مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252539
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252539 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

محمد بن أبي داود الحافظ عن علي بن أحمد العجلي عن عبّاد بن يعقوب عن أرطاط بن حبيب عن أبي خالد الواسطي عن زيد بن عليّ ابن الحسين عن أبيه الإمام الحسين الشهيد السبط عن أبيه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا علي مَن آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنه الله.

وروى السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي ص ٦٠ / الباب الرابع عن الجامع الكبير للطبراني وعن صحيح ابن حيان - وصحّحه الحاكم - كلهم عن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله.

بعد هذه الأحاديث الشريفة والتفكّر في معانيها، انظروا إلى أحداث السقيفة وهجوم القوم على دار الإمام علي وفاطمة الزهراءعليه‌السلام وهتكهم حرمتها، وفكروا في تلك الأعمال الشنيعة والأفعال الفظيعة التي ارتكبها القوم حتّى مرضت سيدة نساء العالمين بسببها وتوفّيت على أثرها في أيام شبابها، فماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر وعلى كلّ مَنْ آذاها!!

الحافظ: نعم سخطت فاطمة الزهراء بادئ الأمر، ولكنها رضيت بعد ذلك لأنها علمت بأنّ الخليفة (رض) حكم بالحق، فرضيت عن الشيخين (رض) وعن جميع الصحابة الكرام حين توفيت.

قلت: إنّكم تحبون أنْ تصلحوا بين سيدة النساء فاطمةعليه‌السلام وبين من ظلمها في عالم الخيال، ولكن الواقع خلاف الخيال والمقال، فقد صرّح أعلامكم وكبار علمائكم مثل الشيخين مسلم والبخاري في

٨٠١

صحيحهما فكتبا ورويا عن عائشة بنت أبي بكر: « فهجرته فاطمة ولم تكلّمه في ذلك حتى ماتت. فدفنها عليٌ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر »(١) .

رواه العلّامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب، في أواخر/الباب التاسع والتسعون.

وقال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة / ١٤ و ١٥ / طبع مطبعة الأمة بمصر: فقال عمر لأبي بكر (رض) انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه، فادخلهما عليها، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلَّما عليها فلم تردَّعليهما‌السلام !!

فقالت: أ رأيتكما إنْ حدّثتكما حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت: نشدتكما الله! أ لم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي و سخط فاطمة من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني و من أرضى فاطمة فقد أرضاني و مَنْ أسخط فاطمة فقد أسخَطَني؟

قالا : نعم سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالت فإنّي أُشهد الله و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لَئن لقيتُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأشكونّكما إليه.

فقال أبو بكر: أنا عائذٌ بالله من سخطه و سخطك يا

____________________

١) صحيح البخاري: ج ٢/ ١٨٦، ومسلم ج ٣ / ١٣٨٠ مع اختلاف في لفظ الحديث والمعنى واحد.

«المترجم»

٨٠٢

فاطمة ثم انتحبَ أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تَزْهق و هي تقول: و الله و الله لادعونَّ الله عليك في كل صلاة أصلّيها!!(١) .

وبعد استماع هذه الأخبار، أرجوكم! استمعوا إلى روايات المحدثين التي تخبرنا عن مدى تعلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بابنته فاطمة بحيث جعلها كنفسه وقال: من آذاها فقد آذاني فقد آذى الله، وإليكم بعض المصادر المعتبرة لديكم:

وروى أحمد بن حنبل في المسند، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في مودّة القربى، وابن حجر في الصواعق نقلاً عن الترمذي والحاكم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فاطمةٌ بضعةٌ مني وهي نورُ عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جَنْبَيَّ، من آذاها فقد آذاني، ومَنْ آذاني فقد آذى الله، ومَن أغضبها فقد أغضبني.

ونقل ابن حجر العسقلاني في الإصابة في ترجمة فاطمةعليه‌السلام ، عن صحيحَيْ البخاري ومسلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ويُريبني ما أرابها.

وفي مطالب السؤل لمحمد بن طلحة الشافعي ص ١٦ طبع دار الكتب التجارية / نقلاً عن الترمذي بسنده عن ابن الزبير عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما ينصبها.

وفي محاضرات الأدباء للعلّامة الراغب الإصبهاني ج ٢ / ٢١٤ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: فاطمة بضعةُ مني فمن أغضبها فقد أغضبني.

____________________

١) قال ابن أبي الحديد - ولا يخفى سعة اطّلاعه في مثل هذه المواضيع - قال في شرح نهج البلاغة: ج ٦ / ٥٠ / طبع دار إحياء الكتب العربية /: والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوْصَت ألّا يصلّيا عليها!!

٨٠٣

وروى الحافظ أبو موسى بن المثنى البصري المتوفّي سنة ٢٥٢، في معجمه، وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج ٤ / ٣٧٥، وأبو يعلى الموصلي في سننه، والطبراني في المعجم، والحاكم النيسابوري في المستدرك ج ٣ / ١٥٤، والحافظ أبو نعيم في فضائل الصحابة، وابن عساكر في تاريخه، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / ٢٧٩ / طبع مؤسسة أهل البيت بيروت، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبي / ٣٩، وابن حجر المكي في الصواعق / ١٠٥، وأبو العرفان الصبّان في إسعاف الراغبين / ١٧١، كلّهم رَووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لابنته فاطمةعليه‌السلام : يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.

وروى محمد بن اسماعيل البخاري في الصحيح في باب / مناقب قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن مسور بن مخرمة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.

وفي التذكرة / ٢٧٩ روى سبط ابن الجوزي فقال: وقد أخرج مسلم عن المسور بن مخرمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: فاطمة بضعة مني يُريبيني ما رابها و يؤذيني ما آذاها فمن أغضبها فقد أغضبني.

أيها الحاضرون! وخاصّة أنتم العلماء فكّروا! في ما يحصل من هذه الأخبار وانظروا نتيجتها، أليست صريحة في أنّ الله ورسوله يغضبان على من تغضب فاطمة عليه؟ وطائفة من الأخبار - التي نقلتها لكم عن صحاحكم ومسانيدكم المعتبرة - صريحةٌ بأنّ فاطمةعليه‌السلام ماتت وهي ساخطة على جمعٍ من الصحابة منهم أبو بكر وعمر. حتى أوصت أن لا يشيِّعاها ولا يصليا عليها!!

فالنتيجة الحاصلة: أنّ الله ورسوله ساخطين على أبي بكر وعمر،

٨٠٤

لأنّ فاطمةعليه‌السلام ماتت ساخطةً عليهما!!

الشيخ عبد السلام: هذه الأخبار صحيحة ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نطق بها حينما سمع أنّ علياً كرم الله وجهه يريد أن يتزوّج بابنة أبي جهل، فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: مَن آذى فاطمة فقد آذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، ومَن أغضبني فقد أغضب الله. وكان علي كرم الله وجهه هو الهدف والمقصود من هذه الأحاديث الشريفة!!

خطبة عليعليه‌السلام ابنة أبي جهل كذبٌ وافتراء

قلت: يمتاز الإنسان عن سائر أنواع الحيوان بلُبِّه وعقله.

فإذا سمع خبراً فهو لا يقبله إلّا بعد ما يمضغه بفكره ويهضمه عقله ولبه، فإذا كان معقولاً قَبِلَهُ، وإذا كان غير معقول ردّه، ولذا قال تعالى في كتابه الكريم:( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِکَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ أُولٰئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) (١) .

هذا الخبر وهو خطبة عليعليه‌السلام ابنة أبي جهل، وغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك، نقلَهُ بعض أسلافكم في كتبهم وأنتم على عاداتكم تلقيتم الخبر وتزنوه بعقولكم حتّى تجدوه مردوداً غير معقول ولا مقبول عند ذوي الألباب، وذلك لجهات منها:

أوّلاً: أجمعَ علماؤكم وأعلام مفسريكم أنّ علياًعليه‌السلام داخلٌ في مَنْ شملتهم آية التطهير، فهو بعيدٌ وبريءٌ من كل رجس ورذيلةَ.

____________________

١) سورة الزمر، الآية ١٧ - ١٨.

٨٠٥

ثانيا: أنّ الله سبحانه جعله في آية المباهلة نفسَ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما نقلت لكم أخبارها في الليلة الماضية.

ثالثاً: كان عليٌعليه‌السلام بابَ علم الرسول كما أعلن ذلك هو صلىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نقلتُ لكم أخباره من مصادركم.

فكانعليه‌السلام أعلم الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن وأحكامه وبالإسلام وفرائضه، وكانعليه‌السلام أحوط الناس في العمل بالقرآن وأجهدهم في كسب مرضات الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ والله سبحانه يقول:( وَ مَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ) (١) .

ثم كيف قَبِلَتْ عقولكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو صاحب الخلق العظيم يغضب عَلى أفضل عباد الله بعده والذي يحب اللهُ تبارك وتعالى كما عرَّفه حين أعطاه في خيبر، فيغضب عليه لا لشيء سوى أنّه أراد أن يرتكب أمراً مباحاً، أباحه الله سبحانه في كتابه لكل المسلمين من غير استثناء فقال:( فَانْکِحُوا مَا طَابَ لَکُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَ ثُلاَثَ وَ رُبَاعَ ) (٢) ؟

وعلى فرض أنّ علياًعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل، هل كان يحرم عليه ذلك أم يجوز؟! فكيف تقبل عقولكم أنْ يغضب سيد المرسلين وصاحب الخلق العظيم على سيد كريم مثل ابن عمه أمير المؤمنين لهذا الأمر المباح المشروع الذي سنّه الله تعالى وعمل به هو أيضاًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فالنبي صلوات الله وسلامه عليه أجلّ وأكرم من ذلك، ونفسه

____________________

١) سورة الأحزاب، الآية ٥٣.

٢) سورة النساء، الآية ٣.

٨٠٦

القدسيّة أزكى وأعظم من أنْ تتأثّر بهكذا أمور. لذا فكلّ إنسان مؤمن وعاقل، يعرف كذب هذا الخبر وأنه افتراءٌ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا الخبر يحطّ من شخصيتهِ وكرامته، صلوات الله عليه قبل أنْ يحطّ من شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام وكرامته.

لذلك أقول: لا شك ولا ريب أنّ هذا الخبر وضعه بنو أمية لأنهم أعداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأعداء عليّعليه‌السلام . وهذا ليس هو رأينا فحسب بل هو رأي بعض أعلامكم أيضاً.

فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٤ / ٦٣ / طبع دار إحياء الكتب العربية / تحت عنوان [ فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم عليعليه‌السلام ] قال: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى أنّ معاوية وضعَ قوماً من الصحابة و قوماً من التابعين على روايةِ أخبارٍ قبيحة في عليّعليه‌السلام ، تقتضي الطعنَ فيه و البراءة منه، و جعل لهم على ذلك جعْلا يُرْغَبُ في مثله، فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير - وبعد ما نقل نماذج من أحاديث كل واحد منهم قال -: و أمّا أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أنّ علياًعليه‌السلام خَطَبَ ابنة أبي جهل في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأسخطه، فخطب على المنبر و قال: « لاها الله! لا تجتمع ابنة وليّ الله و ابنة عدو الله أبي جهل! إنّ فاطمة بضعة مني يُؤذيني ما يؤذيها، فإنْ كان عليٌ يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، و ليفعل ما يريد »، أوْ كلاماً هذا معناه، و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي.

ثم قال ابن أبي الحديد: هذا الحديث أيضاً مخرج في صحيحي مسلم و البخاري عن المسورَ بن مخرَمة الزهري، و قد ذكره المرتضى في

٨٠٧

كتابه المسمّى «تنزيه الأنبياء و الأئمة » و ذكر أنّه رواية حسين الكرابيسي، و أنّه مشهورٌ بالإنحراف عن أهل البيتعليهم‌السلام و عداوتهم و المناصبة لهم، فلا تُقبل روايته. انتهى كلام ابن أبي الحديد.

إضافةً على ما نقلته في الموضوع أقول: الأخبار التي تصرّح بأنّ إيذاء فاطمةعليه‌السلام يكون إيذاءً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تختصّ بخبر خطبة علىعليه‌السلام ابنة أبي جهل! بل كما ورد في مصادركم وكتبكم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في موارد كثيرة ومناسبات عديدة صرّح بهذا المعنى بعبارات مختلفة.

كما نقبنا بعضها. أنقل إليكم الآن خبراً ما نقلتُهُ من قبل:

روى أحمد بن حنبل في مسنده، والخواجة بارسا البخاري في كتابه فصل الخطاب، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودة الثالثة عشر من كتابه مودّة القربى، عن سلمان الفارسي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و الصراط و الحساب، فمن رضيتْ عنه ابنتي فاطمة رضيتُ عنه و مَن رضيتُ عنه رضي الله عنه و مَن غضبتْ عليه ابنتي فاطمة غضبتُ عليه و مَن غضبتُ عليه غضب اللهُ عليه، ويلٌ لمن يظلمها و يظلم بعلها علياًعليه‌السلام و ويلٌ لمن يظلم ذريّتهما و شيعتهما.

فليت شعري! ما هو تحليلكم للخبر الذي نقله جُلُّ أعلامكم وأصحاب الصِّحاح حتى البخاري ومسلم بأنّ فاطمةعليه‌السلام ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر؟!

الحافظ: هذه الأخبار صحيحة، بل يوجد أكثر تفصيلاً وأشمل منها في مصادرنا، وأنا بفضل كلامكم عرفت زيف حديث الكرابيسي في خطبة علي كرم الله وجهه ابنة أبي جهل، وقد كان في قلبي شيءٌ

٨٠٨

على الإمام علي بسبب هذا الخبر، فزال والحمد لله، وأنا أشكركم كثيراً على توجيهاتكم وتحليلكم للموضوع.

ولكن بقي أمرٌ يختلج في قلبي، وهو أنّ هذه الأخبار والأحاديث المصرّحة بأنّ إيذاء فاطمة إيذاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ مَن أغضبها فقد أغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . مقبولة ومحمولة فيما إذا كان غضبها لأمر ديني لا دنيوي، وأنتم تقولون أنها غضبت على أبي بكر وعمر من أجل فدك، إذ إنّها ادّعت تملّكها فردّاها ولم يقبلا منها، فكان سخطها لأمر شخصي وهذا أمرٌ طبيعيٌ فكلّ إنسان إذا أراد شيئاً ولم يصل اليه فيتأثّر نفسيّاً، وكان سخط فاطمة من هذا القبيل، وهي بعد ما عادت المياه إلى مجاريها وسكنت الفورة، ورضيتْ بحكم الخليفة وسكتت، ولذلك لمـّا بويع علي كرم الله وجهه بالخلافة وتمكّن من استرداد فدك، لم يحرّك ساكناً ولم يغيِّر حكم أبي بكر وما استردّ فدك وإنما تركه على ما كان في عهد الخلفاء الراشدين قبله. وهذا دليلٌ على أنّه كان راضياً بحكم أبي بكر لأنّه كان حقاً.

قلت: لقد طال مجلسنا وأخشى من أنْ يتعب الحاضرون ويملّوا، فلو توافقون على تأجيل حديثنا إلى غد وفي الليلة الآتية إن شاء الله نستمر في الموضوع.

- فأجابوا جميعاً: إنّنا ما تعبنا ولا مللنا بل كلنا شائقون إلى استماع حديثكم حتّى نعرف نتيجة البحث ويظهر لنا الحق -.

قلت: ما دمتم كذلك وتحبون ظهور النتيجة وانكشاف الحقيقة فأقول:

أولاً: الموضوع في الأحاديث النبوية صريحة ومطلقة فتشمل الأمور

٨٠٩

الدنيوية وغيرها، فلا أدري من أين جاء الحافظ حفظه الله بهذا التفصيل؟

ثانياً: كل علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنّة قد أجمعوا على أنّ فاطمة الزهراءعليه‌السلام كانت امرأة مثاليّة، وكانت في أعلا مرتبة من مراتب الإيمان بحيث أنزل الله تعالى في شأنها آيات من الذكر الحكيم وشملتها آية التطهير وآية المباهلة وسورة الدّهر، وقد مدحها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرّفها بأنّها سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وأنّها امتلأت إيماناً، ومِثْلُها لا تَسْخَط لأجل أمرٍ دنيويٍ وماديّ، بذلك السخط الذي لا يزول إلى آخر حياتها. وهي تعلم بأنّ كظم الغيظ والعفو عن الخاطئين من علائم الإيمان والمؤمن ليس بحقود، إلّا أنْ يكون السخط من أجل الله تعالى، فإنّ المؤمن حبّه وبغضه في الله ولله سبحانه وتعالى، فكيف بفاطمة وهي سيدة نساء العالمين - كما في الحديث الشريف - وقد طهّرها الله عزّ وجلّ من الأرجاس والرذيلة والصفات الذميمة ولقبها أبوها بالطاهرة المطهَّرة، وهي ماتت ساخطة على أبي بكر وعمر، كما هو إجماع أهل الصحاح والمحدثين؟ فما كان سخطها إلا لأمر دينيّ لا دنيوي، وإنّها غضبت عليهما لأنّهما غَيَّرا دين الله وخالفا كتاب الله كما احتجّت عليهما في خطبتها التي مرّ ذكرها بالآيات القرآنية.

وأما قولك أيها الحافظ: إنّ فاطمة رضيت فسكتت، لا والله ما رضيت، ولكن حين رأت القوم الخصماء لها لا يلتفتون إلى كلامها ولا يسمعون دلائلها وهم مصرّون على باطلهم وظلمهم فسكتت، وما كان لها إلّا أنْ تسكت، ولكنّها أبدت سخطها عليهم، بأنْ أوصت إلى زوجها الإمام عليعليه‌السلام أنْ لا يحضر جنازتها وتشييعها أحدٌ ممّن آذاها

٨١٠

وظلمها، ولا يَدَع أحدا يصلِّي عليها.

وأما قولك - أيها الحافظ -: بأن علياًعليه‌السلام حيث لم يردّ فدكاً إلى أولاد فاطمة. فقد أمضى حكم الخليفة، فهو خطأ، لأنهعليه‌السلام ما تمكّن من أن يُغيِّر ما ابتدعه الخلفاء قبله، فكانعليه‌السلام مغلوباً على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثين والقاسطين فكانوا له بالمرصاد حتى يأخذوا عليه نقطة خلاف فيكبِّروها ضده ويجعلوا من تلك النقطة منطلقاً إلى تضعيف حكومته الحقّة، كما ظهر ذلك في بعض القضايا مثل تغيير مكان المنبر، حيث إنّ الخلفاء قَبْلَه غيّروا مكان منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونقلوه إلى مكان آخر في المسجد، فلما جاء الإمام عليعليه‌السلام وتسلّم أمر الخلافة أراد أن يرجع المنبر إلى مكانه الذي كان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فضجَّ المخالفون له وأحدثوا بلبلةٍ حتى منعوه.

وكذلك مثالا آخر، أرادعليه‌السلام أنْ يمنعَ الناس من إقامة صلاة التراويح جماعةً، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منع أن تقام النوافل جماعة، وإنما تختصّ الجماعة بالفرائض اليومية وغيرها من الفرائض، وإذا بالمناوئين ضجّوا واجتمعوا يهتفون وا سنّة عمراه!!

وصلاة التراويح - كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد القاري - ابتدعها عمر بن الخطاب، وقد عَيَّنَ أُبيّ ابن كعب إماماً لأهل المسجد في ليالي رمضان المبارك ليصلي بهم النوافل جماعة، فلما دخل المسجد ورأى الناس امتثلوا أمره، فقال: نِعْمَة البدعة هذه!!

فتركهم عليٌ وشأنهم، لمـّا رأى المنافقين اتخذوا هذا الأمر مستمسَكاً ضدَّه لخلق الفتن.

٨١١

وكذلك في الكوفة لمـّا أراد أنْ يمنعَهم من إقامة صلاة التراويح جماعةً، فهتفوا ضدّه، فتركهم!!

فما تمكّن عليّعليه‌السلام في أيّام خلافته أن يغيّر هذه الأمور البسيطة التي لا تنفعهم، فكيف كان يمكن له أنْ يستردّ فدكاً وقد انضمّت إلى بيت المال؟!

ولكي تعرفوا أنّ علياًعليه‌السلام ما أمضى حكم أبي بكر بل وَكَّلَ وفوّض حكم فدك ومحاكمة فاطمة وخصمائها إلى الله الحَكَم العدل.

فراجعوا نهج البلاغة / كتابه إلى عثمان بن حُنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة وهو الكتاب رقم ٤٥.

يقول فيه الإمامعليه‌السلام بالمناسبة: « فَوَالله مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَ لا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَ لا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً، بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَ نِعْمَ الْحَكَمُ الله »

فهذا كلام الإمام عليعليه‌السلام يقول: «وَ نِعْمَ الْحَكَمُ الله »... ومعناه: أنني سوف أطالبهم حقي يوم الحساب يوم لا تُظلَم نفسٌ شيئاً والحُكْم يومئذٍ لله.

وأما سيدتنا فاطمةعليه‌السلام فقد قالت لأبي بكر وعمر: فإنّي أُشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيتُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأشكونّكما إليه - وقد مرّ تفصيل الكلام من رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة -.

وكما نقل بعض المؤرخين كانت في أواخر أيام حياتها تخرج إلى قبر أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهناك تشكو اهتضامها وتقول: أبتاه أمسينا

٨١٢

بعدك من المستضعفين، و أصبحت الناس عنّا معرضين!! ثم تأخذ تراب القبر فتشمه وتنشد:

ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ

أنْ لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صُبّتْ عَليَّ مصائبٌ لو أنّها

صُبّتْ على الأيام صِرْنَ لياليا

فماتت مقهورة مظلومة، في ربيع العمر وعنفوان الشباب، وأوْصتْ إلى عليّعليه‌السلام أن يغسّلها ويجهِّزها ليلاً، ويدفنها ليلاً إذا هدأت الأصوات ونامت العيون، وأوصت أن لا يشهد جنازتها أحدٌ ممن ظلمها وآذاها.

وامتثل الإمام عليعليه‌السلام أمرها وعمل بوصيّتها.

ولما وضعها في لحدها وأهال عليها التراب، هاجَ به الحزن فتوجَّهَ إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلةِ في جوارك، والسريعة اللّحاق بك إلى أنْ يقول:

فإنّا لله و إنّا إليه راجعون، فلقد اسْتُرِجِعَتِ الوَديعة، و أُخذت الرَّهينة! أمّا حُزْني فسرمَدٌ، و أمّا ليلي فمسهَّد، إلى أنْ يختار الله لي داركَ التي أنتَ بها مقيمٌ، و سُتْنبّئُكَ اِبنتُك بتضافر أُمتكَ على هضمها، فأَحْفِها السُّؤال، و استخبرها الحال، هذا و لم يَطُلِ العهدُ، و لم يَخلُ منك الذكر، و السلام عليكما سلامَ مُودِّعٍ، لا قالٍ و لا سَئِم الخ.

كنت في أواخر حديثي هذا مستعبراً باكياً، وكذلك أكثر أهل المجلس بل كلّهم، وكان الحافظ حفظه الله منكِّساً رأسه إلى الأرض ودموعه تجري ويستغفر الله ويردِّد الآية الكريمة:

( إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‌ ) (١) .

____________________

١) سورة البقرة، الآية ١٥٦.

٨١٣

وبعد ذلك المجلس ما تكلّم الحافظ أبداً وإنّما حضر المجالس التالية مستمعاً لا مناقشاً، فكأنّه أنْصَفَ واقتنع، وكان ظاهر أمره في آخر ليلة حينما وادعني وفارقني، أنّه تشيّع - وإنْ لم يُبْدِ ذلك لمرافقيه وأصحابه -.

وبعد دقائق ولحظات وإذا بصوت المؤذّن يعلن طلوع الفجر ويؤذِّن لصلاة الصبح فافترق الجمع وفارقناهم.

٨١٤

المجلس التاسع

ليلة السبت - الثاني من شعبان المعظّم

في أوان المغرب جاءني عددٌ من الإخوان السنة الذين كانوا يلتزمون بالحضور في مجالس البحث والحوار من أول ليلة، وكانوا يستمعون إلى المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقّة وربما طلبوا منّي توضيح بعض المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقّة وربما طلبوا منّي توضيح بعض المواضيع، وكنت أحسّ وألمس منهم اهتماماً بالغاً، فجاءوا قبل انعقاد المجلس، وهم: النوّاب عبد القيوم خان، وغلام إمامين، والمولى عبد الأحد، وغلام حيدر خان، والسيد أحمد علي شاه

فاستقبلتهم وجلستُ معهم: فقالوا: أيها السيد المعظّم! إعْلَم بأنّنا في كل المجالس والمحاورات عرفنا الحق فيكم ومعكم، وخاصّة في الليلة الماضية قد انكشف لنا حقائق كثيرة كانت مكتومة، وكنّا نجهلها، وقد عرفناها بفضل بيانكم واتّضحت لنا من خلال حديثكم المستدل ومنطقكم القوي المدعم بالأحاديث والروايات الصحيحة المروية عن طريق أعلام السنة وعلمائهم في المسانيد والصّحاح، ونحن نطلب الحق ونريد أن نتدين بدين الله ونلتزم بما جاء به المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من عند

٨١٥

الله سبحانه، فلسنا نتعصّب للخلفاء ولا لأئمة السنة والجماعة ولسنا معاندين، بل نحن بعيدون عن اللِّجاج والتّعصبّ والعناد. والآن حيث انكشف لنا الواقع، وعرفنا الحق، نريد أنْ نعلن هذه الليلة في المجلس وفي حضور الملأ، تشيُعنا ومتابعتنا لمذهب آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واعلم أنّ هناك كثيراً من الناس على مختلف الطبقات ممّن يتابعون هذه المناقشات في الصحف والمجلّات، أيضاً قد عرفوا الحق ولكنهم يُخفون ذلك خوفاً من ردّ فعل قومهم، وإساءة أقربائهم لهم، ويخشون مقاطعة المجتمع الذي يعيشون فيه، فإذا نحن بدأنا بإعلان تشيعنا وفتحنا الباب فهم يدخلون أيضاً ويعلنون تشيعهم.

قلت: أرجوكم رجاءً مؤكّداً أن لا تعجلوا في الأمر، ولا تعلنوا تشيعكم هذه الليلة، اصبروا إلى نهاية المطاف حتى نعرف آخر ما يخرج به علماء السنّة والجماعة من هذه الأبحاث والمناقشات، فربما يعلنون هم أيضاً تشيعهم، فليكونوا هم البادون وأنتم التابعون، وهذا أجمل وأفضل، فوافقوا جميعاً على هذا الرأي.

وبعدما فرغنا من صلاتي المغرب والعشاء، اجتمع القوم وبعد التحيّات والتشريفات، بدأ الشيخ عبد السلام يتكلّم عن الجماعة ليمثل مذهبه.

فقال: لقد استفدنا من أحاديثكم في المجالس السالفة، فوائد جمّة، وأقول بكل صراحة: إنّ حديثكم يلين قلوب الأعداء، فكيف بنا نحن الأحبّاء، حيث اجتمعنا للتفاهم وحلّ القضايا الخلافية بمناقشات أخويّة ومناظرات ودّية؟ ولكن لمست وأحْسَسْتُ من جنابكم الإنحياز إلى أهل مذهبكم، بحيث أراكم تدافعون حتّى عن قبائح

٨١٦

عاداتهم وشنائع أقوالهم!

قلت: أنا لا أقبل منك هذا الكلام يا شيخ عبد السلام! لأنّي منذ عرفت نفسي وميّزتُ بين الخير والشر، خَضَعْتُ للحق، ودعوت للخير، ودافعت عن المظلوم، لأنّ جدّي أمير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه‌السلام أوصى إلى أولاده وخاصّة إلى الحَسَنينعليه‌السلام فقال: قولا بالحق واعملا للآخرة، وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عَونْاً.

فإذا رأيتني أُبيِّن مساوىء مَنْ خالفنا، وأُدافع عن مَن وافقنا، فلا عن انحياز أو متابعة للهوى، وإنّما الحق والخير عندي هو المعيار والمقياس، واعلم أن كل حديثي وكلامي في هذه المناقشات كان مقروناً بالأدلة النقليّة والبراهين العقليّة.

وأمّا كلامك عن قبائح عادات الشيعة وأقوالهم الشنيعة فبيِّنْها لنا، فإن كان بيانك حقاً قبلناه، وإلّا كشفنا لكم الواقع، فلربما اشتبه عليكم الأمر.

الشيعة وعائشة!!

الشيخ عبد السلام: إنّ من أقبح أقوال الشيعة قذفهم أم المؤمنين عائشة ونسبتهم الفحش إليها وسبّها ولعنها! ومن أشنع عاداتهم عداؤهم لها واعتقادهم بخبثها، وهي حبيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوجته، فانتسابها الى الخبث يلازم - والعياذ بالله - خبث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله سبحانه:( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَ الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) (١) .

____________________

١) سورة النور، الآية ٢٦.

٨١٧

قلت: أوّلاً: قولك بأن الشيعة يقذفون عائشة وينسبونها إلى الفحشاء.. فهو كذب على الشيعة وافتراء، وأُقسم بالله حتى عوام الشيعة لا يقولون ذلك ولا يعتقدون به، وإنّ النواصب والخوارج افتروا علينا هذا ليحرّكوا عوام أهل السنّة وجهالهم على أشياع آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع الأسف فإنّ بعض علماء العامّة صدّقوهم بغير دليل ولا تحقيق، وأحدهم جناب الشيخ عبد السلام سلّمه الله!

فأقول: أيها الشيخ! كيف تقول علينا هذا بالضرس القاطع؟! هل رأيته في كتاب أحد علمائنا؟ أم سمعته من لسان أحد الشيعة، ولو من عامتهم؟!

وأنا أرجوك أيها الشيخ أنْ تراجع تفاسير الشيعة في موضوع الإفك في ذيل الآيات ١٠ - ٢٠ من سورة النور لتعرف دفاع الشيعة عن عائشة وإنّ الآفكين هم المنافقون.

أما نحن الشيعة فنعتقد أنّ كل من يقذف أيّ واحدة من زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا سيما حفصة وعائشة، فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم، لأنّ ذلك مخالف لصريح القرآن وإهانة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذلك نعتقد بأنّ القذف ونسبة الفحشاء إلى أي مسلم ومسلمة حرام وموجب للحد - إلّا إذا شهد أربعة شهداء عدول -.

وأما اعتقاد الشيعة بخبث عائشة وشقاوتها، فبدليل أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال كما ورد في مسانيدكم: إنه لا يحب علياً إلّا مؤمن سعيد الجد طيّب الولادة، ولا يبغضه إلّا منافق شقي الجد خبيث الولادة.

ولا يخفى على أحدٍ أنّ عائشة كانت من أشد المبغضين لعليٍعليه‌السلام

٨١٨

إلى درجة أنّها خرجت لقتاله، وأشعلت نار الفتنة والحرب في البصرة عليه وهو إمام زمانها حينذاك!!

ثم اعلَمْ أنّ الاعتقاد بخبث الزوجة لا يلازم خبث الزوج وكذلك بالعكس، فكم من نساء صالحات أزواجهن غير صالحين؟ وكم من رجال صالحين زوجاتهم خبيثات غير صالحات؟ وهذا صريح قول الله سبحانه وتعالى في سورة التحريم ١٠ و١١ حيث يقول:( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ کَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأَةَ لُوطٍ کَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ‌* وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَکَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‌ ) .

فلا تلازم بين الزوجين في الطيب والخباثة وفي السعادة والشقاء، وفي القيامة أيضاً كلٌّ يُحاسَب ويُكافَأ بأعماله، فإنْ كانت المرأة صالحة مؤمنة يُؤْمَر بها الى الجنة، وإنْ كان زوجها فرعون لعنه الله، وإن كانت المرأة طالحة عاصية فيُؤمَر بها إلى الجحيم وإن كان زوجها أحد أنبياء المرسلين.

وأما تفسير الآية الكريمة:( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَ الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) (١) فقد ورد في روايات أهل البيتعليهم‌السلام أنّ هذه الجملات تفسير وتوضيح لمـّا قبلها وهو قوله تعالى:( الزَّانِي لاَ يَنْکِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِکَةً وَ الزَّانِيَةُ لاَ يَنْکِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ

____________________

١) سورة النور، الآية ٢٦.

٨١٩

مُشْرِكٌ ) (١) معنى ذلك أنّ الخبيثات يَلِقْنَ للخبيثين والخبيثون يليقون لهن، وأمّا الطيبون فيليقون للطيّبات وبالعكس، كما أنّ الزانية أو المشركة لا تليق إلّا لزانٍ أو مشرك.

بغض عائشة لآل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

ونحن حين ننتقد عائشة ونعاديها، لا لأنها بنت أبي بكر، بل لسوء تصرّفها وسوء معاملتها مع آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأنّها كانت تبغض علياًعليه‌السلام وتعمل ضدّه وتثير المسلمين عليه، وإلّا فإنا [ نحبّ محمّد بن أبي بكر - أخيها - لأنه نصر الحق وتابعَ الإمام عليعليه‌السلام ].

أمّا عائشة فما حافظت على مكانتها بل سوّدت تاريخها بأعمالها المخالفة لكتاب الله وحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فما أطاعت زوجها ولا أطاعت ربها!!

الشيخ عبد السلام: لا يليق هذا الكلام بكم وأنت سيدٌ شريف وعالم نبيل، فكيف تعبِّر عن أم المؤمنين بهذا التعبير، بأنها سوّدت تاريخها؟!

قلت: كل زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عندنا في مكانة متساوية، - باستثناء أم المؤمنين خديجة الكبرىعليه‌السلام فإن النبي كان يفضّلها عليهن - فإنّ أم سلمة وسودةَ وعائشة وحفصة وميمونة وسائر زوجاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلهنّ أمهات المؤمنين، ولكن المؤرخين لا سيما أعلامكم فتحوا لعائشة صفحات خاصّة، تروي مداخلتها في الفتن، ومشاركتها مع

____________________

١) سورة النور، الآية ٣.

٨٢٠