوضاع الاجتماعية والظروف الراهنة، وثبتَ عنده بأنّ الوصيّة وكتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدث فتنة عظيمة من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان بمنعه ورفضه الكتاب والوصية، ناصحاً للنبي و ناوياً الخير للإسلام والمسلمين.

قلت: إنّ أستاذي المرحوم الشيخ محمد علي الفاضل القزويني وكان يحوي علم المعقول والمنقول، كان ينصحني ويقول: توجيه الخطأ يولّد أخطاءً أخرى، فلو اعترف العاقل بخطئه لكان أسلم له وأجمل، وقالوا قديماً: الاعتراف بالخطأ فضيلة. وأنا أراك هويت في مهوى توجيه خطأ مَن تهوى فنسيت كلام الله تعالى حيث يقول:

( وَ مَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَکُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ الله وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً ) (١) .

الشيخ عبد السلام: تظهر نيّة الفاروق الحسنة مِن آخر كلامه حيث

____________________

١) سورة الأحزاب، الآية ٣٦.

٧٥٥

قال:حَسْبُنا كتاب الله!!

قلت: هذه الجملة تدلُّ على عدم معرفة الخليفة لمقام النبوّة وعدم معرفته بحقيقة كتاب الله أيضاً، لأنّ القرآن كلامٌ ذو وجوه وله بطون، ولابدّ من مفسِّرٍ(١) وموضِّح يعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص

____________________

١) نقل الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة / الباب الخامس والستون / عن كتاب فصل الخطاب للعلّامة محمد خواجه البخاري عن ابن عباس قال:وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف، ما منها حرفٌ إلّا له ظهر و بطن و إنّ عليّ بن أبي طالب عَلِمَ الظاهر و الباطن.

ورواه العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه كفاية الطالب في الباب الرابع والسبعون عن ابن مسعود، وقال رواه أبو نعيم في حلية الأولياء.

وروى الخواجه البخاري بعده عن ابن عباس أيضاً قال: أُتي عمر بن الخطاب بامرأة مجنونة حبلى قد زنت، فأراد عمر بن الخطاب،أن يرجمها فقال له عليّ: أ مَا سمعتَ ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رُفع القلم عن ثلاث عن المجنون حتّى يبرأ و عن الغلام حتى يُدرك، و عن النائم حتى يستيقظ. فخَلَّى عنها، ثم قال العلامة محمد خواجه البخاري: وفي عدة من المسائل رَجَعَ - أي عمر - إلى قول علي رضي الله عنه.

فقال عمر: عَجَزَت النساء أنْ يلدنَ مثل علي، لو لا علي لهلك عمر، ويقول أيضاً: أعوذ بالله من معضلة ليس فيها علي! انتهى كلام البخاري.

وروى العلامة مير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة السابعة عن أبي ذر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: عليٌ باب علمي و مبيِّنٌ لأمتي ما أُرسلْتُ به من بعدي، حبه إيمان و بغضه نفاق و النظر إليه رأفة عبادة. قال رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده.

ونقل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة تحت عنوان «هذه المناقب السبعون في فضائل أهل البيت» الحديث التاسع والعشرون عن أبي الدرداء =

٧٥٦

والمطلق والمقيَد والمجمل والمبيّن والمتشابه والمحكم منه، وهذا لا يكون إلّا مَن أفاض الله عليه من الحكمة وفتح في قلبه ينابيع علومه، فلذا قال سبحانه:( وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

فإذا كان القرآن وحده يكفي لَما قال سبحانه:( مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) . ولما قال تعالى:( وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٣) .

ولقد عرّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمّته الراسخين في العلم وأولي الأمر الذين يُرجَع إليهم في تفسير القرآن وتوضيحه، في حديثه الذي كرّرهُ على مسامع أصحابه وقد وَصَل حدَّ التواتر في النقل، إذْ قال حتى عند وفاته: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الوض، إنْ تمسّكتم بهما نجوتم - لن تضلّوا أبداً(٤) .

فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقول لأمته: كفاكم كتاب الله وحسبكم. بل يضم إلى القرآن أهل بيته وعترته.

أيها الحاضرون! فكروا وأنْصِفوا أيّ القولْين أحقّ أنْ يُؤخَذ به

____________________

= رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌ باب علمي و مبينٌ لأمتي ما اُرسلتُ به من بعدي، حبه إيمان و بغضه نفاق و النظر إليه رأفة، ومودّته عبادة. رواه صاحب الفردوس.

أقول: لا يخفى أنّ جملة «ما اُرسلت به» تشمل القرآن والسنّة الشريفة وجميع أحكام الإسلام.

«المترجم»

١) سورة آل عمران، الآية ٧.

٢) سورة الحشر، الآية ٧.

٣) سورة النساء، الآية ٨٣.

٤) «نقلتُ لكم مصادره في البحوث الماضية».

٧٥٧

قول عمر: حسبنا كتاب الله. أم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كتاب الله وعترتي؟

لا أظنّ أحداً يرجِّحُ قول عمر على قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا كان كذلك، فلماذا أنتم تركتم قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذتم بقول عمر؟! فإذا كان كتاب الله وحده يكفينا، فلماذا يأمرنا الله تعالى ويقول:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‌ ) (١) والذِّكْر سواءٌ أكان القرآن أم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأهل الذِّكْر هم عترة رسول الله وأهل بيته الطيبين.

وقد مرّ الكلام حول الموضوع في الليالي السالفة، ونقلتُ لكم عن السيوطي وغيره من أعلامكم أنّهم رَووا بأنّ أهل الذكر هم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عِدْلَ القرآن ونظيره.

وأنقل لكم - الآن - مضمون كلام أحد أعلامكم وهو قطب الدين الشيرازي، قال في كتابه كشف الغيوب: لابدّ للناس من دليل ومرشد يرشدهم إلى الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ولذا أتعجّبُ من كلام الخليفة عمر (رض): حسبنا كتاب الله! وبهذا الكلام رفض الهادي والمرشد فمَثَله كمن يقبل علم الطب وضرورته ولزومه للناس إلّا أنّه يرفض الطبيب ويقول حسبنا علم الطّب وكتبه ولا نحتاج إلى طبيب!

من الواضح إن هذا الكلام مردود عند العقلاء، لأنّ الطبيب وجوده لازم لتطبيق علم الطب كما يلزم علم الطب الناس، والعلم من غير عالم وعارف بمصطلحاته ورموزه، يبقى معطَّلاً لا يمكن أنْ يستفاد منه، فكما لا يمكن لآحاد البشر أنْ يعرفوا علم الطب ورموزه، ولا بدّ من أطبّاء في كل مجتمع يعالجون المرضى بمعرفتهم لعلم الطب ورموز العلاج، كذلك القرآن الكريم وعلومه لا يعقل بأنّ الناس كلهم

____________________

١) سورة النحل، الآية ٤٣.

٧٥٨

يعرفون علومه ورموزه ومصطلحاته، فلا بدّ أنْ يرجعوا إلى العالم لعلومه ورموزه والمتخصِّص بتفسيره وتأويله وقد قال سبحانه:( وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١) .

وقال عزّ وجلّ:( وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) . فالكتاب المبين وحقيقته إنما يكون في قلوب أهل العلم، كما قال سبحانه:

( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٣) .

ولهذا كان عليٌ كرم الله وجهه يقول: أنا كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت. انتهى مضمون مقال وخلاصة مقال قطب الدين.

أقول: كلّ عاقلٍ منصف، وكلّ صاحب وجدان وإيمان يعرف أنّ عمر بن الخطاب ارتكب ظلماً كبيراً بمنعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ يكتب لأمته كتاباً لن يضلّوا بعده أبدا!!

وأما قولك أيها الشيخ: إنّ أبا بكر وعمراً أوصيا ولم يمنعهما أحدٌ من الصحابة: فهو قولٌ صحيح وهذا الأمر يثير تعجّبي واستغرابي. كما يهيج حزني ويبعث الألم في قلبي، فقد اتفق المؤرخون والمحدثون على إنّ أبا بكر أملا وصيته على عثمان، وهو كتبها في محضر بعض أصحابه وعرف عمر بن الخطاب ذلك ولم يمنعه، وما قال له: لا حاجة لنا بوصيتك وعهدك، حسبنا كتاب الله!

ولكنّه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصية وكتابة عهده لأمته، قائلاً: أنّه يهجر.. كفانا أو حسبنا كتاب الله!! وقد كان ابن عباس وهو حبر الأمّة كلّما يتذكّر ذلك اليوم يبكي ويقول: الرزيّة كل الرزية: ما حال بين

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ٧.

٢) سورة النساء، الآية ٨٣.

٣) سورة العنكبوت، الآية ٤٩.

٧٥٩

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بين أنْ يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم / صحيح البخاري بحاشية السندي: ج ٤ / كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني وج ٤ / ٢٧١ / باب كراهية الخلاف.

نعم كان ابن عباس يتأسّف ويبكي، ويحقُّ لكل مسلم منصف أنْ يتأسّف ويبكي، وأنْ يتألّم ويتأثر ويتغيّر، ونحن على يقين أنّهم لو تركوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب وصيته، لبيَّنَ أمر الخلافة من بعده وعيَّن خليفته مؤكِّداً عليهم بأن يطيعوه ولا يخالفوه، ولَذكَّرهُم كل ما قاله في هذا الشأن وفي شأن وصيه وخليفته ووارثه من قبل. والذين منعوا من ذلك، كانوا يطمعون في خلافته كما كانوا يعلمون أنه يريد أن يسجَّل خلافة ابن عمه علي بن أبي طالب، ويكتبه ويأخذ منهم العهد والبيعة له في آخر حياته، كما أخذ عليهم ذلك في يوم الغدير، لذلك خالفوه بكل وقاحة ومنعوه من ذلك بكل صلافة!

الشيخ عبد السلام: كيف تدّعي هذا ومن أين تبيّن لك أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يوصي في أمر الخلافة ويعيّن علي بن أبي طالب لهذا الأمر من بعده؟!

قلت: من الواضح أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيَّن جميع أحكام الدين للمسلمين، وما تَركَ صغيرة ولا كبيرة من الفرائض السنن إلّا بيّنها، حتى قال تعالى في كتابه:( الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ ) (١) ، فكان من هذه الجهة مرتاح البال، ولكن الذي كان يُشغلُ باله هو موضوع خلافته وولي الأمر بعده، لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعرف عداوة كثير من الناس لعلي بن أبي

____________________

١) سورة المائدة، الآية ٣.

٧٦٠