مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 252376
تحميل: 4050

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252376 / تحميل: 4050
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الرجال في أمور لا تعنيها، بل مخالفة لشأنها ومقامها كزوجة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا مقصودنا من تسويدها تاريخها، وليتها كانت تسلك مسلك قريناتها، أعني زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحافظ على حرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما حفظْنَها.

الشيخ عبد السلام: أظن أنّ سبب عدائكم وبغضكم لأم المؤمنين عائشة، هو خروجها على الإمام علي كرم الله وجهه، وإلّا فإنّ سلوكها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أحسن سلوك، وليس لأحدٍ انتقاد في ذلك، وكان رسول الله يكرمها كثيراً ونحن نكرمها لإكرام النبي لها.

قلت: سبب بغضنا لعائشة ليس لخروجها على الإمام عليعليه‌السلام فحسب بل لسوء سلوكها مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإيذائها له أيضاً، وتمرّدها عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم إطاعتها له في حياته!!

الشيخ عبد السلام: هذا بهتان عظيم! فإنّ كلنا نعلم بأنها كانت أحب زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه، فكيف كانت تؤذي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تقرأ في القرآن الحكيم:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) (١) ؟

قلت: أيها الشيخ لقد تكرر منكم سوء التعبير ورميتموني بالافتراء والبهتان والكذب، ولكن سرعان ما انكشف الأمر وثبتَ بأنّي غير كاذب ولا مفتر، بل أنا ناقل الأخبار من كتب علمائكم ومسانيد أعلامكم، وقلت لكم: بأنّ الشيعة لا يحتاجون إلى وضع الأخبار وجعل الأحاديث في إثبات عقائدهم وحقانية أئمتهم وفضائلهم ومناقبهم، فإن كتاب الله سبحانه ينطق بذلك والتاريخ يشهد لهم.

____________________

١) سورة الأحزاب، الآية ٥٧.

٨٢١

أما قولك بأنّها كيف كانت تؤذي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تقرأ الآية الكريمة:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله ) الخ.

فأقول: نعم كانت تقرأ الآية وكان أبوها أيضاً يقرأها وكثير من كبار الصحابة قرؤوا هذه الآية الكريمة وعرفوا معناها ولكن.. كما نقلت لكم الأخبار المرويّة في كتبكم وصحاحكم في الليلة الماضية وانكشف حقائق كثيرة للحاضرين ولكم إن كنتم منصفين غير معاندين!!

إيذاء عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته

أما أخبار إيذاء عائشة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته فلم تُذْكَر في كتب الشيعة وحدهم، بل ذكرها بعض أعلامكم أيضاً منهم: أبو حامد محمد الغزالي في كتابه إحياء العلوم:ج ٢/ الباب الثالث كتاب آداب النكاح / ١٣٥، والمتقي الهندي في كنز العمال ج ٧/١١٦، وأخرجه الطبراني في الأوسط والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من حديث عائشة قالوا: و جرى بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله و بين عائشة كلام حتّى أدخل النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر حكماً بينهما، و استشهده، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تكلّمين أو أتكلّم؟ فقالت: بل تكلم أنت و لا تقل إلّا حقاً!

فلطمها أبو بكر حتّى دُمي فوها وقال: يا عدوّة نفسها! أوَ غير الحق يقول؟ فاستجارت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقعدت خلف ظهره، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لن نَدْعُكَ لهذا ولم نُرِدْ هذا منك.

قال أبو حامد الغزالي في نفس الصفحة: وقالت له مرةً في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟! - قال وذلك حين صِباها - فتبسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واحتَمَلَ ذلك حِلْماً وكرماً.

٨٢٢

وأخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو الشيخ في كتاب الأمثال، من حديثهما مُعَنْعَناً.

قال الغزالي: وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لها: إنّي لأعرف رضاك من غضبك.

قالت: وكيف تعرفه يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رضيت قلت: لا وإله محمد، وإذا غضبتِ قلت: لا وإله إبراهيم.

قالت: صدقت إنّما أهجر إسمك!(١) .

وتحدثها بهذه العبارات والتعابير التالية مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بل تكلّم أنت و لا تقل إلّا حقاً!

أنت الذي تزعم أنك رسول الله!!

إنما أهجُر إسمك!

بالله عليكم! أنصفوا..! أما كان رسول الله يتأذّى من هذه التعابير القارصة والكلمات اللاذعة حين يسمعها من زوجته؟!

والمفروض أن تتصاغر الزوجة لزوجها وأن تحترمه وتخضع له ولا تتجاسر عليه بكلام يؤذيه، وكذلك المفروض على المؤمنين والمؤمنات أن يكرموا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويحترموه احتراماً كبيراً ويعظّموه كثيراً، حتّى أنه لا يجوز لأحدٍ أن يرفع صوته فوق صوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو يدعوه باسمه من غير تشريف واحترام كما يدعو بعضهم بعضاً، لقوله تعالى:

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ

____________________

١)أقول : أخرجه مسلم في صحيحه ج ٧/١٣٥ من حديثها ورواه البغوي في المصابيح ج ٢ / ٣٥.

«المترجم»

٨٢٣

وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) (١) .

وقال سبحانه:( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) (٢) .

فالمفروض على زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - عائشة وقريناتها - أنْ يُكْرمْنَ النبي ويحترمْنَهُ ويخضْعَن لهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من غيرهن، ولكن مع الأسف الشديد نرى في سلوكها تمرّداً على رسول الله كما وصفها المؤرخون وحتى من أعلامكم مثل أبو حامد الغزالي، والطبري، والمسعودي وابن الأعثم الكوفي وغيرهم، قالوا: إنّها تمرّدت عن أمر الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! فهل هذا التمرد يدل على طيبها أم خبثها؟! وهل حياة المتمردين على الله ورسوله تكون ناصعة أم سوداء مظلمة؟!

وإني أستغرب كلام الشيخ عبد السلام وقوله: بأن سبب بغضنا لعائشة، خروجُها على الإمام علي كرم الله وجهه!

وكأنّه يحسب هذا الأمر هيّناً! وهو عند الله عظيمٌ عظيم.. لأنّها شقَّت عصى المسلمين، وسبَّبت سفك دماء كثير من المؤمنين والصالحين، فرمَّلَت نساءً، وأيتمت أطفالاً!! وهي بخروجها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وإثارة فتنة البصرة، وأمْرِها للناس، وتحريضهم لمقاتلة الإمام عليعليه‌السلام ، فمهّدت الطريق وفتحت باب الحرب والقتال لمعاوية وحزبه الظالمين وكذلك للخوارج الملحدين الفاسقين!!

فأي ذنبٍ أعظم من هذا يا شيخ! وهي بخروجها من بيتها إلى

____________________

١) سورة الحجرات، الآية ٢.

٢) سورة النور، الآية ٦٣.

٨٢٤

البصرة خالفت نصَّ كلام الله الحكيم إذ قال سبحانه:

( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُْولى ) (١) .

نعم جميع زوجات رسول الله غير عائشة امتثلن أمر الله تعالى وأطَعْنَهُ وحفظن حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته وما خرجن من بيوتهنّ إلّا للضرورة، وقد روى الأعمش كما ورد في صحاحكم ومسانيدكم: قالوا لأم المؤمنين سودة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم لا تخرجين إلى الحج والعمرة؟ فإنّ ثوابهما عظيم؟

قالت: لقد أدّيت الحج الواجب وأما بعد ذلك فواجبي أن أجلس في بيتي، لقوله تعالى:( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فامتثالاً لأمره عزّ وجلّ، لا أخرج من بيتي بل أحب أن أقرَّ في الدار التي خصها لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أخرج إلا لضرورة، حتى يدركني الموت - وهكذا كانت حتى التحقت بالنبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله -.

فنحن لا نفرّق بين زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكلّهن أمهات المؤمنين، فمن هذه الجهة كلهن عندنا على حدٍّ سواء.

وأما في المنزلة والمقام فشأنهنّ شأن المؤمنات الأخريات فيكتسبن المقام والجاه عند الله سبحانه بالأعمال الصالحة وبالتقوى، فمن عملت منهن الصالحات واتّقت فنحبها، ومَن لم تتق وما عملت صالحاً فلا نحبها، ومَن خالفت وعصت ربها فنبغضها.

امتياز نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على سائر النساء

الشيخ عبد السلام: كيف تقول بأنّ شأن زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

١) سورة الأحزاب، الآية ٣٣.

٨٢٥

شأن المؤمنات الأخريات!! فإنّ هذا البيان خلافُ كلام الله العزيز إذ يقول:( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساء ) أي: أنّ مقام نساء النبي أعلا وأرفع من سائر النساء.

قلت: كل زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهن الفخر والفضل على نساء المؤمنين لشرف انتسابهن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو شرف اكتسابي وانتسابي لا ذاتي، فيجب عليهن أن يحفظْنَ حرمة هذا الانتساب الرفيع، والمقام المرموق والممتاز على سائر النسوة بتقوى الله سبحانه، كما صرّح بذلك عزّ وجلّ في كتابه قائلاً:( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (١) .

ولا يخفى عليكم أيها العلماء معنى إنْ الشرطيّة، فمقام نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وامتيازهن على سائر النساء مشروط بالتقوى. فمن تورّعت، وتدرّعت بتقوى الله تعالى، وامتثلت أوامره، مثل سودة وأم سلمة فيلزم علينا تكريمها وتعظيمها واحترامها، ومَن لم تتورّع ولم تلتزم بتقوى الله سبحانه وما امتثلت أوامره، فلا احترام لها عندنا مثل عائشة.

خروج عائشة على أمير المؤمنينعليه‌السلام

لقد أجمع المؤرخون أنّ عائشة قادت جيشاً لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وقال بعضٌ: إن طلحة والزبير أغرياها، وقال آخرون: إنها كانت مستعدّة لذلك من غير إغراء، لبغضها وعداءها للإمام عليعليه‌السلام .

____________________

١) سورة الأحزاب، الآية ٣٢.

٨٢٦

فاجتمع حولها كل مَنْ في قلبه مرض، وكلّ من كان حاقداً على أبي الحسن أمير المؤمنين سلام الله عليه، وخرجت إلى البصرة، فألقوا القبض على عثمان بن حنيف الأنصاري، صحابي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان عاملاً عليها من قِبَل الإمام عليعليه‌السلام ، فنتفوا لحيته الكريمة، وشعر رأسه، وحاجبيه، وضربوه بالسياط حتى أُدْمي، ثمّ أخرجوه من البصرة بحالة يُرثى لها، وقتلوا أكثر من مائة نسمة من أهاليها من غير أن يصدر منهم ذنب أو أي عمل يبيح لعائشة وجيشها سفك تلك الدماء البريئة، ولو أحببتم الإطلاع على تفصيل تلك الأعمال البشعة فراجعوا تاريخ ابن الأثير، والمسعودي، وتاريخ الطبري، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(١) .

____________________

١) أنقلُ للقارئ الكريم بعض ما نقله ابن قتيبة وهو من أعلام القرن الثالث الهجر، ومتوفي سنة ٢٧٦ هجرية، قال في كتابه الإمامة والسياسة ٦ - ٦٣ / ط. مطبعة الأمة بمصر سنة ١٣٢٨ هجرية:

«دخول طلحة والزبير وعائشة البصرة»

قال: وذكروا أنّه لمـا نزل طلحة والزبير وعائشة البصرة اصطف لها الناس في الطريق يقولون: يا أم المؤمنين ما الذي أخرجك من بيتك؟!

فلما أكثروا عليها، تكلمت بلسان طلق وكانت من أبلغ الناس: فحمدت الله وأثنت عليه، ثمّ قالت: أيها الناس! والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يسْتَحَلَّ دمه، ولقد قُتِل مظلوماً!!

غضبنا لكم من السوط والعصا، ولا تغضب لعثمان من القتل؟ وإنّ من الرأي أن تنظروا إلى قَتَلةِ عثمان فيُقتَلوا به، ثمّ يُرَدّ هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب. =

٨٢٧

. . . . .

____________________

=

فمن قائل يقول: صدقت، وآخر يقول: كذبت، فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض، فبينما هم كذلك، أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان، فقال الرجلُ لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال نعم، قال: فما ردّك على ما كنتَ عليه؟! وكنتَ أمس تكتب إلينا تُؤلِّبُنا على قتل عثمان، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه!!

وقد زعمتما - أي: طلحة والزبير - أنّ علياً دعاكما إلى أنْ تكون البيعة لكما قِبَلَه إذ كنتما أسنّ منه، فابيتما إلّا أنْ تُقدِّماه لقرابته وسابقته، فبايعتماه فكيف تنكثون بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟!

قال طلحة دعانا إلى البيعة بعد أنْ اغتصبها وبايعه الناس، فعلمنا حين عرض علينا أنّه غير فاعل، ولو فَعَلَ أبى ذلك المهاجرون والأنصار، فخِفْنا أنْ نَرُدَّ بيعته فنُقْتَل، فبايعناه كارهين، قال فما بدا لكما من عثمان؟ قال: ذكرنا ما كان من طعننا عليه وخذلاننا إيّاه، فلم نجد من ذلك مخرجاً إلّا الطلب بدمه!!

قال: ما تأمراني به؟ قال: بايعْنا على قتال عليّ ونقض بيعته!

قال: أريتما أنْ أتانا بعدكما من يدعونا إلى ما تدعون إليه ما نصنع؟

قالا: لا تُبايعْه! قال: ما أنْصَفتُما، أتَأمُراني أنْ أُقاتل علياً وأنقض بيعته وهي في أعناقكما، وتنهياني عن بيعة له عليكما؟ أما إنّنا فقد بايعنا عليّاً، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا!

قال ثم تفرّق الناس فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف - وهو عامل عليّ على البصر - وفرقة مع طلحة والزبير.

ثم جاء جارية بن قدامة فقال: يا أم المؤمنين لَقَتْلُ عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون، انه كانت لك من الله تعالى حُرمة وستر، فهتكْتِ سترك، وأبحَتِ حُرمتك!! إنّه من رأى قتالك فقد رأى قتلك، فإن =

٨٢٨

. . . . .

____________________

=

كُنْت يا أم المؤمنين أتيتينا طائعة، فارجعي إلى منزلك، وانْ كُنْتِ أتيتينا مستكرهة فاستَعْتِبي.

«قَتْلُ أصحابِ عثمان بن حنيف عامل عليّ على البصرة»

قال: وذكروا أنّه لمـا اَختلف القوم اصطلحوا على أنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة ومسجدها وبيت المال، وأنْ ينزلَ أصحابه حيث شاؤا من البصرة.

وأنْ ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاؤا، حتى يقدم عليٌّ، فإنْ اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس، وإنْ يتفرقوا، يَلْحَقْ كل قوم بأهوائهم، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه وذمّه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأشهدوا شهوداً من الفريقين جميعاً.

فانصرف عثمان فدخل دار الإمارة وأمر أصحابه أنْ يلحقوا بمنازلهم ويضعوا سلاحهم، وافترق الناس وكتموا ما في أنفسهم غير بني عبد القيس فإنهم أظهروا نصرة عليّ، وكان حكيم بن جبل رئيسهم، فاجتمعوا إليه فقال لهم: يا معشر عبد القيس ! إنّ عثمان بن حنيف دمه مضمون، وأمانته مؤداة، وأيْمُ والله لو لم يكن [ بن حنيف ] عليَّ أميراً لمنعناه لمكانته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف له الولاية والجوار؟ فأشْخصوا بأنصاركم وجاهدوا العدوّ، فإمّا أنْ تموتوا كراماً، وإمّا أنْ تعيشوا أحراراً.

فمكثَ عثمان بن حنيف في الدار أياماً، ثم إنَّ طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتوه نصف الليل في جماعة معهم، في ليلة مظلمة سوداء مطيرة، وعثمان نائمٌ فقتلوا أربعين رجلاً من الحرس، فخرج عثمان بن حنيف فشدّ عليه مروان فأسره وقتل أصحابه، فأخذه مروان وفَنَتَفَ لحيته ورأسه وحاجبيه، فنظر عثمان بن حنيف إلى مروان فقال: أما أنك إنْ فُتّني بها في الدنيا فلم تَفُتْني بها في الآخرة. =

٨٢٩

. . . . .

____________________

=

أقول: بعدما قرأتم هذا الخبر المعتبر الذي جاء به أحد كبار علمائكم العامة، أسألكم بالله أنصفوا! ما كان توجيه عمل طلحة والزبير أن نقضا العهد والميثاق!!

وهل الذين يزعمون أنهما من العشرة المبشرة، يعذّرانهما بأنْ اجتهدا؟ أيكون الاجتهادُ عذراً وجيهاً للذي يخالف نصَّ كلام الله العزيز الحكيم؟! إذ يقول سبحانه وتعالى:( وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الأْيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ الله يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ * وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ الله بِهِ وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) / النحل ٩١ و ٩٢. ويقول سبحانه عز وجل في آية أخرى:

( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ الله وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران: ٧٧، ويقول سبحانه وتعالى:

( وَ بِعَهْدِ الله أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَ أَنَّ هذا صراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام: ١٥٢ - ١٥٣.

يا تُرى هل الزبير وطلحة وعائشة وَفَوا بالعهد؟ أم هل اتبعوا الصراط المستقيم بخروجهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟!

أما شَقُّوا عصي المسلمين، وَفرَّقوا بينهم، وألْقَواْ العداء والبغضاء بينهم وأحدثوا في الإسلام، وشَبُّوا، نائرة الحرب في المسلمين، وسبّبوا الجدال والقتال، وسفكوا الدماء المحرّمة، وأزهقوا النفوس المؤمنة؟ وكأنّهم ما قرأوا كلام الله العزيز الحكيم إذ يقول:( وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ الله عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) النساء ٩٣. =

٨٣٠

ولما جابَهَتْ عائشةُ جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ركبت الجمل وَحَرَّضَت الناس الغافلين، وأَلَّبَت الجاهلين والمنافقين لقتال إمام زمانها، رغم مواعظهعليه‌السلام ومواعظ ابن عباس وكبار الصحابة لها ولجيشها.

فأمّا الزبير امتنع من المقاتلة، وتَرَك المعركة إذْ عَرَف الحق مع عليعليه‌السلام ، ولكن عائشة أصرّت على غَيِّها واستكبرت عن قبول الحق(١)

____________________

= فإذا كان هذا جزاء من قَتَل مؤمناً واحداً متعمّداً، فكيف بمن قتل المؤمنين متعمداً أو أمر بقتل آلافٍ من المؤمنين؟!

فكّروا وأنصفوا مالكم كيف تحكمون؟!

«المترجم»

١) قال ابن قتيبة في كتاب الامامة والسياسة: ٦٥ و ٦٦:

وذكروا أن الزبير دخل على عائشة فقال: يا أماه ما شَهِدتُ موطناً قط في الشرك ولا في الإسلام إلّا وَليَ فيه رأي وبصيرة، غير هذا الموطن فإنّه لا رأيَ لي فيه ولا بصيرة، وإنّي لعلى باطل! قالت عائشة: يا أبا عبدالله! خِفْتَ سيوف بني عبد المطلب؟! فقال: اما والله انّ سيوف بني عبد المطلب طوال حداد، يحملها فتيةٌ أنجاد. ثم قال لابنه عبد الله: عليك بحربك، أمّا أنا فراجعٌ لبيتي. فقال له ابنه عبد الله: الآن حين التقت حلقتا البطان واجتمعت الفئتان! والله لا نغسل رؤوسنا منها!

فقال الزبير لابنه: لا تعدّ هذا منّي جُبْناً! فوالله ما فارقْتُ أحداً في جاهلية ولا إسلام. قال: فما بردك؟

قال: بردني ما أنْ علمته كسرك. أقول: ألا تعجب من الزبير مع اعترافه أنّه على باطل، يقول لابنه: عليك بحربك ولا ينهاه!! =

٨٣١

حتى قُتل عشرات المئات من المسلمين بسببها ثمّ انكسرت واندحرت، فردّهاعليه‌السلام إلى بيتها مكّرمة!

فضائل الامام عليعليه‌السلام ومناقبه

روى أحمد في مسنده وابن أبي الحديد في شرح النهج

____________________

= وفي الصواعق المحرقة / ٧١، ط. الميمنية بمصر / قال ابن حجر: وقد أخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله بوقعة الجمل وصفّين وقتال عائشة (رض) والزبير وعلياً، كما أخرجه الحاكم وصحّحه البيهقي عن أم سلمة قالت: ذكر رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خروج إحدى أمهات المؤمنين.

فضحكت عائشة (رض) فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنظري يا حميراء أنْ لا تكون أنت!

أقول: نعم نهاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنها خالفت وخرجت وقاتلت، ولا غرو فإنها خالفت ربها وخالقها في ذلك إذ يقول سبحانه، وتعالى:( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُولى ) سورة الأحزاب، الآية ٣٣. وقال عزّ وجلّ:( وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) سورة الحشر، الآية ٧.

والعجب من الذين يعظّمونها، ويَروون عنها، ويبنون الأحكام على روايتها، ويقولون: إنا كانت أربعين ألف حديث. وقي في ردّ هذا الكلام:

حفظ أربعين ألف حديث

ومن الذكر آيةً تنساها!!

وقال ابن حجر: وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن ابي الأسود قال: شَهِدْت الزبير خرج يريد علياً، فقال له عليٌّ: أُنشِدُكَ الله هل سمعتَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: تقاتله وأنت ظالم له! فمضى الزبير منصرفاً.

وفي رواية ابي يعلى والبيهقي، فقال الزبير: بلى ولكن نسيت!!

أقول: هكذا نسوا الحق ونصروا الباطل، فهل هذا عذر مقبول؟!

«المترجم»

٨٣٢

والفخر الرازي في تفسيره الكبير والخطيب الخوارزمي في المناقب والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة، والعلّامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / باب ٦٢، والمير سيد علي الهمداني الفقيه الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودّة الخامسة، روى بعضهم عن عمر بن الخطاب وبعضهم عن عبد الله بن عباس حَبر الأمة، إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لو أنّ البحر مداد و الرياض أقلام و الانس كُتّاب و الجنّ حُسّاب ما أَحْصَوا فضائل علي بن أبي طالب(١) .

____________________

١) هذا حديث نبوي شريف صدر من سيد البشر، واشتُهر وانتَشر في كتب كثير من علماء السُنّة وأعلام العامة، ولم يصدر مثله في حق أي واحد من الصحابة، وإنّما خَصَّ النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله علياًعليه‌السلام بهذا المعنى وكرره فيه بتعابير أخرى مثل قوله كما نقله المحب الطبري في الرياض النضرة: ج ٢ ص ٢١٤ وفي ذخائر العقبي ص ٦١ عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ يهدي صاحبه إلى الهدى، ويرده عن الردى، أخرجه الطبراني.

ورواه عنه القندوزي في الينابيع / ٢٠٣، ط. اسلامبول والعلّامة الامر تسري في أرجح المطالب / ٩٨ ط لاهور.

وفي مناقب الموفق بن احمد الخوارزمي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرهط من أصحابه: إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ فضائل لا تحصى كثرةً.

وقد صرّح جمعٌ من أعلام العامّة: أنّه لم يذكر لأحدٍ من الصحابة الكرام ما ذكر لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، منهم إمام الحنابلة أحمد بن حنبل، نقل عنه ابن عبدالبر في الاستيعاب: ج ٢ / ٤٧٩، طبع حيدر آباد سنة ١٣١٩ هجرية.

قال: قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يُرْوَ في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما رُوي في فضائل علي بن ابي طالببعليه‌السلام وقال ابن حجر في الصواعق / ٧٢، ط الميمنية بمصر: =

٨٣٣

. . . . .

____________________

= (الفصل الثاني: في فضائله «رضي الله عنه وكرّم وجهه») وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال أحمد: ما جاء لأحدٍ من الفضائل ما جاء لعليّ.

وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ما جاء في عليّ - سلام الله عليه -.

ونقله الثعلبي في تفسيره عن أحمد بن حنبل آخر الآية الكريمة:( إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) ، وأخرجه الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في متابه المناقب: ص ٢٠، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع في ذليل المستدرك: ج ٣/١٠٧.

وأخرج الحاكم في المستدرك: ج ٣ / ١٠٧، بسنده عن محمد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضائل ما جاء لعلي بن ابي طالب (رضي الله عنه). وروى عنه أيضاً الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الأربعون وخرّجه العلامة الكنجي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٨، وهو الشهير بفقيه الحرميْن ومفتي العرقيْن، محدِّث الشام وصدر الحفاظ، قال في كتابه كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن ابي طالب / الباب الثاني والستون / صفحة ١٢٤، طبع الغري: ويدُلّك على ذلك - أي كثرة فضائلهعليه‌السلام - ما رويناه عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل وهو أعرف أصحاب أهل الحديث في علم الحديث: قريع قِران أقرانه، وإمام زمانه، والمقتدى به في هذا الفن في إبانه، والفارس الذي نكب فرسان الحفاظ في ميدانه، وروايته مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة، ولا يُتّهم في دينه، فجاءت روايته فيه كعمود الصبح ولا يمكن ستره بالراح، وهو ما أخبرنا العلامة مفتي الشام أبو نصر محمد =

٨٣٤

. . . . .

____________________

= ذكر إسناده إلى محمد بن منصور الطوسي يقول: سمعتُ الإمام أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما جاء لعلي بن ابي طالب.

ثم قال الكنجي: وقال الحافظ البيهقي: وهو - أي عليٌعليه‌السلام - أهل كل فضيلة ومنقبة ومستحقٌ لكل سابقة ومرتبة ولم يكن أحدٌ في وقته أحق بالخلافة منه.

قال الكنجي: هكذا أخرجه الحافظ الدمشقي في ترجمتهعليه‌السلام من التاريخ.

وقال سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص:٢٣، ط مؤسسة أهل البيت بيروت: الباب الثاني في ذكر فضائلهعليه‌السلام : وهي أشهر من الشمس والقمر، وأكثر من الحصى والمدر، وقد اخترت منها ما ثبتَ واشتهر.. ثم يستدل على كثرة فضائلهعليه‌السلام برواية ابن عباس (رضي الله عنه): لو أنّ الشجر أقلام والبحور مداد و الإنس كتّاب و حسّاب، ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

واعلم! أنّ هذا الحديث الشريف خرّجه جمعٌ من أعلام العامّة في كتبهم منهم: الموفق بن أحمد الخوارزمي وهو من أعلام القرن السادس الهجري ومتوفي سنة ٥٦٨ هجرية، خرّج الحديث عن مجاهد عن ابن عباس في المناقب /١٨ و٢٢٩، ط تبريز قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو أنّ الغياض أقلام و البحر مداد و الجنّ حسّاب و الإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن ابي طالب.

وخرّجه الإسلام الحمويني أيضاً في كتابه فرائد السمطين وخرّجه الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في كتابه لسان الميزان: ج ٥/ ٦٢ ط حيدر آباد، وخرّجه العلّامة جمال الدين عطاء الله الهروي في الاربعين حديثاً.

أقول: وقال القندوزي في ينابيع المودة / أواخر الباب الاربعين:

وفي المناقب - أي مناقب احمد بن حنبل - عن أبي الطفيل قال: قال بعض الصحابة: لقد كان لعليّ من السوابق ما لو قسمت سابقة منها بين الناس لوسعتهم خيراً. =

٨٣٥

. . . . .

____________________

= واستمع إلى بن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٩ /١١٦، ط دار احياء التراث العربي بيروت / لما يريد أن يذكر بعض فضائلهعليه‌السلام يقول: واعلم أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لو فخر بنفسه و بالغ في تعديد مناقبه و فضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالى إيّاها و اختصه بها و ساعده على ذلك فصحاء العرب كافّة لم يبلغوا الى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلوات الله عليه في أمره.. وبعدما ينتهي من نقل الأخبار والأحاديث الناطقة بفضائله ومناقبه يقول:

و اعلم أنّا إنما ذكرنا هذه الأخبار هاهنا لأنّ كثيراً من المنحرفين عنهعليه‌السلام إذا مرّوا على كلامه في نهج البلاغة و غيره المتضمّن التحدث بنعمة الله عليه من اختصاص الرسول له ص و تميزه إياه عن غيره ينسبونه إلى التيه و الزهو و الفخر و لقد سبقهم بذلك قوم من الصحابة قيل لعمر ول عليا أمر الجيش و الحرب فقال هو أتيه من ذلك و قال زيد بن ثابت ما رأينا أزهى من علي و أسامة. فأردنا بإيراد هذه الأخبار هاهنا عند تفسير قوله «نحن الشعار و الأصحاب و نحن الخزنة و الأبواب» أن ننبه على عظم منزلته عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنّ من قيل في حقه ما قيل لو رقي إلى السماء و عَرَجَ في الهواء و فخر على الملائكة و الأنبياء تعظماً و تبجُّحاً لم يكن ملوماً بل كان بذلك جديرا فكيف و هوعليه‌السلام لم يسلك قطّ مسلك التعظم و التكبّر في شي ء من أقواله و لا من أفعاله و كان ألطف البشر خلقا و أكرمهم طبعاً و أشدهم تواضعا و أكثرهم احتمالاً و أحسنهم بِشْراً و أطلقهم وَجْهاً حتّى نَسَبَه مَنْ نَسَبَه إلى الدُّعابة و المزاح و هما خُلقان ينافيان التكبّر و الاستطالة و إنما كان يذكر أحياناً ما يذكره من هذا النوع نفثة مصدور و شكوى مكروب و تنفّس مهمومٌ و لا يقصد به اذا ذكره إلّا شكر النعمة و تنبيه الغافل على ما خصّه الله به من الفضيلة فانّ ذلك من باب الأمر بالمعروف و الحَضّ على اعتقاد الحق و الصواب في أمره و النهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه =

٨٣٦

. . . . .

____________________

= في الفضل فقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال( أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ، يونس:٣٥، انتهى كلامه.

أقول: إذا كان تقديم غيره عليهعليه‌السلام منكراً بدليل الآية الكريمة، فكيف تقول في مقدّمة شرح نهج البلاغة: الحمد لله الذي قدّم المفضول على الافضل؟! أي قدَّم أبا بكر على الإمام عليعليه‌السلام - وهل الباري عزّ وجلّ يعمل منكراً؟! حاشاه ثم حاشاه، أم هل ينقض قوله بفعله؟! كلّا وألف كلاً، فإنّ الله تبارك وتعالى ما قدَّم المفضول على الأفضل، بل أمر عباده بمتابعة الأفضل بحكم العقل وصرّح بذلك في قوله الحكيم:( أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى ) ثم عاتبهم على سوء اختيارهم وحكمهم قائلاً:( فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ؟!

فأقول لابن ابي الحديد ولمن حذا حذوه وسلك مذهبه:

إنّ تقديم المفضول على الأفضل ما كان فعل الله عزّ وجلّ، بل هو من تسويلات نفوس المنافقين ومن عمل الشيطان الذي ضَلّ وأضَلّ نعوذ بالله ربّ العباد من التعصّب والعناد ومن توجيه الضلالة والشقاوة والفساد.

فالبيان الفصيح، واعتراف وتصريح المآلف والمخالف بأنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام سبقَ الآخرين بفضائله ومناقبه، فلا يضاهيه أحدٌ من المسلمين، ولا يلحقه احدٌ من المؤمنين.

وفي ختام التعليق أنقل ابيات من الشاعر الأديب العبقري، عبد الباقي العمري يخاطب أمير المؤمنينعليه‌السلام قائلاً:

أنت العليُّ الذي فوق العُلى رُفِعا

ببطن مكة وَسْطَ البيتِ إذْ وُضِعا

وأنت نقطةُ باءٍ مع توحّدَها

بها جميع الذي في الذِّكْرِ قد جُمعا

إلى أن يقول:

ما فرّقَ اللهُ شيئاً في خليقته

من الفضائل إلّا عندكَ اجتمعا

«المترجم»

٨٣٧

وأخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٩/ ١٦٨ /ط دار إحياء التراث العربي: عن أبي نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أبي برزة الأسلمي، ثم رواه بإسناد آخر بلفظ آخر عن أنس بن مالك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ رب العالمين عهد في عليّ إلَيَّ عهداً، أنّه رايةُ الهدى و منارُ الإيمان، و إمام أوليائي، و نور جميع مَنْ أطاعني. إنّ علياً أميني غداً في القيامة، و صاحب رايتي، بيد عليّ مفاتيح خزائن رحمة ربي(١) .

وقد تكرّر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مراراً عديدة أنّه شَبَّهَ علياًعليه‌السلام بالأنبياء، وروى ألفاظه أكثر أعلامكم ومحدثيكم في كتبهم، منها من أراد أنْ ينظر إلى نوح في عزمه و إلى آدم في علمه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى موسى في فِطنته و إلى عيسى في زهده، فلينظر الى علي بن أبي طالب، قال: رواه أحمد بن حنبل في المسند ورواه البيهقي في صحيحه.

وأخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٩ صفحة ١٧١/ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كنت أنا و عليٌ نوراً بين يدي الله عزّ و جلّ قبل أنْ يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق آدم قَسَّم ذلك فيه، و جعله جزأين، فجزءٌ أنا، و جزءٌ عليٌ.

قال: رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل عليعليه‌السلام ، وذكره

____________________

١) رواه العلّامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب السادس والخمسون بإسناده الى أنس بن مالك أنه قال: بعثني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ابي برزة فقال له وأنا أسمع ثم ذكر الحديث بتمامه.

«المترجم»

٨٣٨

صاحب كتاب الفردوس وزاد فيه: ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب، فكان لي النبوّة ولعليّ الوصيّة.

وأخرج جمعٌ من أعلامكم ومحدثيكم منهم أبو نعيم الحافظ في كتابه «حلية الأولياء » ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ٩/ ١٧٣، قال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخْصِمُكَ يا عليّ بالنبوّة! فلا نبوّة بعدي - أي أغلبك - ، و تخصم الناس بسبعٍ لا يجاحد فيها أحدٌ من قريش: أنت أولهم إيماناً بالله، و أوفاهم بعهد الله، و أقومهم بأمر الله، و أقسمهم بالسويّة، و أعدلهم في الرعيّة، و أبصرهم بالقضيّة، و أعظمهم عند الله مزيّة.

وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة / ١٢٤ / نقلاً عن عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتاب معالم العترة النبويّة، روى عن فاطمة الزهراءعليه‌السلام أنها قالت: خرج علينا أبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشية عرفة فقال: إنّ الله عزّ و جلّ باهى بكم الملائكة عامّة، و غفر لكم عامّة، و لعليّ خاصّة، و إنّي رسول الله إليكم غير محابٍ لقرابتي، إنّ السعيد كُلَّ السعيد مَنْ أحبَّ علياً في حياته و بعد موته، و إنّ الشقيّ مَنْ أبغض علياً في حياته و بعد مماته(١) .

____________________

١) و أخرجه ابن ابي الحديد في شرح النهج ج ٩ / ١٦٩، قال: خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحجيج عشية عرفة فقال لهم: إن الله قد باهى بكم الملائكة عامة، و غفر لكم عامة، و باهى بعليّ خاصّة، و غفر له خاصّة، إنّي قائل لكم قولاً غير محابٍ فيه لقرابتي، انّ السعيد كلّ السعيد حقّ السعيد من أحبّ علياً في حياته و بعد موته.

قال رواه أحمد بن حنبل في كتاب فضائل عليّعليه‌السلام ، وفي المسند أيضاً.

«المترجم»

٨٣٩

وخبر آخر رواه جمع من أعلام محدثيكم في مسانيدهم وصحاحهم، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعليعليه‌السلام : كذب من أنّه يحبني وهو مبغضك، يا عليّ! مَنْ أحبك فقد أحبَّني، ومَنْ أحبّني أحبَّهُ الله، ومَنْ أحبَّه الله أدخله الجنة، ومَنْ أبغضك فقد أبغضني، ومَنْ أبغضني أبغضه الله وأدخله النار(١) .

____________________

١) لقد أعلن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كراراً ومراراً بأنّه: كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغض علياً. قال بعبارات وألفاظ مختلفة والمعنى واحد، فقد روى ابن المغازلي في مناقبه بإسنادٍ يرفعه إلى أنس بن مالك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: كذب من زعم أنه يبغضك ويحبّني. وروى ابن حسنويه في در بحر المناقب عن أحمد بن مظفر بسنده عن أنس، بعين ما تقدّم.

وروى شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن عبدالملك بن عمير عن أنس: يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك فهو كاذب. والعلّامة الذهبي في ميزان الاعتدال: ج ١ / ٢٥١، ط. القاهرة / روى عن عبد الملك بن عمير عن أنس: يا علي! كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك، وفي ج ٢ / ٣١٣ بنفس الاسناد: من زعم أنّه يحبني وأبغض علياً فقد كذب.

وابن حجر الهيثمي في لسان الميزان: ج ٢ / ٢٨٥، ط. حيدر آباد رواه كما في ميزان الإعتدال سنداً ومتناً. وروى العلّامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب الثامن والثمانون / بإسناده إلى أم سلمة قالت: دخل علي بن ابي طالب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كذب من زعم أنه يحبني و يبغض هذا، قال هذا حديث حسن عال رواه التكريتي في «مناقب الأشراف» وابن كثير في البداية والنهاية: ج ٧ / ٣٥٤، ط. مصر عن أم سلمة: انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي: كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك، ورواه أيضاً بنفس اللفظ عن ابي سعيد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والخطيب موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب: ٤٥، ط. تبريز / روى بسنده المتصل إلى عبدالله بن مسعود أنه قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: مَنْ زعم أنّه =

٨٤٠